الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014

مصر الإخوانية (5) !

 مصر الإخوانية (5) !

آيات عرابي


أثناء الحرب العالمية الثانية, وبعد الاحتلال النازي لفرنسا, بدأت تتشكل جماعات المقاومة السرية ضد الاحتلال, كانت البدايات صغيرة ولكنها مع الوقت اتخذت شكل المقاومة الفعلية ضد الاحتلال واصبح الالمان غير آمنين على أنفسهم في شوارع فرنسا المحتلة.

الانجليز كانوا ينسقون جهودهم مع مجموعات المقاومة طوال الوقت, فهم اصحاب مصلحة في هزيمة الاحتلال النازي, لم يمض وقت طويل حتي تداعت قوات النازي تحت ضربات المقاومة ثم بهزيمتهم في الحرب.

بعد هذا التاريخ بحوالي خمس سنوات اندلعت موجة من أعمال المقاومة في مصر ضد بريطانيا التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية, كان الإخوان المسلمون قد انشئوا الجهاز الخاص سنة 1940 وبدأت العمليات الفدائية ضد الاحتلال البريطاني منذ ذلك الوقت ولكن وتيرتها ازدادت بشدة مع بدايات الخمسينات.

كان النظام الخاص للإخوان يقوم بخطف القادة الانجليز ونسف طرق قوافلهم العسكرية ومهاجمة معسكرات الاحتلال ومخازن ذخيرته وصهاريج البترول التي تغذي قواته وينسفون الكباري التي تعبر عليها قوات الاحتلال وينسفون القطارات الحربية البريطانية التي تحمل الأفراد والمعدات وضرب دورياتهم بالقنابل وتدمير مدرعاتهم ونسف خطوط السكك الحديدية وعمل كمائن لقواتهم.

اشتعلت المواجهة بطول مدن القناة ولم يكن الجندي أو الضابط البريطاني يأمن على نفسه, ولم يكن الإخوان المسلمون هم وحدهم من يقاومون الاحتلال البريطاني, بل كان هناك آخرون ولكن الإخوان كانوا قلب المجموعات الفدائية ومنظموها وأصحاب أكبر العمليات وأشدها إيلاماً للمحتل البريطاني, كعملية مخازن أبو سلطان التي نسف فيها فدائيو الإخوان مخازن الذخيرة البريطانية في منطقة أبو سلطان وظلت الحرائق مشتعلة بها لعدة أيام.

في ذلك الوقت لم يكن للجيش كقيادة أي دور, لم يشارك في الأعمال الفدائية من الجيش سوى ضباط الجيش الإخوان, وكان للإخوان تنظيم أسسه الصاغ ( رائد ) محمود لبيب وهو الذي استلمه منه عبد الناصر قبيل وفاته وحوله إلى تنظيم الضباط الأحرار بعد أن ضم إليه الضباط الشيوعيين والمنحرفين أخلاقياً والرواية موجودة في مذكرات عضو التنظيم أحمد محمد حسنين *** وغيرها من الكتب.

و الآن عد بالتاريخ قليلاً إلى عهد محمد علي, واسأل نفسك لماذا لم يظهر تنظيم الإخوان المسلمين في عهد محمد علي أو العهود التالية عليه حتى سنة 1928 ؟ حتى على الرغم من خيانة محمد علي وقيامه بعرض خطة لاحتلال ليبيا وتونس والجزائر على رئيس الوزراء الفرنسي عبر القنصل الفرنسي* ؟, وعلى الرغم من مشاركته في توفير الطعام للحملة الفرنسية على الجزائر ! وعلى الرغم من خيانة حفيده الخديوي توفيق وتعاونه مع البريطانيين لاحتلال مصر وعلى الرغم من أن لجنة من علماء الأزهر اصدرت فتوى بمروق الخديوي توفيق من الدين لتعاونه مع المحتل ( أي اصدرت فتوى أنه مرتد ) والغت فرمان الخديوي, بعزل وزير الحربية أحمد باشا عرابي ؟ الإجابة شديدة البساطة, لأن جماعة الإخوان المسلمين نشأت كرد فعل على الغاء الخلافة ومحمد علي باشا, على الرغم من خيانته وخيانة أحفاده, الا أنه كان يحكم ( ظاهرياً ) في إطار الخلافة العثمانية, ولم تكن الخلافة قد الغيت بعد !

الإخوان المسلمون كما قلت في مقال سابق, ظهروا كجماعة كرد فعل على الغاء اتاتورك للخلافة الاسلامية, وهي الخلافة التي بشر الرسول عليه الصلاة والسلام بعودتها من جديد والتي اعلن ذلك العسكري المشوه جينياً في الأمم المتحدة أنها يحاربها, و التي اتهمت نيابة الإنقلاب الرئيس محمد مرسي بالسعي لإقامتها !

حاول أن تسأل نفسك قبل أن تردد كلاماً ضد فكرة الخلافة يتقيأه أحد العمائم المأجورة كالشيعي علي جمعة أو كالمخبر وزير الأوقاف أو غيرهم, لماذا انفقت بريطانيا كل تلك الأموال لمحاربة الخلافة في مصر, وفي الحجاز ولماذا عينت بريطانيا, ابن سعود** مندوباً لها في الحجاز بعد أن استخدمت الشريف حسين لمحاربة القوات العثمانية, ثم اعطت أولاده الأردن ليحكموها بعد منح فلسطين لليهود ؟

إذا كانت الخلافة تخلفاً وعودة للخلف كما يقول لك صحفيو البيض المسلوق, مخبري المخابرات, فلماذا حاربتها بريطانيا بكل تلك الضراوة وتحاربها أنظمة متعاونة مع الكيان الصهيوني مثل نظام آل سعود وغلمان بلدية الإمارات وذلك العسكري المشوه ومن خلفه آلهه الذي يسجد له في البنتاجون ؟

وحدهم البريطانيون امتلكوا القدر الكافي من الذكاء مبكراً ليدركوا خطر الإخوان المسلمين و حلمهم لإستعادة الخلافة, على مشروعاتهم في المنطقة بما لهم من خبرة في تنسيق أعمال المقاومة في اوروبا ضد النازيين, فأوعزوا إلى صبيانهم كالنقراشي بمحاولة تدمير الجماعة, ثم ترك البريطانيون مصر للأمريكيين الذين اودعوها في يد عميلهم المقبور عبد الناصر ليكمل المسيرة.

عندما قال مرشد الإخوان السابق ( طز في مصر ) وهي الجملة التي أخذها عليه الإعلام, كان يقصد معنى أعمق, كان يفهم أن الاحتلال, بدلاً من أن يحارب دولة كبيرة ممتدة من اندونيسيا حتى المغرب, من مصلحته أن يقسم تركة تلك الدولة إلى مساحات صغيرة يعين على رأسها عملاء له, ويسلحهم بقوات تحمي انظمتهم, وبين تلك الدول يقوم بزرع كيان غريب يكون من ضمن واجبات الأنظمة المأجورة أن تحميه, فأهم واجبات حكومات سايكس بيكو لمن لا يرى الصورة حتى الآن هي حماية وجود ذلك الكيان الهش المسمى ” اسرائيل “.

إن نشأة الجيوش النظامية أصلاً كانت للاطاحة بالعقيدة العسكرية القائمة, فقام محمد علي بفرض نظام التجنيد الإجباري الفرعوني وانشأ جيشاً من المرتزقة وعندما ظهرت بذرة التغيير في ذلك الجيش ببداية الثورة العرابية, قام الانجليز بحل الجيش تماماً وانشأوا جيش مرتزقة آخر من 6 آلاف جندي تم استخدامهم في القضاء على الثورة المهدية ضد الاحتلال البريطاني في السودان.

كان جيش المرتزقة الذي انشيء تحت إدارة الانجليز وظل تحت سيطرتهم لفترة طويلة, تحكمه القيم العلمانية, هو المؤتمن الوحيد للحفاظ على علمانية الدولة عند خروج الإحتلال من مصر ولذلك لا عجب أن يقول كيرميت روزفلت مسؤول المخابرات المركزية في تقريره لأعضاء الكونجرس بعد لقاءه بعبد الناصر ورفاقه في مصر قبل انقلاب 52 أن ( الضباط العلمانيون يشاركون أمريكا توجهاتها **** ).

تمثلت العقبة أمام ذلك الجيش الفاشل الذي لم ينتصر في معركة قط, في الإخوان المسلمين, فعمل الجهاز الدعائي للجيش على شيطنتهم وعملت آلة القمع البوليسية ( الداخلية ) التي انشأها أيضاً البريطانيون على محاربتهم وتدمير بنيتهم التنظيمية, وعلى الجانب الآخر كان لابد من اقناع البسطاء عبر نفس الآلة الاعلامية, بانتصارات وهمية للجيش, فالجيش الذي فشل ثلاث مرات في اعادة احتلال التبة 86 أمام 500 من العصابات الصهيونية, والذي زحف على الموقع خلف 35 فرداً فقط من الإخوان المسلمين ( قاموا باحتلال الموقع وتدمير القوات الصهيونية ) ,أوهم الشعب بانتصار وهمي في 56 وخفف وقع الهزيمة الساحقة بكلمة ( نكسة ) في 67 وأوهم الشعب بانتصار زائف في 73.
لذلك فالحرب أساساً بين الجيش بهيكله العلماني وقياداته العميلة ( أدواته فيها جنود فرعون الجهلة مثل الذين رأيناهم في الفيديو الشهير يعذبون أهالي سيناء ), وبين الإخوان المسلمين حماة فكرة الخلافة, والانتصار في تلك المعركة يتوقف على حسن إدارة الإخوان للصراع وتلافي أخطاء الماضي القاتلة, و التخلي عن الرخاوة السياسية وامتلاك آلة إعلامية قوية والتخلي عن الموائمات التي يفرضها أحياناً العمل السياسي, والدقة في تحديد العدو وطريقة التعامل معه.
وللحديث بقية ان شاء الله
* ص : 150 – 151 من كتاب : أوربا وغزو الجزائر \ وثائق أصلية من أرشيف الدولة
** برجاء قراءة كتاب فيلبي العرب
*** مذكرات احمد محمد حسنين احد الضباط الاحرار

**** راجع كتاب لعبة الأمم لضابط المخابرات الأمريكية ( مايلز كوبلاند )



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق