الجمعة، 19 سبتمبر 2014

خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ

خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ



د. يوسف القرضاوي
نقف في سورة الأعراف عند آية قصيرة موجزة قال العلماء: إنها جمعت مكارم الأخلاق، وهي قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، وإن كان هناك –للأسف- من العلماء من يقول: أول هذه الآية منسوخ، وآخر هذه الآية منسوخ، والثلث الأوسط هو المحكم فيها، 
يعني قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ}، قالوا: نسختها آية السيف، فليس هناك عفو، 
وقوله: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، نسختها آية السيف، هناك حاجة اسمها: آية السيف، قالها بعض العلماء، كأن الآية هذه هي نفسها سيف قطعت رقاب آيات كثيرة، مائة وعشرون آية، مائة وأربعون آية، مائتان آية.
 {خُذِ الْعَفْوَ}، أي: خذ ما عفا لك من أخلاق الناس وأحوالهم وأعمالهم وتصرفاتهم، خذ ما سهل، لا تشدِّد على الناس، لا تكلفهم أكثر من طاقتهم، لا تتعنت معهم، كن سهلا سمحا في كل شيء، في بيعك وفي شرائك وفي قضائك وفي اقتضائك، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى، سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى، سَمْحًا إِذَا قَضَى».
{خُذِ الْعَفْوَ}، خذ ما عفا لك، خذ ما سهل من أمور الناس، ومن أخلاق الناس، لا تكن متشدِّدًا ولا متعسرًا، «يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا، وَلاَ تُنَفِّرُوا»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلَا مُتَعَنِّتًا وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا».
 {خُذِ الْعَفْوَ} خذ ما سهل من أخلاق الناس وأعمالهم، ولا تشدِّد عليهم ولا تتعنت.
 {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} أي مر بكل ما هو معروف عقلا وعرفا وشرعا، لأنه كما قلنا من قبل: المؤمن دائما مطلوب منه إصلاح نفسه ودعوة غيره، أصلح نفسك وادع غيرك، ليس في الإسلام كلمة: (وأنا مالي، خليني في نفسي، أنا ما لي دعوة بالناس)، لا، أنت مسؤول عمَّن حولك.
 {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} مر بالخير، مر بالحق، مر بكل ما يصلح الناس، وبكل ما تصلح به الحياة، للفرد وللأسرة وللجماعة، كل هذا على المسلم أن يأمر به، {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}، لا بد أن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر.
 {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} 
الجاهلون هم: السفهاء، هم الذين يؤذون أهل الفضل من الناس بالإساءة في الكلام، بالسخرية، بالاستهزاء، بالتعدي، بالهمز واللمز، هؤلاء لا ينبغي للإنسان أن يهتم بهم، ولا يجعل لهم مساحة في حياته ولا في تفكيره، لأن الدنيا أهون من أن يشغلها الإنسان بالرد على هؤلاء، والعمر أقصر من أن يضيع في مخاطبة هؤلاء، في رد السيئة بالسيئة، والسب بالسب، والشتم بالشتم، العمر نفيس، الوقت هو الحياة.
 فالإنسان المؤمن يعرض عن الجاهلين، والجاهل هنا ليس المراد به الإنسان الأمي، لا، قد يكون معه دكتوراه ولكنه جاهل، لماذا؟ لأنه سفيه، هذه لا علاقة لها بالشهادات، إنما لها علاقة بالأخلاق، إذا كان الإنسان يتبع هواه وينطلق مع غرائزه ولا يُحَكِّم عقله في سلوكه فهو جاهل مهما أخذ من الشهادات، ولذلك نجد القرآن يعبر ويبين لنا من هو الجاهل، فكل من عصى الله فهو جاهل {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ}[النساء: 17] ما دام عمل السوء فهو جاهل، جهل أمر آخرته، جهل أمر الرضا والسخط والجنة والنار ووقع في المعاصي، فلا أجهل منه، {عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ}[النحل: 119]، فالجهل هو تحكيم الغرائز ونسيان العقل والمنطق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق