الأربعاء، 11 يونيو 2014

حقيقة موقف أميركا والغرب من الإسلاميين



حقيقة موقف أميركا والغرب من الإسلاميين

ياسر الزعاترة

كجزء من أكبر حملة شيطنه تعرض لها الإخوان، والظاهرة الإسلامية بشكل عام خلال الأعوام الثلاثة الماضية، قيل الكثير عن علاقة الإسلاميين بأميركا والغرب، وتدفق سيل من الهراء كاد لكثرته أن يعبث بعقول بعض البسطاء الذين صدَّق بعضهم أن أميركا تقف وراء الإخوان وتدعمهم، حتى وصل الابتذال ببعضهم حد وصف أوباما بالإخواني والبحث عن جذور عائلته.
وفي سياق الحملة البائسة؛ التقت للمفارقة أطراف كانت متناقضة على الدوام، فقد شارك فيها يساريون وقوميون من أنصار بشار، وآخرون من أنصار الانقلاب في مصر، ورأينا إسلاميين مرتدين (ردة سياسية بمعنى الارتماء في أحضان أنظمة معينة، ولا نعني هنا الردة الدينية)، فيما شارك في الحملة أيضا، وهنا المفارقة أناس بلا عدد من زوار السفارات الغربية، وممن كانوا ولا يزالون يدافعون عن العلاقة مع الغرب والتطبيع مع الكيان الصهيوني، فيما يعيشون في أحضان أنظمة محسوبة على المعسكر الغربي، وما يسمى محور الاعتدال العربي، الذي يعني الانبطاح أمام الغرب والكيان الصهيوني. اجتمع كل هؤلاء، ومن ورائهم أنظمة لا يعرف العالم لها مثيلا في الولاء لأميركا، والدفع لها بالمليارات كصفقات أسلحة لا تستخدم أبدا، اجتمعوا على أن هناك علاقة حميمة، بين الإخوان ومعهم فريق كبير من الإسلاميين، وبين أميركا والغرب.
لا دليل يملكه هؤلاء سوى بضعة تصريحات يصطادونها من هنا وهناك، ومن بينها آراء لباحثين غربيين وسياسيين ومتقاعدين (يقابلها سيل لا يحصى يذهب في الاتجاه الآخر، لكنهم يتجاهلونه)، وهم يذكِّروننا بالمثل الذي يسخر ممن يترك الذئب ويقص على الأثر، أي يترك عنوان الجريمة ماثلا أمامه، ويذهب في اتجاه البحث عن آثارها في أماكن أخرى.
أي دليل يملك الحد الأدنى من الإقناع قدمته تلك الجحافل من الكذابين والحاقدين، كدليل على وجود تعاطف من أميركا والغرب مع الإسلاميين عموما، والإخوان على وجه الخصوص؟!
ولندع هنا منطق المصالح الذي يحكم سياسات الغرب، وحيث يدرك الجميع أن نظاما إسلاميا، فضلا عن أن يكون قادما عبر الصناديق لا يمكن أن يكون مطواعا كما الأنظمة التي تعودت عليها واشنطن خلال العقود الأخيرة.
اللافت في القصة التي نحن بصددها هو أن الأبواق إياها تتجاهل حقيقة بالغة الأهمية في السياق، أعني تلك التي تتمثل في أن الكيان الصهيوني بقيادة نتنياهو كان الأكثر حماسة للانقلاب في مصر، وهو الذي عمل ليل نهار من أجل تسويقه في الدوائر الغربية، كما أنه وعلى نحو لا يقل أهمية كان الأكثر حماسة لبقاء بشار الأسد في السلطة، وأقله الحماسة لإطالة أمد الحرب من أجل تدمير سوريا واستنزاف الجميع (حال بكل قوة دون السماح بتزويد الثوار بالسلاح النوعي)، ما يعني أن الأسس التي يستند إليها كل أولئك في الحديث عن رضا الغرب عن الإسلاميين، فضلا عن دعمهم هي محض هراء.
أما القول إن أميركا قد خفّضت المساعدة العسكرية الأميركية لمصر بعد الانقلاب، فلا يغير شيئا، ليس لأن الجزء الأكبر من المساعدة بقي على حاله، بل أيضا لأن الجزء الذي ألغي قد أخذ يعود من جديد بالتدريج، فيما يعلم الجميع أن حماسة أميركا الرسمية للانقلاب لم تكن في حاجة لأدلة، ولا يغير فيها بعض الخجل السياسي ممثلا في الخوف من تبعات «أخلاقية» للتعاطي بإيجابية مكشوفة مع انقلاب عسكري على رئيس منتخب، في مخالفة لقانون أميركي معروف (تصريحات كيري المساندة للانقلاب كانت فاضحة).
إن الموقف الأميركي والغربي من التيار الإسلامي، بل من الظاهرة الإسلامية عموما لم يكن إيجابيا في العموم، وازداد الأمر وضوحا منذ مطلع التسعينيات، ثم صار محسوما منذ الحادي عشر من سبتمبر، وساد الاعتقاد في الأوساط الغربية بأنها (أي الظاهرة الإسلامية) بكل تصنيفاتها تشكل خطرا على المصالح الغربية، ولا بد تبعا لذلك من تجفيف ينابيعها تدريجيا، وهي لذلك دعمت كل المساعي التي تقوم بها الأنظمة «المعتدلة» لمطاردة تلك الظاهرة.
ثمة مسار عام للأحداث ينبغي قراءتها من خلاله، لكن الموتورين الذين لا يريدون الاعتراف بالحقيقة يذهبون نحو بعض الأخبار والتفاصيل الصغيرة لكي يثبتوا عكس الحقيقة، وفي هذا السياق رأينا أنظمة ترتمي في حضن الغرب، ونخب من ذات اللون تشكك في علاقة الإسلاميين بالغرب، لكأنها ثورية لم تضع السلاح في معرض مواجهتها مع «الإمبريالية الأميركية».
يبقى القول إن الهجمة كانت وما زالت تركز على الإسلام السياسي السنّي أكثر من الإسلام السياسي الشيعي، وربما تبعا لحسابات إسرائيلية، فضلا عن سياسة فرّق تسد المعروفة، والسبب أن «السنّي» هو الذي طرد الأميركان من العراق وأفغانستان، وهو الذي يهدد الأنظمة الموالية، بينما يتحالف الجزء الأكبر من الإسلام السياسي الشيعي مع الأميركان في العراق، ويتفاوض الآن مع أميركا (إيران)، بينما انتهى حزب الله كحركة مقاومة منذ نهاية حرب يوليو 2006.
فاصل: في افتتاحية لافتة لها يوم انتخابات مصر، قالت صحيفة الإندبندنت إن «الحكومات الغربية التي هللت بالإطاحة بمبارك ورحبت بالفجر الجديد، تشعر بالارتياح بعد سنوات قليلة بأن هذا الفجر قد انتهى».
وأضافت: «ليس الأميركيون فقط؛ بل إن حلفاءهم الأوروبيين أيضا يرحبون سرا بعودة الوضع القائم في مصر، وحكم الرجل الذي يمثل أب الأمة، فضلا عن كل دول الخليج التي رحبت بذلك».
وقالت: «لا أحد من الذين حرقت أصابعهم بما أطلق عليه الربيع العربي، يشعر بالندم على أن تجربة الديمقراطية التي اتسمت بالفوضى أزيحت جانبا، بل إن وصول السيسي لحكم مصر، علامة طمأنة لهم على أن الربيع العربي قد مات ودفن».
الخلاصة هي أنه لا شيء أفضل للغرب من الوضع الرسمي العربي الذي ثار الناس ضده.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق