خليل العناني*
وهي النظرية التي يدّعي السيسي فيها أن الرئيس محمد مرسي قد أخذ معه "سلّم" الصعود إلى السلطة، ولم يكن ينوي التنازل عنه، وهو ما أجبر الجيش على التدخل لاستعادة "السلّم" واستعادة السلطة.
والحقيقة هي أن كلام السيسي لا يمكن فهمه إلا بنقيضه. فالرجل، منذ الانقلاب، لم يقل شيئاً إلا وقد فعل عكسه، وهو ما يشير إلى نمط متكرر وصفة أصيلة من صفاته، هي المراوغة و"الكذب". فالرجل قال إنه لن يترشح للرئاسة وقد فعل، وادّعى أنه حريص على المصالحة الوطنية، لكنه دمّر وأحبط كل فرصها، وقال إنه سوف يحل مشكلات البطالة والكهرباء وارتفاع الأسعار، لكنه فشل. وقال إنه لن يمس أهالي سيناء بسوء، لكنه هجّر أهلها وفجّر منازلهم، وقال إن نظام حسني مبارك لن يعود، ثم عيّن رئيساً للوزراء كان "تابعاً" لجمال مبارك فى "لجنة السياسات"، في حين خرج، الآن، بقية رجال مبارك من "جحورهم" على الملأ، متحدّين ثورة يناير، ومتوعّدين كل مَن ينتمي إليها.
قبل يومين، جاء التصريح الأكثر تعبيراً عن الوجه الحقيقي للجنرال. فقد قال الرجل حرفياً إنه"لا يوجد شيء اسمه النظام"، و"لا يمكن لأحد أن يغيّر النظام".
قبل يومين، جاء التصريح الأكثر تعبيراً عن الوجه الحقيقي للجنرال. فقد قال الرجل حرفياً إنه"لا يوجد شيء اسمه النظام"، و"لا يمكن لأحد أن يغيّر النظام".
كلام الرجل ليس فقط دليلاً كاشفاً على أنه لا ينوي الخروج من السلطة، بعد أن أخذ معه "السلّم" واحتفظ به لنفسه، على عكس اتهامه مرسي، وإنما أيضاً على أنه لا يعير اهتماماً للشعب ولا لرأي هذا الشعب وشبابه. فالجنرال، بحديثه، يحاول بتر فكرة "الثورة" من النفوس، وإنهاء مسألة التغيير من جذورها. يقول إنه لا يوجد شيء اسمه "النظام"، وإنما هناك "الدولة المصرية" التي لا يحق لأحد أن يقترب منها، ومن "مؤسساتها وإعلامها وقضائها وشرطتها وجيشها".
قالها وهو يحاول محو الفوارق بين الدولة والنظام، وبين الحاكم والسلطة، وبين الشخص والمجتمع، كي يظل هو فقط حاكماً متفرداً من دون رقيب أو حسيب. حديث الجنرال يستدعي المفهوم الفرعوني للسلطة، "أنا الدولة، والدولة أنا"، من دون أدنى اعتبار للمواطن الذي عليه أن يطيع هذه الدولة، وإن أهانته وبطشت به وعذبته أو هجّرته، وربما قتلته.
الدولة بالنسبة للجنرال هي "صنم مقدّس"، وليست عقداً اجتماعياً قائماً على القبول والرضا والمسؤولية والمحاسبة. يتحدث الجنرال عن دولة "مريضة" وعاجزة، وليست دولة عفيّة وقادرة على القيام بمهمتها الأساسية، وهي خدمة مواطنيها واحترام حقوقهم.
يتحدث عن الدولة "التنين" التي تأخذ ولا تعطي، تبطش ولا تُحاسَب، تُفسد ولا تُصلح.
يتصرف وكأنه لا يعرف شيئاً عن الدولة "الحقيقية" التي يموت أبناؤها وشبابها يومياً إما غرقاً أو حرقاً أو بطشاً.
لا يعرف سوى الدولة التي تتجسس على مواطنيها، وتحاسبهم على معتقداتهم وإيمانهم، والدولة التي تغير شرطتها على بيوت مواطنيها فتعتقل وتسرق وتنهب، من دون أن يهتز له جفن. الدولة التي تبرّئ "القاتل" وتعتقل "البريء"، تكّرم الكهول الفاسدين، وتتجاهل الشباب الواعدين.
يقول الجنرال منفعلاً "محدش هيقدر يرجع مصر للوراء"، ونسي، أو تناسى، أنه قد عاد بها عقوداً إلى الخلف، بعد انقلابه المُشين.
حديث الجنرال يذكرني بأبيات الشعر المعروفة:
يا أيها الرجل المعلّم غيره/ هلاّ لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا/ كيما يصح به وأنت سقيم
وتراك تُصلح بالرشاد عقولنا/ أبداً وأنت من الرشاد عديم
فابدأ بنفسك فانهها عن غيّها/ فإذا انتهيت عنه فأنت حكيم
فهناك يُقبَل ما تقول ويهتدي/ بالقول منك وينفع التعليم
لا تنهَ عن خُلُقٍ وتأتي مثله/ عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.
حديث الجنرال يذكرني بأبيات الشعر المعروفة:
يا أيها الرجل المعلّم غيره/ هلاّ لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا/ كيما يصح به وأنت سقيم
وتراك تُصلح بالرشاد عقولنا/ أبداً وأنت من الرشاد عديم
فابدأ بنفسك فانهها عن غيّها/ فإذا انتهيت عنه فأنت حكيم
فهناك يُقبَل ما تقول ويهتدي/ بالقول منك وينفع التعليم
لا تنهَ عن خُلُقٍ وتأتي مثله/ عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق