السبت، 20 ديسمبر 2014

عباس يشجع الصهاينة على سفك الدم الفلسطيني

عباس يشجع الصهاينة على سفك الدم الفلسطيني



صالح النعامي

كان يفترض أن تشكل حادثة مقتل الوزير زياد أبو عين على أيدي جنود الاحتلال نقطة تحول فارقة في العلاقة بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية؛ حيث إن هذا التطور منح السلطة الفلسطينية مسوغات تمكنها من إقناع المجتمع الدولي بحقها في تغيير قواعد اللعبة مع الكيان الصهيوني. 
فقد كان أبو عين من المتحمسين لأوسلو، وكان عضوًا فاعلًا في مبادرة جنيف، التي نصت على تقديم الكثير من التنازلات الفلسطينية للجانب الصهيوني.
وحتى ساسة كبار في الكيان الصهيوني أدركوا أن هذا التطور بالفعل يمنح السلطة هذه المسوغات والمبررات.

ومما لا شك فيه أن أحدًا لم يتوقع من السلطة أن تعلن الحرب على الكيان الصهيوني، لكن بكل تأكيد كان يمكن أن تسدد ضربة قوية لتل أبيب من خلال وقف التعاون الأمني، الذي يحسن من قدرة الصهاينة على مواصلة الاحتلال.

صحيح أن جبريل الرجوب، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" قد هدد بوقف التعاون الأمني مع "إسرائيل"، وتوعد كبير المفاوضين صائب عريقات باتخاذ قرار بهذا الشأن في غضون ساعات،فهما-كما الحال مع المتحدثين باسم السلطة الفلسطينية وحركة "فتح"- قد أكدا أن قتل الوزير والقيادي الفتحاوي زياد أبو عين على أيدي جنود الاحتلال "جريمة لا يمكن أن تمر دون رد"......إذن هذا ما قالوه، فماذا قال الصهاينة؟وهل بدا قادة الاحتلال قلقين من هذه التصريحات "الحماسية"؟.

لقد كان رد وزير الحرب الصهيوني موشيه يعلون،الذي تحدث خلال برنامج "أولبان شيشي" التي بثته قناة التلفزة الثانية مساء الجمعة الماضي يصور بدقة مدى استخفاف قيادة السلطة بالشعب الفلسطيني.
 
لقد عكس استخفاف يعلون بتهديدات السلطة عمق الدرك الذي هوت إليه قيادة السلطة في تقييمها للدم الفلسطيني الذي يهرقه جنود الاحتلال. فقد اختار يعلون أن يطمئن الرأي العام الصهيوني،مشدداً على أن تهديدات قادة السلطة هذه إنما جاءت بدافع "تهدئة" الجمهور الفلسطيني وأن التعاون الأمني لن يتوقف. 
لكن أكثر ما يلفت في كلام يعلون هو جرأته على إبراز السبب الذي يدعو السلطة لمواصلة التعاون الأمني على كل الأحوال،حتى بعد أن يقوم جيشه بقتل قيادات "فتح". فقد قال يعلون: "السلطة لا يمكنها وقف التعاون الأمني لأنه يهدف إلى إضعاف حركة حماس،لأنها تدرك أنه في حال قويت حماس، فإنها ستسيطر على الضفة الغربية".
إن يعلون يدرك تماماً أن التعاون الأمني يهدف بشكل أساس إلى تحسين قدرة "إسرائيل" على مواصلة احتلالها للضفة الغربية.

وكما يقول عاموس هارئيل، المعلق العسكري في "هارتس" فأن الهدف من التعاون الأمني هو منع اندلاع انتفاضة ثالثة،تهدد العمق الصهيوني.
 
والمفارقة أن وسائل الإعلام الصهيونية دأبت على التأكيد على أن قيادات السلطة طمأنوا نظرائهم الصهاينة بأن التعاون الأمني سيتواصل بغض النظر عن ملابسات مقتل الوزير أبو عين.

وحسب صحيفة "هاآرتس" في عددها الصادر الأربعاء الماضي،فأن السلطة والكيان الصهيوني تتبادلان الأدوار في محاربة حركة حماس،قبل وبعد مقتل أبو عين. 
اللافت أن جميع الكتاب الصهاينة الذين علقوا على حادثة مقتل أبو عين قد أكدوا أنهم لا يأخذون مأخذ الجد تهديدات السلطة بوقف التعاون الأمني.
أن التعاون الأمني،الذي يصر عليه عباس،حول الضفة الغربية إلى "جنة عدن" لليهود، كما يدلل بالأرقام الصحافي الصهيوني يهوشوع برينر، في تحقيقه الذي نشره موقع " وللا " الإخباري.

وحسب بيرنير، فأن التعاون الأمني حسن البيئة الأمنية للمستوطنين في الضفة الغربية بشكل جذري،وهذا ما شجع المزيد من الطبقات في الكيان الصهيوني على استغلال الفرص الكبيرة المتاحة لهم هناك. وحسب برينر، فإن الدافعية للاستيطان في أرجاء الضفة الغربية قد تعاظمت خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة بسبب الجهود الحاسمة التي بذلتها الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة رام الله في القضاء بشكل شبه مبرم على بنى المقاومة في الضفة الغربية؛ وهذا ما قلص مستويات الخوف لدى الصهاينة من الإقامة في الضفة الغربية.

إن أوضح نتائج تحسن البيئة الأمنية في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية بفضل جهود السلطة الفلسطينية هو انضمام مزيد من العلمانيين اليهود للمشروع الاستيطاني. فمنذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، كان معظم اليهود الذين يفدون للاستيطان في أرجاء الضفة الغربية هم من أتباع التيار الديني الصهيوني، والذين تحركهم قناعات دينية أيدلوجية، وقد حرص العدد القليل من العلمانيين الذين قدموا للاستيطان في الضفة أن يقيموا في مستوطنات تقع بالقرب من الخط الأخضر، الفاصل بين حدود الضفة الغربية و "إسرائيل"، وهي المستوطنات التي تصنف على إنها "الأكثر أمنًا"، بسبب بعدها النسبي عن التجمعات السكانية الفلسطينية.
 لكن تحسن الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية وتقليص المخاطر الناجمة عن العمليات التي تنفذها حركات المقاومة ضد مستوطنات الضفة الغربية، عبر شن حملات أمنية تشارك فيها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة و"إسرائيل" ضد البنى التنظيمية لحركات المقاومة، قد أسهم في إقناع قطاعات من العلمانيين اليهود للانتقال للإقامة في الضفة الغربية لاستغلال المزايا الاقتصادية الهائلة التي تقدمها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة للمستوطنين.

إن ما يثير المرارة في سلوك السلطة الفلسطينية حقيقة إنها تبدي كل هذا الحرص على أمن المستوطنين اليهود في الوقت الذي تعاظمت وتيرة الجرائم التي ينفذونها ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، والتي تتراوح بين الاعتداءات على الأهالي ومهاجمة بيوتهم وإحراق مساجدهم؛ حيث بلغ عدد المساجد التي أحرقت حتى الآن 15 مسجداً؛ ناهيك عن قيامهم بتجريف الكروم واقتلاع الأشجار، وتسميم الآبار، بناءً على فتاوى أصدرها حاخامات على صلة وثيقة بالائتلاف الحاكم.
فمثلاً أصدر الحاخام دوف ليئور فتوى تبيح للمستوطنين سرقة زيتون الفلسطينيين، وليئور هو المرجعية الدينية لحزب " البيت اليهودي "، ثالث أكبر الأحزاب في الائتلاف الحاكم الذي يقوده نتنياهو.
والمفارقة ذات الدلالة هي حقيقة إن 90% من الشكاوى التي يرفعها الفلسطينيون في الضفة الغربية ضد المستوطنين يتم إغلاقها. هذا في الوقت الذي تدفع فيه قيادة السلطة الفلسطينية ضريبة كلامية عبر التنديد بجرائم المستوطنين، بينما هي تفعل كل ما في وسعها من أجل تأمينهم.

لقد بات في حكم المؤكد إن تعاون السلطة الفلسطينية الأمني مع "إسرائيل" يسهم في تهويد الضفة الغربية ويعزز المشروع الاستيطاني والتهويدي ويغري الصهاينة بتبني مواقف أكثر تطرفاً من الصراع، فهل يعقل إن عباس الذي يدعي تمثيل الشعب الفلسطيني هو الذي يسهم أكثر من أي طرف آخر في تصفية قضيتهم.

نقلًا عن: مجلة البيان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق