الجمعة، 1 سبتمبر 2023

النهاية القاتلة لأحلام السلطة

النهاية القاتلة لأحلام السلطة

“التاريخ يُذكّرنا بأن الطلقة التي لا تُصوَّب في وقتها ترتد إليك، فإذا كان قائد فاغنر قد فعل ما حدث فإنه فوّت على نفسه الفرصة، ولا يمكن لبوتين أن يجعله في موقع إطلاق الرصاص مرة أخرى، لذا سيدفع الثمن، هذا إذا لم تكن هناك لعبة استخباراتية فعلًا (لا احتمال لذلك)، وإن وُجد هذا الاحتمال ففي تلك الحالة سيدفع بوتين ثمنًا ثقيلًا جدًّا في الطلقة القادمة، فلن تخيب، والقائد القوي والذكي لا يجعل المشهد يعاد أمامه مرتين، وفي التاريخ العِبَر لمن يقرأ ويعي” .

الجملة السابقة منقولة نصًا من مقال كتب منذ شهرين بالتمام عندما وقعت أحداث كروستوف التي تمرد فيها مقاتلو “فاغنر” في روسيا، واحتلوا المدنية واتجهوا نحو العاصمة الروسية موسكو.

لم تكن النبوءة تلك نابعة من تنجيم بالغيب ولا رؤية للطالع، بل كانت نتيجة طبيعة لدرس التاريخ، وها هي الأيام تثبت صدق الدرس فقد قتل  يفغيني بريغوجين قائد قوات “فاغنر” أو غاب عن الساحة العسكرية أولًا والسياسية الروسية والعالمية ثانيًا.

كانت النهاية محترقًا في طائرة شمال موسكو نهاية طبيعية لفشل طلقته الأولى التي وجهها نحو صديقه القديم ورفيقه سنوات طويلة، ولا جديد في تناول علاقة بوتين الثعلب الروسي مع قائد القوات الروسية التي أدت أدوارًا عسكرية على الساحة العالمية من إفريقيا إلى أوروبا، وفي أوكرانيا خلال عام ونصف العام من الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة حتى اللحظة.

التاريخ يكرر ذاته

يقول الكاتب الصحفي الكبير أحمد بهاء الدين “إن الإنسان حيوان ذو تاريخ”، فمن لا يعي درس التاريخ لا يمكن إلا أن يكرر الأخطاء، وكما قلت إن الرصاصة حينما تفشل في هدفها فإنها ترتد إلى من أطلقها، هكذا ما كان لبوتين أن يسمح لصديقه القديم أن يأخذ فرصة لطلقة ثانية، فكانت موقعة طائرة موسكو المتفجرة أو المحترقة.

أعجبني تعليق أحد الأصدقاء حينما قال “لقد مات قائد فاغنر فطيسًا” أي بلا صاحب، فقد كان غيابه هدفًا للأطراف كلها، بوتين بالتأكيد بعد محاولة التمرد عليه، أوكرانيا بعد أن كبّدها خسائر كثيرة، أوروبا أراحت من عملياته سواء في أراضيها أو أماكن نفوذها في إفريقيا، وأخيرًا الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي لن يسأل أحد عمن قتله؟ أو من تسبب في تفجير طائرته؟

قتل أو اغتيل بريغوجين ونائبه وبعض رجاله في الطائرة، وتلك حالة غريبة لدى العسكريين، فليس من العادة السفر لقيادات عسكرية عدة على طائرة واحدة، فهذا ليس من الحكمة والفطنة للعسكريين.

تلك الحالة تذكرنا بحادثتين حدثتا في مصر، كانت الأولى في 3 مارس 1981 حينما استشهد المشير أحمد بدوي وزير الدفاع المصري و13 من قيادات الجيش المصري في حادث اصطدام طائرته في منطقه سيوة بالمنطقة الغربية في مصر، وقيل إن الطائرة أثناء صعودها اصطدمت بعمود للكهرباء مما أدى إلى تفجيرها وانفجار خزانات الوقود.

نتج عن ذلك استشهاد وزير الدفاع المصري أحد أبطال حروب مصر خلال فترة الخمسينيات والستينيات حتى نصر أكتوبر/تشرين الأول 1973، وقد أشارت بعض الروايات أهمها رواية النائب الوفدي علوي حافظ أن السادات تخلّص من بدوي خشية الانقلاب عليه، والمشير بدوي أحد أبطال نصر أكتوبر كما الفريق سعد الشاذلي رئيس أركان الجيش في تلك الحرب بتهمة الخيانة العسكرية.

تلك واحدة من أساليب السادات في التخلّص من منافسيه، وتبدو الحالة هنا مختلفة عن حالات أُخر في التاريخ القديم، لكنها مرتبطة بوجود عدد كبير من العسكريين على طائرة واحدة كما في طائرة صديق بوتين الذي فشل في تمرده، فكانت نهايته.

الحادث الثاني في العصر الحديث فكانت للطائرة المصرية التي سقطت في المحيط الأطلنطي في 31 أكتوبر 1999، وبغض النظر عن أسباب سقوط الطائرة التي لا يوجد ما يؤكدها حتى الآن، لكن فقدت مصر على الطائرة 36 طيارًا مصريًا في واقعة غربية، فالمعروف أنه عسكري لا يمكن أن يركب في طائرة واحدة هذا العدد من الطيارين ذلك لأن إعداد طيار واحد يكلّف الدول الكثير، ولا تزال أسباب انفجار الطائرة غامضة حتى الآن.

نظرة تاريخية أبعد

ازداد الصراع المملوكي في نهايات عصر الدولة الأيوبية، فقد مرض السلطان نجم الدين أيوب، وأصبح غير قادر على إدارة الحكم، صارت مقادير الحكم في يد السلطانة القوية شجرة الدر، واستطاعت أن تخفي وفاة زوجها أثناء حملة لويس التاسع على مصر حتى انتصر المصريون على الحملة، تعرضت شجرة الدر لمعارضة كبيرة من الأيوبيين لتوليها السلطنة، وكان عليها أن تتزوج.

تزوجت شجرة الدر الأمير عز الدين أيبك أتابك، وخلال مدة حكمه الأولى لمع نجم قائد المماليك البحرية فارس الدين أقطاي الذي تصدى لمحاولات كثيرة للانقضاض على حكم أيبك، شعر أيبك بخطورة أقطاي عليه وعلى الحكم، واستطاع بمساعدة سيف الدين قطز أن يتخلّصا من أقطاي الذي يهدد العرش.

استدعاه أيبك إلى القصر للتشاور، وغاب أقطاي عن مماليكه الذين تجمعوا أمام قصر السلطان، فما كان منه إلا أن ألقى برأسه من بوابة القصر، انتاب المماليك البحرية الذعر، والقصة معروفة بعد ذلك فقد تخلّصت شجرة الدر من أيبك أول حاكم مملوكي على مصر، وتم التخلّص بعده من شجرة الدر، ليقود بعدهما سيف الدين قطز معركة عين جالوت بعد أن تولى السلطة، ويهزم قطر التتار، وفي الطريق يقتله الظاهر بيبرس ليتولى حكم مصر كثالث الحكام المماليك.

قصة السلطان سليمان القانوني مع الصدر الأعظم إبراهيم البرغالي أشرت إليها في مقال سابق بعنوان (خيانة في القصر) التشابه الوحيد -هنا- أن البرغالي مات أو خنق فطيسًا بحد تعبير الصديق السياسي عن قائد “فاغنر” بريغوجيني، فقد طمع البرغالي في الخلافة بعد أن كان مجرد عازف للناي، فقرّبه السلطان سليمان القانوني، وصار صاحب ست امتيازات من سبع هي للسلطان، وتعاون مع أعداء الأمة في وقت كانت الدولة تستعد لحرب كبرى مع دول أوروبا وأساطيلها التي أقلقها السيطرة والتوسع للدولة العثمانية بخاصة في البحار والمحيط الأطلسي، فكانت نهاية البرغالي تليق بخيانته لصانعه وولي نعمته، وفي التاريخ عظة لمن يدركه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق