الثلاثاء، 18 مارس 2014

إنزلاقات الأزهر للفاتيكان إلى متى ؟

إنزلاقات الأزهر للفاتيكان إلى متى ؟ 
الدكتورة زينب عبدالعزيز 
أستاذة الحضارة الفرنسية 
يوم 14 مارس 2014 نشرت جريدة "لا كروا" التابعة للفاتيكان تحت عنوان : "الكنيسة الكاثوليكية والأنجليكانية تنضمان للأزهر ضد الإتجار بالبشر". وصياغة عنوان الخبر توضح أن الأزهر هو صاحب المبادرة الجليلة وأن الكنيسة الفاتيكانية والإنجليكانية تنضمان لجهوده.. أما صياغة الخبر وملحقاته فتكشف العكس تماما. وفيما يلى ترجمة الخبر بكامله : 
"أعلن المتحدث بإسم الكرسى الرسولى يوم الخميس 13 مارس أنه سوف يتم توقيع إتفاق بين ممثلين من الكنيسة الكاثوليكية والإنجليكانية وكذلك من جامعة الأزهر السُنية المصرية من أجل مكافحة كل "أشكال العبودية الحديثة والإتجار بالأشخاص".
"وقد تمت مناقشة هذا الإتفاق بواسطة مؤسسة "شبكة الحرية الشاملة" (Global Freedom Network) بالمساندة التامة للبابا فرنسيس وأسقف كانتربرى ݘستين ويلبى والإمام الأكبر للأزهر محمد أحمد الطيب، تحت رعاية جمعية خاصة تعمل ضد العبودية الحديثة واسمها "Walk Free Foundation" ، أى (مؤسسة سرْ حراً).
"ومن ناحية الكرسى الرسولى فإن المونسينيور سانشيز سوروندو، مدير الأكاديميات البابوية للعلوم والعلوم الإجتماعية كان له دورا أساسيا، وسوف يوقع الإتفاق بإسم الكنيسة. وفى الخريف، كان الأسقف الأرجنتينى الأصل قد نظم لقاء عمل فى الفاتيكان بحضور خبراء دوليين لمعرفة أية إجابات محددة يمكن للكنيسة أن تقدمها فى مواجهة شبكات الإتجار بالبشر.
"كما أن البابا فرنسيس قد أدان عدة مرات الجرائم الخطيرة ضد الإنسانية وهى الإتجار بالرجال والنساء والأطفال أو حتى المهاجرين.
"ورجل الدين السُنى محمود عزب الذى يمثل الإمام الأكبر للأزهر، والقس الأنجليكانى دافيد ون موكسون ممثلا لأسقفية كانتربرى، وآندرو فورست، رجل الأعمال الأسترالى المحب للبشر ومؤسس جمعية "سرْ حرا"، سيحضرون يوم الإثنين 17 مارس فى الفاتيكان.
"وبهذه الإتفاقية يعرب الأزهر مرة أخرى عن رغبته فى التقارب مع الكرسى الرسولى بعد فترة الفتور التى تركت أثرها على بابوية بنديكت 16".

وقبل أن أتناول التعليق على هذا الخبر المؤسف ، أشير لمن يفهم تلميحاً، أن أول فقرة من هذا الخبر بجوارها إطار، مكتوب عليه : "مع هذا الخبر"، وعنوان المقال المشار إليه مع تفعيل رابطه لمن يود قراءته نطالع : "روما تستقبل بحذر إنفتاح الأزهر" !! وهذا المقال المشار إليه بتاريخ 12 يونيو 2013. 

كما أود الإشارة إلى مقال مطول وارد بجريدة "Le Temps" المالية الفرنسية، الصادرة بتاريخ 15 مارس 2014، وبه مقال عن بنك الفاتيكان، أوجز منه ما يلى : 

أنه فى 30 يناير 2014 وافق البابا فرنسيس على إستقالة الكاردينال أتيليو نيكورا الذى كان يترأس الميزانية المالية للفاتيكان، ضمن عملية تطهير واسعة يقودها منذ إنتخابه. ومجلس إدارة السلطة المالية الذى تم تعيينه أيام بنديكت، سيتم تجديده كلية هذا الشهر، إذ قام البابا فرنسيس بتعيين ما يشبة وزارة المالية، مكونة من 15 عضوا ثمانية من الأساقفة وسبعة من المدنيين. وفى يوليو القادم سيتم الإستغناء عن خدمات إثنان من مديرى "مؤسسة الأعمال الخيرية الدينية" وهو الإسم الرسمى لبنك الفاتيكان ! ورئيس البنك، إيتّورى تديسكى، االذى كان أول من وضع قانونا ضد غسيل الأموال، إعتبرته السلطات الدولية التى تباشر تقويم إنحرافات بنك الفاتيكان، غير كاف واضطر إلى ترك منصبه.. 

وأدت هذه التغيرات إلى إندلاع صراعات داخلية بين المسئولين، مرؤسين ورؤساء، على الرغم من جهود الإصلاح وترحيل أكثر من الفين ومائة من العملاء المشبوهين فى الفترة من 2011 و 2012، فما زال بنك الفاتيكان، بنك الأعمال الخيرية الدينية، المتهم بالمشاركة فى غسيل الأموال رسميا، وبالتعامل مع المافيا الإيطالية، وبالإتجار فى بالبشر وبالأعضاء، وبالأسلحة وتهريبها وبتمويل الثورات، وبالسماح بفتح حسابات بالتوكيلات، لا يزال يثير الريبة ! وذلك لأن سمعة الفاتيكان المالية لم تسترد الثقة أو سمعتها لدى الجماهير منذ فضيحة بنك أمبروزيانو فيما بين 1970 و1980، كما أنه متهم بالتهرب الضريبى لصالح كبار عملائه.. 

وأكتفى بهذا القدر لأوضح للقراء بعامة، وللعاملين بالأزهر تحديدا، حقيقة ذلك الكيان الدينى المتعصب الذى لا يكف بعض المسئولين بالأزهر عن الهرولة لتلبية طلباته أو حتى الإنزلاق فى ركاب مخططاته. فلو طالعنا العنوان الخاص بموضوع هذه الإتفاقية الجديدة، لأدركنا منه أن الأزهر هو الذى يتبنى محاربة الإتجار بالبشر وأن الكنيسة الكاثوليكية والإنجليكانية تنضمان لجهوده ! وعند قراءه الخبر، نجد أن البابا هو الذى حرك وساند هذا الموضوع الذى تمت مناقشته فى ندوة علمية موسعة بحضور خبراء دوليين، "لمعرفة أية إجابات محددة يمكن للكنيسة أن تقدمها فى مواجهة شبكات الإتجار بالبشر". وتمت الندوة فى أقبية الأكاديمية البابوية للعلوم، وأن المونسنيور سانشير سوروندو الأرجنتينى، صديق البابا الأرجنتينى، هو الذى كان له الدور الأساسى فى الموضوع وأنه سوف يوقع الإتفاقية بلإسم الفاتيكان. أى إن الأزهر لا شأن له بكل ما دار ويدور وأن دوره فى هذه "الإنزلاقة" الجديدة ليس أكثر من دور "البصمجى" بكل أسف، البصمجى الذى يبصم بإبهامه لأنه لا يعرف القراءة والكتابة !

وتبقى عدة ملاحظات أتناولها تباعا :


الإشارة مرتان إلى الهوية السُنية، سواء لجامعة الأزهر أو لرجل الدين السُنى الذى يمثل الإمام الأكبر. ولا أفهم معنى أو ضرورة الإشارة إلى هذه الصفة إن لم تكن للفت النظر أو التذكير بمهزلة السُنة والشيعة التى يحرك الفاتيكان خيوطا أساسية فيها ؛

الخلط بين جامعة الأزهر، الكيان التعليمى، وإدارة الأزهر التى يترأسها الإمام الأكبر، والتى تشمل رئاسة كل المؤسسات الإسلامية. فإن كان هذا الكيان "السُنى" على حد تحديد المقال له أية مكانة لدى الفاتيكان لإهتم بمعرفة الفرق الشاسع بين الإثنين، وأن جامعة الأزهر لا دور لها فى مثل هذه الإتفاقيات ؛

هزلية "مؤسسة سرْ حرا"، الصادرة عن غرب متعصب، هو أكثر من يمارس فرض العبودية وتسخير البشر والإتجار بهم وبأعضائهم، ما شأنه فى مثل هذه الإتفاقية إن لم يكن لأغراض أخرى ؟ ؛

من المعروف والثابت أن كافة الجمعيات الأهلية، التى يشرف عليها الفاتيكان أو يتعامل معها، تُستخدم فعلا كمداخل للتنصير وللتجسس على الدول تحت عناوين ومسميات مختلفة ؛

أن تكون إحدى الجمعيات تابعة لرجل أعمال أسترالى، فمهما كان حبه للإنسانية، مجرد تبعيته الواضحة للفاتيكان وتوقيعه على الإتفاقية ممثلا له ولكنيسته يدينه ويكشف عن حقيقة موقفه من الحدث ؛

ما معنى أن يهرول الأزهر للتوقيع والإتفاق على مساندة عمليات مشبوهة للفاتيكان الذى لا يكف عن التعامل بوجهين فى جميع اللقاءات، وهو واضح حتى من صياغة الخبر ؟ فالمقصود بهذه الإتفاقية تبرأة الفاتيكان من الإتهامات الرسمية الموجهة إليه، فالفرق شاسع بين إدانة الجرائم والقيام بها فعلا ؛

ما معنى أن يقبل الأزهر التعامل مع ذلك الفاتيكان وهو أكثر المؤسسات المتهمة فى العالم، وتكفى فضائح الإعتداءات الجنسية على الأطفال، الذين يزعم حمايتهم بتلك الإتفاقية، وفضائح بنك الفاتيكان، الأعمال ، وكل الفضائح المتورط فيها رسميا وعلنا ؟ ؛

ألم يكن من الأكرم للأزهر أن يضع شرطا لعودة العلاقات وللحوار مع الفاتيكان : أن يكف الفاتيكان عن تجييش كل مؤسساته وكل أتباعه على الصعيد العالمى وفى مصر لتنصير العالم وإشعال الفتن فى البلدان التى بها أقليات مسيحية، وكلها قرارات وأفعال معلنة وليست سرية ؟ 

ألا يعلم الأزهر والعاملين به أن عبارة "تنصير العالم" تعنى ضمنا "إقتلاع الإسلام" ؟ ؛

ألم يكن من الأكرم المطالبة بالإعتراف بالإسلام دينا، مثلما يعترف الفاتيكان باليهودية ، بدلا من محاربته و وضعه فى وثائقه المعلنة ضمن ديانات جنوب شرق آسيا، أى أنه دين لا قيمة توحيدة له وليس تنزيل من عند الله ؟!

وبدلا من أن يوصم الأزهر نفسه بمعنى آخر جملة مكتوبة فى الخبر ، بأنه "بهذه الإتفاقية يعرب الأزهر مرة أخرى عن رغبته فى التقارب مع الكرسى الرسولى" ، أى أن تكرار محاولات التقارب مع الفاتيكان لا تتوقف رغم أن الفاتيكان ينظر إليها بحذر كما يقول، وأن ينفض عن كيانه هذه التهم، وأن يحترم حرمة الدين الذى يترأس حمايته والتعريف به، بدلا من الهرولة ؟! 

16 مارس 2014
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق