شماعة الشيطنة
ماجد محمد الأنصاري
أذكر حين كنت طالباً في الولايات المتحدة أن أستاذ السياسة الأميركية الذي درسي لي ذكر لسبب أو آخر مصطلحاً غريباً وهو الـ «موتوا» وبعد أن شرح قصده فهمت أنه يعني أفراد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالسعودية، فرفعت يدي احتجاجاً على المضمون والمسمى باعتبار أن «الموتوا» أو المطاوعة لفظ يستخدم لكل متدين بغض النظر عن انتمائه للهيئة فلا يجوز استخدامه هنا، بعد المحاضرة طلبني إلى طاولته ووجه لي طلباً غريباً، طلب مني أن أكتب له بأحرف إنجليزية المسمى العربي الدارج لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ترجمت له المصطلح ولكنه لم يبدِ اهتماماً إلا في مصطلح «الهيئة» فهو بطبيعة الحال لم يكن يرغب إلا في مصطلح يسمح له بشيطنة الهيئة ولكن بمصداقية أعلى من مصطلحه الأصلي ليس إلا.
مع بدايات الحرب العالمية الثانية واجهت قوى العالم المختلفة حقيقة جديدة في الحرب، لم تعُد الحرب شأناً يقرر فيه السياسيون ويقتل فيه المواطنون فهناك نوع جديد من الحروب لاح في الأفق، إنها الحرب الإعلامية أو البروبجندا، مع ظهور التقارير المصورة وسرعة انتشار المعلومة وتوسع نطاق بث محطات الراديو صار بإمكان العدو في أي حرب أن يغزو قلوب وعقول مواطني عدوه ويؤثر على وحدة الصف وينشر الأكاذيب دون حسيب أو رقيب، على إثر ذلك كانت الأدوات الإعلامية لطرفي الحرب بحاجة إلى أداة مضادة تضمن توحد المواطنين مع الدولة في عدائها.
نجحت الأجهزة الإعلامية للتحالف في صناعة عدو موحد من خلال شيطنة هتلر، بطبيعة الحال هتلر لم يكن بحاجة لكثير من الشيطنة فأسلوبه الناري في الخطابة ونظرته الجادة وتسريحة شعره الفريدة وفرت مادة خصبة، ولكن اللوحات الإعلانية في الولايات المتحدة وبريطانيا استثمرت ذلك وبنت عليه، نموذج الشيطنة الهتلري استخدم الآتي، اختزال العدو في شخص أو عنوان موحد، وسم العدو بمسميات وشعارات تبدو أجنبية أو مريبة مثل الفهرر والنظام النازي والصليب المعقوف، رمي كل مشاكلك على هذا العدو بتحميله مسؤولية كل ما يحصل.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية أعادت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي استخدام هذا النموذج في معاركهم المختلفة فصور الأمريكان الاتحاد السوفيتي بوجه ستالين وأنياب دراكولا، وصور السوفييت أميركا بصفتها الجندي الهمجي الحامل للسلاح والطامع في المال والقاتل للأطفال واستمر ذلك حتى بعد نهاية الحرب الباردة في أقنية الإعلام الأميركية وصولاً إلى الصراع بين أميركا والقاعدة، فاختزل وجه الجماعات الجهادية في أسامة بن لادن وصورته الشهيرة ومصطلح «القاعدة» والذي لم أشهد أن ترجمه إعلامي أميركي أو أن يذكر سبب تسمية الجماعة خلال السنوات العديدة التي شكلت الحرب على الإرهاب، كل ذلك من أجل الإمعان في الشيطنة.
اليوم تستخدم بعض الأنظمة العربية هذا السلاح بشكل فاضح ضد كل من يطالب بأي نوع من الإصلاح بأي شكل كان في العالم العربي، بدلاً من التعامل مع كل شخص أو مجموعة باعتبار من هو، قررت هذه الأنظمة اختراع شيطان خاص بها ربطته بمصطلح الإخوان وإثم الأخونة في محاولة لاستغلال الطبيعة السرية لهذه الجماعة لإضاعة جو من الريبة والخوف منها وألصقت هذا العنوان بكل من استهدفت من المتظاهرين والسياسيين المعارضين والثوار والمغردين والإعلاميين وكل من تكره وتحارب وتخاف منه حتى قام أحد غلاة الإعلاميين المستشيخين من المطبلين لهم بجمع الليبرالي والسلفي والإخواني والعامي في حلقة واحدة تحت عباءة خطر الإخوان وكأن الدنيا خلت من غيرهم.
إمعاناً في الشيطنة قررت هذه الأنظمة استهداف قطر ضمن حملتها فربطت قطر بالإخوان واستخدمت وجود رموز للإخوان في قطر للربط العضوي بين الدولة المستقلة والجماعة الفكرية في جسد واحد هو العدو الذي يعمل، حسب أكذوبتهم، على تمزيق الصف العربي وخدمة إيران وإسرائيل وأميركا والجهاديين في آن واحد، هذا غير العمل لطموحات الإخوان في حكم العالم وقطر في السيطرة على العرب، ونقول لله در من يستطيع القيام بذلك كله في رمشة عين واحدة.
بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع الإخوان أو السياسة الخارجية لدولة قطر لا بد من الحذر من هذه الشيطنة التي دفعت الكثيرين إلى توجيه نقدهم وسل سيوفهم على كل مفكر حر ومناقش صادق بدعوى انتمائه للإخوان وارتمائه في أحضان قطر، على المتابع التفريق بين العناوين التي يلصقها من يرغب بهذه الشخصية أو تلك الجمعية والاكتفاء بالحكم على ما يرى بعينه ويسمع بأذنه من آراء وأفكار، كن ذكياً بما يكفي في حكمك على الناس حتى لا تقع فريسة لسلاح صمم لاستثمار جهل الشارع وهندس ليصادر حقك في التفكير وقدرتك على التمييز.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق