دين يتوعد بجهنم كل من يعذب هرة … كيف استباح من يحكمون باسمه تعذيب وإرهاب كل حر وحرة
بقلم د . عبدالله الحامد
إن كثيرا من معايير القضاء التي عرفتها الأمة الإسلامية في ظلال طغاة الاستبداد، وغبش فقهائه، ناقصة أو مزاجية أو قمعية أي غير شرعية، ولاسيما في عصر هيمنة الأمركة والفرنجة والصهينة؛ وإنما هي ضلال وطغيان، ولاسيما في الحقوق السياسية.
أ / ضمان حقوق المتهم:
ومن معايير نزاهة القضاء في الإسلام واستقلاله؛ ضمان حقوق المتهم، ومن ذلك تطبيق قاعدة: (المتهم بريء حتى تثبت عليه التهمة)، وقاعدة (لا عقوبة على الشبهة)، لأن الأصل براءة الذمة. قال ابن تيمية " لا تسوغ العقوبة بالشبهة" بل سقوطها بالشبهة أقرب إلى قواعد الشريعة ، من إثباتها بالشبهة، ولذلك جاءت قواعد إثبات الجرائم في الإسلام متشددة جداً، إذا قورنت بقواعد الإثبات الوضعية ، لأن إفلات المذنب من العقاب أفضل من وقوع البريء فيه ، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " ادرأوا الحدود بالشبهات ".
ولضمان عدم خداع المتهم واستغلال جهله وضعف إرادته؛ يجب ذلك أن يسمح للمتهم ولاسيما الحبيس بتوكيل محام للدفاع عن نفسه عنه يحضر أثناء التحقيق وأثناء المحاكمة معا.
ولا نزاهة ولا استقلال للقضاء؛ إذا كان الذي يحقق مع المتهمين غير ذي أهلية قضائية، أو غير تابع لسلطة قضائية مستقلة.
ولا نزاهة ولا استقلال للقضاء؛ ما لم تكن السجون ملحقة بوزارة العدل، ومالم يشرف عليها القضاء، وما لم يستطع القضاء التأكد من عدم انتهاك حقوق المتهم والسجين ومن عدم التعذيب.
لقد أقر الإسلام هذه الحقوق ، قبل أن يقول بيان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان " لكل إنسان الحق على قدم المساواة مع الآخرين في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة ، نظرا عادلاً " (المادة9). وقبل أن يقول بيان حقوق الإنسان " كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى إن تثبت إدانته ، بمحاكمة علنية ، تؤمن له فيها الضمانات بالدفاع عن نفسه" (المادة:11).
ومن قواعد نزاهة القضاء في الإسلام؛ عدم الأخذ بإقرارات الخوف والتخويف(الإكراه)، ومن ما أثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا " ليس الرجل بمأمن على نفسه إن أجمعته أو أوثقته أو ضربته أن يعترف على نفسه " كما ذكر عبد الرزاق في المصنف ، وهذا المبدأ الإسلامي الفريد لم تصل إليه البشرية؛ إلا في عصر الحاضر، عندما قال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 10/12/1948م " لا يعرض أي إنسان للتعذيب أو العقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو المخلة بالكرامة " ( المادة : 5 ).
ب / الحبس-في الإسلام- تعويق عن الحركة:
الحبس في جميع شرائع العدل، ولا سيما في الإسلام إنما هو محصور بتعويق الشخص ومنعه عن التصرف بنفسه، فلا تضييق فيه ولا تعذيب، كما قال ابن القيم "الحبس الشرعي ليس هو الحبس في مكان ضيق ، إنما هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه ، سواء كان في بيت أو مسجد، أو بتوكيل الخصم أو وكيله وبملازمته له"( الطرق الحكمية:66).
من أجل ذلك أوجب الفقهاء أن يكون السجن واسعاً، وأن ينفق على السجناء من بيت المال، وأن يعطي كل واحد منهم كفايته من الطعام واللباس، وهذا أمر بديهي، لأن الإسلام أوجب ذلك للحيوانات بله الإنسان. كما في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه " عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ".
إن دينا يرفض تعذيب الحيوان، لا يمكن أن يسكت عن الذين يعذبون الإنسان.
ج / حقوق المسجون على التهمة:
واتفق الفقهاء على أن (العدل)المعروف باستقامة السلوك، حتى لو اتهم بجريمة كبيرة، فلا يسجن لمجرد التهمة، وهذا أمر يتسق مع مقاصد شريعة العدالة، أي أنه ينبغي أن يحقق معه دون سجنه، ويخلى سبيله إن لم تكن القرائن قوية، لدى الحكومة المنتخبة شعبيا، التي تخضع للمراقبة والمحاسبة،-لاحكومات الفرعنة التي تغتصب إرادة الأمة-، لأنه بريء حتى يثبت عليه ذنب، وذلك لأن الحبس عقوبة كما ذكر ابن القيم ( الطرق الحكمية:66)، ولا تجوز العقوبة إلا بحكم قضائي، ولكي لا يصبح الخوف سيد الأخلاق؛فرضت الدول الشورية العادلة، أن لا يعتقل الفرد العادي، إلا إذا كان متلبسا بجريمة، أو إذا قويت القرائن على اتهامه بتهمة خطيرة، وخيف أن يهرب أو أن يتلاعب بالأدلة.
وقرر الإسلام أن السجن ( عقوبة ) شرعية ، أي أن الذي لم يصدر ضده حكم قضائي، لا يجوز سجنه إلا بالضوابط التالية :
أولا:أن يكون المتهم من المعروفين بالفجور والانحراف، بل قرر بعض العلماء –المعنيين بقضايا الحقوق والعدالة والحرية كابن حزم؛ أنه لا يجوز أن يسجن أي شخص على التهمة ، حتى ولو كان معروفاً بالفجور (الحبس :170) ونصوا على أنه " لا يحل ولا يسع إن يحبس رجل بتهمة رجل له، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأخذ الناس بالقرف " أي التهمة ( أبو يوسف : الخراج : 176).
ثانيا:أن تكون القرائن الأخرى قوية:فإن ضعفت القرائن لم يجز سجنه-حتى لو كان معروفا بالانحراف- كما أكد ذلك ابن حزم وغيره من العلماء الذين استدلوا بقوله تعالى " وما يتبع أكثرهم إلا ظناً، و إن الظن لا يغني من الحق شيئاً "(يونس:36)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إياكم والظن فإن الظن اكذب الحديث " وهذا وذاك يدل على تحريم الاعتماد على الظن المجرد من الدليل.
بل إن القول بسجن المعروف بالفجور على المتهم، اعتمادا على الظن قول ضعيف، فضلا عن المجهول الحال. وأضعف منه القول بسجن مجهول الحال سجن استظهار حتى تبين الأمر، من باب الاحتياط،(انظر:الأحمد : الحبس في الشريعة:164).
ثالثا:إن لا تتجاوز مدة الحبس على التهمة أسبوعا، فذهب جمهور العلماء إلى أن مدة ذلك مقدرة بيوم أو يومين، أو ثلاثة على الأكثر (الحبس:167) وفي جامع الخلال عن أبي هريرة رضي الله عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة يوماً وليلة (الطرق الحكمية:102).
ومن الظلم الفادح أن يسجن الإنسان المستقيم العدل على التهمة ، أي من دون حكم قضائي عليه.
د / وسجون الفراعنة (الفاتكين بقوامة الأمة) تضييق وتعذيب:
وإذا تأملت هذه القواعد العادلة؛ وجدت كثيراً منها مضيعاً في عالم دولة الجبر والجور العربية المستكينة لهيمنة الصهينة والفرنجة والأمركة، فقد يسجن الإنسان، ولا أحد يدري ما ذنبه، ولاسيما الآمرون بالمعروف والإصلاح والعدل والشورى وأصحاب الرأي، وقد يظل بعضهم في السجن بضع سنين من تحقيق إلى آخر، ولا يسمح له بمحام يدافع عنه، بل ولا يسمح للقاضي أن يبت في أمره.
إن كثيرا من معايير القضاء التي عرفتها الأمة الإسلامية في ظلال طغاة الاستبداد، وغبش فقهائه، ناقصة أو مزاجية أو قمعية أي غير شرعية، ولاسيما في عصر هيمنة الأمركة والفرنجة والصهينة؛ وإنما هي ضلال وطغيان، ولاسيما في الحقوق السياسية.
ومنفذوها من الحكام المضلين ، الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم : " إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ". قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن حفيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمنا الله وإياهما: " أي الأمراء والعلماء والعباد، الذين يحكمون فيهم بغير علم فيضلونهم، كما قال الله تعالى، حكاية عنهم:"قالوا إننا اطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا "، وعن زياد بن حدير قال : قال لي عمر بن الخطاب : هل تعرف ما يهدم الإسلام ؟ قلت : لا ، قال : يهدمه زلة العالم ، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين"، رواه الدارمي ( فتح المجيد:271).
ولذلك لا يجوز للناس طاعة هذه الأحكام ، فلا يجوز للناس أن ينتظموا في سلك قضاء غير مستقل عن الحكومة، دون أن يعملوا على إصلاحه أو أن يعلنوا استقالاتهم المعلنة للأمة منه في يوم ما.
ولا يجوز للموظفين أن يصبحوا منفذين إداريين ينفذون أحكامه ، دون أن يعملوا على إصلاحها أو يعلنوا استقالاتهم المعلنة للأمة منها في يوم ما، واستمرارهم فيها من المعاصي الكبرى، ولاسيما إذا كانوا من الصالحين، لأن الأمة تسكت فتهلك بسكوتهم، وتنخذل عن مقاومة الجور بضعفهم، من أجل ذلك اعتبر الشيخ محمد بن عبد الوهاب أمثالها شركاً فقال في باب صريح : "من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أرباباً من دون الله" (فتح المجيد: 390).
ومن طغيان السلاطين أن تجد رجال المباحث والمخابرات، مِن مَن ليست لهم أهلية قضائية شرعية، وهم يحققون ويسجنون ويؤذون أهل العلم والرأي وطلاب العدل وحكم الأمة والإصلاح. ولمزيد من بيان حقوق المتهم انظر للكاتب
(حقوق المتهم بين نور الإسلام وغبش فقهاء الطغيان/دار بيسان/ ط:الأولى بيروت).
فكيف نعود إلى الحكم في القضاء بما أنزل الله؟
فكيف نعود إلى الحكم في القضاء بما أنزل الله؟
أليس بالبيعة الشرعية على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، التي مقتضاها قوامة الأمة على ولاتها مطلبا، وبالجهاد السلمي مركبا؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق