الأحد، 6 مارس 2016

السعودية تطعن إيران في قلبها

السعودية تطعن إيران في قلبها


شريف عبدالعزيز
ــ أخيرا وليس آخرا ، فطن العرب وأهل السنّة لطبيعة المعركة وميدانها الحقيقي ، وكيفية إدارتها والتعامل الراشد مع متغيراتها ، بعد أن ظلوا لسنوات طويلة يراهنون على وسائل وأدوات القوة الناعمة التي عادة ما تنهار في أوقات الأزمات والتحولات الكبرى وإعادة رسم الخرائط.
سنوات طويلة والسعودية وشركاؤها ينفقون الأموال الطائلة ، ويبنون المراكز والهيئات والمشافي والملاجئ ويدعمون الاقتصاديات المنهكة والدول الفقيرة إلى آخر وسائل القوة الناعمة من أجل إقامة اتحاد إسلامي وعربي كبير يناهض المشروع الإيراني الطائفي الخطير ، والنتيجة بعد كل هذه السنوات ، هي قبض الريح ، وضياع الأموال ، وفقدان عواصم ، وتهديدات كبيرة ، وتحديدات خطيرة ، وتمدد المشروع الإيراني في المنطقة حتى رأينا الخليح محاطا بالمشروع الإيراني من جهاته الأربع.
ــ في أوقات التحول وإعادة رسم الخرائط، تكون المساحات التي يتم فيها استثمار القوة الناعمة في حالة انهيار مما يجعلها في هذه اللحظات قوة هشة لا ناعمة،في حين تكون العوامل الصلبة – القوة العسكرية غالبا- هي المحدد الرئيس لماهية التحول ، في هذه الأوقات، تكون المساحات ككائن تعرى من كل شيء حتى لم يعد سوى هيكله العظمي في عملية إعادة تشكيل قبل أن يكتسي مجدداً بكافة أشكال الحياة .
وعلى مدار العقود الماضية، كانت إيران حريصة أن تستثمر بقوة في هذا "الهيكل العظمي" للمنطقة، بوجودها العسكري الممتد من "حزب الله" بلبنان إلى مليشياتها الشيعية بالعراق وحتى "الحوثيين" باليمن، في حين كانت الدول العربية وعلى رأسها السعودية مهتمة بشكل أساسي بغزو الحياة اليومية لشعوب المنطقة ، بافتراض أن المنطقة لن تنحدر فجأة إلى مستنقع التحول التاريخي الذي هي واقعة فيه اليوم . حتى جاءت لحظة الانتباه التاريخية في مسيرة المواجهة مع المشروع الصفوي الإيراني في المنطقة.
ـــ لم يكن قرار دول مجلس التعاون الخليجي، بقيادة سعودية، بتصنيف حزب الله اللبناني كمنظمة إرهابية أول محطة في الصراع بين الطرفين، فرغم اتسام هذا الصراع غالبا بكونه مكتوما أكثر من كونه معلنا، إلا أن العداء بين السعودية وحزب الله بدأ منذ تأسيس الحزب عام 1982، فالحزب اللبناني المنشأ ، الإيراني الهوية والتمويل ، منذ تأسيسه وهو يعمل كمنصة عداء مستمرة ضد أهل السنّة عموما والسعودية خصوصا.
ــ حزب الله اللبناني الارهابي لم يكن فقط ذراعا عسكريا عاديا من أذرع إيران المنتشرة في المنطقة ، حزب الله هو قلب المشروع الإيراني في المنطقة ، ومحطة الاسناد والتحريك الأولى ، ودرة تاج المرشد وملاليه.
حزب الله تاريخ طويل من التآمر والكيد والارهاب والعدوان على أهل السنّة ودول المنطقة، امتدت أذرعه في دول الخليج خاصة السعودية والكويت والبحرين ، حيث كانت هذه الأذرع مسئولة عن تنفيذ الكثير من الهجمات الارهابية بهذه الدول ، فقد تشكل "حزب الله الحجاز" ليكون الذراع العسكرية لمنظمة الثورة في الخليج، المنظمة السياسية التابعة لإيران و"حزب الله" اللبناني، لذلك سرعان ما بدأ الحزب بتنفيذ عمليات عسكرية في الداخل السعودي، ارتكزت على مهاجمة المنشآت النفطية.
ففي عام 1988 قام الحزب بتفجير منشآت شركة "صدف البتروكيماوية" في مدينة الجبيل، وأعلن الحزب الشيعي مسؤوليته عن الحادث مما دفع السعودية للتعامل بحزم مع عناصر الحزب، بعدها أعلن “حزب الله الحجاز” الحرب على السعودية، وبدأ بحملة اغتيالات استهدفت السعوديين في الخارج، بعضها أعلن أن حزب الله الحجاز هو من يقف وراءها، وأخرى اشتبه بأنه يقف وراءها، من ذلك اغتيال دبلوماسي سعودي في أنقرة في (25 أكتوبر 1988)، واغتيال السكرتير الثالث في السفارة السعودية في بانكوك، صالح عبد الله المالكي (4 يناير 1989)، إضافة إلى قتل أربعة دبلوماسيين سعوديين في تايلاند (فبراير 1990).
 كما اتهم حزب الله الشيعي في الثمانينات بالمسؤولية عن هجمات ضد الكويت، منها حادث استهداف الطائرة الخاصة بأمير الكويت الراحل جابر الصباح.
وفي عام 1989، أحبطت السلطات السعودية محاولة لتهريب المتفجرات إلى البيت الحرام في مكة، كان وراء ذلك مجموعة من الكويتيين والسعوديين الشيعة التابعين لـ “حزب الله” في الكويت، و أعدمت السعودية المتورطين بقطع رؤوسهم، وهنا ظهر دور "حزب الله اللبناني" بشكل واضح، إذ أعلن من لبنان تحت رعايته نية حزب الله الحجاز الانتقام في مؤتمر صحفي عقده في بيروت، وبعد مرور سنوات ضمن فيها "حزب الله الحجاز" التهدئة، ارتكب الحزب أكبر عملياته العسكرية عرفت بحادث "الخبر"، كان ذلك في يونيو عام 1996، إذ أقدم عناصر من الحزب على تفجير خزان كبير يحتوي على أطنان من مادة “تي أن تي” المتفجرة، بجوار مركز سكني كان فيه عسكريون أميركيون، ما أسفر عن مقتل 19 أميركيًا وإصابة المئات، وشنت السعودية بعد الحادث حملة أمنية ووجهت ضربة قاسية للحزب.
 وفي عام 2005 اغتيل رئيس الحكومة اللبناني رفيق الحريري، السياسي اللبناني المقرب من السعودية ، واتهمت السعودية حزب الله بالتورط في عملية الاغتيال، وبذلك فجر هذا الاغتيال الخصومات التاريخية بين الحزب والسعودية، وخرج عداء حزب الله للسعودية إلى العلن.
 وأخيرا كان تدخل حزب الله في القتال على الساحة السورية إلى جانب إيران، هو الحلقة الأقوى في سلسلة العداء بين السعودية والحزب، إذ تعتبر السعودية رحيل بشار الأسد، بمفاوضات سياسية أو بالقوة العسكرية، أولوية قصوى، لذلك تدعم عسكريا الفصائل المعارضة في سوريا، وعلى النقيض، يريد حزب الله بقاء نظام الأسد، ويقاتل إلى جانبه، ويتهم السعودية بأنها تدعم “جبهة النصرة” وتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في العراق وسورية.
وبعد الفشل الروسي في حسم الصراع في سوريا بدأ الحزب الشيعي يتجرع الهزيمة وهو يرى قادته وكوادره وهو يعودون إلى ضاحية لبنان الجنوبية تترى مكفنين ممزقة أشلاؤهم على يد أبطال المقاومة السورية ، لذلك أصبح خطابه أكثر وضوحا وعدائية وتصرفاته أكثر خطورة ووحشية ، ومن ثم كان لابد من خطوة جريئة تقمع حزب الضرار الذي أضر الأمة الإسلامية كثيرا .
ــ خطورة حزب الله اللبناني أيضا لم تكن وليدة أجندته الإيرانية الفجة ومؤامراته الخبيثة ضد دول الخليج وأهل السنّة فحسب،ولكن نتيجة استغفاله لشعوب المنطقة وجماهيرها لفترة طويلة تظاهر خلالها بعدائه لأمريكا وإسرائيل ، استغفال ساعده على الحصول على رصيد شعبي كبير مثل قوة دعم وإسناد له ضد من يعرفه على حقيقته ويحذر منه منذ البداية ، وكان هذا الرصيد، استراتيجياً، كان أقوى بكثير من أعداد جنوده وترسانته العسكرية ونفوذه المالي والسياسي، ولكن شاء الله عز وجل أن يكشف الحزب على حقيقته أمام الجماهير والشعوب بعد سنوات الاستغفال الطويلة، وذلك بعد استبدال الحزب العداء لإسرائيل  بالعداء للسوريين الناهضين للحصول على حرّيتهم من نظام ظالم، واللبنانيين الطامحين لمستقبل أفضل لبلدهم، واليمنيين الذين يحاولون بدورهم التخلّص من نظام مستبدّ ، بحيث هبط كل ذلك بالحزب من شاهق عظمته السابقة ليصبح محض حزب طائفيّ تابع لدولة طائفية تعادي العروبة والإسلام "السنّي" أكثر مما تعادي أمريكا وإسرائيل.
فقد اكتشفت الجماهير المخدوعة أن معارك هذا الحزب مع إسرائيل كانت حروباً بالوكالة في صراع على المنطقة بين طهران وتل أبيب،والاستيلاء الإيراني على القرارات السيادية في العراق، ولبنان، ثم في سوريا واليمن، كشف أن الموضوع الفلسطيني كان ورقة للمزايدة على العرب وأهل السنّة، وأنّ القضية الحقيقية لدى إيران، كما لدى «حزب الله»، هي صراع على السلطة ليست فيه محرّمات بما فيها استخدام العرب الشيعة ضد العرب السنّة ولو أدّى ذلك لتفكك المشرق العربيّ كلّه.
ــ القرار خطير بكل المقاييس ويفتح العديد من الاحتمالات فيما يتعلّق بلبنان والمشرق العربيّ عموماً، كما أنه نقلة توازي في وزنها قرار دخول دول الخليج العربيّ الحرب في اليمن ضد الحوثيين، أو هي بالأحرى استكمال لذلك القرار، ونقل للمواجهة المباشرة مع إيران وحلفائها في اليمن إلى الساحة اللبنانية ، وله العديد من التداعيات الاقتصادية والسياسية والعسكرية على لبنان والمنطقة بأسرها ، ولاشك أن الحصار الاقتصادي سيشكل أقوى ضربة للحزب الذي يحتفظ بعدد كبير من المؤسسات المالية الداعمة له في دول الخليج ، وأن وقف تدفق الأموال على الحزب سيزيد من معاناة الخزانة الإيرانية المثقلة بسنوات الحصار وانخفاض أسعار النفط ، وفاتورة تمويل المليشيات العراقية الباهظة ، كما يعني القرار توقف دول خليجية عن إعادة إعمار مدن ومؤسسات تحت سيطرة حزب الله في لبنان، أي خاصة بلبنانيين من الطائفة الشيعية ينتمون للحزب.
كما أن القرار سيضيق جدا على 360 ألف لبناني يعملون في الخليج من تحويل أموال للحزب كما كان يحدث سابقا.
 أما علي الصعيد السياسي، فأن من ضمن تداعيات القرار أن وزراء في داخل الحكومة اللبنانية سيعاملون كإرهابيين لأنهم أعضاء في حزب الله، وينسحب عليهم القرار الخليجي، فبحسب اتفاقية خليجية، يقضي قرار الحظر بـتسهيل تبادل المتهمين بالإرهاب وتسريع تبادلهم بين الدول بما فيهم من المحكومين والمدانين قضائيًّا في جرائم إرهابية.
 أما أبرز التداعيات فهي على الصعيد العسكري إذ يفتح هذا القرار الباب على مصراعيه أمام التحالف العربي لضرب الحزب عسكريا في أي مكان ، فقد صرح مدير "مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري" (إينغما) والخبير العسكري رياض قهوجي،لوكالة الأناضول  أن "هذا القرار يعني من الناحية العملية انه في حال بدأ التحالف الاسلامي عملياته العسكرية ضد "داعش" في سوريا والعراق فإنه لن يستثني مقاتلي "حزب الله" وسيجعل ميليشيات الحزب على قائمة اهداف التحالف الاسلامي".
وأضاف قهوجي انه "بهذا المعنى يأتي استهداف ميليشيات "حزب الله" ضمن قرار محاربة الارهاب، وسيقول عندها المسؤولون السعوديون لروسيا انه كما تقوم موسكو بضرب فصائل سورية معتدلة الى جانب داعش باعتبارها ارهابية سيكون هناك ضرب لحزب الله تحت هذا المفهوم نفسه ووفق تصنيف خليجي .
ــ قد يرى البعض أن القرار به قدر كبيرا من الردايكالية والتسرع ، وأنه وليد الغضب السعودي والتذمر الخليجي من تفضيل أمريكا إيران على دول الخليج صاحبة الشراكة الاستراتيجية الكبيرة مع الأمريكان ، وأن هذا القرار سيعطي لبنان غنيمة باردة على طبق من ذهب للعدو الإيراني ، وأن إيران ستملأ الفراغ الذي ستخلفه السعودية ودول الخليج ، إلى آخر هذه المخاوف من النزول الإيراني بلبنان ، ولكن الواقع أن هذا القرار سيمثل أقوى ضربة نالها المشروع الإيراني في المنطقة ، وربما كان أقوى من ضربة عاصفة الحزم ، فالحوثيون رغم ضراوتهم في اليمن إلا إن خطرهم وأثرهم في المجمل يبقى محليا ، في حين أن حزب الله منظمة عالمية ذات تأثير إقليمي كبير ، ومحاصرتها وتجفيف مصادرها ومنابع تمويلها ماليا وعسكريا سيفرض واقعا جديدا في المنطقة ، وسيغير كثيرا من معادلة الصراع في سوريا وأيضا اليمن التي ربما تشهد تصعيدا كبيرا بعد هذا القرار ، في هذا السياق، كان حزب الله قد أعلن أن هناك صواريخ باليمن قد تصل إلى داخل الأراضي السعودية، كما كشفت مصادر سعودية قبل أيام، عن أن عناصر من الحزب تمكنوا بالفعل من ضرب أهداف سعودية، عندما اجتازوا الحدود اليمنية- السعودية، إذ إن لدى الحزب أوراقًا عديدة في الداخل اليمني، ربما سيستغلها في الأيام القليلة القادمة.
ومهما يكن من تهديدات فقد أخذت السعودية وحلفاؤها قرارهم ، وغيروا استراتيجية السنوات الماضية بعد أن تجاوزها الزمان والأحداث ، وأصبح الشعار الجديد " لا يفل الحديد إلا الحديد " فلا يعقل أن تدفع السعودية  ودول الخليج كل هذه المليارات لدول تعمل ضدها في الخفاء وفي العلن ، وتعارض توجهاتها وتضع يدها في يد خصومها وأعدائها.
 ولعل رسالة لبنان وتصنيف حزب الله كحركة إرهابية هي كارت إنذار ورسالة شديدة اللهجة لكل من يأخذ مال الخليج الكثير بكثرة " الأرز" ثم يعمل بعد ذلك في الخفاء وفي العلن لصالح المشروع الإيراني والروسي في المنطقة.
 لعلهم يرجعون!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق