الجمعة، 30 يونيو 2023

روح الثورة التي غابت

روح الثورة التي غابت
فهمي هويدي
الأثنين،27 يناير 2014

لو أن عابرا أطل على مصر يوم السبت لظن أنها تحتفل بعودة نظام مبارك بأكثر من احتفالها بذكرى 25 يناير. ذلك أن المؤيدين سلطت عليهم كل الأضواء حين احتشدوا في ميدان التحرير. أما المعارضون فقد توزعت أعدادهم بين أقسام الشرطة وأقسام الطوارئ في المستشفيات، والأولون تصدروا الفضاء التلفزيوني، في حين أن الأخيرين لم نسمع أصواتهم إلا من خلال الفضاء الإلكتروني.
الأولون قضوا يومهم وهم مؤَمَّنون ومحروسون، حيث ظلوا يهتفون ويرددون الأغاني والزغاريد، ثم عادوا إلى بيوتهم مبتهجين.
 أما الآخرون فقد أمضوا يومهم ملاحقين ومطاردين، حيث ظلوا يركضون في الشوارع ويتجنبون الكمائن وطلقات الخرطوش، وأنهوه موزعين بين عربات الشرطة وأقسام الطوارئ في المستشفيات وبعضهم انتهى جثثا ملفوفة في ثلاجة المشرحة.
المعارضون الذين تظاهروا يوم السبت انضمت إليهم فئات من نوعية مختلفة. هكذا دلت عليهم مواقع التواصل الاجتماعي التي ظلت تتابعهم إلى ما بعد منتصف الليل.
 كانوا من جنس الذين احتضنهم ميدان التحرير قبل ثلاث سنوات، الذين اكتشفوا أن الميدان أغلق في وجوههم ورحب بآخرين احتضنتهم الشرطة والجيش. أمس بخلت عليهم صحف الصباح بأوصافهم الحقيقية، ونقلت عن بيانات الداخلية وصفهم بأنهم «مثيرو الشغب». متظاهرو الإخوان كانوا مهجوسين بجراحهم، أما تلك المجموعات الجديدة فقد خرجت تبحث عن الثورة أو ما تبقى منها.
الذي حدث قبل الاستفتاء على الدستور تكرر هذه المرة، حين انفتحت كل الآفاق للمؤيدين والمهللين أما الذين أرادوا أن يرفعوا أصواتهم ويقولوا لا فقد منعت ملصقاتهم. ومنهم من تم اقتياده إلى أقسام الشرطة تأديبا له وتهذيبا.
أمضيت الليل أتابع الطرفين، المؤيدين الذين ملأت صورهم الشاشات التلفزيونية، والمعارضين الذين لم يكن أمامهم سوى أن يبثوا أصواتهم عبر الفضاء الإلكتروني، رأيت في المشهدين بلدين مختلفين، وصورة تجسد عمق الانقسام وحدَّته بين الفرحين المهللين في ميدان التحرير، الذين تحمل إليهم الشرطة والجيش الأعلام والورود، وبين المطاردين في بعض أحياء القاهرة الأخرى، الذين ظلوا يلاحقون بالخرطوش وقنابل الغاز.
وحدها مواقع التواصل الاجتماعي نقلت ما تجاهله التلفزيون وسكتت عنه صحف الصباح. من هذه المواقع عرفنا أن اشتباكات عنيفة حدثت في بلدات ومناطق عدة، في المقدمة منها منطقتا المطرية والألف مسكن بالقاهرة، وأن الحد الأدنى للقتلى تجاوز خمسين شخصا، في حين أن أحد المواقع تحدث عن تسعين، أما الجرحى فقد ناهزوا الألف والمعتلقون زادوا عليهم قليلا، نقلت إلينا المواقع أيضا أن ثمة حاجة ملحة للتبرع بالدماء للمصابين في مستشفيات أحمد ماهر والقصر العيني والدمرداش والهلال.
 وأن مستشفى القصر العيني يناشد المواطنين سرعة التبرع بالدم ابتداء من التاسعة من صباح الأحد، نظرا لوجود عجز في الأكياس. علمنا أيضا أن الأمن بسط سيطرته على مستشفى أحمد ماهر، وأن المصابين الذين نقلوا إلى مستشفى إمبابة سلموا لأجهزة الأمن، وأن المستشفى الميداني بمنطقة الألف مسكن أعلن عن حاجته لأطباء جراحين في مختلف التخصصات، وأنه يعاني النقص في الأدوية والمستلزمات الطبية، رأينا أيضا صورة بثتها وكالة رويترز لأحد الضباط يطلق الرصاص المطاطي على المتظاهرين. كما قرأنا شكوى أحد المحامين الحقوقيين من أنه تعرض للضرب والتهديد بالاعتقال حين ذهب إلى قسم المعادي ليستفسر عن الثوار الذين تم اعتقالهم بعدما خرجوا في مسيرة معارضة.
وكان هناك نداء للمحامين المعروفين ناشدهم التوجه إلى قسم قصر النيل للتعرف على أوضاع المعتقلين فيه، لأن المحامين المغمورين يلقون معاملة سيئة ويهددون بالاعتقال.
 ومع هذه الرسائل بيان لجبهة الدفاع عن المعتقلين تحدث عن سوء معاملة المحامين وبيان آخر لبعض المنظمات الحقوقية أدان الإرهاب.
وانتقد الإفراط في استعمال العنف من جانب الشرطة، ونداءات تبحث عن أشخاص مفقودين، وتعليق لأحدهم قال إن الثوار هزموا اليوم (25 يناير 2014) في موقعة الجمل التي رتبها أنصار نظام مبارك في 2 فبراير عام 2011.
ونقلت بوابة «الشروق» عن دبلوماسي غربي قوله إننا أبلغنا أصدقاءنا في الخارجية المصرية بأن سياسات الحكومة تضع الذين يريدون الدفاع عنها في موقف صعب.
وروى آخرون أنهم كانوا يشترون صور الفريق السيسي لكي يسلموا من اعتداءات أنصاره.
وعلق على ذلك أحدهم قائلا إنه في هذه الحالة كان يتعين على باعة الصور أن يعلنوا عنها قائلين: اشتر عمرك بعشرة جنيهات (ثمن الصورة الملونة).
ما يحير في الأمر أن السلطة المصرية كان يمكن أن تتجنب الفضيحة لو أنها تصرفت على نحو آخر أكثر تسامحا وسعة في الصدر. لو أنها مثلا سمحت للمؤيدين والمعارضين بأن يعلنوا مواقفهم وأن تشترط عليهم فقط أن يخرجوا في مسيرات سلمية، وألا يقترب كل منهما من الآخر. وفي هذه الحالة ستعرف أحجام كل طرف، وسيطمئن كل من يهمه الأمر إلى أن مؤيدي السيسي أكثر من معارضيه. في الوقت ذاته فإن الصورة المسيئة التي شاهدها القاصي والداني سوف تحل محلها صورة أخرى أكثر احتراما وإشراقا. 
لكنني أخشى أن يكون ما جرى عودة إلى الطبع القديم. وخشيتي الكبرى أن يكون الأداء الأمني في 25 يناير نموذجا للسياسة المتبعة في العام الجديد في ظل النظام الجديد.
 الأمر الذي يعني أننا «نتقدم» بسرعة إلى الوراء، بقدر ما يعني أن نظام مبارك أثبت حضوره وأن روح الثورة على نظامه كانت الغائب الأكبر في المناسبة.

فوق السلطة 343

 فوق السلطة 343 



فوق السلطة.. إبراهيم عيسى يقترح نقل المدارس إلى المساجد ويوسف زيدان يجدد إساءته للأقصى ومحرره

رصدت حلقة (2023/6/30) من برنامج “فوق السلطة” عودة المصريَيْن الكاتب إبراهيم عيسى والأستاذ الجامعي يوسف زيدان إلى الواجهة عبر طرح آراء مثيرة للجدل والاستنكار.

وخلال مشاركته في أحد البرامج التلفزيونية قدّم إبراهيم عيسى مقترحا باستغلال المساجد في مصر دون غيرها كمقرات للمدارس، بهدف تعويض نقص المباني الذي تشكو منه وزارة التربية والتعليم.

وقال عيسى "عندنا 150 ألف جامع نحولها مدارس من صلاة الصبح (الفجر)، نشوف بتخلص إمتى وتبدأ الدراسة لغاية صلاة العصر، وتبقى الفسحة وقت صلاة الظهر، والمرواح (الانصراف من المدرسة) مع صلاة العصر، ونبقى كسبنا 150 ألف مبنى".

فيما عاد يوسف زيدان المعروف بتحريضه على نصوص دينية وتزوير التاريخ الإسلامي إلى مربع الجدل من خلال تجديد مواقفه السلبية تجاه المسجد الأقصى في فلسطين ومحرره الناصر صلاح الدين.

وجدد زيدان خلال مشاركته كضيف في أحد البرامج التلفزيونية إنكاره وجود المسجد الأقصى المبارك في فلسطين، زاعما أن مكانه في منطقة بين مكة والطائف، كما أظهر حقده الشديد تجاه محرر القدس صلاح الدين الأيوبي بوصفه أنه من "أحقر الشخصيات" في التاريخ.

وكان اتحاد كتّاب مصر قد أحال زيدان العام الماضي إلى التحقيق بشبهة الترويج للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي بعد إعلانه عزمه إلقاء محاضرة في تل أبيب، كما أفادت تقارير إعلامية بسرقته الأدبية لرواية إنجليزية، فبعد أن تم إعلان فوز روايته "عزازيل" عام 2009 بجائزة البوكر للرواية العربية اكتشف الجمهور أن مؤلفها يوسف زيدان سرق الكثير منها من رواية إنجليزية نشرت عام 1853 للكاتب تشارلز كنغزلي بعنوان "هيباتيا".

وإضافة إلى ذلك تناولت حلقة برنامج "فوق السلطة" المواضيع التالية:

– فاغنر تتمرد وبوتين يتسامح حقنا لدماء الروس وطائراتهم تقصف المدنيين في سوريا.

– البيت الأبيض يستقبل مودي استقبال النجوم، والصحافة الأميركية تصفه بمقوض الديمقراطية.

– الهلالي يدعو لاستبدال الدجاج والأرانب بالأضاحي ومفتي مصر يرد عليه.

– رئيس سويسرا قرر اعتزال الرئاسة والتفرغ لممارسة اليوغا.

غرق قارب المهاجرين غير النظاميين في البحر الأبيض المتوسط

غرق قارب المهاجرين غير النظاميين في البحر الأبيض المتوسط

عيدٌ بأيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ *** بما مضى أَمْ بأمرٍ فيكَ تجديدُ

تم انتشال جثث 82 شخصًا من قارب المهاجرين الذي غرق بالقرب من جزيرة “بيلوبونيز” اليونانية في 14 يونيو/حزيران، والذي كان على متنه 750 شخصًا. وقد تمكن 100 شخص من النجاة وتم إخراجهم أحياء على أيدي فرق الإنقاذ بفضل جهودهم المكثفة، ولا يزال مصير الآخرين مجهولًا. والحقيقة المُرّة في مثل هذه الحوادث أن أصحاب هذا المصير المجهول سيبقون مجهولين، ولن يتم انتشال جثثهم أبدًا وستتلاشى في المياه الباردة والعميقة. وربما يستمر الأمر أيامًا عدة أخرى ثم ينقطع الأمل في إيجادهم ومن ثم تتوقف أعمال البحث عنهم. ولكن سيبقى الشوق والحزن والألم العميق هو ذكراهم في قلوب أقاربهم، إلا أن العالم سرعان ما سينساهم ولن يُمثلوا له أي شيء فيما بعد.

بالوفاء كنا وكانوا *** وبالمواقف البسيطة بانوا

وفي هذه الأيام المباركة، يمكن للمرء المنصف أن يتساءل: وهل هؤلاء الـ750 هم مَن سيضحي بهم العالم الإسلامي؟ وإلى أين يتقرب بهذه الأضاحي؟ ومن المسؤول عن ذلك؟ ومن سيدفع الثمن؟ ولمن سيدفع؟

وإنه لأمر مُخزٍ أن يكون هؤلاء الأشخاص الذين خاطروا بحياتهم وتجمعوا على متن قوارب مهترئة وهم يعلمون أنهم مقبلون على موت محقق، كل هؤلاء خرجوا فارّين من دول العالم الإسلامي التي تلاشي فيها أثر الشريعة الإسلامية، فلا أثر لعدالة الإسلام أو رحمته أو نظامه. وهناك فقط قادة وملوك وأمراء وزعماء وإلى جانبهم علماء وشيوخ وأصحاب الفتاوى، لكن الجميع بعيدون عن حقيقة الإسلام.

هؤلاء الضحايا يهاجرون فرارًا من تلك الدول في رحلة موت وهم يأملون حياة أفضل، لأنهم لم يكن أمامهم سوى خيارين: إما التعذيب في سجون بلادهم والموت داخلها أو البقاء في معاناة مع حياة بائسة مليئة بالفساد، وإما الفرار والمخاطرة بحياتهم إلى حيث يرجون حياة عادلة ومعاملة أفضل.

وهذا العالم الذي يرجو المهاجرون أن يجدوا فيه حياة أفضل ومعاملة أكثر إنسانية وبيئة أكثر احترامًا للكرامة الإنسانية، تراه يسـتقبلهم في أولى محطاتهم بمعاملة أكثر إثارة للاشمئزاز واللاإنسانية والإذلال.

والحقيقة أن هذا هو الوضع الذي يواجهه عادة المسافرون في رحلة الأمل، إذ تتناثر أشلاء جثث المهاجرين غير النظاميين في مياه البحر الأبيض المتوسط. وهناك قبالة سواحل صفاقس التونسية حيث يعمل الصياد التونسي أسامة الدبيبي، نرى فظاعة الموقف حين يروي لنا عن مدى الرعب ويقول “في كل مرة أسحب شبكة الصيد من الماء أنتظر بعينين مليئتين بالأمل من ناحية والقلق من ناحية أخرى، لأننا في كل مرة نخرج لصيد السمك لا تخرج لنا الأسماك أحيانًا بل تُخرج الشباك بعض الجثث. ومع الأسف أننا اعتدنا على ذلك بعد فترة، فصار إخراج جثث الناس لا يختلف عن إخراج الأسماك”.

يكمل الدبيبي روايته، ويذكر أنه خلال 3 أيام فقط انتشل 15 جثة. وقد أصبح هذا أمرًا اعتياديًّا إلى درجة أنه صار يشعر بارتياح نفسي غريب فقط في الأيام التي يكون فيها الطقس غائمًا أو غير مستقر، لأن قوارب المهاجرين لا تبحر في مثل تلك الأيام، وهذا يجعله يشعر بالسعادة لأنه لن يجمع الجثث في ذلك اليوم.

وفي أي يوم من أيام العصر الحاضر، كل شخص معرَّض لأن يصبح لاجئًا أو طالبًا للجوء لسبب أو لآخر، فالظروف غير الصالحة للحياة في مكان ما يمكن أن تجبر الناس على الهجرة، ولذلك فإن اللجوء حق من حقوق الإنسان، وهذا الحق الإنساني قد نال اعترافًا عالميًّا وصار يوم 20 يونيو/حزيران هو اليوم العالمي للاجئين.

وبالطبع فإن الأَولى هو السعي لمعالجة الظروف التي تجبر الناس في مكان ما على الفرار والبحث عن ملجأ، ولكن إذا تعسَّرت المساعي ولم نتمكن من تصحيح تلك الظروف، فلا أقلَّ من تحمُّل المسؤولية الإنسانية واتباع أسلوب أكثر إنسانية تجاه هؤلاء الفارّين طالبي اللجوء.

ومما يدعو إلى الحسرة أن المكان الذي يقصده اللاجئون في بحثهم عن حياة أكثر إنسانية وازدهارًا لا يرقى إلى مستوى المسؤولية والأمل الذي خرج وراءه المهاجرون، فيعاملهم منذ اللحظة الأولى بأسوأ مما تركوه خلفهم.

وقد تبيَّن في حادثة الغرق الأخيرة أن القارب الذي كان يحمل المهاجرين غير النظاميين بالكاد تحرك لمدة سبع ساعات فقط قبل غرقه. وعلى الطرف الآخر، خفر السواحل اليوناني الذين اعتادوا في هذه الحالات على استخدام تكتيكات متعمَّدة تجعل القوارب التي تحمل مهاجرين غير قادرة على المناورة، مما يزيد من معدلات وقوع مثل هذه الكوارث. وبعبارة أخرى، فإن الأمر لا يتعلق بغرق القوارب من تلقاء نفسها بل إن هناك تعمُّدًا لإغراقها، فمن الواضح أنها جريمة تحدث مع سبق الإصرار ضد الإنسانية على أبواب أوربا. ومما يؤكد ذلك أيضًا أن التحقيقات التي فتحها مكتب المدعي العام اليوناني في قضايا مماثلة من قبل قد انتهت جميعها لصالح خفر السواحل اليوناني، في محاولة يائسة لتبرئة اليونان رغم تورطها ومخالفتها لكل القوانين.

والحقيقة أن بقايا قوارب المهاجرين الغارقة تكشف عن حطام الوجه الحقيقي لأوربا. ومع غرق كل قارب للمهاجرين، تغرق معه أحلام أوربا والمكالبة بإدانتها، ويظهر الوجه الآخر لهذا الغرق في التناقض الواضح بين الموقف العالمي غير المبالي بمئات الأشخاص الذين لقوا حتفهم في حادثة غرق القارب، في مقابل الاهتمام المفرط بالأشخاص الخمسة الذين فُقدوا في حادث انفجار غواصة تيتان، وهذه المفارقة هي في الواقع تحذير شديد للجميع.

ولكن بغض النظر عن محاولات تبرئة أوربا وتبرير سلوكها، من الضروري استيعاب الأسباب التي تجبر هؤلاء المهاجرين على القيام بهذه الرحلات الصعبة والمحفوفة بالأخطار، إذ يجب النظر إلى الظروف التي دفعتهم -وغالبيتهم من دول إسلامية- إلى الفرار من بلادهم. لماذا تعيش الدول الإسلامية في ظروف تضطر مواطنيها إلى البحث عن السلام والخبز والحرّية والكرامة في بلدان أخرى؟

على جدول الأعمال

ومن الضروري أن يكون لهذه القضية مكانة خاصة في جدول أعمال منظمة التعاون الإسلامي، فمشكلة المهاجرين ليست مشكلة أوربية فقط، فالحقيقة أن حكام وزعماء الدول التي ينتمي إليها المهاجرون لديهم علاقات تعاون مع دولة أوربية أو أكثر إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الوقت نفسه يجعلون بلدانهم غير صالحة للعيش وطاردة لمواطنيها، ولكن المهم الآن اتخاذ مبادرة جديدة لحل هذه المشكلة.

ونرجو في عيد الأضحى أن ننتقل إلى التضحيات التي من شأنها أن تُقرّب الناس حقًّا من بعضهم بعضًا، وتُقرّبهم إلى الله وإلى الحياة الحقيقية، ونأمل ألا تكون التضحية بالناس بوسائل تدفعهم إلى سراب لا جدوى منه يودي بحياتهم، ومن واجبات منظمة التعاون الإسلامي أن تجعل هذه المسألة على رأس القضايا التي تهتم بها.

المصدر : الجزيرة مباشر

الخميس، 29 يونيو 2023

30 يونيو … مليون كذبة

 30 يونيو … مليون كذبة

وائل قنديل


انقضت عشر سنوات كاملة منذ تلك النزوة الثورية المسكونة بكل نوازع الانتهازية السياسية لطيف واسع من المعارضات المصرية. ينبغي أن تكون توقيتًا مناسبًا للمراجعة بشيء من الجدّية والنزاهة، سيما وأن النتائج كارثية، بإجماع كل الأطراف. هي عشريةٌ سوداء، بنظر السواد الأعظم من الجماهير، وبكل الاعتبارات والمقاييس الموضوعية، تغرق فيها مصر منذ الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013 على مختلف الأصعدة، دفعت فيها مصر أثمانًا باهظة لتلك الأكذوبة النخبوية المدمّرة التي روّجها معارضون فاشلون، وتقول إن من الممكن التحالف مع المؤسّسة العسكرية لإزاحة فصيل سياسي بالقوة (الإخوان المسلمين)، وتثبيت بديل له، يطلق على نفسه التيار المدني الديمقراطي.

تفرّعت عن تلك الأكذوبة الأساس ملايين الأكاذيب، اتّخذت صفة القداسة، بحجّة أن كل الأسلحة مشروعة، بما فيها الافتراء والكذب، من أجل إسقاط الرئيس القادم من جماعة الإخوان، حتى يمكن الادّعاء إن عدد الأكاذيب التي راجت خلال هذه العشرية فاق عدد الذين أخرجهم تحالف الجيش والشرطة ومعارضة سلمت نفسها لهما.

من بين تلك الأكاذيب الزعم إن "الإخوان" قوة سياسية جبّارة، لا تقلّ في قوتها عن المؤسّسة العسكرية. وبناء عليه، لا سبيل لمنازلتها بالسياسة، وأن السبيل الوحيد هو اللجوء إلى الجيش، لكي يسقطها من أجل عيون تلك القوى المدنية ... ها هي الأحداث أظهرت أن هذه الجماعة من الهشاشة ما يسمح بمنازلتها، بل والتفوّق عليها سياسيًا، بشيء من التنظيم والقدرة على إنتاج خطاب سياسي محترم، ينطلق من مرتكزات الثورة المصرية 2011، ولا يرهن نفسه لثورة مضادّة تمتطيه.

بعد عشر سنوات من البؤس السياسي، يطرح الحقوقي المصري، بهيّ الدين حسن، ما يصفه بأنه سؤال عابر، يصيغه على النحو الآتي: علي ضوء 10 سنوات من الحصاد الاقتصادي والسياسي والانساني المرّ؛ لو عاد الزمن للوراء إلى 30 يونيو 2013، هل يقرّر التيار المدني من أبناء انتفاضة 25 يناير التحالف مع الجيش والأجهزة الأمنية لإطاحة الإخوان المسلمين، أم يخوضون صراعا سياسيا مدنيا لتحقيق برنامجهم؟. يعيدني هذا السؤال إلى مقال كتبته في 28 يونيو/ حزيران 2013، ونشرته تحت عنوان"الجيش ليس فتوّة الحارة"، أعيد نشره الآن، محاولًة للإجابة عن سؤال تأخّر طرحه عشر سنوات:

المؤيدون والمعارضون يهينون الثورة، ويبتذلون أنفسهم ويبتذلون الجيش نفسه أيضا عندما يتعلقون بطرف ثوبه ويتشبثون برباط البيادة، طالبين منه أن يخوض لهما معركتهما السياسية.. كلاهما ينقلب على ثورته، ويدير ظهره للديمقراطية، ويخاصم أبسط قيم الدولة العصرية الحديثة، حينما يتعامل مع الجيش وكأنه فتوّة الحارة الذى يخطبون ودّه، ويتعلقون بقوته كالأطفال الخائبين، كى يهزم لهما الخصم ويمحو وجوده على أرض الحارة. 

إن عواجيز السياسة وعجزتها ممن صدّعوا رؤوسنا بقيم الدولة المدنية العصرية الديمقراطية هم أول من يلحسون ما روّجوا له وبشّروا به من أفكار باعوها للمواطنين باعتبارها المنقذ لمصر من الاستبداد والشمولية للدخول فى عصر الدول الحديثة، وقد رأيناهم عراةً من أي قيمة، حين تحوّلوا إلى مجرد أبواق تهتف، وأكفّ تصفق لمهزلة جمع توكيلات لوزير الدفاع لكى يتولى السلطة من رئيسٍ جاء إلى الحكم عبر انتخاباتٍ اعتبرتها العسكريون الذين حكموا البلاد عقب الثورة أهم إنجازاتهم السياسية على الإطلاق. 

ورأينا من كانوا يهتفون بسقوط العسكر ويتهمونهم بالتحالف مع الأخوان، يتسوّلون انقلابا من الجيش ويحرّضون عليه، ويثيرون الفتن ويسمّمون المناخ بالشائعات والتسريبات من أجل صناعة صدام بين المؤسّسة العسكرية ومؤسّسة الرئاسة.

ومرّة أخرى يخطئ من يتوّهمون القدرة على إزاحة رئيس جاء إلى الحكم من خلال عملية سياسية، بعملية قرصنة أو تحريضٍ للمؤسّسة العسكرية على الانقلاب عليه، فمن شأن ذلك أن يفتح أبواب جحيم سياسي لن يقوى أحد على السيطرة عليه قبل عقود من الزمن ... ويخطئ هؤلاء أكثر إذا تصوّروا أن أحدا سيصدّق أنهم جادّون فى السعى لتولي شؤون الحكم، بينما هم أول من يكرّس وجود النظام الحالي، ويثبت دعائمه بفرارهم المستمر من السياسة، والقفز في بحيرات العبث. غير أن حالة التعلّق بطرف جلباب الجيش ليس حكرا على المعارضة العجوز الهاربة من استحقاقات الديمقراطية، إذ يسلُك قطاعٌ من مؤيدي شرعية الرئيس على النحو ذاته، واقعين فى الخطأ نفسه الذى يحوّل الجيش المصرى من كونه واحدة من مؤسّسات الدولة التى تحترم دستورها ونظامها السياسى إلى القوي الشجاع الذى يتمنّون أن ينصرهم على خصومهم.

وكلا الطرفين، للأسف الشديد، يرتكب الحماقة ذاتها، ويرتدّ عن قيم الديمقراطية والدولة المدنية، ويتملّص من مبادئ الثورة، متجاهلين أن مصر دولة لها جيش عصري محترم، وليست جيشا له دولة. 

مرّة أخرى: دعوا العبث وابدأوا حياة سياسية جادّة، هذا أفضل لكم .. وارحموا مصر وجيشها من جحيم إن انفتح فلن يتمكّن من إغلاقه أحد.





الزعيم اللئيم والصعلوك الكريم (8)

 الزعيم اللئيم والصعلوك الكريم (8)

أحمد عبد العزيز 

لا نزال نستعرض معا (عزيزي القارئ) محاضر الاجتماعات التي ضمت عددا من قيادات الصف الأول في جماعة الإخوان المسلمين برئاسة ضابط الشرطة صلاح شادي، وعددا من قيادات تنظيم "الضباط الأحرار" بقيادة البكباشي (المقدم) جمال عبد الناصر..

انعقدت هذه الاجتماعات على مدى عشرة أيام، وسجلها المستشار حسن العشماوي (من قيادات الإخوان) في كتابه "الأيام الحاسمة وحصادها"..

أما اجتماعات الأيام الثلاثة الأُوَل، فقد سبقت يوم 23 تموز/ يوليو 1952 (يوم وقوع الانقلاب على الملك فاروق)، وانعقدت في منزل "عبد القادر" القيادي في الإخوان، وهو ليس المستشار عبد القادر عودة (الذي أعدمه عبد الناصر في سنة 1954)..

وأما اجتماعات الأيام الثلاثة التالية، فانعقدت على النحو التالي:

اليوم الأول (يوم 23 تموز/ يوليو 1952- يوم الانقلاب).. انعقد هذا الاجتماع في مكتب جمال عبد الناصر، بمقر قيادة الجيش، واقتصر على المستشار حسن العشماوي (كاتب المحاضر) والبكباشي جمال عبد الناصر، وفيه بدأت تتكشف نوايا عبد الناصر بشأن الحكم..

اليوم الثاني (26 تموز/ يوليو 1952).. كان هذا الاجتماع كسابقه.. اقتصر على العشماوي وعبد الناصر، وانعقد في مكتب عبد الناصر، بمقر قيادة الجيش، وفي هذا الاجتماع أدرك العشماوي الوضع الهش (أو الصوري) للواء محمد نجيب، إذ لم يسمح له عبد الناصر بالاجتماع منفردا مع أحد..

اليوم الثالث (27 تموز/ يوليو 1952).. وانعقد هذا الاجتماع في شقة قريبة من مقر قيادة الجيش، وضم من الإخوان المسلمين: المرشد العام المستشار حسن الهضيبي، منير الدلة، صالح أبو رقيق، حسن العشماوي، عبد القادر، ومن الضباط الأحرار: جمال عبد الناصر فقط!

في هذا الاجتماع (المفصلي والكاشف) أنكر عبد الناصر أن يكون قد اتفق مع قيادات الإخوان على شيء! وبالمقابل، لقَّنَه المستشار الهضيبي دروسا في الشريعة، والأخلاق، والسياسة، وإدارة الدولة.. وقد أنبأ هذا الاجتماع عما ستؤول إليه العلاقة بين عبد الناصر والإخوان، وقد كانت علاقة "دموية" بامتياز، اتسمت بالتشويه، والتحقير، والكذب، والبهتان من جانب عبد الناصر، وكل مؤسسات الدولة التي تم تسخيرها في الحرب على الإخوان.

وقد استعرضنا معا (عزيزي القارئ) محاضر اجتماعات هذه الأيام الستة، في الحلقات السابقة..

في هذه الحلقة وما بعدها، نستعرض محاضر الأيام الأربعة المتبقية من الأيام العشرة الحاسمة التي كانت فاصلا أبديا بين مصر التي كانت، ومصر التي أصبحت تحت الحكم المباشر للعسكر إلى يوم الناس هذا..

في اليوم الأول من هذه الأيام الأربعة، اقتصر الاجتماع في إدارة الجيش على جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر من الضباط، وحسن العشماوي من الإخوان..

بدأ هذا الاجتماع بتحفظ من العشماوي على تولي العسكر السلطة، بعد أن قال له عبد الناصر: "لم نجد بدّا من اختيار نجيب رئيسا للوزارة، على أن يكون سليمان حافظ نائبا له، ولعلك تقدر كل هذه الظروف، وآمل أن يقدرها المستشار [الهضيبي] أيضا".

