خمس سنين من حياتي
المؤلف مراد كورناز
عرض زياد منىهذا الكتاب تسجيل شاهد عيان في 12 فصلا لما وصلت إليه "الحرب على الإرهاب" التي أعلنها الرئيس الأميركي عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، كتبها مواطن تركي قضى ما مجموعه 1663 يوما رهن الاعتقال في أفغانستان وغوانتانامو.
خلفية الكاتبمراد قرناز مواطن تركي يعيش في مدينة بريمن شمالي ألمانيا، غادرها يوم 3/11/2001 إلى باكستان ليزور المدارس الدينية هناك ويتعلم، كما أكد، أصول الدين الإسلامي في مدارسها.
بينما كان في طريقه إلى العاصمة الباكستانية يوم عودته إلى ألمانيا، اعتقلته الشرطة الباكستانية ومن ثم، كما عرف لاحقا من المحققين الأميركيين، "باعته" بمبلغ ثلاثة آلاف دولار على أنه عضو في تنظيم القاعدة.
خصص الكاتب فصلين لإخبار القارئ عن خلفيته الاجتماعية في قريته في تركيا، وسبب رغبته في الزواج من مواطنة تركية ودور إيمانه في ذلك القرار، موضحا على نحو مقنع سبب توجهه إلى باكستان. كما يتحدث عن طفولته في مدينة بريمن وحياته فيها كمهاجر تركي.
يوضح الكاتب مراد قرناز تفاصيل اعتقاله والمعاملة التي تلقاها أثناء مدة الاعتقال الأولى في أفغانستان، حيث مارس المحققون الأميركيون عليه مختلف أنواع التعذيب الجسدي والنفسي من ضرب وصدمات كهربائية وتعليق من الأيدي والأرجل، إلى أشكال من الإهانة الأخلاقية أخرى كالسب والشتم والتعرية والإجبار على قضاء الحاجة أمام المجندات.. إلخ. وقد كان في المعتقل بلا اسم ولا هوية سوى أنه مسلم ورقمه 053.
تواطؤ الصليب الأحمر الدوليتحدث الكاتب عن مندوبي الصليب الأحمر الدولي الذين زاروهم في المعتقل وقد عرفوا وحشية الاعتقال والتحقيق، لكن القوات الأميركية أجبرت السجناء على كتابة رسائل إلى أهاليهم يعلنون فيها تلقيهم "معاملة جيدة".
كان مراد يأمل في أن يقوم مندوبو الصليب الأحمر الدولي بإبلاغ العالم بالحقيقة، لكنهم لم يفعلوا ذلك، كما سجل لقاءه مع جنود ألمان من القوات الخاصة في القاعدة العسكرية الأميركية في أفغانستان شاركوا في ضربه وإهانته.
من أفغانستان إلى غوانتانامو، معسكر أكس ريه أو أشعة أكس، حيث ينطبق وصف مراد لظروف الاعتقال في أفغانستان، ومن ثم "الشحن" إلى معتقل غوانتانامو، مع الصور التي نشرتها الصحافة العالمية، وكذلك مع تقارير معتقلين آخرين من بريطانيا ظهرت على نحو فج ومفجع في فيلم "الطريق إلى غوانتانامو/ The Road To Guantanamo" الذي حاز على جائزة أفضل مخرج في مهرجان برلين 2006.
دامت رحلة العذاب التي نقلت مراد ورفاقه السجناء والأسرى من أفغانستان إلى قاعدة غوانتانامو 72 ساعة انتهت بوضع كل واحد منهم في قفص حديدي مكشوف يمنع السجين من التمتع بأي لحظة خصوصية حيث وضعت آلات تصوير للرقابة الدائمة.
وقد وضع السجان الأميركي جردا يحتوي سائلا عفنا في الزنزانة التي لا تتجاوز مساحتها 180 في 200 سم وفراشا ارتفاعه سنتمتران وغطاء واحدا وقطعة صابون وخرقة تنشيف."كثيرا ما كانت القوات الخاصة تضرب سجينا من دون أي سبب، مثل السجين التونسي سفيان بن عمرو، وسجين آخر من عمان اسمه كمال، وصبي عربي عمره 15 عاما اسمه صلاح"
أما الطعام فكان مكونا من ثلاث ملاعق من الأرز وشريحة خبز مجففة وملعقة بلاستيكية، إضافة إلى الإهانات والمعاملة التي تفتقد أي إحساس إنساني.
وقد فرض السجان الأميركي على المساجين مجموعة من الأمور منها:
- وضع الغطاء على القدمين فقط.
- النوم على الظهر فقط.
- منع السير في داخل الزنزانة/القفص أو الوقوف.
- كمية الماء لا تكفي للاستحمام.
- منع لمس سور القفص/الزنزانة.
- وضع الغطاء على القدمين فقط.
- النوم على الظهر فقط.
- منع السير في داخل الزنزانة/القفص أو الوقوف.
- كمية الماء لا تكفي للاستحمام.
- منع لمس سور القفص/الزنزانة.
وكان عقاب كل من يخالف تلك "التعليمات" الضرب الذي تخصصت في القيام به مجموعة خاصة اسمها "قوة رد الفعل الفوري" (Immediate Reaction force, IRF).
التحقيقذكر مراد أن التحقيق معه كان يتم طوال الوقت باللغة الإنجليزية مع أنه لا يفهمها، وفي معتقل غوانتانامو كانت المرة الأولى التي تم التحقيق فيها باللغة الألمانية. وكان يستمر ساعات طويلة يجبر فيها السجين على البقاء واقفا.
أما التهم فكانت دوما ذاتها: الانتماء إلى تنظيم القاعدة، ومعرفة مكان اختباء أسامة بن لادن وما إلى ذلك.
ولم يكن الضرب وسيلة التعذيب الوحيدة، فيذكر مثلا معاناة أحد السجناء بسبب آلام ضرس، فقامت سلطات المعتقل بخلع ثمان من أضراسه.
كما وجد أطفالا وأحداثا في المعتقل في أفغانستان، فقد سجن في معسكر أكس ريه رجل أفغاني عمره يزيد عن تسعين عاما، كان يتعرض للتعذيب والإهانة مثل غيره من السجناء. وقد كتبت صحيفة نيويورك تايمز عن ذلك السجين وادعت أنه كان من طالبان ومتدربا على كل أنواع الأسلحة.
ولا ينسى الكاتب تذكير القراء بما تحويه الصحراء من حشرات وزواحف، من عناكب وعقارب وصراصير تتسلل إلى الزنازين/الأقفاص وتهدد حياة السجناء وصحتهم.
وكثيرا ما كانت القوات الخاصة تضرب سجينا من دون أي سبب، وهو يذكر بالخصوص سجينا تونسيا اسمه سفيان بن عمرو، وسجينا آخر من عمان اسمه كمال، وصبيا عربيا عمره 15 عاما اسمه صلاح، كان يحفظ القرآن عن ظهر قلب، وعلم الكاتب كثيرا من الآيات ومعاني الكلمات القرآنية.
تدنيس القرآنمع أن الولايات المتحدة نفت دوما حدوث أي تدنيس للقرآن في معتقل غوانتانامو، فقد روى الكاتب إقدام أحد السجانين الأميركيين على رمي المصحف الشريف على الأرض، مما قاد إلى اندلاع "انتفاضة" في المعتقل اضطر بعدها الضابط المسؤول للتدخل والوعد بعدم تكرار ما حدث."إقدام أحد السجانين الأميركيين على رمي المصحف الشريف على الأرض قاد إلى اندلاع "انتفاضة" في المعتقل اضطر بعدها الضابط المسؤول إلى التدخل والوعد بعدم تكرار ما حدث"
وقد تلخصت مطالب المساجين بالآتي:
- منع أي تكرار لتدنيس للمصحف الشريف.
- وقف التعذيب.
- معالجة المرضى.
- منع إذاعة النشيد الوطني الأميركي في أوقات الآذان والصلاة.
- منع أي تكرار لتدنيس للمصحف الشريف.
- وقف التعذيب.
- معالجة المرضى.
- منع إذاعة النشيد الوطني الأميركي في أوقات الآذان والصلاة.
وهذه المطالب جميعها تحققت، مما منح المساجين ثقة أكبر بالنفس وبالقدرة على مواجهة ظروف الاعتقال اللاإنسانية، لكن الكاتب شدد على أن إيمانه بالخالق هو الذي أمده بالقوة للاستمرار في الحياة في تلك الظروف المفرطة في لاإنسانيتها ووحشيتها.
المعسكر دلتافي نهاية شهر أبريل/نيسان 2002 نقل السجان الأميركي المعتقلين إلى معسكر آخر اسمه "دلتا" تميز عن سابقه بأن جدران زنازينه حديدية مصمتة وليست أقفاصا، إلا أن مساحة كل زنزانة لم تزد عن 100 في 110 سم، نافيا صحة قول الصحافة الأميركية إن مساحتها كانت 250 في 270 سم.
ومع أن الأوضاع في المعتقل الجديد كانت "أفضل" فإن التحقيق معهم لم يتوقف وهو دوما، بحسب الكاتب، حول الأسئلة ذاتها: القاعدة ومكان تواجد أسامة بن لادن.. إلخ.
كما يذكر أنه حقق معه محققون أتراك وألمان. لكن "الجديد" هنا استخدام الجنس كأسلوب ضغط على السجناء حيث أحضر السجان الأميركي نساء عاريات إلى الزنازين.
هذه المعاملة الوحشية أفقدت المعتقل التركي الذي كان متميزا بكونه من ممارسي رياضة كمال الأجسام 20 كغم، قبل أن يضرب عن الأكل احتجاجا على اعتقاله دون أي محاكمة كما كان قد "وعد" في سبتمبر/أيلول 2004.
العالم الخارجيبعدها نقل السجين مراد إلى معسكر إكو حيث تلقى في أكتوبر/تشرين الأول 2004 للمرة الأولى رسالة من والدته عبر محام. وقد تبين له عبر لقائه هذا كذب الصحافة الأميركية وغيرها عن أحوال اعتقالهم في غوانتانامو.
بعد اللقاء بالمحامي تم نقل بعض المساجين إلى معتقل آخر في القاعدة الأميركية اسمه "المعسكر 4" يتميز بكون الأحوال فيه أفضل من الأمكنة الأخرى.
ومع ذلك يذكر الكاتب قتل مجموعة من المساجين هناك ومنهم المواطن "السعودي" ياسر طلال الزهراني، مع أن إدارة المعتقل ادعت أنه انتحر.
وعندما مثل مراد قرناز أمام المحكمة العسكرية الخاصة، ادعى القضاة بأنه اعتقل في جبال تورا بورا، وكان ذلك أمرا غير صحيح. وقد تقرر وقتها إطلاق سراحه ولكن بشرط توقيعه على اعتراف بانتمائه للقاعدة، وهو ما رفضه.
ومن الأمور الطريفة التي يكرر قرناز ذكرها أنه رغم تعرضه لمرات لا نهاية لها للتحقيق كان المحققون الأميركيون يخطئون في تهجي اسمه، حتى في أمر إطلاق سراحه الخطي.
وفي يوم 24/06/2006 قررت السلطات الأميركية إطلاق سراح مراد قرناز دون توجيه أي تهمة، ونقله إلى ألمانيا بعدما قضى ما يقرب من خمس سنوات في معتقل غوانتانامو.
حقائق مغيبة"الولايات المتحدة كانت على قناعة ببراءة مراد قرناز وعرضت على الحكومة الألمانية إطلاق سراحه، لكن الأخيرة لم تظهر أي اهتمام ولا حماس للموضوع"
قضية مراد قرناز أثارت كثيرا من اللغط في وسائل الإعلام الألمانية، وكادت تشكل مصدر أرق للحكومة الألمانية، ولوزير خارجيتها تحديدا الذي كان يشغل منصب منسق شؤون الاستخبارات لدى المستشار السابق غرهارد شرودر.
فقد صرح أكثر من مصدر أميركي بأن الولايات المتحدة كانت على قناعة ببراءة مراد قرناز التي أكدتها عدة تقارير أميركية وأوروبية، وأنها عرضت على الحكومة الألمانية إطلاق سراحه، لكن الأخيرة لم تظهر أي اهتمام ولا حماس للموضوع.
هذا الإعلان اضطر السلطات الألمانية إلى تشكيل لجنة للتحقيق في الأمر مما عرض وزير الخارجية الحالي للاستجواب، ولكنه نفى أي علم بالأمر، رغم إصرار الجانب الأميركي على أنه أبلغه برغبتهم في إطلاق سراح السجين.
لم يحدث أي تطور في أمر التحقيق، ولا نتوقع ذلك، فالملف سيحال حتما إلى الحفظ، لأن المستشارة الألمانية تفضل أن يكون وزير خارجيتها الذي ينتمي إلى الحزب الاجتماعي الديمقراطي المتحالف مع حزبها الديمقراطي المسيحي وشقيقه البافاري الاجتماعي المسيحي ضعيفا ولا يسبب لها أي مصدر للإزعاج أو التحدي.
والحكومة الألمانية، حسب الكاتب، لم تظهر أي اهتمام بالسجين التركي ولم يكلف أي شخص من جانبها بزيارته والاطمئنان على وضعه، إلا أن محافظ مدينة بريمن زاره وسأله إن كانت لديه أي حاجات.
في نهاية الكتاب يعرض المؤلف حالته النفسية بعيد إطلاق سراحه و"تمتعه" بالحرية في ألمانيا التي أصر على البقاء فيها، إلى جانب أهله، رغم صعوبة التأقلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق