صُباع مرسي ويدا السيسي
أحمد عمر
أعتقد، وأنا بكامل قواي العقلية، وثيابي الصيفية في الشتاء، أنّ الفصاحة والبلاغة تقتضي أن يكتفي المبلّغ، بفصاحة اللسان، وأنّ مؤازرة اللسان بحركة اليدين، هي قصور في البلاغة والتعبير. الأخطبوط حيوان أخرس.
لم يخبرنا المؤرخون عن حركات باليد لقس بن ساعدة، أو أنّ عبد الملك بن مروان قال للمواطنين الشرفاء: مش حننسى أبداً وقفتكو معانا (مع اضطراب في خنابتي الأنف)!
ولو سئلت ما هي فلسفة عبدالفتاح السيسي في الحكم، في مقابل ميثاق جمال عبدالناصر، لقلت: هي فلسفة "كده"، أو "أوي" مع حركة يد تشبه ضربة الساطور.
والحديث عن اليد القوية، يجرّني إلى الحديث عن يد عفاشة الجني، لا عن "صباع" طيب الذكر، محمد مرسي، الذي سلطت عليه فضائيات الانقلاب كلابها النبّاحة، فنكلت به تنكيلاً.
عفاشة هو ابن الجنيّة عاقصة والعفريت عيروض، في ملحمة سيف بن ذي يزن التي تجري أحداثها بين مصر واليمن.
نمت لعفاشة يد ثالثة في صدره، يقسم عليها ما شاء، فتبرّه، وتنجز له المعجزات، لكني، وأنا معجب بالسيرة، ومأخوذ بها في يفاعتي، لم أستسغ يداً ثالثة في الصدر، جمالياً.
لا يستطيع السيسي أنْ يخطب، هو يدردش فقط. وإذا خطب سندَ خطبته بهتاف "تحيا مصر" حتى في نيويورك!
وتختلف الدردشة عن الخطابة بجملها العربية المتماسكة الفصيحة، المعبرة.
وكان عبدالملك بن مروان يقول عن شَعره الذي ابيضَّ قبل الأوان: شيّبتني المحاريب.
السيسي إلى جانب عيائه التعبيري، يستلف المدد، ويستقرض "الأباتشي" من حركات يديه. ولو أنّ مثّالاً صنع له نصباً تذكارياً، أو أنصاباً كثيرة، لكانت لرجل يضع نظارة سوداء، خشية قراءة سطور مكتوبة في عينيه، فالعيون مغرفة الكلام، ورسمته، وهو يقود بيديه مقود عجلة وهمية، أو يفرم لحمة متخيلة بالساطور، أو شرطي مرور يشير بيده إلى سيارات وهمية، أو مترجم إشارات صم وبكم، فهم لا يعقلون، أقصد صم السيسي وبكمه.
وفي أول لقاء تلفزيوني للسيسي مع لميس الحديدي وإبراهيم عيسى، بدا الفارق الهائل بين الفريقين في الفصاحة والتعبير، يحاول الذئبان الإيهام بأنّ الهر أسد، وأنّهما مذعوران منه!
يبدو السيسي، وهو يمثل دور الرئيس، في فيلم الانقلاب الدامي، ماشياً على السجاد الأحمر، مثل رجل آلي. فهو رجل عسكري، والعسكري هو آلة بشرية غالباً، وتلك كانت مهنته.
تذكّروا معي تحيته الكوميدية لمبارك التي تظهر في الصور، يده متطاولة مثل الرجل المطاطي، كأنّه يخشى أن تدنس قرابة جسده حضور الرئيس المبجل، أو طأطأته أمام بوتين في زيارة الجاكيت الأحمر أبو نجمة، أو مشيته للقاء الرئيس الفرنسي، هولاند، والموسيقى الرئاسية تعزف فتخشى عليه من التعثر والسقوط بإحدى ضربات الطبل. أما يداه اللتان يتحدث بهما في أثناء الدردشة فهما أهم عتاد الكاركتر.
وقد طالبه إبراهيم عيسى خادمه، ناصحاً، بعدم الارتجال، لكنه لا يتّعظ، فهو واثق من تأثيرات دردشته العاطفية على ثلاثين مليون مصري، أو هو يدردش بما يشاء، ما دام مسلحاً بالجيش والشرعية الدولية والإسرائيلية.
الممثل في أول ظهور على الشاشة، عادة، يعاني من ثقل يديه، ولا يعرف أين يذهب بهما أمام تهديد الكاميرا، وربما يعاني منهما إلى مرحلة متأخرة.
يصعد السيسي في إحدى الزيارات التي يبتغي فيها الشرعية البصرية، مع مضيفه الملك، فنجده يطوي يسراه، مع أنّه صار "كبيراً" قدّ "سونيا"، ولن يضربه أحد، ثم فجأة يغيّر رأيه ويطلق سراح يده المتشنجة. تحية من عفاشة للملائكة..
هل فهمتم الآن شرح معلقة تسلم "الأيادي"؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق