الجمعة، 19 ديسمبر 2014

لماذا لن تُعاقب «سي آي إيه» على ممارسة التعذيب؟


لماذا لن تُعاقب «سي آي إيه» على ممارسة التعذيب؟
نوح فيلدمان


لماذا لم تتم ملاحقة أي سياسي أو مسؤول أو حتى متعاقد أميركي قضائيا بتهمة التعذيب؟
يحوم هذا السؤال المهم في خلفية تقرير الاستخبارات المركزية الأميركية الصادر أخيرا.
حتى هذه اللحظة يقودنا المنطق السليم إلى القول بأن ممارسات الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» كانت محصنة ضد المحاسبة والمساءلة لاعتماد الوكالة على آراء مكتب الاستشارات القانونية بوزارة العدل أو ما يسمى «مذكرات التعذيب».
ويشير التقرير، الذي دعمته عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا دايان فينستين، إلى أن التحقيقات التي أجرتها «سي آي إيه» كانت تتجاوز الطرق التي قُدمت لمكتب الاستشارات القانونية وتم اعتمادها طرقا قانونية في المذكرات الصادرة عن المكتب.
وإن كان هذا صحيحا، فقد تحدى المحققون حتى موافقة المكتب المفصلة والمشككة لطرق التحقيق المطورة. لذا أليس من المفترض أن يتحمل أحدهم المسؤولية الجنائية؟ وإن لم يكن الأمر كذلك، فما السبب؟

لفهم ما يجري قانونيا، نحن بحاجة إلى أن نبدأ بحقيقة وجود مذكرتين قانونيتين مختلفتين على الدرجة نفسها من الأهمية.
ويؤكد تقرير فينستين منح كلتيهما في إطار الاستجابة لطلبات الاستخبارات المركزية الأميركية من الفرع التنفيذي بالتزام وزارة العدل مقدما بعدم ملاحقة المحققين جنائيا لقيامهم بممارسات من المرجح أن تعد انتهاكا للقوانين المعمول بها.
ونظرت إحدى المذكرتين في 10 طرق تحقيق مطورة، من بينها الإغراق الوهمي وممارسة الضغوط، التي كانت ستستخدم في التعامل مع أبو زبيدة، الذي يصنف واحدا من المعتقلين ذوي الأهمية الكبيرة.
 وقد رأت المذكرة أن تلك الطرق قانونية بحسب الاستخبارات المركزية الأميركية.
ويذكر تقرير فينستين أن وصف «سي آي إيه» للطرق لم يكن «متسقا مع كيفية تنفيذها لاحقا». على أرض الواقع كان الإغراق الوهمي لأبو زبيدة متكررا ولمدة أطول مما ذُكر لوزارة العدل. ويشير التقرير إلى تقديم الاستخبارات المركزية معلومات مغلوطة بشأن دور أبو زبيدة في تنظيم القاعدة وتدليسها في تأكيدها إخفاءه معلومات مهمة.
 وبفرض صحة تلك المزاعم، ومع العلم بأن أبو زبيدة وخالد الشيخ محمد قد تعرضا للإغراق الوهمي بشكل أكبر من المصرح به في المذكرة، يكفي هذا لتوجيه اتهامات جنائية.
من المفهوم عدم قيام وزارة العدل بملاحقة قضائية في قضية استند فيها المحققون إلى رأي قانوني صادر عن الوزارة نفسها؛ ففي النهاية يبدو من الظلم ملاحقة أحدهم جنائيا بعدما تأكد سلفا أن ممارساته ستكون في إطار القانون. ومع ذلك لن ينطبق هذا على الأمور التي تجاوز فيها المحققون نطاقالتصريحات الممنوحة.

نقطة الضعف هي وجود مذكرة تعذيب ثانية منفصلة صدرت في الوقت ذاته، ولم تركز على طرق بعينها، بل أوضحت كيفية تفادي المحققين الملاحقة الجنائية، باستخدام حجتين، حتى إذا كانت ممارساتهم تمثل انتهاكا لنص قانون مناهضة التعذيب الفيدرالي.

وكانت الحجة الأولى التي تهدف إلى السماح بخرق القانون دستورية، فقد عُرف عن المذكرة تأكيدها على تمتع الرئيس بصفته قائد القوات بسلطة القيام بكل ما هو ضروري من أجل حماية الولايات المتحدة بحيث لا يصبح لأي قانون يقرّه الكونغرس يقضي بعكس ذلك أي قيمة.
وقد نفى مكتب الاستشارات القانونية هذا النهج المتطرف، الذي يأتي مناقضا لأكثر حكم سابق ذي صلة للمحكمة العليا بشأن تعريف السلطة التنفيذية.

وسحب جاك غولدسميث، الذي تولى رئاسة المكتب فيما بعد خلال فترة حكم جورج بوش الابن، المذكرة بالكامل.
وكانت تلك النظرية الدستورية المتطرفة، التي جاءت في المذكرة، ستتيح ما هو أكثر من الطرق الموضحة في المذكرة المنفصلة، حيث كانت ستسمح بأي خرق للقانون يراه الرئيس ضروريا للدفاع عن الأمة.

وبعد التخلي عن هذه النظرة الآن، لن يكون هناك تبرير فني قانوني لخرق القانون، مما يعني أنه لن يُعتد به في حال قُدم حجة دفاع في محاكمة. 
وتكمن المشكلة في إمكانية زعم المحققين الاستناد إلى مذكرة مكتب الاستشارات القانونية التي كان معمولا بها في وقت ممارستهم للتعذيب من دون تعمد أي ضرر.
وسيكون من المحرج جدا لوزارة العدل ملاحقتهم جنائيا مع العلم بأن دفاعهم سيستند إلى مذكرة وزارة العدل التي تخولهم خرق القانون. كذلك قد يعزف ممثلو الادعاء العام عن إقامة دعوى لوجود تبرير قانوني معمول به آنذاك، مما يشير إلى عدم تعمد المحققين انتهاك القانون.

كذلك كانت هناك حجة أخرى موضحة في المذكرة التي تم سحبها وقد ناقشها محامو الاستخبارات المركزية بحسب ما جاء في تقرير فينستين، وهي أنه يمكن للمحققين الدفاع عن أنفسهم أثناء المحاكمة، في حال خرقهم للقانون، بحجة الضرورة.
ويقرّ القانون الجنائي بالضرورة مبررا أو عذرا لارتكاب جريمة. ويدافع المتهم بقوله إن أفعاله كانت ضرورية لتجنب حدوث ضرر أكبر.
ومن الأمثلة الكلاسيكية على ذلك أن يدمر شخص جسرا ليمنع غرق مبنى، فجريمة تدمير بناء مبررة في ضوء ضرورة تفادي وقوع ضرر أكبر.وكان الضرر هذه المرة هو التعذيب.
وعبّرت مذكرة مكتب الاستشارات القانونية عن الرأي القائل بإمكانية استناد المحققين إلى حجة الضرورة في حال ملاحقتهم جنائيا.
وتضمنت استراتيجية المذكرة الإشارة إلى تفكير ممثلي الادعاء أنفسهم في إمكانية استخدام تلك الحجة قبل توجيهم لأي اتهامات. وأكدت المذكرة أن الحجة بوجود ضرورة قد تكون قابلة للتطبيق في الظروف الحالية، وأشارت إلى إمكانية استخدام الدفاع لها حتى في حالة القتل العمد طالما كان المقصد هو تفادي حدوث حالات وفاة أخرى.

والعبارة التي تأتي كلكمة قاضية هي: «من الواضح أن أي ضرر يقع أثناء التحقيق، لن يعد شيئا مذكورا مقارنة بالضرر الذي يتم تلافيه بمنع هجوم في خطورة هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) يمكن أن يودي بحياة المئات أو الآلاف».

ويقدم هذا الجزء من المذكرة تغطية أفضل للمحققين، فبطبيعة الحال إذا تمت ملاحقتهم قضائيا، ربما لا تقبل المحكمة الدفاع بالنظر إلى عوامل مثل احتمال وقوع ضرر أو التيقن من معلومات محددة. مع ذلك سيعلم ممثل الادعاء العام حجة الدفاع التي ستستخدم، وإذا وصل الأمر إلى هيئة المحلفين، يبدو من المرجح على الأقل أنها ستتخذ قرارا لصالح المحققين.

بإيجاز، لقد آتت المذكرتان ثمارهما، حيث منحت وزارة العدل الاستخبارات المركزية الأميركية، حرية التعذيب بلا قيود ومن دون عقاب.
وقد يكون التحليل القانوني خاطئا أو ظالما من الناحية الأخلاقية، ويبدو أن الاستخبارات المركزية قد كذبت على وزارة العدل؛ لكن حتى مع عدم الوضع في الاعتبار العوامل السياسية التي تجعل ملاحقة الرئيس لوكالة الاستخبارات المركزية جنائيا أمرا غير مرجح، سيمثل السند القانوني لمثل هذا الإجراء إشكالية.
لقد تم ارتكاب جرائم خطيرة وستمر مرور الكرام من دون عقاب.

المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق