الثلاثاء، 31 أكتوبر 2023

ماذا لو حاربت الأنظمة العربية مع المقاومة؟

 ماذا لو حاربت الأنظمة العربية مع المقاومة؟

يوسف الدموكي

صحفي، وطالب بقسم التلفزيون والسينما 

في كلية الإعلام بجامعة مرمرة


في أوّل الحرب، مع زيادة غطرسة الاحتلال وعجرفته، كان الجميع ينادي الحكام العرب، الحكومات، الجيوش التي بالملايين، وقد صدئت أسلحتها قبل أن تضرب طلقة واحدة على العدو (لا مواطنيها أو الأبرياء): 

"من فضلكم، أعينوا غزة في معركتها، 360 كيلومترًا فقط تحاربه إسرائيل بكلّ ما أوتيت من قوة، بجيشها نصف المليونيّ، بعدده واحتياطه، وعتادها المتطوّر، وحلفائها الغربيين الفاشيين، كلّ هؤلاء حرّكوا مقاتلاتهم، وبوارجهم، وكتائب من جنودهم، وناقلات طائراتهم، ليمثلوا دعمًا استراتيجيًّا ومعنويًّا للاحتلال، أفلا تحركون دبابةً واحدةً على الحدود؟". 

والذي حدث، أنّه، حتى مع القصف الإسرائيلي "الخاطئ" لأراضٍ عربية، بقيت الأنظمة "أعقل" من الشعوب الغاضبة، وقبلت الاعتذار بطيب نفس ورضا!

لكن، مع الوقت، وتتابع مجريات الأحداث، والانبهار كلّ مرّة بقدرات المقاومة رغم قلّة الإمكانات، ومحدودية المكان، والاهتمام بكلّ التفاصيل، وفن اختيار التوقيت، واللقطة، والمكان، وتفرّد الخطاب الإعلامي، والتخطيط العسكريّ، والدهاء السياسيّ، بتُّ أنظر إلى الأمر بشكل مختلف، نقلني من السخط على الأنظمة الجبانة إلى الرضى عن الوضع بهذه الصورة، ولا أتمنى إلا أن يبقى كذلك؛ لأن دخول حكومات المنِّ والأذى على الخط، سيكون كمن حضر العراك في آخر دقيقة، ثم يتفاخر بأنه صاحب الضربة القاضية.

أقول الحمد لله أنّ المقاومة تحارب وحدها، بمفردها تمامًا، لأنّ مجرّد تخيّل ما هو غير ذلك يصيبني بالقلق، لأنّ أيّ تحرّك عسكري أو مشاركة استراتيجية بقيادة هذه الأنظمة المطبّعة كان سيبقى كارثيًّا، ومعدلات الخيانة المتوقعة أعلى بكثير، وستكون الخسارة في النهاية قدرًا محتومًا، لأنّك حينها ستعطي ظهرك (لا سمح الله) لمن قد يطعنك، وأنت في لحظة النصر المنتظر؛ ولأنهم لا يتخيلون أمنهم من دون أمن "إسرائيل"، ولأنّ المقاومة بالنسبة إليهم حركة تمرّد على الواقع، العدوى التي لو انتقلت إلى شعوبهم فلن تُبقي ولن تذر. ولذا هم يريدون إثبات النظرية التي يعيشون عليها، ويقتاتون حكمهم منها، أنّ الدول أقوى من الشعوب، وأنّ أي حركة "تحرّر" لا بد أن تخمد، لأنّ الاستقرار أغلى من ذلكم جميعًا.

لا تتخيّل الأنظمة العربية أمنها من دون أمن إسرائيل، والمقاومة بالنسبة لها حركة تمرّد على الواقع، العدوى التي لو انتقلت إلى شعوبهم فلن تبقي ولن تذر

لذا بتُّ أفضّل وحدة المقاومة، ولو فيها تفرّق الحكام، لأنّ المقاومة لا تريد إلا المقاومة وآثارها ومكاسبها، لا تُعنى بالمعادلات والتوازنات والتفاهمات الدولية التي قد يخبرك بها الحاكم بعد نومه ليلةً في فراش نتنياهو بتل أبيب، أمّا هؤلاء المناضلون الأشاوس، فإنّهم يحرمون أنفسهم أدنى حياة طبيعية، يتجرعون أمرّ الفقد في أهلهم ومالهم وأعمارهم، يعيشون تحت الأرض في ضيق الهواء والمكان والظروف، لا لشيء إلا ليحرّروا ما فوق الأرض وتنقية الهواء والمكان والظروف، من ذلك الاحتلال الذي يعكّر حتى النفَس الفلسطينيّ.

حتى تحوّل قلقي إلى اطمئنانٍ تام، حين وجدت المسألة محسومة منذ مئات السنين، حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على عدوهم ظاهرين – لا يضرهم من خذلهم"، فالنصر والظهور على العدو، لا علاقة له أبدًا، ولا يتأثر قيد أنملة بخذلان الأخ؛ وهو ما وجدته في كتاب الله الكريم أيضًا، حين وصف ذلك بدقة بالغة باهرة، موجزة، ومعجزة: "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّىٰ جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ".

وبالفعل، كلّ ذلك حدث، وصدق الله العظيم، ولم يبقَ لنا إلّا الجزء الأخير من الآية الأخيرة؛ أن يأتي الحق ويظهر أمر الله وهم كارهون.

فالحمد لله، أنّ المقاومة وحدها.



غزة التي عرّت أوروبا



فتح المعبر ... ستْر العوْرة

 فتح المعبر ... ستْر العوْرة

وائل قنديل

"حماس السبب!!.. 

هذه هي أكثر المبرّرات خسّةً التي يحاول بعضهم بها تبرئة "إسرائيل"، أن حركة حماس سبب مجازر "إسرائيل" في غزّة. يأتي هذا اللغو الشائن من الرؤساء والملوك والمسئولين العرب الموالين لأميركا ومن كثيرٍ ممن يكرهون الدين، فيكرهون أي حركةٍ دينيةٍ أيًّا كانت وأينما كانت، وبصرف النظر والعقل عن سياق ما تكونه.

يتحدَّث بعضهم عن جرائم "إسرائيل" على طريقة "ولكن". يدينها كأنه "بني آدم" وعنده دم، ثم سرعان ما يقول: "ولكن"، لكن إيه يا روح الوالدة، "لكن حماس هي السبب"، كأنه يقدّم المبرِّرات والأعذار لقتل الأطفال والأبرياء والمدنيين من دولة عنصرية نازية محتلة وغاصبة".

السطور أعلاه ليست لي، هذه الكلمات المنفلتة غضبًا، حدّ البذاءة، ليست كلماتي، بل هي اقتباس من مقال للكاتب المصري إبراهيم عيسى، قبل أن يتحوّل إلى صدى صوت للإعلام الصهيوني، العسكري منه والسياسي على السواء، كتبها عيسى في الصفحة الأولى من صحيفة الدستور في 3 مارس/ آذار 2008 عندما كان رئيسًا لتحريرها، إبّان عدوان صهيوني على غزّة في ذلك العام، وعثًر عليه موقع "ذات مصر" وأعاد التذكير به.

يختتم إبراهيم عيسى مقاله بهذه الفقرة: "فَهْمُنا أن الحكومات العربية تابعة ذليلة لـ"إسرائيل"، وفهمنا أنها عاجزة ومخصيّة عن أي فعل حقيقي دفاعًا عن نفسها وشرفها، لكن أن تصل الخساسة وقلة الأصل حدَّ أن نضع مسئولية المذابح الصهيونية والنازية على عاتق الضحايا والشهداء.. هل نساوي بين من يطلق مدفعًا وصاروخًا على من يحتله ويغتصب أرضه ويجوِّعه ويحاصره ويقتله ويذبح أطفاله.. هل نساويه بجرائم العدوان ومجازر المحتلين؟!. قولوا لنا: دمكم فصيلته إيه؟! هل يمكن أن يكون دمًا بشريًّا فعلاً؟".

فعلًا، يا عزيزي، السؤال في محله، لكنه ليس للحكومات العربية فقط، بل ينبغي توجيهه لك شخصيًا قبلها: دمك فصيلته إيه؟ هل يمكن أن يكون دمًا بشريًا فعلًا؟.

يمارس إبراهيم عيسى نوعًا نادرًا من التصهيُن يضعه في غلافٍ فاخرٍ من الوطنية الفاسدة، التي يذيبها النظام الرسمي في مياه الشرب، ويبثها في قنوات الإعلام ويدسّها في أعمدة الصحف ومقدّمات برامج التلفزة، وهي بضاعة تروج على نطاق واسع هذه الأيام، وتقوم على فكرة إدانة الضحية وتحميله المسؤولية، لأنه دافع عن وجوده وعن وطنه وعن شرفه، بزعم إنه لم يأخذ في الحسبان ميزان القوة بينه وبين المجرم. ليس هذا فقط، بل هذا الغائط الإعلامي والسياسي لا يتورّع عن إدانة الضحية على ردّ فعله الذي يجرح المعتدي.

لن يكون مهمًا هنا البحث في مقدّمات عملية الخصاء الفكري التي أجريت للكاتب الهصور، فصنعت منه واحدًا من مروّجي التصهين في الإعلام العربي، فالشاهد أن الرجل يردّد ما يريده الساسة العرب المشاركون في جريمة تدمير غزّة وإبادة شعبها، وفي مقدّمة هؤلاء ذلك الذي أشار على الكيان الصهيوني بتهجير الفلسطينيين قسريًا من غزّة إلى صحراء النقب، حتى يتحرّك بحرية في عملية القضاء على المقاومة التي أسماها الفصائل الإرهابية، ثم التزم في خشوع برغبة إسرائيل في إحكام الحصار على الشعب الفلسطيني في غزّة، حتى يخضع ويطلب التهجير إلى حيث يريدون، من دون أن يمتلك جسارة الشقيق ومروءته، حين يجد شقيقه يعتدي عليه حد الذبح، مكتفيًا بترديد النصّ الذي لا يتغيّر: لن نسمح بالتهجير إلى سيناء، معتبرًا أنه بذلك أدّى واجبه كاملًا.

الآن، وبعد أن دخل العدو الصهيوني غزّة واقترب من إكمال جريمته في التدمير الشامل والإبادة قد تسمع عن فتح معبر رفح وإدخال المساعدات والمعونات واستقبال الجرحى في الأراضي المصرية، بعد 26 يومًا من المجازر والمذابح، وقد يسارع النظام الرسمي العربي إلى تبكير انعقاد ما تسمّى القمّة العربية المقرّرة في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، وستسمع أصوات مزاد المساعدات المالية العربية لإعادة البناء والإعمار، غير أن ذلك كله لن يغيّر من الحقيقة الجارحة شيئًا، أن النظام العربي كله شريك في الجريمة هذه المرّة، ليس من واقع تصريحات نتنياهو التي أعلن فيها أن القضاء على "حماس" والمقاومة مطلب صهيوني عربي مشترك، بل من واقع أداء الحكومات العربية طوال أيام العدوان، حيث لم يجرُؤ مسؤول عربي واحد على أن يعلن دعمه المقاومة الفلسطينية، وأن يمتلك من النزاهة ما يمنعه من وضع حقّ، بل واجب المقاومة في الكفاح وحقّ الاحتلال في الاعتداء في كفّة واحدة.

إذا كنتم صادقين في حزنكم على الشعب الفلسطيني حقًّا اكسروا حصاره وادخلوا غزّة، عالجوا أهلها هناك، وزوّدوه بالمياه والوقود والغذاء، من دون أن تجبروه على النزوح. أقيموا مستشفياتكم هناك، وسيّروا قوافل الأطباء والإغاثة. ولكن كيف لكم ذلك، وأنتم لا تكفّون عن إصدار رسائل نابية من نوعية الحكم عسكريًا بالسجن المشدّد لأحد رموز الإغاثة عبد المنعم أبو الفتوح، وتدوير المحامية والعضو السابق في مجلس حقوق الإنسان، هدى عبد المنعم، وهي في العقد السابع من عمرها بقضية جديدة بعد خمس سنوات من الحبس الاحتياطي، واعتقال (وسجن) عشرات ممن صدّقوا دعوتكم الزائفة للتظاهر من أجل غزّة؟

مثل كل مرّة، يتبيّن أن الشعب في ناحية والنظام في أخرى. وهنا يسطع موقف الأزهر، الذي يعلن بشجاعة دعمه المقاومة ببيان تاريخي يقول في فقرة منه: تحية لكم أيها الأبطال، وأنتم تواجهون بإيمانكم البوارج وحاملات الطائرات وقاذفات الصواريخ، وتتصدّون لها من منصّة الإيمان بالله غير خائفين ولا متذلّلين".

مذكرات امرأة نزحت قسرا إلى عنبر الولادة القيصرية (1)

 

مذكرات امرأة نزحت قسرا إلى عنبر الولادة القيصرية (1)

كان يوما مستكملاً لغيره من الأيام. قصف نسمعه عن بعد أو قرب في كل مكان. عندما تقترب شمس النهار من الرحيل، نردد ببؤس: جاء الليل وهمه! إذ كان القصف يشتد ليلا، فلا يكاد ينام صغير أو كبير، إلا ويقفز من فراشه مذعورا!

لقد كنا كلنا نكره حلول الليل! وكان أولاد أخوتي الصغار ينكمشون في أحضان أمهاتهم، ليزداد شعورهم بالأمان! كان المذياع ينقل أخبار المجازر المتتالية لعوائل كاملة، فنخشى أن نلقى نفس المصير! كلما كنت اسمع عن مجزرة ما ويكون عدد الشهداء والجرحى بالعشرات؛ كلما كنت اشتغل غضبا وحرقة. أين المسلمون من كل ما يجري في غزة؟ كيف تغمض لهم أجفان، ودماء شعبنا تراق على أيدي أعداء نبيهم؟

كنت أول الساكنين في البرج منذ فبراير عام ٢٠٠٢، وفيه أنجبت ابنتي الوحيدة نور، كم كان يحوي هذا البيت من الذكريات! كنت امتلك مكتبة كبيرة تحوي مئات الكتب والمجلدات المهمة في شتى المجالات، فضلا عن المئات من قصص ومجلات الأطفال، التي كنت احتفظ بها منذ طفولتي!

عشرات العائلات غادرت الحي الذي يقطنه أهلي، وكنت أنا قد لجأت للعيش في بيت أهلي، بعدما قام الاحتلال بتدمير برج زغبر في حي النصر، الذي فيه شقتي في أول أيام الحرب. كان أول برج يقوم الاحتلال بتدميره! لم يتركوا أي فرصة للسكان لأخذ مقتنياتهم الهامة، خرج السكان سريعا يفرون بحياتهم وحياة أطفالهم!

كنت أول الساكنين في البرج منذ فبراير عام ٢٠٠٢، وفيه أنجبت ابنتي الوحيدة نور، كم كان يحوي هذا البيت من الذكريات! كنت امتلك مكتبة كبيرة تحوي مئات الكتب والمجلدات المهمة في شتى المجالات، فضلا عن المئات من قصص ومجلات الأطفال، التي كنت احتفظ بها منذ طفولتي! وفيه أرشيف أعمالي الأصلية، المخزنة في عدة هاردات، على مدار ثلاثين عاما، وجوائز ودروع وشهادات تكريم محلية وعربية ودولية، كلها دفنت تحت ركام خمسة طوابق، تم تدميرها وتدمير شقاء أصحابها في ثانية واحدة!

كل يوم يمر، كانت تتناقص فيه فرص بقاء الأمن في بيت أهلي! قطع الاحتلال للكهرباء بشكل تام، منذ بداية الحرب، حال دون إيصال الماء إلى الخزانات على أسطح المنازل، مما يعني مأساة بيئية في كل بيت، حتى العربات التي كانت تزود البيوت بمياه الشرب المفلترة، ما عادت تعمل! باعة الخضروات المتجولين، ما عدنا نسمع أصواتهم في الطرقات! والأطفال الذين كانوا يلعبون الكرة، ويملؤون المكان ضجيجا بأصواتهم، تركوا الكرة ورحلوا مع عائلاتهم! قطط الشوارع الجائعة، كانت تتجمع حول أكوام القمامة المتراكمة، تبحث عن الطعام! كنت أسمع صوت قطة تموء طوال اليوم، تبين لي فيما بعد، أنها كانت تبكي صغيرتها الميتة! بقيت تموء قربها لساعات طويلة، ثم تلاشى الصوت، ربما رأف أحد المارة بها، فدفن صغيرتها! تذكرت قطتي وصغارها الثلاث في بيتي الريفي متواضع البناء في منطقة التوأم، شمالي القطاع، وتذكرت مزروعاتي ودجاجاتي العشر، كنت أضع الماء الوفير في كل زاوية قبل الحرب، في فترة الحر، حتى اكتسب ثواب إسقاء العصافير.

إسقاء العصافير والقطط الأخرى التي تزور المكان بين الفينة والأخرى. تم تدمير هذا البيت أيضا، بكل ما يحيطه من مشاريع سكنية حديثة، وتم تدمير أبراج نايف الثلاثين، والتي أنشئت بتمويل وإشراف سعودي، هذه الأبراج أنشئت خصيصا لمن تم تدمير بيوتهم في حرب٢٠١٤!

تم تدمير الأبراج على مراحل، ولعدة أيام، على شكل أحزمة نارية، كنت اسمع صداها، وانا أبعد عنها مسافة ثلاث كيلومترات!

 

بعد أذان العصر مباشرة، ارتج القطاع بأسره، إثر قصف الطيران الحربي لمربع سكني يمتد ما بين تقاطع شارع اليرموك مع منطقة الغفري، مرورا بشارع الجلاء، بقرابة عشرة صواريخ مدمرة متتابعة في على شكل حزام ناري ضخم!

كان صوت السيارات التي تقل جيراننا، إلى خارج الحي، منذ الصباح الباكر، تجعل خوفنا يتصاعد، فالعيش بغير جيران، وفي أجواء الحرب، أمر موحش جدا!! بقيت أمي مترددة في أمر الخروج من البيت، لأنها لا تخرج إلا بالكرسي المتحرك، بعدما أجرت عملية الغضروف في ظهرها!

بعد أذان العصر مباشرة، ارتج القطاع بأسره، إثر قصف الطيران الحربي لمربع سكني يمتد ما بين تقاطع شارع اليرموك مع منطقة الغفري، مرورا بشارع الجلاء، بقرابة عشرة صواريخ مدمرة متتابعة في على شكل حزام ناري ضخم! اعتقدنا حينها أن الطيران سيقصف الآن لا محالة المربع السكني الذي نقطنه! أصوات سيارات الإسعاف وسيارات الدفاع المدني لم تتوقف، يبدو أن مجزرة مروعة تمت في المكان المستهدف!

كان قرار النزوح الآن حاسما، ودون تفكير! خرجنا من البيت ومن تبقى في الحي، نكاد نطير مسرعين هرولة، هائمين على وجوهنا، نحمل بعضا من أمتعتنا الخفيفة الهامة، متجهين صوب مشفى الشفاء.

أهم ما يحمله النازح في حقيبته، مفتاح بيته، والشهادات والهوية الشخصية الخاصة به وبأولاده، وما يحمله من مال، أو ذهب زوجته، وما خفّ من الملابس، حتى لا تشكل ثقلا عليه، إن دعته الظروف للهروب السريع! أما إن كان يخطط للبقاء في المكان الجديد، فإنه يحمل بعض الفرشات، والمخدات والأغطية!

كان شارع الجلاء من الشوارع الجميلة الواسعة، يبلغ عرضه قرابة الأربعة والعشرين مترا. وعلى جانبيه البيوت والبنايات الكبيرة، والمحلات التجارية المختلفة والصيدليات، كما يتوسطه سطر طويل من الأشجار الكبيرة، والتي تصنع ظلا وارفا، وبيئة خضراء تسر الناظرين.

بعد ثمانية عشر يوما من بداية الحرب، تعرضت كثير من البنايات على جانبي الشارع إلى القصف والتدمير، وتبعثرت حجارة البيوت وأثاثها المهشم في عرض الشارع! وتوشحت الأشجار الخضراء الواقفة والمتساقطة بشال كبير من الغبار الرمادي الشاحب! فيما تمددت الأعمدة وأسلاك الكهرباء المقطوعة كجثث هامدة! واجهات المحلات المغلقة كانت منتفخة للخارج من هول القصف، وحتى البيوت في الشوارع الفرعية، التي تربط شارع الجلاء، بشارع اليرموك، طالتها يد القصف المباغت! فهدمت الأسقف والجدران فوق رؤوس أصحابها! وزجاج الشبابيك تفتت على الأرض كأكياس الأرز المبعثر! حبال الغسيل المعلقة على الشرفات، كانت لا تزال تحوي ملابس أصحابها، كل ألوانها بات هي أسودا! الإسفلت كان في بعض أجزائه مشققا، تملؤه الشروخ العميقة، وكأن المكان قد تعرض لزلزال مدمر! أي همجية ينتهجها الجيش الذي يدعي التحضر والإنسانية! فيضرب بيوت الآمنين من النساء والأطفال في بهيم الليل، ودون سابق إنذار!! هذه الحرب البربرية أثبتت أن الطفل الفلسطيني هو القوة العسكرية، التي يخشى الاحتلال تعاظمها!!

سيارتان مسرعتان، قامتا بإيصال عائلتنا كاملة، بعدما سرنا طويلا وسط الخوف. فيما لم تتوقف الطائرات الحربية والزنانة، تمخر عباب السماء، نافثة رائحة الموت في كل مكان.

الضربة الكبيرة كانت في منطقة الغفري، والتي تبعد قرابة نصف كيلومتر عن بيت أهلي، وهو مكان يجب أن نمر به، طالما أردنا الوصول لمشفى الشفاء.

لم نجد أي سيارة تسعفنا، لنهرب من أي قصف إضافي محتمل. كل السيارات تفر بسرعة الصاروخ، تحمل على ظهرها فراشاً وأمتعة، وفي بطنها يتكدس أفراد العائلات! وكأنه يوم الحشر، الكل يريد الفرار!!

ما أن اقتربنا من منطقة الغفري، حتى اتضح هول ما أصاب هذا المربع السكني الضخم من دمار. المربع يتسع ليشمل البيوت الممتدة بين شارعي الجلاء واليرموك! عشرات الشهداء ومئات الإصابات ومئات المدفونين تحت ردم البيوت! كيف تقوى سيارات الدفاع المدني المتواضعة والتي يستهدف الاحتلال طواقمها أيضا، في رفع كل هذا الركام، وإيجاد الضحايا على عمق ستة طوابق في بعض البنايات، كبناية التاج في شارع اليرموك، والتي انطبقت كلها على بعضها، كأن لم يكن بينها جدران وأعمدة تفصل بينها!

سيارتان مسرعتان، قامتا بإيصال عائلتنا كاملة، بعدما سرنا طويلا وسط الخوف. فيما لم تتوقف الطائرات الحربية والزنانة، تمخر عباب السماء، نافثة رائحة الموت في كل مكان.

وصلنا لمشفى الشفاء، وكانت أول مرة أدخلها بعد الحرب، النازحون يفترشون كل سنتيمتر فيها! عائلات كثيرة صنعت من الأغطية خياما تقيهم شمس النهار، وبرد الليل، وتستر عوراتهم، وخيام أخرى خاصة بالصحفيين ووكالات الأنباء، وآخرون كثر بلا خيام ولا أغطية! يفترشون واجهات مباني المشفى، وفي ساحاتها الخارجية!

روائح عديدة تنتشر في المكان، فهنا باعة القهوة والمشروبات الساخنة الأخرى، وهناك من يطهو الأرز بمرقة ماجي ويبيعها للنازحين، وهناك من يقلي الفلافل والبطاطس والبزر والفستق، وهنا يجلس باعة المعلبات من السردين واللحوم والبقوليات، وهناك يجلس باعة الملابس الخاصة بالصغار والكبار من كلا الجنسين، وهنا يفترش الأرض باعة الأغطية الشتوية، وهناك باعة حاجيات الأطفال! وبين كل هذه الأزقة تتراكم أكوام القمامة! فالبلدية باتت شبه عاجزة عن القيام بعملها، في ظل استمرار القصف، وتهديد سلامة طواقمها! أما المساحة الأخرى الأكبر، فقد اكتظت بالأكفان البيضاء، منهم من هو معروف صاحبها، وكثير منهم من هو مجهول الهوية!! ٱثرت أن أبتعد بناظري عنهم، لقد آلمني حجم الفقد! لقد آلمني حسرات الأهالي ونحيب الآباء!!

توجهت إلى الطابق الثالث في قسم الولادة القيصرية، حيث كانت أختي بصغارها تنتظرني هناك، سعدت أنني سأجد أناسا كثيرين، يخفف ضجيج أصواتهم هول صوت القصف!

ونمت طويلا، بعدما كنت أفتقد النوم لليال سابقة! نمت وأنا أعتقد أنني سأمكث يومين أو ثلاث، وتنتهي هذه الحرب القاسية!!

الزعيم اللئيم والصعلوك الكريم (14)

 الزعيم اللئيم والصعلوك الكريم (14)

أحمد عبد العزيز 

الحديث عن الزعيم اللئيم ليس منفصلا عما يجري (اليوم) على أرض فلسطين التاريخية.. إنها سلسلة مترابطة الأحداث استغرقت قرنا إلا ربع.. قدم خلالها الزعماء اللئام (وهم كُثر) ما استطاعوا؛ لتمكين الصهاينة من أرض فلسطين، وإطالة عمر الاحتلال، كلٌّ بطريقته وأسلوبه، تحت شعارات وطنية، وعروبية، وإسلامية أيضا!

لقد ظن المطبعون والمتصهينون أن الكيان المحتل دانت له المنطقة بأسرها، وباتت له الكلمة الأولى والأخيرة فيها، فهرولوا لنيل رضاه، والتعاون معه فيما يسمح لهم بالتعاون فيه، ومنح الجنسية لآلاف "مواطنيه" متعددي الجنسية أصلا! وما علم هؤلاء المعجبون أنهم قد هرولوا إلى بيت عنكبوت ينتظر نفخة من المقاومة ليصبح أثرا بعد عين، كما حدث لفرقة غزة التي أبيدت عن آخرها، في أول ثلاث ساعات من الهجوم الذي نفذته نخبة المقاومة، في ما يسمى "غلاف غزة"، مع أول ضوء من يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري!

إن من قرأ هذه السلسة (الزعيم اللئيم والصعلوك الكريم) من بدايتها، قد وقف، في غير موضع، على تصريحات جمال عبد الناصر التي لا يُخفي فيها تعاطفه مع اليهود، على نحو لا يقبل التأويل ولا التفسير!

ومما قاله أثناء الاجتماعات التي نشرنا محاضرها في هذه السلسلة:

- لم أطلق رصاصة واحدة على يهودي في جبهة القتال، لأني لم أجد مبررا لقتلهم".

- لقد جمعتني جلسات طويلة بقادة يهود [أثناء حرب 48] وناقشتهم، واستفدت منهم، وأعجبت ببعضهم.

- لست بصدد التفكير في دخول حرب مع إسرائيل [قال ذلك في الأيام الأولى من انقلاب تموز/ يوليو 1952]!

- لا أعتبر اليهود أعداء، ويمكن التفاهم معهم [تطبيع مبكر].

ويعني هذا فيما يعني، أنه يتعين علينا إعادة قراءة تاريخ "الصراع" بين عبد الناصر والكيان الصهيوني قراءة مختلفة، عن تلك التي أُشربناها صغارا، فشوشتنا كبارا، إلا من سلك طرقا أخرى للبحث عن الحقيقة..

حصاد ما سلف!

تحت هذا العنوان كتب المستشار حسن العشماوي، في كتابه "الأيام الحاسمة وما بعدها"، ما يشبه التقييم لتجربته مع عبد الناصر، من خلال علاقته الوثيقة به.. وقد قدم العشماوي مثالا يحتذى للمسالم الأمين، فلم يفش أيا من الأسرار "الشخصية" التي استأمنه عبد الناصر عليها، في "ساعات الصفاء" والشعور بالارتياح والألفة..

في هذا المقال، ستضع يدك (عزيزي القارئ) على الأسباب التي أخذ بها عبد الناصر، فوصل إلى هدفه، وستتعرف على كيفية استفادته من كل حزب، أو فصيل، أو كيان اتصل به، ولماذا انتهى به الأمر إلى التحالف مع الإخوان المسلمين، فاستغلهم لآخر لحظة، ثم لم يتردد في شن حرب إبادة ضدهم..

يقول المستشار حسن العشماوي:

"إن الأيام التي عرضتها في الفصول السابقة، تمثل ما حدث (حسب علمي المباشر) بين الإخوان في مصر، وبين الثورة [انقلاب 1952] التي جمعت قيادتها العسكرية أشتاتا من الضباط، عُرفت باسم الضباط الأحرار.. أشتاتا تمثل اتجاهات فكرية مختلفة.. اتجاهات اتفقت فيما بينها على أمرين رئيسين: فساد النظام القائم، ووجوب تغييره من الداخل..

ومهما قيل عن الضباط الأحرار، وأصلهم، وتنظيمهم، وأغراضهم، فلا خلاف أنها جماعة سرية قامت داخل الجيش، كان محورها والمحرك الأول فيها هو جمال عبد الناصر.. ثم زالت هي، وبقي هو؛ لأنه احتواها وما احتوته!

ولذلك كان حقا عليَّ (قبل تحليل تلك الأيام الحاسمة بين الإخوان والضباط الأحرار) أن أعود إلى بعض ذكريات الماضي القريب أستعرضها؛ ذكريات الإخوان، وذكريات جمال.. أعود إلى ذلك الماضي الذي قد يخفى على الكثيرين.. وبذلك يمكن أن أمهد لتحليل ما سلف في تلك الأيام".

الباحث عن الأسلوب والأعوان

تحت هذا العنوان الفرعي يبدأ العشماوي في عرض تقييمه لما سلف فيقول:

"لا يعنيني أن أتحدث عن طفولة جمال، ونشأته، ودراسته، وأوائل مراحل شبابه، فهذه أمور فيها الكثير من الحق والباطل.. وليست هي مجال التحليل الذي أرمي إليه.. صحيح أني أعلم عن هذه الأمور الكثير، ولكن أغلب هذا الكثير لا يتصل بموضوعنا.. ثم إن جمالا ائتمنني عليه في جلساتنا الخاصة منذ تعارفنا، وليس من الأمانة في شيء أن أفشي سرا لا طائل من وراء إفشائه، إلا التفاخر بمعرفة ما لا يعرفه الناس.

الذي يعنيني من ذكريات الماضي أن جمالا (منذ شغل نفسه جادا بالحركة الوطنية) راح يتصل بالأحزاب والهيئات والجماعات العلنية والسرية القائمة في مصر وقتذاك. أقول إنه راح يتصل بها، وأعني من وراء ذلك أنه كان ينضم إلى بعضها، ويصادق أعضاء في البعض الآخر.. ويكسب ثقتهم على نحو استطاع به أن يعرف ما يجري داخل الحزب أو الهيئة أو الجماعة، دون أن يعلم عنه بقية أعضائها شيئا..

هكذا استطاع جمال أن يتصل بالوفد، والجناح المتطرف من الحزب الوطني، ومصر الفتاة، والحرس الحديدي للملك فاروق، وحزب الفلاح، وخلايا الشيوعيين، والإخوان المسلمين، وغيرها.. بل استطاع أن يجمع في الوقت الواحد بين عضويته في أكثر من هيئة، مبقيا على اتصاله بهيئات أخرى.. حتى أنه يجمع حينا بين البغيضين؛ فكان عضوا في خلية شيوعية، وعضوا في مجموعة من "النظام الخاص" الذي هو الجهاز السري (كما يسمونه) للإخوان المسلمين.

وقد ظن الكثيرون من المقربين إليه أن سبب تنقله بين الهيئات عدم قبول الالتزام بمبدأ واحد، فضلا عن طبيعة الملل فيه، رغم شدة صبره.. وفي هذا الظن بعض الصحة، ولكن لا يعتبر (تماما) السبب في هذا التنقل المستمر بين الهيئات.. صحيح أن من طبيعة جمل الملل، وعدم الالتزام بمبدأ واحد (كما بدا فيما بعد) ولكن الأصح أن هاتين الخصلتين ليستا وحدهما الدافع له فيما فعل.. كان وراء ذلك دافع آخر!

كان جمال معجبا بأحمد عرابي أشد الإعجاب؛ معجبا بموقفه من الخديوي ومن الإنجليز.. كان يرى فيه ذاته؛ فكلاهما فلاح مصري من صميم الريف، وكلاهما يحاول أن يؤدي لبلده التي يحبها شيئا، وكلاهما رجل عسكري جعلته الوطنية العسكرية من متوسطي الحال في مصر.. ولكن هناك فارقا واحدا بينهما؛ أن عرابي قد فشل لسذاجة أسلوبه، وقلة أعوانه، وجمال لا يريد أن يفشل.. ولذلك كان جمال دائما يبحث عن أعوان له، وعن أسلوب يتبعه..

وقد فكر جمال حينا أن يتخذ مصطفى كمال أتاتورك قدوة له في أسلوبه.. أسلوبه الذي قوَّض به الخلافة العثمانية، في محاولة للسيطرة أولا، وفي محاولة لتجديد شباب تركيا.. مثله أيضا، على استعداد لنقض أي عهد إذا وقف في طريقه، ولكن ظروف مصر غير ظروف تركيا.. وخُلق جمال غير خُلق أتاتورك؛ كان جمال متدينا في أعماقه، ذلك التدين الساذج في مفهوم الريف المصري.. كان محافظا كما نقول، لكنه كان مع ذلك يرى أن الحركة الوطنية، أو التحرك السياسي، قد يقضي على بعض ما يراه المسلمون من الإسلام.. وكان لا يجد حرجا في إعلان رأيه هذا أحيانا، وفي تنفيذه دائما.. ولكنه لم يستطع أن يستقر على اعتبار أتاتورك قدوته"!

المشكلة التي راح جمال يجد لها حلا

"كيف يتجنب جمال الفشل الذي أصاب عرابي؟ وكيف يوائم بين وسيلة أتاتورك وبين تدينه بالمفهوم الريفي الساذج؟ هذه هي المشكلة التي راح جمال يجد لها حلا في جميع الأحزاب والهيئات والجماعات التي كانت تملأ مصر في ذلك الوقت.. ومن هنا كان تنقله بين هذه الهيئات جميعا، بحثا عن أسلوب.. بحثا عن أعوان.. وقد خرج جمال من كل حزب وهيئة وجماعة بما أراد؛ بجانب من الأسلوب، وبعض الأعوان، وكثير من المؤيدين.. وحصل كذلك على تجربة..

خرج من الوفد بفكر سياسي، وبأسلوب الزعامة الشعبية التي ترضي الجماهير.. وكان له من الوفد أعوان.. وحصل على تجربة معاداة الملك، مع مداراته عند اللزوم!

وخرج من مصر الفتاة بالأسلوب النازي في التحرك السياسي.. وكان له منهم أعوان.. وحصل على تجربة التخريب الداخلي إذا اقتضى الأمر ذلك!

وخرج من الشيوعيين بتخفيف وطأة القيد الديني على تصرفاته، وبأسلوب الخلايا السرية.. وكان له منهم أعوان.. وحصل على تجربة السعي إلى غايته مضحيا بالمبادئ والأخلاقيات إذا اقتضى الحال!

وخرج من الإخوان المسلمين بأسلوب الإثارة العاطفية، والالتفاف حول الشعارات، ووجوب الانفتاح على العالم العربي والإسلامي، وبأسلوب إلزام الآخرين بالوفاء بعهد قطعوه.. وكان له منهم أعوان.. وحصل من خلال النظام الخاص، على تجربة الاغتيال إذا اقتضى الأمر ذلك!

وخرج من حزب الفلاح، بأسلوب إمكان التعاون مع دولة أجنبية، في سبيل إصلاح حال البلاد.. ولم يكن له في تلك الهيئة أعوان.. وإن كان له مؤيدون، وحصل على تجربة الاتصال بالأمريكان، في سبيل دعم تحركه السياسي!

وهكذا، خرج جمال من كل هيئة بما يريد.. وزاد أن حصل على تجربة قام بها.. ثم استفاد منها بعد ذلك.. ولكنه جمع كل هذه الأساليب والتجارب؛ ليصنع منها أسلوبا خاصا به.. أسلوبا وافقه ونجح فيه"..

انضمام عبد النصر للإخوان وجهازها الخاص

"أعود إلى جوهر حديثي، وأعني صلة جمال بالإخوان في ماضيه.. وإلى أين انتهت هذه الصلة، حتى أوضح ما كان من أمر "الأيام الحاسمة" في الخلاف بينه وبين الإخوان..

وإني حين أتحدث عن هذه الصلة القديمة بالإخوان، لا أحكي أمرا شهدته بنفسي، ولكني أنقل عن آخرين.. والمصدر الرئيس لي في النقل هو حديث جمال شخصيا معي منذ عرفته إلى أن قامت الثورة. كان أنور السادات وعبد المنعم عبد الرؤوف الضابطان في الجيش صديقين، منذ ظهرا على مسرح الحركة الوطنية في أوائل الحرب العالمية الثانية، مع الفريق عزيز المصري، في محاولة للتخلص من الاحتلال الإنجليزي، ولو عن طريق التعاون مع النازية الهتلرية التي كانت دعواها (وقتذاك) محاربة اليهود ومصادقة العرب..

ظهر أنور [السادات] وعبد المنعم [عبد الرؤوف] على مسرح الحركة الوطنية حين كان جمال ومن شاركه بعد ذلك، بعيدين كل البعد عن هذا الظهور.. كان بعضهم مشغولا بمنصبه العسكري، أو بملذاته الخاصة.. وكان جمال (فيما يبدو) يفكر في الأمر دون أن يحاول الظهور، لأنه (كما قلنا من قبل) كان يبحث عن أسلوب يجنبه الفشل.

وكان حتما أن يحاول أنور (صديق جمال وعبد المنعم) أن يجمع بينهما.. وكان عبد المنعم قد انضم إلى الإخوان المسلمين.. وحدث ما كان حتما أن يحدث.. فجمع أنور بين جمال وعبد المنعم، وزاروا حسن البنا (رحمه الله) معا.. وبدا أن جمالا اقتنع بهذا اللقاء، فانضم هو الآخر إلى جماعة الإخوان المسلمين.. انضم عضوا عاملا في النظام الخاص (الجهاز السري).. وبقي أنور صديقا ومؤيدا دوام التزام.

وهكذا دخل جمال جماعة الإخوان المسلمين، لا يدري عن اعتقاد أم استمرارا في بحثه عن الأسلوب والأعوان.. وعلى كُلٍّ فقد بايع حسن البنا (رحمه الله)، وأقسم يمين الولاء لعبد الرحمن السندي، رئيس النظام الخاص، ثم بدأ نشاطه في النظام الخاص.. يتعرف عليه، ويبحث في أسلوبه عن ضالته، ويجمع له فيه أعوانا..

عبد الناصر شارك في اغتيال الخازندار

"شارك جمال في وضع خطة مقتل المستشار أحمد الخازندار عام 1947، ذلك الحادث الذي لم يكن لجماعة الإخوان فيه يد، فقد استقل بالقرار فيه النظام الخاص وحده، برئاسة عبد الرحمن السندي.. شارك جمال في ذلك الحادث بأن وضع خطة، واشترط وجود سيارة قريبة لتنقل القاتليْن بعد التنفيذ.. لكن السندي (رغبة في الاستبداد بالرأي أو الاقتصاد في النفقات لا أدري) استبدل بالسيارة دراجة.. فضُبط القاتلان.. وكانت مشكلة كبرى؛ فالقاتلان من الإخوان.. والأمر قد اكتشف.. والمرشد [البنا] لا يعلم عنه شيئا، بل ويستنكره أشد الاستنكار!

وإذا كان حسن البنا (رحمه الله) قد غضب للحادث في ذاته، فقد غضب جمال؛ لأن رأيه في الخطة لم يؤخذ به، ولو كان قد أخذ به (على حد قوله) لما انكشف الأمر، ولظل حادث الخازندار مجهول الفاعل. وبلغ الغضب بحسن البنا أن هدد بإلغاء النظام الخاص، أو بحل الجماعة كلها، وإنشاء جماعة أخرى.. وبلغ الغضب بجمال أن طالب بوضع معين في النظام الخاص وإلا تركه؛ طالب أن يكون وحده المسؤول عن أية خطة إرهابية يقوم بها، ولكن عبد الرحمن السندي (رئيسه في النظام الخاص وقتذاك) رفض طلبه، مما دعا جمالا إلى التفكير في مجال آخر..

ولكن، ماذا يفعل جمال في بيعته لحسن البنا الذي كان يقدره؟ وماذا يفعل في عهده لعبد الرحمن السندي الذي علم أنه لن يتورع عن قتله إذا خرج عن طاعته أو نقض عهده له؟ كان لا بد لجمال من أن يجد مخرجا لهذا الوضع"..

ووجد جمال مَخرجا!

"وجد جمال المَخرج.. وجده في اتفاق مع المرحوم الصاغ محمود لبيب؛ وتعهد بأن يظل على بيعته، وأن ينشئ جماعة الضباط الأحرار داخل الجيش.

كان الصاغ محمود لبيب (رحمه الله) ضابطا في الجيش، أحيل على التقاعد من زمن بعيد وبرتبة صغيرة؛ لعدائه السافر للإنجليز.. وكان المسؤول عن ضباط الجيش في الإخوان المسلمين إلى أن حُلت الجماعة في ديسمبر عام 1948.. ولكن مسئوليته العامة تلك لم تمنع تبعية بعض الضباط إلى أجهزة أخرى داخل الإخوان.

اتفق جمال مع الصاغ لبيب عام 1947 على أن يخرج من الجماعة برضائها؛ ليؤسس جماعة سرية مستقلة في الجيش، يضمن له استقلالها أمران:

أولهما: التخلص من القيادة المدنية في النظام الخاص.

وثانيهما: تخفيف القيود على بعض المنضمين إليها من ناحية السلوك الإسلامي، مع منع هؤلاء من الوصول إلى مراكز القيادة.. وبذلك يتسع عمل الحركة الإسلامية في الجيش، ويمكن أن يفعل شيئا.. وفي النهاية، فإن الأمر للدعوة تتصرف فيه كما تشاء.

أو بتعبير آخر ذكره لي جمال: "اتفقنا على أن نكون جهازا جديدا من أجهزة الدعوة يعمل مستقلا.. لا تتحمل الدعوة أخطاره أو فشله، وتجني (لمصلحة الإسلام) نتائج نجاحه".. واقتنع المرحوم الصاغ محمود لبيب بذلك، وعرضه على المرشد [البنا] رحمه الله، فأقره مرددا: "أفلح إن صدق.. وإلا فمن نكث فإنما ينكث على نفسه".

وهكذا بدأت الجمعية التأسيسية للضباط الأحرار من خمسة أشخاص، لا زلت أذكر منهم أربعة: جمال وأنور وعبد المنعم [عبد الرؤوف] ومعروف [الحضري]. وبدأ نشاطها في الجيش بين الضباط.. في حين ظل صلاح [شادي] مسؤولا (إلى جانب البوليس) عن ضباط الصف والجنود، وإن بقي معه ومع عبد الرحمن [السندي] بعض الضباط.

بدأ جمال نشاطه في صفوف ضباط الجيش، أو استعاد نشاطه مستقلا مسنودا بتأييد الهيئة [الإخوان]، واستعان بغيره حينا، وبصبره ودقته في البحث عن الأشخاص.. ففي مجالس الجد، والهزل، والحشيش، والقمار، والخمر، وتحضير الأرواح، والذِّكر، والدراسة، والرياضة، كان جمال يجلس في صمته المعهود، يراقب، ثم يختار.. يختار صديقا، أو مؤيدا، أو عضوا، أو مسؤولا عن مجموعة.. وكان حريصا على ألا يعرف أعضاء المجموعات عنه شيئا، حتى أن علي صبري (مثلا) لم يعرف أن جمالا في الحركة إلا بعد نجاحها فجر يوم 23 يوليو سنة 1952". [علي صبري هذا، كان مرشحا، في وقت ما، لخلافة عبد الناصر، في رئاسة الجمهورية].

(يُتبع)..


twitter.com/AAAzizMisr
aaaziz.com



الزعيم اللئيم والصعلوك الكريم (10)


الزعيم اللئيم والصعلوك الكريم (11)


الزعيم اللئيم والصعلوك الكريم (13)


الحرب الإسرائيلية الفلسطينية: خيانة ستارمر لغزة تظهر فشله كزعيم

الحرب الإسرائيلية الفلسطينية: خيانة ستارمر لغزة تظهر فشله كزعيم

ديفيد هيرست



ستارمر عازم على جعل بريطانيا متواطئة فيما يمكن أن يصبح بسهولة إبادة جماعية. وهذه هي المرة الأولى التي تتواطأ فيها بريطانيا في عمل عسكري إسرائيلي مباشر منذ أزمة السويس عام 1956.



كثيراً ما يُتهم الحكام المستبدون العرب بقمع الرأي العام المحلي. وعندما يواجهون، فإنهم يقولون إن شعبهم غير مستعد للديمقراطية.

وهم لا يحتكرون خنق المعارضة.

منذ أن أصبح كير ستارمر زعيماً، أدار حزب العمال وفق أسس مألوفة لدى أي أمير في الخليج. ولفرض سياسته القائلة بأن لإسرائيل الحق في "الدفاع عن نفسها"، مُنعت فروع حزب العمال من مناقشة الصراع و"نصح" الممثلون المنتخبون "بقوة" بعدم حضور المظاهرات المؤيدة لفلسطين ، وفقًا لثمانية من أعضاء مجلس العمال في أكسفورد.

ومنعت حملة التضامن مع فلسطين من وصف إسرائيل كدولة فصل عنصري في أدبيات مؤتمرها الأخير للحزب.

ورفض ستارمر حتى الآن الاعتذار أو التراجع عن مقابلة أجراها مع قناة إل بي سي قال فيها إن إسرائيل لها الحق في قطع المياه والكهرباء عن الفلسطينيين المحاصرين في غزة .
وقال محامي حقوق الإنسان السابق: "أعتقد أن إسرائيل لديها هذا الحق. إنه وضع مستمر، ومن الواضح أن كل شيء يجب أن يتم في إطار القانون الدولي، لكنني لا أريد الابتعاد عن المبادئ الأساسية التي تتمتع بها إسرائيل". الحق في الدفاع عن نفسها".

كما أيدت المدعية العامة في الظل إميلي ثورنبيري، وهي محامية أخرى في مجال حقوق الإنسان، قرار إسرائيل بقطع الكهرباء والمياه قائلة إن لإسرائيل "الحق المطلق في الدفاع عن نفسها".

وقال وزير خارجية حكومة الظل، ديفيد لامي، إن حزب العمل "يقف إلى جانب شعب إسرائيل". ولم يقل شيئا عن الفلسطينيين.

ورفضت ليزا ناندي يوم الأحد أربع مرات القول بأن إسرائيل انتهكت القانون الدولي بفرضها حصارا على غزة.

الغضب خارج المخططات

واجه ستارمر رد فعل عنيفًا فوريًا. فقد الحزب السيطرة على مجلس مدينة أكسفورد بعد استقالة أعضاء مجلس العمال الثمانية من السوط.

وحتى ليلة السبت، استقال 20 عضوًا آخر من أعضاء المجالس العمالية. ويمكن قلب مجلسين آخرين على الأقل يسيطر عليهما حزب العمال. واحد منهم هو ليستر. ولهذا السبب، انتقد بيتر سولسبي، عمدة مدينة ليستر، ستارمر في رسالة حصل عليها موقع ميدل إيست آي .



وكتب سولسبي: "الانطباع المعطى هو أن هذه الإدانة للأحداث الأخيرة تمتد إلى الموافقة دون انتقاد على رد الحكومة الإسرائيلية وتجاهل عقود من الظلم والقمع للفلسطينيين وانتهاكات حقوقهم الإنسانية".

سولسبي يتماشى مع مزاج الأمة.


وشهدت بريطانيا أكبر مظاهرات دعما لفلسطين منذ حرب العراق عام 2003. وقد تظاهر مئات الآلاف في الشوارع منذ أن بدأت إسرائيل حملة القصف.

وبعد أن منعت نوابها من حضور مسيرات لإحياء ذكرى الخسائر الفلسطينية في الهجمات الإسرائيلية، تطرح أسئلة حول حضور وزير التجارة الدولية في الظل لحزب العمال، جيمس هارتفيلت، في مسيرة لإحياء ذكرى ضحايا هجوم المقاتلين الفلسطينيين.وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة يوجوف أن أغلبية واضحة بلغت 76% من جميع الناخبين، و89% من ناخبي حزب العمال، تؤيد وقفًا فوريًا لإطلاق النار. وقال ثمانية في المائة فقط من الناخبين وثلاثة في المائة من حزب العمال إنه لا ينبغي أن يكون هناك أي شيء. ويحظى موقف ستارمر بدعم واحد في المئة فقط من حزبه.
وبدلا من الاعتذار، أصدر ستارمر "توضيحا" لتعليقاته على قناة إل بي سي: "اسمحوا لي أن أوضح ما كنت أقوله، وما لم أقله. كنت أقول إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن النفس. عندما قلت "هذا الحق"، كان ذلك الحق في الدفاع عن النفس. ولم أكن أقول إن لإسرائيل الحق في قطع المياه والغذاء والوقود والأدوية، بل على العكس من ذلك.

وهذا لم يقطع الجليد مع أعضاء حزب العمال المسلمين. وكتب مش الرحمن، العضو المسلم في اللجنة التنفيذية الوطنية الحاكمة لحزب العمال : "أوقفوا التلاعب واعتذروا".

الغضب داخل حزب العمال من الجالية المسلمة البريطانية هو خارج المخططات.

وقد عبر أحد أعضاء الحزب الذي يعرف الجالية المسلمة

 عن الأمر على النحو التالي: "في غضون سبعة أيام، يوشك

 حزب العمال على تفكيك قاعدة ناخبيه الأكثر ولاءً في أي

 مكان في البلاد. ولا أستطيع المبالغة في تقدير مدى

 الغضب".

 
                           

أظهر استطلاع داخلي لحزب العمال أن 78% من الناخبين المسلمين المسجلين يؤيدون حزب العمال، مما يجعله أكبر كتلة تصويت في أي مكان في البلاد.

هذا على وشك الاختفاء.

وقال زعيم مسلم بارز آخر إن هذه كانت "لحظة حرب العراق" بالنسبة للحزب - باستثناء أنه على عكس ما حدث في عام 2003، فإن المسلمين اليوم معرضون لخطر حقيقي للملاحقة القضائية بسبب تعبيرهم عن دعمهم لفلسطين . 

لقد قيل لي أن الأعضاء غير المسلمين في حزب العمل البرلماني يشعرون "بالذعر التام" بشأن حجم الاستجابة التي يتلقونها من المساجد والمراكز المجتمعية والجمهور. يتلقى النواب الآلاف من رسائل البريد الإلكتروني المكتوبة بشكل فردي، وهو أمر لم يُسمع به من قبل في قضية واحدة. 

هناك غضب كبير في المجتمع لدرجة أن المساجد ترفض رؤية النواب. سُمح للامي بالذهاب إلى أحد المساجد، لكنه يريد أن ينسى بسرعة الاستقبال الذي حظي به.

لمدة ثلاث ساعات في الأسبوع الماضي، كان الخط الهاتفي الخاص بجراحة لامي مزدحمًا بالمكالمات المتعلقة بغزة. ومن المقرر حدوث "حصار" آخر لخط هاتف لامي يوم الثلاثاء المقبل.

ولا يستطيع حزب العمال أن يتجاهل ناخبيه المسلمين. ويعتمد حوالي عشرين مقعدًا  و11 مجلسًا على أصوات المسلمين، بما في ذلك المدن الكبرى مثل برمنغهام، وبرادفورد، وليدز، ومانشستر، وليستر، ولوتون، وأولدهام.

هذه ليست قضية فئوية بين اليسار واليمين في الحزب. لقد أصبحت مشكلة انتخابية بالنسبة لحزب العمال.

لا وقف إطلاق النار

ويرفض ستارمر حاليا الدعوة إلى وقف إطلاق النار، حتى لو كان مؤقتا، لإيصال المساعدات الغذائية والطبية إلى غزة. وسوف يجد صعوبة متزايدة في الحفاظ على هذا الموقف.

والتزامًا بهذا الخط، وضع ستارمر حزبه على يمين زعيم الديمقراطيين الليبراليين إد ديفي الذي دعا يوم الأحد إلى وقف فوري لإطلاق النار للسماح بدخول الإمدادات الأساسية إلى غزة، إلى جانب رئيس أساقفة كانتربري جاستن ويلبي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس و البابا.

سُئل أحد كبار مستشاري ستارمر عن عدد سكان غزة الذين يجب أن يموتوا قبل أن يدعو حزب العمال إلى وقف إطلاق النار. وجاء الرد: "على قدر ما يتطلبه الأمر..."

ودعا البابا فرانسيس يوم الأحد إلى إنهاء الحرب ودعا إلى السماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. "الحرب دائمًا هزيمة، إنها تدمير للأخوة الإنسانية. أيها الإخوة، توقفوا! توقفوا!"

حصل اقتراح برلماني بريطاني يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار على 64 توقيعًا.

وعلى النقيض من ليزا ناندي من حزب العمال، فإن ثمانية من كبار المحامين اليهود، برئاسة اللورد نويبرجر، الرئيس السابق للمحكمة العليا، لم يظهروا أي تردد في الإعلان في رسالة إلى صحيفة فاينانشيال تايمز أن إسرائيل انتهكت القانون الدولي بطرق مهمة.

وكتبوا أن فرض حصار على السكان المدنيين يعد انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي. وأن العقاب الجماعي محظور بموجب قوانين الحرب؛ وأن المقاتلين يجب أن يضمنوا الحد الأدنى من الدمار للحياة البشرية، وأن السياسيين والقادة على حد سواء يجب أن يكونوا حذرين للتأكد من أن كلماتهم لا تعني لقواتهم أنه يمكن تجاهل قوانين الحرب. 

وبالفعل، أصدر المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين (ICJP)، وهو مركز قانوني مقره في المملكة المتحدة، إشعارًا لزعيم حزب العمال بنية محاكمة أي سياسي بريطاني بسبب تورطه في جرائم الحرب في غزة. 

وشددت رسالة اللجنة الدولية للعدالة والتنمية على أنه "بموجب القانون الجنائي الدولي... يمكن التحقيق في الدعم المقدم لمرتكبي الجرائم الدولية ومحاكمتهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية".

وفي غضون أسبوعين، ستكون إسرائيل مذنبة بجميع التهم المذكورة في الرسالة الموجهة إلى الفايننشال تايمز.

ولم يبدأ الغزو البري بعد، وقد قُتل بالفعل 5,156 فلسطينيًا وجُرح 15,400 آخرين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول. ومن بين هؤلاء 2009 أطفال وأكثر من 1044 امرأة. لقد تم قصف المستشفيات والمساجد والمدارس وملاجئ الأمم المتحدة والكنائس.

وعلى عكس الحرب في عام 2014، تمت تسوية مناطق سكنية بأكملها بالأرض دون سابق إنذار أو دون سابق إنذار. وفي بعض الحالات، تم تحذير قطعان المدنيين في المنطقة التي تم قصفها بعد ذلك. وقد تم تدمير ما لا يقل عن 30 مسجدًا وتم القضاء على نفس العدد على الأقل من العائلات الممتدة. 

أشخاص يشاركون في ’مسيرة من أجل فلسطين‘ في لندن 
للمطالبة بإنهاء الحرب على غزة في 21 أكتوبر 2023 (أ ف ب)

وقد بلغت الأضرار حدًا جعل العاملين في الدفاع المدني في غزة يعتقدون أن مئات الجثث ترقد تحت الأنقاض.
وقال محمد فتحي شرير، رئيس إدارة السلامة والوقاية في مديرية الدفاع المدني، لموقع Middle East Eye: "نظراً للارتفاع الهائل في عدد الأفراد تحت الأنقاض، فإن تركيزنا الحالي ينصب على إعطاء الأولوية لإنقاذ الجرحى الأحياء، حتى لو كان ذلك ممكناً". يؤجل إخراج المتوفى من تحت الأنقاض".
هذه مشاهد أشبه بالزلزال، لكن غزة لا تحظى بأي دعم دولي. مجرد الصمت، الذي يسمح لإسرائيل بالاستمرار، وقالت في نهاية الأسبوع إنها ستكثف حملة القصف.
منذ الأيام الأولى لهجوم المقاتلين الفلسطينيين في 7 أكتوبر/تشرين الأول، قالت إسرائيل إنها لن تكون ملزمة بالقانون الدولي في ردها.

وفي محاولته الأخيرة لإجبار مليون شخص على مغادرة 
النصف الشمالي من غزة، أسقط الجيش منشورات يبلغ فيها 
المواطنين بأنهم "سيتم تصنيفهم كشركاء في منظمةإرهابية" 
إذا لم يلتزموا بأوامر إسرائيل بالتحرك جنوباً. ومثل 
هذا التصنيف ليس له أي أساس في القانون الدولي.
سُئل أحد كبار مستشاري ستارمر عن عدد سكان غزة الذين
 يجب أن يموتوا قبل أن يدعو حزب العمال إلى وقف إطلاق
 النار. وجاء الرد: "على قدر ما يتطلبه الأمر..."

ضرر لا يحصى

ولا يقتصر الأمر على تلعثم زعيم حزب أمي في سياسة الشرق الأوسط ومبتدئ على الساحة العالمية هذا هو موقف رئيس وزراء بريطانيا المقبل.

 وعلى هذا النحو، يتسبب ستارمر بالفعل في إلحاق ضرر لا

 يُحصى بسمعة بريطانيا في جميع أنحاء العالم العربي

 والإسلامي. 

ولخص أحد المستشارين في هيئة الخدمات الصحية الوطنية

 شعور الفلسطينيين في بريطانيا عندما قال إن ستارمر

 يتعامل مع المسلمين البريطانيين وكأنهم غير موجودين:

 "نحن مواطنون من الدرجة الثانية في أحسن الأحوال".

ستارمر عازم على جعل بريطانيا متواطئة فيما يمكن أن

 يصبح بسهولة إبادة جماعية.


وهذه هي المرة الأولى التي تتواطأ فيها بريطانيا في عمل

عسكري إسرائيلي مباشر منذ أزمة السويس عام 1956.
نظرًا لكونه رجلًا خائفًا بطبيعته، ويتأثر بسهولة بالمصالح
الخاصة، سيكون ستارمر حريصًا على إخبار النواب ليلة الاثنين بحبه للشعب الفلسطيني.
وبعد أن تجاهل طلبات مقابلة المجموعات الفلسطينية
سيكون ستارمر حريصًا على التقاط الصور في المساجد.
بالأمس وجد مسجداً يرغب في استضافته، ومعلوماتي أن
مساجد لندن لن ترغب في استضافته.
لكن زعيم حزب العمال اضطر للسفر إلى مركز الجالية
الإسلامية في جنوب ويلز ليشاهد وهو يصافح المسلمين
البريطانيين. 
والأسوأ من ذلك أنه عندما وصل إلى هناك،قام بالتغريد بأنه كرر دعواته للإفراج عن الرهائن.
كان هذا هو خروج ستارمر عن النص. ولم يكن ذلك في
المذكرة التي قدمها له مساعدوه. وكان الانطباع الذي أعطىه
في التغريدة هو أن جميع المسلمين مسؤولون عن مصير
رهائن حماس. 
كارثة أخرى، لكن ستارمر أصم ومتخبط.
لن يخفف أي من هذا الغضب الذي خلقه. لقد أصبحت غزة
الاختبار الأول لتطلعاته إلى أن يصبح رئيس وزراء
بريطانيا المقبل، وقد فشل بالفعل في هذا الاختبار بشكل
دراماتيكي.
وسوف نشعر جميعنا في بريطانيا بعواقب هذا الفشل لأجيال
قادمة.
مترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني




الحرب الفلسطينية الإسرائيلية.. هل فقد بايدن السيطرة على نتنياهو؟


التطبيع السعودي الإسرائيلي: الوهم الكبير