الاثنين، 29 أبريل 2024

معركة كوت العمارة: يوم الذل الكبير للجيش الإنجليزي

 معركة كوت العمارة: يوم الذل الكبير للجيش الإنجليزي



شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

اقتباس

وقال القائد العثماني العام "خليل باشا " في رسالة إلى الجيش السادس العثماني بعد نصر الكوت: "سقط 350 ضابطاً و10 آلاف جندي من جيشنا، شهداء في الكوت، إلا أن المعركة أفضت في النهاية إلى استسلام 13 جنرالاً و481 ضابطاً، و13 ألفاً و300 جندي من الجيش البريطاني، كما انسحبت القوات التي كانت تحاول إنقاذ الجيش البريطاني، بعد أن سقط منها 30 ألف قتيل". وأضاف خليل باشا: "نحن أمام فرق كبير إلى درجة تدهش العالم سيجد المؤرخون صعوبة في إيجاد كلمات لوصف هذه المعركة، كانت جناق قلعة النصر الأول الذي كسر فيه ثبات العثمانيين عناد الإنجليز، وأمامنا هنا النصر الثاني". وبدوره قال العقيد كاظم قره بكر، قائد الفيلق العثماني الـ 18 في خطاب مكتوب: "فلنحمد الله الذي وهبنا نصراً، لم يشهده تاريخنا منذ مائتي عام هذه هي المرة الأولى التي تدخل فيها الحربة العثمانية التاريخ الإنجليزي".                                                                                                                                 

معركة كوت العمارة، أو حصار الكوت واحدة من أكبر معارك الحرب العالمية الأولى، وأكبر انتصار حققه العثمانيون – بعد معركة جناق قلعة – في هذه الحرب العالمية، وفي نفس الوقت تعتبر هذه المعركة أكبر هزيمة مذلة للإنجليز، إذ أنهم أجبروا على الاستلام كلياً للجيش العثماني، بصورة مهينة دفعت المؤرخ البريطاني جيمس موريس لوصفها بأنها: "الاستسلام الأكثر إذلالاً في التاريخ العسكري البريطاني". في حين وصفها القائد العثماني "خليل باشا" بقوله: "إن التاريخ سيواجه صعوبة في إيجاد كلمات لتسجيل هذا الحادث". 

وقد كان -رحمه الله- محقاً، فلم تكن معركة واحدة بل خمس معارك في آن واحد، انتهت بالاستسلام المهين للإنجليز.

 

حملة الرافدين:

تبدأ أحداث هذه المعركة الكبيرة بإطلاق إنجلترا التي كانت تلقب وقتها بالإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس بحملة الرافدين للسيطرة على بلاد العراق التابعة للدولة العثمانية وقتها، وذلك سنة نوفمبر 1915م، وذلك لتطويق الجيش العثماني المتمركز في وسط العراق.

 

استطاع الجيش الإنجليزي احتلال البصرة بعد أن قام الأسطول الإنجليزي القوي بإنزال القوات البرية عند البصرة في أول نوفمبر سنة 1915م، وبعد أن سيطر الإنجليز على المدينة قرروا إرسال الفرقة السادسة لاحتلال العاصمة بغداد بقيادة الجنرال تشارلز فير فيريرز تاونسند. وعندما وصلت القوات البريطانية إلى الكوت زاحفة من البصرة حدث اشتباك وتراشق مدفعي بين القوات العثمانية والقوات البريطانية فقرر القائد العثماني نور الدين الانسحاب من سلمان باك وإخلاء المدينة حيث تركت القوات العثمانية المدينة فدخلتها القوات البريطانية في نفس اليوم، فاندفعت قوات تاونسند تطارد القوات العثمانية نحو سلمان باك وهناك حدثت أعظم معارك الحرب من حيث أهمية نتائجها حيث كان القتال مذبحة رهيبة اشتبك فيها جنود الفريقين يداً بيد حتى النهاية عندها شرعت القوات البريطانية بالانسحاب نحو الكوت مستفيدة من ظلام الليل والعثمانيون يطاردون البريطانيين، وصلت القوات البريطانية التي خسرت ثلث جنودها في هذه المعركة إلى المدينة وفي 5 ديسمبر 1915م قامت القوات العثمانية بتحقيق التماس مع قوات تاونسند وأصبحت قوات نور الدين تطوق المدينة، وكان الجنرال "كولمار فون در غولتس "القائد الألماني الذي تم تعيينه في الفيلق السادس العثماني، أمر قائد الجيش العثماني في العراق وما حوله، العقيد "نورالدين باشا"، بمحاصرة بلدة الكوت في 27 ديسمبر 1915م.

 

مدينة الكوت هي مركز محافظة واسط إحدى محافظات جنوب العراق تقع جنوب العاصمة بغداد بنحو 180 كم، وكانت في الأصل ميناء نهري على نهر دجلة تستخدمه السفن التجارية؛ لإفراغ حمولتها، والكوت في لغة أسفل العراق وما داناه من بلاد العرب والعجم هو ما يبنى لجماعة من الفلاحين؛ ليكون مأوى لهم ومسكناً وقد يبنى وحده أو يبنى حوله مجموعة من الأكواخ من الطين أو القصب ولا يطلق هذا الاسم (الكوت) إلا إذا كان البناء على حافة نهر كبير أو على ساحل بحر وأقرب ما يكون لتعريفه: الميناء أو مخزن الذخيرة التجارية.

 

لقد شاع اسم الكوت وذاع وتداولته وكالات الأنباء العالمية واتجهت الأبصار في جميع أنحاء العالم نحوها تبحث عنها على الخريطة ولا عجب في ذلك فقد حوصرت في الكوت قوات بريطانيا العظمى وعجزت كل المحاولات لفك الحصار عن الجنرال تاونسند وقواته وأصبحت الكوت وحتى يومنا هذا يدرس حصارها في جميع الأكاديميات العسكرية في العالم؛ لأنه أطول حصار حدث في الحرب العالمية الأولى حيث سلمت القوات البريطانية المحاصرة إلى القوات العثمانية دون قيد أو شرط.


الحصار الرهيب:

قبل القصف المدفعي على المدينة كتب نور الدين القائد العثماني إلى القائد الإنجليزي تاونسند رسالة يدعوه فيها للاستسلام فشكر طاونزند نور الدين على لطفه ودعوته وانتهى كل شيء. بدأت كل المدافع تصب نيرانها على منطقة لا تتجاوز أربع أميال مربعة إنها الكوت، وقد أمر طاونزند بهدم بعض البيوت؛ لفتح طرق واسعة تكفي لعبور عربات النقل وتم الاستيلاء على سوق البلدة وقاموا بتحويله إلى مستشفى ونقل إليه مئات المرضى والجرحى، وقد عاش أهل الكوت مشقة كبرى بسبب الاحتلال الانجليزي والحصار المضروب عليهم.

وتنقسم مراحل الحصار العثماني للقوات البريطانية إلى ثلاث مراحل:

الأولى: التي تبدأ من اليوم الأول من الحصار وهو 7 ديسمبر 1915م حيث كانت الأرزاق فيها تعطى للجنود كاملة واستمرت هذه المرحلة (50) يوماً انتهت في 30 يناير1916م.

 

الثانية: بدأت من أول فبراير واستمرت حتى 9 مارس1916م فقد أنقصت الأرزاق إلى النصف.

 

الثالثة: كانت الأرزاق فيها تكاد لا تكفي إلا لسد الرمق وقد استمرت هذه المرحلة (50) يوماً وشرع الجنود يأكلون الكلاب والقطط حتى نفدت تماماً ولم ينج إلا كلب القائد تاونسند. وفي هذه الفترة أصبحت الملابس رثة ومتسخة بشكل لا يمكن وصفه وأصبح النعاس الناشئ عن الجوع الحاد من الأمور الواضحة فكان كل واحد من الحرس يسقط نائماً سواء كان واقفاً أو قاعداً وتبلدت الأحاسيس وغدت الأجساد نحيفة جداً وأصبحت الأصابع بارزة العظام وبدت الأسنان كبيرة وصارت العيون غائرة، وقد كانت النار الخاصة ممنوعة حيث لم يبق وتد واحد لقد قلعت كلها واستعملت وقوداً وصدر القرار التالي (من يلق عليه القبض متلبساً بجريمة سرقة وتد سوف ينفذ فيه حكم الإعدام) وحين بدأت الليالي تبرد أكثر راحت الصلبان الخشبية تسرق من مقبرة الجنود المقتولين؛ لاستعمالها كحطب، مطاعم الضباط نفذ منها السكر والملح، وصار الجميع يبحثون عن الحشائش؛ ليطبخوا منه طعاماً شبه ظاهري بالسبانخ فيتحول إلى مادة خضراء اللون سوداء وقد كانت الحشائش في بعض الأحيان تحتوي على أنواع سامة فصدر الأمر التالي للحامية (التوقف عن أكل الحشيش) راح الرجال يتعقبون ويمسكون كل شيء يتحرك على الأرض فيأكلونه بعد قليه بزيت المحركات.

 الهزائم المتتالية والمحاولات الفاشلة:

حاول الإنجليز فك الحصار على قواتهم المحاصرة في الكوت، فشنوا هجوماً برياً بقيادة الجنرال "أيلمر"؛ لإنقاذ جيشهم المحاصر في الكوت، إلا أنهم اضطروا إلى التراجع، بعد أن خسروا أربعة آلاف جندي في معركة "شيخ سعد" في 6 يناير 1916م، وعقب إصداره أمر الانسحاب للجيش العثماني في هذه المعركة عُزل العقيد نورالدين باشا من قيادة الجيش التاسع العثماني، وعُيّن خليل باشا عوضا عنه، فقد اتهم نور الدين بالتساهل في قتال المحتلين الإنجليز، والتسبب في هروبهم من معركة شيخ سعد بعد أن كادوا أن يهلكوا جميعا.


وفي 13  يناير 1916م خسر الجيش البريطاني 1600 جندياً في معركة الوادي، كما فقدوا ألفين و700 جندي في معركة أم الحنة، التي وقعت في 21 يناير، وفي مطلع مارس عاود البريطانيون الهجوم، حيث شنّوا هجوماً على الفيلق 13 العثماني بقيادة العقيد علي إحسان بيك، ودارت معركة سابيس في الثامن من مارس،  بين الجانبين؛ لتنتهي بهزيمة الجيش البريطاني، وفي هذه المعركة معركة سابس رفع قائد الفيلق العثماني العميد علي إحسان شعار (من يحب الله فليذهب إلى سابس) كانت خسائر القوات البريطانية (21000) بين قتيل وجريح ولم تستطيع القوة فك الحصار عن قوات تاونسند. وتمت إقالة الجنرال " أيلمر" من منصبه بعد سلسلة الهزائم المهينة من العثمانيين وفشله الذريع في فك الحصار عن الفرقة السادسة في الكوت.


الانهيار ثم الاستسلام:

حاول الإنجليز دفع أموالٍ طائلةٍ للعثمانيين حتى يفكوا الحصار عنهم في الكوت، ولكن العثمانيين رفضوا بشدة. فبحسب الوثائق العسكرية، فإن خليل باشا، أرسل تلغرافا لقيادة الجيش العثماني، أوضح فيه بأن "تاونسند" عرض مليون جنيه، مقابل السماح له ولجيشه، بالتوجه إلى الهند، وطلب من أصحاب القرار في الدولة إعطائه توجيهات بهذا الخصوص. وجاء رد قيادة الجيش العثماني لخليل باشا، "لا حاجة لنا بالنقود "، يمكنكم السماح لتاونسند فقط بالرحيل، مع أسر جيشه ". وفي برقية أخرى، أوضحت فيها قيادة الجيش، أنه يمكن السماح لتاونسند، بالذهاب بحريّة إلى المكان الذي يريد، مقابل استسلامه مع جنوده وتعهّده بألا يحارب الجيش العثماني، طوال فترة الحرب. ومن جانبه طلب تاونسند، من خليل باشا، التوسط له لدى أنور باشا، من أجل السماح له، ولمساعده وثلاثة من أتباعه، بنقلهم إلى إسطنبول، معلناً استعداده لتسليم جنوده، وأوضح تاونسند، في برقيته لخليل باشا: "السيد خليل باشا، الجوع يجبرنا على ترك السلاح، لذا فإنني بناء على عهدكم بأن جنودنا الأبطال سيحلّون ضيوفاً مكرمين لديكم، أُعلِم جنابكم العالي باستعدادي لتسليم جنودي لكم".

 

وكان مما سارع عملية الاستسلام المهين، فشل المحاولة الأخيرة لفك الحصار عن الكوت. فقد حاول الإنجليز إرسال سفينة محملة بمئات الأطنان من مواد الإعاشة إلى الكوت لكن خبر إرسال السفينة قد وصل إلى الأتراك من خلال عيونهم وجواسيسهم فلما وصلت الكوت شعر بها حراس الشاطئ وأطلقوا النار بكثافة وسقطت بأيدي الجنود الأتراك عندها استسلمت القوات البريطانية بقيادة طاونزند إلى القوات التركية في 26 أبريل 1916م دون قيد أو شرط.

 

وبعد النصر العثماني الكبير الذي تحقَّق في الكوت، رفع قائد الفوج الثالث العثماني، النقيب نظمي، العلم العثماني على مبنى الحكومة في الكوت، كما رُفعت راية الفوج على مقر الجنرال تاونسند، وقالت رسالة تلقّتها قيادة الجيش العثماني في إسطنبول، تشرح ما حدث في الكوت: "لقد تلقى الإنجليز مرة ثانية، الدرس الذي سبق أن تلقوه في جناق قلعة، وفهموا أنهم لن يتمكّنوا من كسر المقاومة العثمانية، ومن أخذ غنائم من يد العثمانيين".

 

وقال القائد العثماني العام "خليل باشا " في رسالة إلى الجيش السادس العثماني بعد نصر الكوت: "سقط 350 ضابطاً و10 آلاف جندي من جيشنا، شهداء في الكوت، إلا أن المعركة أفضت في النهاية إلى استسلام 13 جنرالاً و481 ضابطاً، و13 ألفاً و300 جندي من الجيش البريطاني، كما انسحبت القوات التي كانت تحاول إنقاذ الجيش البريطاني، بعد أن سقط منها 30 ألف قتيل". وأضاف خليل باشا: "نحن أمام فرق كبير إلى درجة تدهش العالم سيجد المؤرخون صعوبة في إيجاد كلمات لوصف هذه المعركة، كانت جناق قلعة النصر الأول الذي كسر فيه ثبات العثمانيين عناد الإنجليز، وأمامنا هنا النصر الثاني". وبدوره قال العقيد كاظم قره بكر، قائد الفيلق العثماني الـ 18 في خطاب مكتوب: "فلنحمد الله الذي وهبنا نصراً، لم يشهده تاريخنا منذ مائتي عام هذه هي المرة الأولى التي تدخل فيها الحربة العثمانية التاريخ الإنجليزي".

  

 

الشريك صاحب .. وساحب

 الشريك صاحب .. وساحب

د. أدهم شرقاوي


في كتاب «المجالسة وجواهر العلم» للقاضي الفقيه أبي بكر الدينوري:

قال الحسن البصري: وقفت على بائع ثياب في مكة أشتري ثوبا، فجعل يمدح ويحلف ويروج بضاعته بالأيمان، فتركته، وقلت: لا ينبغي الشراء من مثله، واشتريت من غيره.

ثم حجبت بعد ذلك بسنتين، فقصدته، فلم أجده يمدح ويحلف.

فقلت له: ألست الرجل الذي وقفت عليه منذ سنتين؟

قال: بلى.

قلت: وأي شيء أخرجك مما أرى، لا أراك تحلف وتمدح؟

فقال: كانت لي امرأة إذا جئتها بالقليل احتقرته، وإذا جئتها بالكثير قللته.

فماتت، فتزوجت امرأة بعدها، فإذا أردت الذهاب إلى السوق، أخذت بثيابي..

ثم قالت لي: اتق الله، ولا تطعمنا إلا طيبا، إن جئتنا بقليل كثرناه، وإن لم تأتنا بشيء أعناك بمغزلنا.

في الأصل أن كل إنسان مسؤول عن صلاحه وفساده، وليس لأحد أن يعلق خيباته على شماعة أحد. الزوج لا شك معين أو معيق، ولكن آسيا بنت مزاحم وهي واحدة من سيدات أهل الجنة الأربع كانت متزوجة من فرعون وهو أحد أشهر الكفار في التاريخ. والزوجة أيضا معينة أو معيقة، ولكن نوحا عليه السلام وهو شيخ المرسلين، وأطول الدعاة عمرا ووقتا في تعبيد الخلق بخالقهم كان متزوجا من امرأة كافرة على دين قومها، وحين صعدت الحيوانات إلى السفينة التي بناها، اختارت هي الغرق.

ولكن لا ينكر عاقل أثر الشريك في استقامة المرء أو ضلاله، السباحة بعكس التيار مرهقة، ونحن نعلم النهاية المشرقة لآسيا زوجة فرعون ولكننا لا نعلم شيئا عن مشقة الطريق قبل بلوغ هذه النهاية، على أية حال هي فارقت الدنيا مصلوبة.

ونحن نعلم أن نوحا عليه السلام من أولي العزم من الرسل، ولكننا لا نعلم شيئا عن مشقة أن يخرج الرجل ليصلح المجتمع وفي بيته شيء من هذا الخلل لم يستطع أن يصلحه. إنها لحياة مضنية أن تكون أنت في واد وشريك عمرك في واد.

في كتاب مناقب الإمام الشافعي الذي كتبه الإمام البيهقي، أن الشافعي قال: سمعت بعض أصحابنا ممن أثق به قال: تزوجت لأصون ديني، فذهب ديني، ودين أمي، ودين الجيران.

اختاروا شركاء العمر بتأنٍّ، فهم مسؤولون عن كثير من السعادة أو التعاسة التي ستحصلون عليها. الانتظار خير من قرار خاطئ متسرع، وأن يفوتك القطار خير من أن يحملك إلى وجهة تعيسة.

من حق الشاب أن يطلب الفتاة الحسناء، ومن حق الفتاة أن تطلب الشاب الوسيم، هذا ليس عيبا ولا حراما، فالأصل أن الزواج للعفة، والرغبة في الشريك من أهم مقوماتها. ولكن علينا ألا ننسى أن كل شيء نأخذ منه نألفه نهاية المطاف ويصبح عاديا مهما كان أول الأمر مبهرا. لهذا اختاروا أولا الأخلاق والدين، فكم من شاب اختار الجمال فقط فجعلته تلك الحسناء يكره جنس النساء.

وكم من فتاة اختارت الوسيم فقط فما عادت بعد ذلك لسوء خلقه تطيق النظر في وجهه.

إذا وجدتم الإيمان والأخلاق فابحثوا عن بقية الصفات، وإذا لم تجدوهما فاقلبوا الصفحة. لا تلقوا بأيديكم إلى نار ستحرقكم، وإياكم أن تراهنوا على تغيير الشريك، الفتاة التي لم يردعها وعيد ربها، ولم يربها أهلها، فلن تغيرها أنت، والشاب الذي لا يأتيك مؤمنا خلوقا منذ البداية لا تغامري بنفسك معه، نادرا ما يتغير الناس.

الأحد، 28 أبريل 2024

كبسلوا… نحن في عصر الكبسلة!

 

كبسلوا… نحن في عصر الكبسلة!


أكثر ما يُضحكني في النظريات الماركسية والشيوعية والاشتراكية عموماً أنها أعطت للشعوب حجماً وقيمة وأهمية أكبر من حجمها الحقيقي بكثير، فالماركسيون مثلاً لطالما تغنوا بالبروليتاريا وقوة البروليتاريا وتأثيرها في حركة التاريخ وصنعه. وقد وصل الأمر بهم إلى القول مثلاً: «لو لم يكن نابليون موجوداً لصنعت الجماهير شخصاً آخر بحجم نابليون ليغير التاريخ كما غيره نابليون».
بعبارة أخرى، فالنظرية الماركسية لا تعطي للأشخاص أهمية كبرى في صنع التاريخ، بل تعتبرهم مجرد أدوات في أيدي الشعوب، وهي برأيهم الصانع والمحرك الحقيقي لعجلة التاريخ. لكن الزمن الذي نعيشه اليوم جعل من نظريات ماركس وغيره من الشعبويين أضحوكة. لماذا وكيف؟
ببساطة لأن هناك أمامنا منذ عقود وعقود ألف دليل وبرهان على أن الشعوب مجرد عتلات تستخدمها الطبقات العليا ومن يسميهم توماس كارلايل بالأبطال الذين يقودون القطعان ويحركونها ويستخدمونها كيفما يشاؤون حسبما تقتضي مصلحتهم. نحن باختصار مجرد عجينة في أيدي صانعي التاريخ والحياة بشكل عام، يصنعون منها شكل الخبز الذي يريدون. نحن بلا حول ولا قوة، نحن مواد أولية لا أكثر ولا أقل في لعبة أكبر منا بكثير. وكي لا نذهب بعيداً، فنحن صنيعة الأنظمة السياسية والدينية والتربوية والتعليمية والثقافية التي وضعتها الحكومات، ومهما حاولنا التحرر من تلك الأنظمة نبقى عبيداً في أيديها، فما بالك إذا كانت بعض الأنظمة كالنظام الأمريكي مثلاِ تملك كل وسائل التطويع والتوجيه والتعبئة بكل أشكالها، كما تملك أيضاً أعظم أنواع التكنولوجيا التي صنعها الآن، بالإضافة طبعاً إلى الرصيد المالي القادر على التحكم بكل الدول والأنظمة دون استثناء وتركيعها وتطويعها في الاتجاه الذي يريده سادة العالم، فما بالك إذاً بالشعوب المغلوبة على أمرها التي لا تستطيع أصلاً الخروج من القوقعة التي وضعتها فيها أنظمتها الدائرة في الفلك الأمريكي خصوصاً والغربي عموماً؟ وكي لا نسهب، فنحن لسنا أكثر من عتلات صغيرة في المجتمعات التي يصنعها الكبار ويطورونها ويغيرونها حسب مصالحهم باستمرار. وإذا كانت الأنظمة الوكيلة قادرة على نقل الشعوب بين الحين والآخر من دين إلى آخر، حسبما تفرضه مصالح مشغليها وموجهيها الكبار، فإن الكبار أنفسهم هم الذين، في واقع الأمر، يتحكمون بكل المجتمعات والبشرية جمعاء ويفرضون عليه أسلوب الحياة والعيش الذي يناسبهم ويخدم توجهاتهم.

تلعب التكنولوجيا الدور الأكبر بجانب الاقتصاد في عملية قولبة الإنسان وتسييره وتوجيهه وتشكيله، فهو مهما تطور يبقى مجرد فأر تجارب في أيدي أصحاب الاقتصاد والتكنولوجيا والمال

وكي لا نغمط ماركس حقه في كل شيء، لا بد أن نستذكر هنا نظريته الصائبة التي تقول إن الواقع الاقتصادي هو الذي يحدد ويصنع الواقع الاجتماعي، أي أن كل شيء مرتبط بالاقتصاد وطرق الإنتاج والاستهلاك، فهي التي تصنع وتقوّلب الإنسان حسب مصلحتها. واليوم تلعب التكنولوجيا الدور الأكبر بجانب الاقتصاد في عملية قولبة الإنسان وتسييره وتوجيهه وتشكيله، فهو مهما تطور يبقى مجرد فأر تجارب في أيدي أصحاب الاقتصاد والتكنولوجيا والمال. اليوم مثلاً نحن نعيش اليوم في عصر ما يُسمى بالكبسلة، كل شيء يحولونه إلى كبسولة صغيرة. كل شيء كبير يجب أن يختصر من حجمه كي يناسب المزاج العام. الموبايل مثلاً اختصر الراديو والتلفزيون والمسجلة والطابعة والكاميرا والميكروفون والتليفون والكثير من الأجهزة في جهاز واحد. تاريخ الإنسان كله وسجلاته ستصبح بحجم حبة الأرز مزروعة في جسده.
واليوم إذا جاءنا فيديو أطول من نصف دقيقة نعتبره طويلاً ومملاً. وكل منشور على مواقع التواصل يزيد عن سطر ونصف نراه طويلاً. وقد جاء موقع «تويتر» (أكس) ليفرض على الكاتب أن يكبسل أفكاره المتشعبة بجملة أو اثنتين. وعندما نكتب مقالاً اليوم يزيد عن خمسمائة كلمة نعتبره طويلاً، ولن يقرأه إلا القلة. من يقرأ اليوم الكتب في عصر المنشورات القزمية؟ من يقرأ حتى المقالات القصيرة؟ وحتى الجرائد التي مازالت تصدر ورقياً فقدت نصف حجمها. من يشاهد اليوم فيلماً وثائقياً أو برنامجاً تلفزيونياً حتى آخره إلا إذا كان غاية في المتعة والتشويق؟
وبما أنه ليس بأيدينا أو مقدورنا أي شيء سوى استهلاك أنماط وأساليب الحياة المتجددة دائماً المفروضة علينا بقوة التكنولوجيا والاقتصاد، وخاصة في العقود القليلة الماضية التي تقدمت خلالها البشرية أكثر مما تقدمت على مدى قرون ماضية، فلا يسعنا إلا أن نطرح الأسئلة وعلامات الاستفهام والتعجب حول هذا التطور الرهيب الذي تخضع له البشرية شاءت أم أبت. أين نحن ذاهبون؟ ومن المستفيد الأكبر من هذه التحولات العلمية والتكنولوجية المدهشة؟ وما هو مستقبل العالم أجمع في ظل طوفان الكبسلة الذي يحاصرنا من كل حدب وصوب؟ هل سنأكل ونستهلك كل شيء في المستقبل على شكل كبسولات؟
أعتذر لكم شديد الاعتذار عن المقال، فهو طويل جداً جداً. أليس كذلك؟ نعم قد يبدو لكم كذلك، لكنه في الواقع أقصر من مقالاتي السابقة بحوالي ثلاثمائة كلمة احتراماً لعنوان وموضوع المقال.

كاتب واعلامي سوري
falkasim@gmail.com

السبت، 27 أبريل 2024

القسام وياسين وحماس.. التاريخ يرسم المستقبل

 

القسام وياسين وحماس.. التاريخ يرسم المستقبل


علمتنا المقاومة في غزة كيف تصبح التجارب التاريخية مصدر قوّة، تطلق القدرات الإنسانية للإبداع والتخطيط، وتجنب أسباب الفشل والهزائم، وتحقيق الانتصارات.

والشعب الفلسطيني يمتلك تراثًا في مقاومة الاحتلال منذ عام 1919، أنتجه الكثير من القادة الذين أضافوا لكفاح هذا الشعب أفكارًا شكلت في مجموعها رؤية للمستقبل، ولا تزال تضيء للأجيال طريق تحرير فلسطين.

وليس أدلّ على الدور الذي يمكن أن يلعبه الاهتمام بالتراث في تعبيد الطريق نحو مستقبل حرّ، إلا حفاوة حركة حماس بقيادات ذلك النضال الذين سبقوها على هذا الطريق، منذ أكثر من مائة عام، ولنتوقف تحديدًا عند علاقتها بالقائدين: عز الدين القسام، وأحمد ياسين.

ملهم البدايات

أما الشيخ عز الدين القسام، فكان من أهم القيادات التي أثرت في تشكيل رؤية المقاومة الفلسطينية، وعندما أطلقت حركة "حماس" اسمه على كتائبها المقاتلة، لم يكن ذلك مجرّدَ بادرة وفاء له، وتخليدًا لتجربته في الصمود والمقاومة، ولكنها كانت رسالة من أهم دلالاتها أن هذه الكتائب تشكل امتدادًا لمسيرة راسخة، وأنها صاحبة تاريخ، وأن رحلة النضال لم تنكسر تحت وطأة الإجرام الوحشي، فالمشعل لا يزال مرفوعًا، وتجارب التاريخ تضيف إلى رصيد الخبرة، ووضوح الرؤية.

هناك رسالة إضافية كذلك، وهي أن النضال لا يرتبط بحياة قائد، فكلما مات قائد، وُلد آخر، كما تقول؛ إن سقوط الجسد ليس موتًا، فها هو الشيخ القسام حيًا بعد قرن من الزمان، وشباب حماس ومتحدثوها يحرصون على افتتاح كلامهم واختتامه بعبارته الأثيرة: "وإنه لجهاد، نصر أو استشهاد".

ثم إنها رسالة أيضًا تقول؛ إن قادة المقاومة كجنودها، حياتهم ليست أغلى من غيرهم، وهم يذوقون الشهادة في سبيل القضية كما يذوقها الجميع.

معظم الأفكار التي قدّمها الشيخ القسام في بدايات القرن الماضي، وقبل عقود من قيام دولة الكيان الصهيوني، لا تزال أساس رؤية المقاومة وكل قادتها.. لا تموت الأفكار بالرصاص، بل تحيا. والمقاومة قضية عادلة وقضية رابحة لا تحتاج إلا إلى إيمان وعمل وصبر.

دفع الشيخ القسام روحه في سبيل قضيته، وتدفع حماس وقادتها اليوم، ولكن تبقى المسيرة مستمرة.

بين الشيخ والصاروخ

أما الشيخ القعيد أحمد ياسين – وقد مات قبل عقدين من الزمان بصاروخ إسرائيلي على كرسيه المتحرك – فلا يزال ينهمر على رؤوس الإسرائيليين في صورة قذائف تحمل اسمه، وينفجر في آلياتها المدرعة في شكل ألغام لا يقف أمامها أحد.. فهل قتلته إسرائيل حقًا عندما اغتالته؟

الشيخ أحمد ياسين هو من أسس حركة حماس، وقد كان وقتها – كما نعلم – شيخًا قعيدًا، ولكنه مع ذلك بثّ روحًا في شباب فلسطين لا تزال تهدر حتى اليوم كشلال غاضب. واحتفاء حماس باسمه ليس أيضًا مجرد بادرة تقدير ووفاء لمؤسسها ولنضاله، بل هي رسالة داخلية لشبابها: أن المقاومة لا ينبغي أن تتوقف حتى تلفظ آخر أنفاسك، فلا عذر في القعود وإن كنت قعيدًا، وهي رسالة أيضًا: أن القضية الفلسطينية متواصلة يتسلمها جيل ويسلمها لآخر، ولن تنتهي بنهاية أحد.

المعنى الأخير هو رسالة لإسرائيل أيضًا. رسالة تقول لها؛ إن القتل الوحشي لن ينقذها، وإن أصحاب الحق لا يزدادون إلا إصرارًا، وإن كل فلسطين بكل أبنائِها حتى المقعدين منهم لا يزالون قادرين على النضال والمقاومة وإثارة رعب ذلك الكيان.

وهناك رسالة لإسرائيل تقول؛ إن المقاومة تعلمت كيف تصنع كيانًا مؤسسيًا، يحترم القادة وعطاءهم، لكنه لا ينهار إن سقط جسد القائد.

ثم هناك رسالة لهم تقول؛ إن النصر في المعارك لا تحكمه قوة السلاح وحدها، فقوة الإيمان، وقوة الإصرار، وقوة العقل الذي يبحث دائمًا عن طريق لتحقيق الأهداف يمكنها أن تقلب الموازين. لقد كان الشيخ أحمد ياسين قعيدًا، ولكنه ترك أثرًا، وكذلك كانت حماس محاصرة، ضعيفة التسليح والخبرات، لكنها بما تملكه من إيمان بعدالة القضية، وعقل يبتكر، استطاعت أن تحقق ما لم تحققه الجيوش العربية مجتمعة، وكانت ولا تزال قلعة حصينة في وجه أعتى القوى العالمية.

من أهم إنجازات الشيخ أحمد ياسين، إعداده لقادة المقاومة. لقد عمل على تربيتهم لسنوات، وغرس أفكار الحرية في عقولهم، فأثمر الغرس في قلوبهم حتى وهم أسرى، ونحن نرى اليوم كيف أن يحيى السنوار، وهو أحدُ ثمار الشيخ وأبنائه، خرج من أسره ليقود مسيرة الحرية ويحمل مشعلها. وهو الذي كان تحدى سجّانه قبل سنوات مؤكدًا أن النصر للمقاومة، وأن فلسطين ستتحرر.

هل يمكن أن يفسر ذلك رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عقد صفقة تبادل أسرى مع حماس؟

هل يخشى أن يخرج من السجون ألف سنوار جديد؟

لم يتعلم نتنياهو درس التاريخ، وهو يظن واهمًا أن هدفه المعلن بالقضاء على قادة حماس، سيقضي على المقاومة. هل نجح هذا أمسِ لينجح اليوم؟!

غزة: الطلاب العرب على مقعد المتفرجين

 غزة: الطلاب العرب على مقعد المتفرجين

نور الدين العلوي 


نتابع مثل بقية خلق الله العاجزين ثورة الطلاب الأمريكيين مع غزة؛ ويفرض علينا سؤال نفسه: أين الجامعات العربية والطلاب العرب؟ ويزداد السؤال إلحاحا عن الجامعة التونسية وطلابها، ويتسع السؤال إلى مسألة جوهرية: ماذا فعلت النخب العربية بالجامعات وبالطلاب الذين سجل لهم التاريخ سوابق في النضال من أجل فلسطين منذ عقود طويلة؟

الطلاب الأمريكيون ينبهوننا إلى نكوصنا

غزة تدخل الشهر السابع من حربها، وبعيدا عن الرهط الرسمي العربي المخذل سمعنا اتفاقا كاملا من كل الفئات السياسية والاجتماعية على شرعية المعركة وعلى ضرورتها أيضا، فهي معركة تحرير لم يبق للفلسطيني خيار غيرها بعدما جنح إلى السلم فلم يقبل العدو سلمه وظل يدفعه إلى الاستسلام.

انطلقت في بداية المعركة حركة تضامن عامة سرعان ما خبت في الشوارع وخبت قبل ذلك في الجامعات والثانويات، ولم يبق إلا التفاعل الافتراضي المحدود مع كثير من المشاعر المشفقة على الضحايا. عاد الناس إلى شواغلهم وبقيت المعركة في القنوات التلفزية، والجميع يتألم ثم يتأفف ثم يغير القناة.

فجأة ننتبه إلى وصول المعركة إلى داخل الجامعات الأمريكية وانتشار حركة تضامن طلابي واسعة مع القضية بشعارات إنسانية غابت عن الجامعات العربية ونخب السياسة المحلية. نشعر بفخر غريب أن أثارت قضايا العرب وفي مقدمتهم غزة كل هذا الحراك التضامني العالمي وفي قلب ماكينة صناعة النخب الأمريكية، لكن نشعر بالتوازي بألم كبير سببه صمت أهل القضية أنفسهم. الجميع الآن يسأل: أين الطلاب العرب من قضية غزة؟

نسمع مبررات كثيرة عن الانشغال بفترة الامتحانات مع بداية شهر أيار/ مايو والتي ستمتد إلى شهر حزيران/ يونيو قبل أن تدخل الجامعات في سباتها الصيفي إلى شهر تشرين الأول/ أكتوبر، لكن أين كان الطلبة ونخبة الجامعة قبل فترة الامتحانات؟ أي كانوا طيلة العام الدراسي الذي انطلق بالتوازي مع انطلاق معركة الطوفان؟ لقد ساد الصمت والترقب في كل مكان إلا نزر يسير شارك مع عموم الناس في مظاهرات صغيرة ومحدودة، بما يكشف موات الجامعة ونخبتها والتي هي نظريا نخبة قائدة وعليها مسؤوليات أخلاقية وسياسية.

ماذا أصاب الجامعات العربية؟

تابعنا الحراك الأردني والمغربي وهما البلدان اللذان لم يقصرا في الشارع حتى الآن، ورأينا الطلبة ضمن صفوف الناس في الشوارع لكن بصفتهم مواطنين لا طلبة لهم وضع خاص ومكانة متميزة في الحراك السياسي منذ تأسيس الجامعات. عذرنا للجامعة المصرية صمتها، فهي تقع تحت آلة قمع كافرة بالإنسان، ولم ننتظر أبدا حراكا طلابيا في جامعة الخليج (السمينة)،

الحراك الطلابي الأمريكي الذي نشاهده غير مخترق بأفكار استئصالية مما نجد في الجامعات العربية، لذلك فهم المعركة والتحق بها من موقع إنساني نضالي لا يحسب حسابات فئوية رغم تنوعه العميق

 لكن أين طلبة الجزائر وتونس حيث توجد هوامش حرية تسمح بحركة على الأقل داخل الحرم الجامعي؟ رغم أنه ليس أقدر من الشباب الطلابي على اقتحام الشوارع وفرض الأجندات التضامنية، ولجامعة تونس تقاليد قديمة في ذلك تعود إلى مرحلة تأسيسها.

وجب أن نبرز هنا عنصرا مهما ومؤثرا يظهر لنا من متابعة حراك الطلاب في أمريكا، هذا الحراك البعيد في الجغرافيا عن غزة بعيد أيضا عن طبيعة النخب في الجامعات العربية؛ هناك يشارك يهود ومسلمون ومسيحيون في الحراك بلا عقد مذهبية أو دينية، ويشارك أبناء النخب المالية والسياسية بكل قوة في هذا الحراك، الشيء الذي أثار الكونجرس النخبوي والسياسي فخرج يتهم الحراك بالتهمة الجاهزة دائما وأبدا: معاداة السامية.

الحراك الطلابي الأمريكي الذي نشاهده غير مخترق بأفكار استئصالية مما نجد في الجامعات العربية، لذلك فهم المعركة والتحق بها من موقع إنساني نضالي لا يحسب حسابات فئوية رغم تنوعه العميق.

هذه القدرة على الخروج من القواقع الفئوية رغم عمقها الديني لم تتيسر في الجامعات التونسية والعربية التي تديرها نخب متنورة تزعم التقدمية، وهذه النخب مسكونة في تقديري بأدواء الاستئصال التي عبرت عن نفسها بالقول إن معركة غزة هي معركة إخوانية (إسلام سياسي)، وبالتالي فإن كل تضامن معها بتحريك الطلاب أو السماح لهم بالحركة التلقائية يصب بالضرورة في سلة الأحزاب والجماعات الإسلامية ويمكِّنها من التحكم لاحقا في الأجسام الطلابية الهشة فكريا، وكل حراك طلابي لن تكون له نتيجة إلا تقوية مواقع الإسلاميين في بلدانهم باعتبار أن حماس التي تقود المقاومة هي حركة إخوانية. من هنا جاء كيد النخب لغزة ولمعركتها المشروعة؛ عبر تضخيم مبررات الانشغال بالامتحانات وتكملة المقررات الكثيفة.

إننا نجد تطابقا بين تنويم الجامعات والطلاب وبين الردة عن الربيع العربي، فهي تستعمل نفس المبررات للردة عن مشاريع التحرير ومشاريع بناء الديمقراطية التي وضعها الربيع العربي على طاولة النخب، فلم تُخلص لها ونكصت على أعقابها عند أول انتخابات وفرت فرصة لمشاركة الإسلاميين في إدارة بلدانهم.

لقد أعادت معركة الطوفان ملف التحرر من الاستعمار الصهيوني خاصة والغربي عامة إلى النقاش، ولكن فهم بسرعة أنها معركة يمكن أن تزيد في قوة الإسلاميين لذلك وجب التخلي عنها وممارسة التعمية باسم النجاح الدراسي.

صمت نخب الجامعة وتنويم الطلاب هو تخل واع عن الحرية والديمقراطية لأنها تخدم الإسلاميين (بما في ذلك الترحيب بالانقلابات العسكرية والدفاع عنها). وهذا الداء كامن في العقول لا نرى له أفقا إلا خراب الجامعة وتسطيح وعي الطلاب بقضاياهم، بحيث ينتهون إلى موظفين منكبين على خبزهم اليومي


هناك الحرية قبل النجاح رغم أن الدرس مدفوع الأجر وليس درسا في جامعة عمومية شبه مجانية، وهنا محاربة الإسلاميين أو إغلاق الطريق أمامهم مقدم على الحرية. وهذا درس بالغ الأهمية تقدمه لنا الجامعات الأمريكية التي أزعجت بسرعة فائقة النخب السياسية الموالية للكيان المحتل.

إن صمت نخب الجامعة وتنويم الطلاب هو تخل واع عن الحرية والديمقراطية لأنها تخدم الإسلاميين (بما في ذلك الترحيب بالانقلابات العسكرية والدفاع عنها). وهذا الداء كامن في العقول لا نرى له أفقا إلا خراب الجامعة وتسطيح وعي الطلاب بقضاياهم، بحيث ينتهون إلى موظفين منكبين على خبزهم اليومي.

في مقعد المتفرجين

عندما مررنا بالجامعة طلبة كانت قضية فلسطين مقدمة على مطالبتنا بتحسين ظروف دراستنا التعيسة، وكان زهدنا موضع فخر، وكان أستاذتنا يتركون لنا هوامش نقاش واسعة في فصولهم ولا يعترضون على غيابنا عن الدروس ويعوضون الدروس كما يتيسر لهم وللمؤسسات؛ لم نتخرج جهلة بل تخرجنا بوعي بقضايانا الأصلية. في هذه المرحلة نخشى أن نوسع النقاش في الفصول خوفا من طلبتنا الذين يصمتون، فلا نعرف هل يقبلون منا ما نقول أم يدبجون تقارير لجهات خارج الفصل. وقد ركبنا هذا الخوف منذ زمن بن علي وعاد لنا بالانقلاب على الديمقراطية، بل إننا في وضع أشد تعاسة نحن نخشى بعضنا البعض كمدرسين. ففتح نقاش في الفصل حول غزة يؤدي مباشرة إلى اتهام بالأخونة وتحريف وعي الطلاب وإدخال السياسة في الدرس العلمي، وهي تهم تقطع الرزق وتفتح باب السجون.

لذلك نجلس اللحظة على مقعد المتفرجين على الجامعات الأمريكية وطلابها الذين يقودون عملا ليس أقل من ثورة وعي ستكون حتما أبلغ من الوعي بحرب فيتنام، ونحوقل متمنين معجزة ربانية تحررنا من خوفنا ومن عجزنا بل من جبننا التاريخي وقد فتحت أمامنا معركة تحرير فارتددنا على أعقابنا خوف الأخونة. إنها حالة من تسول النصر بغير أسبابه وبغير أدواته وبغير أهله؛ سأسميها باسمها الحارق إنها حالة من نكاح الاستبضاع.

في ظلال الدستور: الثورة الإسلامية الأعظم في تاريخ الثورات «ثورة إنسانية»

في ظلال الدستور: الثورة الإسلامية الأعظم في تاريخ الثورات «ثورة إنسانية» 


المستشار شفيق إمام


ثورة إنسانية 

يقول الفقيه الكبير الإسلامي الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي، في وصف النبي ﷺ في الثائر الحق، «ويأتي الرسول وكأنه ثورة على الطغيان والفساد، لذلك يتمسك به الضعفاء ويفرحون، وتلتف قلوبهم حوله، أما المنتفعون بالفساد فيقولون إن أتباعك هم أراذلنا».

 استعدت هذه الكلمات التي كانت خاطرة من خواطر فضيلة الشيخ الراحل، وأنا أتابع بالبحث والتحليل والتمحيص، ما جرى في القرن السادس الميلادي، من نزول القرآن الكريم على سيدنا محمد ﷺ هدى للعالمين، وما قام به آخر الأنبياء والرسل، باعتباره داعيا ومبشرا ونذيرا، بثورة الحق والعدل والحرية والمساواة والإخاء، على الظلم والطغيان في العالم كله، وهو ما سطرته في مقالات سابقة على هذه الصحفة، ورأيت في هذا المقال المنشور اليوم أن أرد الفضل إلى أهله، فقد سبقني إلى وصف الإسلام بالثورة الشيخ الجليل الشعراوي، وإن قالها على استحياء، «وكأنها ثورة» ولكنها- في رأينا- كانت ثورة حقيقية، لا حكما أو مجازا وإن اختلفت عن باقي الثوارت عبر التاريخ في أنها صدرت بأمر إلهي، وما كانت الأوامر الإلهية مصدرا لأي ثورة من هذه الثورات، كما أنه في تشبيهه المجازي كان متأثرا بفقه الإسلام، وهو الأعظم في استنباط الأحكام على مستوى الفقه المقارن كله، وإن كان فقهنا الإسلامي قد ابتعد ما أمكنه ذلك عن شؤون الحكم، مؤثراً السلامة، وقد وجد ضالته في السمع والطاعة للحاكم، وفقا لتفسير الآية الكريمة: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ»، فضل طريقه عن المقصود من هذا النص القرآني. 

ديموقراطية إنسانية 

وكما أسفرت الثورات على الملوك حصاداً مراً أحيانا بتحول الثوار إلى طغاة، فنشأت النازية والفاشية، وغيرهما من الحكومات الأوليغارسية والعسكرية، وحصادا طيبا أحيانا أخرى، بأن تحكم الشعوب نفسها بنفسها من خلال ممثليها الذين انحرف الكثيرون منهم عن أهداف ثوراتهم، فإن هذه الثورات جميعها لم تجاوز أهدافها، العدل السياسي، الى تحقيق العدل الاجتماعي، فكان هذا أبعد من أن تحققه ثورة من هذه الثورات، سواء كانت قد قامت بها القلة الأرستقراطية، أو النخبة، أو الطبقة العاملة، لأنها لم تكن جميعها ثورة إنسانية كالثورة الإسلامية التي قام بها الجميع من أسياد وعبيد، ومن كل الأجناس والأطياف والألوان، فكانت الديموقراطية نبتتها الأولى في الإسلام، ديموقراطية إنسانية، وهو الوصف الذي أطلقه عليها الأديب الكبير الراحل عباس محمود العقاد، حيث يقول «إن الديموقراطيات قديمها وحديثها لم تقم على الحق الإنساني المعترف به لكل إنسان، وإنها كانت إلى الضرورة العملية أقرب منها إلى المبادئ الفكرية والأصول الخلقية، بل كانت في اليونان القديمة من قبيل الإجراءات أو التدابير السياسية التي تنفي الفتنة، وللاستفادة من جهود العامة في أوقات الحرب على الخصوص، ولم تكن هذه الثورات والديموقراطيات إلا ثورات وديموقراطيات سياسية أما الديموقراطية في الإسلام فكانت ديموقراطية إنسانية تقوم على الاعتراف بحقوق الإنسان (عباس محمود العقاد- الديموقراطية في الاسلام– دار المعارف بمصر)، فالثورة الإسلامية كانت الأولى من بين الثورات التي قامت على أساس حقوق الإنسان، وكانت ثورتها ثورة إنسانية. 

ويضيف د. طه حسين عميد الأدب العربي الراحل إلى ذلك «إن الإنسانية سلكت في سبيل الحكم الصالح كل الطرق، وجربت كل النظم، فلم تنته إلى غاية... تضمن للناس الحرية والعدل جميعا... وهذا النظام القويم هو الذي حاولت الخلافة الإسلامية لعهد أبي بكر وعمر أن تنشئه، فمات أبو بكر، رحمه الله، ولم يكد يبدأ التجربة، وقتل عمر رحمه الله، وقد خطا بالتجربة خطوات واسعة، لكنه لم يرض عنها، فقد رُوي عنه أنه كان يقول في آخر خلافته، لو استقبلت من أمرى ما استدبرت، لأخذت من الأغنياء فضول أموالهم فرددتها على الفقراء، فقد رأى عمر أنه لم يبلغ من تحقيق العدل الاجتماعي ما كان يريد، فكيف ولم يعرف المسلمون ولا غير المسلمين أميراً حاول من العدل ما حاول عمر، وحقق منه ما حققه عمر، رضي الله عنه». (د. طه حسين – الفنتة الكبرى – عثمان - دار امعارف – ط الحادية عشرة 1996 – ص8). 

ومع كل التقدير لعميد الأدب العربي ولما نهلناه ونهلته الأجيال من علمه الغزير، وأطروحاته فيما كتبه في، الوعد الحق، ومرآة الإسلام، والشيخان (أبوبكر وعمر) وغيرهما، فإننا ننبه إلى زلة قلم وقع فيها سيادة العميد الراحل، في قوله «وهذا النظام القويم- الذي يضمن للإنسان الحرية والعدل جميعها- حاولت الخلافة الإسلامية لأبي بكر وعمر أن تنشئه) ذلك أن هذا النظام القويم، الذي يجمع بين الأمرين، قد نزل به القرآن الكريم، وطبق في عصر النبوة، فلم تحاول تجربة أبي بكر وعمر إنشاءه بل تطبيقه. 

هولوكست فلسطين والنازية الجديدة 

استعدت الثورة الإسلامية، الإنسانية، وأنا اتابع الفداء الذي قدمه أبطال حماس في السابع من أكتوبر، وحتى هذه اللحظة في إصرار وتصميم على عدم الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين إلا بعد وقف الحرب على غزة، أو بالأحرى وقف هولوكست غزة، والعالم يتابع مجزرة ومذبحة غزة، أو هولوكست الفلسطينيين، على يد النازية الجديدة (إسرائيل) والعالم يرى ويسمع كيف ازداد تمسك الضعفاء من الفلسطينيين بحماس وهم يتساقطون بالعشرات كل ساعة، شهداء يروون بدمائهم، الأرض الطيبة، التي احتلها الغاصبون، وتلتف قلوبهم كل يوم وكل ساعة حول أبطال حماس، أبنائهم وإخوانهم، والعالم يتابع حياة الفلسطينيين المطحونين بطغيان الآلة العسكرية الإسرائيلية وطغيان الترسانة العسكرية الغربية التي تمد إسرائيل بالأسلحة والمال، وقد أقر الكونغرس الأميركي (95) مليار دولار أميركي، مساعدة لكل من أوكرانيا وإسرائيل في حربهما، مع اختلاف المعايير والمقاييس بين الحربين، إلا أن ما يجمعهما هو هيبة الإمبريالية العالمية الغربية التي سقطت في آتون هاتين الحربين. 

وفي هذا الساق يسعدني توجيه تحية إلى المواطن السعودي ماهر موصلي، على الفيديو الذي نشره على حسابه في اليوتيوب، والذي أجرى فيه مقارنة بين جرائم النازية الجديدة (إسرائيل) في حق الشعب الفلسطيني، وجرائم هتلر النازية في حق اليهود، قبل قيام «تويتر» بحذف هذا الحساب. العقيدة الدينية ويجمع بين حماس والثورة الإسلامية التي قادها سيدنا محمد ﷺ، هذه القلة القليلة من أبطال حماس، الذين أيقظوا العالم كله على ثورة الضعفاء في فلسطين، كما أيقظ أحد عشر عربيا من مكة الذين آمنوا بالثورة الإسلامية في مهدها التي قادها النبي ﷺ، ليظهر العالم كله على الدين الجديد. كما يجمع بين القلة القليلة من أبطال حماس في طوفان الأقصى بالقلة القليلة من المؤمنين بدعوة محمد ﷺ، والذين قادهم محمد ﷺ في أعظم ثورة في تاريخ الثورات، العقيدة الإسلامية، كما جاء بها القرآن الكريم قال تعالى «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا» (الأحزاب 36). 

اما المنتفعون بالفساد من أبناء هذه الأمة والذين ضعف إيمانهم بقضاء الله، والذين تجمعهم في الهجوم على حماس واتهامها بأنها سبب هذا الابتلاء في غزة، تجمعهم حظيرة الدفاع عن مصالحهم وأموالهم التي حصلوا عليها بالباطل، بالتقرب من الحكام، والدفاع عن صمتهم على هولوكست غزة، وقد بات هؤلاء وأولئك معزولين عن شعوبهم، بل عن ضمير أمتهم، بل ضمير شعوب العالم أجمع. وللحديث بقية عن حقوق الإنسان في الثورة الإسلامية الإنسانية.



كيف كانت إيران طوق نجاة لإسرائيل؟

 

كيف كانت إيران طوق نجاة لإسرائيل؟


"لا إحباطَ ولا خيبةَ أمل".. هكذا كان شعور أغلبنا ونحن نرى اللانتائج التي حقّقها الردّ الإيراني على إسرائيل بعد أن قصفت الأخيرة القنصلية الإيرانية في دمشق، فقتلت عددًا من كبار جنرالاتها. لم يخب أملنا، وكان هذا انعكاسًا صارخًا للوضع المأساوي الذي نعيشه.

ورغم الوحشية غير المسبوقة التي تمارسها إسرائيل على قطاع غزة منذ سبعة أشهر، والتي تعد إبادة جماعية حقيقية، لا يزال العالم ينتظر تدخلًا مخلصًا لوقف هذه المجازر، دون أن تبادر أية قوة إلى اتخاذ خطوة جدية في هذا الاتجاه.

وتكمن المأساة في أنّ إسرائيل نفسها تبدي رغبة شديدة في حدوث تدخل إيراني، خاصة من خلال ضربات عسكرية. ويرجع ذلك إلى أن الولايات المتحدة وأوروبا، اللتين تقدمان لإسرائيل دعمًا لا محدودًا حتى في جرائمها ضد الإنسانية، قد بدأتا تقللان من دعمهما لإسرائيل في عدوانها على غزة، ليس بسبب حجم الجرائم المرتكبة، بل بسبب عدم كفاءة إسرائيل في تنفيذها. فمن وجهة نظر إسرائيل، فإن هجومًا إيرانيًا قد يحول الصراع بسرعة من محور حماس-إسرائيل إلى محور إيران-إسرائيل، مما قد يشكل دعمًا منقذًا لإسرائيل وخاصة لنتنياهو.

ويتّضح جليًا أن معاداة إيران لإسرائيل لم تلحق أيّ ضرر فعلي بإسرائيل حتى الآن. وإن كان ميزان الربح والخسارة في التوتر القائم بين الدولتين، واضحًا خلال تاريخهما الطويل. فمن وجهة نظر إيران تعد معاداة إسرائيل، بل حتى معاداة الولايات المتحدة، عاملًا داخليًا فعالًا للغاية؛ لتعزيز شرعية النظام. فعندما يواجه النظام الضغوط من قبل المعارضة، تصبح الأزمات المفتعلة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، أداة لإعادة فرض حالة الطوارئ بسرعة.

كما أنّ تهديدات إيران لدول الخليج العربية مفيدة للغاية بالنسبة للولايات المتحدة. فرغم أنّها لم تتطور أبدًا إلى صراع فعلي، إلا أنها تساهم في ضمان اعتماد دول الخليج على الولايات المتحدة في مجال الدفاع بشكل مستمر ودون قيود.

وقبل نحو عشرين عامًا، أدت العمليات العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة ضد صدام حسين – الذي كان في ذلك الوقت يشكل تهديدًا حقيقيًا لإسرائيل بتسليحه الجيد وقدراته العسكرية التي اكتسبها في حروبه – إلى تسليم العراق إلى إيران على طبق من ذهب. طبعًا يمكن كتابة القصة التي أدّت إلى هذه النتيجة بطرق مختلفة إذا رغبنا، ولكنها ستكون قصصًا مفتعلة ومتكلفة.

منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول مُنيت إسرائيل بهزائم لم تشهدها في تاريخها، فقد تحولت منظمة استخباراتها الأسطورية إلى مهزلة، وأصبحت القبة الحديدية التي روّجوا أنها غير قابلة للاختراق أشبه بالغربال. ومُنِيَ جيشها القوي، الذي تأسّس بدعم من الولايات المتحدة الأميركية، بهزيمة تلو الأخرى أمام كتائب القسام.

ولكن في محاولة لإخفاء هزيمتها، تواصل إسرائيل اختبار قوة أسلحتها في القتل الجماعي والمجازر، وجرائم الإبادة الجماعية، مما يغرقها أكثر فأكثر في وحل الهزيمة.

وبعد انقطاع دام سبع سنوات منذ ثورات الربيع العربي، عاد المفكر المصري فهمي هويدي إلى الكتابة في موقع الجزيرة نت؛ إيمانًا منه بأنه لا يمكنه البقاء متفرجًا على ما يحدث في إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وقد تضمنت مقالاته اقتباسات عديدة تعبر عن وجهة نظر إسرائيل فيما حدث منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول. على سبيل المثال:

"إسرائيل هُزمت بشكل كامل، فأهداف الحرب لن تتحقق، والأسرى لن يعودوا بالعمل العسكري، والأمن لا يزال هدفًا صعب المنال" (هآرتس 13 أبريل/نيسان). "عصر انتصارات إسرائيل انتهى، وحماس أرادت أن تعلمنا بأن هناك عربيًا آخر غير الذي رأيناه في كامب ديفيد أو أوسلو" (أمنون إبراموفيتش، المحلل السياسي البارز في الإعلام العبري (13 يناير/كانون الثاني). "الحرب انتهت بهزيمة إستراتيجية لنا، ونحن الآن في ورطة" (حاييم رامون وزير العدل السابق- (11 أبريل/نسيان).

"إسرائيل خسرت الحرب ضد حماس، صورة النصر الوحيدة المتاحة لنا هي الإطاحة بنتنياهو، وإجراء انتخابات جديدة، (دان حالوتس رئيس أركان جيش الاحتلال السابق- ديسمبر/كانون الأول 2023). "نصف سنة بالضبط مرت على نشوب الحرب، وعلى إسرائيل احتساب المسار. كل الأهداف التي قدمت لنا تبين أن الطريق أصبح بعيدًا عن تحقيقها"، (يوآن ليمور المعلق السياسي في يديعوت أحرونوت).

"حماس لم تهزم إسرائيل فحسب، بل هزمت الغرب كله، (ألون مزراحي كاتب وإعلامي 5 أبريل/نيسان). " لا حياة لنا (للإسرائيليين)، إذا لم نندمج في فضاء الشرق الأوسط، لقد علمنا انهيار كافة أنظمة الدفاع العسكرية والبشرية والتكنولوجية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أنه لا يمكننا الاعتماد فقط على قوتنا وقدراتنا. فالدفاع العسكري وحده لن يؤمّن حياتنا هنا. وإذا كنا لا نريد أن نكون حلقة عابرة في المنطقة مثل المملكة الصليبية، فليس أمامنا إلا أن نجد المعتدلين من العرب ونتحالف معهم، (أمنون ليفي، يديعوت أحرونوت (6 أبريل/نيسان).

تؤكد هذه الشهادات، أن إسرائيل ورئيس وزرائها نتنياهو في موقف لا يحسدان عليه، على الرغم من كل التكبر والغطرسة التي يبديانها. فقد فشل نتنياهو، خلال سبعة أشهر، في تحقيق أي من الأهداف التي وعد بها في مغامرته التي جرّ إليها نفسه والولايات المتحدة وأصدقاءها الأوروبيين، مما جعله في مأزق حقيقي.

ولم يكن سرًا أن نتنياهو كان يبحث عن مخرج من قطاع غزة، بعد أن تحولت الحرب إلى فخ حقيقي له، مما دفعه إلى توسيع نطاق الحرب بشكل مسيطر لخلق ذريعة للخروج من القطاع. ولذلك شن هجومًا استفزازيًا على أهداف إيرانية في دمشق، قبل أن تبادر إيران بالرد، وفي الواقع فإن الهجوم على أهداف إيرانية في دمشق دون سبب ودون مبرر والزجّ القسري لإيران في اللعبة، لم يُبقِ أمام الأخيرة أي خيار آخر. إذ لم يكن ممكنًا لها أن تتجاهل الهجوم على منشآتها وكأنه لم يحدث.

ولكن في نهاية المطاف، فإن الصورة التي برزت هي عودة إسرائيل إلى صورة الضحيّة، وهي الصورة التي كانت بدأت تفقدها وتفقد معها زخم الدعم الأميركي والأوروبي؛ بسبب جرائم الإبادة الجماعية التي تواصل ارتكابها في غزة، فسارعت تلك الدول إلى إصدار بيانات تضامن مع إسرائيل وإدانة إيران وهجومها الذي لم يتسبب في مقتل أي إنسان. وهي ذات الدول التي – للمفارقة- تمتنع على مدى الأشهر الماضية عن إصدار أي بيان إدانة ضد جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في القطاع.

أبرز آثار تلك المواجهة السينمائية بين إسرائيل وإيران هو إبعاد الأضواء عن قضية الإبادة الجماعية في غزة عن صدارة المشهد، وكأن الصراع لم يعد بين غزة وإسرائيل، بل أصبح بين إسرائيل وإيران. وفي ظل هذه الظروف، بدأ أصدقاء إسرائيل الأوروبيون، الذين كانوا يترددون في دعم إسرائيل بشكل علني؛ بسبب جرائمها الفادحة، يعبّرون عن دعمهم لإسرائيل بشكل أوضح وأقوى في هذا الصراع الجديد بين إيران وإسرائيل.

ولكن، لا يمكننا طبعًا أن نسمح بحدوث ذلك. فكل محاولة لإبعاد غزة عن صدارة المشهد، تعد مساعدة لإسرائيل وخيانة للإنسانيّة.

ثورة في الجامعات الأميركية

 

ثورة في الجامعات الأميركية


طلاب جامعة كولومبيا بأميركا يتظاهرون احتجاجًا على حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة (الأناضول)

طلاب الجامعات في جميع أنحاء البلاد، الذين يواجهون الاعتقالات الجماعية والتجميد والإخلاء والإبعاد هم آخر وأفضل أمل لنا لوقف الإبادة الجماعية في غزة.

لم تكن أشينثيا سيفالينغام، طالبة دراسات عليا في الشؤون العامة في جامعة برينستون، تعرف عندما استيقظت في الصباح أنها بعد الساعة 7 صباحًا بوقت قصير ستنضم إلى مئات الطلاب في جميع أنحاء البلاد الذين تم اعتقالهم وطردهم وحظرهم من الحرم الجامعي للاحتجاج على الإبادة الجماعية في غزة.

إنها ترتدي قميصًا أزرق، وأحيانًا تقاوم الدموع، عندما أتحدث إليها. نحن نجلس على طاولة صغيرة في مقهى العالم الصغير في شارع ويذرسبون، على بعد نصف مبنى من الجامعة التي لم يعد بإمكانها الدخول إليها، ولا السكن الجامعي الذي لم يعد بإمكانها العيش فيه بالحرم الجامعي، حيث كان من المقرر أن تتخرج في غضون أسابيع قليلة.

تتساءل أين ستقضي الليلة؟. أعطتها الشرطة خمس دقائق لجمع الأشياء من غرفتها.

تقول ":لقد أمسكت بأشياء عشوائية حقًا". "لقد أمسكت بدقيق الشوفان لسبب ما من الأسباب."  "كنت مرتبكة حقًا".

تعرية الفشل الذريع

يظهر المتظاهرون الطلاب في جميع أنحاء البلاد شجاعةً معنوية وجسدية – يواجه الكثير منهم التجميد والطرد – مما يخجل كل مؤسسة رئيسية في البلاد. إنهم خطرون، ليس لأنهم يعطلون حياة الحرم الجامعي أو ينخرطون في هجمات على الطلاب اليهود – العديد من المحتجين يهود – ولكن لأنهم يكشفون الفشل الذريع من قبل النخب الحاكمة ومؤسساتها لوقف الإبادة الجماعية: جريمة الجرائم.

يشاهد هؤلاء الطلاب، مثل معظمنا، مذبحة إسرائيل التي يتمّ بثها مباشرة للشعب الفلسطيني. لكنهم على عكس معظمنا، يتصرفون. أصواتهم واحتجاجاتهم هي وقفة قوية ضد الإفلاس الأخلاقي الذي يحيط بهم.

لم يندد رئيس جامعة واحد بتدمير إسرائيل لكل جامعة في غزة. لم يدعُ رئيس جامعة واحد إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار. لم يستخدم رئيس جامعة واحد عبارة "الفصل العنصري" أو "الإبادة الجماعية". لم يدعُ رئيس جامعة واحد إلى فرض عقوبات وسحب الاستثمارات من إسرائيل.

بدلًا من ذلك، يتذمر رؤساء هذه المؤسسات الأكاديمية بتفوق أمام المانحين الأثرياء والشركات – بمن في ذلك مصنعو الأسلحة – والسياسيين اليمينيين المسعورين. إنهم يعيدون صياغة النقاش حول الأذى الذي يلحق باليهود بدلًا من الذبح اليومي للفلسطينيين، بمن في ذلك الآلاف من الأطفال. لقد سمحوا للمعتدين: الدولة الصهيونية ومؤيديها، بتصوير أنفسهم كضحايا.

يسمح هذا السرد الكاذب، الذي يركز على معاداة السامية، لمراكز السلطة، بما في ذلك وسائل الإعلام، بحجب القضية الحقيقية: الإبادة الجماعية. إنه يلوث النقاش. إنها حالة كلاسيكية من "الإساءة التفاعلية". ارفع صوتك لشجب الظلم، والرد على الإساءة المطولة، ومحاولة المقاومة، ويحول المعتدي نفسه فجأة إلى المظلوم.

جامعة برينستون، مثل الجامعات الأخرى في جميع أنحاء البلاد، مصممة على وقف المخيمات التي تدعو إلى إنهاء الإبادة الجماعية. يبدو أن هذا جهد منسق من قبل الجامعات في جميع أنحاء البلاد.

أحداث غير متوقعة

كانت الجامعة على علم مسبق بالمخيم المقترح. عندما وصل الطلاب إلى مواقع التدريج الخمسة صباحًا، قابلتهم أعداد كبيرة من قسم السلامة العامة بالجامعة وإدارة شرطة برينستون. امتلأ موقع المخيم المقترح أمام مكتبة فايرستون بالشرطة. هذا على الرغم من حقيقة أن الطلاب أبقوا خططهم بعيدًا عن رسائل البريد الإلكتروني الجامعية واقتصروا على ما اعتقدوا أنه تطبيقات آمنة. كان يقف بين الشرطة الحاخام إيتان ويب، الذي أسس ويرأس منزل شاباد في برينستون.

لقد حضر الأحداث الجامعية؛ لمهاجمة أولئك الذين يدعون إلى إنهاء الإبادة الجماعية باعتبارهم معادين للسامية، وفقًا للنشطاء الطلاب.

عندما استمع حوالي 100 متظاهر إلى المتحدّثين، حلّقت طائرة هليكوبتر فوقهم بصخب. لافتة، معلقة في شجرة، كتب عليها: " من النهر إلى البحر، ستكون فلسطين حرة".

قال الطلاب؛ إنهم سيواصلون احتجاجهم حتى تنسحب برينستون من الشركات التي "تستفيد من أو تشارك في الحملة العسكرية المستمرة لدولة إسرائيل"  في غزة، وتنهي البحوث الجامعية "حول أسلحة الحرب"  التي تمولها وزارة الدفاع، وتسن مقاطعة أكاديمية وثقافية للمؤسسات الإسرائيلية، وتدعم المؤسسات الأكاديمية والثقافية الفلسطينية وتدعو إلى وقف إطلاق النار الفوري وغير المشروط.

ولكن إذا حاول الطلاب مرة أخرى إقامة الخيام – فقد أسقطوا 14 خيمة بمجرد إجراء الاعتقالين في الصباح – يبدو من المؤكد أنه سيتم القبض عليهم جميعًا.

يقول أديتي راو، طالب الدكتوراه في الكلاسيكيات:" إنه يتجاوز بكثير ما توقعت أن يحدث". "بدؤُوا في اعتقال الناس بعد سبع دقائق من المخيم".

طرد واعتقال

أرسلت نائبة رئيس حياة الحرم الجامعي في برينستون روشيل كالهون رسالة بريد إلكتروني جماعية يوم الأربعاء، تحذر الطلاب من إمكانية القبض عليهم، وإلقائهم خارج الحرم الجامعي إذا أقاموا مخيمًا.

كتبت: "سيتم القبض على أي فرد متورط في مخيم أو احتلال أو أي سلوك تخريبي غير قانوني آخر يرفض التوقف بعد تحذير ومنعه على الفور من دخول الحرم الجامعي". "بالنسبة للطلاب، فإن هذا الاستبعاد من الحرم الجامعي من شأنه أن يعرض قدرتهم على إكمال الفصل الدراسي للخطر".

وأضافت أنه يمكن إيقاف هؤلاء الطلاب أو طردهم.

صادفت سيفالينغام أحد أساتذتها وناشدته للحصول على دعم أعضاء هيئة التدريس للاحتجاج.

تقول: "لقد كانت لحظة غريبة". "قضيت الفصل الدراسي الماضي في التفكير في الأفكار والتطور والتغيير المدني، مثل التغيير الاجتماعي". "لقد كانت لحظة مجنونة." بدأت في البكاء.

بعد بضع دقائق من الساعة 7 صباحًا، وزعت الشرطة نشرة على الطلاب الذين يقيمون الخيام بعنوان "تحذير جامعة برينستون وإشعار عدم التعدي". ذكرت النشرة أن الطلاب "انخرطوا في سلوك اعتدى على ممتلكات جامعة برينستون بما ينتهك قواعد ولوائح الجامعة، ويشكل تهديدًا لسلامة وممتلكات الآخرين، ويعطل العمليات العادية للجامعة: ويشمل هذا السلوك المشاركة في مخيم و/أو تعطيل حدث جامعي". قالت النشرة: إن أيًا من أولئك الذين شاركوا في "السلوك المحظور" سيعتبر: "متعديًا متحديًا بموجب القانون الجنائي لنيوجيرسي (N.J.S.A. 2C:18-3)  ويخضع للاعتقال الفوري".

بعد بضع ثوانٍ، سمعت سيفالينغام ضابط شرطة يقول "اقبض على هذين الاثنين".

تجاوزات قانونية وحقوقية

كان حسن سيد، طالب الدكتوراه في الاقتصاد من أصل باكستاني، يعمل مع سيفالينغام لنصب إحدى الخيام. كان مكبل اليدين. كانت سيفالينغام مربوطة بإحكام لدرجة أنه قطعت الدورة الدموية عن يدَيها. هناك كدمات داكنة حول معصمَيها.

يقول سيد: "كان هناك تحذير أولي من رجال الشرطة حول "أنت تتعدى على ممتلكات الغير" أو شيء من هذا القبيل، "هذا هو تحذيرك الأول". "كان المحيط صاخبًا نوعًا ما". لم أسمع الكثير. فجأة، تم دفع اليدَين خلف ظهري. عندما حدث هذا، توترت ذراعي اليمنى قليلًا، وقالوا "أنت تقاوم الاعتقال إذا فعلت ذلك". "ثم وضعوا الأصفاد".

سأله أحد الضباط المعتقِلين له عما إذا كان طالبًا. عندما قال إنه كان كذلك، أبلغوه على الفور أنه محظور من الحرم الجامعي.

يقول: "لا يوجد ذكر للتهم بقدر ما أستطيع سماعه". "يتم نقلي إلى سيارة واحدة". "إنهم يربتون علي قليلًا. إنهم يطلبون بطاقة الطالب الخاصة بي".

تم وضع سيد في الجزء الخلفي من سيارة شرطة الحرم الجامعي مع سيفالينغام. تم نقلهما إلى مركز شرطة الجامعة.

تم تجريد سيد من هاتفه ومفاتيحه وملابسه وحقيبة ظهره وسماعات AirPods ووضعه في زنزانة احتجاز. لم يقرأ له أحد حقوق قانون ميراندا الخاصة به. تم إخباره مرة أخرى بأنه محظور من الحرم الجامعي.

"هل هذا الإخلاء؟" سأل شرطة الحرم الجامعي. لم ترد الشرطة. طلب الاتصال بمحامٍ. قيل له إنه يمكنه الاتصال بمحامٍ عندما تكون الشرطة جاهزة.

يقول: "ربما ذكروا شيئًا عن التعدي على ممتلكات الغير لكنني لا أتذكر بوضوح". "بالتأكيد لم يكن واضحًا بالنسبة لي". طلب منه ملء استمارات حول صحته العقلية وإذا كان يتناول الدواء. ثم تم إبلاغه بأنه متهم "بالتعدي على ممتلكات الغير المتحدية".

أقول "أنا طالب، كيف يتم التعدي على ذلك؟" يقول: "أنا أذهب إلى المدرسة هنا". "لا يبدو أن لديهم إجابة جيدة". أكرر، وأسأل عما إذا كان حظري من الحرم الجامعي يشكل إخلاء، لأنني أعيش في الحرم الجامعي. يقولون فقط، "الحظر من الحرم الجامعي". قلت شيئًا كهذا لا يجيبون عن السؤال. يقولون إنه سيتم شرح كل شيء في الرسالة، "من يكتب الرسالة؟" "يجيبون "عميد مدرسة الدراسات العليا".

نضال مستحق

تم نقل سيد إلى مسكنه في الحرم الجامعي. لم تسمح له شرطة الحرم الجامعي بالحصول على مفاتيحه. تم منحه بضع دقائق للحصول على أشياء مثل شاحن هاتفه. لقد أغلقوا باب شقته. هو أيضًا يبحث عن مأوى في مقهى العالم الصغير.

غالبًا ستعود سيفالينغام إلى تاميل نادو في جنوب الهند، حيث وُلدت، لقضاء إجازاتها الصيفية. تقول؛ إن الفقر والنضال اليومي لمن حولها، من أجل البقاء على قيد الحياة، كان ذلك "مستحقًا".

تقول: "إن التفاوت في حياتي وحياتهم، وكيفية التوفيق بين وجود هذه الأشياء في نفس العالم"، وصوتها يرتجف مع العاطفة. "كان دائمًا غريبًا جدًا بالنسبة لي". أعتقد أن هذا هو المكان الذي يأتي منه الكثير من اهتمامي بمعالجة عدم المساواة، والقدرة على التفكير في الناس خارج الولايات المتحدة كبشر، كأشخاص يستحقون الحياة والكرامة ".

يجب أن تتكيف الآن مع نفيها من الحرم الجامعي.

هناك العديد من الفترات المخزية في التاريخ الأميركي. الإبادة الجماعية التي قمنا بها ضد الشعوب الأصلية. العبودية. القمع العنيف للحركة العمالية التي شهدت مقتل مئات العمال. الإعدام خارج القانون. جيم وجين كرو. فيتنام- العراق- أفغانستان- ليبيا.

الإبادة الجماعية في غزة، التي نموّلها وندعمها، ذات أبعاد وحشية لدرجة أنها ستحجز مكانًا بارزًا في مسلسل هذه الجرائم.

لن يكون التاريخ متسامحًا مع معظمنا. لكنه سيبارك هؤلاء الطلاب ويبجّلهم.

طريقك السريع إلى الغباء

 

طريقك السريع إلى الغباء




محمد إلهامي
باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية

الإقامة في مواقع التواصل الاجتماعي كالإقامة أمام القنوات التلفازية.. كلاهما تؤدي بك إلى الغباء وقلة الفهم والسطحية..

وذلك أنها كالمقاهي والنوادي ومجالس العامة، يريم عليها التسرع والنزق والقول ببادي الرأي.. بل هي مراتع الفارغين البطالين ممن لا يحسن أن يفعل شيئا في واقع الحياة! فيقيم ها هنا لكي يشير إلى نفسه، ويتابع معاركه وتفاهاته!

ونمو العقل حقا يكون بمعاشرة الأذكياء، والاستماع إلى الخبراء والمتخصصين، وكثرة المطالعة في كتب العلوم، أو حتى البرامج والوثائقيات العلمية، فكل ذلك يفتح للعقل وللنفس آفاقا كثيرة.

ولا يسلم من هذه الآفة حتى من كان ذكيا وكان من طلاب العلم.. فلكم رأيت من كان طالب علم، فما هو إلا أن يقيم في مواقع التواصل ويفضلها على غيرها حتى يظهر انحطاط في عقله ونزق في أسلوبه وتسرع في قوله!

ولا حول ولا قوة إلا بالله.