السبت، 20 سبتمبر 2014

تحت المجهر

تحت المجهر

 هي أشياء لا تشترى - الجزء الأول




الفيلم ضمن سلسلة تحت المجهر انتاج الجزيرة 


"التسوية هي أن نذهب لنتسوق من الموسكي في القاهرة أو
سوق الحميدية في دمشق دون أن يبدو الأمر مستغربا"..


هكذا تحدثت رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير حين سئلت
عن تصورها للسلام مع العرب.



سمير عمر
طلعت السادات
أحمد ناصر
شفيق أحمد علي
هشام أبو النصر
ممدوح زخاري
سمير عمر: "التسوية في رأيي هي أن نذهب لنتسوق من الموسكي في القاهرة أو سوق الحميدية في دمشق دون أن يبدو الأمر مستغربا" هكذا تحدثت رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة غولدا مائير حين سئلت عن تصورها للسلام مع العرب. كان هذا في أعقاب هزيمة يونيو عام 1967، بعد ذلك بنحو عشر سنوات هبطت طائرة الرئيس المصري الراحل أنور السادات في مطار بن غوريون في قفزة هائلة على طريق التسوية وبعدها بنحو عامين وقع السادات معاهدة سلام مع الإسرائيليين، الآن مضى ثلاثون عاما على هذه المعاهدة ترى هل تحققت أمنية غولدا؟ حتى الآن تبدو أمنية غولدا مائير عصية على التحقق فما تزال صورة الإسرائيليين في العقل الجمعي المصري مرادفة لصورة العدو وإن اختلفت طرق التعامل معه، غير أن هذا لم يمنع بعض المعارضين القدامى للتطبيع مع إسرائيل من تغيير طريقة تعاملهم مع من كانوا ينعتونهم بالمجرمين وسفاكي دماء الأطفال. فنان الكاريكاتير المصري جورج بهجوري واحد من هؤلاء، بهجوري كان واحدا من أشهر الذين قاوموا التطبيع بريشة فنان الكاريكاتير التي لا تقبل أنصاف الحلول لكنه في العام الماضي شارك في معرض فني في قلب إسرائيل بدعوة من الأمم المتحدة تحت شعار الرسم للسلام، ففتحت عليه زيارته القصيرة لإسرائيل أبواب الهجوم من أصدقائه قبل أعدائه.
جورج بهجوري: أولا، أولا نحن لا نعتبرها زيارة لأنني قضيت ساعة أو ساعتين في متحف إسرائيلي فيه رسوماتنا معلقة بفخر وبشرف لأنها تدافع عن القضية الفلسطينية، وبرئيسنا الرسام الألمعي في فرنسا بلانتوي ومعنا 15 أهم رسامي العالم، المجموعة دي اسمها الـcartooning for peace الكاريكاتير من أجل السلام.
سمير عمر: لا يبدو بهجوري نادما على زيارته لإسرائيل لكنه لا يعتزم تكرارها ولا يدعو أحدا للسير في الطريق الذي سلكه، لكنه أيضا يعترف بأن الزيارة قد أحدثت تغييرا في ذاته الفنية والإنسانية.
جورج بهجوري: تجربة وانتهت وأنا سعيد بها وطلعت بفائدة قلت لك انبهار والرسم أقوى والريشة أقوى وكمان تغلبي أنا يعني زي كسبتهم ثلاثة صفر مثلا حاجة زي كده يعني هزمتهم بالريشة.
سمير عمر: ويعتز بهجوري بصداقته لفنان الكاريكاتير الفلسطيني الراحل ناجي العلي الذي عاش ومات وهو يرفض التطبيع ويناصب إسرائيل ومن دار في فلكها العداء.
[مقاطع من فيلم ناجي العلي للمخرج عاطف الطيب]
سمير عمر: وناجي العلي كان موضوعا لواحدة من أشرس المعارك بين أنصار التطبيع ومعارضيه في مصر، فحين عرض الفيلم الذي يروي قصته عام 1993 ثارت ثائرة أنصار التطبيع وهاجموا صناع الفيلم لتقديمهم نموذجا كان يهاجم الرئيس السادات بعد إبرامه معاهدة الصلح مع إسرائيل، وشكلت رسوماته سيفا مشهرا في وجه مصر على حد تعبيرهم فيما رفض معارضو التطبيع من شأن الفيلم وصناعه واعتبروه صرخة مدوية في وجه إسرائيل وأصدقائه في عام دخول الفلسطينيين نفق التسوية السياسية باتفاقات أوسلو. غير أن جواد الشعر كان الأسبق في ميدان رفض التطبيع حتى قبل أن تقتحم تلك الكلمة قاموس الحياة اليومية للمصريين، إذ جلجل بها صوت شاعر الرفض أمل دنقل بالرفض عام 1976 حين أدرك بعقل المثقف المهموم بقضايا أمته ورأى بعين الشاعر العاشق لتراب وطنه أن نية الرئيس السادات تتجه نحو الصلح مع إسرائيل فأنشد في وصاياه العشر يقول:
" لا تصالح
ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام
وارو قلبك بالدم
وارو التراب المقدس
وارو أسلافك الراقدين
إلى أن ترد عليك العظام
لا تصالح ولو ناشدتك القبيلة
باسم حزن الجليلة
أن تسوق الدهاء
وتبدي لمن قصدوك القبول
سيقولون ها أنت تطلب ثأرا يطول
فخذ الآن ما تستطيع
قليلا من الحق
في هذه السنوات القليلة
إنه ليس ثأرك وحدك
لكنه ثأر جيل فجيل
وغدا
سوف يولد من يلبس الدرع كاملة
يوقد النار شاملة
يطلب الثأر
يستولد الحق
من أضلع المستحيل
لا تصالح
لا تصالح
لا تصالح"
أنور السادات/ الرئيس المصري السابق: وستدهش إسرائيل حينما تسمعني الآن أقول أمامكم إنني مستعد أن أذهب إلى بيتهم إلى الكنيست ذاته ومناقشتهم.
سمير عمر: بعد أقل من عام سار الرئيس السادات في الطريق الذي تمنى عليه أمل دنقل عدم السير فيه، فالفرق كبير كما قال أنصار السادات بين أمنيات الشعراء الذين يتبعهم الحالمون وواقعية الساسة المحكومة قراراتهم بموازين القوى واستحقاقات الأمن القومي. عاد السادات من القدس واستقبل استقبالا شعبيا حاشدا لكن المعارضين كانوا أيضا في استقباله، معارضة برزت القوى الناصرية واليسارية في طليعتها، كانوا قلة هذا صحيح، لكنهم كانوا أكثر ثباتا في مواجهة الرئيس السادات.
حسين عبد الرازق/ الأمين العام السابق لحزب التجمع اليساري: إحنا قلة منعزلون حتى عن الناس لأن جهاز الدعاية والإعلام بتاع السادات والسادات شخصية ماهرة وذكية ومتآمرة قدرت تروج لهذا الصلح وتشيع إن هذا الصلح هو بداية الرخاء وأن مصر يعني حتعيش في بحبوحة نتيجة لهذا الصلح مع إسرائيل.
طلعت السادات/ نائب في البرلمان ونجل شقيق الرئيس السادات: السادات كان بيعمل الكلام ده وقت هو مؤمن به وعارف أن دي بوابته لدخول التاريخ، هو عارف كان له هدف ثاني وعاوز يخدم بلده ويخدم أمته يقوم عن طريق هذا الشغل يخش التاريخ.
سمير عمر: لم يلتفت الرئيس السادات للأصوات المعارضة رغم انضمام أربعة من أعضاء مجلس قيادة الثورة الذين كانوا ما زالوا على قيد الحياة للمطالبة بوقف عجلة الصلح مع إسرائيل، عبد اللطيف البغدادي، حسين الشافعي، زكريا محي الدين، وكمال الدين حسين، وبلغ الأمر إلى حد المطالبة بمحاكمة الرئيس السادات تحت قبة البرلمان بتهمة الخيانة العظمى، إنه النائب الليبرالي أحمد ناصر.
أحمد ناصر/ نائب ليبرالي في البرلمان: الدستور بينص على أن خمس أعضاء المجلس يجب أن هم اللي يوجهوا تهمة الخيانة العظمى، لكن أنا قلت يعني على قد ما أقدر أنني حأجمع مجموعة من النواب ونوجه لرئيس الجمهورية تهمة الخيانة العظمى ودي يعني اعتبرتها أمانة تاريخية لا بد أن إحنا نواجه بها حجم الخيانة اللي عمله أنور السادات في نوفمبر سنة 1977، وللأسف الشديد أنا ما أعرفش إزاي الفكرة دي انتقلت للأمن القومي أو للمخابرات وفوجئت وأنا داخل القرية بطلقة رصاص بتنطلق، أنا طبعا ما أعرفش أن دي إشارة للاعتداء علي وبعدين فوجئت بقى بضرب النار بالبنادق الآلية من كل الاتجاهات من وراء ومن قدام ومن فوق ففعلا أصيب ابن عمي المرحوم علي، كان يوم الأربعاء وجئت يوم الخميس عملت مؤتمرا صحفيا وقلت فيه إنه بدأت حكاية الاغتيالات السياسية للرد على معارضة الصلح مع الكيان الصهيوني.
هشام مصطفى خليل/ نائب في البرلمان ونجل رئيس الوزراء المصري الأسبق: السادات رجل مؤمن رجل كان سبق عصره، الرئيس السادات رجل عظيم يعني كل البلاد العربية بيقولوا إن الرئيس السادات كان عنده حق، كل القادة العرب، يعني اللي عمله لمصر لا يقدر بثمن.
سمير عمر: لم يتمكن أحمد ناصر الليبرالي من توجيه تهمة الخيانة للرئيس السادات فناب عنه زميله الناصري كمال أحمد.
أحمد ناصر: يومها بقى وقف الله يرحمه كمال أحمد وقال دي خيانة -الله يمسيه بالخير كمال أحمد- وقال دي خيانة، خيانة، خاينة وشالوه واعتدوا عليه بالضرب، بالضرب المبرح.
سمير عمر: ورفعت جلسة البرلمان على هذا النحو لكن السادات وبعد أن وقع اتفاقية كامب ديفد ومن بعدها معاهدة السلام مع إسرائيل حمل وثائق الصلح وذهب مرة أخرى إلى البرلمان للحصول على موافقته.
أنور السادات: واتفقنا أخيرا ألا تكون هناك حرب بعد حرب أكتوبر.
سمير عمر: بالطبع صوتت الأغلبية لصالح السادات لكن 15 نائبا يمثلون قوى اليسار والناصريين والليبراليين والمستقلين صوتوا ضد الاتفاقية، 15 لا، في مواجهة 328 نعم، لكن السادات لم يقنع بذلك فقد كان يريدها موافقة بالإجماع فدعا المصريين في اليوم التالي لتلك الجلسة للاستفتاء على المعاهدة على حل البرلمان الذي وافق عليها وجاءت نتيجة الاستفتاء بالموافقة على الاثنين، فدعي المصريون مرة أخرى لانتخابات برلمانية جديدة فخسر جميع المعارضين مقاعدهم في البرلمان إلا واحدا هو رئيس نادي القضاة السابق ممتاز نصار.
حسين عبد الرازق: تم إسقاطهم جميعا ما عدا ممتاز نصار لوضع قبلي وانحياز القاضي الذي أشرف على إجراء الانتخابات لممتاز نصار وإعلانه النتيجة في الميكرفون في الدائرة قبل ما ترسل لوزارة الداخلية، كان وضعا خاصا.

سمير عمر: الآن أمسك الرئيس السادات بخيوط اللعبة كاملة وآن أوان دفع عجلة التطبيع بأقصى سرعة وفتحت أبواب مصر للإسرائيليين لأول مرة، دخلوا مصر آمنين ومحميين بمعاهدة تعلو ولا يعلى عليها من اتفاقات أبرمتها مصر سابقا، وتوافد القادة الإسرائيليون لزيارة مصر.
هشام مصطفى خليل: ابن عزرا وايزمن جاء مع والده يمكن ثاني أو ثالث مرة عزرا وايزمن يصل فيها إلى مصر وقال لي أنا عايز أجيب ابني معي، قلت له بكل سرور ادعه يجي يقعد وأنا حأخرجه يخرج معي ويشوف أصدقائي، وجاء الولد ما كانش عايز ينزل من الطيارة كان بيعيط، خائف عنده خوف جامد جدا كان خائفا هو ماشي في الشارع ماشي معه حراسة وكده ومرعوب، يوم وراء الثاني قعد مع المصريين، اتخضوا، كان بينزل يقعد على القهوة في الحصين، نزلنا خان الخليلي وأخذناه ونزل قعد على القهوة، الناس كانت بتسلم عليه وعرفوا أن هو ده ابن عزرا وايزمن يعني فأحس بالأمان، كل مخه اتلخبط ما كانش عايز يسافر.
سمير عمر: وبينما كانت الوفود الإسرائيلية تتوالى لزيارة مصر كانت قوات الاحتلال تبدأ انسحابها من سيناء ليرتفع علم مصر مجددا في سماءها، فرح المصريون بعودة الأرض لكن حركة مقاومة التطبيع والتي اشتد عودها كانت تجهز لمعركة جديدة ضد الرئيس السادات. القاهرة في 26 فبراير عام 1980، الرئيس السادات يستعد لاستقبال إلياهو بن أليسار أول سفير إسرائيلي بالقاهرة وأحزاب معارضة وبدعوة من رئيس حزب العمل إبراهيم شكري تعلن رفع مليون علم فلسطيني في شوارع مصر ردا على رفع علم إسرائيل فوق بناية في شارع محي الدين أبو العز بحي المهندسين، والكاتب بصحيفة الأهرام أحمد بهجت يعلن رفع علم فلسطيني آخر في ميدان قلبه الواسع ردا على هذا المغروس حديثا في قلب مصر. لكن مهلا فالمشهد لم يكتمل بعد، فهناك وعلى بعد أقل من مائة كليو متر من قلب العاصمة من يتهيأ لشيء آخر، إنه سعد إدريس حلاوة فلاح قرية أجهور الكبرى بمحافظة القليوبية والمولود قبل انتصاف القرن العشرين والمنتمي لثورة يوليو وزعيمها جمال عبد الناصر.
جمال عبد الناصر/ الرئيس المصري الراحل: لن نكون ذيلا لكتلة من الكتل، سياستنا بتنبع من بلدنا.
سمير عمر: ركب سعد دراجة بخارية وتوجه صوب الوحدة المجمعة بوسط قريته الصغيرة واحتجز عددا من الموظفين كرهائن مطالبا الرئيس السادات بإلغاء معاهدة الصلح مع إسرائيل وطرد سفيرها إلياهو بن أليسار الذي كان أحد المخططين للعدوان على مصر عام 1956.
شفيق أحمد علي/ كاتب صحفي وحقق في حادثة سعد حلاوة: كان عاوز يعبر عن رفضه أنه ضد التطبيع أنه ضد التعاون مع إسرائيل قبل حقوقنا أو التطبيع معها قبل ما نحصل على حقوقنا، ما نقدمش ورقة الضغط اللي معنا كرتا على بياض، فدخل على موظفي الوحدة المجمعة احتجزهم لغاية ما الناس اتلمت وبدأ يقولهم إنه يا جماعة اللي بيحصل في مصر النهارده جريمة، السادات بيستقبل جاسوسا دلوقت علشان يبقى سفيرا للكيان الصهيوني في مصر وأنا عندي اثنين رهائن مش حأفرج عنهم إلا لما أسمع في الراديو بيانا بيقول إن السفير الإسرئيلي طرد من مصر.
سمير عمر: تسلم السادات أوراق اعتماد بن أليسار وبعدها بقليل كان صوت عبد الناصر ينطلق من الحجرة التي يحتجز فيها سعد حلاوة اثنين من الموظفين.
جمال عبد الناصر: إن الموت أيها المواطنون حق على كل فرد منا ولكن إذا متنا يجب أن نموت بشرف ويجب أن نموت بكرامة.
سمير عمر: وكان صوت عبد الحليم حافظ ينشد..
[أغنية فدائي لعبد الحليم]
سمير عمر: وكان صوت سعد حلاوة يردد اطردوا الصهاينة من مصر. تحركت قوات الأمن من قلب العاصمة لإسكات الأصوات الثلاثة واحتشد أهل القرية لمتابعة ما يدور، وقبل أن تشرق شمس اليوم التالي على القرية الصغيرة كانت المهمة قد انتهت.
شفيق أحمد علي: مدير الأمن قال لي إنه كان القرار لما اللواء وزير الداخلية اللواء النبوي إسماعيل وصل كان القرار من الرئيس السادات بتصفيته فورا، ليه يا سيادة اللواء؟ مدير الأمن قال لي لأن ده على بعد خطوات من القاهرة، نصف ساعة، فكان من الممكن أي حد في مصر يفكر يعمل نفس العملية دي وده إحنا شعب مصر شعب مصر في حاله مش من حقه يقول الكلام ده، هو سعد ولا غير سعد حيعرف أحسن من السادات؟
سمير عمر: رحل سعد ووصفته الصحف القومية صباح اليوم التالي بالمجنون، فكتب الشاعر العربي نزار قباني يرثي مجنون مصر الجميل كما سماه.
نزار قباني/ شاعر سوري راحل: أنا شخصيا أحب المجانين وأعتبر نفسي عضوا طبيعيا في حركتهم وأعتبرهم أشجع وأصدق حزب سياسي يمكن أن ينضم إليه الإنسان العربي، سعد حلاوة هو الأصدق والأصفى والأنقى، سعد حلاوة هو مجنون مصر الجميل الذي كان  أجمل منا جميعا، إنه خنجر سليمان الحلبي المسافر في رئتي الجنرال كليبر، هو كلام مصر الممنوعة من الكلام وصحافة مصر التي لا تصدر وكتاب مصر الذين لا يكتبون وطلاب مصر الذين لا يتظاهرون ودموع مصر الممنوعة من الانحدار وأحزانها الممنوعة من الانفجار.
سمير عمر: وبقيت سيرة سعد حلاوة الذي يرقد جثمانه في هذا القبر دون أي علامة على أن الراقد تحت هذا الثرى هو أول من دفع عمره ثمنا لمقاومة التطبيع، بقيت سيرته ملهمة لمعارضي الصلح مع إسرائيل وتمنى المخرج هشام أبو النصر أن يقدم قصة سعد في فيلم سينمائي لكن الحلم لم يتحقق، غير أنه أطلق بعد رحيل سعد بسبع سنوات أول رصاصة سينمائية في وجه التطبيع، فيلم" العصابة"
[مشاهد من فيلم العصابة للمخرج هشام أبو النصر]
هشام أبو النصر/ مخرج سينمائي: العصابة هي إسرائيل وأميركا، ده بلا شك ده السهل الذي تستنتجه، وماذا عن أعوانهم؟ وهو حد يقدر يخترق بيتك أو بيتي من غير حد يساعده؟ إن ما كانش أهل بيتك يبقى حارس العمارة يبقى الجيران يبقى يعني ناس من أهل بلدك، فطبعا العصابة التي تتكون من إسرائيل وأميركا أولا ومن عملائها في مصر ثانية، ودي واضحة بقى.
سمير عمر: حورب الفيلم ومنعت الرقابة على المصنفات الفنية عرضه فدافع عنه رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي آنذاك سعد الدين وهبة والذي كان حائط صد قوي في وجه التطبيع وعرض الفيلم في إحدى حفلات المهرجان دون حذف رغم أنف مقص الرقيب.
هشام أبو النصر: الرقيبة التي كانوا يلقبونها المرأة الحديدية نزلت على السلم ترتعش وتنتفض دي ست أنا عارف أنها رقيقة من أيام حتى الأفلام الأجنبية. دخلت لها قلت لها طيب في لقطات نتفاوض عليها في.. قالت لي لا، بصراحة أعترف، عداك العيب، الفيلم ما يتشالش منه لقطة بس بصراحة أنا حأوقفه كله أمنعه كله لأن حرام أشيل منه لقطة، ده هو كله يتشال. اتعرض الفيلم سعد بقى أصر لأن كان عندي نسخة أخرى وعرضها في منتصف الليل يعني الرجل كان عظيما -مش محتاج شهادتي أنا- في المهرجان بس، فأصدرت قرارا بمنعه، عملت لجنة تظلمات فلجنة التظلمات بالإجماع قالت يعرض كاملا وليس يمنع كاملا.
سمير عمر: مباشرا كان الفيلم وصادما أيضا لكنه حفظ لصاحبه موقع الريادة في سينما مقاومة التطبيع، تعرض الفيلم بشكل مباشر بدعاوى أن السبب في العداء للتطبيع هو الحاجز النفسي الذي يفصل بين المصريين والإسرائيليين.
[مشاهد من فيلم العصابة]
سمير عمر: البعض كان يؤمن بذلك ونجح أيضا في تجاوز هذا الحاجز النفسي.
هشام مصطفى خليل: في حاجز نفسي موجود لدى الشعب المصري، في حاجز نفسي موجود لدى الشعب الإسرائيلي.
سمير عمر: أنت شفيت تماما من الحاجز النفسي..؟
هشام مصطفى خليل (مقاطعا): أنا خالص، أنا شفيت تماما من الحاجز النفسي أنا ما عنديش حاجز نفسي على الإطلاق.
[فاصل إعلاني]
[أغنية يا اسكندرية لمحمد منير]
سمير عمر: بل إن هناك من تجاوز هذا الطرح وسافر إلى إسرائيل وأبرم مع رجال أعمال فيها صفقات تجارية بل ودافع عنها، إنه المحامي السكندري ممدوح زخاري.
ممدوح زخاري/ محامي ورجل أعمال: والله إسرائيل دول أولاد عمنا، دي بالتاريخ والدين، وليه ما نتقبلهمش؟ إذا كانت النية صافية إحنا نتقبلهم، فيها إيه لما نحترم إسرائيل؟ ما هي بتحترمنا. فيها إيه لما نطبع مصريين عن طريق الشعب مش عن طريق المسؤولين؟
سمير عمر: يمثل زخاري من وجهة نظر صناع الفيلم أحد أفراد العصابة التي يجب على المصريين التصدي لها.
[مشاهد من فيلم العصابة]
ممدوح زخاري: ..يللا خذها بشرط ما تتدخلش في حريتي الخاصة. مع احترامي لرجال الداخلية كلهم يعني أنا حبي لإسرائيل دي أكثر من حبي لوزارة الداخلية.
سمير عمر: عرض العصابة عام 1987 وهو العام الذي شهد أيضا آخر عمليات تنظيم ثورة مصر والتي كان شارع كورنيش النيل قرب حي مصر القديمة مسرحا لوقائعها.
نظمي شاهين/ أحد أعضاء تنظيم ثورة مصر: سنة 1987 كانت العملية كانت ضد الأميركان اشتركت وزملائي في.. ودي كانت العملية دي شروع في قتل، إصابات، تم إصابة كل من جون هونك، جون فورد، دنيس وليام وده يعتبر مسؤول الأمن في الشرق الأوسط في المخابرات الأميركية CIA .
سمير عمر: قبل هذه العملية نفذ التنظيم ثلاث عمليات، الأولى ضد زيفي كادار مسؤول الأمن بالسفارة الإسرائيلية بالقاهرة، أصيب كادار في العملية لكنه أصاب زعيم التنظيم محمود نور الدين أيضا. ثم أسل تنظيم ثورة مصر جثة أحد رجال الموساد العاملين بالسفارة الإسرائيلية بالقاهرة ألبرت أتراكشي أرسلوا جثته إلى الجحيم على حد تعبير بيان التنظيم آنذاك. العمليتان نفذتا في منطقة المعادي التي يقطنها غالبية موظفي السفارة الإسرائيلية بالقاهرة.
نظمي شاهين: العملية الأولى كان تم فيها تبادل إطلاق نار مع مسؤول أمني في المخابرات الإسرائيلية زيفي كادار دي اشترك فيها محمود نور الدين وأحمد عصام ومحي الدين عدلي والمقدم أحمد علي.
سمير عمر: أما العملية الأكثر نجاحا وتنظيما من بين عمليات التنظيم فقد كانت عملية معرض القاهرة الصناعي في 19 مارس عام 1986.
نظمي شاهين: العملية دي تم فيها اغتيال إيلي تاور ودي إحدى المسؤولات الهامة في المخابرات الإسرائيلية.
سمير عمر: تجلت في عمليات ثورة مصر قدرة معارضي التطبيع على إلحاق الهزيمة بالمعسكر التطبيعي بالسلاح هذه المرة. تأسس التنظيم على يد محمود نور الدين مسؤول الأمن بالسفارة المصرية بلندن قبل أن يستقيل احتجاجا على الصلح مع إسرائيل، عاد نور الدين إلى القاهرة بعد رحيل الرئيس السادات وشرع في بناء التنظيم الذي ضم في البداية عددا من رجال القوات المسلحة المصرية لكن سرعان ما اتسعت دائرة التجنيد لتضم آخرين من مختلف الفئات لكنهم ينتمون في غالبيتهم للطبقة الشعبية، لم يلتحق أي منهم بأي حزب سياسي لكنهم جميعا كانوا ينتمون للتجربة الناصرية وينتمون قبل ذلك لمزاج مصري عام يرفض التطبيع مع إسرائيل، وحمل التنظيم اسم ثورة مصر الناصرية.
نظمي شاهين: احنا ما لناش علاقة خالص كانت بالسياسة ولا بأي شيء ولكن نحن لنا علاقة في تكويننا في الجذور، ولكن أوضح في الأول أن محمود نور الدين زعيم التنظيم هو ناصري، لكن دعني أجاوب على حتة أنا ناصري أو في آخر زي حمادة شافعي ناصري وإلا لا، أو سامي، أنا بأعتبر نفسي ناصري بالفطرة، اللي زرع فينا الكراهة للصهيونية، اللي أحيا -زي ما قلت لك- كراهيتنا للصهيونية جمال عبد الناصر، اللي علمنا "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" جمال عبد الناصر.
سمير عمر: أربع سنوات فشلت أجهزة الأمن المصرية خلالها في القبض على أعضاء التنظيم الذي كانت قوته الضاربة تسكن حي عابدين القريب جدا من مبنى جهاز مباحث أمن الدولة، وكسب التنظيم خلال السنوات الأربع تعاطفا شعبيا غير محدود ليس فقط لأنه كان يستهدف رجال الموساد الإسرائيلي لكن أيضا لحرص عناصره على عدم إصابة أي مصري أثناء تنفيذ العمليات.
نظمي شاهين: ده كان يعني من أولويات أولويات عمليات تنظيم ثورة مصر عدم إصابة أي مصري، حتى الطلقة لو جاءت في الصاغ وعلشان تعمل ستيكرم تصيب حد بفضل الله سبحانه تعالى كنا بنعمل حسابها كويس جدا لأنه كنا بنخلي المدافع بتاعتنا الفوهات بتاعتنا داخل السيارة من جوه البريز من جوه وبكده كنا بنتفادى إصابة أي مواطن مصري، الكلام ده حيتضح في عملية الأميركان لأن عملية الأميركان إحنا عملناها كثير ونفس الـ system بتاعنا في المراقبة، السيارات اللي عليها رقم 57 هيئة سياسية، فوجئنا في مرة في عملية إحنا رايحين نعمل عملية ضد مسؤول ففوجئنا أن السواق مصري، واخد بال حضرتك، فألغينا العملية.
ضياء رشوان/ الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية: اتسمت عمليات ثورة مصر بطابع خاص من دقة التنفيذ دقة الإعداد استهداف الأشخاص المطلوبين بدون الإضرار بأي أشخاص آخرين بجانبهم، واتسمت هذه العمليات كما نعرف بطابع شخصي بمعنى إنها لم تكن تفجيرات تروع أو تصيب أشخاصا عديدين، كانت تستهدف أشخاصا محددين من قبل التنظيم معروفين للتنظيم تراقب خطواتهم جيدا من قبل التنظيم ثم يتم التنفيذ والذي تم في كل المرات بدقة متناهية بقتل أو إصابة الأشخاص المستهدفين وكانت هذه العمليات بهذه الطريقة لا تقترب مما يسمى بالعمليات الإرهابية بالطابع الواسع والتي كانت تستهدف شخصا أو اثنين ولكنها تصيب عددا أكبر من الأشخاص، وكانت أيضا هذه العمليات ذات الطابع الإرهابي الأوسع لا يتم الإعداد لها كما كانت عمليات ثورة مصر بطريقة دقيقة وبمراقبة المستهدف وبإصابته من ثم مقتل ثم بعد ذلك وهو الأهم الهروب بدون أن يكتشف أي أثر للتنظيم.
سمير عمر: لكن خلافا دب بين زعيم التنظيم وشقيقه أحمد عصام دفع الأخير الذي كان القائد الميداني للتنظيم إلى الإبلاغ عن التنظيم، لكنه لم يبلغ سلطات الأمن المصرية بل رأى أن السفارة الأميركية هي الجهة التي يجب أن يطرق أبوابها طلبا للحماية والمكافأة نظير الإيقاع برفقاء السلاح.
طلعت السادات: هو معروف أن هم تخانقوا مع بعض على الفلوس، محمود وأخوه، وأخوه راح بلغ السفارة الأميركانية واتشحن في صندوق من هنا من مصر راح أميركا اتحط تحت جهاز كشف الكذب والولد أقر بكل حاجة ورجعوه ثاني مصر.
نظمي شاهين: يعني أنا ما عنديش سبب أقوله يعني هي الخيانة خيانة مالهاش مبررات مالهاش أسباب عندي الخائن خائن يعني.
سمير عمر: وسقط التنظيم في قبضة سلطات الأمن المصرية ومثل الجميع أمام المحكمة إلا واحدا قال عنه المبلغ أحمد عصام إنه شريك شقيقه في قيادة التنظيم، وكان المتهم رقم اثنين في قائمة المتهمين، إنه خالد جمال عبد الناصر نجل الرئيس المصري جمال عبد الناصر.
نظمي شاهين: الدكتور خالد عبد الناصر كان بيتردد علينا في شقة التنظيم في شارع مصطفى حلمي المتفرع لشارع الثورة بألماظة، كان دائما يتردد على التنظيم يطمئن عليه بعد العملية أو قبل العمليات اللي بنقوم بها.
سمير عمر: كان خالد ونور الدين قد تعارفا في لندن حيث عمل نور الدين على تأمينه في العاصمة البريطانية، وتوطدت العلاقة بينهما بعد إصدار نور الدين صحيفة في لندن حملت اسم "23 يوليو"، لم تستمر الصحيفة أكثر من عام لنقص التمويل ورفض نور الدين عروض تمويل من عدة أقطار عربية كانت تناصب الرئيس السادات العداء. وفي الثمانينيات ظهر خالد على ساحة العمل السياسي دون الانخراط في أي من الأحزاب القائمة أو التي كانت ما زالت تحت التأسيس. ولكن كيف أفلت خالد عبد الناصر من الوقوع في قبضة سلطات الأمن رغم اعتراف أحمد عصام بأنه كان يقتسم قيادة التنظيم؟
نظمي شاهين: أقدر أقول، اللي أنا عرفته يعني، أن هو.. إحنا تم القبض عليه يوم 17/9/1987، هو 14/9/1987 الأمن راح له ومنعوه أن هو يتصل من أي حد من أفراد التنظيم علشان ما يبلغهمش وسفروه يوغسلافيا.
سمير عمر: وسافر خالد إلى يوغسلافيا التي كانت رغم رحيل زعيمها التاريخي تيتو تحتفظ بقدر كبير من التقدير لأسرة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، ورفض عبد الناصر الابن عروضا من أقطار عربية عديدة للإقامة فيها. أثار ورود اسم عبد الناصر الابن في قائمة المتهمين ردات فعل واسعة في العديد من الأقطار العربية وتشكلت لجان عدة للدفاع عنه وعن أعضاء التنظيم، وبذلت جهود دبلوماسية من قبل دول عربية وغير عربية طالبت الرئيس مبارك بالعفو عنه والإفراج عن عناصر التنظيم. وبعد نحو عامين عاد خالد إلى مصر ليمثل أمام المحكمة التي برأته بعد أن نفى علمه بالتنظيم ونفى انخراطه فيه. أحدث الحكم ببراءة خالد تفاؤلا في أوساط المتهمين الـ 19 الآخرين والذي كان بينهم نجل عضو مجلس قيادة الثورة حسين الشافعي ونجل شقيق الرئيس جمال عبد الناصر، كانا طبيبين ساهما في علاج عضو التنظيم حمادة شرف حين أصيب في عملية مصر القديمة، وسادت أجواء التفاؤل ذاتها في صفوف هيئة الدفاع التي كانت تضم نقباء المحامين في كل الدول العربية بالإضافة إلى محامين مصريين من مختلف الاتجاهات، لكن الحكم جاء بالإدانة للجميع وإن بمدد متفاوتة. توفي نور الدين في محبسه ولف نعشه في علم مصر في جنازة أكدت أنه بات رمزا لحركة مقاومة التطبيع، وخرج أعضاء التنظيم من السجن بعض انقضاء مدة واستقبلوا أيضا بحفاوة بالغة كما نظمت لبعضهم لقاءات جماهيرية احتفالية، في اعتذار متأخر من وجهة نظر البعض عن حملة تشويه إعلامي تعرضوا لها بعد إلقاء القبض عليهم.
طلعت السادات: دي ناس بتلعب مع بعض، لا فكر ولا رأي ده الحكاية حكاية فلوس وكان منهم قضية مخدرات أظن برضه، يعني دول لا قيمة ولا وزن ولا، ولا، ولا أي حاجة، دول شوية مرتزقة أرزوقية يعني، مش دول التاريخ، مش دول. لا.
نظمي شاهين: الناس اللي بتقول كده يعني بأعتبرهم أنهم ناس تابعة للصهاينة ما اعتبرهمش مصريين يعني، حد أرزوقي، فالأرزوقي حيشوف كل الناس أرزوقية يعني، فصعب توصل لهم المفهوم الوطني الانتماء الوطني.
سمير عمر: تعرض تنظيم ثورة مصر لحملة شرسة من قبل كتاب الصحف القومية القريبين من الحكومة، تماما كما وصف سعد حلاوة بالمجنون، لكن الحملة ضد رجال ثورة مصر كانت أعنف إلى درجة أن السفارة الإسرائيلية بالقاهرة ووفقا لصحيفة الأهالي وجهت شكرا رسميا لأحد كبار الكتاب المصريين ونقيب الصحفيين الحالي مكرم محمد أحمد على أحد أعداد مجلة المصور الذي كان يرأس تحريرها آنذاك بسبب هجومه على تنظيم ثورة مصر. لم يكن تنظيم ثورة مصر هو الوحيد الذي نالته مدافع مكرم محمد أحمد الصحفية، فقبله كان سليمان خاطر الذي كان مكرم محمد أحمد آخر من التقاه في محبسه قبل أن تعلن السلطات المصرية خبر انتحاره داخل زنزانته، فمن هو سليمان خاطر؟
[نهاية الجزء الأول]




 هي أشياء لا تشترى - الجزء الثاني


 
سمير عمر
طلعت السادات
ممدوح زخاري
 أحمد فؤاد نجم
هشام مصطفى خليل
نظمي شاهين
سمير عمر: منطقة رأس بركة بالقرب من طابا في الخامس من أكتوبر عام 1985، قبيل غروب الشمس بقليل كان الجندي سليمان خاطر يرابض عند نقطة حدودية قبل أن يقترب من منطقة حراسته سبعة إسرائيليين، حاول سليمان منعهم من المرور على اعتبار أنهم قد تجاوزوا الحدود المصرية فلم يلتفتوا له، حذرهم ثلاث مرات فتجاهلوا تحذيره فما كان منه إلا أن أطلق الرصاص فأرداهم قتلى.
أم عاصم/ شقيقة سليمان خاطر: سليمان كان على جهاز استطلاع واستخبار، جهاز مهم وكبير في البلد فكان ما ينفعش أن الإسرائيليين يطلعوا ويتجسسوا أو يشوفوا الجهاز اللي سليمان قاعد عليه، هذا اللي استفز سليمان.
أحمد أبو عاصم/ زوج شقيقة سليمان خاطر: طبعا سليمان أطلق النار قتل سبعة، سبعة هم اللي تعدوا على تراب البلد، طيب السلاح ده أنا واخده ليه؟ علشان أرقص به عشرة بلدي ولا علشان أدافع به عن تراب بلدي!
سمير عمر: ولد سليمان خاطر في قرية كياد بمحافظة الشرقية في ذات العام الذي أصدر فيه الرئيس المصري جمال عبد الناصر ما عرف بقوانين يوليو الاشتراكية عام 1961، وحين قصفت إسرائيل مدرسة بحر البقر بمحافظة الشرقية كان سليمان قد أتم عامه التاسع لكن مشاهد الدمار الذي لحق بالمدرسة ظلت ماثلة في ذاكرته.
أم عاصم: أول ما الضرب حصل في مدرسة بحر البقر كنا أطفالا فجئنا أنا وسليمان، سليمان سبقني أنا رجعت علشان أنا بنت وسليمان وصل لمدرسة بحر البقر وشاف الأطفال، أولاد أخوال أمي من هناك من المنطقة اللي فيها المدرسة، سليمان شاف الأطفال كان يعني حينهبل قعد يمكن أسبوع ما ينامش، رغم أن كنا أطفالا كنا في المدرسة بس سليمان تأثر بمدرسة بحر البقر جامد.
سمير عمر: هل استدعى سليمان من ذاكرته تلك المشاهد حين أطلق الرصاص على الإسرائيليين السبعة أم أنه كان فقط يدافع عن الموقع المكلف بحراسته؟ وهل كان سليمان واحدا من نشطاء مقاومة التطبيع في مصر أم أنه كان يؤيد الصلح مع إسرائيل؟
عزازي علي عزازي/ كاتب صحفي وصديق سليمان خاطر: سليمان نفسه قبل العملية كان يدافع عن صانع القرار المصري وكان لا يصدق أن can’t believed  قسمت سيناء إلى ثلاثة قطاعات أ، ب، ج، وأن السيادة المصرية في مشكلات حقيقية متعلقة بالسيادة المصرية في سيناء في ذلك الوقت حينما نشرت بنود الاتفاقية اتفاقية كامب ديفد ومعاهدة السلام فلكنه حينما ذهب بنفسه وكانت خدمته في هذه المنطقة في رأس بركة في مواجهة العدو مباشرة وتعامل معهم رأى يعني حجم ما يمكن أن يمارس من يعني دوس على السيادة المصرية وامتهان للكرامة المصرية.
أم عاصم: كان بيشوف الإسرائيليين بيعدوا وواحدة دخلت أسكرت صاحبه أو جندي في الموقع وأخذت السلاح بتاعه، وده ما عجبوش.
سمير عمر: تغيرت الصورة إذاً في عقل سليمان حين رأى الإسرائيليين يستبيحون تراب بلاده، وبهذا نطق في التحقيقات قبل أن يصدر عليه حكم بالأشغال الشاقة المؤبدة في الـ 28 من ديسمبر عام 1985، أودع سليمان السجن لكنه كان على يقين بأن قرارا بالإفراج عنه سيصدر عاجلا أو آجلا.
عزازي علي عزازي: كان عنده يقين فلاحي، يقين مصري قديم بأن السلطة -سلطة الدولة في مصر- بقدر دورها في حماية أمنها القومي لن تسكت وسوف يخرج وأن سجنه ده يعني عبارة عن خدعة وحيطلع من السجن بعد بس الهيصة ما تخلص وبعد ما إسرائيل يعني تحس أنه اتحاكم وأخذ المجرى القانوني، ولآخر لحظة كان يردد أن حسني مبارك يامّه -كان يقول لأمه وأخواته- وأبو غزالة مش ممكن يسيبوني في السجن.
سمير عمر: وفي اليوم السادس من شهر يناير عام 1986 أعلنت السلطات المصرية نبأ انتحار سليمان خاطر في محبسه. لم يقتنع أحد في معسكر مقاومة التطبيع بالبيان الحكومي عن انتحار سليمان.
أحمد أبو عاصم: استحالة، استحالة يكون سليمان خاطر انتحر استحالة من سابع المستحيلات، إحنا رتب لنا زيارة سليمان قبل استشهاده بيوم، طلب مني معجون أسنان، كتب في القانون، بدلة صوف، من التفكير المنطقي أن واحد حينتحر عايز كتب القانون قبلها بيوم ليه؟
سمير عمر: وجاء تقرير الطبيب الشرعي ليزيد الشكوك حول صحة رواية الانتحار.
أحمد أبو عاصم: الرجل اللي اتعلق من رقبته بيكون له صفة تشريحية معينة، أكيد لازم ذراعه يبقى مدلدل أكيد لازم يبقى مثلا عينيه بارزة أكيد لازم لسانه يبقى له شكل معين، سليمان خاطر لما دخلنا المشرحة ولقينا سليمان علشان نشوف الجثة وضعها إيه، لقينا ظوافر سليمان مكسرة نتيجة مقاومة، بيقاوم علشان يعيش مش بيستسلم علشان ينتحر ويموت، بيقاوم.
سمير عمر: تحول سليمان خاطر إلى رمز من رموز مقاومة التطبيع، وتضامن مع أسرته رموز الحركة الوطنية والثقافية في مصر وتحول منزل أسرته البسيط إلى مقر إقامة لهؤلاء جميعا، وانطلقت المظاهرات في مختلف محافظات مصر مطالبة بالثأر من قتلة سليمان.
أحمد أبو عاصم:  تضامن معنا كل أفراد جمهورية مصر العربية بدون استثناء من جميع الفئات، مثقفون، ممثلون، أدباء، علماء، بدون ذكر أسماء، مصر كلها وقفت مع أسرة سليمان خاطر, مصر كلها أحبت أن سليمان خاطر ده يكون فردا من أبنائها.
أم عاصم: الوضع كان في غاية الحزن على البلد كلتها فأبو كبير وفبوس وفي مصر عامة، ما فيش حد أعجبه الوضع اللي انعمل في سليمان خاطر، ما فيش، إن كان.. الله أعلم.
سمير عمر: طويت صفحة سليمان خاطر على المستوى الرسمي برواية الانتحار ولكن أسرته وأهل بلدته الصغيرة حفروا اسمه في قلوبهم كشهيد دافع عن تراب وطنه قبل أن يحفروه على نصب تذكاري يحمل أسماء الشهداء من أبناء القرية، وبعد رحيل سليمان بسنوات شاع في القرية أن إسرائيل تخطط لخطف جثمانه فاكتتب أبناء القرية لبناء مقبرة تليق بمكانته في قلوبهم، مقبرة تحولت إلى مزار ليس لأسرة سليمان وحسب بل لمقاومي التطبيع والمقتنعين بأن إسرائيل ستبقى العدو رقم واحد للمصريين والعرب، ومن بين هؤلاء شرقاوي آخر يسكن قرية لا تبعد أكثر من مائة كيلو متر عن قرية سليمان خاطر، إنه أيمن حسن. في 26 من نوفمبر عام 1990 وفي الساعة السادسة صباحا كان أيمن حسن قد أنهى استعداده لتنفيذ عملية خطط لها قبل أكثر من شهر ودرب نفسه على تنفيذها عشرات المرات.
أيمن حسن/ منفذ عملية فدائية ضد عسكريين إسرائيليين: المفروض مني أجري خمسة كيلو وثلاثة كيلو يبقى ثمانية، أوصل الثمانية كيلو دول وأبدأ أشتغل مع ناس لعنهم الله مستريحين، نبدأ نجري أنا وهم قصاد بعض فأنا أجري ثمانية كليو وأوصل أجري قدامهم كمان فلازم أنا أكون أنا متدرب لا يقل عن 15 كيلو ولذلك أنا كنت بأتدرب يوميا 15 كيلو جري على مرحلتين مرحلة رايح مشروع عثمان أحمد عثمان ومعي جرك ماء كبير جري سبع كيلو ونصف وأنا راجع أعبي جرك المياه وأطلع به الجبل جري برضه سبع كيلو ونصف.
سمير عمر: في 18 من نوفمبر عام 1967 وبينما كانت مصر تحاول نفض غبار النكسة ولد أيمن لأب كان يعمل بشركة أوتوبيس شرقي الدلتا بقرية الغنيمية بمحافظة الشرقية، بشهادة الميلاد ينتمي أيمن حسن لجيل تشكل وعيه في سنوات الصلح مع إسرائيل، لم ينتم لأي حزب من الأحزاب ولم يشارك في أي مظاهرة لمقاومة التطبيع، كان مواطنا عاديا فلاحا من فلاحي مصر المنذورين للزرع والحصاد لكنه في لحظة من اللحظات امتزج فيها العام بالخاص قرر أن ينفذ عملية فدائية بكل ما تحمله الكلمة من معاني ضد جنود إسرائيليين، فما هي الأسباب التي دفعته لذلك؟
أيمن حسن: شفت عسكري إسرائيلي بيمسح جزمته بعلم مصري والعلم ده كان وقع من نقطة جنب نقطتي اسمها رأس النقب، طار العلم ودخل جوه أخذه العسكري الإسرائيلي وفي حركة استفزازية مسح به جزمته، في ساعة نبتشيتي، وبعدين بعد أربعة أيام يعني عمل حركة وحشة جدا على العلم فأنا في ساعتها قررت قلت له طلبت موتك يا عجل، فكان القرار مني أنا أن ده عمل كده جزاؤه الموت، في خلال تسعة أيام بحسب معاد الدوريات بتاعته بيجي إمتى وبيروح إمتى على أساس أنني حأنزل وأتسلل ثلاثة كيلو داخل العمق علشان أعرف أضربه طلقة مضبوطة، حصلت مذبحة المسجد الأقصى ولذلك كان التفكير أنني أغير من مجرد عسكري لهدف أثقل، رد فعل طبيعي للي بيحصل لنا على يد الإسرائيليين.
سمير عمر: أنهى أيمن حسن تنفيذ العملية بعد أن قتل وأصاب من الإسرائيليين جميع من ألقى بهم القدر في طريقه بعد اختراقه الحدود الإسرائيلية وعاد بإصابة سطحية في جبهته.
أيمن حسن: في عربية جيب شيفر 2 جهاز تباع مخابرات جيش الدفاع الإسرائيلي طالعة يعني وهم مقابلة في الثلاثين متر، في طلوعها غيرت الخزنة وتذكرت قول الله تعالى{..وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رمى..}[الأنفال:17] نشنت عليه ضربت دفعة دفعة في وجه العربية وقفت على بعد أربعة متر مني، خرجت من مكاني -في العمل العسكري عملية اسمها هجوم وإغارة من وراء العربيات- طوقتها، القزاز كسرته ببوز البندقية والطلقة بصيت لقيت هذا الصهيوني منكفئ على وجهه وماسك في يد رشاش عوزي واليد الثانية ماسكة أكرة بتاعة العربية، ضربته طلقتين تأكيد واحدة جاءت تحت باطه وواحدة جاءت تحت أذنه، فانزق، فتح الباب، لفيت الناحية الثانية وأبص عليه لقيته عميد في مخابرات جيش الدفاع الإسرائيلي، زقيته برجلي جوه العربية وقفلت الباب برجلي الثانية، ورجعت مكان الكمين مستني الأوتوبيس أو الأوتوبيسين لأن هم أوتوبيسين بيتحركوا من مطار رأس النقب أوتوبيس فنيين وعساكر وأوتوبيس ضباط، جاء الأول أوتوبيس الفنيين والعساكر، عمرت خزنة، طلعت من مكاني بأهجم على الأوتوبيس بأبص ما فيهوش حد، وبأبص كده لقيت الأوتوبيس الثاني، طلّعت البندقية من ورائي ضربت السواق والاثنين اللي وراءه، فرد الأمن، غطس لتحت أخذت الاثنين اللي وراءه، بأضرب من وضع الجاري وأنا رايح أركب الأوتوبيس أدخل عليهم في الباب لأن الأوتوبيس وقف وفتحوا الباب، بيني وبين الأوتوبيس ثلاثة متر اتقفل الباب واتسحبت الأجزاء من جوه وبدأ يرفع الرشاش لفوق ويضرب في دائرة لأن هو شافني آخر منظر شافني فيه وأنا في نص الإسفلت على بعد 30، 35 مترا، في وقت أنا كنت تحت الأوتوبيس بيني وبينه اثنين متر في جنب ناحية الباب، وهو بيلف الرشاش أخذت أنا طلقة هنا جاءت سطحية مفتوحة ست غرز.
سمير عمر: سلّم أيمن حسن نفسه للسلطات المصرية فمثل أمام محكمة عسكرية أصدرت حكما بسجنه 12 عاما في السادس من أبريل عام 1991، لقي أيمن معاملة حسنة من سجانيه وبعض قياداته من رجال القوات المسلحة.
أيمن حسن: في واحد قائد رتبة في الجيش المصري قال لي، يا ابني أنت حققت حلمي أنت حققت الحلم اللي أنا مش قادر أعمله.
سمير عمر: هو إذاً الاتفاق غير المكتوب بين غالبية المصريين الذين لم تنسهم المعاهدات واتفاقات الصلح أن بينهم وبين الإسرائيليين ثأرا لم تبرد ناره رغم مرور السنين.
أحمد فؤاد نجم/ شاعر: أخذ الحقوق تلابيد، تلبد لغاية.. نحن مش حننسى ثأرنا مش حننسى أولادنا اللي موتوهم تحت جنازير الدبابات وهم بملابسهم الداخلية وعاملين كده ومسلمين، مش حننسى ده حننسى إزاي يعني؟ الجماعة اللي فوق ما فيش بينهم وبين بعض دم، إحنا بينا وبين هذا الكيان دم وثأر ولازم حيخلص.
سمير عمر: وفي هذا فليتنافس المتنافسون، نقابات مهنية وعمالية اتخذت جمعياتها العمومية فور توقيع معاهدة الصلح بين مصر وإسرائيل قررات ترفض التطبيع وتحذر أعضاءها من مغبة التورط في أي نشاط تطبيعي، صحفيون ومحامون، أطباء ومهندسون، صيادلة وفنانون وعمال من مختلف الطوائف، وأندية وجمعيات تغطي مصر من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب.
عبد المنعم أبو الفتوح/ الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب: معروف أن هذه النقابات المهنية في مصر والاتحادات المهنية في مصر وعلى مستوى العالم العربي ليس الموجود فيها التيار الإسلامي إذا جاز أن أحدا يقول إن ده ظرف عابر يشكل نسبة قليلة جدا منه، ومن المعروف أن معظم النقابات المهنية في العالم العربي ومعظم الاتحادات المهنية ما زال موجودا فيها عدد كبير من الأخوة القوميين والأخوة الليبراليين والأخوة اليساريين، وهؤلاء كان لهم دور مقدر بالإضافة للتيار الإسلامي في مواجهة التطبيع واستصدار قرارات من الجماعات العمومية لهذه الاتحادات المهنية وللنقابات المهنية المصرية بشطب أي عضو في هذه الاتحادات أو النقابات يقوم بأي عمل تطبيعي مع الكيان الصهيوني.
سمير عمر: لم يخرج عن هذا الإجماع النقابي سوى لجان تابعة لوزارة الزراعة المصرية في عهد وزيرها الأسبق يوسف والي الموصوف من قبل المعارضة المصرية برجل التطبيع الأول في مصر.
عزازي علي عزازي: وزارة الزراعة تحولت إلى يعني نفق شديد الاتساع لكل أشكال التطبيع مع إسرائيل، كل أشكال التطبيع الشبابي الثقافي السياسي يمر عبر بوابة وزارة الزراعة بكل أسف، وزارة الزراعة المصرية التي تنتمي إلى يعني أعظم فلاح في التاريخ هو الفلاح المصري، صاحب صومعة غلال العالم، الفلاح المصري الآن صار في عرف النظام يعني تلميذا يتعلم من دولة إسرائيل.
طلعت السادات/ نائب في البرلمان ونجل شقيق الرئيس السادات: لا، ده هو شارون كان جاء أيام ما كان وزير زراعة جاء الصالحية وعلمونا زراعة الطماطم على السلك، لا، ما فيهاش حاجة دي، لا، إيه المشكلة دي؟ جابوا لنا الفرخة وعلمونا إزاي الفرخة تنزل بصفارين وبتاع والفرخة تبيض مرتين في اليوم، دي حاجات كلها هندسة وراثية وعلم، إيه دي فيها مشكلة دي؟ إيه يعني أنت محتج في إيه يعني؟ أن أنا آخذ علما منهم؟ ما آخذ يا أخي، إيه يعني؟ حتقول لي إحنا بنزرع بقى لنا سبعة آلاف سنة ومش دول اللي حيعلمونا، آه إحنا بنزرع الري بالغمر لكن الري بالتنقيط ده والري بالرش إحنا ما كناش نعرفه، إحنا أخذنا من الناس دي، دي مصالح، يعني هم يأخذوا البترول بتاعنا وأنت مش عاوز نأخذ منهم حاجة؟
سمير عمر: وعلى الرغم من هذا التطبيع الزراعي مع إسرائيل بقيت مؤسسات كثيرة تابعة للدولة المصرية ترفض التطبيع، في مقدمتها المؤسسات التابعة لوزارة الثقافة المصرية.
عبد المنعم أبو الفتوح: الشعب المصري وبكل قواه السياسية بما فيه مكونات البيروقراطية المصرية نفسها بفضل الله نجحت في عدم الوصول إلى هذا المستهدف الصهيوني، أين الحالة الصهيونية على الساحة المصرية على المستوى الاقتصادي أو الثقافي أو الفكري أو إلى آخره؟ أنا لا أقول إنها غائبة 100% لكنها ما زالت محصورة في بعض أروقة الحكم، حتى ليس كل أروقة الحكم لأن ما زال في أروقة الحكم هنا وهناك ومؤسسات الدولة ما زال عدد كبير منها يشغلها مصريون وشرفاء يدركون خطورة هذا الكيان على أمننا القومي يدركون خطورة هذا الكيان على تقدمنا وعلى حريتنا وعلى تحضرنا يدركون هذا وبالتالي بيتصدوا لكل محاولات الصهاينة لجعل العلاقات طبيعية.
حسين عبد الرازق/ الأمين العام السابق لحزب التجمع اليساري: مقاومة التطبيع الثقافي كانت الأنجح على الإطلاق وليس صدفة أن التطبيع مشي في مجالات كثيرة على المستوى الرسمي باستثناء المستوى الثقافي.
[فاصل إعلاني]
سمير عمر: شيد المثقفون والفنانون المصريون حائط صد منيع في وجه التطبيع مع إسرائيل في اللحظات الأولى بعد توقيع معاهدة السلام، وبعد رحيل الرئيس السادات حاول خليفته الرئيس مبارك إعادة بناء الثقة مع المثقفين المصريين والتقى بعد حلفه اليمين الدستورية كرئيس لمصر برجال الفكر والسياسة الذين أصدر الرئيس السادات قرارا باعتقالهم في أحداث سبتمبر عام 1981، كان مبارك واضحا في هذا اللقاء فمد يد التعاون لا يعني أن النية تتجه لتغيير الخط السياسي الذي انتهجه الرئيس السادات وبخاصة فيما يتعلق بالصلح مع إسرائيل، وبدا واضحا أن السنوات المقبلة ستشهد تمايزا بين الخيار الشعبي والخيار الرسمي في العلاقة مع إسرائيل. اجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان وأجبرت المقاومة الفلسطينية على الخروج فاحتجت مصر رسميا لكن هذا لم يرض حركة مقاومة التطبيع التي خرج رموزها لتحية المقاومة الفلسطينية عند مرورها بالشواطئ المصرية، بعدها شاركت إسرائيل في معرض القاهرة للكتاب عام 1985 فتصدى المثقفون المصريون لهذه المشاركة وتشكلت لجان بطول مصر وعرضها تصدت لعدة مؤتمرات ذات طابع علمي شارك فيها إسرائيليون واستضافت جامعة الإسكندرية عددا منها فيما كانت صالات بعض الفنادق الكبرى ساحة لها.
عزازي علي عزازي: ما زال حائط الرفض الشعبي للتطبيع مع إسرائيل قويا وشامخا ما زال أيضا حائط الصد الثقافي شامخا وعاليا ومانعا ومنيعا.
حسين عبد الرازق: خصوصا في مجال الثقافة والفن الدولة نفسها اضطرت أن تلتزم بالدعوة إلى مقاومة التطبيع.
سمير عمر: لكن وعلى الرغم من ذلك فقد تعرض هذا الحائط المنيع المقاوم للتطبيع لاختراقات من قبل بعض المثقفين فقد نجح الرئيس السادات في استقطاب بعض المثقفين لدعم وجهة نظره في الصلح مع إسرائيل كان أبرزهم الكاتب والمفكر الكبير توفيق الحكيم الذي كان أول كاتب مصري يتلقى أموالا من سفير إسرائيل بالقاهرة إيلياهو بن أليسار نظير توزيع أعماله في إسرائيل. مال الحكيم مع من مالوا لدعم خيار الرئيس السادات بالصلح مع إسرائيل، وسار معه آخرون وإن بخطى أبطأ كعميد الرواية العربية وصاحب نوبل نجيب محفوظ وكذلك يوسف السباعي الذي دفع حياته ثمنا لدعمه خيار السلام. لكن حركة مقاومة التطبيع كانت حريصة على هذه القامات الفكرية فحاولت فتح حوار معها لاستعادتها للصف المقاوم للتطبيع وحين فشلت بقيت علاقة الاحترام قائمة بقدر بقاء الخلاف وعمقه أيضا، لكن المشهد بدا مختلفا مع مثقفين آخرين ساروا في طريق التطبيع.
حمدين صباحي/ نائب في البرلمان ووكيل مؤسسي حزب الكرامة: أي مثقف مصري بيتجاسر على اجتياز هذه الحدود الوطنية التي هي جزء من حدود الأخلاق التي ينبغي أن تسود لدى المصريين والقيم الأساسية بيحس أنه ارتكب جرما وبينبذ، في نماذج للمطبعين في مصر أعتقد أنها تلقى احتقارا استثنائيا من قبل الجمهور العام عامة المواطنين مش بس في صفوف النخبة.
سمير عمر: ومن بين هؤلاء الكاتب المسرحي علي سالم الذي تعرض لهجوم عنيف بعد زيارته لإسرائيل منتصف التسعينيات وإصداره كتابا ضمنه مشاهداته عن تلك الزيارة.
أشرف زكي/ نقيب المهن التمثيلية: إحنا نقابتنا ضد التطبيع ورافضة التعامل مع العدو الإسرائيلي بأي شكل من الأشكال وإحنا النقابة الوحيدة اللي شطبت عضوا لأنه طبع مع إسرائيل وهو الأستاذ علي سالم ورغم أنه كاتب هام وكاتب كبير إلا أن النقابة نفذت القرار بتاع وقف أو منع التطبيع مع إسرائيل.
سمير عمر: كانت زيارة علي سالم لإسرائيل نتاج مرحلة الفتنة الكبرى في صفوف حركة مقاومة التطبيع التي أحدثها توقيع اتفاقات أوسلو ومن بعدها اتفاق القاهرة بين رابين وأبو عمار، وطفا على سطح حركة مقاومة التطبيع وبخاصة في الجناح اليساري منها من يؤيد خيار منظمة التحرير الفلسطينية ويرفع شعار "نقبل ما يقبله الفلسطينيون" وفي هذه الأثناء نجح المعسكر التطبيعي في الفوز بأسماء بارزة في حركة مقاومة التطبيع.
حسين عبد الرازق: اللقاء اللي تم في كوبنهاغن ونشأت عنه مجموعة كوبنهاغن واستقطبت عددا من العناصر اللي كانت محسوبة على مقاومة التطبيع والحقيقة لم نتردد لا حزب التجمع ولا قوى مقاومة التطبيع رغم الصداقة والعلاقات الإنسانية والتاريخ الطويل إن إحنا ندين هذا الموقف ونقاومه ونفضحه ونوقع بيانات واضحة ضد مجموعة كوبنهاغن وجمعية السلام المصرية ونفضح دورهم التخريبي في جبهة مقاومة التطبيع.
سمير عمر: ولكن القطاع الأكبر من اليساريين المصريين والناصريين بقي على موقفه الرافض للتطبيع بل والاعتراف أصلا بوجود إسرائيل، وحين عقدت جمعية السلام المصرية مؤتمرا لدفع عجلة التطبيع رد هؤلاء بمؤتمر في ذات التوقيت لمقاومة التطبيع.
حمدين صباحي: التعبير عن الوطنية المصرية والانتماء القومي العربي لمصر يكون أوضح ما يكون في العداء للوجود الصهيوني، مش بس رفض التطبيع، رفض وجود هذه الدولة أو أي شكل من أشكال التصالح معها.
سمير عمر: وفي الطريق ذاته سار التيار الإسلامي بمختلف تنظيماته وفي القلب منه جماعة الأخوان المصريين التي فرضت وجودها كلاعب رئيسي في ساحة مقاومة التطبيع بعد التراجع الشعبي لقوى اليسار والناصريين.
عبد المنعم أبو الفتوح: واعتقل عدد في هذه الفترة، عدد من الأخوان نتيجة البيان الذي صدر عن جماعة الأخوان المصريين يرفض الصلح مع الكيان الصهيوني، البيان كان واضحا أننا لسنا ضد اليهود كأبناء ديانة من الديانات السماوية الثلاثة ولكننا ضد المشروع الصهيوني المدعوم دعما غير محدود من الغرب، وبالتالي كان البيان واضحا في هذه المسألة البيان كان واضحا في رفض هذه الاتفاقية باعتبار الاتفاقية غير مشروعة لأنه لم يعد السادات فيها للشعب المصري وأن السادات اخترق كل المحرمات الوطنية حينما وقع هذه الاتفاقية.
سمير عمر: لعب التيار الإسلامي على الدوافع الدينية لمقاومة التطبيع وحمل خطابه المقاوم مزجا بين الديني والسياسي، وهو ما تنبه له الرئيس السادات الذي خلع على نفسه لقب الرئيس المؤمن واستعان ببعض شيوخ المؤسسة الدينية الرسمية لتمرير خياراته السياسية.
طلعت السادات: إحنا ناس مسلمون ومأمورون أن إحنا نجنح للسلم، ده أمر ده إحنا مأمورون أن تحيتنا هي السلام، ده ربنا سبحانه وتعالى اسمه السلام.
سمير عمر: وتصدى الأخوان المسلمون لهذا الخطاب تحت قبة البرلمان حين نجحوا في اقتناص عدد من مقاعد البرلمان بالتحالف مع أحزاب الأحرار والوفد والعمل تارة وبمفردهم تارة أخرى ودفعوا كذلك بعناصرهم الطلابية في الجامعات المصرية لكسب أرض جديدة لقوى مقاومة التطبيع كما أعادوا تثبيت راية مقاومة التطبيع في النقابات المهنية التي نجحوا في السيطرة عليها قبل أن تصدر الحكومة المصرية عدة قرارات بتجميد العمل فيها.
مصطفى مشهور/ المرشد العام للأخوان المسلمين: أي سلام مع هذه النوعية من الناس التي كلها حقد وكلها ضغينة ليس سلاما ولكنه استسلام.
عبد المنعم أبو الفتوح: أنا أتصور قوة التيار الإسلامي في المنطقة العربية وفي مصر بالذات قوة التيار اليساري والقومي في هذه المنطقة هذه أكبر ضمانة لاستمرار الوعي الشعبي بخطورة الكيان الصهيوني وما يترتب على ذلك  من استمرار المقاطعة وعدم التطبيع معها بأي شكل من الأشكال بدليل أن المقاطعة مقاطعة الكيان الصهيوني نجحت نجاحا كبيرا ليس في مصر فقط وفي الأردن.
سمير عمر: لم تقف المؤسسة الدينية الرسمية في مصر في وجه التطبيع ولكنها أيضا لم تتورط في عمليات تطبيع حتى تولى شيخ الأزهر الحالي الدكتور محمد سيد طنطاوي مشيخة الأزهر، طنطاوي وجد نفسه وجها لوجه مع قوى مقاومة التطبيع حين صافح الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في مؤتمر الأديان في العام الماضي إذ فتحت عليه تلك المصافحة أبواب الهجوم من كل صوب وحدب ووضعته في صفوف المطبعين الواجب التصدي لهم، وفي المقابل  وعلى الرغم من الاختلاف الديني بل والخلاف الفكري بين القوى المدنية في مصر والخطاب الديني المتشدد في بعض القضايا لبطريرك الكرازة المرقصية البابا شنودة الثالث فإن موقفه الرافض للتطبيع والذي وصل إلى حد شلح من يسافر إلى القدس من المسيحيين المصريين وضعه في مكانة خاصة لدى قوى مقاومة التطبيع ووضعه أيضا في مرمى نيران المطبعين من المسيحيين المصريين.
ممدوح زخاري/ محامي ورجل أعمال: أنا آه أحترم البابا كرجل دين إنما أن البابا يتدخل في السياسة أقول له لا، أنا ما أعترفش بك بابا أعترف بك كسياسي، سيب الكهنوت تدخل المعترك السياسي. آه أنا مضطهد من الكنيسة الأرثوذكسية على فكرة ولا بأروح ولا بأصلي، أنا علاقتي ما بيني وبين ربنا. أنا بأقول للبابا لا، زي ما السادات ما قال، قال أنا مش معترف بالبابا أنا كمواطن مسيحي بقى بأؤكد كلامك يا سادات أنا مش معترف بالبابا وعارف الكنيسة بتشلحني إنما مش مشكلة أنا علاقتي مع ربنا. مش لما أموت يجي القسيس يصلي علي أنا ممكن أقبل شيخ يصلي علي صديقي يصلي علي جار يصلي علي ما حدش يصلي علي، مش مشكلة.
سمير عمر: تأثرت حركة مقاومة التطبيع في مصر بالمصالحة التي أبرمها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مع إسرائيل وبخاصة بعد أن رأت الحكومة المصرية أنه قد آن الأوان للإسراع بعمليات التطبيع وبدأ شباب مصريون ضاقت أمامهم سبل الرزق في السفر لإسرائيل وظهرت لأول مرة في ريف مصر إعلانات لتنظيم السفر إلى قلب إسرائيل.
هشام مصطفى خليل/ نائب في البرلمان ونجل رئيس الوزراء المصري الأسبق: أنا لما يكون عندي مواطنون بيشتغلوا في إسرائيل أنا عندي يد عاملة اليد العاملة دي قوة أنا لازم أستفيد بالزيادة السكانية اللي عندي أما أنا أستفيد بالزيادة السكانية وتبقى مصدر تصدير للخارج أنا متهيأ لي إسرائيل هي اللي تخاف مش أنا اللي أخاف.
حمدين صباحي: ضاق يعني ضاقت أمامهم سبل الحياة وحتى راحوا إسرائيل، أنت لو أجريت تصويتا عليهم هم كمان ضد التطبيع، بدون ما تكلم واحد يعني إيه حكاية يعني الشباب رايحين إسرائيل؟ طيب كم شاب بيغرق في البحر مش بيروح إسرائيل من المصريين في الهجرة غير الشرعية، كم شاب بيركب قارب عارف أن فرصته في النجاة أقل من احتمال موته؟ الذين يذهبون إلى إسرائيل من المصريين تماما زي اللي بيروحوا بيموتوا في البحر قبل ما يصلوا لشواطئ إيطاليا أو يهاجروا لأوروبا بيستجيروا من الرمضاء بالنار، والرمضاء هي سياسة الحزب الحاكم، الفقر الفساد البطالة فالناس بتهرب.
سمير عمر: بل ووصل الأمر إلى زواج العشرات من المصريين من فتيات إسرائيليات وكانت شواطئ شرم الشيخ ودهب وطابا مسرحا للقاءات متكررة بين شبان مصريين يبحثون عن فرصة عمل وفتيات إسرائيليات جاء بعضهن للبحث عن المتعة وجاء البعض الآخر بحثا عن فرصة لتجنيد عدد من المصريين للتجسس لحساب إسرائيل. تزايدت موجات السياحة الإسرائيلية على سيناء المفتوحة أمامهم وفقا لمعاهدة السلام بدون الحصول على تأشيرة وحاولت حركة مقاومة التطبيع التصدي لهذه الظاهرة وساعدهم في ذلك الكشف عن قضايا تجسس لصالح إسرائيل وقناعة قطاعات عريضة داخل النظام المصري بالخطر الإسرائيلي.
هشام مصطفى خليل: أنا ما عنديش أعداء، مصر مالهاش أعداء النهارده، أنا ما أعتبرش أي شخص أي بلد على حدودي عدوي أنا عندي اتفاقيات سلام وعندي علاقات دبلوماسية فأنا ما عنديش أعداء ما عنديش عدو ما عنديش عدو بيهددني ما عنديش عدو بيهدد أمن بلدي، في قضايا تجسس التجسس موجود على طول ما في قضايا تجسس بين أميركا وإسرائيل.
حمدين صباحي: إنما كان على التطبيع حاجة واحدة بس اللي بيلعبوا في دائرة الحكم الذين يريدون تأمين كراسيهم في السلطة باعتبار أن هناك مشروطية إقليمية عن بقائهم في السلطة هي رضا إسرائيل ومشروطية دولية هي رضا البيت الأبيض الأميركي، فقط، وعجزهم عن الدخول في مواجهة لأنهم مش عاوزين يتحملوا كلفة الكرامة لأن الكرامة واستعادة الحقوق مكلفة مش مجانا.
سمير عمر: وقدم اليمين الإسرائيلي المتطرف باعتداءاته المتكررة على الفلسطينيين قدم لحركة مقاومة التطبيع أدوات جديدة للمقاومة، ففي هذه الأثناء وقعت مذبحة الحرم الإبراهيمي فخرجت المظاهرات المنددة بتلك الجريمة وبعدها دعت مصر إسرائيل للمشاركة في معرض القاهرة الصناعي والزراعي فاشتعلت جذوة الرفض الشعبي من جديد وجاءت جامعة عين شمس في مقدمة القوى الرافضة فردت الحكومة المصرية باعتقال نحو خمسين من قيادات الحركة الطلابية وممثلي القوى السياسية المعارضة للتطبيع.
شريف زيفر هلالي/ باحث قانوني وحقوقي: طوال أسبوع ما قبل المعرض تقريبا ظهرت كثير من المظاهرات من جانب الطلاب ضد هذه المشاركة كان بيتخللها طبعا هتافاتهم ضد إسرائيل وضد الكيان الصهيوني وضد ممارساته في فلسطين التي تعارض حقوق الإنسان، في أواخر هذه المظاهرات وتحديدا يوم 21 مارس تم القبض على عشرات الطلاب وهم أثناء خروجهم من باب الجامعة وهوجموا بعشرات من قوات الأمن وقبضوا على كثير منهم تقريبا كان 25 واحدا قبضوا عليه في اليوم ده أخذوهم وأنا كنت منهم لأننا أخذونا وودونا مبنى مباحث أمن الدولة، سمعنا وإحنا جوا أن اللي حصل ساعة ما بدأ المعرض بالفعل كثير من القوى السياسية ومنهم محامون كانوا حضروا معنا التحقيقات عملوا مظاهرة في أول يوم في المعرض ويمكن قبل ما يبدؤوا المظاهرة تم القبض على الناس كلها يعني أثناء تعليقهم ليفط الاحتجاج وكده تم القبض عليهم والاعتداء عليهم وضربوهم واقتيادهم للسجن وهم حصلونا بعد كده، يعني هم احتجوا على مشاركة الكيان الصهيوني في المعرض ودفعوا ثمن احتجاجهم ده أن هم تم القبض عليهم وإلقاؤهم في السجن.
سمير عمر: وفي سياق حملة التحذير من الخطر الإسرائيلي لعبت الصحافة الحزبية والمستقلة الوليدة دورا هاما وتوارى الصحفيون المدافعون عن التطبيع ووصل الأمر إلى حد مطالبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإغلاق بعض الصحف المصرية واستعانته بحلفائه في واشنطن لوقف حملات الهجوم التي تخوضها ضده الصحافة المصرية. وجاء العام 2000 ليشهد تفجر انتفاضة الأقصى التي أعادت الروح لحركة مقاومة التطبيع على المستوى الجماهيري وانتقل الهجوم على إسرائيل من صفحات الجرائد لشوارع مصر وجامعاتها ومؤسساتها المختلفة، غضت الحكومة المصرية الطرف عن تلك التحركات المعادية لإسرائيل بل وشاركت في حملة التعبئة الشعبية ضدها  وذهب الرئيس مبارك لزيارة الجرحى الفلسطينيين الذين توافدوا على المستشفيات المصرية لتلقي العلاج وبدا أن الموقف الرسمي يحاول الاقتراب من حالة الغضب الشعبي المتصاعد، لكن شتان الفرق بين موقف رسمي مصر على الالتزام باتفاقات ومعاهدات وموقف شعبي لا يعترف بتلك القيود.
حسني مبارك/ الرئيس المصري الحالي: الاتصالات مستمرة لحد دلوقت وأتمنى أن القمة تعقد في الفترة 21 أو 22 من الشهر الحالي... إن النتائج التي توصلنا إليها في هذا الاجتماع قد لا ترقى لمستوى النتائج التي توقعتها شعوبنا.
سمير عمر: سحبت الحكومة المصرية رجالها من ساحة الهجوم على إسرائيل وعادت لوضع التحركات الشعبية المقاومة للتطبيع تحت مجهر السلطات الأمنية وتحت سيطرة قبضتها الحديدية بل وبدأت في التقدم على طريق التطبيع في تحركات وصفها البعض بمحاولة الهروب من وضع داخلي متأزم بسبب التحركات الشعبية المطالبة بالإصلاح السياسي والتي انتعشت في العام 2005 ووصلت إلى حد الصدام الخشن بين الحكومة والمعارضة، وبدا أن النخبة المصرية قد بدلت في جدول أولوياتها لصالح معركة الإصلاح الداخلي.
عزازي علي عزازي: أنا تقديري أن سلم الأولويات في البرنامج المطلبي للمعارضة المصرية ينبغي أن يعاد ترتيبه من جديد وأن تتصدره قضية التطبيع باعتبارها قضية ليست فقط تتعلق بالكرامة الوطنية والقومية والتاريخ النفسي للشعب المصري ولكن تتعلق بأموره الحياتية.
سمير عمر: وقعت مصر اتفاقية الكويز مع إسرائيل والولايات المتحدة واتفاقية تصدير الغاز المصري لإسرائيل فعادت عجلة مقاومة التطبيع للدوران على أكثر من مستوى تحت قبة البرلمان وفي صحف المعارضة وفي ساحات المحاكم وفي الشارع أيضا ودفعت تلك التحركات بعض من أيدوا الصلح مع إسرائيل إلى الاحتجاج وشن هجوم على الحكومة المصرية.
طلعت السادات: اللي إحنا فيه النهارده ده زي ما بيقولوا أخوانا حالة انبطاح، إحنا مستسلمون استسلاما تاما لأميركا ولإسرائيل، وأنا غير راض طبعا عن الكلام اللي بيجرى دلوقت النهارده وباعتباري نائبا عن شعب مصر تحت القبة أنا بأرفض هذا الكلام تماما.
سمير عمر: واتسعت الفجوة أكثر وأكثر بين الموقف الرسمي والموقف الشعبي وذلك بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان إذ خرجت المظاهرات المنددة بالعدوان والمطالبة بقطع العلاقات مع إسرائيل لكن هذا لم يحدث وبقي علم إسرائيل يرفرف على البناية التي تضم سفارتها وتوافد عليها عشرة سفراء عاشوا جميعا في عزلة اعترفوا بها وأصاب بعضهم الاكتئاب فطلبوا العودة لإسرائيل لفشلهم في إقناع المصريين بالتطبيع. وتكرر مشهد الصدام بين الخيار الرسمي والخيار الشعبي في مصر بعد فرض إسرائيل الحصار على قطاع غزة ومن بعده اعلان الحرب على القطاع، حاولت الحكومة المصرية ترميم شعبيتها عبر فتح معبر رفح بشكل جزئي والقيام بدور الوسيط بين الفصائل الفلسطينية وبعضها البعض من ناحية وبينها وبين إسرائيل من ناحية أخرى، لكن هذا زاد من الغضب الشعبي الذي أنعشت مشاهد الحرب على غزة ذاكرته المعادية لإسرائيل والرافضة للصلح معها، لكن وعلى الرغم من نوبة الصحيان التي أحدثتها الحرب على غزة وعلى الرغم من صلابة الرفض الشعبي في مصر للتطبيع لم تسلم حركة مقاومة التطبيع من سلبيات.
عزازي علي عزازي: ينقسم الآن المثقفون أو النخبة إلى أهلي وزمالك، فريق يعني يخطف لاعبين من المعسكر الوطني إلى المعسكر الآخر لأنه معسكر يمتلك ترسانة اقتصادية ضخمة جدا وهذا هو الخطر الحقيقي على قضية التطبيع في مصر.
سمير عمر: فهل يعني ذلك أن مقبل الأيام سيشهد تقدما على طريق التطبيع أم أن حائط المقاومة سيزداد صلابة؟
أيمن حسن: ما فيش صداقة بيننا وبين إسرائيل ما فيش سلام بيننا وبين إسرائيل.
أم عاصم: كل البلد وكل الشعب المصري بيكره إسرائيل.
نظمي شاهين/ أحد أعضاء تنظيم ثورة مصر: ما فيش أي جيل حيجي يحب حاجة اسمها صهيونية على الإطلاق.
أحمد فؤاد نجم:
صلاح الدين ينادي من منامته
على النايمين على دم الضحايا
لا أنا منكم و لا أنتم من ولادي
إذا رضيتم بغير النصر غاية
ولا غير السلاح في الحرب يحكم
ويحسم في المشاكل والقضايا
افهموها بقى مش حينفع.. السلاح..


نأخذ بثأرنا الأول وبعدين نصطلح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق