الجمعة، 1 سبتمبر 2023

سياسة الخداع: بريطانيا وفلسطين، 1914-1939

سياسة الخداع: بريطانيا وفلسطين، 1914-1939

في هذا المقتطف من كتابه الجديد، يوضح بيتر شامبروك أن الأدلة التي أدرجتها بريطانيا المنطقة الفلسطينية في عرضها لإقامة دولة عربية مستقلة - والتي تم رفضها لفترة طويلة - هي أدلة دامغة
الشرطة تفتش الفلسطينيين في أغسطس 1929 خلال الانتداب البريطاني، وسط احتجاجات ضد إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين


في عام 1939، وبناءً على طلب الوفد العربي إلى مؤتمر لندن حول مستقبل فلسطين، وافقت الحكومة البريطانية أخيرًا على نشر المراسلات في زمن الحرب بين السير هنري مكماهون، المندوب السامي البريطاني في القاهرة، والشريف حسين أمير مكة، عينه العثمانيون رئيسا للسلطة الدينية لأقدس الأماكن الإسلامية.

كان العرب ومؤيدوهم يزعمون باستمرار منذ عام 1920 أنه في المراسلات، قام مكماهون، مقابل قيام الشريف بقيادة ثورة عربية ضد القوات العثمانية، بإدراج منطقة فلسطين في عرض الحكومة البريطانية بدولة عربية مستقلة واسعة النطاق. ومن ناحية أخرى، فقد زعمت الحكومات البريطانية المتعاقبة منذ عام 1920 - وحتى يومنا هذا - أن فلسطين مستبعدة من المنطقة الموعودة للشريف.

على الرغم من أن نشر المراسلات - 10 رسائل متبادلة بين يوليو 1915 ومارس 1916 - قد تم الحث عليه من جميع الجهات في مجلسي البرلمان في ما لا يقل عن 24 مناسبة منذ عام 1920، إلا أن الحكومات البريطانية المتعاقبة كانت تعترض دائمًا على أساس أنها ستكون "" الإضرار بالمصلحة العامة".

علاوة على ذلك، طوال عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، توترت العلاقات الإنجليزية العربية بشدة بسبب مثل هذا الرفض المستمر. فقط في فبراير 1939، عندما أرادت حكومة نيفيل تشامبرلين إخماد الثورة الفلسطينية، مع تجمع سحب الحرب في جميع أنحاء أوروبا، والحاجة إلى "تأمين الطرق الإمبراطورية إلى الشرق"، وافقت الحكومة على نشره.

وفي نفس المؤتمر، وافقت الحكومة البريطانية أيضًا على تشكيل لجنة إنجليزية عربية للتحقيق في المراسلات بالتفصيل.


ترأس اللجنة فريدريك موغام، المستشار اللورد، وانتهت اللجنة، بعد أربعة اجتماعات مطولة، بالخلاف: في تقرير مشترك، تمسك الجانبان بمواقفهما الأصلية، ووعد الشريف العرب بالحفاظ على فلسطين، وجادل المستشار اللورد أنه "في البناء الصحيح للمراسلات، تم استبعاد فلسطين في الواقع". ثم اندلعت الحرب العالمية الثانية، واختفت المراسلات من الساحة السياسية، ولم يتم إعادة فحصها رسميًا أبدًا.

تكشف الأدلة التي تمت مراجعتها في هذا الكتاب أن القضية البريطانية كانت لا يمكن الدفاع عنها. وتؤكد دراسة وثيقة ومنهجية للسجلات الرسمية أن الشريف كان يحق له بالفعل اعتبار فلسطين ضمن المنطقة الموعودة بالاستقلال العربي.

الأمر الأكثر إثارة للدهشة، بل والصدمة في واقع الأمر، هو أن كافة كبار المسؤولين المشاركين في اللجنة، وفي مجلس الوزراء، والذين كانوا على اطلاع كامل بإجراءات اللجنة، كانوا يعرفون واعترفوا سراً بأن القضية البريطانية كانت ضعيفة للغاية.

الكأس المسمومة

اضطر المستشار، بعد أن أطلعه مسؤولو وزارة الخارجية وقرأ الوثائق ذات الصلة، إلى تقديم ادعاءات "من الهواء" في محاولة لدعم القضية البريطانية، وهي ادعاءات لم تطرحها الحكومة من قبل مطلقًا، والتي هو نفسه لم يصدق.

وأوضح ذلك في مذكرة إلى وزير المستعمرات مالكولم ماكدونالد الذي عينه لرئاسة اللجنة والدفاع عن موقف الحكومة. تم الكشف عن يأسه من حصوله على مثل هذه الكأس المسمومة في نفس الملاحظة:
... كم سأكون سعيدًا إذا سمعت عن أي شخص في وزارة الخارجية أو مكتب المستعمرات أو في الحكومة يمكنه تقديم اقتراح مفيد ومفيد للمساعدة في تلبية المطالبات العربية أو الاعتراض عليها

ماكدونالد، الذي كان قلقًا بنفس القدر من الضعف  الواضح للقضية البريطانية، لجأ أيضًا إلى المدعي العام، السير دونالد سومرفيل، للحصول على المشورة، ولكناكدونالد، الذي كان قلقًا بنفس القدر من الضعف بعد قراءة الأوراق ذات الصلة، لم توفر ملاحظات سومرفيل أي راحة للوزير الاستعماري:

أعتقد أنه من الصعب جدًا الإشارة إلى أن مكماهون كان بإمكانه اعتبار فلسطين مستبعدة تلقائيًا... وجهة نظري الخاصة هي أنه كلما تمكنا من تجنب هذه القضية كلما كان ذلك أفضل، وأنه كلما تعمقنا في الأمر، كلما زاد اهتمامنا أعتقد أن الصعوبات التي نواجهها سوف تظهر.

وهكذا، في عام 1939، اتفق اثنان من كبار المسؤولين القانونيين في الحكومة على أن الادعاءات البريطانية كانت ضعيفة للغاية لدرجة أنها لن تخضع للتدقيق من قبل تحقيق قضائي مستقل، أو من قبل البرلمان أو الرأي العام. ومع ذلك، وفي ممارسة ذكية ولكنها غير شريفة، وفي ما وصفه أحد الباحثين بـ "الممارسة الحادة"، حافظ وزير الخزانة علناً على موقف الحكومة في التقرير. من جانبه، لخص أمين المستعمر استنتاجات اللجنة بإبلاغ زملائه "لقد تركنا الكرة تمس جذعا واحدا دون إزالة الكفالات".

كان تشبيه ماكدونالدز للكريكيت مناسبًا بالفعل: لكي يكون رجل المضرب "خارجًا"، يجب إزالة واحدة على الأقل من الكفالتين من أعلى الجذوع الثلاثة. كان المستشار اللورد، وهو يضرب، على أهبة الاستعداد، يدافع عن نصيبه، أي الخط الأحمر للحكومة (استبعاد فلسطين)، بينما يتنازل بمهارة، كلما كان ذلك مناسبًا، عن بعض الخلافات العربية، وليس كلها، التي كانت تتجه في اتجاهه.

منذ عام 1939، لم تعترف أي حكومة بريطانية بحقيقة هذا الأمر. ويشير هذا الكتاب إلى أن الوقت قد حان للقيام بذلك: فالأدلة، سواء كانت نصية أو سياقية، هائلة. آمل أن يساهم هذا الكتاب في وضع الأمور في نصابها الصحيح فيما يتعلق بالسندات الإذنية المتعددة التي أصدرتها بريطانيا في زمن الحرب بشأن فلسطين وفي تأريخ سياسات الانتداب البريطانية خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، والتي أدت حتماً إلى أحداث عام 1948 والتي يظل إرثها "جرحًا مفتوحًا". لجميع الذين يعيشون بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، وكذلك لملايين اللاجئين خارج حدود فلسطين.

هذا مقتطف من كتاب "سياسة الخداع: بريطانيا وفلسطين، 1914-1939" بقلم بيتر شامبروك، الصادر عن Oneworld Academic .

 

ترجمة  للمقال:"عربي21"
في عام 1939، وبطلب من الوفد العربي إلى مؤتمر لندن حول مستقبل فلسطين، وافقت الحكومة البريطانية أخيراً على نشر المراسلات التي جرت في زمن الحرب العالمية الأولى بين السير هنري ماكماهون، المفوض السامي البريطاني في القاهرة، والشريف حسين في مكة، المعين من قبل العثمانيين سلطة رئيسية على أهم الأماكن المقدسة في الإسلام.

وكان العرب قد زعموا باستمرار منذ عام 1920 أن ماكماهون في تلك المراسلات، ومقابل أن يتزعم الشريف الثورة العربية ضد القوات العثمانية، شمل منطقة فلسطين في عرض الحكومة البريطانية إقامة دولة عربية مستقلة مترامية الأطراف. ومن ناحية أخرى لم تزل الحكومات البريطانية المتعاقبة منذ عام 1920 وحتى هذا اليوم تصر على أن فلسطين كانت مستبعدة من المنطقة التي وعد بها الشريف.

على الرغم من أن نشر المراسلات – وهي عبارة عن 10 خطابات تم تبادلها ما بين شهر يوليو (تموز) 1915 وشهر مارس (آذار) 1916 – لطالما حثت عليه جميع الأطراف داخل حجرات البرلمان فيما يزيد عن 24 مناسبة منذ عام 1920 – إلا أن الحكومات البريطانية المتعاقبة ظلت تعارض ذلك على أساس أن نشرها من شأنه أن "يضر بالمصلحة العامة".

أضف إلى ذلك أن العلاقات الإنجليزية العربية طوال فترة عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي ساءت بشكل كبير بسبب ذلك الرفض المستمر. ولم توافق الحكومة على نشر المراسلات إلا في فبراير (شباط) من عام 1939، عندما أرادت حكومة تشامبرلين إطفاء جذوة الثورة الفلسطينية، في وقت تلبدت السماء فيه بغيوم الحرب الوشيكة في كل أنحاء أوروبا، وباتت الحاجة ماسة إلى "تأمين الممرات الإمبراطورية إلى الشرق".

في نفس ذلك المؤتمر، وافقت الحكومة البريطانية على تشكيل اللجنة الإنجليزية العربية للبحث في مضامين تلك المراسلات بالتفصيل.

بعد أربعة اجتماعات، انتهت اللجنة، التي كان يترأسها وزير العدل فريدريك موغهام، إلى خلاف، حينما صدر عنها تقرير مشترك تمسك فيه الطرفان كل بمواقفه الأصلية، حيث أصر العرب على أن فلسطين كان الشريف قد وُعد بها، بينما قال وزير العدل إنه وبناء على "القراءة السليمة للمراسلات، كانت فلسطين في الحقيقة مستثناة من الوعد." ثم جاءت الحرب العالمية الثانية، واختفت مسألة المراسلات من الساحة السياسية، ولم يتسن من بعد إعادة البحث فيها بشكل رسمي.

يكشف الدليل الذي أعاد النظر فيه هذا الكتاب عن أن الحجة البريطانية كانت واهية، حيث تؤكد الدراسة المتمعنة والمنهجية للسجلات الرسمية أنه كان من حق الشريف بالفعل اعتبار أن فلسطين كانت مشمولة في المنطقة التي وُعد العرب بها لإقامة دولة مستقلة.

وما هو مدهش أكثر من ذلك، بل وصادم في الحقيقة، هو أن جميع المسؤولين الكبار الذين كانت لهم علاقة باللجنة، وداخل التشكيل الحكومي، والذين كانوا يُطلعون أولاً بأول على كافة التفاصيل الخاصة بلقاءات اللجنة ونقاشاتها، كانوا يعرفون ويقرون فيما بينهم بأن الحجة البريطانية كانت في غاية الهشاشة.


اقرأ أيضا:وثائق تكشف عن محاولات سفارة الاحتلال التأثير على القضاء في بريطانياالكأس المسمومة

بعد أن اطلع وزير العدل على إيجاز من قبل المسؤولين في وزارة الخارجية، وبعد أن قرأ الوثائق ذات العلاقة بالموضوع، أجبر على الخروج بمزاعم بعيدة كل البعد عن الحقيقة في مسعى منه لتعزيز الموقف البريطاني، وهي مزاعم لم يسبق حتى للحكومة البريطانية أن جاءت بها، بل ولم يصدقها هو نفسه.

وكان قد أعرب عن ذلك بجلاء في إخطار رفعه إلى وزير المستعمرات مالكوم ماكدونالد الذي عينه رئيساً للجنة ودافع عن موقف الحكومة. في نفس ذلك الإخطار، يعرب عن استيائه من تسليمه تلك الكأس المسمومة، حيث يقول:

"كم سأكون سعيداً لو تمكنت من سماع أي شخص في وزارة الخارجية أو في وزارة المستعمرات أو في الحكومة بإمكانه أن يقدم اقتراحاً واحداً مفيداً ومجدياً للمساعدة في مقابلة أو مقارعة المزاعم العربية."

وكان ماكدونالد كذلك قلقاً إزاء ضعف الحجة البريطانية، فتوجه إلى المدعي العام السير دونالد سامرفيل يطلب منه النصح. لكن الملاحظات التي قدمها سامرفيل، بعد أن قرأ الأوراق ذات العلاقة بالأمر، لم تسر وزير المستعمرات، حيث جاء في ملاحظاته:

"أعتقد أن من الصعوبة بمكان القول إن بإمكان ماكدونالد اعتبار فلسطين مستثناة بشكل تلقائي ... ورأيي أننا كلما تمكنا من تجنب هذه القضية كان ذلك أفضل، وأننا كلما ولجنا فيها عن قرب تعاظمت برأيي المصاعب التي تواجهنا."

ولذلك، وبحلول عام 1939، اتفق أكبر مسؤولين قانونيين في الحكومة على أن الحجج البريطانية كانت شديدة الضعف لدرجة أنها ما كانت لتصمد أمام تحقيق يتم إجراؤه من قبل هيئة قضائية مستقلة أو من قبل البرلمان أو من قبل الرأي العام. ومع ذلك، وفي ممارسة ذكية، وإن كانت شائنة، فيما أطلق عليه أحد الباحثين "ممارسة ثاقبة"، تمسك وزير العدل رسمياً بموقف الحكومة الوارد في التقرير. ومن طرفه، لخص وزير المستعمرات ما خلصت إليه اللجنة من خلال إخبار زملائه: "لقد سمحنا للكرة بأن تمس جدعة واحدة دون إزالة المقابض."

استعارة ماكدونالد من لعبة الكريكيت كانت في محلها بالفعل، فحتى يخرج ضارب الكرة فإن واحداً من المقبضين الاثنين على الأقل يحتاج لأن يزال من أعلى الجدعات الثلاث. فوزير العدل كان يقوم بدور ضارب الكرة، المدافع عن البويبة، أي عن موقف الحكومة الذي يستثني فلسطين، بينما يقر بمهارة فائقة، كلما كان ذلك مواتيا له، بعض، إن لم يكن كل، المزاعم العربية التي ترتفع بها عقيرتهم تجاهه.

منذ عام 1939، لم تعترف أي من الحكومات البريطانية المتعاقبة بذلك. يرى هذا الكتاب أنه آن للحكومة الحالية أن تقر بذلك، فالدليل، نصاً ومن حيث القرائن، دليل دامغ. ما أرجوه هو أن يساهم هذا الكتاب في إقامة الحجة وإحقاق الحق فيما يتعلق بالتعهدات البريطانية المتعددة زمن الحرب العالمية الأولى بشأن فلسطين، وفيما يتعلق بالوقائع التاريخية ذات العلاقة بما كانت تنتهجه بريطانيا من سياسات أيام الانتداب في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، والتي أدت لا محالة إلى ما وقع في عام 1948، والذي خلف "جرحاً مفتوحا" ما زال نازفاً حتى يومنا هذا، جرحاً عميقاً يمس كل من يعيش في المنطقة الواقعة ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط، ويمس كذلك جميع الملايين من اللاجئين الذين انتهى بهم المقام خارج حدود فلسطين.

للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق