( الغفلة والغلو.. أيهما أخطر..؟!)
د. عبد العزيز كامل
كانت سلخانات التعذيب وأهوال الإرهاب في سجون عبد الناصر الحربية في الستينيات الميلادية , أفظع من أن يتحملها أو يصبر عليها بشر ,إلا من ربط الله على قلبه ووهبه حُكما وعلما وحلما ؛ ولهذا فإن هذه الأحداث المروعة أنبتت في مصر جذور غلو جانح نحو التوسع في التكفير والرغبة في الانتقام والتدمير ,في رد فعل عنيف على فعل أعنف ؛ وزاد الطين بلة أن فريقا من أدعياء العلم والفكر انحازوا علانية واختيارا إلى الطرف الطاغي الباغي , فنشأ السؤال المُر : هل يمكن أن يكون هؤلاء الباغون مسلمين ؟ّ!... وهل هذا الإسراف في البطش الإجرامي هو جزاء من بذل الجهد والنفس والمال دفاعا عن حرية هذه الشعوب وكرامتها ؟بقية القصة معروفة , حيث برزت أفكار تكفر المحكومين عامة بدعوى انحيازهم أو سكوتهم على طغيان الحكام خاصة , وجرى استغلال بعض تلك الظواهر الجانحة أسوأ استغلال لضرب الدعوة وكبت الدعاة .
في تقديري أن شيئا قريبا من ذلك حدث بعد احتلال العراق , حيث ندب رجال مجاهدون من العراق وماحوله أنفسهم للتصدي للعدوان الأمريكي المدعوم من أكثر الأنظمة العربية , وتحملوا نتيجة ذلك أثمانا باهظة من أرواحهم ودمائهم وحرياتهم ومستقبل أسرهم , ثم إذا بهؤلاء يُفجعون بعد أن أثخنوا في الغزاة وأربكوا خططهم ؛بطعنات غدر من الخلف تتوالى من أطراف كان يفترض أن تقف معهم لا أن تقف بوجههم , حيث حُشدت فرق مسلحة من منافقين أو مخترقين منسوبين للسنة تحت مسمى ( صحوات العشائر ) ليس لها إلا هدف واحد , هو تنفيذ الأجندة الأمريكية المعهودة والمتكررة, بضرب مايسمى (المتشددين) بما يسمى (المعتدلين) بتأليب وترتيب من الأنظمة الخائنة , والهدف في النهاية ضرب الفريقين معا , والانتهاء منهما معا !
كان لآل سعود – كمايعرف المتابعون - دورا مركزيا في هذه المؤامرة الخبيثة في العراق , وكان باعثهم – كما كان شأنهم مؤخرا في مصر- المسارعة في استرضاء الأعداء خوفا منهم ورجاء ببقاء عروشهم وكراسيهم أطول زمن ممكن .
ومما يؤسف له أن جماعات وأحزابا محسوبة على الإسلاميين في العراق شاركت بطرق ما ؛ في فصول هذه ( الدراما ) السوداء .. بدعوى أن المشروع السياسي أكثر جدوى من المشروع الجهادي !
ماذا كان يتوقع من رد فعل من المغدور بهم على هذا المسلك الخؤون..؟!...
ماذا كان يتوقع من رد فعل من المغدور بهم على هذا المسلك الخؤون..؟!...
الحقيقة المؤسفة أن رد الفعل هذه المرة كان أعنف من الفعل , لأن ضحايا المؤامرة هذه المرة لم يكونوا مجرد ضعفاء عزل في سجون النظم الإرهابية , أو أناس يكتفون بأنهم يهتفون : سلمية سلمية ... بل كانوا منظمات عسكرية عركت الحرب وعرفت المعارك , فكان ما كان من اقتتال شديد بينهم وبين جنود صحوات النفاق التي بلغت نحو خمسين ألفا , وهو اقتتال لم يكسب منه إلا الأعداء , وانتهى بفشل المشروعين السياسي و الجهادي معا , وقطف الشيعة ثمار الملحمة كلها توسعا في ( المشروع الشيعي ) الناهض على أكتاف (المشروع السني المهيض ..!
الغلو في كل حال مستنكر ومدان من أي طرف كان , لكن لابد أن نعترف أن تلك المؤامرة القذرة على المجاهدين في العراق ,بذرت بين بعضهم بذور غلو وتشدد , ربما كان أشد مما حدث في مصر .
هناك خشية حقيقة من تكرار السيناريو نفسه في سوريا , حيث تعمل هناك أعتى أجهزة المخابرات العالمية والإقليمية , لتغيير مسار الثورة السورية عن طريق الخطوات نفسها , وبالأطراف ذاتها , لتحقيق النتائج الكارثية عينها , استغلالا لغلو الغلاة , وتوظيفا لغفلة الغافلين الذين يضعون حسن الظن في غير محله . وهذا ما جعلني في المقال السابق أنبه على ضرورة رصد الدور الخبيث الجديد لحكومات الخليج في توريط بعض المجاهدين السوريين – لحساب أجندة أمريكية - بمثل ما تورط فيه المجاهدون العراقيون من مخاطر الاقتتال في غير وجهته , والغلو في غير محله .
أما عن إيراد اسم ( الجيش الإسلامي ) في سياق التآمر السعودي الجديد ؛ فالثابت أن أمريكا تبحث منذ مدة عن طرف تكرر معه بالتنسيق مع حكام الخليج قصة ضرب " المتشددين" بعد شيطنتهم ,بالمعتدلين بعد خديعتهم .
معلوماتي من المصادر المنشورة والمنثورة في الشبكة العنكبوتية , تفيد أن اختراقا يحدث , أوهو قد حدث بالفعل , لتنفيذ أو إعادة تنفيذ بنود خطة معهد (راند) الصادرة عام 2004,عن تكوين شبكات لأصحاب الإسلام "المعتدل " , لمواجهة الإسلام "المتشدد" .
وهي الآن قيد التطبيق للالتفاف على الثورة السورية , وكل طرف يتلقى دعمه المباشر أو غير المباشر من دول الخليج بعد سجلها الحافل في ضرب حركات التحرر السنية , هو موضع تهمة بالغفلة وسوء الاستغلال حتى يثبت العكس .
لست أدعى حكمة ولا احتكارا للصواب , فقد أكون مخطئا في تعيين طرف ما في المؤامرة التي تجري مقدماتها اليوم يقينا على أرض سوريا , وأنا على كامل الاستعداد لتصحيح رأيي , والاعتذار عن خطئي عند وضوح وجه الحقيقة الغائب عني , لكن في كل الأحوال أخشى أن يتكرر لعب الأمريكيين بالحكام الخليجيين ولعب الحكام الخليجيين تبعا لذلك بالإسلاميين , استغلالا لما يسميه البعض : " تقاطع المصالح " !
الاختراق أو حتى الارتزاق؛ لايفيد بالضرورة تخوينا , فكثرا ما يخترق الغافلون , فيساقون إلى غير مايحبون .
لذلك أدعو أن يُفرغ بعض الباحثين جزءا من وقتهم وجهدهم لرصد ماحدث في تجربة العراق بالتفصيل , لأن فصوله تتكرر الآن في سوريا !...
لست أدعى حكمة ولا احتكارا للصواب , فقد أكون مخطئا في تعيين طرف ما في المؤامرة التي تجري مقدماتها اليوم يقينا على أرض سوريا , وأنا على كامل الاستعداد لتصحيح رأيي , والاعتذار عن خطئي عند وضوح وجه الحقيقة الغائب عني , لكن في كل الأحوال أخشى أن يتكرر لعب الأمريكيين بالحكام الخليجيين ولعب الحكام الخليجيين تبعا لذلك بالإسلاميين , استغلالا لما يسميه البعض : " تقاطع المصالح " !
الاختراق أو حتى الارتزاق؛ لايفيد بالضرورة تخوينا , فكثرا ما يخترق الغافلون , فيساقون إلى غير مايحبون .
لذلك أدعو أن يُفرغ بعض الباحثين جزءا من وقتهم وجهدهم لرصد ماحدث في تجربة العراق بالتفصيل , لأن فصوله تتكرر الآن في سوريا !...
ونخشى أن تتكرر يوما في مصر !
فاللهم سلم سلم !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق