الجمعة، 5 يونيو 2015

من "الفاتح" إلى "أردوغان"...الحلم يتجدد

من "الفاتح" إلى "أردوغان"...الحلم يتجدد
إحسان الفقية



(لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش).

كان ذلك الطفل الصغير يستمع إلى هذا الحديث الذي دأب معلمه على أن يهمس به في أذنه، وهو يعبُر ببصره إلى تلك المدينة العتيقة "القسطنطينية"، يحلم بأن يحقق النبوءة التي كانت حلمًا يداعب أجفان قادة المسلمين العظام من عهد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.

شبَّ الطفل على ذلك الحلم، وجمع همّه وعزمه لتحقيق أمنيته، حتى وجد نفسه بعد سنين من الإعداد والتجهز على أسوار القسطنطينية.

ولما طال الحصار، واشتد البأس، واحمرت الحُدق، لامس عزمه الثريا، فقال: "غدا سوف يكون لي فيها عرشٌ أو قبر".

وتحقق الحلم، ودخل الأمير القسطنطينية فاتحًا، متواضعًا، مترجمًا عدل وسماحة الإسلام، فلا عجب أن يخلد التاريخ ذكره باسم "محمد الفاتح".


وبعد 562 عامًا:


(لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش).


يتلوه هذه المرة، حفيد محمد الفاتح، زعيمٌ قد استلهم ذات الروح، وسارت في عروقه ذات الدماء، وجمع همّه وعزمه على تحقيق حلم جديد، وفتح جديد.

أبكانا "رجب طيب أردوغان" وهو يتلو هذا الحديث باللغة العربية على أسماع مئات الآلاف من الأتراك الذين احتفلوا معه بالذكرى الـ 562 لفتح القسطنطينية (إسطنبول)، وتابع العالم بأسره هذا المشهد المؤثر، الذي يربط أحلام الماضي بالحاضر، ويبشر بفجر عهد جديد لتركيا وللأمة بأسرها.

ويأتي الاحتفال بتقدير السميع العليم في وقت تُحبس فيه الأنفاس، إذ لا يفصل هذا الاحتفال عن الانتخابات التركية المرتقبة سوى بضعة أيام.


وبينما تخوض الأحزاب التركية تلك الانتخابات لنيل مآرب تتنوع ما بين عرقلة مسيرة الحزب الحاكم، وبين إثبات حالة في المشهد السياسي، وبين تحقيق مكاسب عرقية، يخوض حزب العدالة والتنمية الذي أسسه أردوغان، تلك الانتخابات بحلم بناء تركيا الجديدة.

أردوغان الذي يثلج صدورنا في كل حدث بالتأكيد الصريح أو الضمني على الهوية الإسلامية، وربط تركيا الجديدة بتراثها العثماني ذي الخلفية الإسلامية.

أردوغان لا يخفي تلك الهوية ويفتخر بها، ويبرز أمام الشعب التركي أن تلك الهوية هي الحل وهي المخرج، فقط إذا وجدت الفكرة رجالا مخلصين صادقين يعملون من أجل بلادهم.

أردوغان الذي يحلم بتركيا الجديدة، ويعلم أن الطريق إليها يمر عبر الانتخابات المرتقبة، يحسن توظيف الأحداث من أجل تحقيق هذا الحلم.


"سنلتقي في منطقة (يني كابي) في مدينة إسطنبول لنحيي الذكرى الـ562 لفتح إسطنبول، سنلتقي من أجل تركيا الجديدة، ومن أجل إحياء روح الفتح".

هذا ما غرد به أردوغان وهو يضرب الموعد مع شعبه للاحتفال بالفتح، ويربطه ببناء تركيا الجديدة، يسعى لإحياء روح هذا الفتح في الجماهير التركية، لاستعادة المجد التليد.

"الفتح يعني كسر جميع الأصنام والتوجه للقبلة الوحيدة بيت الله الحرام، والفتح يعني فتح سيدنا عمر رضي الله عنه لمدينة القدس، وفتح صلاح الدين الأيوبي للقدس ورفع راية الإسلام فيها من جديد، والفتح يعني النهوض بتركيا من جديد".

مرة أخرى يؤكد أردوغان على الهوية الإسلامية، فالرجل الذي قاد فريقا استطاع خلال فترة وجيزة تغيير وجه الحياة في تركيا، لا يتوارى بجذوره الإسلامية، إنه يوجه رسالة إلى الشعب التركي مفادها: هذا هو الإسلام الذي خوفكم منه العلمانيون من أنه سيقودكم إلى التخلف، حمله فئام من الناس يؤمنون بمبادئه، وبقيم العدل والحق وروح الكفاح والنضال التي أرساها، فتغيرت حياتكم، في الوقت الذي جثم هؤلاء الناعقون على صدوركم عقودًا، ولمّا يقدموا شيئًا لكم.

"إن شاء الله سيكون الفتح مجددا في السابع من حزيران/ يونيو القادم (موعد الانتخابات البرلمانية)، أهم منعطف في طريق الوصول لتركيا الحديثة، وسنتجاوزه بالوحدة والتعاون والأخوة، فالفتح معناه الوحدة والتعاون والتآخي للنهوض والإرتقاء بتركيا من جديد".

ها هو أردوغان، يربط الماضي بالحاضر، ويستلهم من التاريخ وعبقه ما يحرك به القلوب والهمم تجاه بناء تركيا الجديدة، ويضع الكرة في ملعب الشعب التركي، ليدعم حكومته العين الساهرة على راحته ونهضته.

فالحزب الذي يتفانى من أجل شعبه منذ نشأته، لم يعتمد على شيء بعد الله سوى ذلك الشعب، والذي ساند بدوره الحزب الحاكم في جميع معاركه، وهو الآن ينتظر من الأتراك أن يكملوا المسيرة، ولا يلتفتوا للدعوات المغرضة، من أجل بناء تركيا الجديدة.


"لن نترك الساحات لمن يسعى لإخماد أنوار الفتح المضيئة في إسطنبول منذ 562 عاما، وسنقف في وجه كل من يستهدف صوت الأذان في هذه المدينة".

رسالة واضحة إلى الكيان الموازي وحلفائه، الذين يعملون من أجل عرقلة المسيرة التي بدأت منذ 13 عامًا، وإلى الأحزاب العلمانية التي تتأذى من ظهور شعائر الإسلام في تركيا.

هل يتحقق حلم أردوغان ونرى فتحا جديدا؟ هذا ما سوف تسفر عنه الأيام القادمة، ولا نملك حيالها سوى الدعاء..والانتظار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق