الأربعاء، 16 مارس 2016

المليشيات الشيعية ليست أقل فتكاً من داعش

المليشيات الشيعية ليست أقل فتكاً من داعش

كمال أوزتورك

يجرى الحديث في أوروبا والولايات المتحدة مؤخرًا حول الآتي: "السُنة أسسوا منظمة إجرامية كداعش. فطالبان وتنظيم القاعدة والنصرة، هي منظمات سنية، ترعاها بلدان مثل المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر، ذات الغالبية السنية، لكن هل يوجد منظمات إجرامية أسسها الشيعة؟ لا يوجد، إذن فالسنة، يشكلون التهديد الأكبر للمصالح الغربية، أما الشيعة فهم رمزٌ للحداثة والحضارة، والأكراد (منظمة الاتحاد الديمقراطي) رمز للعلمانية، ومناهضون للتطرف الديني، ويحملون أفكارًا منفتحة".
أحدهم أقنع الغرب بهذه الأطروحة
نقل لي أحد الأصدقاء من الدبلوماسيين الأتراك، أن هذه المواضيع أدرجت على جدول مناقشات الدبلوماسيين الغربيين مع نظرائهم الأتراك، وقال لي إن أحدهم تمكن من إقناع الولايات المتحدة وأوروبا بهذه الأطروحة.
دعوني الآن أضيف القليل من المعلومات ذات الصلة:
قال الرئيس الإيراني، روحاني، في معرض إجابته على سؤال تقدم به صحفي حول مشاركة القوات الإيرانية في الحرب الدائرة بسوريا: "أنا متعجبٌ من هذا السؤال، في الوقت الذي تعاني منه المنطقة، من منظمة إجرامية مثل داعش، تلك المنظمة تقصف المناطق الأثرية، وتقطع رؤوس الناس، وتسبي الفتيات".
فيما قال صلاح الدين دميرطاش، (الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي)، ردًا على أحد الصحفيين حول شقيقه الذي ما زال يقاتل في صفوف منظمة "بي كا كا" الإرهابية: "نعم، إن أخي يناضل ضد منظمة داعش الإجرامية".
المتحدث باسم الولايات المتحدة "تونر"، يستغل كل فرصة ليقحم عبارة "نعم إن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الذي يتكون من مقاتلين علمانيين، هو حليف بالنسبة لنا".
أما أوروبا، فهي تعانق روحاني وتحتضنه، كحبيب يعانق محبوبته بعد طول فراق، وتوقع معه الاتفاقيات تلو الاتفاقيات.
أحدث أطروحات الغرب وأكثرها خطورة
طلب رئيس وزراء بريطانيا الأسطوري "تشرشل" عندما كان وزيرًا، أن يحضروا شخصًا قادرًا على أن يشرح له الفرق ما بين السُنة والشيعة، فأوروبا كانت تفكر دائمًا بأن الشرق سيشهد حربًا مذهبية، كتلك التي شهدتها هي طيلة مائة عام.
يقدر اليوم عدد المسلمين السُنة بمليار و300 مليون نسمة، فيما يقدر عدد المسلمين من الشيعة بـ 130 مليون نسمة، في الواقع، إن نسبة الشيعة تعتبر قليلة مقارنة بالسُنة، إلا أنهم وكأي أقلية في المجتمع يمتلكون ديناميكية عالية، ومرونة، لتثبيت مكانتهم داخل المجتمع، لذا فإنكم تستطيعون رؤية أوجه التشابه المثيرة للاهتمام، ما بين السياسات الإيرانية والأقليات اليهودية (الشتات) حول العالم.
في الواقع، فإن أوروبا والولايات المتحدة تتحرك بفعل صدمة الهجمات الإرهابية في أراضيها، والأطروحات التي يعتمدون عليها، ليست عبارة عن تحليلات علمية مستفيضة ومعمقة، إلا أنها (وبحسب وجهة نظرهم) مفيدة من ناحية تعميق وتكثيف الصراع في العالم الإسلامي.
كان "الشيعة" مجرمين في أحد الأيام
في الواقع، فقد حكم في أحد الأيام على الشيعة، بنفس الطريق التي يحكم فيها على السُنة في هذه الأيام، ولعل الكثيرين نسيوا الأخبار والصور التي كانت تتحدث عن ملالي إيران، ومدى "جهلهم، ووحشيتهم، ودمويتهم"، والكاريكاتيرات التي كانت تنشر في الصحافة الغربية، والتي كانت تشبه "حسن نصر الله"، زعيم "حزب الله"، بـ "الذئب البري المتوحش".
لقد أرغمت إسرائيل العالم على قبول فكرة أن إيران وحزب الله "يشكلون خطرًا كبيرًا" على المنظومة الدولية، وحتى جماعة "فتح الله غولن"، لم تذخر جهدًا من أجل تشويه سمعة إيران، أما الآن، فلا أحد ينبس ببنت شفة ضد إيران.
فما الذي حدث؟
في الواقع، فإن الهزارة الشيعة في أفغانستان، لا تقل فتكًا عن حركة طالبان، والحوثيون في اليمن ليسوا أقل أبدًا من تنظيم القاعدة، والمجازر التي ارتكبتها المليشيات الشيعية وقطعان الشبيحة في سوريا، لا تقل قسوة أبدًا عن مجازر داعش، ولكن لا أحد يتناول تلك المجازر في وسائل الإعلام، رغم أن وسائل التواصل الاجتماعي، تذخر بمقاطع فيديو تصور عمليات قتل مفجعة، وقطع رؤوس، وسحق لأشخاص على قيد الحياة بواسطة السيارات، ارتكبتها مليشيات شيعية من الطاجيك والأفغان، واليمنيين، والإيرانيين والعراقيين واللبنانيين في سوريا.
لا أحد يعمل على إظهار الجرائم التي اقترفتها منظمة "بي كا كا/ الاتحاد الديمقراطي"، ضد الأطفال والمدنيين. لماذا لا أحد ينقل تلك المآسي إلى جدول أعمال الإعلام؟
أي مذهب ينشئ أجيالًا أكثر تطرفًا؟
في الواقع، إن ما سبق، يدفعنا إلى مناقشة مواضيع خطيرة، تصب في بوتقة السؤال التالي "أي مذهب ينشئ أجيالًا أكثر تطرفًا؟"، إن استمرار الجدل في هذا الصدد، يعد بمثابة ضربات قوية توجه نحو أكثر الصدوع هشاشة في العالم الإسلامي، إن هذا الخطاب القائم على التمييز والمغذي للكراهية، سيعزز من تشرذم العالم الإسلامي، وفشله بالمحصلة.
لقد رسمت أوروبا قبل مائة عام، خريطة جديدة للمنطقة قتلت بموجبها الجغرافيا والحياة الاجتماعية، وعبرت عن مضمون اتفاقية بين الدول الغربية، عرفت باسم "سايكس – بيكو".الآن، هناك مساعٍ جديدة لإعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة، تلك الخريطة تستوجب حروبًا كبيرة تنتج ذلك التغيير، وما إيران وروسيا إلا بيادق صغيرة تستخدم لتحريك هذه اللعبة.
على تركيا التي تقول إن "ليس للإرهاب والإرهابيين، دين أو مذهب أو عرق" الدفاع أكثر عن أطروحتها، وعليها بذل جهود مكثفة لتقويض المخططات الغربية في المنطقة، من خلال خطوات استباقية وأكثر فعالية في العالمين الغربي والإسلامي، لاسيما أن الصراع المذهبي، يحمل أبعادًا خطيرة، وقوي لدرجة أنه يستطيع إذابة الجميع في أتونه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق