الخميس، 30 يونيو 2016

جو شو | الحلقة 4 | المسلسلات

   جو شو   

الحلقة 4 

 المسلسلات


محمد #مرسي بريطانيا

محمد #مرسي بريطانيا


Azzam Tamimi عزام


بالأمس زارني الصديق دافيد هيرست وجرى بيننا حوار حول ما يجري في بريطانيا من مخاض سياسي ينذر بعظائم الأمور.

 أثار انتباهي قوله لي: "جيريمي كوربين هو محمد مرسي بريطانيا"

وفعلاً، هذا الرجل الذي جاء برغبة من أعضاء حزب العمال ليصلح الحزب وينقذه من براثن الرأسمالية التي أتت على كل ما له علاقة بجذور الحزب الأيديولوجية أو القاعدة الشعبية العريضة التي تنتسب إليه، يتعرض منذ اليوم الأول لانتخاباه زعيماً للحزب لسلسة من المؤامرات. 

لم يتوقف الكيد للإطاحة به يوماً واحداً، وقد تزعم المكائد والدائس ضده تيار طوني بلير، أو ما يعرف بـــ "البليريون". 

وقد تواترت الروايات على أن خطة وضعت قيد التنفيذ قبل تسعة شهور للإطاحة به، ولكن أصحابها كانوا ينتظرون اللحظة المناسبة للانقضاض عليه. 

ووجدوا الآن في نتائج الاستفتاء - رغم أنه لا يتحمل مسؤوليتها بأي حال من الأحوال - الفرصة المواتية لخلعه. 

لست متأكداً من بإمكان جيريمي الصمود في وجه هذه الرياح العاتية، وقد تكون الأزمة الحالية هي نهاية عمله السياسي، ولكن لا شك لدي في أن التاريخ سيسجل أنه تعرض لظلم عظيم. 

فقرار التوجه نحو الاستفتاء صدر عن رئيس الوزراء المحافظ دافيد كاميرون، والتضليل الذي مورس لتحريض الناس ضد الاتحاد الأوروبي، إنما صدر عن تيار عنصري داخل حزب المحافظين وداخل حزب الاستقلال الذي تشكل من عناصر محافظة سابقة. 

ولئن كان هناك تقصير من قبل العمال في الترويج لفكرة البقاء داخل الاتحاد الأوروبي، فإن المسؤولية تقع على البرلمانيين من تيار "طوني بلير" داخل البرلمان، الذين انشغلوا في التآمر على زعيم حزبهم بدلاً من الانشغال بالتوجه نحو ناخبيهم في الدوائر المختلفة.

رابط دائم رابط التغريدة 


 

المسألة الكردية.. مقترح لمبادرة قَطَرية لدعم تركيا

المسألة الكردية.. مقترح لمبادرة قَطَرية لدعم تركيا
مهنا الحبيل


يعيش الشرق المسلم أجواء مستقبل عاصف يهدد كيانات الدول والمجتمعات والشعوب، ككُرة نار تتدحرج اليوم في أكثر من اتجاه، وتتقدم من خلالها المشاريع السياسية كما العسكرية للخصوم، في ذات الوقت الذي يخسر فيه الشرق أساسيات الاستقرار المدني، والتعايش الوطني الجامع للمسلمين، وطوائفهم والأقليات الدينية والقومية.
وهو أكبر تحد تعيشه المنطقة، فنجاة تركيا وهي أحد دول الاستقرار المركزي في العالم الإسلامي، نجاة للإقليم ولحياة الإنسانية وسلامتها في المشرق، ولاستقرار تركيا وتقدمها.

والنجاح الذي حققه حزب العدالة في التجربة السياسية الحديثة لنهضة تركيا الديمقراطية التي ضحى من أجلها عدنان مندريس، وبعد كفاح ديمقراطي متعدد، ثم العودة إلى الهوية الإسلامية بروح مدنية معاصرة، هو قاعدة أساسية لفُرص سلامتها وتقدمها، ومنع السقوط الكبير لكل الشرق.

واليوم تعيش تركيا أزمة خطيرة في إعادة صناعة الأزمة الكردية، في ذات دولتها الوطنية وجغرافية الشرق، وهي صناعة مُسيسة بوضوح لأطراف عديدة دولية وإقليمية، والنهايات التي تُقرأ بتفجير العلاقة الكردية الأناضولية داخل تركيا، لا تحتاج لشرح طويل، فهي عنصر تفجير وهدم اجتماعي وسياسي فعال لتفكيك الدولة، أو رميها في مستنقع صراع أهلي يُسقط تجربتها السياسية، ويحول ملفات الخصوم إلى أرضها.

ومهما سعت تركيا العدالة اليوم إلى إعادة تدوير سياستها البرغماتية الذكية، للحفاظ على التوازن السياسي والثبات الإستراتيجي، فإن العامل الكردي المتفاعل حاليا، سيبقى بيدرا خطيرا حين يُصنع منه مشروع مواجهة يتطور، وهو اليوم يفعل، ولن تستطيع هذه الموازنات ردعه، حتى يصل لا سمح الله لحالة شبيهة بحرب أهلية تتجاوز مستوياتها السابقة.

والرهان على إيمان الغرب بتثبيت مستوى من الاستقرار لتركيا، لمنع موجة اجتياح ونزوح شعبية أو فوضى اجتماعية خطيرة تصل إلى أرضه، لو دُفعت الحروب إلى داخل تركيا، هو رهانٌ غير موثوق أبدا، خاصة في ظل تنامي وضع جديد، وقوى مختلفة وتحالفات حديثة، وتطور سياسة تدافع كرة اللهب مع الإرهاب والتطرف، كلٌ يدعي الحرب عليه (الإرهاب) ويستخدمه في الوقت ذاته.

ولذلك فإننا نطرح ورقة العمل هذه في سياق يتفق مع تركيا ومصالحها العليا، ومن خلال شريك سياسي خاض معها تجربة فكرية وسياسية مشتركة، وبعلاقات ثقة كبيرة، وإن نجحت الدوحة بهذه المهمة، فإن كل المشرق العربي والشرق المسلم، سيستفيد من إطفاء جذوة هذه الحرب، والعودة إلى تجديد الانطلاقة الوطنية الدستورية للتجربة التركية.

ونطرح بعض أساسيات الرؤية في هذه العناصر:

1- الفكرة الأساسية تبني الدوحة بعيدا عن الإعلام، وبالتنسيق مع تركيا وموافقتها، غرفة حوار لمصالحة كردية أناضولية تعتمد التوافق السياسي والحقوق السيادية التركية، ومصالح الأشقاء الأكراد، كقومية جامعة، ومواطنين شركاء في دولة دستورية موحدة، في تركيا اليوم، وفي سوريا غدا، ضمن خيارات سوريا الجديدة بعد زوال هذا النظام، لكن التركيز حاليا على أزمة تركيا له الأولوية، إذ ستؤثر على ملفات أخرى.

2- التواصل مع الأكراد متاح ومرحب به من خلال السيد مسعود البرزاني، ومن خلال قواعد شعبية واجتماعية وتيارات كردية عديدة لا توافق على مشروع دمرطاش الذي حول منتج الحوار السياسي التاريخي بين الأشقاء، إلى جولة صراع خطيرة تهدد سلامة الأكراد والأتراك معا.

3- يدرك العديد من الأشقاء الأكراد أن ما يجري هو موسم استثمار لأذرع عسكرية وسياسية منهم، وأن حلم الانفصال الموحد لكل الكرد، يسوق تحته مشاريع خطيرة تضرب بنيتهم الاجتماعية وسلمهم الأهلي، كما تضرب بنية أشقائهم الأناضوليين والعرب.

4- أحد أوجه القصور الكبيرة، هو عدم انفتاح العرب على الخطاب القومي الكردي وتفهم رحلته ومآسيه، وليس المطلوب تخلي القوميات عن طموحها وأحلامها، لكن وضعها في سياق الضرورات الكبرى لشعوب الشرق.

والقومية الكردية محتاجة بالضرورة إلى عقد اجتماعي سياسي في أكثر من دولة، يحمي مواطنة الأكراد كما حقوق الدولة السيادية، وتركيا هي اليوم مفصل مهم للوصول إلى هذا التوازن الذي ينزع فتيل الحروب القومية الكبرى.

5- فشل تجربة دمرطاش، لا يعني عدم وجود أخطاء تركية وخاصة في تحول تركيا لمفهوم الديمقراطية الخشنة، مع تعرضها لحملات غربية وإيرانية وروسية مع نظام الأسد، فحركت النزعة القومية القوية، لدى كل الأناضوليين وليس الجيش فقط، وقلصت المساحة الديمقراطية.

6- لكن دمرطاش ورفاقه مارسوا بمراهقة سياسية تفجير هذه المشاعر في توقيت خطير، لم يُراع التوازنات القومية الحساسة ومرحلة تثبيت السلام التي تبناها الجيش الجمهوري الأيرلندي، مع فروق عديدة في طبيعة الأزمتين الأيرلندنية والتركية.

7- سيظل حزب العمال أيقونة مؤثرة، فمع تأكيد استخدام سياسات وأطراف دولية وإقليمية مجموعات وأجنحة منه في حملة العنف والإرهاب لصالح المشروع الدولي المعادي لتركيا، إلا أن المراقبين -ومن بينهم أتراك- يجزمون بتعدد الرؤية في أجنحته، وأن عبد الله أوجلان كان ضد هذا التوظيف العبثي.

8- من المهم للغاية بل ومن ضروريات الممارسة السياسية والخطاب الاجتماعي الكردي، الخروج من هذه الثنائية الغريبة بتوظيف الماركسية المجنونة التي سقطت كل تجاربها، مع تقاطعات المشروع الغربي، وذلك من أجل إخراج القرار الكردي إلى مساحة من التفكير والنضج العقلي الذي يُقدر مصالح المرحلة.

9- إن بدأ هذا الحوار مع توسيع الفعاليات الكردية وبقاء الأطراف المؤثرة، وتحييد المتطرفين، فإن ذلك سيخلق أرضية شراكة لممثلين سياسيين لأكراد تركيا، هم من يختارونهم، وموقف وقناعات الرئيس مسعود البرزاني والتجربة الصعبة التي يعيشها إقليم كردستان العراق، ستشجع نضوج هذه الطبقة، من أجل الوصول إلى اتفاق جديد، وهو اتفاق لن يأتي على خلفية تحقق طموح المناضل الكردي السياسي المعتدل والمتطرف، ولكن لإيمانه بأن ما يجري من مواسم حروب وصراعات وتفجير العلاقة مع تركيا، هو كارثة للشعب الكردي قبل غيره، وأن الإيمان بتوافقات إنسانية تطفئ الحرب والعنف، هو خيار الحياة لهذه الشعوب اليوم، خاصة مع المشتركات العظمى بين الأناضوليين والكرد والعرب.

10- حوار الدوحة الذي يجب أن يُعزل عن الإعلام، سيُنجز المهمة الرئيسية والصعبة لعودة الثقة والتواصل، ولكن الفريقين فريق الرئيس أردوغان الذي خاض التجربة الأولى، والفريق الكردي الجديد، هما من سيضمنان مسار تحقيق المصالحة، وهي مصالحة من المهم للغاية أن تُتجاوز فيها العاطفة، ويتغلب على آلام المشاعر القومية التركية المتفهمة لدينا تماما، بحيث تُصارح بأن مشروع المصالحة هو ما سيدعم حماية السيادة التركية وتفوق القوات المسلحة النوعي، أكثر من الانهيار في سلسلة حروب تستنزف الجمهورية وإنسانها، في حريق الشرق الكبير.

إننا ونحن نقدم ورقة العمل هذه، ندرك صعوبتها ولكنها تحتاج إلى حيوية تفكير غير تقليدي تتمتع به الدوحة، منذ تأسيس قطر الجديدة في 1995، كما أن العلاقة الجديدة بين الدوحة والرياض ستساعد كثيرا في الحصول على دعم مركزي عربي لهذا الجهد؛ خاصة وأن نجاح هذا المشروع، هو مقدمة مهمة للغاية لتحييد الكثير من فوضى الإرهاب المتعدد، ومن التدخلات الموجعة في الشرق الإسلامي إقليميا ودوليا.

كما أنها مبادرة عملية لكي يتبنى الشرق بذاته الإدارة المدنية لمحادثات سلام نوعية، لمصلحة كل شعوبه وقومياته، فليس هناك أمر جيد في الحروب إلا نهايتها.

برنامج أيمون المجنون

 برنامج أيمون المجنون




فن تجريدي


ماكيت



زومبي









أقبّل عينيك يا ويليام والاس

أقبّل عينيك يا ويليام والاس


أحمد عمر
كان زميلي الشاب نوري يقلّب العواصم والأمصار مثل ورق الكوتشينة، ثم استقرت حمامة "الريموت كونترول" على فيلم "القلب الشجاع"، وقال: هذا فيلمك المفضل، يا خال، فوجدت نفسي مثل كل مرة عالقاً في عسل الفيلم. 
عند تأسيس البريد الإلكتروني، تسأل الشبكة الصابئ إليها أسئلةً، منها سؤالٌ عن فيلمه المفضل. 
لو كان مخترع البريد الإلكتروني عربياً لسأل سؤالاً مختلفاً، مثلاً: ما هو بيتك الشعري المفضل؟ قال نوري: ولو كان كردياً خال..؟ 
قلت أظنُّ أنّ الأكراد لا يخترعون سوى الأغاني الحزينة وأساليب القتال. 
شرحت لنوري أسباب ولعي بالفيلم الطويل، فمدته ثلاث ساعات ودقيقتان: ملحمةٌ وطنيةٌ وقصة حب تاريخية. موسيقى الفيلم وتصويره بديعان. 
 ذكرت له أني أحبُّ مشهد أول هجوم للقلب الشجاع على الحصن، انتقاماً لعروسه التي ذبحت بيد اللورد الإنكليزي، وأحبُّ فيه لحظات تحديق الكاميرا البطيئة القريبة بخطم الحصان، ولحظات الترقب الكثيف، ثم مشهد الانتقام وسحل اللورد وذبحه. هتف نوري عند ذبح اللورد الذي وصلنا إليه: آكل عينيك يا ويلياااام.
 الكرد يجوّزون أكل عيون المحبوب، بلاغةً على الحب الشديد، عوضاً عن تقبيلها. 
قال لي: خال، هذا ليس رجلاً... إنه روح الرجال. 
قال نوري: أما أنا فأحبُّ مشهد انتقام الأميرة إليزابيت من الرقبة الطويلة، وهذا تصحيف مقصود من نوري بين الملك إدوارد الأول الملقب بالساقين الطويلتين وبشار الأسد الملقب بالرقبة الطويلة. 
وصلنا إلى المشهد، فهتف نوري: آكلُ عينيكِ يا حلوة.. هذه ليست عروساً، إنها روح الأنوثة والجمال. نوري يحب مشاهد الحماسة في الفيلم والحبّ والعشق. 
قلت: الفيلم من إنتاج سنة 1995، وحائز على خمس أوسكارات، يا سبعي. جيبسون ممثل قدير، والعجيب أنه لم يحصل على جائزة أفضل تمثيل، وهو صاحب أكبر تفاحة آدم رأيتها في حياتي. 
الرجل يعبّر عن فجيعته ببلع غصته القاسية، الغصّة بدأت بأكل تفاحة الخلد يا سبعي، وأحب أسلوبه في التفاوض، إذ يقول للمحتلين: آن أن تعتذروا من كل بيت نهبتموه، وعلى قائدكم وضع ذيله بين رجليه والاعتذار من جيشي، وأحبّ خطبته في المعركة، وهو يهتف لشعبه: ستعودون إلى بيوتكم وتعيشون، ثم تموتون. وعلى الفراش ستتمنون لو حظيتم بفرصة واحدة، فرصة واحدة فقط للحصول على الحرية، ثم يهتف مثل طارق بن زياد: فريدوووووووووم. 
هتف نوري: آزاااااادي... آكل عينيك يا ويليام.. أنت روح الرجال. 
أحسب أنّ ميل جيبسون مسيحي تقي، فقد مثل لاحقاً فيلم آلام المسيح في سنة 2004، لكن مشهد تعذيب ويليام والاس أكثر إبداعاً من مشهد تعذيب المسيح في "آلام المسيح" الذي يتكرّر في أفلامه بتأويلاتٍ متفرقة.
رصدت مراكز الرقابة أنّ آلام المسيح هو أكثر الأفلام ربحاً في العالم، ونرى النزعة المسيحانية في فيلم أبو كاليبتو أيضاً، وهو فيلم لم يستطع إخفاء نزعتين أصليتين في الأفلام الأميركية؛ هوليوودية واستعلائية، هما خيط المطاردة في الحبكة ونزعة الأميركي المخلص.. 
قلت لنوري: جيبسون سخر من الذين يعملون عمل قوم لوط علناً، وهم في أميركا بالملايين، فصار عدواً لهم، ورفعوا دعاوى عليه. وصلنا إلى المشهد الدامي الذي فيه يقذف "الساقان الطويلتان" الحليوة فيليب، عشيق ابنه، من أعلى البرج، فيهمُّ وليّ العهد بقتل أبيه غضباً. 
نوري: قسماً بالله، لم أكن منتبها أنّ الأميرَ طنبورةٌ. ثم شتمه، وبصق على التلفزيون، وهتف مستحسناً العقوبة، وخالطا بين بشار الأسد وإدوارد الأول: آكل عينيك يا زرافة البراميل. 
وصلنا إلى مشهد التعذيب والصلب المسيحي في الفيلم، والجلّاد يخلع ويليام والاس، ثم يصلبه، ثم يبقر بطنه، حتى يرغمه على استجداء الرحمة. 
رأى نوري دموعاً في عينيَّ، فاقترب وانحنى على صفحتي الزرقاء، فرأى صورة الإعلامي خالد عيسى محدودةً بشريطٍ أسود، وأمُّه تندبه باكية وتتباهى به: "صار اسمك شهيد، الله يهنيك، يا أمي، باسمك الجديد".

الأربعاء، 29 يونيو 2016

لعنة الدولة القومية وأوهام سيادتها تطارد أوروبا

لعنة الدولة القومية وأوهام سيادتها تطارد أوروبا

د.بشيرموسي نافع

شغلت الدولة باعتبارها المؤسسة الاجتماعية الهيمنة، أداة الحرب، وصاحبة السيادة على أرضها وشعبها، حقلي التاريخ والفكر السياسي الغربي منذ عقود. 
وبالرغم من العدد الكبير من الدراسات التي كرست لقراءة بنية الدولة وتحولاتها، لم يزل كتاب مارتن فون كريفيلد، «صعود وانحدار الدولة»، واحداً من أهمها على الأطلاق. 
ليس فقط لأن فون كريفيلد، الذي نشر كتابه في 1999، أفاد من الميراث الكبير لدراسة مسألة الدولة، السابق على عمله، ومن التقدم الواسع في حقلي الدراسات التاريخية والاجتماعية، ولكن أيضاً لطموح المشروع الذي ولد منه عمله. 
في أكثر من أربعمائة صفحة بقليل، يقرأ فون كريفيلد الدولة من بداية التاريخ، في العصرين اليوناني والروماني؛ كما ولادة الدولة الحديثة وتطورها منذ صلح وستفاليا في 1648 حتى الأزمنة المعاصرة.

يكرس فون كريفيلد فصل كتابه السادس، والأخير قبل ملاحظاته الخاتمة، لما يعتبره تراجع الدولة، وتراجع أهميتها في حياة المجتمعات المعاصرة، متخذاً العام 1975 بداية لهذه الحقبة. 

ويعدد العوامل الأربعة التالية، باعتبارها القوى الفاعلة التي أدت إلى بداية انحسار سلطة الدولة وهيمنتها:
 1- تراجع الحرب؛ 
2- تراجع مهمات الرفاه والرعاية الاجتماعية؛ 
3- الانتشار العالمي للتكنولوجيا؛
 و4- التهديدات المتزايدة للنظام الداخلي. 

لم يخطئ فون كريفيلد عندما أوضح في كتابه، ما أوضحه دارسون عدة من قبله، أن الدولة الحديثة، ومنذ بدايات نشوئها، أصبحت دولة قومية، أو دولة – أمة، كما هي الترجمة العربية الحرفية للمصطلح الإنكليزي.

بمعنى أن الدولة الحديثة لم تقتصر على امتلاك أدوات عنف وسيطرة وتحكم ورقابة هائلة، لم تمتلكها الدولة التقليدية من قبل، ولا أنها أصبحت مصدر التشريع والشرعية معاً، وحسب، بل وجسدت الهوية القومية للأمة التي تحكمها، أيضاَ. 
في بعض الحالات، كانت الدولة هي البوتقة التي صنعت الهوية القومية، وتماهت بها في الوقت نفسه، كما هي حال الدولة الفرنسية. وفي أخرى، كما حالة الأمة الألمانية، سبق تبلور الهوية القومية وجود الدولة الواحدة، وأصبح تجلي هذه الدولة الهدف الأعلى للحركة القومية. 
هذا التماهي، في السياق الغربي عموماً، بين الدولة والأمة هو ما يطرح بعضاً من الأسئلة الهامة حول مقولة فون كريفيلد حول تراجع الدولة وانحسارها.

ليس
ثمة شك أن العالم، سيما العالم الغربي، شهد منذ سبعينات القرن الماضي انحساراً في عدد من أهم سمات مؤسسة الدولة الحديثة. 
عمل توازن القوى النووي خلال سنوات الحرب الباردة على أن تتجنب أوروبا (وليس العالم ككل) الحرب المسلحة الشاملة، وهي القارة التي ساهمت فيها الحروب المستمرة في ولادة الدولة والحديثة.

ومنذ منتصف السبعينات، ومع تضاؤل خطر انتشار الشيوعية وفقدان الفكرة الاشتراكية بريقها الإنساني، أصبح ممكنا لإدارة الرئيس ريغان وحكومة تاتشر التخلي عن أبرز مهمات الرعاية الكاملة، التي طورت أصلاً لمواجهة الخطر الشيوعي، وأن تنتشر فكرة السوق الحرة والنظام الاقتصادي الليبرالي في كافة أنحاء العالم. في الوقت نفسه، أفقد تقدم وسائل التقنية والاتصال الدولة تدريجياً لواحدة من أبرز سماتها: التحكم والرقابة.

واكبت هذه المتغيرات تضخماً هائلاً في مقدرات الشركات الكبرى، التي لم تكتسب جنسيات متعددة، ولا فاقت مقدرات بعضها ميزانيات دول متوسطة الحجم، ولا عملت على انتقال رؤوس الأموال ومواقع الإنتاج من بلد إلى آخر، وحسب، بل وامتلك بعض منها تأثيراً ملموساً على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لدول برمتها. 
اجتمعت هذه المتغيرات معاً لتولد مؤسسات أممية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية، أو إقليمية، مثل الاتحاد الأوروبي ومنظمة الدول الآسيوية والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، أصبحت في حد ذاتها كيانات فوق الدولة القومية.

هذا كله صحيح، بالتأكيد. والصحيح، أيضاً، أن هذه المتغيرات فرضت ما يشبه التآكل في الطبيعة التقليدية للدولة الحديثة، سواء من حيث رصيد القوة الذي تمتعت به طوال مئات من السنين، أو من حيث السلطات التي مارستها على الفرد والجماعة.
ولكن الشيء الذي لا يبدو أنه تراجع أو وهن هو ذاك الارتباط السحري، الأقرب إلى الصلة الصوفية، بين الدولة والهوية، الدولة باعتبارها تجلي الأمة وحاضنتها وتعبيرها عن ذاتها، والأمة في رؤيتها الدائمة للدولة باعتبارها رمز وجودها وحارسة موقعها ودورها على مسرح العالم. 
بنت الدول هذه الرابطة، أو ارتكزت إليها أصلاً، ولكنها في كل الأحوال عملت على رعايتها وتأبيدها، في النشيد الوطني، في العلم، في المتحف، في المناهج المدرسية، في فريق كرة القدم، في الإذاعة والتلفزة، وفي طقوس السيادة والحكم على السواء.

لم تبرز هذه الصلة السحرية، والمتخيلة، كما برزت خلال الاستفتاء الأخير على بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، الذي انتهى إلى تصويت أغلبية بسيطة، وإن حاسمة، لصالح الخروج من الاتحاد. المدهش في الاستفتاء ونتيجته، كان التناقض البالغ بين مصالح أغلبية من صوت لصالح نهاية العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، وفكرة الخروج نفسها. 
طبقاً لخارطة توزيع الأصوات، أعطت أغلبية إسكتلندا وإيرلندا الشمالية، ولندن الكبرى، ذات التكوين السكاني الكوزمبوليتيكي، أصواتها لصالح البقاء في الاتحاد؛ بينما أعطت أغلبية إنكلترا الساحقة، وأغلبية بسيطة في ويلز الصغيرة، أصواتها لصالح الخروج.

بمعنى، أن الاستفتاء حسم بأصوات الكتلة الإنكليزية المركزية من المملكة المتحدة؛ وأغلب هؤلاء كان من الطبقات العمالية والوسطى الصغيرة، سيما من أبناء المناطق التي تعتبر عادة معاقل لحزب العمال. 
ولأن الاتحاد الأوروبي تبنى أصلاً توجهات اجتماعية حاضنة فيما يتعلق بحقوق العمال، ساعات العمل، المساواة بين العاملين، الرعاية الصحية والاجتماعية، وملفات البيئة، فليس ثمة شك أن التزام بريطانيا بالاتحاد صب لصالح هذه الشرائح الاجتماعية. 
ما وصفه دعاة الخروج الكبار، ومعظمهم من المحافظين، المؤمنين باقتصاد السوق والنظام الرأسمالي الحر، بالقيود التي يضعها الاتحاد على بريطانيا، يتعلق في الحقيقة بالضوابط القانونية التي توفر بعض الحماية للطبقات العمالية والوسطى الصغيرة.
فلماذا استمعت هذه الطبقات لخطاب خصومها الاجتماعيين وصوتت ضد مصالحها الذاتية؟

ليست هناك إجابة واحدة وبسيطة على هذا السؤال. 
ولكن ما هو أكثر وضوحاً أن خطاب الدعوة لاستعادة سيادة الدولة البريطانية، والمنذر بالخطر الذي يمثله المهاجرون من أبناء دول الاتحاد الأوروبي على هوية بريطانيا المتوارثة، ترك أثراً أعمق في الأغلبية الإنجليزية من خطاب المصالح الاقتصادية، الذي تبناه أنصار البقاء في الاتحاد. 
حسم الاستفتاء لصالح الخروج بالأغلبية الإنكليزية، الكتلة التي اعتبرت دائما الأكثر تماهياً مع الدولة البريطانية وما تعنيه بريطانيا، والكتلة التي تعيش منذ عقود أزمة هوية متفاقمة.

في اليوم التالي للاستفتاء البريطاني، التقى وزراء خارجية الدول الست المؤسسة للسوق الأوروبية المشتركة في 1957، بدعوة من ألمانيا. أكد الوزراء على استمرار الاتحاد الأوروبي، وأظهروا استعداداً لبدء مفاوضات سريعة لخروج من بريطانيا من الاتحاد.
ولكنهم أشاروا، أيضاً، وفي فقرة بالغة الدلالة، إلى أن الاتحاد سيتوقف عن اتخاذ مزيد من خطوات الاندماج وسيأخذ في الاعتبار الطموحات المتفاوتة والمتباينة للدول الأعضاء. 
هذا، بالتأكيد، أول تراجع من دول الاتحاد الأوروبي الرئيسية عن حلم الاندماج، وأول تراجع أمام قوة الدولة القومية.

المشكلة، سواء في الحالة البريطانية، أو في حالات أخرى مشابهة، حيث الدولة القومية تحتضن قوميات متعددة، أن الخضوع لسياسات الهوية لا يمكن إيقافه عند حد. فبريطانيا ليست دولة القومية الإنكليزية وحسب، وسيكون لإيقاظ القوميات الأخرى عواقب، ربما سيصعب احتواؤها

عزف منفرد بين ليليان ومصعب

عزف منفرد بين ليليان ومصعب

 وائل قنديل

لا يفصل بين اختطاف المذيعة اللبنانية ليليان داود وترحيلها من مصر والحكم بالسجن المشدّد على الشاب المصري المختطف في الإمارات، مصعب أحمد عبد العزيز، سوى ساعات معدودات، غير أن بين الموقفين آلاف الأميال من رمال القطيعة الثورية الممتدة.

ليليان داود، مذيعة الفضائية المصرية الخاصة التي شهدت انتقالين دراميين، شديدي الإثارة، الأول تحوّلها من نافذة لثورة يناير 2011 إلى وكر لانقلاب يونيو 2013، والثاني كان انتقال ملكيتها من رأس المال الانقلابي الناعم، ممثلاً في نجيب ساويرس، إلى رأس المال الانقلابي المتوحش، ممثلاً في رجل الحديد، أحمد أبو هشيمة، وريث دور أحمد عز في زمن حسني مبارك.

أما مصعب، فهو المواطن المصري الذي كان يعمل في دولة الإمارات عام 2013، وشاء القدر أن يكون والده، أحمد عبد العزيز، ضمن الفريق المعاون للرئيس محمد مرسي، فجرى اعتقاله وإخفاؤه قسرياً عاماً كاملاً تحت التعذيب، حتى أعدّوا له قضية واتهاماً بالانتماء لمنظمةٍ إرهابية، من دون أن يسمحوا له بمحامٍ يدافع عنه، حتى أسدل الستار، أول من أمس، بحكم بالسجن المشدّد ثلاث سنوات.

تضامن أصدقاء مصعب معه، من خلال هاشتاغ على مواقع التواصل الاجتماعي، لم يعبأ به أحدٌ من التيارات الأيديولوجية والسياسية الأخرى، على الرغم من أن الشاب، موضوع التضامن، ليست له انتماءات سياسية، وكل جريمته أن والده من المعسكر المتمسّك بشرعية الرئيس الذي أطاح به انقلابٌ، كان للإمارات الإسهام الأوضح في تجهيزه وتنفيذه، كما أنه شقيق الشهيدة حبيبة التي سقطت برصاص العسكر في مذبحة الحرس الجمهوري، يوليو/ تموز 2013.

لم يغضب أو ينفعل بمأساة مصعب إلا جمهرة من معسكر دعم الشرعية، على الرغم من أن قضيته تتوفر لها كل العناصر اللازمة لتجعلها قضية رأي عام واسعة الانتشار والتفاعل، إنسانياً ووطنياً وسياسياً، فيما انصرف نجوم معارضة الجنرالات إلى ترتيب موائد الاصطفاف، ضد مرسي والسيسي معا.

في مأساة، أو قل عار الهجوم على منزل ليليان داود، وانتزاعها من طفلتها، والتوجه بها إلى مطار القاهرة، لترحيلها إلى لبنان، بعد ساعات من قرار إنهاء عملها في الفضائية التي آلت ملكيتها لرجل السيسي الحديدي، اشتعلت "السوشيال ميديا"، وبلغت ألسنة اللهب حدود "التريند" خصوصاً مع نزول "البوب" محمد البرادعي الساحة بتغريدة  تضامن، هي الأسرع في تاريخه على "تويتر"، وهذا جيد وإنساني وحضاري، لكن الملفت وغير الجيد، أن التفاعل بقي محصوراً بشكل أساس في الشريحة التي تنتمي إليها المذيعة، فيما راق للآخرين إبداء كثير من الشماتة والتشفّي، ومن ضبط أعصابه منهم، وضعها في إطار "من أعان ظالماً مستبداً" و"الكأس الدائر" إلى آخر هذه القائمة التي باتت محفوظة.
كأنهم يناضلون من أجل عدالة توزيع القتل والقمع والاستبداد، بدلاً من النضال لإنهاء هذا الثالوث الكريه، فصاروا ينشدون التعادل في العذاب، لا التساوي في حياةٍ تليق بالبشر.

لم يتوقف أحد عند كارثية أن تتفرّغ الدولة العربية الأكبر للحرب على سيدةٍ لبنانية، هي أم لطفلة مصرية، تعيش بيننا منذ سنوات، تقدم أداءً مهنياً محترماً، مع احترام كل أسباب النقد العنيف لانحيازاتها لدولة الجنرالات في وقتٍ ما، والتسليم بأن انتهازية وعنصرية كثيرين من المنتفضين غضباً من أجلها، يأتون في مقدمة أسباب صناعة الجحيم الذي طاولها.
لم يهتم أحدٌ بهذا العار الحضاري الذي يغرقون فيه مصر، بطرد سيدةٍ عربية، هي أكثر مصريةً من الذين فرّطوا في التراب والتاريخ، إرضاءً لرغبات الفرعون الذي لا يطيق إطلالتها على الشاشة، ثم يتم افتراس سمعتها الشخصية بالرواية الأمنية الوضيعة في صحافة ليبرالي الانقلاب، رئيس حزب الوفد، رجل الأعمال السيد البدوي.

إنه العزف المنفرد، على أوتار التيار أو الجماعة أو الشلة.. 
أو ما يسميه صديقي أستاذ الطب النفسي النابه، أحمد عبد الله، "التحوصلات  المقدسة"، والتي إما ننفك منها أو حلال على الجزار لحوم الأغبياء.

نعم، تلك هي الآفة، أو الجرثومة سريعة التحضير، قوية المفعول التي يجيد معسكر الانقلاب استخدامها لتفتيت أي تجمعٍ للناس حول قضيةٍ وطنيةٍ جامعة، إذ يتقنون لعبة فصل مسارات الغضب، بحيث لا تلتقي في تيارٍ واحد، تماماً كما يجيدون عمليات فض التظاهرات والاعتصامات، لكن الأكثر خطراً تلك الاستجابة الفورية من فرقاء الغضب لتناول هذه الجراثيم، وكأنهم أدمنوا تعاطيها، هرباً من أي استحقاقاتٍ مكلفة.

ذكرى يوم الانقلاب على الثورة تحل غداً، من دون أن يكلف أحد نفسه مشقّة دعوة الجماهير للنضال ضد الذين هبطوا بالبلاد والعباد إلى القاع، فيما تلعب السلطة بالجميع، فتسحب معركة "تيران وصنافير"، وهي واحدة من قضايا الإجماع الثوري النادرة، وتنزل بمعركة امتحانات الثانوية العامة، وحين يفاجئها التلاميذ بإبداع ينايري مدهش، تلقي ورقة ترحيل ليليان داود. 
وهكذا، غيمةً فوق غيمة، حتى تتغبّش الرؤية ويتوه الطريق، وتتجدّد اشتباكات "داحس وغبراء" قبائل يناير.

زنجبار هزيمة وإهانة

زنجبار هزيمة وإهانة

                 العرب الأسرى في زنجبار                 

 العربي الجديد
في ستينيات القرن المنصرم، يتذكر العرب تاريخ الهزيمة الشهير عام 1967 الذي سمّوه أحيانًا "نكسة حزيران"، قبل أن ينظر بعضهم جليًا في مرآة ما حدث ليقول "هزيمة حزيران". 
ولفرط فداحة الأمر، غابت عن وعي العرب، أحداث أخرى في الفترة ذاتها، أو لعلّها غيّبت. 
ويستطيع المرء تذكّر تاريخين اثنين في عقد الستينيات نفسه على الأقل، يرتبطان بالهزيمة والإنجليز: استقلال جنوب اليمن عام 1967، وتفلّت زنجبارعام 1963.

كانت بريطانيا العظمى، أو "سلطة التاج البريطاني"، أو "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس" وفقًا للوصف الرائج، تنسحب من مستعمراتها الكثيرة المتناثرة في آسيا وأنحاء أخرى من العالم. إلا أن انسحاب الجنود لا يعني انسحاب النفوذ. فقد حافظ الإنكليز على العلاقات المتشعبة الكثيرة التي نسجوها مع السكان المحليين في كافّة المستعمرات. 
ومن بين تلك المستعمرات زنجبار الأرخبيل الواقع في المحيط الهندي، وتحديدًا قبالة شرق أفريقيا. مع ذلك، يطلق اسم زنجبار على أكبر جزر الأرخبيل، هكذا الكبير يبتلع الصغير بالمجاز والإشارة.
لزنجبار الجزيرة صلات قوية معنا نحن العرب، فليس أن الاسم وحده مكرر في اليمن، بل إنها عرفت الدين الحنيف منذ القرن الأول للهجرة. وبعد ذاك، كان لعُمان سيطرة ونفوذ عليها، فقد كان ولاة زنجبار وحكامها تابعين لأئمة عُمان. 
وعرفت الجزيرة أيامًا مشرقة، كما تخبّر كتب التاريخ القليلة، في عهد سعيد بن سلطان البوسعيدي، في القرن التاسع عشر. 
حيث فعلت الجزيرة، كأقرانها العرب: ملاحة قوية في المحيط الهندي. شيء سنرى أصداءه في الكتب التي تخبر عن صيد اللؤلؤ، وفي قصائد الملاحين باللهجات المحكية، وبالطبع في كل ما تركه أسد البحار: ابن ماجد.

الأمور لا تبقى على حالها. الإنجليز غير مرتاحين. إنه عقد الستينيات من القرن المنصرم. الحرب العالمية الثانية حطت أوزارها، وأرادت عصبة الأمم، التي صارت الأمم المتحدة، تعميم مفاهيم إنسانية. وكذا كان، حصل الأرخبيل على استقلاله عام 1963. وبعد شهر قامت "ثورة"، قتل فيها العرب الذين يؤلفون أغلبية السكان. ذبحوا وطردوا وهجروا، راح الأرخبيل إلى شرق أفريقيا، اتحد مع تنجانيقا، وصارا: تنزانيا.

نشرت الصورة أعلاه في 18 يناير/ كانون الثاني 1964.
فيها العرب أسرى، يخضعون للتحقيق في أجواء "الثورة"- أو الانقلاب - التي قام بها الأفارقة في الجزيرة، أطاحوا حكم السلطان جمشيد بن عبد الله، الذي دام واحدا وثلاثين يومًا فقط. هزموا العرب وأهانوهم. زنجبار، هزيمة وإهانة.

اقــرأ أيضاً

زنجبار... البحث عن أمة


جزيرة الروضة في النيل القاهري


الثلاثاء، 28 يونيو 2016

إغلاق الماضي على رقبة مرسي

إغلاق الماضي على رقبة مرسي


الجميع يتحدثون عن المستقبل، من دون أن يخرجوا من الماضي.

هل يمكنك السفر إلى المستقبل، من دون حسم ملفات الماضي العالقة، وإنجاز استحقاقات الحاضر؟

يطرح السؤال نفسه في قلب متاهة الكلام الثوري المنمق حول موائد الثرثرة، ليخرجوا على الناس بما هو أخطر من ألاعيب السلطة في مصر، حين يحاولون إقناعك بأن ثورة يناير من الماضي، وأيضا خطيئة انقلاب يونيو فعل ماضٍ، ولابد من معادلات جديدة كليا، يذهبون بها إلى المستقبل.

وأظن أن تلك بمثابة جمرة خبيثة، لو تُرِكتْ فسوف تلتهم كل ما فات، وكل ما هو آت، إذ يبدو المستهدف الوحيد منها شطب موضوع الاعتداء على سلطة منتخبة ديمقراطيا من جدول قضايا مصر الأساسية، بما يستتبعه من محو اسم محمد مرسي، إذ لم يعد أحد يريد أن يأتي على اسم الرجل، وهو يخطط للمستقبل في أبراجه العاجية، وكأن المطلوب هو إغلاق الماضي على رقبة الرئيس محمد مرسي، كي ينعم كل الذين تم استخدامهم في كارثة الانقلاب بالمستقبل.

مدهش حقا أن صغار وأشبال الوحوش الكاسرة، التي أطلقوها على الرئيس ، بعد انتخابه، وأبلت بلاء حسنا، في أعمال النهش والافتراس، لصالح الضواري الأكبر، تريد أن تقنعنا الآن بأنها الأكثر وعيا، والأشد حرصا على الثورة، التي جاءت بالرئيس الذي عقروه.

الجميع أبرياء وطيبون، وأكفاء، باستثناء محمد مرسي، هذا هو الحل السهل، المريح، الذي توصل إليه الخارجون من معسكر الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013 ومن ثم يعتبرون كل كلمة تدعو للتوقف بالدراسة والتحليل لمقدمات ونتائج هذه الخطيئة التاريخية، التي أوقعوا فيها ملايين البسطاء، تعطيلا لمشروع الاصطفاف، الذي يسبح في الفضاء الخارجي منذ عامين على أقل تقدير.

لم تعد المسألة بحاجة إلى أدلة لإثبات أن الكوارث السياسية والمجتمعية والحضارية التي تحيط بمصر حاليا هي الحصاد المر لتلك الرقصة المجنونة على الموسيقى العسكرية، وكأن التاريخ يقدم اعتذاراته يوميا لمحمد مرسي، عن الجريمة التي نفذت بحق ثورة يناير، قبل أن تصيبه هو شخصيا، بينما يأبى المهرولون إلى المستقبل أن يعتذروا عن دورهم في إفساد الماضي الذي كان واعدا، بل إنهم حتى لا يجيبون عن أسئلة الحاضر: ماذا أنتم فاعلون في الرجل الذي يقبع في زنزانته، حال زوال الانقلاب؟.

ما قولكم في الدماء التي سالت أنهارا، ولا تزال تسيل حتى الآن؟

عفا الله عما سلف، أم أن الحي أبقى من الميت؟.

أم أنه في موسم غسيل المواقف والتخلص من أدوات جريمة خداع الجماهير، ليس مسموحا لأحد بطرح الأسئلة، والمحاسبة على ما فات؟.
حسنا، لن يناقشكم أحد في أن الرئيس ارتكب أخطاء في الحكم، فماذا عن أخطائكم، بل خطاياكم؟!

لماذا يكون مطلوبا من الجماهير أن تتسامح مع"النزوة الثورية" التي خلفت وراءها آلاف الشهداء، وعشرات الآلاف من المحبوسين والمطاردين، بينما لا تسامح مع كل من يريد أن يحرر الماضي من الأكاذيب والأوهام، بحجة شراء المستقبل.

فلينعم الصهاينة بهذه النظرية العبقرية، وليستمتع كل سارق بما سرق، وكل ناهب بما نهب، وليهنأ الأوغاد والانتهازيون بصك الغفران المستقبلي، وفي المقابل، لا عزاء لمن قلت عنهم في لحظة الجنون يونيو: حزيران 2013:
طوبى لمن لم يتسللوا، كاللصوص والبغايا، إلى الغرف السرية في فنادق الجنرالات، لتلقي الأوامر والتعليمات وإرشادات التمرد فوق ظهور الدبابات والمجنزرات، وبقوا صامدين قابضين على جمر يناير، بينما كانت كل المؤشرات تقول إن من لا يلتحق بقطار يونيو سوف تدهسه عجلاته الثقيلة.

طوبى لمن رفضوا "الثورة على ثورتهم"، ولم ينصتوا لأيقوناتها التي خانت نضالها، وباعت تاريخها، وراحت تجوب عواصم العالم تتسول العون، وتحرّض المجتمع الدولي على نظام منتخب ديمقراطياً، بحديث كاذب عن دستورٍ، لا يعترف بالهولوكوست.

في كتابه "روح الإنسان" كتب روبرت بريدجز "ربما نتبين أن حماقاتنا وآثامنا القومية قد استحقت العقاب..وإذا كنا لا نستطيع نحن أنفسنا أن نبدو في هذه التعرية للعفونة أبرياء تماما، فإننا مازلنا أحرارا وصادقين مع أنفسنا، وفي وسعنا أن نطمع في تكفيرها عنا من خلال الندم".
حقا: فلنكن أحرارا وصادقين مع أنفسنا، وإذا كان غير قادرين على إزاحة كابوس الحاضر، فليس أقل من أن نحاول الدفاع عن الرواية الصحيحة للماضي، الذي ليس بماضٍ.

الرد علي الكاتب خلف الحربي

سيءٌ جداً أن يناقش الفتاوى الشرعية جاهل بها والأسوأ من ذلك عندما يظهرفي رده قرائن على قصده للتشويه والتنفير والتشكيك

كتب الصحفي خلف الحربي
يسرقون أعمارنا ثم يعتدلون!



سيدة في أواخر العمر تسأل الله حسن الخاتمة، تتذكر دائما أنها حين كانت شابة جميلة سمعت من أحد المشايخ –وكان قريبا لها– أن الصور الفوتغرافية حرام، فأحرقت صورها وصور أولادها الذين كانوا صغارا، وبعد عشرين عاما من هذه الحادثة أصبحت تفتح الجرائد فتجد صورة هذا الشيخ في كل مكان، فهمت أن هذا الشيخ تراجع عن فتواه المتشددة أو (المتسرعة) ولكنها لا تعرف كيف تستعيد ذكريات الزمن الجميل التي أحرقها الشيخ قبل اعتداله! 
رجل في منتصف العمر استمع قبل أكثر من عشرة أعوام إلى محاضرة من شيخ مشهور جاءهم في الشرقية ليحذرهم من خطر القنوات الفضائية على الأمة، فتحمس بعد المحاضرة ليدس الأوراق التحذيرية من تحت أبواب جيرانه الذين تحتوي بيوتهم على أطباق لالتقاط البث الفضائي، وكانت صدمته كبيرة حين وضع أخوه الأكبر (دشا) في البيت، فتعارك معه وقال له كلاما معيبا جدا، وهو اليوم يشعر بخيبة الأمل لأن ذلك الشيخ نفسه يظهر في برنامج في أسوأ هذه القنوات –من وجهة نظره– مقابل عقد يفوق المليون ريال! 
رجل آخر –في منتصف العمر أيضا– ترك وظيفته المرموقة في البنك حين نقل له أقرباؤه أن الكثير من المشايخ يقولون إن راتبه حرام، وهو يعمل اليوم في وظيفة بائسة ويضحك بعمق على نفسه لأن أغلب هؤلاء المشايخ أصبحوا أعضاء في الهيئة الشرعية للبنك الذي تركه في شبابه!
 قد يكون سبب عودة الشيخ –أي شيخ– عن فتاواه ومواقفه المتشددة وتحوله إلى شيخ وسطي معتدل، أنه راجع أفكاره ووجدها متسرعة وحماسية أكثر مما يجب، أو أنه شعر بأن هذه الأفكار المتشددة لا تساعده على الاستمتاع برغد العيش بعد تغير أحواله، ولكن المشكلة ليست هنا، بل في ظهور شيخ جديد يريد أن (يكون نفسه) فيتشدد ويحتسب ويوتر الأجواء ويعطل التنمية حتى يصبح نجما لامعا ويتبعه خلق كثير فيعتدل ويصبح وسطيا ثم يقدم برنامجا تلفزيونيا يدعو فيه إلى التسامح والتآخي.. وهكذا (من يد نشيط بيد نشيط)!
 أنتم اليوم لا تحتاجون أكثر من ورقة بيضاء وقلم كي تكتبوا على وجه الورقة أسماء عشرة مشايخ كانوا متشددين ثم اعتدلوا بعد أن سرقوا عشرين عاما من أعمارنا، ثم تكتبوا على ظهر الورقة أسماء عشرة مشايخ يقودون موجة التشدد هذه الأيام وإذا أحياكم الله بعد عشرين عاما سوف تجدون هؤلاء المتشددين أصبحوا ينافسون أصحاب القائمة الأولى على الاعتدال والوسطية بعد أن أصبحوا من سكان القصور.. أما أنتم فليس لكم إلا العناء والتحسر على العمر الضائع، والبحث عن مبررات لاعتدال الشيخ المرموق مثلما بحثتم عن مبررات لتشدده، ولكن عليكم أن تضعوا في الاعتبار أنه من أجل هذا الأمر فقط حارب الإسلام فكرة الوسطاء!


وللرد على مغالطاته

أقول:

أنا متأكد أن الدعوة والمشائخ المتشددون والمعتدلون لم يسرقوا من عمر خلف الحربي حتى يوماً واحداً، أما حديثه بضمير الجمع (أعمارنا) فهو لا يحمل تفويضاً عن الناس ليتحدث باسمهم ولو أتيح للناس فيما أظن أن يعبروا عن رأيهم في إستفتاء حر نزيه فيما يكتب هو وأمثاله لكانت النتيجة مما لا يسره


إن المشائخ الذين يتحدث عنهم إذا أتيح للواحد منهم أن يلقي محاضرة لمدة ساعة ويحضرها بضع مئات بعد إجراءات للموافقة تستغرق أشهراً ويلقيها محتسباً بدون مقابل بينما هذا الصحفي يكتب مفروضاً على الناس كل يوم من خلال جواله وهو في أي مكان وينشر في صحيفة توزع قرابة مائة ألف نسخة ويأخذ مكافأة على ذلك عشرات الآلاف شهرياً

لكن القبول من الله قضية أخرى وربما كان ذلك الذي يغيظ كتبة الصحافة.

وَمِمَّا يعلمه أهل العلم تغير الفتوى والإجتهاد لتغير معطياتها في الواقع أو في علم المجتهد و المفتي أو لتغير مآلاتها من زمن إلى زمن آخر وهو أمر معلوم منضبط بقواعده العلمية الشرعية و واقع عبر تأريخنا وهو أحد أسباب خلود الشريعة الإسلامية،لكن هذا شيء وتوظيف ذلك لتشويه الدعوة والفتوى والمرجعية الشرعية للناس من غير متخصص أو من غير مؤمن بهذه المرجعية شيء آخر

إن كان هذا الكاتب حريص على معرفة الحق ويمتلك التأهيل العلمي لمعرفته وفهمه فليناقش أدلة من قال بإباحة التصوير ومن قال بحرمته بعلم وعدل ويرجح بعلم ودليل شرعي ولا ضير في ذلك أما الغمز واللمز وضرب أمثلة مجهولة للتنفير فقط فهو حرث في الماء وبذر في الهواء

و ليعطينا إن كان صادقاً مثالاً واحداً كان يقول بحرمة التصوير الفتوغرافي ثم أصبح يخرج في الفضائيات وأمام الكاميرات


إن الواقع يقول أن الذين قالوا بالحرمة مازالوا على قولهم و أن من يخرج في الفضائيات كانوا من البدايات يَرَوْن جواز ذلك ولا ضير من الإختلاف مادام بفقه وعلم وفي مايجوز الخلاف فيه بل لو قال عالم بقول ثم تبين له خطأ ذلك القول ورجع عنه فيجب أن يشكر على ذلك ولا يثرِب عليه ، والغريب من الكتبة الصحفيين الذين يدافعون عن حرية الإلحاد والعلمانية والليبرالية و يشنون الحملات القاسية عن أي اختلاف فقهي علمي بين علماء الشريعة المؤهلين و يتهمونهم حيناً بالتشدد وحيناً بالتحول والتغير!!

و يجب أن نفقّه ونوعيّ الناس أن أحكام الشريعة منها قطعيات لا مجال للخلاف فيها ومنها ظنيات في الثبوت أو الدلالة هي محل للإجتهاد والنظر من أهل العلم المؤهلين ولا ضير من الخلاف فيها . وقد وقع الخلاف فيها بين الصحابة في حياة الرسول ‏ﷺ ولم يثرِب عليهم فأن يقع ممن بعدهم أولى ومن أخذ بأي من القولين في خاصة نفسه لقناعته بأنه الحق أو الأقرب للحق فلا إشكال في ذلك.


وممن كان لا يرى إباحة التصوير أئمة هذا العصر كابن ابراهيم وابن باز وابن حميد وابن عثيمين فهل هم هؤلاء المتشددون عند خلف وأمثاله !!
القضية عند هؤلاء ليست مناقشة اختلافات فقهية واختلاف فتوى فهم لايدركون فقه الخلاف ولا أحكام الفتوى ولا تعنيهم كثيراً


القضية عندهم هي تشكيك في الدين والتدين وتشويه للعلماء والدعاة وتنفير للناس عنهم.


د.عوض القرني

١٤٣٧/٩/٢٣هـ

وطن يعني مصطفى بكري

وطن يعني مصطفى بكري

 وائل قنديل

وأنت تتابع معركة "تيران وصنافير"، من المهم ألا تنسى أن الموضوع بين قضاء 30 يونيو ونظام 30 يونيو ورعاة 30 يونيو، من جهة، وبين الذين اكتشفوا أن الكفر بهذا الثالوث بات لازماً، كي تحافظ على صحيح إيمانك بالوطن، وبثورة يناير، وتحتفظ بإنسانيتك، من جهة أخرى.

ربما يصلح هذا المدخل
لفهم حالة التشنج الهستيري التي انتابت مثلث النضال من أجل إثبات أن الوطن هو ما يردّده مصطفى بكري ولميس جابر، ومحامي عبد الفتاح السيسي الذي وقف في قاعة المحكمة، أمس، يندّد بالاحتلال المصري الغاشم للجزيرتين اللتين جمع بعض الخونة والمجانين عشرات الوثائق التي تثبت مصريتهما.

لا يصدق قضاء الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013 أن بعض الذين فتح لهم أبواب أنديته ومقرّاته للتحضير لإطاحة الرئيس الإخواني الذي نجح في الوصول إلى الحكم، يمكن أن ينفلتوا من فلك النظام الذي تأسس، برضاهم، على أنقاض النظام الذي جاءت به ثورة يناير.

ولا يريد نظام عبد الفتاح السيسي أن يستوعب أنه مازال على أرض مصر من يرفض تجلياته العبقرية في إدارة الوطن، أو يردّ له قراراً بالتصرّف فيه، كما يتصرّف في لحومٍ ذبيحة قنصها، ومن حقه أن يوزعها أو يبيعها، كما يشاء.

أما الطرف الثالث، راعي منظومة الثلاثين من يونيو، فليس من السهل أن يبتلع ما يعتبره نكراناً للجميل، بعد كل هذا الإنفاق الباذخ على مشروع تركيب نظام جديد وتشغيله وتموينه وتمويله، صنعه على يديه، ووفّر له كل أشكال العناية والحماية والاحتواء، واطمأن إلى أنه يستثمر في المكان الصحيح، وها هي لحظة جني الأرباح، بعد كل هذا الضخ المكثف.

كيف بعد ذلك كله لا يستطيع النظام المكفول أن يلبي هذه الرغبة البسيطة، وينجح في توصيل قطعتين من وطنٍ يشعل النار في خرائطه، ويلعق تاريخه، ويطمس جغرافيته، وينكر تضاريسه، وينسى حدوده؟.

من الطبيعي أن يُصاب "ائتلاف دعم السعودية" ضد مشاعر شعبيةٍ، تؤججها مجموعة من الأوغاد، بالصدمة والقلق، وهو يرى ثلةً من المارقين يحطمون أصنام انقلاب يونيو، ويتطاولون على آلهته، ويتحدّون الجميع، في مغامرةٍ مثيرة، بمواجهة قضاءٍ يعلمون مسبقاً أنه للنظام كالجلد للحم.

قبل ساعاتٍ من جلسة المحكمة الإدارية العليا، أمس، يبدو أن العقل الباطن غافل العلامة الفهامة، كاهن وطنية الأرز المنقوع في النفط، حجة الانقلاب وإمامه، مصطفى بكري، فكتب في صحيفة "الوطن" ما يلي "الوطن ليس سلعةً تباع وتشترى، تأمل المشهد جيداً، انظر إلى الوجوه، قلّب صفحات تاريخها، تأمل كلماتها ومواقفها، في وقت الأزمات كانوا هم المعول، فشلوا في الهدم، أرادوا بيع الوطن بالقطعة، تفتيت وفك وتركيب، زرع الاحتقان، دفع الناس إلى الفوضى، إطلاق الشعارات الكاذبة، الاستعانة بالأجنبي، التحريض، قبض الثمن ساخناً".

بالطبع، لا يمكن الاختلاف مع حرفٍ واحد مما سطره مصطفى بكري في المقطوعة المذكورة أعلاه، إذا كان المقصود بكلماتها معسكر بيع السيادة المصرية على الجزيرتين الذي يقوده السيسي، ويتولى فيه بكري قيادة فرقة عازفي الموسيقى النحاسية، غير أنه كان يمارس عملية إسقاطٍ، بالتعريف الحرفي للإسقاط في علم النفس، يلقي من خلالها بكل تشوهاته الإنسانية والقيمية والأخلاقية، على أولئك الذين أرادوا أن يثبتوا للعالم أن مصر لا تزال تخبئ في صندوق جواهرها الكثير مما يضيء ويتألق في الأيام حالكة السواد.

كان يوم أمس استفتاء للمواطن المصري على البقاء في دائرة الكرامة الوطنية، أو الخروج منها، وبصرف النظر عما يقرّره قضاء الجنرالات بشأن تبعية تيران وصنافير، فإن المكسب الأهم هو أن يتحرّر وعي المصريين، ولو جزئياً، من الأوهام والأساطير والأكاذيب التي أحاطت بهم، ثلاث سنوات.

واصلوا نضالكم دفاعاً عن أرضكم وثورتكم، ومعنى الوطن الحقيقي، لا وطن السيسي وبكري ولميس، وسواهم من أعضاء قائمة "في حب سعودية الجزيرتين"، واعلموا أن العمدة المدجّج بغطرسة السلطة والنفوذ في رائعة المخرج السينمائي الراحل، صلاح أبو سيف "الزوجة الثانية" ما كان ليصرّ على تطليق امرأةٍ من زوجها إشباعاً لرغبته، لو أن ضمير القرية لم يمت أو يصبه العطب، أو يقرّر فجأةً أن يكون للبيع وللإيجار.

الاثنين، 27 يونيو 2016

متى تنتهي هذه اللعبة؟! (2-2)


متى تنتهي هذه اللعبة؟! (2-2)
د. محمد عياش الكبيسي


لننظر الآن في الصورة الأوسع بدون أحكام مسبقة أو ضغوط أيديولوجية أو نفسية، الدول التي تحد هذه المنطقة الملتهبة ست دول: تركيا وإيران والكويت والسعودية والأردن ولبنان، وبمقارنة سريعة لدور هذه الدول وأسلوب تعاطيها مع الحريق الملتهب على حدودها نكتشف ما يشبه اللغز.

إيران هي الدولة الوحيدة التي تصول وتجول في طول هذه المنطقة وعرضها من الفلوجة إلى حلب! بجيوش ومليشيات ومستشارين وخبراء كلهم تحت الشمس وفي وضح النهار، ثم من باقي دول الجوار الأخرى لم يتحرك إلا (حزب الله) وهو الذراع الإيراني الذي لا يخفي ارتباطه الفكري والتنظيمي بإيران.

هل فعلا لا تشعر دولة مثل تركيا بأن تواجد الجيوش الإيرانية على حدودها الجنوبية يشكل تهديدا مباشرا لمصالحها الخارجية ولأمنها الداخلي؟
وهل فعلا تحتاج السعودية أو الأردن أو الكويت إلى من يذكرهم أو يوعّيهم بخطورة الوضع، وهل ادّخرت إيران شيئا من نواياها تجاه هذه الدول، بعد صواريخ (النمر) وتهديدات سليماني؟

حينما نلتقي بشباب السنّة في العراق يقولون لنا: أين دوركم في فضح المخطط الإيراني وخطورته على المستويين العربي والإسلامي؟ 
وكنا نقول لهم: إن الناس هنا لا يقلّون وعيا أو استشعارا للخطر عنكم، الموضوع لا يتعلق بالوعي.

إذا لم تكن المسألة مسألة وعي فما الذي يجعل إيران تقدم كل هذا الإقدام ودول المنطقة كلها تحجم كل هذا الإحجام؟ 
حتى الكيان الصهيوني يبدو في هذه المرحلة وكأنه الكيان الوديع أو (العاقل) الذي يرى الجيش الإيراني على حدوده، ويرى حزب الله براياته وأسلحته يشق الحدود ذهابا وإيابا فلا يعبأ ولا يكترث وكأن الأمر لا يعنيه!

هناك أسماء رنانة على المستوى الإقليمي والعالمي مثل جامعة الدول العربية والأمم المتحدة وجمعيات حقوق الإنسان والحيوان... إلخ، كل هؤلاء كانوا قد أدمنوا (القلق) إزاء كل حادث صغر أو كبر، لكنهم إزاء التغوّل الإيراني لا يقلقون ولا هم يحزنون!

حماس تلفتت سابقا إلى من يؤويها فلم تجد إلا (الأسد)، وإلى من يدعمها بالمال والسلاح والتدريب فلم تجد إلا (إيران)، وبهذا السياق جاء التصريح الأخير للقيادي موسى أبو مرزوق، ولم يسأل أبو مرزوق نفسه عن سرّ هذا الاستثناء؟
لو قارنّا المساحة التي تحتلها إيران اليوم عمليا في العراق وسوريا واليمن إضافة إلى الأحواز والجزر الإماراتية بمساحة الكويت التي احتلها صدام حسين لوجدت حجم الغطاء الذي يوفّره (المجتمع الدولي) لإيران ومشاريعها التوسعية وأسلحتها وأموالها ومليشياتها العابرة للحدود، كل ممنوع علينا مباح لإيران، ولن تجرؤ أية دولة مهما كانت قريبة أو حليفة للغرب أن تتحرك كما تتحرك إيران، حتى (إسرائيل) نفسها لا تمتلك مثل هذه الصلاحيات.
نخلص من كل هذه الإشارات إلى أن ما يجري في المنطقة ليس (شطارة) إيرانية في مقابل خور أو إهمال من الآخرين، بل هناك دور وظيفي واضح ومحدد لحرق هذه المنطقة وحرثها، ولم يبق إلا أن ننتظر الغراس الجديد.
إن (آية الله) الخامنئي و(خليفة الله) البغدادي ليسا سوى أداتين في هذا المشروع الجديد، وسينتهيان بانتهاء هذه الوظيفة، وإن غدا لناظره قريب.;

الدولة ضد الأمة

الدولة ضد الأمة

    فهمي هويدي
    من مفارقات زماننا وعجائبه أن استعدادنا للتواصل والتفاهم مع الأعداء صار أفضل منه مع الأشقاء. كان ذلك تعليقي على ما قرأت ما نشر بخصوص الإعلان الذي تم عن اتفاق الأتراك والإسرائيليين على تطبيع العلاقات بينهما بعد قطيعة استمرت ست سنوات.
    صحيفة «حريت» المعارضة التركية هي التي نشرت الخبر في عدد الثلاثاء ٢٦/ ٦، وذكرت أن مؤتمرا صحفيا سيعقد في أنقرة يوم الأحد (اليوم) لإعلان التوصل إلى اتفاق البلدين على إنهاء الأزمة بينهما ومن ثم طي صفحتها والتطلع إلى صفحة جديدة للتعاون المشترك.
    شعرت بالغيظ حين وقعت على الخبر، وتلبستني الغيرة. حين قرأت أن تخفيف الحصار على قطاع غزة هو الذي آخر الاتفاق، ومد أجله لستة أشهر. ذلك أن المشكلة بدأت باعتداء إسرائيلي على سفينة الإغاثة «مافي مرمرة»، التي حاولت في عام ٢٠١٠ كسر الحصار على القطاع. 
    وكان عليها عدد من النشطاء، إلا أن إسرائيل تعرضت لها في عرض البحر وهاجمت ركابها، الذين قتل منهم عشرة بينهم تسعة من الأتراك. وهو ما أجج الخلاف بين البلدين وأحدث قطيعة استمرت منذ ذلك الحين. وأعلنت أنقرة آنذاك أنها لن تعيد العلاقات مع إسرائيل إلا إذا استجابت لثلاثة شروط. 
    أولها الاعتذار عما بدر منها.
     ثانيها دفع تعويضات مناسبة لأسر الضحايا. أما الشرط الثالث فتمثل في رفع الحصار الظالم عن قطاع غزة.
    وسواء تم ذلك بتدخل أمريكي أو بمبادرة إسرائيلية، فقد قدمت تل أبيب اعتذارها رسميا إلى أنقرة في عام ٢٠١٣ ثم دخلت في مفاوضات مطولة بخصوص موضوع تعويض أسر الضحايا، انتهت بالاتفاق على مبالغ التعويض مقابل سحب القضايا المرفوعة من الأتراك ضد الضباط والمسؤولين الإسرائيليين أمام المحاكم التركية والدولية.
     أما ما تعلق بالموقف من حصار قطاع غزة فقد كان الملف الأكثر حساسية وتعقيدا الذي أجريت بشأنه مفاوضات مضنية واتصالات عديدة طوال السنوات الثلاث اللاحقة. ولأن الحصار أسهمت فيه إجراءات إسرائيلية وحسابات إقليمية فإن سقف المفاوضات لم يحتمل كسر الحصار بمعنى رفعه تماما بما في ذلك إطلاق حرية الحركة التي تشمل معبر رفح.
    فقد تبين أن المفاوضات يمكن أن تحقق تقدمها على صعيد تخفيف الحصار وليس كسره أو رفعه تماما، خصوصا أن الأطراف الإقليمية العربية لم تكن بعيدة عن مناقشة حدود التخفيف الممكنة. ومن التقرير الذي نشرته الصحيفة التركية فإن الاتفاق في ذلك الجانب شمل النقاط التالية: وافقت إسرائيل على إنهاء إجراءات بناء مستشفى لخدمة الغزيين. وأقرت بعدم وضع أي عراقيل أمام وصول الأدوية والأجهزة والموظفين الأتراك العاملين في المشروع وستتعاون ألمانيا مع تركيا في بناء محطة لإنتاج الكهرباء وحل مشكلة النقص الفادح في الطاقة الكهربائية بالقطاع ــ ستقوم تركيا ببناء محطة لتحلية المياه في غزة ــ وستمر جميع المساعدات دون أي عراقيل عبر ميناء أشدود إلى القطاع.
    قبل أن أسترسل ألفت الانتباه إلى أنني لست في وارد الحفاوة بأي تطبيع مع إسرائيل وأعتبر أن مقاطعة نظامها الفاشي والاستيطاني هي الأصل وإذا كانت تركيا قد تورطت في تلك العلاقة منذ عام 1949، حيث كانت ثاني دولة ذات أغلبية مسلمة تعترف بالكيان الصهيونى (إيران اعترفت بها عام 1948 وكانت الأولى)، فإنني أزعم بأن العلاقة مع إسرائيل أصبحت «عاهة سياسية» أصيبت بها تركيا وينبغي أن تتخلص منها يوما ما. وإزاء اللامعقول السياسي الحاصل في العالم العربي الذي انقلبت في ظله المعايير، فإن التطبيع الذي يفيد قطاع غزة يظل أقل سوءا من التطبيع الذي يشدد الخناق عليه. وقبولنا المؤقت بهذا الوضع في الحالة التركية يعد من قبيل تفضيل العور على العمى.
    الاتفاق والتطبيع الذي أعلن يستدعي المفارقة التي أشرت إليها في السطر الأول، ويعبر عنها السؤال التالي: لماذا تكلل التفاهم بين أنقرة وتل أبيب بالاتفاق، في حين استمرت القطيعة السياسية بين القاهرة وبين كل من أنقرة وطهران؟ أدري أن هناك خلافا في السياسات، لكننا فشلنا في إدارة الخلاف وسمحنا له أن يتحول إلى قطيعة. يتحمل كل طرف قسطا من المسؤولية عنها. هل لأننا نستقوي على أشقائنا؟ أم لأن حساسيتنا أشد إزاءهم بحكم العَشَم والوشائج المفترضة؟ أم أن موقفنا متأثر بضغوط خارجية لنا مصلحة في التجاوب معها؟ أم أن حساباتنا شخصية مع الأشقاء وموضوعية مع الأعداء؟ تعدد الأسئلة المثارة يعني أن الظاهرة تحتاج إلى مناقشة أوسع تفسِر وتصوب المسار وتعالج الخلل الذي يعتريه. 
    وإلى أن يتحقق ذلك فإن استمرار المفارقة يظل شهادة تدين العقل السياسي وتعلن فشل رؤيته الاستراتيجية، بدليل عجزه عن الحفاظ على التواصل المفترض مع الأشقاء الذي نسجته الوشائج على مدى التاريخ، الأمر الذي يضعنا أمام خسارة مضاعفة. ذلك أنا نضعف صفوفنا حين نخاصم الأشقاء ونقيم الجدران التي تفصلنا عنهم. في الوقت ذاته نقوي صف الأعداء حين نمد جسور الوصل والتحالف معهم، بحيث تصبح الدولة ضد الأمة.