الأحد، 12 يناير 2014

( الغفلة والغلو.. أيهما أخطر..؟!)

( الغفلة والغلو.. أيهما أخطر..؟!) 

د. عبد العزيز كامل‎
كانت سلخانات التعذيب وأهوال الإرهاب في سجون عبد الناصر الحربية في الستينيات الميلادية , أفظع من أن يتحملها أو يصبر عليها بشر ,إلا من ربط الله على قلبه ووهبه حُكما وعلما وحلما ؛ ولهذا فإن هذه الأحداث المروعة أنبتت في مصر جذور غلو جانح نحو التوسع في التكفير والرغبة في الانتقام والتدمير ,في رد فعل عنيف على فعل أعنف ؛ وزاد الطين بلة أن فريقا من أدعياء العلم والفكر انحازوا علانية واختيارا إلى الطرف الطاغي الباغي , فنشأ السؤال المُر : هل يمكن أن يكون هؤلاء الباغون مسلمين ؟ّ!... وهل هذا الإسراف في البطش الإجرامي هو جزاء من بذل الجهد والنفس والمال دفاعا عن حرية هذه الشعوب وكرامتها ؟
بقية القصة معروفة , حيث برزت أفكار تكفر المحكومين عامة بدعوى انحيازهم أو سكوتهم على طغيان الحكام خاصة , وجرى استغلال بعض تلك الظواهر الجانحة أسوأ استغلال لضرب الدعوة وكبت الدعاة .

في تقديري أن شيئا قريبا من ذلك حدث بعد احتلال العراق , حيث ندب رجال مجاهدون من العراق وماحوله أنفسهم للتصدي للعدوان الأمريكي المدعوم من أكثر الأنظمة العربية , وتحملوا نتيجة ذلك أثمانا باهظة من أرواحهم ودمائهم وحرياتهم ومستقبل أسرهم , ثم إذا بهؤلاء يُفجعون بعد أن أثخنوا في الغزاة وأربكوا خططهم ؛بطعنات غدر من الخلف تتوالى من أطراف كان يفترض أن تقف معهم لا أن تقف بوجههم , حيث حُشدت فرق مسلحة من منافقين أو مخترقين منسوبين للسنة تحت مسمى ( صحوات العشائر ) ليس لها إلا هدف واحد , هو تنفيذ الأجندة الأمريكية المعهودة والمتكررة, بضرب مايسمى (المتشددين) بما يسمى (المعتدلين) بتأليب وترتيب من الأنظمة الخائنة , والهدف في النهاية ضرب الفريقين معا , والانتهاء منهما معا !

كان لآل سعود – كمايعرف المتابعون - دورا مركزيا في هذه المؤامرة الخبيثة في العراق , وكان باعثهم – كما كان شأنهم مؤخرا في مصر- المسارعة في استرضاء الأعداء خوفا منهم ورجاء ببقاء عروشهم وكراسيهم أطول زمن ممكن .
ومما يؤسف له أن جماعات وأحزابا محسوبة على الإسلاميين في العراق شاركت بطرق ما ؛ في فصول هذه ( الدراما ) السوداء .. بدعوى أن المشروع السياسي أكثر جدوى من المشروع الجهادي !

ماذا كان يتوقع من رد فعل من المغدور بهم على هذا المسلك الخؤون..؟!
... 
الحقيقة المؤسفة أن رد الفعل هذه المرة كان أعنف من الفعل , لأن ضحايا المؤامرة هذه المرة لم يكونوا مجرد ضعفاء عزل في سجون النظم الإرهابية , أو أناس يكتفون بأنهم يهتفون : سلمية سلمية ... بل كانوا منظمات عسكرية عركت الحرب وعرفت المعارك , فكان ما كان من اقتتال شديد بينهم وبين جنود صحوات النفاق التي بلغت نحو خمسين ألفا , وهو اقتتال لم يكسب منه إلا الأعداء , وانتهى بفشل المشروعين السياسي و الجهادي معا , وقطف الشيعة ثمار الملحمة كلها توسعا في ( المشروع الشيعي ) الناهض على أكتاف (المشروع السني المهيض ..! 

الغلو في كل حال مستنكر ومدان من أي طرف كان , لكن لابد أن نعترف أن تلك المؤامرة القذرة على المجاهدين في العراق ,بذرت بين بعضهم بذور غلو وتشدد , ربما كان أشد مما حدث في مصر .

هناك خشية حقيقة من تكرار السيناريو نفسه في سوريا , حيث تعمل هناك أعتى أجهزة المخابرات العالمية والإقليمية , لتغيير مسار الثورة السورية عن طريق الخطوات نفسها , وبالأطراف ذاتها , لتحقيق النتائج الكارثية عينها , استغلالا لغلو الغلاة , وتوظيفا لغفلة الغافلين الذين يضعون حسن الظن في غير محله . وهذا ما جعلني في المقال السابق أنبه على ضرورة رصد الدور الخبيث الجديد لحكومات الخليج في توريط بعض المجاهدين السوريين – لحساب أجندة أمريكية - بمثل ما تورط فيه المجاهدون العراقيون من مخاطر الاقتتال في غير وجهته , والغلو في غير محله .

أما عن إيراد اسم ( الجيش الإسلامي ) في سياق التآمر السعودي الجديد ؛ فالثابت أن أمريكا تبحث منذ مدة عن طرف تكرر معه بالتنسيق مع حكام الخليج قصة ضرب " المتشددين" بعد شيطنتهم ,بالمعتدلين بعد خديعتهم .

معلوماتي من المصادر المنشورة والمنثورة في الشبكة العنكبوتية , تفيد أن اختراقا يحدث , أوهو قد حدث بالفعل , لتنفيذ أو إعادة تنفيذ بنود خطة معهد (راند) الصادرة عام 2004,عن تكوين شبكات لأصحاب الإسلام "المعتدل " , لمواجهة الإسلام "المتشدد" . 
وهي الآن قيد التطبيق للالتفاف على الثورة السورية , وكل طرف يتلقى دعمه المباشر أو غير المباشر من دول الخليج بعد سجلها الحافل في ضرب حركات التحرر السنية , هو موضع تهمة بالغفلة وسوء الاستغلال حتى يثبت العكس .

لست أدعى حكمة ولا احتكارا للصواب , فقد أكون مخطئا في تعيين طرف ما في المؤامرة التي تجري مقدماتها اليوم يقينا على أرض سوريا , وأنا على كامل الاستعداد لتصحيح رأيي , والاعتذار عن خطئي عند وضوح وجه الحقيقة الغائب عني , لكن في كل الأحوال أخشى أن يتكرر لعب الأمريكيين بالحكام الخليجيين ولعب الحكام الخليجيين تبعا لذلك بالإسلاميين , استغلالا لما يسميه البعض : " تقاطع المصالح " !
الاختراق أو حتى الارتزاق؛ لايفيد بالضرورة تخوينا , فكثرا ما يخترق الغافلون , فيساقون إلى غير مايحبون .
لذلك أدعو أن يُفرغ بعض الباحثين جزءا من وقتهم وجهدهم لرصد ماحدث في تجربة العراق بالتفصيل , لأن فصوله تتكرر الآن في سوريا !...
 ونخشى أن تتكرر يوما في مصر ! 
فاللهم سلم سلم !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق