أسامة غريب
أعترف بأنني حين عشت في كندا قد تعرفت للمرة الأولي علي فئة من المصريين كانت مجهولة تماماً بالنسبة لي.
أعرف طبعاً أن مصر كانت في وقت من الأوقات جاذبة للشوام و الأرمن و اليونانيين و الطلاينة و كل من ضاقت به بلده و عاني من الإضطهاد أو ضيق الرزق.و أعرف أن بعض هؤلاء ولدوا و عاشوا إلي أن ماتوا دون أن يكون لهم وطن غير مصر، و أذكر أن الأفلام القديمة كانت تمتلئ بفنانين من هؤلاء مثل نجيب الريحاني و استيفان روستي و إدمون تويما و بشارة واكيم و فيروز و لبلبة . لكني بالرغم من هذه المعرفة النظرية لم يسبق أن تعرفت علي هذه الفئات من المصريين سواء بحكم الجيرة في المسكن أو كزملاء دراسة أو رفقاء بالتجنيد أو في العمل. لم أعرف في مصر سوي المسلمين و المسيحيين الأرثوذكس، و سبب ذلك أن الفئات التي أتحدث عنها قد هاجر أغلبهم و تركوا مصر، و من تبقي منهم لم يدخلوا المدارس الأميرية التي تعلّم فيها أمثالي، لكن لهم مدارسهم التي يدرسوا فيها لغاتهم الأصلية علاوة علي الإنجليزية و الفرنسية و غيرها. عندما اقتربت منهم في كندا وجدتهم في غالبيتهم أشخاص في غاية اللطف و المودة، لغتهم العربية مكسرة و أغلبهم يستطيعون التحدث بها دون أن يعرفوا قراءتها أو كتابتها حيث لم يدرسوها في مدارسهم بمصر!. ولاحظت أنهم يحملون لمصر مشاعر طيبة نتيجة ذكريات الصبا ، و هي بالنسبة لهم مكان جميل يحنّون اليه، و إن كانوا يعترفون أن العودة اليه و الحياة به هي ضرب من المستحيل. ولقد رفضتُ بشدة رأياً متطرفاً لأحد الأصدقاء تحدث عن هؤلاء علي نحو سئ و ذكر أن أحداً منهم لم يعد ليساند مصر بعد 67 و لم يتطوع ليحارب اسرائيل، و رأيت أن هذا الرأي فاسد و غير منصف، ذلك أن المهاجر الشامي أو الجريجي أو الأرمني لم يترك وطنه الذي تجتاحه النكبات من أجل أن يحارب هنا! و حسْب هذا المواطن أنه لا يخون مصر و لا يساهم في نهبها كما يفعل بعض من يتصل نسبهم الي سنوسرت الأول!
عندما رحل المخرج يوسف شاهين عام 2006 و شاهدت خروج جنازته من كنيسة الروم الكاثوليك تذكرت أن مخرجنا الراحل هو نتاج للتعدد و التنوع الذي كان يميز مصر، و أن يوسف شاهين كان أحد هؤلاء الذين أتحدث عنهم، هؤلاء الذين ينظر اليهم عموم المصريين علي أنهم خواجات رغم مصرية بعضهم الصميمة.
لا أدري هل من المناسب مع حالة الدروشة التي تنتاب عشاق شاهين إذا أتت سيرته أن أقرر أنني لم أنظر بارتياح إلي معظم أفلامه و أنني لم أر فيها اَيات العبقرية التي تحدث عنها البعض، و أنني كنت أشعر باستياء عندما أري الميديا ترقص من أجل فيلم جديد ليوسف شاهين ذهب به إلي "كان" بعد أن قدم الخلطة المناسبة للمهرجان و المُرضية لجهة الإنتاج الفرنسية و مع هذا يعود خالي الوفاض دون جوائز!. ولا أنسي حجم الغضب الذي شعرت به حين خدع بعض النقاد الجمهور و أوهموهم أن شاهين قد فاز بجائزة مهرجان" كان" عن فيلم المصير، بينما الجائزة كانت شرفية و لا تخص عملاً سينمائياً بعينه. لقد أيقنت بعد فيلم المصير بالذات أن شاهين- و إن كان موهوباً في تقنيات السينما- إلا أنه لا يصلح لأن يعبر عن مصر أو يمثلها لأنه قدم فيلماً عن ابن رشد يتحدث أبطاله بعامية عزبة الهجانة. و لم يكن الأمر وجهة نظر إخراجية، لكن السبب أن يوسف شاهين لا يعرف اللغة العربية المكتوبة..هو يعرف العامية المنطوقة لكنه لا يقرأ الأدب العربي و لا الشعر العربي مثلما يقرأ الأدب الفرنسي و يفكر بالفرنسية و يكتب سيناريوهاته بها! ولم يكن الإستعانة بداليدا في فيلم اليوم السادس للقيام بدور فلاحة مصرية سوي تعبير عن الخفة و الاستهانة بالمشاهد العربي الذي لا يهمه في شيء، إذ أن عينه دائماً علي الغرب الذي ينتمي اليه ثقافياً، أما فيلم الاَخر فبالغ السذاجة و يحاول مناقشة قضايا كوكبية بسطحية شديدة، و قدم ظاهرة الإرهاب علي نحو بالغ الركاكة و الإفتراء علي الحقيقة بشكل يدفع الجمهور للتعاطف مع أعداء شاهين لا أن يكرههم! وهذا أيضاً لا يهمه..ما يهمه هو فرنسا وبالتحديد "مولد كان" الذي حضر ليلته الكبيرة دائماً و خرج منها بلا حمص!. و تبلغ الركاكة منتهاها في فيلم وداعاً بونابرت الذي يراه دراويش شاهين جوهرة فنية بينما هو فيلم فرنسي مائة بالمائة، حتي لو ردد بطله جملة خايبة تقول "مصرحاتفضل غالية عليّا". و حتي فيلم العصفور أراه حالة من الإدعاء و لا أصدقه، و علي الرغم من جودة فكرته إلا أن النائحة الثكلي ليست كالنائحة المستأجرة، و شاهين لا يعرف مصر حتي يقدم أحزانها علي الشاشة.. هو يراها بعيون سائح، و قد يكون هذا السائح طيب القلب لكنه سيظل يشبه النائحة المستأجرة، و كنت أتمني أن يقوم بإخراجه مخرج يري مصر بعيون مصرية و يختلط إبداعه بطين هذا الوطن لا بعيون مستشرق.
لا يعني ما سبق أنني لا أحب شاهين رحمه الله، لكنه يعني أنني أنظر إليه بحسبانه رجلاً عولمياً كوكبياً يحب سليمان الحلبي كما يحب كليبر و يؤيد السيد عمر مكرم دون أن يرفض المعلم يعقوب.. مثله مثل أصدقائي الذين عرفتهم في كندا.. ودودين و طيبين، لكني لا أستطيع أن أتعشم فيهم أو أن أطلب منهم حمل السلاح من أجل مصر، بينما أستطيع أن أطلب هذا من محمد خان و خيري بشارة و داوود عبد السيد و عاطف الطيب
مصر بعيون خواجة طيب
أسامة غريب
أعترف بأنني حين عشت في كندا قد تعرفت للمرة الأولي علي فئة من المصريين كانت مجهولة تماماً بالنسبة لي.
أعرف طبعاً أن مصر كانت في وقت من الأوقات جاذبة للشوام و الأرمن و اليونانيين و الطلاينة و كل من ضاقت به بلده و عاني من الإضطهاد أو ضيق الرزق.
عندما رحل المخرج يوسف شاهين عام 2006 و شاهدت خروج جنازته من كنيسة الروم الكاثوليك تذكرت أن مخرجنا الراحل هو نتاج للتعدد و التنوع الذي كان يميز مصر، و أن يوسف شاهين كان أحد هؤلاء الذين أتحدث عنهم، هؤلاء الذين ينظر اليهم عموم المصريين علي أنهم خواجات رغم مصرية بعضهم الصميمة.
لا أدري هل من المناسب مع حالة الدروشة التي تنتاب عشاق شاهين إذا أتت سيرته أن أقرر أنني لم أنظر بارتياح إلي معظم أفلامه و أنني لم أر فيها اَيات العبقرية التي تحدث عنها البعض، و أنني كنت أشعر باستياء عندما أري الميديا ترقص من أجل فيلم جديد ليوسف شاهين ذهب به إلي "كان" بعد أن قدم الخلطة المناسبة للمهرجان و المُرضية لجهة الإنتاج الفرنسية و مع هذا يعود خالي الوفاض دون جوائز!.
لا يعني ما سبق أنني لا أحب شاهين رحمه الله، لكنه يعني أنني أنظر إليه بحسبانه رجلاً عولمياً كوكبياً يحب سليمان الحلبي كما يحب كليبر و يؤيد السيد عمر مكرم دون أن يرفض المعلم يعقوب.. مثله مثل أصدقائي الذين عرفتهم في كندا.. ودودين و طيبين، لكني لا أستطيع أن أتعشم فيهم أو أن أطلب منهم حمل السلاح من أجل مصر، بينما أستطيع أن أطلب هذا من محمد خان و خيري بشارة و داوود عبد السيد و عاطف الطيب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق