الخميس، 6 مارس 2014

لماذا يسحبون السفراء؟!



لماذا يسحبون السفراء؟!


قبل أقل من أسبوعين، نشر الكاتب الصهيوني المعروف «رؤوبين باركو»، مقالا في صحيفة «إسرائيل اليوم»، شن فيه هجوما لاذعا على دولة قطر، لم يخل من بذاءة في التعبيرات.
خلاصة الموقف القطري بحسب «باركو» لخصها بجملة صغيرة قال فيها: إنها «تتملق الغرب وتدعم الإرهاب»، وحين يجري توصيف مصطلح الإرهاب في العرف الصهيوني، فإن التفسير معروف بطبيعة الحال؛ إنه دعم المقاومة أو دعم قوى التحرر في الأمة، وفي مقدمتها القوى الإسلامية.
وقال «باركو» بالنص: إنها، أي قطر «ترعى الإرهاب في حين تدّعي أنها تؤيد مبادرة سلام الجامعة العربية»، وانتقد استضافة قطر لرئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوسف القرضاوي، ووصفه بأنه «واحد من القادة القتلة للإخوان المسلمين؛ يدعو إلى قتل المدنيين اليهود، ويؤيد علنا مرسي الذي كان من كبار الإخوان المسلمين في مصر».

واللافت في المقال، إضافة إلى ذلك قوله: «ويحرض حكام قطر بواسطة قناة الجزيرة على الحكومة المؤقتة المصرية، ويساعدون الإرهابيين الإسلاميين الذين يعملون ضدها، وعلى إسرائيل في غزة وسيناء».
أستعيد هذا المقال في ظل التطورات الجديدة المتمثلة في الهجوم الشرس الذي تعرضت له قطر، والذي تمثل في سحب ثلاث دول خليجية سفراءها من الدوحة
 فيما تقول الكثير من المؤشرات والمعلومات: إن الهدف كان خطوة أكبر من ذلك تتمثل في إخراج قطر من مجلس التعاون الخليجي نهائيا، لولا أن تحفظت على ذلك الكويت وعُمان، الأمر الذي دفع إلى الاكتفاء بالخطوة المشار إليها.
ليس من عادتنا كيل المديح لأي نظام سياسي، وعشرة آلاف مقال تؤكد أننا لم نوفر أحدا في يوم من الأيام، وحين مارست قطر التطبيع مع دولة الاحتلال لم نسكت أبدا، ففي قضايا الأمة لا مجال للتهاون.
ولكننا لم ولن نكون مثل أبواق يسارية وقومية اعتبرت قطر في جبهة المقاومة، وحين وقفت مع الشعب السوري صارت رجعية ومتآمرة.
اليوم، لا نحتاج إلى الكثير من الذكاء كي ندرك أن الهجوم على قطر لا صلة له البتة بالكلام الفارغ الذي ورد في بيان من اتخذوا القرار، وإنما هو بشكل أساسي ذو صلة بالموقف من الحالة المصرية بشكل خاص، والربيع العربي وقوى الإسلام السياسي بشكل عام، ونقول الحالة المصرية بشكل خاص، لأن مصر هي أهم الدول العربية، وهي الرافعة، ولو نجت ثورتها لكان مشهد المنطقة في طريقه إلى التغير بشكل كبير.
نعلم أن السياسة أولويات، ويعلم الجميع أن أولوية من اتخذوا قرار الهجوم السياسي الجديد على قطر تتمثل منذ أكثر أربع سنوات في مواجهة الثورات، ومطاردة ما نجح منها بشكل كلي أو جزئي.
وحين تكون قطر في الاتجاه المقابل، فتقف مع الثورات، بما في ذلك الدول التي كان لنظامها السياسي صلات قوية معها، كما كان الحال بالنسبة لسوريا وليبيا، فإن من الطبيعي أن يغدو الموقف منها على هذا النحو، بل أسوأ من ذلك.
يعبّر الموقف الجديد عن مستوى النزق الذي أصاب القوم جراء ارتباك وضع النظام السياسي الجديد في مصر رغم حجم المليارات الهائلة التي جرى ضخها خلال الشهور الماضية؛ إذ يرى أصحابه أن سماح قطر للجزيرة باتخاذ موقف مختلف، مع أنها ترهقنا بهراء أبواق النظام كل يوم، سيؤثر على الوضع في مصر، فضلا عن استضافة بعض المعارضين، وهو ما يعكس هشاشة الوضع بطبيعة الحال، ويبدو أن رسائل واضحة قد وصلت بضرورة تغيير الموقف، لكن رفضها هو الذي أدى إلى التصعيد الجديد.
نعم، الموقف مما يجري في مصر على وجه التحديد هو العنصر الأكثر استفزازا بالنسبة للقوم، لكن الأمر لا يتوقف عند ذلك، بل يتجاوزه كما أسلفنا إلى عموم الموقف من ربيع العرب، ففي اليمن يصل الحال ببعضهم، وهم يزعمون أنهم رأس الحربة في مواجهة إيران، حد دعم الحوثيين بطريقة أو بأخرى ضد حزب الإصلاح وآل الأحمر لأنهم يُحسبون على تيار الإسلام السياسي والإخوان، ولهم موقفهم المختلف مما جرى في مصر، وهكذا نرى أن أولوية إيران التي يرفعونها شعارا ما تلبث أن تختفي حين يكون الخصم الآخر هو الثورات وربيع العرب أو الإسلاميين. والموقف من تونس وليبيا دليل آخر.
ولا يتوقف الأمر عند ذلك، فنرى بعض المهاجمين مثلا يسيرون في ذات الركاب، بينما يخطبون ود إيران تحت الطاولة وفوقها، كما هو حال دولة أخرى، ونرى ثالثة تشتكي من تدخلات إيران في شؤونها، لكنها تضطر إلى مجاراة شقيقتها في موقف بائس.
أولوية المواجهة مع ربيع العرب وقوى الإسلام السياسي تكاد تأتي على السياسة الخارجية للبعض، وتضعهم على نحو لم يسبق له مثيل على النقيض من شعوبهم التي تقف إلى جانب أشقائها في سعيهم للتحرر. 
أما موقفهم من سوريا، فهو لا يغير كثيرا في الحقيقة، لاسيَّما أنه جاء خوفا من الشارع وضد إيران، فيما لم نر منهم ما يشير إلى حسم المعركة لصالح الشعب بما يحيي الثورات من جديد، بل إلى استنزاف طويل يربي الشعوب على عدم التمرد خشية أن يحدث لها ما حدث للسوريين.
من المؤكد أن مواقفنا تساند الإصلاح السياسي في كل الدول، في الخليج وغيره، لكن أهم ما يعني عموم الشارع العربي هو الموقف من ربيع العرب، وحق الشعوب في الحرية، والفارق كبير في وعي التاريخ والشعوب، بين من يقف مع أشواقها في التحرر، وبين من يدفع الغالي والرخيص من أجل أن يدفن تلك الأشواق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق