العرب من حفرة إلى منحدر
ما إن يكتشف القارئ أن مقالاً ما كهذا يتحدث عن "القمة العربية"، أي "قمة"؛ فإنه سرعان ما يشيح بوجهه عن تلك الصفحة لينتقل إلى شيء آخر "مفيد".. بل حتى مسلياً أو ترفيهياً، فانطباع الجمعي الذي يدركه الجميع بمن فيهم المؤتمرون أنفسهم أن هذه "القمة" أو تلك لن تأتي بجديد، بل ربما أتت بالأسوأ، وأماطت لثام الحياء عن مشاكل مكتومة كان بعضها ليبقى بعيداً عن نظر الشعوب ما لم يبح هذا الوجه المكفهر بها.
تستطيع أن تلمس ذلك عبر جهاز "الريموت" في كل بيت، أو إغلاق صفحات الانترنت وطي صفحات الصحف، ويمكنك أن تشاهده في وجوه "الزعماء" أنفسهم؛ فهذا يأكل وهذا يتصنع الاهتمام وذاك يغلبه النعاس!
كل ذاك اعتيادي، لكن ما يمكن استنتاجه من كل "القمم" التي أفرزتها منظمة عربية صنعتها بريطانيا قبل ستين عاماً لتكون عنواناً على افتراق الأمة الإسلامية، وفصلاً لمكوناتها عن بعضها، أن "ما بني على باطل فهو باطل"، ليس في كون "الجامعة العربية" هي باطل بحد ذاته، وإنما في كون هذا الجامع لكل العرب لم يُرَد منه (بريطانياً) أن يكون تعزيزاً للجامع الإسلامي، وإنما خصماً له..
هكذا أراد "الاستعمار" منذ البداية فذهبت الأحداث إلى حيث يريد إلى حد كبير ولو بلسان الحال، إذ لم تنضج الدول العربية نظاماً يمكنه أن يجعل العرب من خلال الجامعة تعبيراً عن إرادات الشعوب العربية في الاتحاد والائتلاف والتكامل تحت راية إسلامية تنظمه حالة عربية جامعة.
بالانتقال من "قمة" إلى أخرى نلحظ أن المؤتمرات هذه فاقمت المشكلات العربية، وكانت محطاتها تأريخاً لإخفاقات ومؤامرات دولية وإقليمية وقومية على العرب أنفسهم، والعبور على البيانات الختامية للمؤتمرات يتبين رتابة بعض البنود الخاصة بالقضية الفلسطينية التي يمكن نقلها حرفياً من بيان إلى آخر على مر عشرات السنين على سبيل المثال، ومع ثبات تلك البنود يلحظ زيادة مضطردة في عدد ونوعية الصراعات والمشكلات العربية، حتى إن البيان الختامي الأخير أوضح أن جسد العرب كله بحاجة لجراحات دقيقة وتغييرات جذرية؛ فالآن نحن بصدد شرخ عميق في جسد مجلس التعاون الخليجي أحد أكبر مكونات الجامعة العربية، وخلافات كثيرة تكاد تنقض بنيانه، من الموقف من "الربيع العربي" والتغييرات في مصر وسوريا، والعلاقات مع عمان.. وكذلك؛ فإن ثمة خلاف اتضح ما بين رئيس تونس وممثل النظام المصري في المؤتمر، وكذلك الموقف من الثورة السورية.. الخ
هذا، مع الأخذ بالاعتبار أن المشكلات الداخلية في مصر وليبيا والعراق وسوريا واليمن والجزائر والصومال، وكذلك المشكلات الممتدة ذات الطابع الإقليمي والدولي مثل مشكلة جزر الإمارات والمشكلة المصرية الإثيوبية والتدخلات الإقليمية في سوريا والعراق ولبنان واليمن، ومشكلة المغرب والبيليساريو وجزر القمر والمناطق المحتلة في المغرب (سبتة ومليلة) فضلاً عن المشكلة الفلسطينية والمصالحة الوطنية وحصار غزة لم يتم الإسهام في حلها ولم تزل تتفاقم.
حتى إن قضية مكافحة "الإرهاب" هي الأخرى لم تجد اتفاقاً حول تعريفها، وذلك كله فضلاً عن طموحات تطوير وتعزيز التعاون المشترك بين الدول العربية، اقتصاداً وسياسة وإعلاماً.. والتي أضحت مزحة أكثر منها حقيقة مع عجز الأنظمة العربية عن تحقيق أدنى درجات التأهيل للشراكة وهو إنهاء المشكلات كحد أدنى يمكن البناء عليه.
بهذه الطريق الذي تسير فيه الدول العربية؛ فإنها ماضية ليس باتجاه الوحدة وإنما مزيداً من التفتيت والتقسيم والانزواء..
ما يستنتج في الأخير، أن الجامعة العربية قد أعلنت إفلاسها الكامل، وبلغت حد الاحتضار، وعلى الشعوب أن تبحث عن جامعة أخرى تحقق طموحاتها ونهضتها الحقيقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق