الاثنين، 17 مارس 2014

الدكتور محمد عباس يكتب : الحداثة.. والشــــذوذ


الدكتور محمد عباس يكتب : الحداثة.. والشــــذوذ

هامش أول : هذا مقال جاد وصعب والقراء الجادون فقط هم المدعوون لقراءته.

في حفل عزاء المرحوم الأستاذ عادل حسين تغمده الله برحمته، اقترب منى مسئول كبير في مجلس الشورى، و أخذ يعدد لى مناقب العزيز الراحل، ثم فجأة وجدته يقول لى:

- هناك موضوع خطير، خطير جدا، أرجوك أن تتناوله بقوة كما تناولت قضية الوليمة..

واستطرد الرجل قائلا:

- هناك تقارير سرية تتحدث عن انتشار الشذوذ الجنسي بين فئات القيادة العليا في بلادنا على كافة المستويات.. و أن نسبتهم تصل الآن إلى عشرة في المائة.. و أن ذلك مرتبط بمخطط أجنبى للسيطرة تماما على قرارات البلاد ومصيرها..

و أخذ الرجل يستطرد في حديثه ويضرب الأمثلة على ما يقول، مركزا على الأماكن الحساسة في دولاب الدولة التي أصبح الشواذ يحتلونها، مترابطين متماسكسن، لا يقلون خطورة عن نوادي الروتاري والليونز، بل يزيدون، مع تطابق في حالات كثيرة حيث الروتاري شاذ والشاذ روتاري ، وأضاف الرجل بأن الشواذ يشكلون الآن أقوى حزب متناسق متعاون متفاهم و أنهم قادرون على إجهاض كل عمليات الإصلاح ومقاومة الفساد، بل وقادرون بالوصول بالبلد إلى حالة العجز التام مع أي مواجهة.. قال الرجل كل ذلك و أكثر منه لكننى – والله يا قراء – استحييت أن أكتب في الموضوع، رغم أن الرجل كان يبدو صادقا في كل كلمة قالها. ولقد كتبت الشعب الإليكترونية عن ذلك وحددت أماكن معينة وشهيرة في أرقى أحياء القاهرة يتصرف فيه الشواذ كما تتصرف الداعرات في أحياء البغاء في الخارج.


*** 

لعلكم تذكرون يا قراء ما كتبته عن الحداثة في مقالات سابقة.. حين قلت لكم أن الشذوذ الجنسي مكون رئيسي من مكونات الحداثة.

فالحداثة كمصطلح فلسفى يعود إلى أكثر من قرن مضى، أما كتطبيق يمكن فهمه بأثر رجعى فيعود إلى القرن السابع عشر.

وباختصار شديد فإن الحداثة تعنى نفى القديم كله، دينا وثقافة ومعتقدات وتقاليد، واعتبار الإنسان هو المرجعية الوحيدة.

ويؤكد الدكتور عبد الوهاب المسيرى على أن الحداثة وهى تدعى إعلاء مكانة الإنسان قد قضت عليه، و أنها حين كفرت بالله كفرت بالإنسان أيضا.

يؤكد ذلك أيضا رجاء جارودى في مؤلفه الهام أمريكا طليعة الانحطاط.

ما يهمنا في هذا الصدد، أن الحداثة حين جعلت الإنسان هو المرجعية الوحيدة ( دعك الآن من أنه الإنسان الأبيض المسيحى واليهودى أما غير ذلك من البشر فسائمة لا قيمة لها) قد ألغت كل القيم الروحية، و أصبح الإنسان هو محور ذاته، و أصبح هدفه في الحياة السعادة عن طريق اللذة والمزيد من اللذة، لا توجد محرمات ولا توجد عوائق، فالدين إرهاب والعادات تخلف واللذة هى – مع الدولار- دين القوم الجديد.

في هذه العبادة الشيطانية للذة يصبح الشذوذ الجنسى أمرا منطقيا تماما.. ويصبح الاعتراض عليه إرهابا وتخلفا يستحق الحصار والعقاب.

*** 

و إنني أستأذن القارئ كى أستشهد ببعض من فقرات كتابى الذي صادرته السلطة – نصيرة الشواذ - : بل هى حرب على الإسلام في توضيح مفهوم الحداثة:

الحداثة..

إنني لا أبدأ الحديث عن الحداثة من الصفر و إلا لكان الأمر سهلا، ولكنني أبدأه على كوم هائل من التضليل والتعتيم والتجهيل والخداع قاده الحداثيون في بلادنا، وهم لا يختلفون عن عباد الشيطان في شيء، ولطالما أوهموا الناس على سبيل المثال أن الحداثة مجرد نظرية في الأدب.. وكانت هذه هي الخدعة الكبرى التي جعلت المجتمع لا يواجهها في الوقت المناسب بما تستحق، جعلت المجتمع يوصد سمعه إزاء من كانوا يحذرون طول الوقت، وكان التحذير يصطدم دائما بتلك الغلالة الشيطانية من الغموض التي يسربل بها الحداثيون أعمالهم، وهو غموض متعمد للتدليس على الناس، خاصة مع الخلط المتعمد بين الحداثة والتحديث، وشتان ما بينهما، واستمرت الخديعة حتى انفجار أزمة الوليمة التي كان لي شرف تفجيرها .. عندما فجعت الأمة أن الحداثة تعني ضمن ما تعنى أقذع سباب لله سبحانه وتعالي عما يشركون وللقرآن الكريم وللرسول صلى الله عليه وسلم. وبدأ الناس يسمعون ويعون ويعلمون ما غاب عنهم فيدركون أن الحداثة ليست مذهبا أدبيا.. بل نظرة شاملة للكون تتناقض مع الدين وتزيحه وتحل محله. لذلك أرجو من القارئ أن يصبر عليّ، و أعده بالاختصار الشديد.

فالحداثة يا قراء كما يصفها الدكتور عوض محمد القرنى – في كتابه الهام : الحداثة في ميزان الإسلام- تقديم سماحة الشيخ الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى أنها : "مذهب فكري جديد يسعى لهدم كل موروث، والقضاء على كل قديم، والتمرد على الأخلاق والقيم والمعتقدات".. و يؤكد :"أن الصراع مع الحداثة ـ أولاً وأخيراً ـ صراع عقائدي بحت"..

ثم يضيف قائلا:

"انتهت الحداثة في النهاية إلى الجمع بين ضلالات البشر، فمن شيوعية مادية إلى دارونية تقول : "بأن أصل الإنسان قرد"، وميثولوجية تنكر أن يكون الأصل في الأديان التوحيد، وأن الإنسان الأول ما لجأ إلى التدين إلا لجهله بالطبيعة وخوفه منها، حين لم يستطع أن يواجهها بالتفسير العلمي الصحيح ـ كما يقولون ـ ."

نفس هذا المعنى يصل إليه كاتب عملاق آخر هو الدكتور عبد العزيز حمودة[1][1] في كتابه: المرايا المقعرة، وهو سفر يقع في أكثر من خمسمائة صفحة ويبدأ بداية جياشة حين يتحدث عن إحساسه بانشطار الذات في أزمة وليمة لأعشاب البحر حين راح السؤال يهدر داخله : "من نحن" ثم يكشف شيئا فشيئا أنهم خدعونا بالخلط بين الحداثة والتحديث، و أن الحداثة صفقة شاملة نبيع فيه كل تاريخنا وتراثنا. و أن أهم مستلزمات الحداثة هو القطيعة المعرفية الكاملة مع تراثنا.
والتراث يا قراء مصطلح حداثى يقصد به القرآن والسنة وتاريخ الإسلام و آدابه جميعا.. لكنهم حين يهاجمون لا يقصدون سوي القرآن والحديث.

والحداثة كما يقول الدكتور بشير موسى نافع: " أعلت مرتبة العقل فوق النص المقدس، بل وجعلت من العقل المرجع الأوحد للقيم والسلوك وعلاقات الاجتماع الإنساني. تهاوي بذلك الاعتقاد بوجود ثوابت إنسانية خالدة، وانتقلت القيم من دائرة الثابت إلى دائرة النسبي، ومن الدلالة المطلقة للخير والشر إلى التحولات المتغيرة للاقتصاد والسياسة والتقنية. "

نعم يا قراء.. اقرءوا كل كلمة بتمعن..


على أن شعار سيادة العقل على النص – رغم أنه في جوهره كفر –.. لكنه فضلا عن ذلك لم يكن حقيقيا.. كان مجرد طعم يغريك ويغويك حتى تدلف فيه فيسلمك على الفور إلي غيره..ولقد أسفر بعد قليل عن : سيادة الحس على العقل .. ومن التجليات الفادحة الفاضحة لسيادة الحس على العقل تقبل الشذوذ الجنسي و إباحته.. بل وصل الأمر أن تهدد أمريكا مصر بمنع المعونات عنها إن هي استمرت في مكافحة الشذوذ، وفي ضوء ما نرى، فمن المؤكد، أن مكافحة الشذوذ ستعتبر خلال عشرة أعوام – على أبعد تقدير – ضربا من ضروب الإرهاب الذي يخضع لعقاب التحالف الأمريكي. . وقد نقصف بالطائرات والصواريخ إن احتججنا عليه!!..

( جملة اعتراضية: كتب هذا الكلام منذ 13 عاما................!!!!)

يستطرد الدكتور نافع قائلا: " عندما سادت ثقافة -الآن وهنا- علي حساب الإيمان الإنساني بالله والعالم الآخر، أخذت الروابط الإنسانية في الانهيار الواحد منها بعد الآخر، طالما أن التجربة الإنسانية تدور في النهاية حول المنفعة والإنجاز الفردي خلال حياة بشرية قصيرة بكل المقاييس."

إن الموضوع معقد إلى حد ما يا قراء.. ليس لصعوبة كامنة فيه.. ولكن لأن الحداثيين لا يسفرون عما في أنفسهم أبدا إلا حين يضمنون أنهم الأقوى و أنهم قادرون علي سحق خصومهم.. تماما كما تفعل أمريكا الآن بالعالم..

إنني أرجو يا قراء أن ننظر بعمق إلى مقومات الفكر الغربي الحداثى والذي يعتمد في جزء مهم منه على نظرية دارون، وهى نظرية متهاوية لا قيمة لها إلا في إعلاء الكفر والحداثة، وموجز منطقها المختل كأن تقول:

المنضدة لها أربعة أرجل.. والبقرة كذلك.. إذن فالمنضدة بنت البقرة‍‍‍‍!!.

لكن التجلى التطبيقي لهذه النظرية كانت فكرة البقاء للأقوى، وهى الفكرة التي تشكل أساسا رئيسيا للفكر الحداثى الغربي وهى الفكرة التي جعلت - كما يقول الدكتور نافع - تشرتشل، باعتباره وزيرا للمستعمرات، في مجلس العموم البريطاني يدافع عن استخدام القوات البريطانية للقنابل الكيماوية ضد العشائر العراقية الثائرة خلال ثورة 1920 إذ قال بوضوح أن من حق الأمم المتحضرة أن تستخدم الوسائل التي تراها مناسبة لقمع البرابرة.

هذه الفكرة الشريرة كانت وما تزال أساس الصلف الأمريكي في التعامل مع العالم.. في الجرائم البشعة التي ارتكبتها أمريكا في العراق وأفغانستان على سبيل المثال.. وفى الجرائم التي سترتكبها باسم الحرب على الإرهاب.

وهي أيضا أساس الصلف الإسرائيلي.. فأمريكا هي إسرائيل و إسرائيل ليست سوي حاملة طائرات ضخمة لأمريكا.. هي أساس الصلف الإسرائيلي التي جعلت مجرما كنتنياهو يعلق على ما قيل من أن البحث عن أسامة بن لادن في جبال أفغانستان كالبحث عن إبرة في كومة من القش.. فإذا بالخنزير يقول:

- ولماذا تتعبون أنفسكم بالبحث عن الإبرة.. احرقوا كومة القش..

والآن لنترك الدكتور بشير نافع يختم هذه الفقرة الجافة عن الحداثة:

"المشكلة الرئيسية في التصعيد التبشيري الغربي، الحديث نسبيا، لقيم الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان، إنها لا تبدو (وهي كذلك حقيقة) انعكاسا لإيمان ثابت وراسخ وأصيل بل مجرد تطور قيمي مستمر، وإنها تحتل الفضاء القيمي ذاته الذي تحتله سياسات حصار الشعوب وتجويعها وتشريعات الإجهاض واعتبار العلاقات الشاذة علاقات أسرية. كل شيء قابل للنظر وإعادة النظر. بل وحتى الإرهاب الذي اصبح رمزا للشر الإنساني كله خلال الأسابيع الأخيرة، كان دائما وحتى فترة قصيرة أداة هامة من أدوات السياسات الغربية. أليس مدهشا أن إحدى المنـظمات المستهدفة الآن في قائمة الإرهاب التي أعلنتها الحكومة الأمريكية كانت هي ذاتها التي استلمت عونا بريطانيا سريا لاغتيال العقيد القذافي؟"

*** 

يتحدث الدكتور عبد الوهاب المسيرى عن الحداثة وما بعد الحداثة فيقول:

"ويصل هذا الاتجاه الفني فيما يسمى " سنف موفيز" ولا أعرف ترجمة لهذه العبارة، ولكن لعل وصفها يعطي فكرة عن محتواها . وهي أفلام يختلط فيها العنف والجنس بطريقة متطرفة، وكثيرا ما تنتهي ببطلة الفيلم في حالة نشوة جنسية ويتم قتلها في اللحظة التي تقذف فيها . ومثل هذا المنظر يتكرر في الأفلام الإباحية "العادية" ، ولكن في السنف موفيز يتم الذبح بالفعل.

نعم تقتل بطلة الفيلم.

وكان يتم الإعلان عن الفيلم بعبارة "صور في أمريكا اللاتينية ، حيث العمالة رخيصة" . وكل لبيب متوحش بالإشارة يفهم.

ومخرجو مثل هذه الأفلام يدافعون عنها من منظور الإبداع والحرية والثورة . .إلخ وقد قام بعض المثقفين الليبراليين المدافعين عن حرية الرأي المطلق بمظاهرة ضد دور السينما التي تعرض مثل هذه الأفلام. ولكن جريدة وول ستريت جورنال قامت بتعنيفهم لموقفهم هذا ، وبينت لهم أن ما يحدث إنما هو نتيجة طبيعية للموقف النسبي المتسيب من الفن والجنس وإنكار الحدود باسم الحرية المطلقة والإبداع غير المتناهي!"..

*** 

في هذا الإطار يصبح الشذوذ طرفا هاما بل ومكونا أساسيا في الحضارة الغربية والعولمة والحداثة، لأن انتماء الشاذ سيكون إلى وكر الشيطان الذي أباح له شذوذه، إلى الغرب و أمريكا والعولمة والحداثة، وسيكون بالتالى وبالا على وطنه وقومه و أمته .

***
يصبح انتماء الشاذ ليس إلى وطنه و إنما إلى الغرب وضد وطنه.
ولست أقصد شذوذ الجسد فقط، بل أقصد شذوذ الفكر أيضا.. وعندما نعود إلى أزمة الوليمة، سنجد أولئك الشواذ، الذين استباحوا الدين ودافعوا عن وصف القرآن – أستغفر الله العظيم – بالخراء، كان أول ما فعلوه عندما هب طلاب الأزهر وبعض الكتاب الجادين للدفاع عن دينهم، كان أول ما فعلوه أن هددوا بالهجرة من مصر إلى الغرب، حيث الحداثة.

*** 

ثمت طرفة كنا نتناولها ونتبادلها ضاحكين عندما كان ما يزال هناك للضحك مكان في حياتنا.. حين كان مندوبو التعداد والإحصاء في بعض البلاد العربية يمرون على المنازل لإحصاء السكان، فكان الواحد منهم يسأل الساكن -على سبيل المثال-: ماهى أعلى شهادة حصلت عليها؟ فيجيب الساكن : الدكتوراه، فيكون السؤال التالى للموظف: هل تجيد القراءة والكتابة؟‍‍

الطرفة – وهى حقيقية – تعنى أن هناك أسئلة تجبّ وتمنع ما بعدها..

*** 

نعم .. هناك أسئلة تجب وتمنع ما بعدها..

وليس معقولا على سبيل المثال والحال ذلك، أن أسأل نظاما يدافع عن الشواذ، ويناصرهم عن إسهامه في قضية الأمن القومى أو عن موقفه من فلسطين، أو عن القيم والمثل العليا والوحدة العربية الإسلامية ومواجهة الهيمنة الأمريكية والصهيونية ، ولا يعقل أيضا أن أناشد هذا النظام التوقف عن التعذيب وتزوير الانتخابات وعمولات السلاح والفساد.

فالأمر أسوأ من هذا بكثير..
أسوأ بكثير..

أسوأ بكثير..

أسوأ للدرجة التي ذكرتنى بأن القضاء سينظر في الثامن من شهر يونيو قضية صحيفة الشعب – بعد 13 حكما قضائيا بعودتها تجاهلها الحكم الذي ثبت أنه يعادى كل ماهو إسلامي ويناصر ماهو شاذ ( تذكروا فضيحة وزير التعليم والمناهج والفوط الصحية).

أقول أن آخر حلقات التقاضى ستكون يوم الثامن من الشهر القادم..

ولست أخفيكم يا قراء أننى لم أعد أتمنى أن تعود صحيفة الشعب إلى الصدور..

لأننى أحس.. أنه وسام شرف لنا.. أن ذلك النظام.. مناصر اللواطيين وعدو كل ما هو إسلامي.. يلفظنا كما نلفظه.. ولو أنه احتملنا أو أننا احتملناه لشككت في أننا على صواب..

يختزل التاريخ فى لحظة..

وتتميز العهود بكلمة..

و أحسب التاريخ عندما يرصد لحظتنا الراهنة لن يجد سوى كلمة واحدة تعبر عن كل شئ ..

هذه الكلمة هى:

لـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــواط..

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

*** 

هامش أخير: بعد 13 عاما انتصر الحداثيون..عودوا إلى تشكيل لجنة الخمسين..

[1][1] - المرايا المقعرة- دكتور عبد العزيز حمودة- عالم المعرفة.







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق