لا ثأر للشهداء .. عن زياد أبو عين والرد
ياسر الزعاترة
قبل خمسة أعوام التقيت في مناظرة تلفزيونية مع الشهيد زياد أبو عين، وكانت الحلقة حول تقرير غولدستون بشأن الحرب على غزة الذي أجل محمود عباس مناقشته في مجلس حقوق الإنسان.
دافع أبو عين يومها عن سلوك رئيسه، وعن التنسيق الأمني، ولم يكن يعلم رحمه الله أنه سيكون بعد خمس سنوات ضحية أخرى تقدم كقربان على مذبح التنسيق الأمني وأوهام الحصول على دولة من خلال المؤسسات الدولية.
لم يكد جبريل الرجوب يقول في لحظة غضب (مسؤول رياضي هو الآن) إن التنسيق الأمني سيتوقف أو توقف، حتى خرج الرئيس يقول إنهم يدرسون الأمر، وأن كل الخيارات مفتوحة في الرد على جريمة الاحتلال، بما فيها المقاومة الشعبية، وهي مقاومة يعلم الجميع أن لها مفهومها الخاص عند محمود عباس، فهي موسمية،ويُشترط ابتعادها عن حواجز الاحتلال وجنوده ومستوطنيه، وفي حال تاه أحد أولئك في واحدة من القرى الفلسطينية، فإن الرد هو إعادته إلى أهله سالما مع حشد من الابتسامات.
الصهاينة لم يوفروا الفرصة للسخرية من حديث الرجوب، ومن ثم التأكيد على أن قتل زياد أبو عين لن يغير في مسار السلطة الراهن، فيما كان مثيرا للغثيان أن يُصار إلى تشريح الجثمان بحضور إسرائيلي من أجل إثبات أن الرجل قد مات بسبب الغاز والضرب، فيما خرج الصهاينة يقولون إنه مات بسبب أمراضه التي جعلت جسده لا يحتمل!!
أما الكاتبة الإسرائيلية اليسارية عميرة هاس، والخبيرة بشؤون السلطة والصديقة لعدد من قادتها، فكانت أكثر وضوحا في توصيف الوضع بالقول: “حركة فتح هي حركة سلطة، وينظر إليها الجمهور وتنظر لنفسها على أنها مقاول ثانوي للاحتلال الإسرائيلي، وقناة لتمرير الرواتب لموظفي القطاع العام، فهي إذن سلطة لإسكات الناس واستيعاب الغضب”.
وتضيف هاس قائلة إن “معارضي فتح ونشطاءها العاديين مقتنعون بأن زعماء الحركة تنازلوا عن حلم التحرير والاستقلال مقابل مصالحهم الخاصة، ومصالح ومستقبل أبنائهم”. والثمن برأيها “هو التنازل عن مبادئ حق العودة وتفكيك المستوطنات، واستبدالها بالتنسيق الأمني والمدني والتعاون الاقتصادي مع الاحتلال، وفعلا قام زعماء فتح بكل ذلك مع شركائهم الإسرائيليين”.
من جهتنا، لم يكن لدينا أدنى شك في أن شيئا لن يتغير بعد قتل الصهاينة لزياد أبو عين، فمن فرّط بدم ياسر عرفات، لا يمكن أن يفعل شيئا من أجل زياد أبو عين، ومن شكل لجنة تحقيق في اغتيال عرفات من أجل إماتة القضية، هو نفسه من شكل لجنة تحقيق هنا، وتحدث عن خيارات مفتوحة، يعلم الجميع أن الانتفاضة والمقاومة ليست من بينها.
إن من رفض المقاومة حين أجمع عليها كل الشعب الفلسطيني في انتفاضة الأقصى، لا يمكن أن يمررها الآن بعد أن أصبحت المزايا أكبر بكثير، والورطة أعمق، والثمن أكبر في حال تغيير المسار، ولذلك لن يكون الجديد سوى متاهة أخرى من الوعود والركض خلف سراب المؤسسات الدولية من أجل تحقيق دولة يعلم الجميع أنها لن تنشأ بالاستجداء، رغم أنها دولة على 22% من أرض فلسطين التاريخية، مع خصومات للصهاينة كشفتها وثائق التفاوض التي لا يحب أولئك الإشارة إليها، لكنها خصومات لم ترض شهية “حمامة” بوزن أولمرت، ومعه “حمامة” أخرى مثل ليفني، وليس نتنياهو وتحالف اليمين الديني والعلماني.
لا شيء يمكن انتظاره من سلطة كهذه، ولا من قيادة كهذه، ولم نسمع عن أحد تحول استشهاديا في الثمانين، وما يمكن انتظاره هو انتفاضة من هؤلاء الشبان الذين يحبون فلسطين ويحبون الثورة والمقاومة، وهم جزء من حركة؛ الأصل أنها حركة تحرر، لكنها تحولت إلى سلطة تعمل في خدمة الاحتلال، وخدمة مصالح الكبار فيها.
رحم الله زياد أبوعين، وتقبله في الشهداء، ويكفيه أنه ذكّر بعض القوم بما ينبغي أن يتذكروه لولا سطوة القبيلة الحزبية، وسطوة السلطة المتعاونة مع الاحتلال وأدواتها الأمنية والمالية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق