الاثنين، 24 مارس 2014

تعميم النموذج المصري


تعميم النموذج المصري


لم يعد خافيا على أحد أن الثورات الشعبية في بلدان الربيع العربي كانت أهم حدث شهدته المنطقة منذ ظهور الكيان الإسرائيلي الغاصب ، وأثره إقليميا ودوليا أشبه ما يكون بأثر أحداث سبتمبر 2001 ، إذ كشفت هذه الثورات عن حجم الفساد والخراب السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي تعيشه هذه البلاد ، كما كشفت عن حجم الخطط والمؤامرات والمكائد التي تحاك ضد شعوب هذه المنطقة .
فالثورات العربية قد أعادت رسم خرائط العلاقات الدولية والإقليمية وأعادت رسم دوائر النفوذ ، وغيرت من أيديولوجيات وإستراتيجيات ، بل وغيرت من بنية تحالفات سياسية عريقة جاوز عمر بعضها الستين سنة ، ولعمق وخطورة وإستراتيجية الآثار التي أدت إليها هذه الثورات ، فقد اجتمعت كل القوى المعادية للحرية والعدل وتداول السلطة والنزاهة والديمقراطية ، من قوى دولية تريد بقاء نفوذها ،وملكيات متكلسة ترتعش من نيل الشعوب لحريتها ، وأنظمة فاسدة خائفة من ضياع ما نهبته من شعوبها ، وكيانات غاصبة تعمل بالوكالة لصالح الصهاينة ، اجتمعت من أجل إفشال هذه الثورات ، وإبقاء الشعوب رهن الطغم الحاكمة والتبعية الغربية والانبطاح أمام العدو الصهيوني.

ومن أجل تحقيق ذلك كان لابد من نموذج ومثال يتم النسج على منواله في إفشال ثورات الربيع العربي ، وإجهاض آمال الشعوب ، ولم يكن هناك أفضل من النموذج المصري الذي بدأ مسلسل إفشال الثورة فيه من يوم خلع الطاغية مبارك ، واستمر العمل على صياغة هذا النموذج لأكثر من عامين جرت خلالها الكثير من الأحداث والفتن والاضطرابات، ولا صوت يعلو فوق صوت المؤامرة والتخوين ، ووضع الشعب المصري في أقسى الظروف والأوضاع التي جعلته في النهاية يكفر بالثورة ومآلاتها ، ويرفع راية بيضاء أمام نظام مبارك الذي استعاد عافية كاملة ، ثم كان يوم تتويج المؤامرة يوم 3 يوليو ؛ يوم الانقلاب العسكري والذي أعاد مصر لمربع الطغيان والاستبداد وبصورة غير مسبوقة . نجاح النموذج المصري أغرى الرعاة الرسميين له في دول الخليج وأمريكا وإسرائيل بالسعي نحو تعميمه في بلدان الربيع العربي ، ومن ثم بدأ العمل على استنساخ النموذج بثلاثيته الشهيرة " انقلاب عسكري ـ السيسي ـ خارطة طريق " في العديد من البلدان العربية.

البداية كانت في ليبيا هذا البلد المأزوم بصراعات قبلية ومليشيات عسكرية وخلافات سياسية لا تنتهي ، وأهله يعانون أشد المعاناة وهم يتحسسون طريق الخروج من إرث الطاغية القذافي الذي ترك البلاد بلا أي مؤسسات ، هذا البلد المنهك بصراعاته والغني بثرواته قد شهد منذ عدة أسابيع عدة أحداث خطيرة تنبأ عن محاولة لتطبيق النموذج المصري في ليبيا . والبداية كانت دقيقة لم يلتفت لها الكثيرون وفي يوم 23 يوليو يخرج الإعلامي المصري المثير للجدل والمعروف بصلاته الوثيقة مع أجهزة المخابرات " توفيق عكاشة " مطالبا بضرورة التدخل العسكري في غزة وليبيا من أجل القضاء على الإرهابيين. ثم تلا ذلك استضافة التليفزيون الرسمي المصري الفريق السابق " خليفة حفتر " والمقيم في أمريكا منذ سنوات طويلة والمعروف بعلاقاته بالأجهزة المخابراتية هناك ، كما استضاف محمود جبريل رئيس الوزراء السابق في المجلس الانتقالي والمعروف بكراهيته للتيار الإسلامي وانتقاده لمشروع العزل السياسي الذي تم إقراره في ليبيا والذي خرج بموجبه من العملية السياسية إذ كان يشغل منصب وزير التخطيط في حكومة القذافي الأخيرة ، وفي اللقاء انتقد الرجلان الأوضاع في ليبيا ووجها اتهامات مباشرة لجماعة الإخوان على الرغم من كونهم لا يحكمون البلاد فعليا ، وليبيا تشهد فراغا مخيفا في السلطة شهد بذلك الجميع ، فما الداعي إذا للهجوم على الإخوان ؟ !.

ثم كانت الخطوة الثالثة التي عدّها الكثيرون الأولى، وفي الذكرى الثالثة لثورة الليبيين ضد القذافي ، أعلن خفتر في فيديو مسجل أن القيادة الوطنية للجيش الليبي أطلقت حركة تصحيح بخارطة طريق جديدة ، أي ثلاثية النموذج المصري ( انقلاب عسكري ــ السيسي ـ خارطة طريق ) ، ولكن الانقلاب المسجل والمذاع فضائيا لم يلبث سويعات حتى فشل بسبب تكاتف الليبيين ، وغضبة الثوار ضده . 
ثم أخذت الحقائق تتكشف يوما بعد يوم ، واتضح أن الإمارات ومصر تقفان خلف هذا الانقلاب بعد أن كشفت غرفة عمليات ثوار ليبيا عن تفاصيل المؤامرة والدعم الإماراتي والعرض المصري بالسيطرة عسكريا على المناطق الغنية بالبترول.
يأتي ذلك فيما كشف مصدر ليبي مطلع أن قوات من الأردن تقاتل حالياً في مناطق بشرقي ليبيا الغنية بالنفط وذلك بتمويل من دولة الإمارات، من أجل دعم فصائل علمانية تعمل على وقف توسع الإسلاميين واتساع رقعة نفوذهم في البلاد ، ويشار إلى أنه خلال فترة الثورة على القذافي في العام 2011 سرت شائعات أيضاً تحدثت عن وجود قوات أردنية تقاتل إلى جانب نظام العقيد الراحل، إلى جانب قوات من المرتزقة الذين جلبهم نظام القذافي في حينه من دول أفريقية مختلفة ، وسبق وأن استقبلت أبو ظبي مؤخرا أحمد قذاف الدم، ابن عم القذافى، وأحد اكبر أركان نظامه، في زيارة غامضة ،تحدثت تقارير عن حصوله على تعهدات من محمد بن زايد بدعم كل الفصائل المعارضة للإسلاميين في ليبيا ومن بينهم فلول نظام القذافى، كان لافتا أن موقعا إخباريا آخر مقربا من الإمارات عمل على تقديم قائد محاولة الانقلاب خليفة حفتر في صورة بطل قومي وأنه المنقذ للبلاد، مثلما حدث القادة والسياسيين في مصر في مرحلة ما بعد عزل مرسى.

ثم كانت المحطة الثانية لتعميم النموذج المصري في غزة ، حيث حركة حماس التي تعتبر العدو الوحيد للكيان الصهيوني الغاصب ، وغزة وحماس تتعرضان منذ بداية الثورة المصرية لحملة إعلامية بشعة تم خلالها تحميل القطاع والحركة كل الأزمات الأمنية والاقتصادية التي تعرضت لها مصر بعد الثورة ، وتم شيطنة الحركة بصورة مروعة لصالح الاحتلال الصهيوني ، حتى أقدمت سلطة الانقلاب على خطوة غير مسبوقة في أي دولة عربية أو إسلامية باعتبار حركة حماس منظمة إرهابية ، ومن ثم كانت الخطوة الثانية وهي البحث عن الشخصية التي ستلعب دور " السيسي " في غزة ، ولم يكن هناك أفضل من الشيطان " دحلان " للعب هذا الدور .

إظهار شخصية خطيرة لعبت أدوارا هامة ومحورية في الثورة المضادة المصرية مثل دحلان يحتاج لرافعة من العيار الثقيل حتى يتم تمرير هذا الوجه القبيح المرفوض فلسطينيا ومصريا وعربيا ، ومن ثم تم تفجير البركان الخامل منذ سنوات على الجانب الآخر من اللعبة ، في رام الله حيث مقر السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس المعروف بعدائه الشديد لدحلان ، عداء مصالح وصراع نفوذ ، لا عداء قضية أو صراع أيديولوجي ، وفجأة ودون مقدمات مفهومة ومبررات معقولة ، انفجر الخلاف بين عباس ودحلان، وطفت على سطحه ملفات بالغة الحساسية، كانت السلطة الفلسطينية، وحتى خصومها، تلفها بالسرية التامة ، صراعٌ وإن أثار استياء الفلسطينيين، إلا أنه كشف عن حجم الفساد داخل أجهزة السلطة، وعلى أيدي صنّاع القرار، وأوصياء الحق الفلسطيني ، فلا عجب إذا أن تظل القضية عالقة طوال هذه المدة .

دحلان مقيم في دبي منذ طرده من حركة فتح إثر خلافاته مع محمود عباس ، ويشغل منصب المستشار الأمني لهزاع بن زايد مستشار الأمن القومي الإماراتي ، كما أنه يلعب دور ضابط الاتصالات والتنسيق بين الإمارات والصهاينة بسبب علاقاته الواسعة مع الموساد والصهاينة ، ويوجد له الكثير من الأتباع في غزة وسيناء يتولون القيام بالأعمال القذرة وتنفيذ الاغتيالات لصالح الكيان الصهيوني ، وهو شخص مرفوض شعبيا ، فكيف إذا يحدث هذا الظهور النادر لدحلان على فضائية مصرية " دريم " باستضافة إعلامي وثيق الصلة بالمجلس العسكري والمخابرات ، ليظل دحلان لأكثر من ساعتين يكيل التهم لعباس والرئيس مرسي وحركة حماس ،ويعترف بوجود رجال له في سيناء ينفذون أعمالا ذات طبيعة خاصة من أجل خدمة الجيش المصري ؟! مما أكد مصداقية المعلومات الرائجة عن وجود خلاف بين عباس ووزير الدفاع المصري، بسبب سعي الأخير إلى إجراء مصالحة داخلية في فتح، قبل التفرغ لتعميم النموذج المصري في غزّة ، خاصة وأن القناة قد منعت " أحمد عساف " المتحدث الرسمي باسم فتح من عمل مداخلة في الحوار ، كما جرى الاعتداء عليه في الشارع من قبل مجهولين كما العادة في نفس اليوم ، مما يؤكد على تحضير موقف سياسي ما بخصوص الملف الفلسطيني وشخص دحلان .

المتابع الجيد للشأن الفلسطيني يدرك جيدا أن حصارا خفيا يمارس ضد السلطة الفلسطينية منذ اندلاع ثورات الربيع العربي ، بعد تخلي دول الخليج باستثناء قطر عن دعمها السخي للسلطة ، وانشغال العديد من الدول الأخرى بأزماتها الداخلية ، وفي نفس الوقت يزداد دحلان ودائرته المحيطة به ثراء وانتشارا ونفوذا ، ثراء استطاع به دحلان شراء الكثير من الولاءات في غزة والضفة والمخيمات ، بحيث أصبحت مسألة تجاوزه عسيرة جدا على عباس ورفاقه ، فالإمارات ومصر تعملان بقوة من أجل أن يكون دحلان هو سيد غزة الجديد الذي يقضي على حركة حماس ، وبالتالي يكون قد تم التخلص من تيار الإسلام السياسي ـ إن جاز هذا الوصف ـ من المنطقة ، وقصقصة جناحيه في مصر وغزة وليبيا ، وتقطيع أواصره في السودان ، ووأد ثورته في سوريا ، وعندما يهنأ الطغاة بعروشهم ، ويهدئ خاطر الصهاينة المضطرب منذ إندلاع الثورات الشعبية ، ويطمئن بال الأمريكان المضطرب منذ فترة ، فقد زال بزعمهم وقتها الخطر الحقيقي على المنطقة . فهل تنجح الإمارات ومن معها في تعميم النموذج المصري ؟ أما أن هذا النموذج نفسه سيسقط في بلد المنشأ ، بفضل الله أولا ، ثم بصمود الثوار في الشارع ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق