بروتوكولات حكماء العرب
-9-
فتنة الوزير الشاذ..
البروتوكول السادس
دكتور محمد عباس
من المؤكد يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات أنكم سمعتم تلك الطرفة عن السائح الذي ذهب إلى دولة كبرى ( ليست إسرائيل كما يدعى الرعاع المتخلفون أعداء السامية ).. وفى ليلته الأولى في عاصمتها ( ليست تل أبيب كما يزعم المتطرفون)..
حين راح يتجول في شوارع العاصمة يستكشف أسرارها.. اقترب منه قواد عارضا بضاعته: نساء من كل الأعمار بجميع المواصفات والألوان .. ودهش السائح من كثرة الأصناف المعروضة فقال للقواد:
- كل هذه الأصناف من البغايا .. ألا توجد في بلادكم امرأة شريفة..
وهنا أجاب القواد على الفور:
- يوجد بالطبع يا سيدى.. لكنها ستكلفك أكثر..!!
***
نعم يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات.. ما من امرأة لا يمكن إغواؤها وما من رجل كذلك..
ينطبق هذا على عالم الدعارة والشذوذ بنفس الدرجة التي ينطبق بها على عالم السياسة..
وكما أن الدعارة فن فالسياسة فن كذلك..
حدد قيمة الهدف.. ثم حدد طريقة الاقتراب.. ثم قدر الثمن.. ثم ادفع بسخاء دون تردد ولا ندم.. لأن المرأة الشريفة لن تظل شريفة بعد المرة الأولى وستحصل على ما تشاء منها بعد ذلك دائما دون ثمن..
سوف تجدون بالطبع قلة نادرة تشذ عن هذه القاعدة.. وكما يمكن أن تجدوا بين النساء من تستعصى على الإغواء مهما كانت ضراوته فسوف تجدون في السياسة أيضا كذلك.. لكن هذا الشذوذ يثبت القاعدة ولا ينفيها.. فهذه الفئة الحمقاء التي ربطت حياتها بما رددته أساطير الأولين عن الحياة بعد الموت تمنى نفسها بأجر لا تستطيع كل خزائنكم منافسته.. أجر من الله.. ( أرأيتم أهمية ما بدأت به هذه البروتوكولات من ضرورة عزل الله عن عالمنا لأننا لا نستطيع منافسته؟).. هذه الفئة لم تعد مشكلة طاغية كما كانت فيما مضى.. لقد أثمرت سياسة تجفيف المنابع.. وسياسة التعليم).. ودعونى من على منبرى هذا أرسل تحية إعجاب وتقدير لوزراء تعليم بلادكم.. فقد اضطلعوا بالمهمة الأكبر والأخطر والأصعب و الأشمل في نزع عوامل المقاومة من الأجيال الجديدة جيلا بعد جيل وفى بث القابلية للإغواء و في حصار الفئات الشاذة التي تستعصي على الإغواء..)..
أثمرت أيضا سياسة الأمن التي حاصرت غير القابلين للغواية .. وكما أعلم فلقد نجحتم في عزل غالبيتهم عن المجتمع عندما أودعتموهم سجونكم ومعتقلاتكم.. لم يبق منهم خارج السجون والمعتقلات إلا أقل القليل.. وهم يعيشون دائما تحت رعب الانتظار والتساؤل هل حان حين اعتقالهم أم لم يحن بعد..
ودعوني من على هذا المنبر أيضا أوجه تحيتي إلى وزراء ثقافتكم وإلى صحفكم والمسئولين عن الإعلام في بلادكم.. والذين أكملوا مسيرتنا الكبرى نحو الليبرالية والحداثة وما بعد الحداثة وضد الظلام والجهل وأساطير الأولين..
لم يعد الأمر مشكلة كما كان فيما مضى.. لأن كل ما تحتاجونه الآن هو مراقبة من يعملون فعلا ثم تختارون منهم الأسوأ فتصعدونه إلى وظيفة أعلى.. ومن فئة الوظائف الأعلى تختارون الأسوأ .. وهكذا حتى تصلون إلى المناصب الكبرى في البلاد.. إلا أنني أحذر هنا من أن يتم ذلك بصورة عشوائية.. ذلك أن الأسوأ في مجال ما ليس هو الأنسب لكل منصب.. عنصر الموهبة الشخصية جوهري ونوع الاستعداد الفطري مهم.. ولكي أضرب لكم المثل فإن لص الخزائن لا يصلح قاطع طريق.. والقواد لا يصلح دجالا.. والمحتال لا يصلح بلطجيا.. لكل واحد منهم موهبته التي تجعله ينجح نجاحا باهرا في عمل ما ويفشل تماما إذا أسند إليه عمل آخر..
إن عليكم أن تقوموا باختيار كبار موظفيكم ووزرائكم كما يقوم المخرج الموهوب بانتقاء ممثليه.. وأظنكم جميعا معي .. في أن من ينجح في دور قد يفشل في آخر.. لكن عليكم هنا أن تتجنبوا أن يكون لكم أية معايير ثابتة في الاختيار.. بل إن المعايير الثابتة هي أسوأ ما تفعلونه.. لأنها ستعطى للفئات الأخرى فرصة للانتقاد عندما لا تتفق معكم في تقييم هذه المعايير.. كما أنها ستتيح للبعض شبهة في أن يكون من حقهم الفوز بهذه المناصب ما دامت المعايير تنطبق عليهم.. لا.. ذلك خطر.. لأن الاختلاف معكم فيروس شديد العدوى.. وما أن يبدأ في فئة حتى ينتقل كالوباء إلى الرعاع جميعا.. لذلك يجب أن يكون واضحا أمام الجميع أن المناصب الكبرى منحة مطلقة منكم تمنحونها لمن شئتم وتمنعونها عمن شئتم.. دون أي تعقيب من أي معقب..
يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات: إنكم تعرفون الناس ليس أكثر مما يعرفهم الرعاع فقط بل أكثر مما يعرفون أنفسهم.. و سوف يكون ممتعا لكم ومحبطا للناس أن تلتقطوا واحدا يظفر بإعجاب الناس لتولوه السلطة.. سوف تهتاج مشاعر الدهماء بالنشوة.. فهذا هو بطلهم الذي انتظروه طويلا.. وهاهو من يتوسمون فيه أنه سيحق الحق ويقيم العدل بعد طول غياب.. وربما يكون الرجل نفسه يظن في نفسه ذلك.. إما لأنه أصلا لم يتعرض لأي اختبار حقيقي أو أنه واصل خداع الناس لفترة طويلة حتى صدق نفسه.. سيكون ممتعا أن تروه وهو يغوص في الفساد يوما بعد يوم.. كامرأة شريفة تبدأ الانحراف.. ابتسامة تصطنع البراءة.. ثم لمسة مختلسة تصطنع الصدفة ثم تلبية دعوة بريئة الظاهر ثم فجأة .. كل أنواع الفاحشة حتى النخاع .. نفس الشيء سيحدث مع رجل السياسة أو القائد أو المحافظ أو الوزير أو رئيس الجامعة و أنتم تضعون أمامه من المغريات كل يوم ما يجعله يقترب من الانحراف أكثر.. حتى ينزلق الانزلاق النهائي ليكون طوع بنانكم أبد الدهر..إلا أنه في الفترة الطويلة التي تبدأ باختياره للمنصب إلى أن ينحرف فعلا.. ثم في الفترة الأطول التي يكتشف فيها الرعاع أنه ليس أفضل من سابقيه .. في هاتين الفترتين ستكون لديكم كل الفرص لأن تعدوا بعده خليفة له أنسب لكم وأشد سوءا للرعاع والدهماء..
ليس الأمر بالغ الصعوبة.. إن الفساد كالساعة فليس عليك لكي تعطلها أن تعطب كل ترس فيها..بل عليك فقط بالترس الأكبر..
إن الميزان يميل في صفنا.. لأن الإرهابيين سيعانون كثيرا كي يكسبوا إرهابيا واحدا إلى صفوفهم أما نحن فسنجد الألوف رهن إشارتنا وطوع أمرنا.. إنهم يصطادون بالسنارة ونحن نصطاد بالشبكة..
إن كل ما نحتاج إليه لننتصر.. ليس أن نقنع الرعاع بالإيمان بنا بل أن ننجح في إغراقهم في مستنقع الحيرة حيث لا يدركون ما يجب عليهم أن يفعلوه..
إن العبقرية الكامنة في فلسفتنا أننا نعانى بعض المشقة في البداية ثم تسير الأمور بعد ذلك بقوة الدفع الذاتي.. بحيث لا يحتاج نشر مزيد من الفساد لأي مجهود منكم.. في البداية عليكم أن تأتوا بفأر أسود وفأرة.. بعد عام ستكون آلافا.. بعد أعوام ستكون مئات الألوف.. بعد أعوام أخرى ستكون ملايين.. ولن تكون هناك قوة قادرة على مقاومتها أو السيطرة عليها.. وهكذا الفساد.. لن تتوقف أبدا عمليات المقاومة اليائسة من السفهاء.. لكن.. ماذا يفعل الجمهور الغبي الأعمى.. الذي كلما نجح في اصطياد فأر وضعنا أمامه بدلا منه ألف فأر.. فإذا ما نجح عبر الإرهاب والتمرد في اصطياد ألف فأر وضعنا أمامه مليون فأر.. ماذا سيفعل؟!..
***
البروتوكول السابع
سوف أضرب لكم مثلا بسيطا يا جلالة الفخامات ويا فخامة الجلالات على الميزات الهائلة التي تظفرون بها عندما تضعون وزيرا شاذا جنسيا في مجلس وزرائكم.. وكيف أن ذلك سيثير بين أمتكم فتنة تدع الحليم منها – إن وجد- حيران..
ففي الخارج.. ستحققون ميزة حاسمة على جميع المستويات.. فعلى المستوى العام سيطمئن الغرب كله أنكم لا تخفون خلف عباءاتكم الفضفاضة سيفا من سيوف جهاد أجدادكم ، و أنكم قد قطعتم روابطكم بالماضي فعلا بعد أن برئتم من أخطر تحد واجه الإسلام به الغرب.. ألا وهو الجهاد.. وتذكروا أن الغرب لم يستطع دحر هذه المنطقة إلا بعد أن أغمدت سيف الجهاد.. وقد يقبل الغرب على مضض أن يتعامل مع ملك أو رئيس يتظاهر بأداء شعائر دين الإسلام طالما كانت هذه الشعائر لا تتجاوز اللسان وحركات المفاصل.. أنتم تعرفون أنهم هناك يصورون حتى ماركات ملابسكم الداخلية.. ويعرفون جميع ما تفعلون.. وهذا ما يطمئنهم إلى أن تظاهركم بأداء الشعائر ليس إلا تقية من سفهائكم ورعاياكم.. ولكنه اطمئنان غير كامل.. إذ قد يستسلم أحدكم تحت وطأة ضغط رعاياه الإرهابيين ليعود إلى الإرهاب من جديد.. سوف يرضى الغرب إذن على مضض.. وسوف تظل الهواجس المرعبة تتناوبه من أن هذا الملك المتظاهر بأداء الشعائر قد ينتكس فجأة ليعود إلى الإرهاب..
إن تعيين وزير شاذ واحد في مجلس وزرائكم سيكون كفيلا بتبديد كل هذه الهواجس بضربة واحدة.. سوف يرى الغرب المدى الذي وصلتم إليه في الامتثال لحضارته وفكره..سوف يدرك مدى الاستنارة والتحضر والتقدم الذي وصلتم إليه .. وسوف يرى أيضا أنكم تجاوزتم مرحلة الرعب من شعوبكم السفيهة.. وسوف يطمئنه هذا إلى أقصى حد ممكن إلى إخلاصكم وولائكم له..
هذا على المستوى العام.. على مستوى آخر فأنتم تعلمون مدى انتشار جمعيات الشذوذ في الغرب الآن.. و أن هذه الجمعيات باتت تملك ضغطا سياسيا لا ينكره إلا أعمى.. ووجود وزير شاذ في حكومة أي واحد منكم ستجعل من هذه الجمعيات نصيرا قويا لحكمكم.. ومدافعا قويا عنكم.. ثم أنكم تعرفون أيضا الصلات القوية بين منظمات الشواذ تلك ومؤسسات الصهيونية العالمية التي يمثل الروتاري والليونز والماسونية قمة جبل الثلج فيها.. أنتم تعلمون أن هذه المنظمات هي التي تحرك العالم اليوم.. صناعته وزراعته واقتصاده وإعلامه .. وهذا يعـنى ضمن ما يعـنى أنه لن يتعقب فضائحكم أحد ولن ينتقد سياستكم أحد ولن يكشف سرقاتكم وسرقات أبنائكم أحد.. كم أنهم لن يتحدثوا عن تزوير الانتخابات أو إهدار حقوق الإنسان..
هل أدركتم الآن كم أن تعيين وزير شاذ يمثل استثمارا من أعظم استثمارات الحكم..
إلا أن ربح هذا الاستثمار لن يقتصر على الخارج فقط .. بل إن له تداعياته العميقة في الداخل أيضا.. سوف يصرخ الرعاع المعارضون.. وسوف يحاولون فضحكم أمام شعوبكم.. أما أنتم فسوف تلتزمون الصمت المطبق.. وسوف يفسر صمتكم هذا بالتعالي على المعارضة والاشمئزاز من سفالتها.. وكلما طال صمتكم سيعلو صوت المعارضين لكم.. سيتجاوزون كل منطق.. ولكن الناس.. الناس العاديين في الشوارع.. السفهاء .. لن يكون لديهم أي يقين بما تقوله المعارضة ولا بما تنشره صحفها.. سوف يستبد بهم الذهول ..
فبرغم أنهم – في عمومهم – يصدقون ما تقوله المعارضة.. إلا أنهم لن يستطيعوا تصور أن جلالة الجلالة يمكن أن يقدم على هذا الفعل الوضيع المشين.. إن هؤلاء الرعاع يشكون في كل شيء في جلالته.. في أمانته.. في عفته.. في نزاهته.. في صدقه.. في وطنيته.. في دينه.. لكنهم سيتساءلون دوما ما الذي يدفعه إلى ارتكاب مثل هذا الفعل المشين بتعيين وزير شاذ في مجلس وزرائه .. إن هؤلاء الرعاع ذوى العقول المتدنية الظلامية لا يستطيعون التفكير بالطريقة المستنيرة الحرة التي نفكر نحن بها.. ثم أن الأساطير التي يؤمنون بها كبلت عقولهم ومنعتها من الانطلاق .. سوف ندس من بين غلماننا من يزايد على المعارضين الإرهابيين أنفسهم.. سوف نجعلهم ينشرون الأكاذيب.. ثم ننسب هذه الأكاذيب إلى المعارضة.. ثم ندفع بغلمان آخرين لنا لتسفيه المعارضة المجرمة التي لم تترفع عن الدنايا.. نعم.. سوف ندفع بمن يلصق بالمعارضة تلميحات عن شذوذ المليك نفسه.. لكن بقايا عقل ستجعل الرعاع يرفضون على الفور أن يكون مليكهم قد عين شاذا لأنه هو الآخر شاذ.. لقد سمعوا كثيرا عن ملوك شواذ اكتفوا بالغلمان ولم يراود أحدا منهم وزيرا عن نفسه بله أن يعينه وزيرا.. سوف تكون ملامح الوزير المخنثة المنفرة عاملا آخر في صفنا تدفع الرعاع لتكذيب المعارضة.. لكنهم من الجانب الآخر – بفكرهم المتدني – يظنون أن المعارضة على صواب دائما.. يصدقها – أولئك الرعاع - في كل ما تقول وتكتب.. والحقيقة أننا في نواح كثيرة نعجز عن تكذيب ما يقولون.. لسبب بسيط هو أن الناس تراه في الشارع يحدث كل يوم.. لذلك سيكون عليكم دائما اصطناع أحداث ومواقف تثبتون فيها كذب المعارضة.. ومن أهم هذه المواقف تعيين وزير شاذ .. قلت لكم أن الرعاع لن يصدقوا أن يقدم أي من جلالاتكم على هذا الفعل الشنيع.. كما أنهم في نفس الوقت لن يصدقوا أن المعارضة – التي طالما صدقوها واحترموها – تقدم على هذا الاتهام الفظيع دون دليل.. وهنا.. هنا بالضبط سنضرب المعارضة في مقتل.. هاتوا دليلكم..!!..
ولن يجد الإرهابيون أي دليل ملموس يؤكد صدقهم وينفى كذبهم.. وهذا سيمكن كلاب صيدكم من افتراسهم.. لا هم سيتراجعون ولا نحن سنتراجع.. ليقع الجمهور الأعمى في حيص بيص.. إنه عاجز عن التصديق وعاجز عن التكذيب.. وهذا هو الوضع المثالي الذي يجب أن نجعل الجمهور عليه دائما.. أن نشتت عقله حتى نفقده الثقة فيه.. أن ندفعه إلى يأس كامل ومطبق بإمكانية أن يسعفه تفكيره بأي حل لقضاياه .. أن نجعله يكفر بعقله و أسلوبه في التفكير فيندفع إلى السلبية لا يلوى على ششيء.. ولا يقدم على ششيء ولا يفكر في ششيء..
سوف تشغل هذه القضية عمر جيل كامل من أجيال شعوبكم.. سوف تشغلهم عن قضاياهم الملحة .. وسوف تشد انتباههم إلى بعيد بعيد عن تلك الأماكن التي تحرصون ألا ينظروا إليها.. كما أنها ستشغل المعارضة الإرهابية المجرمة عن تعقب السرقات وإهدار المال العام والخيانة والرشوة والعمولة وتزييف الوعي وجميع هذه الألفاظ ضخمة الشكل فارعة المضمون..
لن تقتصر آثار تعيين الوزير الشاذ على ما ذكرت حتى الآن.. فثمة تداعيات لا أول لها ولا أخر سوف تشق قلب فئات المجتمع كله كما يشق النور الظلام..
ففي مجلس الوزراء مثلا.. كيف سيتعامل معه زملاؤه.. كيف وهم يعلمون أنه الأثير لديكم.. وسوف يجدون أنفسهم كل يوم متورطين في الدفاع عنه بحكم التضامن الوزاري.. إن الأمر هنا لا يقتصر على موقف أخلاقي.. بل إنه من أهم الدروس التي يحب على جميع الوزراء استيعابها بطريقة عملية.. أن يتعلموا أنه لا يوجد حق وباطل بل يوجد قوى وضعيف.. منتصر ومهزوم.. وأن الحق حق ليس حقا لأنه العدل بل لأننا استطعنا فرضه ولم يستطع خصومنا مواجهتنا فانهزموا.. وأن الصدق ليس صدقا والكذب ليس كذبا ( وهنا أرجوكم يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات أن تراجعوا ما ذكرناه في البروتوكولات الأولى) .. هذه الخبرة العميقة ضرورية جدا لممارسات كل وزير على المستوى الوطني والعالمي.. نعم .. سوف يكون هذا الموقف هو رأس الذئب الطائر أمام كل وزير .. سوف يتعلم أنه انتقل إلى عالم آخر غير عالمه الأول.. عالم مقاييسه مختلفة.. عالم الملوك المقدس.. وأنه كما يخلع الرعاع نعالهم حين يدخلون المساجد فإن عليه أن يخلع عقله في حضرة الملك المقدس.. وعليه أن يدرك أن كل المطلقات قد تهاوت وأن المليك أصبح هو المطلق الوحيد.. كإله.. وأن ذلك هو الذي سيحدد له برنامج وزارته كلها .. بما له من تداعيات..
هذا عن مجلس الوزراء.. فلننتقل الآن إلى التداعيات الرهيبة المروعة التي تحدث في وزارة الوزير الشاذ نفسه.. أي خذلان سيحس به من تدفعهم الحاجة إليه؟ أي عار سيشعر به من يجبر على احترامه وتقديسه ..
هل تذكرون يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات قول الشاعر:
واعلم بأن عليك العار تلبسه
من عضة الكلب لا من عضة الأسد
نعم .. علينا أن ندرك حقيقة ما نفعله.. وأن علينا أن نلبس الأمة كلها ثوب العار حتى نستطيع حكمها.. لا يقتصر الأمر على ما مضى .. إذ كيف سيعامل معالي الوزير الشاذ وكلاؤه وموظفوه؟.. ما تأثير ذلك على قراراتهم وسلوكهم؟.. وكيف ينتقل هذا كله منهم إلى زملائهم في الوزارات الأخرى وإلى مرءوسيهم.. كيف ينتشر من الأعلى إلى الأدنى ليصبح نمطا يقلد فيه الأصغر الأكبر والأضعف الأقوى.. لينتشر بعد ذلك بين الناس جميعا..
تخيلوا يا جلالة الجلالات أنكم بقرار واحد بسيط مثل هذا القرار تجنون كل تلك المكاسب..
لا أقول لكم أن الطريق سيكون دائما ممهدا ومفروشا بالورود.. توجد بالطبع بعض الخسائر.. ومن المؤسف أن بعض هذه الخسائر يأتي من طرف رجالنا.. تماما كما يحدث في المعارك الحربية حين تقصف كتيبتان من نفس الفرقة كل منهما الأخرى.. سوف أضرب لكم المثل على الفور..
ففي إحدى الممالك كان الوزير الشاذ بالغ الحماقة والتهور..كان عنينا.. وقد استبقاه الملك في وزارته عشرين عاما.. وكان يقوم بدور الحصى في رعاية حريم الملك وبناته.. لم يكن مطلوبا من الوزير الشاذ أن يستر نفسه – وإلا انتفت الفائدة من العملية كلها- لكن لم يكن مطلوبا منه أيضا أن يثير كل ما أثار من فضائح.. واستغلت صحف المعارضة الوضيعة رعونته فكشفت سر إسناده وكالة الوزارة لشاب عفي.. ولم يكتف الوزير بذلك بل جعل لهذا الوكيل مكتبا في بيته.. وأصبح لا يفارقه ليل نهار....
والتقط أحد رجال الأمن الأغبياء الخيط بمبادرة ذاتية منه .. فتعقب الوزير والشاب وسجل ما يحدث بينهما بالصوت وبالصورة.. وأتى الأحمق بشريطه وقدمه إلى رؤسائه.. وانتشرت الفضيحة داخل أروقة جهاز الأمن كله.. بل وتسربت نسخ من الشريط إلى المعارضة.. كان الأمر نكسة سيئة.. لكن علم الملوك الذي أعلمه لكم سوف يمكنكم من تحويل كل هزيمة إلى نصر.. حسنا.. هل تجرؤ المعارضة الوقحة على نشر مثل هذا الشريط وتوزيعه؟؟ .. إن وسائل الإعلام كلها في أيدينا.. فأين سيعرضونه؟؟.. بل إن وجود هذا الشريط نفسه عند أي واحد منهم يشكل جريمة وخرقا للآداب العامة.. وتخيلوا تأثير محاكمة زعيم معارضة بتهمة اقتناء شرائط تسجيل منافية للآداب العامة( لن تذكر وسائل إعلامنا بالطبع أي تفاصيل عن الشريط.. لكن العار سيلتصق بالإرهابي أمام الرعاع)..
تبقى مشكلة أخرى تتعلق بجهاز الأمن نفسه.. فجميع الضباط والجنود قد شاهدوا هذا الشريط.. وانطلقوا يدلون فيما بينهم بتعليقات أكثر فجورا من تعليقات المعارضة.. حسنا.. الآن يدرك جهاز الأمن أن ما قاله المعارضون بشأن الوزير الشاذ صحيح.. وقد يتبادر إلى أذهانكم أن ذلك يشكل كارثة كبرى.. لأن جهاز الأمن سيرى أنه إذا كانت المعارضة قد صدقت في هذه القضية فمن المحتمل أن تكون صادقة أيضا في جميع القضايا الأخرى.. لكن ما قد يراه بعضكم كارثة كبرى ليس إلا تدشين جهاز الأمن وإنضاجه لكي يتبوأ بجدارة مكانته.. فرجل الأمن ليس لديه عمل آخر إذا ما أطيح به .. وعليه أن يمارس عمله كما هو.. دون أي تفكير منه .. وليس له أن يقدم على أي مبادرة من تلقاء نفسه .. تلك هي الكارثة الحقيقية إذا حدثت.. فليس لرجل الأمن أن يفكر على الإطلاق.. بل يجب أن يُبرمج بطريقة واحدة: هل هذا يرضى رئيسي أو لا يرضيه؟.. يجب أن يكون ولاء جهاز الأمن لنا كولاء أفراد العصابة لزعيم العصابة.. ولاء مطلق لا يبحث عن سبب.. ثم أن إدراك جهاز الأمن لصدق ما تقوله المعارضة سيجعله أكثر ارتماء في أحضاننا.. لقد نكل بها كثيرا وعذبها كثيرا وقتل منها الكثير.. ثمة ثأر نجحنا في خلقه .. فماذا تفعل المعارضة بجهاز الأمن إذا ما حدثت الكارثة واستولت على الحكم..
تعرفون يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات قصة الظبي وكلب الصيد.. حينما طارد الكلب الظبي فلم يدركه فسأله: كيف لم أدركك؟.. فأجاب الظبي لأنني أجرى لنفسي وأنت تجرى لصاحبك..!!
هل فهمتم المغزى يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات..
إن أعظم إنجاز تنجزونه أن تجعلوا جهاز الأمن يدافع عن نفسه لا عنكم.. وأن يعتبر الصراع بينه وبين المعارضة والرعاع قضية حياة أو موت.. له لا لكم..
هل تحسبون أننا قد أحطنا الآن بالقضية كلها؟ ..
لا .. وسوف ينسى الجميع أهم أثر من آثار هذه المعركة الرهيبة –معركة الوزير الشاذ- على محرمات الرعاع ومقدساتهم..
لقد عاش هؤلاء الرعاع دهورا طويلة يسجنون رغباتهم السرية في تابوت المحرمات.. واتسم المجتمع كله – تحت تأثير أساطير الأولين – بالمحافظة.. حتى أن كلمة الجنس والحب على سبيل المثال لا ترددها أبدا معظم الأسر.. بل إن المعارض الوقور أيضا يتعفف عن استخدام الألفاظ الجنسية في الهجوم على أعدائه وخصومه.. لكننا بتعيين الوزير الشاذ نقلب المائدة عليهم.. إن الملايين من رعاياكم لا يجرءون على نطق الكلمة.. بل إن عددا لا يستهان به منهم لا يعرف معناها أصلا.. لذلك .. فإننا عندما ندفع بها إلى الساحة نزلزل بنيانا هائلا صمد قرونا تلو قرون وآن له أن ينهار.. سوف يتحدث المجتمع كله عن الوزير الشاذ.. هل هو شاذ أم غير شاذ.. ؟ .. ثم يتطرق الحديث إلى الشذوذ نفسه.. تهتك الأستار ستارا خلف ستار.. وتنهدم المقدسات مقدسا خلف مقدس.. وتلاميذ المدارس.. و.. و.. و.. لن يخرجوا بعد ذلك في مظاهرات ضدكم بل سيتحدثون عن الشذوذ وينشغلون في تفاصيله.. ستكون العفة بعد ذلك اجتناب الشذوذ أما ارتكاب الزنا فحلال وتحريمه تخلف وانغلاق وحجر على الحرية الشخصية للناس.. و إرهاب.. ثم أنه إذا أمكن تناول الشذوذ بكل هذه الحرية والتفاصيل على كافة المستويات فإن أي محرم آخر لن يصمد.. ستنهار القلاع جميعا.. وتصبح كل الأشياء مادة للمناقشة .. لا مطلقات.. لا أفكار مسبقة .. لا أساطير.. كل ششيء قابل للتحليل والهدم وإعادة الصياغة من جديد..
هل تحسبون يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات أننا قد أتينا هكذا على الأمر كله.. لا .. بل يبقى الأهم.. تعلمون أنهم يقولون أن الحياء شعبة من الإيمان.. لكن انتشار الحديث عن الشذوذ بين كل طبقات المجتمع بهذه الطريقة سوف يقضى على الحياء قضاء مبرما.. والقضاء على الحياء قضاء على الإيمان.. عدونا الأهم..
تأملوا إذن يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات عبقرية تخطيطنا..
لكنني سوف أترك لكم الوقت لتتأملوا في ذلك كله قبل أن ننتقل إلى البروتوكول الثامن..
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق