الأربعاء، 17 ديسمبر 2014

حول فضيحة السي آي إيه.. من يحاسب الكبار؟!

حول فضيحة السي آي إيه.. من يحاسب الكبار؟!
ياسر الزعاترة

500 صفحة لم تكشف سوى القليل من أساليب التعذيب، فضلا عن الوسائل التي استخدمتها «السي آي إيه» في ملاحقة من تشتبه في صلتهم بما تسميه الإرهاب، والسبب كما ذهب كاتب أميركي أن التقرير لم يعتمد سوى على وثائق «السي آي إيه» نفسها، ولم يقابل أيا من المسؤولين أو المحققين، ولو تم ذلك وقيلت الحقيقة، لكانت الحصيلة أكبر بكثير.
لكن ما نشر رغم ذلك هو غاية في البشاعة، والأسوأ أن التبرير الذي استخدم في السياق (منع هجمات محتملة) لم يصدق هنا، فكل ما استخدم من انتهاكات لم يسفر عن النتيجة المشار إليها.
قبل نشر التقرير، عززت السلطات الأميركية من إجراءاتها الأمنية في عدد كبير من سفاراتها في العالم خشية ردود فعل، ما يعكس إدراكها لواقع الإجرام الذي مارسته، والذي تنصل منه أوباما قائلا إن ذلك تم في عهد بوش، كأن الأجهزة الأمنية الأميركية تستشير الرؤساء فيما تفعل من الأصل (هل كان أوباما على علم بأن استخبارات بلاده تتجسس على الهاتف الشخصي للمستشارة ميركل مثلا؟!).
ليس للغزاة الإمبرياليين دين ولا مبدأ ولا أخلاق، وما جرى في معتقلات أفغانستان و «أبو غريب» مما لم يذكر أصلا في التقرير هو مما يندى له جبين الإنسانية، لكن جرائم الكبار عادة ما يتم تجاوزها؛ فقط لأنهم أقوياء ولا أحد يجرؤ على محاسبتهم، وحين ترفض أميركا التوقيع على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية، فذلك لعلمها بما تفعله في أكثر من مكان في العالم عبر سجون سرية لم يعد أكثرها سريا في واقع الحال.
هل نحتاج إلى إيراد شواهد مما نقله التقرير عن وسائل التعذيب التي استخدمها محققو «السي آي إيه» ضد المعتقلين؟ 
لا أظن أننا في حاجة إلى ذلك، فمن يقرؤون المقالات لا بد أنهم قرؤوا الكثير مما نشر مختصرا حول تلك الوسائل الموغلة في البشاعة، والتي يتوفر منها الكثير دون شك في معتقلات عربية يموت فيها الناس بلا حساب كما هو الحال في معتقلات بشار الأسد خلال السنوات الأربع الأخيرة.
على أن العار هنا لا يتوقف عند «السي آي إيه» وحدها، والتي كانت تدعي أنها تدافع عن المصالح الأميركية عبر العمل من أجل منع هجمات جديدة، مع العلم أن أكثر من تعرضوا للتعذيب لم يكونوا على صلة أبداً بما تسميه الإرهاب، بل إن أكثر من 80 في المئة من معتقلي جوانتانامو كانوا من هذا اللون، لأن الآخرين كان بوسعهم الهرب، فيما لم يكن أكثر من اعتقلوا يعتقدون أن الدولة الحضارية يمكن أن تفعل بهم كل ذلك.
أما الحضاري الإنساني الكبير (السيد أوباما) من الوفاء بوعده بإغلاق المعتقل، بل ولا حتى تخفيف وطأة العنصرية في بلاده رغم أنه ينتمي لفئة السود.
العار هنا يشمل دولا عربية كثيرة ذكرها التقرير، وقامت هي الأخرى؛ إما بتسليم مشبوهين، أو بالقيام بمهمات التعذيب والاستجواب، فقط من أجل أن تريح أميركا من عبء تحمل وزر ذلك، وهي (أعني الدول العربية) فعلت ذلك رغم أنها أو أكثرها لم يكن مستهدفا بالإرهاب في حينه.
وفي حين خرجت كبريات الصحف الأجنبية تحفل بعبارات الخزي والعار تعليقا على التقرير الذي لا يكشف سوى القليل من الوقائع، بقي العرب صامتين، إن كانوا رسميين أم غير رسميين، وكذلك حال الدول الإسلامية، بينما تكفلت إيران في سياق من المناكفة بهجاء أميركا وسلوكها، في وقت يعرف الكثيرون أنها هي أيضا متورطة حتى أذنيها في انتهاكات حقوق الإنسان في الأحواز وغيرها، ومسلسل الإعدامات هناك بحجج واهية يؤكد ذلك (دعك من دعمها لسلوك بشار الإجرامي وللمليشيات الطائفية في العراق).
ليست إيران وحدها، ولا سوريا رغم أنها الأكثر بشاعة في السنوات الأخيرة، فالانتهاكات في سجون العرب لا تحصى، لكن ذلك يحدث في دول لا تجعل تمثال الحرية عنوانها، ولا تدَّعي أنها حامية حمى الحرية، أما الحقيقة فهي أن قيم الداخل في الدول الكبرى؛ مع أنها لا تطبق دائما بحق الجميع (العنصرية ضد السود في أميركا شاهدا)، لا تنطبق على الخارج المنذور للاستباحة، والذي حين يَرُد أبناؤه انتصارا لكرامتهم، يصرخ القتلة: «لماذا يكرهوننا؟»!
• @yzaatreh

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق