التعددية الدينية بين السياسي والواقعي
ياسر الزعاترة
منذ سنوات، وتبعا لاتساع نطاق الظاهرة الدينية وتأثيراتها الاجتماعية والسياسية لم يعد بالإمكان تبسيط المشهد الديني والمذهبي وفق التصنيفات التقليدية، سني وشيعي، سلفي وصوفي، إخواني، تحريري، تبليغي أو مستقل، أزهري وغير أزهري، إلى غير ذلك من المترادفات.
ذلك أن داخل كل تيار قدر كبير من التباينات لا يمكن تجاهلها بأي حال من الأحوال، الأمر الذي يبدو أكثر وضوحا في سياق المواقف المتعلقة بالشأن السياسي والعام، لكنه لا ينحصر في ذلك، بل يمتد ليشمل المواقف الفقهية المتعلقة بمستجدات القضايا، بل حتى بعض القديم منها، كما هو حال قضايا المرأة والموسيقى والتصوير، وصولا إلى استعادة بعض الخلافات القديمة فيما يتصل بقضايا الفقه والاعتقاد، وحيث يرى كل فريق أنه الأقرب إلى الكتاب والسنّة، أو الأصول الصحيحة من الآخرين.
لا شك أن توضيح الأمر يحتاج إلى جولة بانورامية قد لا تأتي على كل الشواهد، إذ سيكون بوسع كل باحث أو حتى قارئ أن يضيف إليها من عنده، لكننا نتوقف عند أبرزها من أجل الوصول إلى الأسئلة والنتائج التي نرمي إليها، إن كان بوسعنا حقا التوصل إلى نتائج نهائية في هذا البحث الشائك والمعقد.
"في السياق الراهن بعد الربيع العربي، تبرز الحالة الإخوانية والسلفية كأهم النماذج على التعددية التي نتحدث عنها، إذ نعثر في ظلهما على اجتهادات شتى، إن في سياق التعاطي مع الشأن السياسي، أم حتى الفقهي أحيانا، بصرف النظر عما إذا بقي بعضهم ضمن الإطار أم خرجوا منه "
في السياق الراهن بعد الربيع العربي، تبرز الحالة الإخوانية والسلفية كأهم النماذج على التعددية التي نتحدث عنها، إذ نعثر في ظلهما على اجتهادات شتى، إن في سياق التعاطي مع الشأن السياسي، أم حتى الفقهي أحيانا، بصرف النظر عما إذا بقي بعضهم ضمن الإطار أم خرجوا منه أو عليه.
ممارسات الفروع الإخوانية على صعيد التعامل مع السلطات في كل بلد تبدو متباينة جدا، من الخروج المسلح كما في سوريا مطلع الثمانينيات، وحتى الثورة الحالية، إلى اعتبار الحاكم وليا للأمر كما في بعض الفروع الخليجية، إلى التعاون ضد أطراف إسلامية أخرى كما في الجزائر، وبين ذلك مساحة واسعة من الاجتهادات في العمل السياسي، مع تنوع مشابه في الاجتهادات الفقهية الأخرى، بين المتأثرين منهم بالتيار السلفي، وبين الأكثر انفتاحا كما هو حال التجربة التونسية مثلا.
في ذات السياق أيضا نعثر على إشكالات سياسية تحدث بين أبناء ذات المرجعية، كما حصل في السودان مثلا بين تيار الترابي من جهة، وتيار البشير وعلي عثمان طه من جهة أخرى، وهما أبناء حركة واحدة فرقتها قضايا السياسة أكثر من أي شيء آخر.
التيار الآخر الذي لا يقل إثارة خلال الألفية الجديدة هو التيار السلفي، وهنا لم يعد بالإمكان الحديث عن تيار ورؤية موحدة، بل عن سلفيات متعددة، والمشكلة أنها جميعا تتبنى ذات المرجعية، وذات المنهج في الاستنباط، لكنها ما تلبث أن تتباين حد الصراع، وصولا إلى الاقتتال.
وفي حين كانت هناك ثلاث سلفيات يرى كل منها أنه الأقرب للصواب، بل ربما يستشهد بنصوص لذات العلماء (الجهادية، التقليدية وهي "الجامية" بالتعبير الخليجي، أو العلمية بتعبير آخرين، الإصلاحية أو السرورية بتعبير آخرين)، فإن الأمر لم يعد بهذا التبسيط، إذ يحدث أن تتباين الاجتهادات داخل كل إطار، كما في الحالة الجهادية التي اقتتلت في سوريا (الدولة الإسلامية والنصرة وأحرار الشام) وتتباين مجموعاتها أيضا، فيما يذهب بعضها بعيدا في التشدد كما في مجموعات جهادية في الصومال ونيجيريا وسواها، وصولا إلى الآخرين الذين نعثر لكل فريق منهم على اجتهادات شتى في التعاطي مع الشأن السياسي.
وحتى في السياق التقليدي نجد الكثير من التباين، وإن انحصر هنا في الشأن الفقهي التقليدي، وقضايا الاعتقاد، وبقي متفقا إلى حد كبير في الموقف السياسي من "ولي الأمر"، مع أن ذلك لم يلبث أن أخذ يتغير، إذ رأينا فروعا تجيز المشاركة في الانتخابات (اقتراعا)، ولا ترى ذلك ترشيحا، بينما تجيزه أخرى ترشيحا وانتخابا، إلى غير ذلك من التبدل في المواقف الذي يأتي غالبا في سياق من التبعية لرأي ولاة الأمر، أو لنقل مطالبهم بتعبير أدق. ثم هناك السلفية المنخرطة في العمل السياسي، والتي تباينت بشكل مذهل كما رأينا ذلك في مصر بعد الثورة على سبيل المثال (حزب النور ومن انشقوا عليه مثالا).
ممارسات الفروع الإخوانية على صعيد التعامل مع السلطات في كل بلد تبدو متباينة جدا، من الخروج المسلح كما في سوريا مطلع الثمانينيات، وحتى الثورة الحالية، إلى اعتبار الحاكم وليا للأمر كما في بعض الفروع الخليجية، إلى التعاون ضد أطراف إسلامية أخرى كما في الجزائر، وبين ذلك مساحة واسعة من الاجتهادات في العمل السياسي، مع تنوع مشابه في الاجتهادات الفقهية الأخرى، بين المتأثرين منهم بالتيار السلفي، وبين الأكثر انفتاحا كما هو حال التجربة التونسية مثلا.
في ذات السياق أيضا نعثر على إشكالات سياسية تحدث بين أبناء ذات المرجعية، كما حصل في السودان مثلا بين تيار الترابي من جهة، وتيار البشير وعلي عثمان طه من جهة أخرى، وهما أبناء حركة واحدة فرقتها قضايا السياسة أكثر من أي شيء آخر.
التيار الآخر الذي لا يقل إثارة خلال الألفية الجديدة هو التيار السلفي، وهنا لم يعد بالإمكان الحديث عن تيار ورؤية موحدة، بل عن سلفيات متعددة، والمشكلة أنها جميعا تتبنى ذات المرجعية، وذات المنهج في الاستنباط، لكنها ما تلبث أن تتباين حد الصراع، وصولا إلى الاقتتال.
وفي حين كانت هناك ثلاث سلفيات يرى كل منها أنه الأقرب للصواب، بل ربما يستشهد بنصوص لذات العلماء (الجهادية، التقليدية وهي "الجامية" بالتعبير الخليجي، أو العلمية بتعبير آخرين، الإصلاحية أو السرورية بتعبير آخرين)، فإن الأمر لم يعد بهذا التبسيط، إذ يحدث أن تتباين الاجتهادات داخل كل إطار، كما في الحالة الجهادية التي اقتتلت في سوريا (الدولة الإسلامية والنصرة وأحرار الشام) وتتباين مجموعاتها أيضا، فيما يذهب بعضها بعيدا في التشدد كما في مجموعات جهادية في الصومال ونيجيريا وسواها، وصولا إلى الآخرين الذين نعثر لكل فريق منهم على اجتهادات شتى في التعاطي مع الشأن السياسي.
وحتى في السياق التقليدي نجد الكثير من التباين، وإن انحصر هنا في الشأن الفقهي التقليدي، وقضايا الاعتقاد، وبقي متفقا إلى حد كبير في الموقف السياسي من "ولي الأمر"، مع أن ذلك لم يلبث أن أخذ يتغير، إذ رأينا فروعا تجيز المشاركة في الانتخابات (اقتراعا)، ولا ترى ذلك ترشيحا، بينما تجيزه أخرى ترشيحا وانتخابا، إلى غير ذلك من التبدل في المواقف الذي يأتي غالبا في سياق من التبعية لرأي ولاة الأمر، أو لنقل مطالبهم بتعبير أدق. ثم هناك السلفية المنخرطة في العمل السياسي، والتي تباينت بشكل مذهل كما رأينا ذلك في مصر بعد الثورة على سبيل المثال (حزب النور ومن انشقوا عليه مثالا).
"لا يختلف المجال السنّي عن المجال الشيعي، إذ من السطحية وضع الشيعة في حالة واحدة كما لو كانوا كتلة لا تتباين، والدليل على ذلك ما يجري في العراق، فالقوى الشيعية التي تتصارع على كعكة السلطة هي قوى ذات مرجعية دينية"
في الحالة الصوفية لا يبدو الأمر مختلفا، وإن بدا أن خلافاته هي الأقل إثارة، والسبب بالطبع هو غياب البعد السياسي فيها، وعدم متابعة الإعلام لها تبعا لعدم تأثيرها على المجال العام، ولكونها جميعا مع السلطة السياسية الموجودة بصرف النظر عن لونها، لكن صراعاتها لا تنتهي أيضا بسبب اختلاف الطرق والمرجعيات، وحين تنهض للعمل السياسي تختلف وتتباين أيضا، كما في الحالة السودانية بين الختمية والمهدية.
وإذا ذهبنا نتحدث عن التيارات المستقلة، كالأزهرية مثلا، فإن الأمر لا يبدو مختلفا كذلك، فداخل الإطار الأزهري هناك تباينات كبيرة في الاجتهاد السياسي، بين تيار ثوري وآخر تابع للسلطة، أية سلطة، ولا تسأل عن التباين في الاجتهاد في كل ما يخص قضايا الفقه والاعتقاد أيضا.
لا يختلف المجال السنّي عن المجال الشيعي في هذا الإطار، إذ من السطحية وضع الشيعة في حالة واحدة كما لو كانوا كتلة لا تتباين، والدليل على ذلك ما يجري في العراق، فالقوى الشيعية التي تتصارع على كعكة السلطة هي قوى ذات مرجعية دينية (حزب الدعوة، المجلس الأعلى، التيار الصدري وقوى أقل وزنا من ذات اللون)، فهذه جميعا في حالة صراع، بعضه ظاهر وبعضه مكتوم، الأمر الذي ينطبق على تنافس المرجعيات الكبرى على قلوب المقلدين، وتبعا لذلك جيوبهم أيضا (الخُمس). ولا يخفى أن الحالة السنية العراقية تشهد ذات التباينات أيضا بين قوى تنتسب إلى المرجعية الدينية.
لا يختلف الأمر في لبنان، وإن بدا أقل شأنا تبعا لسيطرة حزب الله على المشهد، لكن ذلك لا يخفي وجود أسماء كبيرة لها آراء مختلفة مثل الشيخ الطفيلي، والعلامة علي الأمين وسواهم (كان السيد فضل الله هو الأبرز قبل وفاته).
لكن الأهم هو ما يجري في إيران، فالإصلاحيون ينهلون من مرجعية دينية، وكذلك حال المحافظين، وروحاني ورفسنجاني، وقبلهم كروبي رجال دين، وحتى رموز الإصلاحيين الآخرين هم من ذات اللون، ولا تسأل عن الخلاف التقليدي القديم الجديد بين الأصوليين والإخباريين، وفي حين يبدو الصراع الحديث سياسيا وعلى كعكة السلطة أكثر منه دينيا، إلا أن البعد الديني حاضر هنا في شتى القضايا القديمة والحديثة.
سيكون بالإمكان تعداد حالات في كل بلد، لكن ما ورد آنفا يلخص إلى حد ما طبيعة المشهد، ليدفعنا إلى التساؤل أولا عن سبب هذا التباين ابتداء، وكيفية حل معضلاته من جهة أخرى، أعني معضلات الصراع وما ينبني عليه من مصائب وضحايا.
في تعداد أسباب الخلاف يبرز أكثر من بعد، الأول ذو صلة بالنص الديني، والثاني ذو صلة بدور السياسة في توجيه دفة المشهد الديني، أما الثالث فهو المتعلق بالصراع الإنساني الطبيعي على المكاسب والفرار من المخاوف.
من المؤكد أن الخلاف حول تفسير النص الديني هو الأصل وليس الاستثناء، أعني الخلاف في تفسير النص المتفق على صحته، والخلاف حول تصحيح النصوص وتضعيفها، ومن ثم الخلاف حول اختيار ما يناسب كل طرف منها، وهنا يمكن القول إن ذلك كان موجودا طوال الوقت، سواء تعلق الخلاف بالشأن السياسي (مسألة الخروج على الحكم الظالم مثالا)، وحيث يأتي كل طرف بنصوص تؤيده، وكذلك بوقائع تاريخية، أم تعلق بالخلاف الديني التقليدي في قضايا الفقه والاعتقاد.
وهنا لا يُعتقد أن مثل هذا الخلاف سيصل إلى نتيجة في القريب، لكنه سيبدأ بالتحلحل بعض الشيء في المستقبل في حال جرى تنقية النصوص مما علق بها لأسباب بعضها سياسي وبعضها طبيعي، وذلك من خلال عرضها على القرآن الكريم والواقع وتجارب التاريخ الطويلة.
وإذا ذهبنا نتحدث عن التيارات المستقلة، كالأزهرية مثلا، فإن الأمر لا يبدو مختلفا كذلك، فداخل الإطار الأزهري هناك تباينات كبيرة في الاجتهاد السياسي، بين تيار ثوري وآخر تابع للسلطة، أية سلطة، ولا تسأل عن التباين في الاجتهاد في كل ما يخص قضايا الفقه والاعتقاد أيضا.
لا يختلف المجال السنّي عن المجال الشيعي في هذا الإطار، إذ من السطحية وضع الشيعة في حالة واحدة كما لو كانوا كتلة لا تتباين، والدليل على ذلك ما يجري في العراق، فالقوى الشيعية التي تتصارع على كعكة السلطة هي قوى ذات مرجعية دينية (حزب الدعوة، المجلس الأعلى، التيار الصدري وقوى أقل وزنا من ذات اللون)، فهذه جميعا في حالة صراع، بعضه ظاهر وبعضه مكتوم، الأمر الذي ينطبق على تنافس المرجعيات الكبرى على قلوب المقلدين، وتبعا لذلك جيوبهم أيضا (الخُمس). ولا يخفى أن الحالة السنية العراقية تشهد ذات التباينات أيضا بين قوى تنتسب إلى المرجعية الدينية.
لا يختلف الأمر في لبنان، وإن بدا أقل شأنا تبعا لسيطرة حزب الله على المشهد، لكن ذلك لا يخفي وجود أسماء كبيرة لها آراء مختلفة مثل الشيخ الطفيلي، والعلامة علي الأمين وسواهم (كان السيد فضل الله هو الأبرز قبل وفاته).
لكن الأهم هو ما يجري في إيران، فالإصلاحيون ينهلون من مرجعية دينية، وكذلك حال المحافظين، وروحاني ورفسنجاني، وقبلهم كروبي رجال دين، وحتى رموز الإصلاحيين الآخرين هم من ذات اللون، ولا تسأل عن الخلاف التقليدي القديم الجديد بين الأصوليين والإخباريين، وفي حين يبدو الصراع الحديث سياسيا وعلى كعكة السلطة أكثر منه دينيا، إلا أن البعد الديني حاضر هنا في شتى القضايا القديمة والحديثة.
سيكون بالإمكان تعداد حالات في كل بلد، لكن ما ورد آنفا يلخص إلى حد ما طبيعة المشهد، ليدفعنا إلى التساؤل أولا عن سبب هذا التباين ابتداء، وكيفية حل معضلاته من جهة أخرى، أعني معضلات الصراع وما ينبني عليه من مصائب وضحايا.
في تعداد أسباب الخلاف يبرز أكثر من بعد، الأول ذو صلة بالنص الديني، والثاني ذو صلة بدور السياسة في توجيه دفة المشهد الديني، أما الثالث فهو المتعلق بالصراع الإنساني الطبيعي على المكاسب والفرار من المخاوف.
من المؤكد أن الخلاف حول تفسير النص الديني هو الأصل وليس الاستثناء، أعني الخلاف في تفسير النص المتفق على صحته، والخلاف حول تصحيح النصوص وتضعيفها، ومن ثم الخلاف حول اختيار ما يناسب كل طرف منها، وهنا يمكن القول إن ذلك كان موجودا طوال الوقت، سواء تعلق الخلاف بالشأن السياسي (مسألة الخروج على الحكم الظالم مثالا)، وحيث يأتي كل طرف بنصوص تؤيده، وكذلك بوقائع تاريخية، أم تعلق بالخلاف الديني التقليدي في قضايا الفقه والاعتقاد.
وهنا لا يُعتقد أن مثل هذا الخلاف سيصل إلى نتيجة في القريب، لكنه سيبدأ بالتحلحل بعض الشيء في المستقبل في حال جرى تنقية النصوص مما علق بها لأسباب بعضها سياسي وبعضها طبيعي، وذلك من خلال عرضها على القرآن الكريم والواقع وتجارب التاريخ الطويلة.
"في تعداد أسباب الخلاف يبرز أكثر من بعد، الأول ذو صلة بالنص الديني، والثاني ذو صلة بدور السياسة في توجيه دفة المشهد الديني، أما الثالث فهو المتعلق بالصراع الإنساني الطبيعي على المكاسب والفرار من المخاوف"
البعد الثاني، ولعله الأهم راهنا هو ما يتعلق بتأثير السياسي على المسار الديني، وذلك في دولة حديثة تحتكر أدوات القوة والبطش، وبوسعها توجيه دفة الدين في الاتجاه الذي تريد، من دون أن يعني ذلك نجاحا حاسما.
وفي العقود الأخيرة رأينا كيف أثر أصحاب السلطة (والمال أيضا) على مسارات التعددية الدينية، وكان لهم دور في نشر السلفية ذات اللون الرافض للعمل السياسي، والمؤيد لولي الأمر بشكل دائم، وبالطبع مقابل حرب على التيارات الدينية المسيّسة، إن كانت إخوانية، أم من ذات اللون السلفي، ورأينا أنظمة أخرى تدعم التيار الصوفي، أيضا لذات الغرض، وأحيانا الأزهري الموالي، كما في مصر مثلا، والنتيجة أن دور السلطة السياسية يبدو فاعلا، ولا يبدو أنه سيتغير ما لم تتغير هي ذاتها، إذ ستواصل الأنظمة دعم التيارات التي تواليها، مقابل العمل على تحجيم الأخرى التي تطالب بالشراكة في السلطة والثروة.
على أن الأهم من ذلك هو المتعلق بالصراع الإنساني الطبيعي، إن كان الشخصي أم الحزبي، أم عموم الصراع على المكاسب الدنيوية والفرار من المخاطر، وهو البعد الكامن في النفس الإنسانية، ولن يغادرها ما لم تجر برمجة جينية جديدة له (كما يزعم بعض أهل الخيال العلمي)، مع أن ذلك سينفي عن الكون بُعده الطبيعي في الصراع (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، ولكن الله ذو فضل على العالمين) البقرة/251.
وفي حين لا يبدو أن ثمة حلا للإشكالين الأول والثاني -أقله في القريب- ما لم تحصل المجتمعات العربية والإسلامية على حريتها السياسية والدينية، ويكون بوسع كل طرف أن يعلن اجتهاده دون خوف من أحد، فإن حل البعد الأخير هو إدراك كل طرف لحقيقة أن هذه المساحة الشاسعة من تعدد الاجتهادات لا يمكن أن يجري تبسيطها بمقولة "الفرقة الناجية"، لأن ذلك سيحجم رحمة الله، بل لا بد من النظر إليها كشيء طبيعي، حتى لو كان بعضها موجّها من قبل دوائر السياسة.
ويعني هذا أن على الجميع أن يعرض نفسه ورؤاه على الناس، وهم وحدهم من يحكمون على صلاحية طرحه، فيما قد يفعلون ذلك مرة، ثم يتراجعون في التالية.
والنتيجة أن الحرية والتعددية هي الدواء الأهم، وهي وحدها التي تكفل لكل الناس أن يعبدوا ربهم بحرية، ويختاروا من يمثلهم بحرية أيضا، ويحكموا على سلوكه وكذلك خطابه بحرية أيضا، ما يعني أن معركة الحرية هي الأهم. الحرية من استبداد الداخل، ومن التبعية للخارج في آن، والأخيرة لا تقل أهمية عن الأولى، بل هي مرتبطة بها ارتباطا وثيقا في واقع الحال.
وفي العقود الأخيرة رأينا كيف أثر أصحاب السلطة (والمال أيضا) على مسارات التعددية الدينية، وكان لهم دور في نشر السلفية ذات اللون الرافض للعمل السياسي، والمؤيد لولي الأمر بشكل دائم، وبالطبع مقابل حرب على التيارات الدينية المسيّسة، إن كانت إخوانية، أم من ذات اللون السلفي، ورأينا أنظمة أخرى تدعم التيار الصوفي، أيضا لذات الغرض، وأحيانا الأزهري الموالي، كما في مصر مثلا، والنتيجة أن دور السلطة السياسية يبدو فاعلا، ولا يبدو أنه سيتغير ما لم تتغير هي ذاتها، إذ ستواصل الأنظمة دعم التيارات التي تواليها، مقابل العمل على تحجيم الأخرى التي تطالب بالشراكة في السلطة والثروة.
على أن الأهم من ذلك هو المتعلق بالصراع الإنساني الطبيعي، إن كان الشخصي أم الحزبي، أم عموم الصراع على المكاسب الدنيوية والفرار من المخاطر، وهو البعد الكامن في النفس الإنسانية، ولن يغادرها ما لم تجر برمجة جينية جديدة له (كما يزعم بعض أهل الخيال العلمي)، مع أن ذلك سينفي عن الكون بُعده الطبيعي في الصراع (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، ولكن الله ذو فضل على العالمين) البقرة/251.
وفي حين لا يبدو أن ثمة حلا للإشكالين الأول والثاني -أقله في القريب- ما لم تحصل المجتمعات العربية والإسلامية على حريتها السياسية والدينية، ويكون بوسع كل طرف أن يعلن اجتهاده دون خوف من أحد، فإن حل البعد الأخير هو إدراك كل طرف لحقيقة أن هذه المساحة الشاسعة من تعدد الاجتهادات لا يمكن أن يجري تبسيطها بمقولة "الفرقة الناجية"، لأن ذلك سيحجم رحمة الله، بل لا بد من النظر إليها كشيء طبيعي، حتى لو كان بعضها موجّها من قبل دوائر السياسة.
ويعني هذا أن على الجميع أن يعرض نفسه ورؤاه على الناس، وهم وحدهم من يحكمون على صلاحية طرحه، فيما قد يفعلون ذلك مرة، ثم يتراجعون في التالية.
والنتيجة أن الحرية والتعددية هي الدواء الأهم، وهي وحدها التي تكفل لكل الناس أن يعبدوا ربهم بحرية، ويختاروا من يمثلهم بحرية أيضا، ويحكموا على سلوكه وكذلك خطابه بحرية أيضا، ما يعني أن معركة الحرية هي الأهم. الحرية من استبداد الداخل، ومن التبعية للخارج في آن، والأخيرة لا تقل أهمية عن الأولى، بل هي مرتبطة بها ارتباطا وثيقا في واقع الحال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق