نظام مثير للاشمئزاز
وائل قنديل
أي جنونٍ هذا الذي يبرّر التعاون العسكري مع دولةٍ تتجسّس عليك، وتحاكم نظاماً سبقك إلى الحكم، مبرراً انقلابك عليه بأنه كان يتخابر معها؟
اللامبدئية هي القاعدة الأساسية في علاقات نظام عبد الفتاح السيسي، فلا غرابة، إذن، في كل هذه التناقضات المدويّة، إنْ على مستوى الحكم، أو وسائل إعلامه، التي راحت تحتفل بالإنجاز التاريخي المتمثل في جلوس السيسي بجوار العاهل السعودي، وهي التي كانت، قبل أسابيع، تشن حملة على السعودية، وتنطلق في مكايداتٍ، موجهةٍ، تستند إلى إظهار الولاء لروسيا، وإبداء الود لإيران وحزب الله.
لن تجد وصفاً أكثر دقة لعبد الفتاح ونظامه مما ورد على ألسنة أعضاء البرلمان الأوروبي، أمس، وهم يناقشون ملف انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، حيث دوّت جملة في قاعة المناقشة لأحد الأعضاء، واصفاً السيسي ونظامه بقوله "مثير للاشمئزاز"، وهو يعلق على وقائع الإجرام المنهجي الذي يمارسه نظام السيسي ضد معارضيه، ودعاة الديمقراطية، وكان تجليه الأوضح في واقع قتل الباحث السياسي الإيطالي، جوليو ريجيني.
المبدئية كانت حاضرة في مداخلات الأعضاء، حين وجهوا رسالةً شديدة الوضوح والصرامة إلى حكومات الدول التابعة للاتحاد الأوروبي، مفادها بأن الحرب على الإرهاب التي يختبئ خلفها نظام السيسي، لا تنهض سبباً ومبرراً لغض النظر عن ما يجري في مصر من انتهاكاتٍ وتعذيب، أو تبيح التخلي عن القيم الأوروبية، مهما كانت قوة المصالح السياسية والتجارية.
أحاديث الأعضاء، وعبارات البيان الصادر عن جلسة البرلمان الأوروبي، تحدّثت عن نظام السيسي، باعتباره لا يتوقف عن الكذب، سلاحاً وحيداً للإفلات من جرائم ضد الإنسانية، إذ يشدّدون على أن السلطات المصرية، في واقعة مقتل جوليو ريجيني "تأتي كل أسبوع بنسخة جديدة من تحقيقات مقتل ريجيني، ولم تصدر إدانة لهذه النكتة، طوال هذه المدة، بحجة مكافحة الإرهاب".
ما جرى في جلسة البرلمانيين الأوروبيين، أمس، يقطع بأنهم باتوا يرون نظام السيسي نظاماً خارجاً على القانون، حين يطالبون بحماية كل الأوروبيين عند سفرهم إلى مصر، كي لا يتعرضوا لمصير ريجيني، ويشيرون إلى أن أكثر من 22 ألف شخص اعتقلوا في مصر باعتراف السلطات، فضلاً عن عشرات الآلاف الذين فُقدوا على يد السلطات الأمنية والمخابرات المصرية.
لم يحدث في تاريخ مصر، أن وُصِفٓ نظام حكم، أو رئيس، بمثل هذه العبارات التي تنطق بأن النظام الحاكم في مصر بات عارياً أمام ضمير العالم من أي قيمة أخلاقية، أو جدارة سياسية، ولا يبقى له إلا أن اعتبارات المصلحة الوقتية تدفع أنظمة أخرى، أوروبية ودولية، إلى التغاضي عن جرائمه وانتهاكاته، في إطار براغماتية مقيتة، لن يمرّ وقت طويل حتى يكتوي بها داعموه ومستغلوه أنفسهم.
قل ما شئت عن أن هذه الانتفاضة البرلمانية الأوروبية لم تكن لتحدث لولا أن إيطالياً مرموقاً سقط ضحية إجرام نظام السيسي. وبالتالي، هي من أجل حق جوليو ريجيني بالأساس.
غير أنك لا تملك إلا أن تنظر بإعجابٍ واحترامٍ للبرلمانيين الأوروبيين، بوصفهم ممثلين لضمائر شعوبهم، لا لمصالح ورغبات حكامهم..
كما لا تستطيع أن تتجاهل أنهم تناولوا جريمة مقتل ريجيني في سياق عام من الجرائم ضد الناشطين والمعارضين المصريين، عبروا عنه بالقول إن مقتل الطالب الإيطالي ضمن آلاف الحالات من القتل والتعذيب التي تقف وراءها دوافع سياسية، وإن على أوروبا أن تتوقف عن تصدير وسائل قمع الديمقراطية إلى القاهرة، كما أن على الرئيس الإيطالي ألا يقبل بمبررات السلطات المصرية بشأن مقتل ريجيني.
فعلا "جوليو منّنا"، كما قالت حملة ضمير مصرية، فور الإعلان عن مقتله.
"جوليو مننا".. وقفة في القاهرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق