الأحد، 30 مارس 2014

لماذا غيَّرتْ أمريكا موقفها من السيسي ؟


لماذا غيَّرتْ أمريكا موقفها من السيسي ؟


أخيرا وبعد فترة من الترقب والتوجس أعلن وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي ترشحه للسباق الرئاسي بتسجيل قصير لم يتجاوز 15 دقيقة بثته معظم الفضائيات المصرية وفي مقدمتها التليفزيون الرسمي الذي ضم قنواته كلها أثناء إلقاء الكلمة ، كأنها كلمة رئيس منتخب متوج ، لا كلمة مجرد مرشح للانتخابات في إشارة واضحة أنه كان خطاب تتويج لا خطاب ترشيح .

إعلان السيسي جاء متأخرا حتى اللحظات الأخيرة لغلق باب التسجيل في قاعدة بيانات الناخبين والتي يشترط لمن أراد الترشح أن يكون مقيدا بها ، مما أبقى باب التكهنات بخصوص ترشحه مواربا أمام المحللين والمراقبين يتكهنون عن ترشحه من عدمه .فطريق السيسي إلى كرسي الرئاسة طريق مليء بالعقبات الداخلية والخارجية ، بل هو في واقع الأمر مليء بالألغام والفِخاخ ، وذلك بسبب طبيعة بنية الانقلاب ، فالائتلاف الحاكم في مصر هو مزيج من مؤسسات الدولة والقوى السياسية. يتكون كيانه من جهاز الأمن الداخلي والسلطة القضائية ووسائل الإعلام الحكومية والبيروقراطيين في القطاع العام، ورجال أعمال النظام السابق ، وسلطات دينية موالية للنظام السابق ، وهذا الخليط المعروف إعلاميا بـ"الدولة العميقة". حيث لكل عنصر من هذا المزيج تطلعاته وأهدافه ورغباته وأيضا حساباته مما عقّد المشهد السياسي أمام السيسي ، ولكن الطرف الأهم دائما في هذه المعادلة هو الطرف الخارجي؛ ونعني به أمريكا تحديدا .

فدول العالم الثالث ذات الطابع الاستبدادي في نظام الحكم ، ومنها مصر اليوم بعد الانقلاب العسكري ، لا تبالي بالخيارات الشعبية في لعبة الانتخابات ، فثقافة شعوب تلك الدول كانت ومازالت ثقافة رعوية ضيقة لا تهتم بالعمل السياسي ، وتراه عملا عبثيا في ظل حكم "الرئيس الإله" الذي لا يُسأل عما يفعل . فالنظام يفرض إرادته وعلى الشعوب الإذعان ، و للمعارضة التنكيل والإيلام . لذلك فحسابات الرئاسة في هذه الأنظمة في أغلبها ترتبط بالمتطلبات الدولية والإقليمية ، وتخضع لمعايير الأنساق والتحالفات القائمة . ومصر ليست استثناءً من هذه القاعدة إلا في الفترة الممتدة من تنحي مبارك حتى الانقلاب العسكري في 3 يوليو . لذلك كان الحالم بالرئاسة منذ 35 سنة حريصا منذ البداية على الحصول على الدعم الأمريكي بوصفه الدعم الأهم إن لم يكن الوحيد الذي يؤهل صاحبه لكرسي الرئاسة في مصر بعد الانقلاب .

أمريكا أبدت تحفظا واضحا على ترشح السيسي ، ورأت في بقائه وزيرا للدفاع أفضلية على كرسي الرئاسة ، وذلك لاعتبارات كثيرة من أبرزها التقارير الاستخباراتية التي رفعها الأجهزة المعنية والتي تتحدث عن احتمالات قوية لتفجر العنف وحمل السلاح لدى قطاع كبير من الإسلاميين حال وصول السيسي للسلطة ، مما يُنذر بتفجر المنطقة بأسرها ، وأمريكا تتعامل بمنتهى الجدية مع أي معلومات استخباراتية تتعلق بأمنها وأمن الكيان الصهيوني . ومنها استمرار الحراك الثوري ضد حكم العسكر ، وتركيز هذا الحراك على شخص السيسي بوصفه قائد الانقلاب ، مما يعني ثورة مستمرة حال بقاء السيسي . ومنها استحالة عمل مصالحة داخلية في مصر بسبب وجود السيسي والبلاد لن تستقر أبدا دون هذه المصالحة . ومنها الاعتبارات القانونية والأخلاقية التي تتظاهر أمريكا بالدفاع عنها والتي تمنع تأييد حكم عسكري جاء بهذه الصورة الدموية . لذلك سعت الإدارة الأمريكية نحو إقناع داعمي السيسي من دول الخليج بمنعه من الترشح عملا بهذه الاعتبارات ، وقام جون كيري بجولة مكوكية في دول الخليج في شهر فبراير الماضي لمناقشة مستقبل الأوضاع في مصر . فما الذي حدث إذا حتى يتغير الموقف الأمريكي من ترشح السيسي ؟
قد يكون للأوضاع الإقليمية مثل تشقق الصف الخليجي وتداعيات الثورة السورية دور في تغيير الموقف الأمريكي ، وأيضا قد يكون للأوضاع الدولية مثل أزمة القرم دور أيضا في هذا التغير ، ولكن الأسباب المحورية جاءت من جانب السيسي نفسه . فالإجراءات والخطوات التي قام بها السيسي في الأيام الأخيرة والتي رفع بها من سقف تنازلاته من أجل نيل الرضا الأمريكي والصهيوني قد آتت أكلها ، فالسيسي قد أقدم على خطوات سبق وطُلبت صراحةً من مبارك ولكنه رفضها خوفا من آثارها وتداعياتها الداخلية والخارجية ، هذه الخطوات بدأت بالشروع في رفع الدعم عن السلع الأساسية والوقود ، وتحرير التجارة ، كما سبق وأن طلبت أمريكا من مصر سنة 2004 قبل توقيع اتفاقية الكويز ، والسيسي الذي يحلو لأنصاره تشبيهه بعبد الناصر الاشتراكي يؤمن بالليبرالية المتطرفة التي طبقها ريجان وتاتشر، ومن أجل ذلك قام بتعيين وزير مالية يؤمن بنظرية التقشف الشديد ، وهو النصراني هاني قدري الذي شرع بالفعل في رفع الضرائب وتخفيض الدعم مما أدى لارتفاع الأسعار في مصر بصورة جنونية خاصة في مواد البناء .
ثم كانت الخطوة الأكثر جراءةً وسبقا وهي إعلان القضاء المصري الخاضع تماما لتأثير العسكر حركة حماس منظمة إرهابية في سابقة لم تقع من أي دولة عربية أو إسلامية أو أفريقية أو اسيوية ، وقد طُلب ذلك من مبارك سنة 2007 ولكنه رفض . ورغم رمزية القرار حيث لا توجد أنشطة أو مقرات لحماس في القاهرة ، إلا أنه جاء تمهيدا لما هو أخطر من ذلك ، وهو التورط في مستنقع غزة ، خاصة وأن زيارة مريبة لم يُعلن عنها من قبل قام بها وفد عسكري رفيع المستوى للكيان الصهيوني لترتيب العلاقات الثنائية ومستقبل المنطقة والحدود في المرحلة المقبلة .
ثم أتبع هذه الخطوة الجريئة بخطوة أشد منها جراءة وهي تشكيل قوة تدخل سريع من الجيش المصري بدعوى مكافحة الارهاب ، وهو المطلب الذي طلبته أمريكا صراحة سنة 2009 ، وقد أظهرت البرقيات الدبلوماسية التي نشرها موقع ويكيليكس خلافا في وجهات النظر بين واشنطن والقاهرة بشأن تطوير مهمة الجيش المصري مع إصرار القيادة المصرية على إعداده في المقام الأول لمواجهة عسكرية تقليدية. وكشفت البرقيات، التي تعود إلى 2008 و2010، عن أن واشنطن ترغب في تطوير الجيش المصري لتوسيع نطاق مهمته وزيادة تركيزها على التهديدات الجديدة، في حين تتمسك القاهرة بمهمته التقليدية في حماية البلاد.
وجاء في برقية رقم CAIRO 000549 الصادرة في مارس 2009 أن الولايات المتحدة سعت إلى إقناع الجيش المصري بتوسيع مهمته بطريقة تتواكب مع التهديدات الأمنية الإقليمية الجديدة مثل القرصنة والأمن على الحدود ومكافحة الإرهاب، إلا أن القيادة المصرية رفضت.
ورأت واشنطن أن المسئول عن ذلك هو وزير الدفاع وقتها، المشير طنطاوي، حيث وصفته الوثيقة بأنه العقبة الأساسية أمام تحويل مهمة الجيش، وقالت إنه منذ تولى المشير طنطاوي مهام منصبه تراجع مستوى التخطيط التكتيكي والعملاني للقوات المسلحة المصرية .
السيسي قدم كل التنازلات اللازمة لاعتماد أوراق ترشحه لدى الأمريكان وحلفائهم ، تنازلات لم يجرؤ مبارك نفسه على تقديمها ، بعد أن ضمن تشقق الصف الشعبي والوطني ، وانشغاله بأزماته اليومية ومتاعبه الاقتصادية ، فلم يعد ثمة مبررات لتخوفات مبارك وهواجسه ، وهو ما جعل الأمريكان يغيرون موقفهم من ترشح السيسي ويقبلون بالأمر الواقع في مصر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق