الجمعة، 12 ديسمبر 2014

أيهما أجدر بطلب الإنتربول: القرضاوي أم الجيش المصري؟



أيهما أجدر بطلب الإنتربول: القرضاوي أم الجيش المصري؟


ميدل إيست مونيتور – التقرير

لقد أصبح الأمر رسميًا الآن، فقد وضعت المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول) الدكتور يوسف القرضاوي على قائمة “المطلوبين”.

وقد اتخذ هذا القرار لإصدار “حالة تأهب قصوى” لإلقاء القبض على رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بناءً على طلب من الحكومة المصرية. يذكر أن الدكتور القرضاوي هو واحد من أشد منتقدي النظام العسكري الذي أطاح بأول رئيس مصري منتخب بحرية، محمد مرسي، في انقلاب يوليو 2013. لكن القرضاوي “لم يقتل أي شخص أو يحرض على قتل أي شخص”، وبالتالي فإن قرار الإنتربول يبدو حالة كلاسيكية من سوء التوجيه والحكم.

جاء قرار حالة التأهب القصوى ضد القرضاوي بعد أيام فقط من قيام محكمة مصرية بتبرئة الدكتاتور العسكري السابق، حسني مبارك، من تهمة التآمر لقتل 846 متظاهرا خلال انتفاضة عام 2011 ضد حكمه. وألغى الحكم عقوبة السجن مدى الحياة التي قررت ضد مبارك في يونيو 2012. كما لم يكن هناك يوم -ولن يكون هناك أبدًا- أي حديث عن مذكرة اعتقال دولية صادرة ضد مبارك كما حدث مع القرضاوي (88 سنة)، والذي يكبر مبارك بسنتين.

وقد لخص العالم الإسلامي المخضرم ازدواجية منتقديه بقوله “هناك من قتل الآلاف من الأبرياء في مقر الحرس الجمهوري في القاهرة وفي ميادين رابعة العدوية والنهضة دون أي اعتبار للعدالة أو القانون”.

والواقع أن قرار الإنتربول يثير تساؤلات جوهرية حول طريقة عمل تلك المؤسسة الدولية. وهل ينبغي أن تصدر مذكرات التوقيف الدولية على أساس أدلة يمكن التحقق منها أم أنها تصدر ببساطة بناءً على نزوة عرضية لأحد السياسيين؟ وبالتأكيد، إذا كانت الإجابة هي الأولى، فستكون القيادة العسكرية المصرية نفسها مطالبة بالإجابة عن الكثير.

وعلى صعيد آخر، هناك أيضا سؤال حول ما إذا كانت الأوامر الدولية ينبغي أن تستخدم كوسيلة لإسكات المنتقدين والمعارضة للحكومات؟ ويكفي القول إن المؤسسات المسؤولة عن التمسك بسيادة القانون والأمن الدولي يمكن أن تصبح أدوات في أيدي سياسيين غير شرفاء متورطون هم أنفسهم في عمليات خرق للقانون.

وفي الوقت الذي تعاني فيه منطقة الشرق الأوسط من الحروب المدمرة، وانهيار الدول وانتشار الأسلحة عبر الحدود، فإن الوكالات الدولية لديها الكثير الذي ستكسبه من الحفاظ على مصداقيتها. ومثال المحكمة الجنائية الدولية (ICC) قد يكون مفيدًا في هذا الإطار. حيث أصبحت تعتبر من قبل الكثيرين أداة غير حادة تستخدم من قبل الحكومات الغربية لاستهداف القادة “غير المرغوبين”، وخاصة في إفريقيا؛ على هذا النحو، فقد فقدت الكثير من مصداقيتها واحترامها كقوة تعمل من أجل العدالة.

والمفارقة هي أنه قبل فترة وجيزة من قرار الإنتربول، ظهر السلوك الشائن لقيادات الجيش المصري عبر تسريب لتسجيلات صوتية ضمت العديد من كبار ضباط الجيش وهم يناقشون كيفية حل مشكلة مكان اعتقال محمد مرسي، حيث يحظر القانون المصري احتجاز المدنيين داخل ثكنة عسكرية لأي فترة من الزمن، ولكن ذلك هو الذي حدث للرئيس المعزول.

وتتشابه تلك الفضيحة بشكل لافت مع قضية ووترغيت التي أجبرت الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون على الاستقالة في مواجهة الاتهامات. إلا أنه في غياب الديمقراطية الحقيقية في مصر، فلا توجد أية احتمالات أن يواجه أي من الجنرالات المعنيين محاكمات قانونية.

إلا أنه في ظل الظروف الحالية، فالمنظمات والمؤسسات الدولية، بما في ذلك الإنتربول، مدينون بديون ضخمة للشعب المصري لنفي تواطوئهم في توفير غطاء لعناصر فاسدة ومجرمة. وإذا كان هناك أي شك بشأن ما حدث في مصر خلال صيف عام 2013، فإن مسؤولي الإنتربول ملزمون بفحص التسجيلات الصوتية المسربة.

الشعب المصري في النهاية -وليس الإنتربول أو أية هيئة دولية أخرى- هو من سيعلن الحكم النهائي على هذه الفترة المظلمة من تاريخه. وسوف يتعلم الدروس من الحالة المأساوية الراهنة ويستنبط الطرق المناسبة لإعادة هيكلة القضاء والمؤسسات العسكرية، وتحويلها إلى مؤسسات وطنية مستقلة.

عندما تفقد المؤسسات العامة البوصلة الأخلاقية فغالبا ما تكون العواقب كارثية بالنسبة للمجتمع. والدلائل في مصر تشير إلى أن تداعيات الوضع ستمتد إلى خارج حدودها. فحصار غزة وهدم المنازل في رفح هي جزء من أقرب العلامات على الأحداث المقبلة. بل لقد كان عبد الفتاح السيسي أكثر وضوحا عندما قال للصحيفة الإيطالية كورييري ديلا سيرا إنه مستعد “لإرسال قوات عسكرية إلى الدولة الفلسطينية من أجل مساعدة الشرطة المحلية و”طمأنة الإسرائيليين، وأن يكون بمثابة الضامن لأمنها”.

وفي الوقت نفسه لا يزال القرضاوي ثابتا في إيمانه بضرورة تحرير فلسطين تحريرا كاملا، من النهر إلى البحر. لهذا فهو مطلوب من قبل الإنتربول الآن.


 المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق