الأربعاء، 26 مارس 2014

خوارج العصر


خوارج العصر

د . مسعود صبري
أطلق بعض أساتذة الشريعة بجامعة الأزهر لفظ «خوارج العصر» على بعض الفئات من أهل السُّنة والجماعة من مؤيدي الشرعية ورافضي الانقلاب العسكري بمصر، وبعيداً عن الموقف السياسي لكلا الفريقين، فإن استدعاء مصطلح «الخوارج» الذي هو علم على مذهب عقدي مخالف لمنهج أهل السُّنة والجماعة، وإنزال بعض أساتذة جامعة الأزهر هذا المصطلح على فئات من الشعب المصري من مؤيدي الشرعية ورافضي الانقلاب ليدعو إلى التوقف إلى تكرار هذا المصطلح، خاصة حين يخرج من رموز المؤسسة الأزهرية، لأن ذلك له معنى من أمرين: 
الأول: جهل من تحدث من مؤسسة الأزهر الرسمية بمعنى هذا المصطلح، وأنهم لا يدرون ما المقصود بفرقة الخوارج؟ وهذا مستبعد، لأن فرقة الخوارج من الفرق التي يعرفها طلاب العلم فضلاً عن أساتذة وأكاديميين درسوا مادة الفرق والمذاهب في جامعة عريقة كجامعة الأزهر الشريف. 
المعنى الثاني: قيام هؤلاء بالتدليس على عوام الناس، وهم في ذلك يصدق فيهم قول الله تعالى في أهل الكتاب ومن على شاكلتهم وفعل فعلهم: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ {71}}(آل عمران)، وإن من يدلس في دين الله تعالى عامداً قاصداً تضليل الناس، فهو كمن قال الله تعالى فيهم: { وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ {187}}(آل عمران).
نقض العهد وإن العالِم حين يخون علم الله الذي آتاه إياه، فهو ناقض للعهد، وحين يدلس على الناس بعلمه فهو ممن يحرف الكلم عن مواضعه، فهم يشبهون علماء اليهود والنصارى ممن قال الله تعالى فيهم: { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ}(المائدة:13)، وكأنه طمس على قلوب هؤلاء حين يخرجون مصرحين للجيش أنِ اطلقوا عليهم النار واقتلوهم، كاذبين على رسول الله "صلى الله عليه وسلم" الذي بعث بالرحمة أنه أتى أحدهم في المنام يأمره بقتل العزل المسالمين. 
وقد احتجَّ من وصف مؤيدي الشرعية ورافضي الانقلاب العسكري بأنهم خوارج إلى أنهم خرجوا على الحاكم، يقصد رئيس مصر المؤقت، ورئيس الانقلاب وزير الدفاع، وأن خروج الملايين للمطالبة بعودة الرئيس المنتَخَب يعد نوعاً من الخروج؛ لأن الرئيس المنتخب - حسب زعم مفتي الانقلاب - أصبح في حكم «الإمام المحجور»!
وقبل بيان بهتان وزور من وصف طائفة من أهل السُّنة والجماعة من مؤيدي الشرعية أنهم خوارج يحسن التعريف بفرقة الخوارج وفكرها حتى يتبين ضلال الأساتذة المدلسين المزورين في دين الله تعالى، المحرفين الكلم عن مواضعه.
من الخوارج؟ 
يعرف د. سفر الحوالي، أستاذ العقيدة وأحد علماء المملكة العربية السعودية، فرقة الخوارج بأنها: علم على الفرقة التي تكفر المسلمين، وتستحل دماءهم بمجرد المعاصي. ويبين أهم الأفكار التي يبنى عليه فكر الخوارج، ومن أهمها: تكفير مرتكب الكبيرة، وتخليده في النار، وتكفير من خالفهم من المسلمين، والحكم على دار مخالفيهم أنها دار كفر، كما أنهم يكفرون عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - وهذه الفرقة من الخوارج تعرف بـ«الأزارقة». ومنهم فرقة تعرف بـ«النجدات»، وهذه الفرقة تكفِّر المسلمين ممن خالفهم إلا الجاهل، ويرون ديار من خالفهم ديار نفاق لا ديار كفر، وأن المؤمن لا يكفر بمجرد فعل الكبيرة، وإنما بالإصرار على الكبيرة.
ومنهم فرقة «الإباضية»، وهي تقول: إن القرآن مخلوق، وأن مرتكب الكبيرة مخلد في النار، وإن كانوا لا يحكمون عليه بالكفر الأكبر، وأن من يثبت رؤية الله تعالى في الآخرة كافر، وأنهم يأوّلون صفات الله تعالى، ويأولون الصراط والميزان.
الرد على من اتهم مؤيدي الشرعية بالخوارج ويستند أساتذة الأزهر في وصفهم لمؤيدي الشرعية أنهم خوارج إلى أنهم خرجوا على الحاكم المؤقت.
وقد ردَّ الشيخ العلامة يوسف القرضاوي على تلك الشبهة قائلاً: إن الحاكم الشرعي لمصر هو «د. محمد مرسي»، المنتَخَب بأغلبية من الشعب، ومعه الدستور المستفتى عليه، وأن معتصمي «رابعة العدوية» و«النهضة» كانوا مسالمين، ولم يحملوا أسلحة أو سكاكين، وسلاحهم كان السلمية والتكبير، وأن ملايين المصريين خرجوا في تظاهرات سلمية ضد الانقلابيين. وأبان د. عبدالرحمن البر، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، أن الخوارج هم من انقلبوا على الإرادة الشعبية والرئيس المنتَخَب وليس الثوار الذين يطالبون بعودة الشرعية وولي الأمر.. مستدلاً بأن الرئيس «محمد مرسي» انعقدت له بيعة الأمة، وصارت طاعته واجبة، ولم يسقطه الشعب في انتخابات حرة، إنما خانه وزير دفاعه مستغلاً وجود قسم من الشعب معارض له ولسياساته، فنازعه في حكمه وخرج عليه بالسلاح، واختطفه واختطف معه إرادة الأمة التي انتخبته.
ورأى د. البر أنه إن كان يجب وصف أحد الفريقين بأنهم خوارج فالأحق بوصف الخوارج هم الانقلابيون ومن رضي بخيانتهم، ولهذا كانت فتاوى سائر العلماء والروابط العلمية والهيئات والاتحادات العلمائية في كل أنحاء الدنيا واضحة في التأكيد على أن الحاكم الشرعي لمصر هو «د. محمد مرسي»، وأن ما جرى من انقلاب هو خروج غير مشروع.
وأبان كل من القرضاوي والبر أن من أفتى بحرمة خروج مؤيدي الشرعية كانوا قد أفتوا بحرمة المظاهرات ضد الرئيس المخلوع، في الوقت الذي كان التظاهر مكفولاً قانونياً. انقلاب عسكري وكان عدد غير قليل من علماء الأزهر أفتى بأن ما حصل في مصر انقلاب عسكري على رئيس شرعي منتَخَب، وعلى رأسهم الشيخ د. حسن الشافعي، مستشار شيخ الأزهر، ود. محمد عمارة، عضو لجنة كبار العلماء بالأزهر وغيرهما.
أما الادعاء بأن الحاكم (د. محمد مرسي) إمام محجور عليه، فقد أبان الفقهاء - كما يشير د. وهبة الزحيلي - أن من أسباب عزل الإمام غلبة بعض الجنود عليه إن أقاموا الشريعة والعدل بين الناس، أما إن كانوا حكام جور وظلم، فتبقى بيعة الحاكم في رقبة المسلمين يحرم عليهم خلعها، وهو ما نراه في حالة «د. محمد مرسي».
وإذا كان الاتهام بالخوارج تشبيهاً لمن خرج بالسلاح على المسلمين، فنحن نسأل: من أفتى بأن مؤيدي الشرعية أنهم خوارج؟
هل ثبت أن مؤيدي الشرعية خرجوا مسلحين على المجتمع؟ أم أنهم خُرج عليهم بالسلاح وقتل منهم الآلاف وجرح منهم عشرات الآلاف واعتقل منهم أعداد غفيرة؟
فأي الفريقين أشبه الخوارج في فعله: مؤيدو الشرعية أم سلطة الانقلاب ومن وافقهم؟ 
وإذا كان الخوارج قد حكموا بتكفير المسلمين مرتكبي الكبائر، فأي الفريقين من مؤيدي الانقلاب ومؤيدي الشرعية من كفر الآخر؟
وإذا كان الخوارج يعتبرون أن ديار مخالفيهم ليست ديار الإسلام، فمن من الفريقين قال: أنتم شعب ونحن شعب؟ 
ثم إنه من المعلوم أن مؤيدي الشرعية من أهل السُّنة والجماعة، وأنهم لم يخرجوا على حاكم صحَّت إمامته، بل خرجوا دفاعاً عن الإمام الذي صحت إمامته، فكانوا أقرب إلى الحق من غيرهم. على أن مصطلح «الخوارج» يجب أن يبقى علماً على من كفَّر المسلمين وخرج عليهم بالسلاح ظلماً وعدواناً، واعتقد أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار، ومن أوَّل صفات الله تعالى.
وإن كانت سلطة الانقلاب لها مصلحة سياسية في انقلابهم، فإنه يبقى واجب على أهل العلم أن يتجردوا لبيان الحق دون تحيز إلى فريق دون آخر، فانتماء أهل العلم إنما هو للحق الذي يجب عليهم بيانه؛ قياماً بوظيفة علماء الأمة وتحقيقاً لريادة الفقهاء للمجتمع المسلم
 *قول باطل 
سئل الشيخ ابن باز يرحمه الله تعالى: هل الخوارج على منهج السلف كما يدعي البعض؟
فأجاب يرحمه الله تعالى في مجموعه فتاويه (28/ 253): 
هذا قول باطل، وقد أبطله النبي "صلى الله عليه وسلم" بقوله في الخوارج: «تمرق مارقة على حين فرقة من أمتي، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وقراءته مع قراءتهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم» (رواه البخاري)، وفي لفظ آخر عن النبي "صلى الله عليه وسلم" أنه قال في الخوارج: إنهم «يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان» (رواه البخاري)، وقد علم من عقيدتهم أنهم يكفرون العصاة من المسلمين، ويحكمون بخلودهم في النار؛ ولهذا قاتلوا علياً رضي الله عنه، ومن معه من الصحابة وغيرهم، فقاتلهم علي وقتلهم يوم النهروان، رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين، والله الموفق.
وقال عنهم سماحة شيخنا العلامة ابن عثيمين يرحمه الله تعالى في مجموع فتاويه (2/ 136): 
قد عرف من مذهب الخوارج تكفير كثير من الصحابة ومن بعدهم واستحلال دمائهم، وأموالهم، واعتقادهم التقرب بقتلهم إلى ربهم، ومع هذا لم يحكم الفقهاء بكفرهم لتأويلهم، وكذلك يخرج في كل محرم استحل بتأويل مثل هذا.. 
واستشهد بقول شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله تعالى: «وبدعة الخوارج إنما هي من سوء فهمهم للقرآن، لم يقصدوا معارضته، لكن فهموا منه ما لم يدل عليه، فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب»، ثم حكى خلاف الفقهاء في تكفيرهم على مذهبين. فخلاصة فكر الخوارج هو تكفير المسلمين بفعل الكبائر.


إضافة تعليق عودة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق