تصريحات أرينتش حول العلاقات التركية المصرية
إسماعيل ياشا
تركيا لم تكن ترغب على الإطلاق في التصعيد وتأزم علاقاتها مع مصر، بل كانت تولي لها أهمية خاصة، إلا أن الأحداث المؤسفة التي شهدها هذا البلد العربي الكبير أوصلت العلاقات بين أنقرة والقاهرة إلى هذه النقطة التي هي بالتأكيد ليست لصالح تركيا ولا لصالح مصر.
المتابع للشأن التركي يلاحظ أن هناك موقفين مختلفين في أوساط حزب العدالة والتنمية الحاكم من الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي:
الأول موقف رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان الذي يرفض الانقلاب العسكري ومشروعية عبدالفتاح السيسي جملة وتفصيلا، والثاني موقف الرئيس السابق عبدالله غول الذي بعث إلى السيسي رسالة تهنئة بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية.
وهذا الموقف الأخير أكثر «دبلوماسية» و «مرونة» و «واقعية» -إن صح التعبير– وإن كان الاثنان يتفقان في إدانة الانقلاب العسكري والتشديد على وجوب الاحترام لإرادة الشعب المصري. ويمكن أن نقول إن تصريحات أرينتش الأخيرة تتوافق إلى حد كبير مع موقف عبدالله غول.
الرئيس السابق عبدالله غول مهما كانت مكانته لدى قادة حزب العدالة والتنمية وأعضائه، فإنه لا دور له الآن في تحديد سياسات الحكومة وتنفيذها، أما أرينتش فهو من كبار مؤسسي حزب العدالة والتنمية ويشغل حاليا منصب نائب رئيس الوزراء، إلا أنه «سيتقاعد» بعد حوالي ستة أشهر ولن يتمكن من الترشح مرة أخرى في الانتخابات البرلمانية القادمة ضمن قوائم حزب العدالة والتنمية، بموجب النظام الداخلي الذي يحظر الترشح لأكثر من ثلاث فترات متتالية، ما يعني أنه سيكون خارج البرلمان وخارج مجلس الوزراء، وبالتالي يبقى هذا السؤال مطروحا: «إلى أي مدى تمثل هذه التصريحات توجه الحكومة التركية؟».
لم يأت تعليق مؤيد أو رافض من رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان ولا من رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو أو أعضاء حكومته الآخرين على تصريحات أرينتش بشأن العلاقات التركية المصرية، ولذلك يجب التريث قبل القول بأن أنقرة تغير موقفها من السيسي وإدارته.
الدول لا تفكر ولا تتحرك مثل الجماعات والأحزاب، ولا يمكن أن تتجاهل الواقع الذي يفرض نفسه عليها، وتضطر للتعامل مع الواقع للحفاظ على مصالحها ومصالح مواطنيها، وقد يكون الخيار الأفضل في ظل ظروف تتعارض فيها توجهات الدولة مع متطلبات الواقع، هو التوازن بين التمسك بالمبادئ وتلك التوجهات وتبني سياسة الواقعية والبراجماتية.
ترميم العلاقات التركية المصرية في الوقت الراهن ليس بأمر هين، في ظل وجود أطراف أخرى لا تحبذ تحسن العلاقات بين أنقرة والقاهرة وتقوم باستفزاز الطرفين لإفشال أي محاولة لنوع من المصالحة، وبالإضافة إلى ذلك فإن تركيا مقبلة على انتخابات برلمانية لا شك في أنها بالغة الأهمية في استكمال مشروع «تركيا الجديدة»، وأي خطوة من قبل الحكومة التركية في هذا التوقيت نحو تحسين العلاقات مع مصر السيسي قد يعتبرها الناخبون تراجعا عن مبدأ الوقوف إلى جانب الشعوب واستسلاما للانقلابيين، ولذلك يؤكد أرينتش أن «مصر هي التي يجب أن تقدم أولا خطوة».
هذه معركة الشعوب ضد الاستبداد والدكتاتورية، وليست معركة الدول، وباعتقادي أن كلاً من تركيا وقطر الشقيقة ستقفان في المستقبل إلى جانب الشعوب في مطالبها بالحرية والحياة الكريمة، كما وقفت حتى اليوم، بما يتوافق مع مقتضيات المرحلة وما تفرضه الظروف.
? @ismail_yasa
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق