الاثنين، 30 أبريل 2018

لماذا يهاجمون مسلسل أرطغرل الآن؟

لماذا يهاجمون مسلسل أرطغرل الآن؟

عامر عبد المنعم


لقد لاحظت أن هؤلاء الذين انتقدوا مسلسل أرطغرل لم يشاهدوه، ولهذا كان موقفهم ضعيفا وكلامهم ليس مقنعا لدى الملايين الذين يتابعونه

حملة الهجوم على مسلسل قيامة أرطغرل تقف خلفها دوائر منزعجة من تأثير هذا العمل الفني المبهر، الذي أحدث نقلة نوعية في الوعي الإسلامي، ليس في تركيا فقط وإنما في العالم العربي من المحيط إلى الخليج، فالمتابعون بالملايين، ينتظرونه كل أسبوع في سلوك غير مسبوق منذ ظهور المسلسلات على شاشات التلفزيون.
أرطغرل ليس مجرد عمل فني عالمي وإنما حدث ثقافي هو الأول من نوعه في تاريخ التلفزيون، حيث يتم تقديم مسلسل به جرعة من الفكر والحكمة ومكارم الأخلاق وتقديمها بشكل مشوق لجمهور واسع متعدد المشارب والأعراق، ومن كل الطبقات والأعمار بلغة متقنة، وبصورة مبدعة تجعل المشاهد لا يمل من رؤية الحلقات مرات ومرات.
من الطبيعي أن يأتي الطعن في المسلسل من أطراف معادية للإسلام لأنه يفضح الخونة والجواسيس في دوائر الحكم وعلاقاتهم بأعداء الخارج، لكن أن يتورط بعض المحسوبين على الإسلام في الهجوم فهذا أمر مؤسف، لا يمكن تفسيره إلا أنه يأتي في إطار محاولات بائسة للتقليل من قوة تأثير المسلسل في تنمية الوعي والنضج السياسي والقراءة الصحيحة لقضية الصراع بين الإسلام وخصومه.
بالتأكيد هناك ملاحظات كثيرة على المسلسل لكن مجمل العمل يخدم الإسلام ويذكرنا بأبطال المسلمين في فترات العز والانتصار، ورغم أنه مسلسل تاريخي فإنه يشرح لنا الواقع اليوم وما يجري فيه، وهو يدعو للتعصب للإسلام وليس للقومية التركية كما يزعم البعض، فالشخصيات الشريرة التي قدمها المسلسل كنموذج للخيانة شخصيات تركية مثل كورد أوغلو وأورال وأخرها سعد الدين كوبيك وزير السلطان السلجوقي الذي تحالف مع كل أعداء الأمة، منذ بداية المسلسل حتى مات في الحلقة 115 على يد أرطغرل الذي قطع رقبته.
لقد حاول العلمانيون دوما إبعاد الإسلاميين عن الثقافة والأدب والفن مع أن المسلمين هم أصحاب اللغة والأدب والمعلقات وآداب القصة والأسطورة وقد خسرنا كثيرا عندما أهملناها. وإذا كان الشعر قديما ديوان العرب فالمسلسلات الآن هي ديوانه، فالصورة المرئية اليوم تدخل كل بيت.
الدعاية المجانية لابن عربي!
لا يشغلنا كثيرا ما يردده الخصوم ولكن هؤلاء الذين يريدون أن يقولوا إن مشاهدة المسلسل حرام لم يجدوا غير شخصية "بن العربي" التي ظهرت في المسلسل.
لقد لاحظت أن هؤلاء الذين انتقدوا مسلسل أرطغرل لم يشاهدوه، ولهذا كان موقفهم ضعيفا وكلامهم ليس مقنعا لدى الملايين الذين يتابعونه، وليس من الإنصاف ولا من المنطق أن ينتقدوا شيئا لا يعرفونه ولم يطلعوا عليه؟
ومع هذا فإن التركيز على موضوع ابن عربي مبالغ فيه، ويؤدي إلى نتيجة سلبية على غير ما يزعم الناقدون، للأسباب التالية:
1- ابن العربي في المسلسل (بالألف واللام) لم يقل كلاما مخالفا، بل على العكس كان كلامه حكيما يستند إلى الكتاب والسنة ويدعو لمكارم الأخلاق بأسلوب هاديء ومقنع.
2- الذين يركزون على شخصية ابن العربي في المسلسل يروجون لابن عربي القديم، ويجعلونه وكأنه محور المسلسل رغم أن دوره ليس رئيسيا، وينسون أن المسلسل كله يدور حول قصة أرطغرل وبداية تأسيس الدولة العثمانية.
3- ليس جديدا أن نقول إن الأتراك صوفيون، يرتبطون بمشايخهم، ويحرصون على وجود الشيخ في مجلس السلطان والاعتزاز باستشارته في كل الأمور، ومعروف أن الإنكشارية وهي القوات المقاتلة في الدولة العثمانية كانوا يسندون مهمة تعليمهم وتربيتهم إلى العلماء لربطهم بدينهم، أي أن وجود الشيخ في المعسكر أساس عملية تأهيل الجندي المقاتل.
4- الذين يختزلون المسلسل المبهر في ابن العربي هدفهم التشويش فقط، ويريدون أن يأخذونا لجدال في مساحة ضيقة يحفظونها حول أفكار ابن عربي الذي هو غير موجود في المسلسل، وليس لها أي أهمية لدي المشاهدين، وإلا ما معنى الهجوم على العمل الفني الوحيد الذي يتابعه المسلمون، وتجاهل عشرات الآلاف من المسلسلات الفاسدة التي تغرق الشاشات؟
5- الناقدون يزعمون أنهم يخافون على الأمة من أفكار ابن عربي بينما هم يروجون له، حيث يشرحون للعوام أفكاره ويذكرون أسماء كتبه ومؤلفاته، ويستطردون في شرح الأفكار المنحرفة وإعادة الحياة لأقوال ماتت منذ مئات السنين.
6- الذين يفتعلون معركة مع ابن عربي لم يراعوا أن ابن العربي في المسلسل له تأثير إيجابي وربطه بابن عربي القديم يحسن صورته وليس العكس، وهذا نوع من التأثير العكسي غير المحسوب ويظهر عدم الحكمة في وزن الأمور.
7- كان من المفيد ذكر بعض السلبيات بدون مبالغة أو تهويل للتنبيه حتى يستفيد الناس وليس مجرد افتعال معركة خاسرة.
فشل لعبة ضرب أرطغرل بمحمد الفاتح
أحدث مسلسل أرطغرل تغييرا كبيرا في المجتمع التركي ونجح في تذكير الأتراك بأصولهم وتدين أجدادهم وتضحياتهم لتأسيس الدولة على أساس الإسلام، فتسبب في تحولات كبيرة وأعاد تشكيل المجتمع التركي وبدد الكثير من آثار الحقبة العلمانية، وزاد من تأثير أرطغرل أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو الداعم الرئيسي له، وأظن أن بعض الجمل والعبارات ذات الدلالات السياسية المحملة برسائل ذات مضامين مهمة للواقع اليوم مكتوبة بقلم أردوغان وليس بقلم كاتب السيناريو العبقري.
وبسبب هذا التأثير الطاغي أنتج العلمانيون مسلسل محمد الفاتح بغرض منافسة أرطغرل وسحب المشاهدين منه، ورصدوا له ميزانية ضخمة ولكنه فشل، وأشارت الأخبار هذا الأسبوع أن المسلسل سيتوقف عند الحلقة السادسة، بسبب تجاهل الشعب التركي له والتوقف عن مشاهدته، وهذا يعطي إشارة مهمة لتغير ميول الأتراك إلى رفض المسلسل العلماني الذي يشبه مسلسل حريم السلطان الذي شوه صورة السلطان سليمان القانوني.
لقد حاول من وقفوا خلف مسلسل محمد الفاتح تشويه السلطان المسلم، وأظهروه وكأن فتح القسطنطينية مجرد عقدة نفسية يرفضها الأتراك بمن فيهم والده السلطان مراد صاحب الفتوحات، وجعلوا ساعده الأيمن وكأنه معتوها، حتى لا يقدموا للأتراك قدوة على النحو الموجود في أرطغرل، وساروا على سيرتهم الأولى بالزج بقصص الحب والغرام وصدور النساء العارية في قصة الأمير الذي بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الفشل.
بؤكد إخفاق مسلسل محمد الفاتح أن أرطغرل أحدث زلزالا، وأن صناع الدراما الذين أفسدوا الأجيال بأعمال رديئة واحتكروا تغييب وعي الشعوب لسنوات انكشفوا أمام أول مسلسل هادف يحكي قصة حقيقية من القصص العظيمة التي يمتلئ بها التاريخ الإسلامي.
إن الصراع مع خصوم الأمة لم يعد فقط في ساحات المعارك والاقتصاد والسياسة فقط وإنما امتد إلى ساحات الثقافة، وقد أشار العلامة محمود شاكر في كتابه المهم "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا" إلى أن المعركة الهائلة الدائرة ليست في ميادين القتال بل في ساحات الثقافة.
 علينا أن ندعم أي جهد مخلص في الساحات التي تأخرنا عنها وتركناها لغيرنا، وأن نقدم النصيحة للتجويد والتحسين، حتى لا نترك عقول الأجيال تتربى على ما فيه تخريب الوعي ولإنقاذ الأمة من التغريب الثقافي الذي يهدف إلى أن نبقي أبد الدهر بعيدين عن أصولنا، تائهين في دروب الأفكار التي تطعن في قيمنا وأخلاقنا. 
***
إن الهجوم على مسلسل أرطغرل يحسب له، ودعوة للمشاهدة، لكثيرين ربما لم يفكروا يوما في متابعته، ولكن من باب الفضول سيبحثون عنه ليكتشفوا بأنفسهم أن الذين انتقدوه ولم يشاهدوه لم يكونوا منصفين ولم يكونوا صادقين في النصيحة.

لِنَحْيَا الشريعةَ... بفطرتها و حسن صِبْغَتها..(6)


لِنَحْيَا الشريعةَ... بفطرتها و حسن صِبْغَتها..(6)

د.عبد العزيزكامل
تصوَّرْ معيَ فئاتٍ من البشر.. مختلفين في الأجناس والأعمار والألسُن ، ومتنوعين في ظروف الزمان والمكان وطبائع الإنسان، لكن كل واحد منهم يجمع في نفسه أكثر شعب الإبمان، البضع وسبعين شُعبة من خصال الدين القويم ، بمكوناته الثلاثة (الإيمان والإسلام والإحسان) .. 
وتساءَلْ معي .. هل سيوجَد اختلاف كبير بين جميع هؤلاء في مظهرهم أو جوهرهم ..؟ 
وهل ستتفاوت كثيرًا طرائقهم في التفكير او مناهجهم في التفاهم و التعامل والتغيير..؟ 
هل سيكونون إخوةً متحابين.. أم أعداء متنافرين متباغضين.. ؟ .. والجواب الذي لاشك فيه.. أنهم سيكونون حتمًا متشابهين متوافقين متقاربين في حسن السيرة والمسيرة، مهما تباعدت أجسادهم وتباينت ظروفهم...لسبب واحد، وهو أنهم جميعا اصطبغوا بصبغة واحدة متجانسة متآنسة ؛ هي صبغة الدين المتين و الفطرة السليمة والشريعة القويمة.. ( صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُون)َ ( البقرة /138)
صبغة الله هي شرائع الدين وملة الفطرة، ولذلك فالآية دعوة ربانية.. بالتزام تلك الصبغة الشرعية.. التي تمثلها هدايات هذا الدين، الذي أُمِرنا أن ندخل فيه كافة، وأن نقيمه بجميع شرائعه الظاهرة والباطنة ، عقيدةً وأحكامًا واخلاقًا، حتى نكون بأخذنا بشعب الإيمان متوافقين على الصفة والصيغة التي يحبها الرحمن، ،والصبغة التي يريدها منا ويتعبدنا بها،ولذلك قال -سبحانه - على صيغة التعجب:{ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} حيث إن هناك صبغات أخرى لأمم أخرى ، اختارت كل منها صبغة خاصة كانت تتصورها عبادة...فاليهود كانوا يتطهرون بالماء المخلوط برماد البقرة الصفراء أو الحمراء، التي أمر موسى قومه بذبحها بشروطها ، فتطور أمرها بعد التحريف حتى صاروا يطلقون عليها (الشريعة الأبدية).. وظلوا يعتقدون أنهم لا يطْهُرون أبدًا للعبادة إلا عن طريق رمادها ..! وكذلك النصارى بعدهم ؛ كانت شريعتهم المنسوخة هي التطهر بماء "المعمودية".. في نهر الأردن ..وتعميد الأطفال في يوم سابعهم.. وهكذا كانت لكل أمة صبغة ذات طبيعة طقسية مادية خرافية ، لكن الله اختار لهذه الأمة صبغة قِيَِم تقوم على أعمال قلبيةٍ عمليةٍ، تسوق إلى تمام العبودية، ولذلك قال سبحانه في الآية على لسان المؤمنين : (ونحن له عابدون)..
ملتنا وشريعتنا هي صبغتنا وهويتنا.. التي لاتقبل التجزئة ولا التبعيض..و تستعصي على التغيير والتبديل من أصناف العبيد..ولا يتوقف التحلي بمحاسنها أو التخلي عما ينافيها على إذن ولا محاجة ولا لاجدال ، لأنها شرعة الكبير المتعال : ( قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُون)َ  (البقرة/139).. 
فإقامة الدين والاصطباغ بصبغة الشريعة على مستوى الأفراد والجماعات والشعوب هو باختصار ؛ أمر جنةٍ أو نار.. لا يحتمل تأخيرات أو تأجيلات، ولا مهاترات اومناورات من المنافقين أو الفجار أو الكفار ..


أقرأ

لِنَحْيَا الشريعة.. (1)

العوامل الداخلية والخارجية لإخفاق المشروع الصليبي في القرون الوسطى




لم تلقَ فترة من فترات التاريخ الإنساني من الاهتمام والدراسة والتحليل والنقد مثلما لقيت فترة الحروب الصليبية، وليس هذا بمستغرب فتلك الحقبة الزمنية الممتدة لقرنين ونصف من الزمان قد دار في طاحونها عوالم ثلاثة: عالم الغرب اللاتيني مبتدع فكرة الحروب الصليبية وحامل صليبها، والعالم البيزنطي الشرقي صاحب فكرة الصدام الديني مع العالم الإسلامي وأول خصم أممي وتاريخي للمسلمين والذي استفاد وتضرر في الوقت نفسه من الحروب الصليبية[1]، والعالم الإسلامي الذي تحمل عبء مواجهة جحافل البرابرة الأوربيين وعنصرية وتعصب الكنيسة الكاثوليكية طوال هذه الفترة الزمنية الممتدة.
وبقدر ضخامة وامتداد الحدث التاريخي وأهميته، تبرز الحاجة الماسة لدراسة عدد من عوامل إخفاق المشروع الصليبي الكبير، وسواء الداخلية منها أو الخارجية، مع الإقرار بأن هذا الأمر يحمل قدراً من الصعوبة بسبب تناثر هذه العوامل بين تفاصيل الأحداث المتشعبة والممتدة عبر قرنين ونصف من الزمان. وتنقسم هذه العوامل إلى عوامل داخلية وأخرى خارجية تفاعلت فيما بينها على المدى الطويل لتعطي المحصلة النهائية في الإخفاق التاريخي للمشروع الصليبي[2].
 العوامل الداخلية:
أولاً: عنصرية وتعصب الحركة الصليبية: من أبرز سمات المشروع الصليبي عنصريته وتعصبه ووحشيته ضد كل ما هو غير كاثوليكي عامة، ومسلم خاصة، يظهر هذا منذ الإرهاصات الأولى للحركة الصليبية ومع انطلاق حركة الريكونيكستا الإسبانية في شبه الجزيرة الأيبيرية سنة 452هـ على يد ألفونسو السادس، حيث اقترنت هذه الحركة بالدموية والوحشية المفرطة، حتى صارت سمة مميزة لها، وسط موجة عارمة من العداء والكراهية والرغبة الجامحة للفتك بكل من لا يدين بالكاثوليكية، بحيث صار لا يكتب تاريخ المشروع الصليبي إلا بالدم والمذابح وإزهاق أرواح مئات الآلاف من المدنيين والأبرياء. ولم يستثن اليهود أو الأرثوذكس من هذه المجازر. فقد ارتكب الصليبيون مجزرة مروعة بحق اليهود في حوض الراين سنة 1097م. وسلسلة المذابح والانتهاكات التي ارتكبتها الحملة الصليبية الرابعة في القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية سنة 1204م[3]، بعد أن تغير مسار الحملة من الشام إلى القسطنطينية لإخضاع الكنيسة الشرقية للغربية، وقدر عدد ضحايا هذه الحملة بعشرات الآلاف، وانتهكت الكنائس، ودخل الصليبيون كنيسة آيا صوفيا وأجلسوا عاهرة على الكرسي البطريركي، وشربوا بها الخمر، وفجروا بالراهبات وذبحوا القساوسة، في مشهد مروع. غير أن النصيب الأكبر من الوحشية والدموية والتعصب والعنصرية كان من نصيب العالم الإسلامي، بداية من مجزرة بيت المقدس المهولة التي وقعت في أعقاب سقوط المدينة في شعبان 492هـ/ يوليو 1099م، والتي استمرت عشرة أيام تم فيها الفتك بعشرات الآلاف من المسلمين.
ثانياً: عدم تجانس التركيبة السكانية الصليبية: جذب المشروع الصليبي إليه من خلال الإغراءات المادية والحماسة الدينية أعداداً غفيرة من نصارى غرب أوربا، فقد شارك فيه الفرنسيون، والإيطاليون، والألمان، والإنجليز، والهولنديون، والنرويجيون، والدنماركيون، والسويديون، وغيرهم من الأمم التي يحتفظ بعضها بعلاقات غير ودية، وتاريخ طويل من الخلافات الجانبية مثل الإنجليز والفرنسيين، والإيطاليين والألمان، وقد صهرت حرارة البداية هذه الخلافات فلم يظهر أثرها إلا بعد الاستقرار، فقد عاشت هذه الشعوب في كيانات منفصلة، وظهرت خلافاتها للعلن، وتنافس الجميع في نهب خيرات البلاد بصورة محمومة، وبرغم وجود العديد من الأسباب الداعية للوحدة ونبذ الفرقة إلا إن الصليبيين لم يتخلوا أبداً عن خلافاتهم الجانبية، وقد ساهم التفاوت في أعداد كل جالية في تأزيم العلاقات. فقد كان الفرنسيون الأكثر عدداً واستحواذاً على الأراضي، في حين كان عدد الألمان قليلاً[4]، أيضاً تميز الطليان وخاصة أبناء المدن التجارية مثل بيزا وجنوة والبندقية بمهارة فائقة في التجارة مما أدى لتزايد نفوذهم وحصولهم على امتيازات تجارية من البيزنطيين والصليبيين في الشام على حد السواء. وكل هذا التباين قاد في لحظة تاريخية في هذه الكيانات لحرب أهلية عنيفة بين الصليبيين بسبب فتنة دير ساباس سنة 655هـ/ 1257م[5].
ثالثاً: العجز عن الخروج من النطاق الآسيوي: كان الكيان الصليبي الذي صنعته الحملات الأولى كياناً أوربياً بامتياز، وظل الارتباط وثيقاً بين الممالك الصليبية والغرب الأوربي الذي وفر له كل الدعم المادي والمعنوي الذي مكنه من الاستمرار في مواجهة المسلمين لأكثر من قرنين من الزمان، ومع ذلك كان الارتباط بالغرب الأوربي عنصراً من عناصر ضعف المشروع الصليبي. فالملاحظ أن الصليبيين لم يعتمدوا على أنفسهم في مواجهة الكفاح الإسلامي ضدهم، فكلما اشتد المسلمون عليهم وحققوا انتصارات متتالية، أو تمكنوا من إسقاط إمارة صليبية، مثل الرها سنة 539هـ، وبيت المقدس سنة 583هـ[6]، استغاث الصليبيون بإخوانهم في الغرب الأوربي، مما أثبت فشل الصليبيين الوافدين في بلاد الشام عن تغيير الواقع السياسي والعسكري الذي أوجدته حركة الجهاد الإسلامي. وأصبح الكيان الصليبي مثل الجنين الذي لم يكتمل نموه، وظل ارتباطه بالوطن الأم أو الغرب الأوربي يعكس حالة العجز الإستراتيجي عن التمدد الخارجي من الحيز الجغرافي الآسيوي، وكذلك تمثل في الفشل المتكرر للصليبيين في احتلال مصر وتونس، وعكس ذلك خللاً أمنياً خطيراً، إذ أصبح العمق الدفاعي الإستراتيجي للكيانات الصليبية بعيداً بمسافات شاسعة تفصلها البحار والدول والممالك، بينما كانت مناطق العمق الدفاعي الإستراتيجي للمسلمين في بلاد الشام ومصر والعراق، قريبة وتقدم دعمها سريعاً وفي أقصر وقت ممكن. كما أن المسلمين امتلكوا جبهة آسيوية وأخرى إفريقية، وبعد سقوط الرها أصبح الوجود الصليبي بمثابة نطاق جغرافي صغير، ساحلي يعاني من الانعزال وعدم القدرة عن التمدد، وكان هذا العجز هو عقدة الصليبيين الأساسية على مر تاريخهم في المنطقة.
رابعاً: فساد جماعات الرهبان المقاتلة: نشأت العديد من الهيئات الدينية العسكرية في المشروع الصليبي مثل الإسبتارية والداوية وتنظيم التيوتون، وفرسان القديس توماس وغيرها من التنظيمات التي تشكلت نواتها الأولى سنة 463هـ/ 1070م، أي قبل انطلاق الحملات الصليبية بأكثر من عشرين سنة[7]، وكان الهدف منها في أول الأمر مساعدة مرضى الحجيج النصراني إلى بيت المقدس، ثم تحولت هذه الهيئات بعد احتلال بيت المقدس إلى تشكيلات قتالية تجمع بين الرهبنة والفروسية، وكانت هذه الهيئات تعتبر نفسها حامية النصرانية والمدافعة الأولى عن قبر المسيح، وكانوا أكثر الصليبيين حمية وشدة في قتال المسلمين، وكان البابا باسكوال الثاني أول من اعترف بهذه الهيئات ودعمها وأصبغ عليها سمات القداسة.
مع الوقت واستقرار الوجود الصليبي في الشام بعد الحملة الصليبية الأولى تحولت هذه الهيئات الدينية إلى عبء ثقيل على المشروع الصليبي، فقد تفرغ القائمون على هذه الهيئات لجمع الأموال وتوسيع دائرة النفوذ، فقد أصبحت تسيطر على ممتلكات شاسعة في الشام، غير الأوقاف الصليبية في أوربا وإسبانيا، فقد أوقف ملك أراجون الإسباني «ألفونسو المحارب» ثلث ثروته وأملاكه على الداوية والإسبتارية في الشام[8]، ومع الوقت تركت هذه الهيئات دورها الديني والقتالي وانشغلت تماماً بالمال والتجارة والعمل المصرفي، فقد أقرضت الملك الصليبي الفرنسي لويس التاسع مبلغ فديته بعد وقوعه في الأسر عقب إخفاق حملته الصليبية الشهيرة على المنصورة سنة 648هـ/ 1250م. كما حدث تصارع على النفوذ والسلطة والأموال بين الإسبتارية والداوية وصل إلى حد الاقتتال، مما حدا ببعض عقلاء النصارى مثل المؤرخ وليم الصوري بتوجيه النقد لعمل هذه الهيئات، وتوقع انهيار المشروع الصليبي بسبب تنافسهم المرير على الدنيا[9].
خامساً: بروز العديد من المشكلات السياسية والإدارية، في الكيان الصليبي الذي استقر بعد الحملة الصليبية الأولى: مثل الصراع على السلطة الذي حدث بين الأميرة ميلزندا وابنها بلدوين الثالث، حيث كانت وصية عليه لفترة طويلة، فلما بلغ السن القانونية رفضت أن تسلمه السلطة كملك لبيت المقدس، ودارت حرب ضروس سنة 547هـ/ 1152م انتهت بانتصار بلدوين ونفي ميلزندا من الشام كله[10]. أيضاً كانت هناك على الدوام مشاكل مالية في المشروع الصليبي بسبب النفقات الكبيرة في محاربة المسلمين. لذلك وجدنا ملوك أوربا الصليبيين وكرسي البابوية يفرضون الضرائب المتتالية لتمويل الحملات الصليبية التي كانت موجهة في الأساس للدفاع وحماية الكيان الصليبي وليس تمدده وتوسعه، ومن أمثلتها ضريبة ملك إنجلترا هنري الثاني سنة 561هـ/ 1166م لمعاونة مملكة بيت المقدس ضد السلطان نور الدين محمود الشهيد، والضريبة التي فرضها ملك فرنسا سنة 584هـ/ 1188م، لتمويل الحملة الثالثة بعد فتح صلاح الدين لبيت المقدس، والتي عرفت باسم «عشور صلاح الدين»[11]. ومن المشاكل التي واجهت الكيان الصليبي أيضاً تزايد نفوذ أحد أمراء الأطراف بسبب موقعه الإستراتيجي مثلما حدث مع الأمير المغرور المتهور رينالد دي شاتيون المعروف في المراجع العربية «أرناط» المعروف بنزقه وانتهازيته وشدة عداوته للمسلمين، فقد كان أميراً على الكرك وشرق الأردن، وهدد قوافل الحجيج المسلمين عدة مرات، واعتدى عليهم في واحدة، ورفض الانصياع لأوامر الملك الصليبي بكف الأذى ورد ما سلبه من المسلمين، ولكنه رفض واستكبر، بل وصل غروره وتهوره لمحاولة احتلال المدينة النبوية ونبش القبر الشريف، فنذر صلاح الدين - بيض الله وجهه - أن يقتله بيده، وكانت حماقات أرناط إحدى أهم مقدمات حرب حطين الشهيرة سنة 583هـ[12].
سادساً: فجوة الأجيال الصليبية وظهور طبقة البولاني: برغم الحشد المادي والبشري الكبير للمشروع الصليبي إلا إن ما يمكن وصفه بفجوة الأجيال قد ضرب المشروع الصليبي بقوة، ففي جيل التأسيس برز عدة قادة كبار مثل جود فري دي بويون، وبلدوين الأول الذي يعتبر المؤسس الأول للكيان الصليبي في الشام، وفولك أوف أنجو، وبلدوين الثاني والثالث، وعموري الأول الذي كان يعتبر آخر عظماء المشروع الصليبي[13]، بعدها عقم الرحم الصليبي عن الدفع بأسماء بارزة أو على نفس المستوى، فقد ظهرت طبقة البولاني أو الأفراخ المولدين من تزاوج صليبيي الغرب مع صليبيي الشرق، وهذه الطبقة قد تعربت وتمشرقت بدرجة جعلتها لا تحب القتال أو الدفع وتركز على الإعمار والرفاهية والبعد عن ساحات القتال، وقد ظلت هذه الفجوة تتسع بين الأجيال، وتتعمق آثارها التدميرية للكيان الصليبي من أساساته العقدية والإستراتيجية، في الوقت الذي كانت تتعمق لدى المسلمين الرغبة المتأججة بوجوب طرد الصليبيين من الشام، وابتداء من سنة 539هـ/ 1144م أصبحت كافة الأسر الحاكمة في الشام ومصر والجزيرة من الأتابكية والأيوبية والمملوكية لا تهدف سوى لتطهير بلاد الإسلام من بقايا الكيانات الصليبية في الشام والسواحل[14].
سابعاً: الفشل في تنصير المنطقة أو كثلكتها، فالدافع الديني والرغبة العارمة في القضاء على كل ما هو ليس بكاثوليكي كان المحرك الرئيس والباعث الأول للحروب الصليبية في القرون الوسطى. وعلى طريق تغيير الهوية الدينية لأبناء المنطقة عمل الصليبيون على تغيير الواقع الديمغرافي، وكذلك الطبوغرافي، ثم العقائدي.
 فعلى المستوى الديمغرافي نجد أن الصليبيين قد حرصوا على إقامة المذابح الوحشية قبل إقامة كل كيان صليبي جديد، كما فعلوا في أنطاكية ثم بيت المقدس، وذلك من أجل خلخلة البنية السكانية ووأد روح المقاومة وسهولة احتلال الأراضي، وقد دفعت مجزرة بيت المقدس المروعة بعشرات الآلاف من المسلمين إلى الرحيل إلى دمشق وحلب وحمص والقاهرة.
 أما التغيير الطبوغرافي، فقد حاول الصيلبيون تغيير هوية المنطقة، من خلال زرع عشرات المستعمرات الصليبية وطرد السكان المسلمين منها كما حدث في مستعمرات ألبيرة والقبيبة وكفر مالك، وبناء عشرات القلاع والحصون الدفاعية في مناطق إستراتيجية حساسة لتمزيق المنطقة جغرافياً وسياسياً، لمنع اتصال المسلمين ببعضهم.
أما على المستوى العقائدي، فقد كان الإخفاق هو عنوان المشروع، فمن الأمور الملفتة للنظر أن السياسة التنصيرية للصليبيين سعت منذ البداية لمعرفة عقائد المسلمين حتى تمكنهم من مواجهتهم بالمخططات التي قدموا المنطقة من أجلها، لذلك فقد تمت ترجمة القرآن الكريم لأول مرة في التاريخ سنة 538هـ/ 1143م، وهذا العمل العلمي - على نقصه وعواره - يكشف أن الصليبيين كانوا يعملون وفق خطة ممنهجة ومدروسة وبعيدة عن العشوائية، ولكنه لم يفد على أرض الواقع شيئاً، فعمد الصليبيون لاستعمال القوة والبطش لإرغام المسلمين على التنصير والأرثوذكس على التكثلك، فقد قام الصليبيون بتحويل المساجد إلى كنائس، وتحويل البعض الآخر لأعمال التخزين والإقامة، وأطلقوا اسم «معبد سليمان» على المسجد الأقصى، وقسموه ثلاثة أقسام: الأول كنيسة، والثاني مسكناً لهيئة الداوية، والثالث مستودعاً للذخائر، وجعلوا سراديب المسجد إصطبلاً للخيول والدواب، وهذه السياسية حيال المساجد كشفت عن إدراك الصليبيين لدور المسجد في مكافحة المشروع الصليبي وتأجيج جذوة الجهاد والحمية لدى المسلمين ضد الصليبيين[15].
أما أكبر عدد ذكره المؤرخون لحالة تنصير في المشروع الصليبي فكان جريمة خطف حقيرة قام بها الملك الصليبي حنا دي برين قائد الحملة الصليبية الخامسة على دمياط، عندما خطف 400 طفل مصري ونقلهم إلى فرنسا[16]. أما أعجب ما في مشروع التنصير لدى الصليبيين محاولتهم تنصير قيادات العالم الإسلامي، فقد قام الراهب فرنسيس الأسيزي بمقابلة السلطان الكامل الأيوبي سنة 625هـ وعرض عليه التنصر، وقد طمع الراهب في الكامل الأيوبي بسبب الجريمة العظمى التي أقدم عليها الكامل الأيوبي بتسليم بيت المقدس للإمبراطور الألماني فريدريك الثاني في العام نفسه. بيد أن الكامل الأيوبي كان خبيراً بأساليب التنصير بسبب حبه للمناظرات بين علماء المسلمين وأهل الكتاب، فلم يعر الراهب اهتماماً واكتفى بالسماع لدعوته ابتساماً فحسب[17].
وفي المقابل استفاد المسلمون من حملات التنصير استفادة كبيرة، فقد أزكت لديهم الحمية الدينية والقناعة بسلامة فهم طبيعة المعركة، كما دفعتهم للتفرغ في الرد على النصارى وشبهاتهم الطارئة مع العدوان الصليبي، وبداية من القرن السادس حتى القرن التاسع الهجريين شهدت الساحة العلمية والثقافية الإسلامية عشرات ومئات المصنفات والمؤلفات في الرد على النصارى وبيان عظمة الإسلام. وقد تجلت قمة الفشل التنصيري في انتشار الإسلام في صفوف الصليبيين حتى وصل إلى قادتهم وأمرائهم، كما حدث مع الكونت ريموند الثالث أمير طرابلس الذي وقع في أسر المسلمين فرأى من أخلاقهم وحسن معاملتهم ما دفعه لتعلم العربية ودرس حياة وتاريخ المسلمين وأخيراً دخل الإسلام ولكن سراً، واتفق مع صلاح الدين على نشر الإسلام في طرابلس بين الصليبيين، بيد أن وفاته السريعة أوقفت هذا الاتفاق مع صلاح الدين[18]. كما قام أحد قادة هيئة الداوية واسمه روبرت أوف سانت أليانوس وكان إنجليزياً بإعلان إسلامه سنة 581هـ/ 1185م، ولا يخفى على أحد قيمة هذا الإسلام لواحد من قادة أشرس وأخطر المقاتلين الصليبيين ضد المسلمين[19]. كما حدثت حالة إسلام جماعي لعدد ثلاثة آلاف مقاتل صليبي سنة 543هـ/ 1148م جاءوا للاشتراك في الحملة الصليبية الثانية، فقام البيزنطيون إخوانهم في الصليب بالاعتداء عليهم وسرقة أموالهم، بينما لاقوا معاملة طيبة من المسلمين الذين أطعموهم وأحسنوا إليهم، مما دفع هؤلاء الصليبيين لاعتناق الإسلام طواعية دون ضغط عليهم من أسر أو قتل[20].
العوامل الخارجية:
إجمالي العوامل الخارجية التي أدت لفشل المشروع الصليبي تجسدت في فعاليات حركة الجهاد الإسلامي ضد الغزاة البرابرة الصليبيين. فقد كان الوعي الإسلامي بطبيعة الصراع متجلياً منذ بدايات المشروع الصليبي، والمسلمون المعاصرون لمقدم الصليبيين كانوا على علم واضح بطبيعة الحركة الصليبية، فقد ألف الفقيه علي بن طاهر السلمي (ت 500هـ) رسالة بعنوان «الجهاد» سنة 499هـ، بيّن فيها الفرق بين الصليبيين والبيزنطيين، فلم يخلط بينهما، كما أوضح الأصول الأندلسية لهذه الحملات، وأنها جزء من مشروع كبير سابق بدأ في الأندلس، ثم صقلية، وقد تأثر المؤرخ الكبير ابن الأثير بهذه الرؤية، واعتبر الحركة الصليبية حرباً ثأرية بين المسيحية والإسلام.
هذه الحركة الجهادية ظهرت كواقع عملي على أيدي القادة الكبار في الجزيرة والشام ومصر، بداية من رائد الجهاد الإسلامي الأمير شرف الدين مودود، ثم عماد الدين زنكي محرر الرها من الصليبيين، وابنه نور الدين محمود الشهيد الذي يعتبر مهندس حركة الجهاد الإسلامي، وبطل مرحلة توازن القوى، ثم الناصر صلاح الدين محرر بيت المقدس وبطل حطين، والبطل الأعظم لحركة الجهاد في عصر الصليبيات، ثم الظاهر بيبرس محرر أنطاكية، ثم المنصور قلاوون محرر إمارة طرابلس، وابنه الأشرف خليل بن قلاوون الذي حاز شرف تطهير بلاد الشام من الصليبيين نهائياً بعد طردهم من عكا سنة 690هـ/1291م. وبرغم كون هؤلاء القادة لم يكونوا جميعهم على نفس المستوى، إلا إن الاستمرارية والمواصلة والتتابع في حركة الجهاد الإسلامي أعطتها فعالية وقيمة مضافة مكنتها من تأسيس عمل تراكمي، توج في نهاية المطاف بإفشال المشروع الصليبي برمته، وطردهم نهائياً من بلاد الإسلام.
[1] قضايا من تاريخ الحروب الصليبية، د. رأفت عبد الحميد، ص5.
[2] الحروب الصليبية، د. محمد مؤنس عوض، ص57.
[3] الكامل في التاريخ لابن الأثير ج10 ص288.
[4] الحروب الصليبية لمؤنس ص44.
[5] تاريخ وليم الصوري ص233.
[6] الكامل في التاريخ ج10 ص154، البداية والنهاية ج12 ص355.
[7] دراسات في تاريخ الحروب الصليبية، د. محمد النشار ص47.
[8] دولة الإسلام في الأندلس ، محمد عبد الله عنان ج4 ص61.
[9] الحروب الصليبية لمؤنس ص48.
[10] تاريخ الحركة الصليبية، د. سعيد عاشور ج 2 ص646.
[11] دراسات في الحروب الصليبية ص280.
[12] البداية والنهاية ج12 ص335.
[13] مملكة بيت المقدس الصليبية، عمر توفيق ص80.
[14] الفتح القسي في الفتح القدسي للعماد الأصفهاني ص30.
[15] الحروب الصليبية لمؤنس ص96.
[16] الحروب الصليبية لمؤنس ص100.
[17] الحملة الصليبية الخامسة لمحمود عمران ص306، قضايا من الحروب الصليبية، د. رأفت عبد الحميد ص140.
[18] الكامل في التاريخ ج10 ص160، تاريخ طرابلس السياسي والحضاري ص508.
[19] الحروب الصليبية لمؤنس ص104.
[20] المرجع السابق ص105.
 شريف عبدالعزيز الزهيري

صناعة الإرهاب وتقديس الأتاتوركية

صناعة الإرهاب وتقديس الأتاتوركية

محمد الجوادي
كاتب ومؤرخ وأستاذ طب



في أعقاب تفجيرات باريس، دارت حالات مثالية من حوار طويل وساخن ومتعقل ومتكرر بين علماء دوليين من الذين درج المجتمع الغربي على وصفهم بأنهم المثقفون البارزون غربيو التوجه، وكان هذا أمرا طبيعيا ومتوقعا وصحيا.
من هذه الآلاف المؤلفة من الحوارات نقف عند سؤال مهم لا يطلقه ولا يسأله إلا صادقو النية من المثقفين الغربيين والمثقفين المنصفين غربيي التوجه وهم أغلبية كاسحة. ويقول هذا السؤال بكل وضوح: لماذا ندفع كغربيين بالتطورات الفكرية الشرقية على مستوى البسطاء إلى توجه يقود كثيرا إلى مثل هذه النتيجة الاندفاعية (أو القريبة من الحماقة) المعبرة عن نوبة من نوبات الصرع المرتبط بالصراخ بصوت عال و"مدمى" أي الملفوف بالدم، وليس داميا فحسب.

ومهما كان من براءتنا كغربيين من المسؤولية المباشرة وغير المباشرة عن تطورات الأحداث السياسية على الأرض، فلماذا نجد أنفسنا ننسحب من علاج حالة محددة إلى تصور ضرورة افتراض وجود الوباء، والانتقال مباشرة إلى ضرورة مجابهته على نطاق واسع، وهي فرضية بعيدة عن الصواب، وجالبة لما لا ينبغي أن يوجد (أو أن يحدث) مع طول المدة من فتور الهمة في العلاج والوقاية على حد سواء؟
"مع أن الأتاتوركية لم تكن إبداعا غربيا كاملا ولا صناعة غربية كاملة فإن الإمبرياليين الغربيين لا يرون (في قرارة أنفسهم) مذهبا أنسب منها للمجتمعات الإسلامية المتعاملة معهم أو التي لابد لها من التعامل معهم، سواء أكانت مصدرة للخام أو مستوردة للسلاح"
اشتركت بالطبع في كثير من هذه الحوارات بعقل بارد، وعاطفة مقيدة بالاتزان والرؤية العلمية و"المادية" التي لا تخلو من أفق التاريخ والتصور على حد سواء، وكنت وما أزال أقول إن موطن الخطر في العلاقات الغربية الإسلامية يكمن في توق بعض الإمبرياليين الغربيين إلى تكرار التجربة الأتاتوركية بطريقة نمطية.

ومع أن الأتاتوركية لم تكن إبداعا غربيا كاملا ولا صناعة غربية كاملة فإن الإمبرياليين الغربيين لا يرون (في قرارة أنفسهم) مذهبا أنسب منها للمجتمعات الإسلامية المتعاملة معهم أو التي لابد لها من التعامل معهم، سواء أكانت مصدرة للخام أو مستوردة للسلاح، وهم لا يزالون يعتقدون في هذا الطرح حتى لو لم توافق كل من أغلبية ونخب هذه الشعوب على اعتماد الأتاتوركية أو قبولها كبديل؛ وحتى لو أعلنت وسائط الثقافة لهم عن رفضها أو رفض جوهرها من قبل جموع الإصلاحيين الموالين لأوروبا وأميركا والمدعومين منها.

ومن الطريف أن بعض هؤلاء "الأصدقاء" المحليين الذين قدموا أنفسهم لأجهزة الاستخبارات الأميركية والغربية على أنهم يريدون نقل التجربة الكمالية بحذافيرها كانوا سرعان ما يحصلون على الموافقة على بعض الاستثناءات في إرجاء تطبيق بعض أركان الأتاتوركية التي تبدو لهم وللغربيين شكلية لكنها في حقيقتها تمثل اللب الجوهري للأتاتوركية.


وعلى سبيل المثال السريع جدا فإن الانقلابيين العسكريين العرب (قبل عبد الناصر وبعده) لم يتصوروا أن بإمكانهم ولا في مصلحتهم أن ينسلخوا من الحروف العربية والكتابة العربية وكان هذا انعكاسا صادقا وأمينا وصائبا لإيمانهم باستحالة توطين تعليم اللاتينية في مجتمعات لن يعنوا فيها أصلا بأي درجة من درجات التعليم أو نشره أو تطويره أو تجويده، وهكذا فقدت التجارب العربية المقلدة للكمالية جوهرا مهما من الذاتية المحورة أو المشوهة الكفيلة بتعميق التغريب الجالب للرضا الغربي العميق.

ومع هذا فإن الغرب بمؤسساته (المخابراتية والبحثية) على حد سواء تعايش بدرجة كبيرة من غض الطرف مع دكتاتوريات ثقيلة في العالم الإسلامي مقابل ما كانت هذه الدكتاتوريات تتيحه له من مصالحه الإستراتيجية، وما كانت ترسخه من مستهدفات تتوافق مع هذه الإستراتيجيات التي تتمنى بعض القوى الفاعلة في أميركا وأوروبا انتعاشا لها في أرض العالم الإسلامي، ومن هذه الإستراتيجيات: النجاح في إنفاذ تطويرات استغرابية من قبيل إلغاء القضاء الشرعي، وتوهين التعليم الإسلامي، وتشويه الفنون الشعبية الحقيقية، وتغييب كل ما هو ممكن من الطوابع القومية في الثقافات المحلية.
"تعايش الغرب بدرجة كبيرة من غض الطرف مع دكتاتوريات ثقيلة في العالم الإسلامي مقابل ما كانت هذه الدكتاتوريات تتيحه له من مصالحه الإستراتيجية، وما كانت ترسخه من مستهدفات تتوافق مع هذه الإستراتيجيات التي تتمنى القوى الغربية انتعاشا لها في أرض العالم الإسلامي"
ومع أن التبادل الثقافي بمعناه الحقيقي كان غائبا تماما عن الحياة السياسية والعلاقات الثنائية فإن البارقات الغربية الرسمية المشجعة لكل ما هو احتذائي ومقلد كانت تتفوق على أي اهتمام جزئي بما هو أصيل، وذلك في مقابل ما عرف أيضا من اهتمام علمي معقول بالأصالة والإقليمية دأبت عليه ونجحت فيه المدارس الكلاسيكية والمعاهد البحثية العلمية الغربية في الولايات المتحدةوبريطانيا وألمانيا والدول الإسكندنافية، وامتد النجاح إلى أكاديميات في اليابان والمكسيك، ونجحت فيه فرنسا وإسبانيا بدرجة أقل مما كان متوقعا.

لكن الإستراتيجيات الغربية شهدت أشد مراحل التردد والحيرة ثم "الاحتيار" وتناقض الاختيار في السنوات الأربعين الأخيرة التي بدأت بحرب أكتوبر وما واكبها من طفرة عربية تحققت بارتفاع أسعار النفط، وتوظيف عوائده، وتطور الإحساس بالذات إلى مرحلة الحرب ثم إعادة الحرب في كل من أفغانستان والخليج. وقسوة الممارسات العسكرية الأميركية غير المبررة، وما أعقب كل هذا من تطور آليات وفعاليات العمل السري النظامي وغير النظامي!

وبدلا من أن تلجأ السياسات الغربية إلى مؤسسة الثقافة تستلهم منها آفاقا للبدائل في المستقبل أو حلولا من الماضي فقد كانت السياسة في تجلياتها المعاصرة القاسية قد وصلت من السطوة المعنوية والبيروقراطية إلى الحد الذي جعلها تستدعي الثقافة لتجبرها على أن تقدم المحتوى الثقافي خاضعا تماما لنظرة سياسية مستقبلية قاصرة، سواء أتاها القصور من العجز عن التصور المحيطي، أو جاءها هذا القصور من استسهال الخضوع لنظريات صاغتها الأساطير بكل ما شاب الأساطير من التحويرات المعهودة في الرواية والنقل والتوصيل والصياغة والتعبير والطرح والاستجابة.

وليس من قبيل المبالغة أن أقرر بكل وضوح أن أساطير من قبيل معركة هرمجدون وأخواتها قد أصبحت تمثل الآن اللب الجوهري لكل الإستراتيجيات الأميركية التي وضعت نصب عينيها استئصال شأفة الفكرة الإسلامية، والحيلولة دون وجود دولة إسلامية، مهما صغر حجمها وضعف تأثيرها المباشر، استنادا إلى تفادي خطورة مؤكدة ستحقق بمجرد الوجود الرمزي!

ومن إحقاق الحق القول إنه لا يمكن لأي مشخص أن يصف مثل هذا التفكير إلا بأنه حالة مستعصية من المرض العصابي المزمن والمعقد.

وهو ما يعني أن مثل هذه الحالة تتطلب بالإضافة إلى العلاج تصميم إستراتيجيات سابقة ولاحقة من التأهيل النفسي والثقافي المكثف، وهو تأهيل يستلزم زيارات ميدانية أقرب ما تكون إلى رحلات السفاري الأفريقية التي تستكشف بدقة وتفصيل ما لا يزال يصور على أنه المجهول.
على أن هذا كله لا يمثل إلا استعدادات وترتيبات محطة السفر بينما الأهم من هذه الترتيبات هو نظيراتها المتعلقة بمحطة الوصول، وهي ترتيبات تقتضي من سعة الأفق مساحات واسعة من القبول بالاختلاف، وفهم الاختلاف، والإفادة من الاختلاف، والحيلولة بين هذا الاختلاف وبين مضيه في مسار الخلاف المستحكم، وتأسيسه لعلاقات تتكئ على الاختلاف من أجل تكرار الحروب التي لا لزوم لها على نحو ما حدث في كوريا وفيتنام وأفغانستان والعراق.
"لما جاء عبد الناصر ومن معه، عرضت عليهم الأتاتوركية فأعادوا توظيفها بكل مشكلاتها وعيوبها، غير عابئين بما انتهت إليها من نكسة، ثم تكرر هذا الاستعمال لهذه المنظومة كلما جاء فريق من الطغاة الفشلة الذين يريدون أن يرضوا الغرب ليجدوا منهم تغاضيا عن جلدهم لأبناء جلدتهم من الإنسانية المعذبة"
وإذا كان هناك قاسم مشترك يلخص أهم الدوافع المتكررة والمشتركة في كل هذه النزاعات والحروب التي استدعتها فرضيات القرارات الخاطئة والتصورات القافزة فإن الأمر لا يتعدى ذلك النموذج المشوه الذي زينته الأدبيات الغربية والوسائط الإعلامية الأميركية على أمل منها جميعا أن يكون بمثابة النموذج المقنع للمسلمين ولغير المسلمين ممن يعتزون بهوياتهم، لكن هذا التحريض الغربي على تحبيذ الأتاتوركية سرعان ما فشل حيث كان يراد له أن ينجح (أي في تركيا نفسها) ونجح حيث لا قيمة لنجاحه (في معامل الغرب).

ولا تزال معادلة الأتاتوركية تمثل أفضل أداة قياس لفرضية نجاح السياسة الغربية في التعامل مع مجتمعات غير غربية، فكلما كان اعتماد هذه السياسات لفرضية نجاح الأتاتوركية كبيرا كانت فرصتها في الفشل أكبر، والعكس صحيح تماما.

لكن العجيب في الأمر أن الأتاتوركية التي كانت قد لفظت أنفاسها وخرجت من الخدمة في تركيا نفسها في مطلع الخمسينيات بقيت في مخازن "الكهنة والرواكد" تحت رعاية كهنة مفلسين تخصصوا في الرواكد، فلما جاء عبد الناصر ومن معه ووجدوا أنفسهم أقل من أن يكونوا رأسماليين أو اشتراكيين عرضت عليهم الأتاتوركية فأعادوا توظيفها بكل مشكلاتها وعيوبها، غير عابئين بما انتهت إليها من نكسة، ثم تكرر هذا الاستعمال لهذه المنظومة كلما جاء فريق من الطغاة الفشلة الذين يريدون أن يرضوا الغرب ليجدوا منهم تغاضيا عن جلدهم لأبناء جلدتهم من الإنسانية المعذبة.

وهكذا تحولت الأتاتوركية من تجربة تاريخية إلى ظاهرة مرضية تنتج من حين لآخر تنظيمات يتبدى نشاطها بمثل ما شهدته باريس مؤخرا.

ومن المؤسف للغرب المستنير أن تتغاضى عقول كبيرة في حكوماته عما يجري في غرفه المغلقة من موافقات أو تمريرات لا تعبأ بالخطر الكامن رغم قربه منهم، حتى إذا ما وقعت الواقعة تركوا الفرصة لسيدات الصالونات الشرقية المرفهات يتحدثن عن ضرورة تصريف مياه البانيو المسدود بكل وسائل النضح والتفريغ الحديثة والمكلفة، مع المقارنة المستفيضة لتكاليفها وكفايتها، وتكرار الأسلوب مع كل استخدام للبانيو، مع أن الأمر لا يتطلب أكثر من تحريك سدادة البانيو التي ثبتت في وضع خاطئ.
نشر في 2016
  المصدر : الجزيرة  

الأحد، 29 أبريل 2018

هلباوي الثورة وهلباوي الانقلاب

هلباوي الثورة وهلباوي الانقلاب

 وائل قنديل

التحق هلباوي 2011 بثورة يناير فعاد من منفاه الطويل إلى الوطن معززاً مكرماً.. ثم انخرط في مشروع الانقلاب عليها، فعاد إلى المنفى، يخشى العودة، فتدهسه جنازير الثلاثين من يونيو.

تلك، باختصار، هي المسألة التي ينبغي على السيد الهلباوي أن يواجه نفسه بها، وقبل أن يخترع مشروع مصالحةٍ تقوم على اعتذار القتيل للقاتل، كان عليه أن يعالج هذه الإشكالية الوجودية مع نفسه، فيعالج ما تصدّع بين هلباوي الثورة و هلباوي الانقلاب.

دعنا نفترض أن السيد كمال الهلباوي، الإخواني القديم (سابقاً) جاد جداً، ومشغول فعلاً بقضية المصالحة السياسية في مصر، ذلك أن أحداً لا يملك الحق في محاكمة النيات، أو مصادرة الرغبات في الحضور والوجود.
دعنا نقول إن ما طرحه الهلباوي، بوصفه معبراً عن نموذج الإسلام السياسي، المفضّل عند عبد الفتاح السيسي، ذلك النموذج المنتمي لمشروع انقلابه، هو من بنات أفكاره، وليس رسالةً موجهة لاختبار الإرادات والنيات.
دعنا نتجاهل، كذلك، أن ما تسمى مبادرة الهلباوي، تعبر عن قلق حقيقي من صاحبها على مستقبل البلاد والعباد.
السؤال الأساس هنا: هل يتصوّر السيد الهلباوي، عضو المجلس القومي لحقوق إنسان 30 يونيو، أن عبد الفتاح السيسي مهمومٌ بإنجاز مصالحة وطنية؟
هل يمكن أن يتعاطى بإيجابيةٍ مع مبادرة تبحث عن مصالحة المجتمع على نفسه؟ 
الشاهد أن السيسي يستمد وجوده في الحكم من هذه الحالة من الانقسام المجتمعي الفادح، ولا يستطيع أن يبقى من دون مواصلة شحن جمهوره ضد عدو داخلي مصطنع، يستخدمه فزّاعة في وجه قطاعاتٍ شعبيةٍ أنهكها التردّي في أحوال المعيشة، وأرهقها الخراب الاقتصادي. كما يستخدمه شماعةً لتبرير قتل الحريات وتغييب الديمقراطية وإخراس ألسنة النقد والاحتجاج، بحجة حماية الوطن من السقوط.

في أحدث وصلة ثرثرةٍ وهذيانٍ قومي، تحدث السيسي، قبل يومين فيما تسمى الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، محدّداً بوضوح مفهومه للمصالحة وللتعايش، ذلك المفهوم الذي يبدأ وينتهي بالعلاقة مع الكيان الصهيوني، كاشفاً عن أن المصالحة الوحيدة التي يمكن أن تشغل باله هي مع إسرائيل.
في هذه الثرثرة، يجدد السيسي اعتقاده بأن العدو في الداخل، وليس إسرائيل، فيقول حرفياً "بعد 1967.. الوجدان اتشكل على عداوة شديدة (لاسرائيل) واستعداد للقتال للآخر.. احنا بنتكلم (النهارده) بعد 50 سنة عندما تشكل وجدان جديد ووعى آخر وحالة جديدة في نفوس الناس هي حالة السلام والتشبث به".

في السابق، كان نظام السيسي يطيّر عصافير المصالحة الوطنية في الفضاء، كلما استشعر قلقاً خارجياً من الأوضاع في مصر، في لحظاتٍ كانت تتشكل فيها ملامح معارضة ضاغطة، في الخارج والداخل، تستفزّها مقصلة الإعدامات الجماعية، ويحرّكها، ولو بشكل محدود، التفريط في الأرض، فيسارع إلى توجيه رسائل إلى الأطراف الإقليمية الغاضبة، من جهةٍ، ومن جهة أخرى إثارة الاشتباكات بين الجماعة الوطنية، بما يقطع الطريق على أية فرصةٍ للالتقاء بين الإسلاميين والتيارات السياسية الأخرى، وإشعال مواقد الاتهام بالصفقات السرية.

أما هذه المرة، مع مبادرة السيد الهلباوي، فإن السيسي في موقفٍ أقوى مما سبق، على مستوى الداخل والخارج، ومن ثم لا يوجد ما يجبره على إطلاق بالون مصالحةٍ في الهواء، وإن كان نظامه لم يفوّت فرصة استغلالها في إظهار نوعٍ من الاستعلاء والغطرسة والسخرية بمواجهة مثل هذه الدعوات، ليقرّر عبر أبواقه السياسية والإعلامية أن هذا النوع من الأفكار ممنوعٌ من التداول في الساحة المصرية، بل إن مجرّد طرحها، بحد ذاته، خيانةٌ وطنيةٌ وتهديدٌ للأمن القومي.
أسوأ من ذلك أن سلطة السيسي استثمرت الموقف في صناعة صورةٍ تقول مفرداتها إن المشروع المناوئ لها بات يستجديها لإبرام صفقةٍ معه، ويتسول المصالحة منها، فلا يجد إلا الرفض والسخرية، على نحو يسيء للموقف المبدئي المحترم لأولئك الصامدين في الزنازين، خصوصاً وأن مطلقي هذا النوع من المبادرات يغلفونها عادة بكلامٍ فخمٍ عن إنهاء مأساة المسجونين والمعتقلين، وكأنهم يتحدّثون باسمهم، أو حصلوا على توكيلاتٍ بالتفاوض نيابة عنهم.