أثناء هذا الاجتماع، حدثت مشادة كلامية بين يوسف صِدِّيق (ضابط شيوعي) والعشماوي، بعد أن تكلم صِدِّيق (الذي دخل الغرفة لأمر ما) بأسلوب غير لائق عن الإخوان المسلمين، وفكرتهم! فقد وصفهم (في استعلاء) بالأغبياء، وأنهم لا يصلحون لهذا العصر.. الجدير بالذكر أن صِدِّيق هذا كان أول الضباط الذين تخلص منهم عبد الناصر!

في هذا الاجتماع، حاول عبد الناصر استمالة العشماوي، فعرض عليه منصب وزير، ثم منصب سفير، في الجلسة نفسها، ولكن العشماوي رفض، الأمر الذي أثار دهشة عبد الناصر..

طلب عبد الناصر إلى عبد الحكيم عامر، في هذا الاجتماع، الاتصال بالمستشار الهضيبي؛ لاستطلاع رأيه بشأن اشتراك الإخوان في الحكومة الجديدة..

قال الهضيبي لعامر: أرى عدم اشتراك الإخوان في هذه الحكومة؛ لأن نظام الحكم لا يقوم على أساس دستوري، غير أن القرار النهائي يبقى لمكتب الإرشاد.. (لم يوافق مكتب الإرشاد على الاشتراك في الحكومة).

فلنتابع ما جرى في صباح هذا اليوم..

"أربعة أيام أُخَر"

اليوم الأول 7 أيلول/ سبتمبر سنة 1952

(1) في الصباح

(صباح يوم 7 أيلول/ سبتمبر 1952، غرفة الاجتماعات في إدارة الجيش بمنشية البكري، جمال [عبد الناصر] وعبد الحكيم [عامر] وحسن [العشماوي – كاتب المحاضر] يجلسون معا يتحدثون.. بعض الضباط يروحون ويجيئون في الغرفة، يدخلون إليها ويخرجون منها.. يتحدثون.. الجو مشحون بتوتر لا يخلو من نشوة في نفوس الضباط، ولا يبدو أثره على حسن).

- جمال (كأنما يتم حديثا): .. وهكذا لم نجد بدّا من اختيار نجيب رئيسا للوزارة، على أن يكون سليمان حافظ نائبا له، ولعلك تقدر كل هذه الظروف، وآمل أن يقدرها المستشار [الهضيبي] أيضا.

- حسن [العشماوي]: هناك أمران يستحقان التحفظ؛ أولهما بدء دخول العسكريين الحكم في شخص نجيب.

- جمال: إنه مجرد رمز تلتقي عنده الوزارة.

- حسن: كان يمكن أن يشغل سليمان [حافظ] المنصب رأسا.

- جمال: لقد رفض.. هو الذي أصر على أن يرأس نجيب الوزارة؛ لتكون أكثر قوة وأكثر شعبية.

- حسن: تقصد ليصبح العسكريون سندا لها.

- جمال: فليكن.. ما المانع من ذلك؟ على كُلٍّ.. ما تحفظك الثاني؟

- حسن: مسألة الاعتقال الذي تم الليلة.. فأنت تعلم...

- عبد الحكيم (مقاطعا): إنه أمر كان لا بد منه.. هل تتصور أن فؤاد سراج الدين [وزير الداخلية] حين اعتقل كان في غرفة مكتبه لا يزال يعمل؟ يكتب مذكرات في الثالثة صباحا؟!

- حسن: وهل العمل جريمة؟ هل ستعتقلون كل من يعمل؟ وهل تتركون البلد للكسالى؟

- جمال: لا يا حسن.. لم يقصد عبد الحكيم هذا.. ولكن فؤاد كان ضد الإصلاح الزراعي، ونحن ننوي السير فيه.. إنه يرى الاكتفاء بالضرائب التصاعدية.

- حسن: وهل ستعتقلون كل من ليس من رأيكم؟

- جمال: إنه إجراء وقائي مؤقت بمناسبة الوزارة.. لقد وافق عليه سليمان حافظ.. هل أنت أكثر حرصا على القانون منه؟

- حسن: لا شأن لي بموافقة سليمان، ومدى حرصه على القانون.. إذا قلت إنه إجراء مؤقت، قد فهمنا.. ولكن إياك أن تحارب الرأي بالاعتقال.. ستزول أنت ويبقى الرأي.

- جمال: ثق أنه إجراء مؤقت.. وسيُفرج عنهم، إلا من يثبت ضده شيء.. ولكن الغريب أن تدافع عمن يخالفونك في المبدأ.. عن أعدائكم السياسيين!

- حسن: أنا أدافع عن حرية الرأي وكرامة الناس.. إنهم ليسوا أعدائي، بل هم أصدقاء ما داموا يسمحون لي أن أفكر، وأعبر عن فكري.. وسأدافع عن حقهم في التعبير عن رأيهم.. وليختار الشعب بعد ذلك من يشاء.

- عبد الحكيم (باسما): ما رأيك أننا كنا ننوي اعتقال بعض الإخوان؟

- جمال: لا تقلها..

- حسن: بل دعه يقولها.. فإني أرفض الاعتقال ذاته، للإخوان أو غيرهم.

- جمال (في تخابث): هل تعبر في قولك عن رأي المستشار [الهضيبي]؟

- حسن: أنا أعبر عن رأيي.. ولكني واثق أن المستشار من ذات الرأي.

- جمال: إذن، ما رأيه في دخول بعض الإخوان الوزارة.. إنها الهيئة [الإخوان المسلمون] التي لم تُلوَّث في الماضي.. ودخولها الوزارة يفيدنا.

- حسن: اسأله إن شئت [يقصد: اسأل المستشار الهضيبي- المرشد العام].

- جمال: لقد رأينا أن يدخل الوزارة ثلاثة من الإخوان، فساعدني على إقناع المستشار بقبول هذا.. وقد اخترنا اثنين، وتركنا لكم اختيار الثالث.

- حسن (ساخرا): ما أوسع الاختيارات التي تركتها لنا.. ومن اخترتم يا ترى؟

- جمال: أنت والشيخ الباقوري.

- حسن (جادا): لست أدري إلى أي حد تسمح صلتك بالباقوري أن ترشحه أنت، ولكن أنا.. لا.. ليس لك أن ترشحني.. إن من يمثلون الإخوان في الوزارة، لا يملك ترشيحهم غير الإخوان.

- جمال (في نبرة عتاب): أنت أقرب صلة بي من الباقوري وغيره.. ولذلك رشحتك، وأنا على بيّنة أن المستشار سيوافق.

- حسن: هو الذي يرشح لا أنت.. وعلى كُلٍّ، قم، واتصل به تلفونيا، واسأله عن المبدأ.

- جمال: ألا تكلمه أنت؟

- حسن: لا.. أنت وعبد الحكيم، فالعرض منكم.

- جمال: ولكن حديثك يساعدنا.

- حسن: بل أنتم تعرضون، وأنا لي رأيي حين ألقاه.

- جمال: فليكن.. قم كلّمه يا عبد الحكيم.

(يقوم عبد الحكيم إلى تلفون قريب في الغرفة؛ ليتحدث فيه، بينما استمر الحديث بين جمال وحسن)

- جمال: ما رأيك في اشتراك الإخوان في الوزارة؟

- حسن: سأقول لهم رأيي مباشرة.

- جمال: وفي دخولك أنت شخصيا؟

- حسن: إن هيئة الإخوان هي أساس الصلة بيني وبينك، لن أفكر في الدخول إلا بترشيحها، وأرجو ألا تقبل.

- جمال: دخولكم كأفراد (لا هيئة) أنسب لنا جميعا.. أنت لا تدري ما لقيت من مشقة في إقناع زملائي بدخول بعضكم!

- حسن (ساخرا): كنتَ في غنى عن هذه المشقة.

- جمال: انتظر لحظة.. (يشير إلى أحد الضباط المارين في الغرفة ويسأله) تعال يا يوسف قل لي: ما رأيك في دخول الإخوان الوزارة الجديدة؟

- يوسف [صِدِّيق]: قلت لك إنها فكرة خاطئة يا جمال كف عنها.. إنهم أغبياء، لا يصلحون لهذا العصر.

- جمال (في ابتسامة): نسيت أن أقدم كلا منكما إلى الآخر.. (مشيرا إلى الضابط) البكباشي يوسف صديق عضو مجلس قيادة الثورة.. (مشيرا إلى حسن) حسن العشماوي.. من الإخوان.

- يوسف: تشرفنا.. يقول جمال إنك لست غبيا كالآخرين.. ولكنك صغير السن جدا فيما يبدو..

- جمال: هذا كلام سليمان حافظ يكرره يوسف.

- حسن (مخاطبا يوسف): أرجو ألا تحكم على قوم لا تعرفهم.. ربما سمحت ظروفك يوما أن تتعرف بهم، وعند ذلك ستغير رأيك.

- يوسف: أغير رأيي فيهم؟! مستحيل!

- حسن (مقاطعا): مستحيل سلفا.. يا لتمسكك بالحتمية!

- يوسف: لا داعي لمجادلتي.. فكلهم سخيف، سيطلبون إقفال البنوك، وقطع يد الفقراء، وتخريب البلاد اقتصاديا.

- حسن (في حدة): كفى تشويها.. تحدث موضوعيا إن شئت أو انصرف عني.

- يوسف (في غضب): كيف تجرؤ أن تكلمني بهذه اللهجة؟

- جمال (متدخلا): هذه طريقة حسن في الكلام يا يوسف، فلا تغضب.. إنما أردت التعارف بينكما فحسب.

- يوسف: هل ستطبقون النظام الشيوعي؟

- حسن: لا طبعا.

- جمال (متدخلا): كفى نقاشا.. فهذا أمر يطول بينكما.. أجِّلاه إلى يوم آخر.

- يوسف: سأراك يوما في فراغ.

- حسن: إن شاء الله.

(ينصرف يوسف، ويعود عبد الحكيم إلى مجلسه)

- عبد الحكيم: لم أفهم..

- حسن (مبتسما): طبعا..

- جمال: ماذا قال لك؟

- عبد الحكيم: شكرنا على الفكرة.. قال إنه لا يريد البت فيها وحده، ويترك ذلك لمكتب الإرشاد الذي سيجمعه اليوم؛ ليعرض عليه الموضوع، فسألته وإذا وافق المكتب؟ فأجاب بأنه لا يوافق على ترشيح حسن [العشماوي]، ويمكن التفكير في أربعة: الباقوري [أحمد حسن]، ومنير [الدَّلة]، وعبد القادر عودة [القاضي]، وسيد قطب [صاحب في ظلال القرآن]، إلى هنا والكلام يبدو مفهوما.. ولكنه أضاف، أنه شخصيا يفضل أن يدخل الوزارة بعض أصدقاء الإخوان بالتفاهم معنا.. وأن يُترك الإخوان الآن وشأنهم في تربية الشباب بعيدا عن الحكم، إلى أن يقوم حكم دستوري.. ثم أضاف، أما الآن، فالبركة فيكم.. فهل فهمتم شيئا؟

- حسن: لعلي فهمت!

- جمال: ولكن كيف يرفض ترشيح حسن وكنت أظنه أقرب الناس إليه؟

- عبد الحكيم: سألته، فقال إنه صغير السن.

- جمال: ذات كلام سليمان حافظ... هل اتفقا على هذا الكلام؟

- عبد الحكيم: لا أظن أن سليمان حافظ اتصل به.. فنحن لم نكلفه بذلك.. على كُلٍّ سأذهب وأسأله.

(يخرج عبد الحكيم، يستمر الحديث بين جمال وحسن)

- جمال: ماذا يقصد المستشار [الهضيبي] من كلامه؟

- حسن: يقصد أولا.. أن يترك القرار لمكتب الإرشاد، ويقصد ثانيا.. أن يتجنب الإخوان الحكم في نظام غير دستوري.. ويقصد ثالثا.. أن البركة فيك يا جمال (يبتسم ساخرا).

- جمال: إنه يقول البركة فيكم!

- حسن: إنها مجاملة لعبد الحكيم.. وعلى كُلٍّ فعبد الحكيم تبع لك.

- جمال: وما الرأي بالنسبة للباقوري، وقد قبل الوزارة فعلا؟

- حسن: الباقوري سيدخل، فاطمئن.

- جمال: وأنت؟

- حسن: لا..

- جمال: أنت وشأنك.. ما رأيك في أن تشتغل في السلك الدبلوماسي؟

- حسن: أتريد أن تخرجني من البلاد؟

- جمال: لا.. أريد أن أستفيد منك؟

- حسن: دعني في مكتبي، وإذا أردتم شيئا فلن أتأخر.

- جمال: قل لي يا حسن، ما سبب تمسكك بهذه الجماعة، وأنت تخالفها في كثير من الآراء؟

- حسن: لم أتبين وجه الخلاف بيننا..

- جمال: أنت مثقف، متفتح الذهن..

- حسن: فيها من هو أكثر مني ثقافة، وتفتحا، ولكنك لا تحسن الرؤية..

(يعود عبد الحكيم)

- عبد الحكيم: سليمان لم يتحدث إليه، وسألته عن الأسماء التي رشحها المستشار، فقال إن منير [الدلة] وعبد القادر عودة من مرؤوسيه، وهو لا يعرف سيد قطب.

- حسن: مضحك هذا.. إن كل رجال القانون من مرؤوسيه، إلا رئيس مجلس الدولة ورئيس محكمة النقض!

- جمال: ما رأيه في حسن؟ هل سألته ثانية؟

- عبد الحكيم: صغير السن.. هكذا يقول مرة أخرى.

- جمال: كلنا صغير السن.. ألا نصلح وزراء.. أهي وقف على المسنين.

- حسن: لا داعي لهذا الكلام.. فالأمر بالنسبة لي غير وارد إطلاقا.. أما أنتم ضباط الجيش، فهذا جواز مروركم عنده..

- جمال: اذهب إلى المستشار [الهضيبي] يا حسن، وحاول إقناعه.. إقناعه بدخول الإخوان الوزارة، وسنوافق على ترشيحاته.

- حسن: سأذهب إليه.. ولا أضمن لكم شيئا.. إلى لقاء.

(يخرج حسن)

(يُتبع)..

twitter.com/AAAzizMisr
aaaziz.com




الزعيم اللئيم والصعلوك الكريم (7)



29 يونيو 1992م: “محمد بوضياف”.. الرئيس الجزائري الشريف الذي اغتالته الخيانة

29 يونيو 1992م: “محمد بوضياف”.. الرئيس الجزائري الشريف الذي اغتالته الخيانة



لا أدري لماذا يتناسى كُـتّاب العرب، ومؤرخو العصر، اسم الشهيد -بإذن الله- محمد بوضياف، الرئيس الجزائري الأسبق، عندما يكتبون عن أحرار الأمة وثوارها الكبار، ولا أدري لماذا أرض الحرية “الجزائر” تحديدًا، يتناساها مؤرخو وصحفيو العرب، ويتعمدون إسقاطها من (كتاب الحرية) و(فيلق الثورة)، رغم أنها سبقت كل العرب في التضحية والثورة، وقدّمت بمفردها أضعاف أضعاف ما قدمته أمة العرب كلها، في العصر الحديث، من شهداء وأحرار..

– في مثل هذا اليوم 29 يونيو 1992م: الجيش الجزائري يغتال الرئيس الجزائري محمد بوضياف (1919م – 1992م) أثناء احتفال رسمي بأحد المسارح في عنابة وذلك بعد (166 يوم) من توليه الرئاسة، عن طريق حارسه الشخصي، ملازم أول “مبارك بومعرافي”

– الرئيس الرابع للدولة الجزائرية، وكان يُلقّب بـ (سي الطيّب) وهو اللقب الذي أُطلق عليه خلال الثورة الجزائرية..

– آخر كلمة نطق بها هي كلمة: الإسلام، حسب ما ظهر في شريط اغتياله.. كان آخر ما قاله: إن الأمم التي سبقتنا قد سبقتنا بالعلم والإسلام، وبعد نطقه كلمة الإسلام أتته رصاصة الموت.

من أشهر أقواله التي تسببت في اغتياله:

– لا يوجد في كل رجال السياسة في الجزائر أكثر من 70 واحد شريف.

– يجب القضاء على الفساد في مؤسسة القوات المسلحة الجزائرية.

– يجب إبعاد الكثير من جنرالات الجيش عن المؤسسة العسكرية لفسادهم وسيطرتهم على اقتصاد الجزائر.

– قال لزوجته بعد استقبال العسكر له بحفاوة بالغة: حفاوتهم لن تمنعهم من اغتيالي، فلا ثقة لي بهؤلاء.

فقالت الزوجة له: وهل أنت أتيت بنيّة الانتحار؟

فقال: إنه الواجب … كل أملي أن يمهلوني بعض الوقت (يقصد أن يصلح شيئا من فسادهم قبل أن يغتالوه).

– قال لمحاميه وصديقه الشخصي: إنني أهادن القضاة لبعض الوقت حتى أتخلص منهم بعد استقرار الدولة.. فقد كان يرى أن مؤسسة القضاء كلها فاسدة ولكن التحلص منهم يحتاج بعض الوقت.

– كان للمخابرات الفرنسية بالتحالف مع مخابرات الجزائر الموالية للجيش، اليد الطولى في التخلص منه؛ لمحاولته هدم مؤسسة الفساد، وجعل الجزائر بلدا مستقلا: سياسيا واقتصاديا عن فرنسا.

– ما زال ابنه “ناصر بوضياف” يطالب بإعادة التحقيق في قضية قتل والده، وكتب على صفحته في فيسبوك: (أرفض تصديق اتهام الضابط السابق بومعرافي الذي يواجه منذ سنوات عقوبة المؤبد، خاصة وأن هذا الأخير رفض الحديث خلال محاكمة دامت أياما ولم تكشف الحقيقة، وفي اللحظة الـتي كـان القـاتل الحقـيقـي يـفـرغ رشـاشـه عـلى ظـهـر أبي، فإن بومعـرافـي كان مـرتـديا بدلة بنـيـة ويتـشاجـر مع صحفيـة من أجـل مـقـعـد في القاعة)

………….

يسري الخطيب