السبت، 20 ديسمبر 2014

القرضاوي ورامي جان

القرضاوي ورامي جان

وائل قنديل

يعبر الأزهر الشريف عن سعادته بزيارة رئيسة أفريقيا الوسطى مصر، بالقدر نفسه من السعادة التي غمرت الأزهر الشريف بوضع عالم الأمة الإسلامية وشيخها الجليل، الدكتور يوسف القرضاوي، على لائحة المطلوبين في منظمة الإنتربول. 
أزهر الانقلاب الذي لم يحرك ساكناً، وادعى الخرس، حين أهين نائب الإمام الأكبر، المستشار حسن الشافعي، على أيدي سلطات مطار القاهرة.
تحرك لسانه بطلاقة، وجرت الفرحة في عروقه، بمناسبة زيارة رئيسة الدولة التي جرت فيها، على مدار العام، واحدة من أبشع مجازر التطهير العرقي ضد المسلمين.
فرح الأزهر بزيارة السيدة كاترين سامبا، لأن جنرال المجازر الانقلابية في مصر أمر بالاحتفاء والتهليل بالزيارة، وبما أن زيارة مشروع حفر قناة السويس الجديدة تجب ما قبلها، فقد تناسى أزهر المسلمين مجازر الإبادة لمسلمي أفريقيا الوسطى.
 لم يزر الدكتور يوسف القرضاوي موقع الحفر على الناشف، ولم يرقص الناشط القبطي المعارض، رامي جان، على إيقاع "تسلم الأيادي"، ومن ثم يستحقان اللعنة والطرد من جنتي الأزهر والكنيسة، حتى أن مؤسسة الأزهر التي طالما تمنت على العلامة القرضاوي، في عهود سابقة، أن يشرفها بالزيارة وعضوية مجامعها الفقهية، وأن يسمح للإمام الأكبر "الصغير" بالتقاط صورة تذكارية معه، هذه المؤسسة قررت المزايدة على الإنتربول الدولي والعسس المحلي، بشطب اسم الشيخ الجليل من سجلات العضويات الشرفية بها.
 تماماً، كما فعلت كنيسة الانقلاب مع الصحافي الشاب المعتقل في سجون النظام العسكري، إذ رأت أن كونه معارضاً للانقلاب، ومستمسكا بإنسانيته، ومدافعاً عن حرمة الدم، يسقط عنه كل حقوقه، كمواطن مصري أولاً، وكأحد رعايا الكنيسة المتماهية مع السلطة العسكرية ثانيا.
لقد انتفض علماء الأمة الإسلامية غضباً من إدراج اسم العلامة الجليل، ذي الثمانية والثمانين عاماً، على قوائم المطلوبين لدى الإنتربول الدولي، بناء على طلب سلطات الانقلاب العسكري في مصر، بتهمة التحريض على العنف والإرهاب، بل وأدرجت اسمه في قضايا تثير السخرية، مثل اقتحام السجون وممارسة أعمال العنف والحرق.
وفي المقابل، أصدرت الهيئة التأسيسية للمجلس الإسلامي التابع لأزهر السلطة قراراً بإلغاء عضوية القرضاوي، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يترأسه، بناء على طلب مصر والسعودية. إنها العبثية وانعدام القيمة، حين تتخلى مؤسسة الأزهر عن دورها، مظلة حامية لقيم الإسلام الوسطي المعتدل، وتتحول إلى مجرد ترس في ماكينة سلطة العسكر، تتحرك أوتوماتيكيا للمشاركة في حملة أمنية مشينة ضد رجل يجلس على قمة مفاخر التجديد في الفكر الإسلامي الصحيح والمعتدل، في لحظةٍ تعصف فيها رياح التطرف والغلو بالمجتمعات الإسلامية. 
ويبلغ المشهد مأساويته حين يتقافز حواة ومهرجون، يرتدون العمائم فوق الشاشات، ويهرفون بفتاوى وأحكام هي أقرب للمونولوجات الضاحكة، بينما تُحرم الأمة من إسهامات قارة من العلم، اسمها يوسف القرضاوي، لكن علامات الاستغراب والدهشة تتلاشى، كلما أمعنت النظر في تفاصيل المشهد، حيث تمضي عملية شاملة لابتذال كل ما هو حقيقي ومحترم وجاد في مصر.
إن الأسوأ من موقف الأزهر ضد العلامة القرضاوي هو موقف الكنيسة المصرية من رامي جان، التي وصل بها الشطط والاستبداد إلى حد مقايضته على حريته، في مقابل أن يصور مقطع فيديو يعلن فيه اعتذاره للشعب المصري والكنيسة، ويقر بأنه قد تم التغرير به من رافضي سلطة عبد الفتاح السيسي.
 لقد عمل تحالف "السيف والعمامة والقلنسوة"، منذ اللحظة الأولى للانقلاب، على إسباغ شرعية مزيفة على جرائم ومجازر دموية، يندى لها جبين الإنسانية، وتنكرها كل الشرائع.وبعد ذلك، يحاولون أن يتصنعوا الدهشة من رصد حالات إلحاد في أوساط الشباب، أو تصاعد دعوات الرد على وحشية السلطة بالسلاح. والحاصل أن هذا التحالف الثلاثي هو المسؤول الأول، وربما الوحيد عن دفع قطاعات من المصريين إلى الكفر بالسلمية، وبكل القيم الإنسانية المستقرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق