الاثنين، 9 يونيو 2014

انتخابات الطغاة وثورات الهواة

انتخابات الطغاة وثورات الهواة



انتهت مسرحية ، لتبدأ أخرى ، نفس المشاهد ، ونفس السيناريو ، ونفس الديكور ، ونفس النهاية . النهاية السعيدة التي يتوج فيها البطل بالتاج ويظفر بمعشوقته التي من أجلها سفك وسيسفك دماء الملايين ولا يبالي ! . وفي مفارقة لا تخلو من إشارة ، تبدأ مسرحية الانتخابات السورية في نفس اليوم الذي تعلن فيه نتيجة مسرحية الانتخابات المصرية ،في منافسة واضحة بين الطرفين ، كتلك المشتعلة بين الدراما السورية والمصرية في شهر رمضان من كل عام على الفوز بأكبر عدد من المشاهدين البلهاء .وكما كانت نتيجة المسرحية المصرية معروفة سلفا ، أيضا نتيجة المسرحية السورية معروفة سلفا ، فهي انتخابات كلاسيكية اعتاد المستبدون إجراءها كل فترة لتثبيت شرعية زائفة ، والحفاظ على مكاسب هائلة .
فعلى وقع دوي الطائرات الحربية ، وقصف البراميل المتفجرة ، والحصار القاسي الذي تمنع فيه كل وسائل الحياة عن مئات الآلاف ، وفي ظل تشريد الملايين ، واستشهاد مئات الآلاف ، وجرح نصف مليون ، واختفاء ربع مليون ، واعتقال مثلهم ، وانهيار شبه كامل لمنظومة الأمن والاقتصاد ، وفي ظل التفكك الفعلي لكيان الدولة السورية ، بحيث أصبحت كنتونات طائفية . في ظل هذه الأجواء الحربية تعقد الانتخابات السورية بثلاثة مرشحين فقط .الأسد واثنين من الكومبارس السنيدة لدور البطل ، تماما مثل الدور الذي لعبه حمدين صباحي في مسرحية الانتخابات المصرية ، ومن شدة التطابق في دور الكومبارس ، والتقمص الكامل للشخصية ، راح الكومبارس السوري يحاكي نظيره المصري ، في إطلاق نفس التهديدات والويل والثبور لمعارضي نظام الأسد ، ويصفهم بالإرهاب، تماما كما كان الكومبارس المصري صباحي يتوعد معارضي الانقلاب بالويل والثبور وحل الأحزاب وهكذا ، نفس النغمة ونفس الانسجام . واستكمالا لديكورات المسرحية أرسلت روسيا وإيران وكوريا الشمالية وفودا لمراقبة الانتخابات الهزلية .
ولو كان السيسي يسعى من وراء وصوله للسلطة أمورا أبرزها :إشباع رغبات قديمة عنده للوصول لكرسي الحكم ، وإرواء لتعطشه للسلطة ، وإبقاء مصر داخل دوائر هيمنة النظام العالمي ، وإبقاءها رهينة التبعية الأمريكية ، وحماية الإمبراطورية العسكرية الاقتصادية الضخمة في مصر وما يرتبط بها من استثمارات لرفقاء دربه جنرالات العسكر في مجالات الطاقة وشركات المياه المعدنية والعقارات ومراكز التسوق ومتاجر الأثاث، ناهيك عن رغبته الحثيثة في منع الرقابة المدنية المباشرة علي ميزانية القوات المسلحة عبر وضع مادة جديدة في الدستور المصري لتحقيق هذه الرغبة ، ومن قبل ذلك كله القضاء على التيار الإسلامي ، فإن بشار الأسد يسعى من بقائه في السلطة لأمور أخرى أبرزها : التأكيد على سيطرته على مقاليد الأمور في سوريا ، وتصدير صورة معينة إقليميا ودوليا يجهض بها محادثات جنيف الفاشلة أصلا ، وكافة الجهود الدبلوماسية ـ غير المجدية ـ التي يبذلها الائتلاف السوري المعارض والتي تهدف إلى تشكيل حكومة انتقالية ، وتأسيس شرعية سياسية بديلة عن شرعية الأسد المتداعية ، كما يهدف من ورائها لتدعيم وضعه الميداني في ظل تفوق متنامي لقواته على الجيش الحر والجبهة الإسلامية والمجاهدين الإسلاميين الآخرين ، والأهم من ذلك كله الحفاظ على التحالف الاستراتيجي الطائفي الذي أسسته إيران ، والممتد من بحر قزوين شمالا إلى سفح جبل لبنان جنوبا .
ولكن يبقى السؤال الأبرز في هذه الملهاة الانتخابية التي يعقدها الطغاة سواء في مصر أو سوريا ومن قبلهم في الجزائر ، والحبل على الجرار ؛ هل تستطيع هذه الأنظمة الاستبدادية بكل ما تملكه من أدوات القهر والقمع والتحكم والسيطرة من انتزاع الشرعية لكل هذا الطغيان ؟
فشرعية الأنظمة تنال برضا المحكومين وشعورهم بأن هذه الأنظمة تمثلهم وجاءت وفق اختياراتهم الحرة ، وأنها تعبر عن آمالهم وأفكارهم ، وتلبي حاجاتهم الأساسية من العيش والحرية والعدالة الاجتماعية ، وأن هذه الأنظمة تحترم معتقداتهم وهويتهم ومرجعتهم الدينية وخلفيتهم الثقافية .وأن من حقهم محاسبة هذه الأنظمة عند التقصير ، وعزلهم عند الضرورة ، وكلها أمور لا تحققها الأنظمة الاستبدادية ولا تبالي بها ولا تحترمها ، بل تعاديها وتضطهد من يطالب بها وتنكل كل من يحاول تأسيسها داخل الحياة السياسية ، لذلك فأنظمتنا العربية تنتزع شرعيتها بوسائل أخرى ، تنتزعها بالقهر والقمع والتسلط ، تنتزعها بالقبضة الحديدة والإلكترونية ، تنتزعها بالتضييق والتجسس والمصادرة والاعتقال والمنع ، وذلك من أجل ضمان الرضا الاضطراري والقهري للمحكومين ، لذلك فليس من المرجح أن تنخفض وتيرة القمع أو العنف ضد معارضي النظام السوري والمصري ، فكلا النظامين يعرف أكثر من غيره أن شرعيته زائفة صنعتها عدسات كاميرات التضليل ، كما أعترف بذلك خالد يوسف مخرج مشهد 30 يونيه ، وصنعتها مكائد أجهزة المخابرات المحلية والإقليمية والدولية ، وصنعتها قلة وعي وضعف خبرة الثوار في البلدين .
إن أبرز الحقائق المستخلصة من مسرحيات الطغاة الانتخابية : أن ما يسمى بالمجتمع الدولي ، والعالم الخارجي ، والشرعية الدولية ، والهيئات الأممية ، كل هذه المسميات الزائفة لكيان واحد وهو الهيمنة والسيادة الأمريكية ، لا يمكن أن ترضى عن قيام أنظمة استقلالية ذات قبول شعبي في منطقتنا العربية وعالمنا الإسلامي ، وقطار الحرية ليس له محطات في عالمنا الإسلامي ، ولا يمكن أن ترضى أمريكا وحلفاؤها أن تنال شعوب المنطقة حريتها في اختيار حكامها والنظام الذي يتحاكمون إليه ، فمآلات الثورات العربية أكدت هوية الشعوب الإسلامية وتطلعها نحو تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ، وهو ما يمثل أسوأ كوابيس النظام العالمي القائم ، وبالتالي فإن التحاكم إلى هذه الهيئات أو توسيطها أو حتى التفكير في  استغلالها كمنابر للترويج لقضية الشعوب المقهورة ما هو إلا نوعا من العبث وتضييع الوقت وإهدار الجهود وتشتيت المسارات ، وما حدث من الجنائية الدولية في ملف مصر ، ومن مجلس الأمن في ملف سوريا خير شاهد على عبثية اللجوء والتحاكم إلى هذه الكيانات الفاشلة والمسيسة والموتورة ضد كل من هو مسلم .
أيضا من أبرز الحقائق المستخلصة من ملهاة مصر وسوريا ؛ أن مخملية الثورات وسلميتها مجرد أوهام في رؤوس الحالمين والواهمين فقط ، فالشعوب قد أرادتها ثورة إنجليزية بيضاء ، وأرادتها الأنظمة فرنسية حمراء ،والذي يرى اليوم وحشية الأسد والسيسي في قمعهما للشعبين السوري والمصري، ووحشية القذافي في قمعه للشعب الليبي من قبلُ، يدرك أن المفاصلة بين الشعوب العربية وطغاتها الرافضين لا يمكن صوغها في إطار من السلمية الموهومة. والمعادلات الصفرية لا مجال فيها للحلول الوسط أو التلاقي في منتصف الطريق مع الطغاة الذين لم يرمش لهم جفن لمشاهد البطش والتنكيل المروعة .
انتخابات الطغاة تقود الحراك الثوري اليوم إلى مربع جديد تفارق به مربع الهواية والتردد إلى مربع الحسم والتحدي ، فقد وصلت الشعوب بعد سنوات القهر والاستبداد إلى حقيقة مفاداها أن ليس لديها ما تخسره ، ومهما يكن من ثمن للحرية والكرامة تدفعه ، هو في الواقع أقل بكثير من ضريبة الرضوخ للذل والاستبداد ، والعيش في كبت وقهر واستبداد كما حدث اليوم . لذلك أقولها بكل يقين وثقة في الله : النصر قادم لا محالة ، والطغاة بعروشهم وأدواتهم إلى زوال إن شاء الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق