الاثنين، 24 مارس 2014

مجزرة قضاء السيسي وما وراءها

مجزرة قضاء السيسي وما وراءها




ياسر الزعاترة

بينما كان الزعماء العرب يعدون العدة لإطلاق واحد من أسوأ اجتماعاتهم على الإطلاق خلال العقود الأخيرة، كان القضاء المصري «الشامخ» يحكم بالإعدام على 529 شخصا من قادة وعناصر الإخوان ومؤيديهم، في واحدة من أسوأ مجازر التاريخ القضائي، ليس في مصر وحدها، بل ربما في العالم أجمع.
وحين نعلم أنه ما عاد ثمة قضاء مستقل في زمن السيسي (كان الوضع أقل سوءا أيام مبارك)، فإننا إزاء قرار سياسي وأمني بالغ الإثارة، ويطرح الكثير من الأسئلة، والتي تتعلق ابتداءً بالسبب الذي دفع إليه، وبعد ذلك بما إذا كان سيُنفذ أم لا.
ثمة فرق بين جواب السؤال الأول إذا افترضنا أن الحكم سينفذ بالفعل، وبين جوابه في حال افترضنا أن السيسي أو الرئيس المؤقت»، أو السيسي بعد أن يصبح رئيسا، سيقوم بالعفو عن المتهمين أو تخفيف أحكامهم إلى المؤبد أو ما دون ذلك.
في حال افترضنا أن الحكم سينفذ بالفعل، فإننا إزاء قرار يشبه قرار بشار الأسد بعسكرة الثورة السورية، من خلال دفعها نحو السلاح، هو الذي توسّل أية رصاصة خلال الشهور الستة الأولى من أجل وصمها بالإرهاب، بحسب تعبير نائبه فاروق الشرع. 
وربما يعتقد السيسي في هذه الحالة أن عسكرة الحراك الشعبي إنما تعني تسهيل القضاء عليه، ومن ثم حرف الأنظار عما تبقى من مشاكل تعيشها البلاد، من فقر وبطالة وأزمة وقود وكهرباء، وهي أزمات لن يتمكن السيسي من التعامل معها، والأرجح أن تزداد تفاقما، لأن الممولين لن يبقوا على «الحنفية» مفتوحة إلى ما شاء الله.
وربما راقب النظام ما يجري من جدل في الأوساط الإخوانية الشبابية بخصوص السلاح والعنف، مقابل السلمية، وهو يريد دفع قطاع منهم في أقل تقدير إلى السلاح، ولكي ينضم إليهم الآخرون لاحقا، وليكون بالإمكان الانتصار في معركة من هذا النوع، وربما استخدم قانون الطوارئ الذي يجعل البلاد أسيرة القمع العسكري الذي لا يمنح أحدا فرصة التنفس، وحين يعلن إعلامي كباسم يوسف أنه سيوقف برنامجه ومقالاته، فليس ذلك سوى مؤشر على حالة الرعب التي تجتاح البلاد، ويُراد لها أن تتأكد بمرور الوقت. 
في هذه الحالة الأخيرة، أعني ميل قطاعات من شبان الإخوان إلى السلاح وثبوت الأمر عمليا، فإن الحراك السلمي سيتوقف من الناحية الواقعية، تماما كما انتقلت الثورة السورية إلى السلاح، ولم يعد ثمة من فعاليات سوى فعاليات محدودة، وغالبا في المناطق التي لا تقع بالكامل تحت سيطرة النظام.
لا يُستبعد أن بعض موتوري الأمن قد فكروا بهذه الطريقة، ومالوا إلى أن عسكرة الحراك ستؤدي إلى وقف الاحتجاج السلمي الذي يحرجهم أمام العالم، ويربكها داخليا، في ذات الوقت الذي يعتقدون فيه بقدرتهم على لجم الجانب المسلح، إلى جانب حشد البلد في معركة ضد «الإرهاب» تنسيه البؤس الذي يعيش فيه.
أما في حال كان الحكم معدا للتخفيف لاحقا وليس للتنفيذ، فهو بمثابة عملية تخويف جديدة أكثر عنفا تريد إقناع الإخوان بأن لا أفق أمامهم، وأن عليهم قبول بالمتاح، والاعتراف بالوضع الجديد، ومن ثم التعامل معه وفق سقف أدنى بكثير من ذلك الذي كان يُعرض عليهم في البداية، أي الاعتراف بخريطة الطريق ودخول الانتخابات، والحصول على «كوتا» محدودة لا تغير في طبيعة الحكم، بقدر ما تمنحه بعض الشرعية، وبالطبع في ظل حقيقة يعرفها الجميع، وهي أنه ما من تيار أو حزب سياسي يملك من الجماهيرية ما يملكه الإخوان، بل إن الثنائية في البلاد هي ثنائية الجيش والإخوان لا أكثر.
ويبدو الجانب الأول هو الأخطر من وجهة نظر هذه السطور، أعني دفع الوضع إلى خيار السلاح، إذ أن مسارا كهذا سيكون مدمرا للجميع، للإخوان والبلد، وليس صحيحا أن خسائر السلمية تساوي خسائر السلاح، بخاصة أن المسار الأخير لا يملك أفقا للتغيير، حتى لو تمكن، وهو سيتمكن بالفعل من أن يعمّر سنوات طويلة، ويتعب النظام بقدر كبير، في ذات الوقت الذي سيخسر فيه البلد وأهله، فضلا عن الإخوان، وقد يتأخر التغيير الحقيقي بسبب ذلك، والأرجح أن يتأخر. في ظل هذا الجنون الذي يتلبس رموز الانقلاب، والذي يعززه جنون فضائيات الفلول، فإن سؤال المستقبل في مصر المحروسة بات بالغ الصعوبة، لاسيما أن العنف قد يتحرج، وليس بالضرورة أن يكون نتاج قرار، والمصيبة الأكبر أن داعمي الانقلاب من الخارج يبدون أكثر رعونة من داعمي الداخل، هم الذين يركزون حقدهم على ربيع العرب والثورات، ويريدون تدمير كل شيء مقابل أن لا يطالبهم أحد بإصلاح سياسي.
نعلم أن النصح بالإصرار على الجانب السلمي، ولو بفعاليات مدروسة يبدو شكلا من أشكال التخاذل في عرف البعض، لكننا نصر عليه من منطلق المحبة والحرص، لأننا نرى ما ينطوي عليه الخيار الآخر من تدمير على مختلف الأصعدة، في ذات الوقت الذي نرى أن الانقلاب ماضٍ وسيمضي في اتجاه الفضيحة بالتدريج، والصبر في هذه الحالة سيكون هو الخيار الأنسب من أجل الإعداد لجولة أخرى تستعيد من خلالها مصر حريتها ودورها بعيدا عن أحذية العسكر، وبعيدا عن وصاية موتورين يعادون الحرية في الداخل والخارج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق