٣٢ يونيو
وائل قنديل
قيل فى الأثر إن يونيو ينتهى عند اليوم الثلاثين، وأذيع فى الأثير أن نهاية حكم أول رئيس منتخب بعد الثورة ستكون آخر يونيو، غير أن الثلاثين منه مر دون أن ينتهى شهر الانتكاسات المصرية، فى الحرب وفى السلم.
لم يخرج الرئيس من قصر الرئاسة، ولم يخرج على الناس بحديث يكشف حقيقة أو ينزع فتيلا.. فقط خرج أسوأ ما فى الشخصية المصرية من مشاعر انتقام وكراهية ورغبات دموية، تحت رعاية أمراء الانتقام من رجال مبارك ورجال الثورة عليه، الذين توحدوا فى جبهة واحدة عنوانها الأبرز كراهية الرئيس وتياره، والانتقام من ثورة يناير وما جاءت به الديمقراطية فى أول ممارسة فعلية لها.
شكلا: هناك حشد شعبوى هائل فى مصر كلها خرج يطلب رأس الرئيس المنتخب، وهناك اجترار لشعارات وهتافات ثورة يناير على ألسنة جديدة، والأماكن هى الأماكن، التحرير وتجلياته فى المحافظات.
ومضمونا: هذه روح أخرى وكيمياء مختلفة للغضب، يسود فيها منطق الانتقام على ميتافيزيقا الحلم، وينبنى الحشد على قواعد ومرتكزات لا تشبه تلك التى ارتفعت فوقها عمارة ثورة يناير، ومن ثم لا يمكن التسليم بأن الثلاثين من يونيو ٢٠١٣ هو الثانى عشر من فبراير ٢٠١١، أو أن يونيو هو استكمال أو امتداد لثورة يناير.
أية روح ينايرية هنا بينما رئيس وزراء مبارك أثناء موقعة الجمل يطل برأسه على الساحة موزعا الحصص وواضعا السيناريوهات ومقسما غنائم معركة لم تضع أوزارها بعد؟
كيف يمكن الحديث عن قيم يناير بينما الجنرال يرسم الأدوار ويضع محمد البرادعى فى مركز متقدم من الحكم الجديد، البرادعى الذى حين سئل عن ترشح شفيق للانتخابات الرئاسية رد فى حوار مع قناة النهار بالقول «كيف يقدم أحمد شفيق نفسه رئيسا لمصر الثورة؟!!...
هناك قدر من الحياء يجب أن يصل لبعض الناس، فالثورة تغيير الفكر وليس فقط تغيير الأشخاص.. وياريتنا قمنا حتى بتغيير الأشخاص!.
إن من لا يريد أن يرى أن النزال العنيف الآن هو بين دولة مبارك ودولة ٢٥ يناير حر فيما يراه ويعتنقه، غير أن العقل يأبى أن يعتبر ثورة اختارت الخامس والعشرين موعدا لها، لتكون ثورة ضد قمع الشرطة بالأساس، شبيهة بأخرى تتصدرها مسيرات بوليسية بالزى الرسمى.
إن يناير كان شهر ميلاد الثورة، بينما يراد ليونيو أن يكون تاريخ وفاتها ومواراتها الثرى لتحقق مقولة الجنرال «ثورة على الثورة» وبالتالى فهى ثورة مضادة بامتياز.
وإذا مضت الأمور إلى نهاياتها السوداء فإن أبواب الجحيم الذى طالما حذرنا منه تكون قد انفتحت، ذلك أن من أروع نتائج ثورة يناير أنها دمجت الإسلام السياسى الراديكالى فى عملية سياسية جعلتهم يثقون بقيم الديمقراطية الحديثة ويتخلون عن كثير مما يعتنقون من فكر سياسى، وحين تأتى لتقول لهم إن اللعبة الديمقراطية انتهت: سلموا أنفسكم واخلوا مواقعكم فإنك تردهم إلى حالة أكثر راديكالية.. فمن يملك رفاهية الدخول فى سيناريو عشرية الموت الجزائرية أو سنوات الانتحار اللبنانية؟
السؤال موجه بالأساس لأمراء الانتقام وأيضا للمؤسسة العسكرية المصرية التى طالما عبرت عن فخرها بحماية ثورة يناير وتقديم أول منتج ديمقراطى لها.
مقالات أخرى للكاتب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق