الجانب الآخر من الكفتة
آيات عرابي
لحظة الإعلان عن الكفتة
اللواء عبد العاطي يتقدم من المنصة, مرتدياً زياً عسكرياً ويحمل رتبة اللواء على كتفيه
فلاشات الكاميرات تلتمع وكل القنوات تغطي المؤتمر الصحفي الذي سيبدل تاريخ البشرية, في الصف الأول يجلس صبحي مندور صامتاً كعادته وبجانبه …
الجو العام بدا أشبه بحفلات الأوسكار !
أوسكار بنكهة الكفتة وبوجوه لا يمكنك بطبيعة الحال أن تراها في حفل توزيع جوائز الأوسكار, ولكن هكذا بدا لهم
وكان بمقدورك أن تثبت بالمشهد صحفية اليوم السابع ببساطة وسط القاعة لتلقي سؤالاً ما على اللواء عبد العاطي عن الكفتة.
ما حدث بعد ذلك هو أن الفضيحة انفجرت كما تعلم واصبحت درة منجزات الإنقلاب نكتة على ألسنة الجميع.
البعض انتبهوا وقتها إلى أجيال أقدم من الكفتة, قدمها العسكر في السابق, وانفتحت صنابير التاريخ القريب لتذكر الجميع بصواريخ الظافر والقاهر ومفاعل أنشاص والسيارة المصرية والبترول الذي سيجعل مصر كمنتجعات سويسرا بحلول سنة 1970 ووكالة الفضاء المصرية التي ستنافس وكالات الفضاء الأوربية .. الخ
ادركنا وقتها أن الكفتة لم تكن وليدة اللحظة وأنها لم تبدأ مع الإنقلاب.
وادركت وقتها أن الأمر يحتاج إلى معالجة إعلامية مختلفة وعملت وأعمل على هذا بالفعل, كانت المعالجة المطلوبة هي نسف أساطير الماضي وتحطيم أصنام العسكر.
كان المقبور عبد الناصر محظوظا إذ استطاع السيطرة على الإعلام (وهو ما اشار إليه قائد الإنقلاب), اما الآن فيمكنك بضغطة زر أن تدرك حجم الخديعة التي عاشها والدك.
استطاع الإعلام في عهد المقبور عبد الناصر عزل المصريين عن العالم وقدم عدداً من الفقرات الناجحة بداية من حادث المنشية وانتهاءاً بلعبة التنحي, مروراً بمسرحية (تأميم قناة السويس) والانتصار على العدوان الثلاثي.
اخرجوا مصر من التاريخ, اصبحت مصر منذ انقلاب 1952 كسيارة غير قادرة على الحركة تم جرها إلى جانب الطريق خلف مجموعة من الأشجار, يُحظر على ركابها الخروج من السيارة, يسمعون هدير محركات السيارات على الطريق ويرون أضواء السيارات المارة من بعيد, فيقول لهم الحرس المتحلقون حول السيارة أن هؤلاء متآمرون على السيارة يستهدفونها ويحاولون سرقة محركها, وبينما يصدق الركاب المساكين تجري اكبر عملية تنظيف لجيوبهم عن طريق فرض أتاوات تارة وتارة أخرى بعمليات نصب منظمة, فتمت سرقة الإطارات وتعطلت السيارة عن السير وسُرق المحرك وسُرق كل ما يمكن أن يباع.
فجوة زمنية حشروا فيها مصر وعزلوها عن مسار التاريخ, والاسوأ أنهم استطاعوا فضلاً عن تلفيق الأكاذيب التي كانت تبدو وقتها متقنة عن الانتصار المزعوم في تمثيلية أكتوبر والرخاء والاستقرار اللذان لا يأتيان, أن ينشئوا جيلاً من الكتاب والمثقفين (هكذا يسمون انفسهم ويسميهم إعلام العسكر) يتفننون في تحليل أكاذيب حراس السيارة.
عالم كامل مصنوع من الأكاذيب في فجوة زمنية.
حتى عصر محمد علي الذي بدأ حركة تغريب وفصل لمصر عن محيطها الإسلامي, لم يجرم في حق مصر كما أجرم عسكر انقلاب 52.
صحيح أن محمد علي وضع مصر على بداية طريق الضياع والإنفصال عن ماضيها ولكنه لجأ إلى تدجين السكان بالمجازر التي ارتكبها في حق المصريين (والتي لا تعرف أنت ولم أكن اعرف عنها شيئاً حتى فترة قريبة) وتدمير الأزهر وتحويله إلى كيان تابع للحاكم, محمد علي تصادم مع الإرادة الشعبية ونجح في كسرها بعض الشيىء ولكنه لم يقترب كثيراً من العبث في وعي المصريين كما فعل العسكر.
الاحتلال البريطاني بدأ هذا كله.
ارجع إلى تاريخ نشأة ما يسمى بحزب الوفد وغص قليلاً في تاريخ صديق الانجليز سعد زغلول وستدرك أن حزب الوفد (أبو الليبرالية المصرية) هو صنيعة بريطانية وأن سعد زغلول احد اقطاب الماسونية كما قال عنه المحفل الماسوني المصري كان أداة من أدوات الانجليز.
عد إلى تاريخ الأحزاب الشيوعية في مصر والتي فرخت أمثال جمال عبد الناصر وبعضاً من عسكر انقلاب يوليو 1952 وستجد أن من انشأها كانوا يهوداً.
حدود صنعها الاحتلال واقتطعها من اراضي الخلافة وجيش صنعه الاحتلال البريطاني ليكون قوات أمن مركزي لأي مستعمر, وأحزاب صنع البريطانيون أفكارها وهياكلها ومؤسسات صنعتها المخابرات الأمريكية, وشكل الدولة المقتطعة الذي صنعته قبل كل ذلك أفكار جنرالات نابليون.
فوضى وعالم مصطنع تعشش على جوانبه العناكب, عالم خرج من التاريخ منذ 200 عاماً
وإعلام عسكري خلق حالة من المس الشيطاني لدى قطاع من السكان.
يتطلب كل هذا معالجة مختلفة عما يحدث الآن .
العقبة الأخرى التي تقف في وجه معالجة حالة المس الشيطاني هي أنك تجد على الجانب الآخر من يطالبك بالاصطفاف مع أحزاب هي في الأساس جيل جديد من فيروسات صنعها الاحتلال البريطاني في مصر (فضلاً عن انها لا تمثل وزناً عددياً يُذكر)
وتسمع جهالاً يحدثونك عن الحفاظ عن المؤسسات التي صنعها الاحتلال !
وتسمع البعض يتحدث بثقة عن ضرورة عودة (الجيش لمهمته في حماية الحدود) فلما تقسم لهم بأغلظ الأيمان أن هذه هي الوظيفة المحددة لعصابات الجيش المصرائيلي في كتيب التعليمات البريطاني وتحديثاته الأمريكية والصهيونية, يلوون أعناقهم.
على الجانب الآخر تجد إعلاماً يحاول محاربة إعلام العسكر بإسم الدولة ومؤسساتها, لتدور الحرب دائماً حول الرغوة المتصاعدة من حوض الغسيل بينما لا تراه يحاول نسف السقف ليتسرب الضوء للعقول.
وتسمع البعض يتحدث بثقة عن ضرورة عودة (الجيش لمهمته في حماية الحدود) فلما تقسم لهم بأغلظ الأيمان أن هذه هي الوظيفة المحددة لعصابات الجيش المصرائيلي في كتيب التعليمات البريطاني وتحديثاته الأمريكية والصهيونية, يلوون أعناقهم.
على الجانب الآخر تجد إعلاماً يحاول محاربة إعلام العسكر بإسم الدولة ومؤسساتها, لتدور الحرب دائماً حول الرغوة المتصاعدة من حوض الغسيل بينما لا تراه يحاول نسف السقف ليتسرب الضوء للعقول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق