الثلاثاء، 31 مارس 2015

قصيدة عاصفة الحزم حامد العلي

  قصيدة عاصفة الحـزم



بشارةُ العزّ قد جاءت من اليمنِ
                  لأمّةٍ غابَ عنها العزُّ بالوطنِ

غداةَ دكَّتْ صقورُ النارِ عاصفةً
          مكامنَ الوغْدِ ذي الأحقادِ والإحَنِ

تطيرُ بالجوّ والأوغادُ تبصرها
                لكـنَّ قوتهم كالميْتِ بالكفنِ

وقد تخلّى عن الحوثيِّ سيدُهُ
               فصارَ يلطم بين الخوفِ والحزَنِ

كذاك دوما جحوش الفرس نعرفها
                   كأنَّ صولتها بالناس لم تكنِ

تعاظمُ الكاذب المأفونِ ظاهرُهم
               وداخل القوم كالأصنامِ والوثنِ

هم الكلابُ إذا غاب الأسودُ بغتْ
                 وعند رؤيتها الآسادَ في سَكَنِ

هل يُكملُ الحزمُ في حزْمٍ مسيرتهُ
                  إلى الشآم بلادِ الكافرِ العفِنِ

إلى العراق التي قد قال قائلهم
            إنَّ المجوس علتْ والعرْبُ في وهَنِ

أمْ أنّ دائرةَ الأحداثِ مرجعَها
               خلافُ ظاهرها المشهودِ بالعلَنِ

لكنّ خالقنا جاءتْ لطائفـُهُ
             أن يدفعَ الشرَّ بين الناسِ بالسُّنِنِ

فكلّما قوي الأعداءُ يكبتهم
                إلى مجيءِ الذي في آخرِ الزمنِ

الله أعلم ، والدنيا بقبضـتهِ
                  نعوذ بالله من شرِّ ومن فتِنِ

حامد بن عبدالله العلي

الأمم المتحدة، هل هي بالفعل شريكة في الجرائم ضد الإنسانية؟

الأمم المتحدة، هل هي بالفعل شريكة في الجرائم ضد الإنسانية؟



فرانسوا كومبوان
ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست

الأمم المتحدة هي منظمة خلفت عصبة الأمم، معلوماتنا السطحية حولها تدفعنا للاعتقاد بوفرة الحظوظ التي تتمتع بها وللإيمان بأن هذه الحظوظ تصبح جد هشة حين تصطدم بممارساتها أعضائها التي لا يمكن أن تحمل سوى عن حسن نية.

تقودنا هذه المعلومات أيضًا إلى العودة إلى أسباب حل عصبة الأمم التي لطالما اقترنت ممارساتها بنبل المقصد، والتعريج على واقع أن الولايات المتحدة نجحت في توجيه قنبلتين نوويتين إلى هيروشيما وناجازاكي إثر شهرين فقط من تأسيس الأمم المتحدة سنة 1945، دون التغاضي عما أصبح عليه الشرق الأوسط إثر الهجمات المشبوهة في 11 من سبتمبر سنة 2001، نحن نرغب فعلا في التماس الخير في هذه المنظمة، غير أنه يجب التعويل على النتائج وحدها لتقييم الأمم المتحدة.

لقد كان موسوليني محقًا حين أشار إلى نجاعة تدابير عصبة الأمم في مواجهة صراخ الضعفاء وصمتها المدقع أمام هجوم الأقوياء، أمر أثبتته حيثيات وانعكاسات الحرب العالمية الثانية وقبلها الحرب الأهلية بإسبانيا ولم يتغير بعد سبعين سنة من حل هذه المنظمة العاجزة وتحويلها إلى منظمة الأمم المتحدة التي لا يمكن لصمتها المريب أمام ما يحدث في العالم وتغاضيها عن ممارسات بعض الزعماء الدوليين من تدخلات عسكرية تفضي إلى جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية، إلا أن تزيدنا خوفًا وقلقًا.

فمن دعمها لجيش تحرير كوسوفو، مضت أوروبا بموافقة ضمنية للأمم المتحدة إلى مساندة المعارضة "المعتدلة" التي ما فتئت تمدنا بمستجدات تثير العديد من التساؤلات التي جابت أذهاننا لدى تشجيع وزير خارجية فرنسا، العضو في الأمم المتحدة، لوران فابيوس لجبهة النصرة سنة 2012، غير أنه يمكن أن نعتبر ذلك خطأ في التقدير لكن لا يمكن التغاضي عن الصمت الذي رافق تصريحات الجنرال في حركة الضباط الأحرار وقائد الجبهة الشمالية عبد الباسط طويلة الذي أكد على النية في إرساء حكم الشريعة عقب الإطاحة بالحكومة السورية، كان ذلك في يونيو 2013 قبل شهرين من الضربات التي وجهتها كل من أمريكا وفرنسا وقبل 18 شهر من إصرار الحزب الاشتراكي على ضرورة التفاوض مع من هم ضد كل من نظام الأسد وتنظيم الدولة، مما يتوافق مع توجهات الولايات المتحدة.

من جهة أخرى تبدو مواقف الأمم المتحدة متناقضة بشكل يدعو للريبة كشأن دعم حق الشعب الأوكراني في تقرير مصيره والدفاع عن استقلاليته، الذي انقلب إلى ممارسات عنيفة طالت المدنيين تدفعنا إلى التشكيك بنظرية الحفاظ على السلم في أوروبا.

وفي هذا السياق، يمكن لنا العودة إلى دراسة تحليلية لإيميل جارو المحامي والعضو بعصبة الأمم ثم منظمة الولايات المتحدة الذي وضع فيها أسس هذه الأخيرة قيد البحث والمساءلة، حيث بدء بالتساؤل حول كيفية التعاطي في صورة نشوب خلاف بين القوى الكبرى ذاتها أو إذا ما أقدمت على تجاوزات، قبل أن يستفسر عن مصلحة الأمم المتحدة في تقلد دور الوصي عن الأمن الدولي في ظل تدهور الأوضاع العالمية في الخمسين سنة الماضية، هذا وقد اعتمد السيد داميان فيجيار المحامي المزاول في كل من العين وجنيف على التمشي المذكور أعلاه في تدخل له في مؤتمر نظمه اتحاد الحقوقيين العرب كجزء من الدورة الثامنة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان في 16 من مارس 2015 بجنيف.

ويؤكد داميان فيجيار على خيبة الأمل في تغير موقف فرنسا من العدوان الدولي الذي راحت سوريا ضحيته، على إثر أحداث شارلي إيبدو التي هزت باريس، حيث اصطدمت هذه التوقعات بالتناقض الذي شاب تعامل العدالة الفرنسية مع تصريحات وزير الخارجية الداعمة للإرهابيين في سوريا وموقفها إزاء المعارضين لهذا الإرهاب: ففي حين واجهت الأول بقدر وافر من التساهل والتسامح جابهت الآخرين بضراوة.

ردود فعل مناوئة لِلُوران فابيوس

من جهتهم رفض القضاة الأعضاء في هيئة محكمة العدل الجمهورية المتمتعين بحق الموازنة والتقدير، كل الشكاوى المرفوعة من قِبل الضحايا غير المباشرين لتصريحات وزير الخارجية الفرنسي من مدنيين سوريين نددوا بإشادته بممارسات جبهة النصرة.

كما تم رفض طلب التعويضات التي كان هؤلاء الضحايا قد طالبوا بها الدولة الفرنسية باعتبارها مسؤولة عن الأخطاء الفردية التي أقدم عليها لوران فابيوس، إذ تم اعتبار تصريحاته المرفقة بوعود بدعم عسكري لجبهة النصرة وتدخل فرنسي في سوريا متماهية مع السياسات الخارجية لفرنسا مما يخرج وزير خارجتيها من دائرة الاتهام لتطال بذلك الدولة ذاتها، الأمر الذي يجعل من المحكمة الإدارية عاجزة عن إدانتها ومطالبتها بإصلاح أخطائها، يذكر أن ضحايا هذه الممارسات قد قرروا الاستئناف في حين لا يبدو أن لوران فابيوس قلق بشأن ذلك إلى حد الآن.

ملاحقة من هم "ليسوا شارلي"

ومن ناحية أخرى تم بالفعل إدانة الأطفال والسكارى والمرضى النفسيين على خلفية خرقهم لدقيقة صمت حادثة شارلي إيبدو، ورفعهم لشعار "أنا كاواشي"، ناهيك عن الملاحقات القضائية التي طالت مفكرين بادروا بإبداء تضامنهم مع ضحايا الاحتلال الغربي عبر رفضهم المشاركة في مظاهرة الحادي عشرة من يناير 2015 التي شاركت فيها شخصيات مسؤولة عن مجازر طالت المدنيين، وفي السياق نفسه يذكر أن تياري نوارتو كان قد تعرض لنفس المضايقات إثر تصريحه بحبه للإنسانية في المظاهرة ذاتها.

هل لنا أن نتساءل إذن عن إمكانية تورط فرنسا العضو في مجلس الأمن، في هجوم إرهابي؟ أطروحة تقبل الدعم والدحض.

في حقيقة الأمر، تشوب هذا التواطؤ تفاصيل قانونية من الجيد العودة إليها جملة وتفصيلاً حتى نتمكن من توضيح مدى غرابة التصريح بعبارات مثل التي أسلفنا ذكرها، أمام الأمم المتحدة، إذ يوجد بالفعل تضارب في العلاقة بين الدول والإرهاب.

الدولة والإرهاب

وجب التذكير هنا بأنه من وجهة نظر قانونية فإن الدولة والإرهاب متناقضان لأن نشوء الأولى يرتبط بحقها في إعلان الحرب، غير أنها لا توجه نحو المدنيين بل تقتصر على المواجهات بين العسكريين عكس العقوبات الاقتصادية التي تطال تبعاتها المدنيين والقصف الذي يودي بالمدن والقرى مثل ما حصل في اليابان والفيتنام والعراق لاحقًا، في ألمانيا وفرنسا سنتي 1945 و1943.

ويرتبط ذلك بالواجب التاريخي للدولة الذي لا يقتصر على حفظ أمنها وسلمها ونظامها الداخلي بل يتجاوزه للحرص على ألا يتم خرق النظام المرسى خارج حدودها بما يقتضيه ذلك من عدم تدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وغير ذلك من القوانين الدولية التي توضح كيفية التعامل مع الاحتلال العسكري والاعتراف بدولة جديدة من قبل أطراف محايدة.

تواطؤ الأمم المتحدة مع الإرهاب

لذلك كله لا يمكن أن نطلق صفة الدولة على أي كيان يقود سياسات عدوانية غير مباشرة تدعم الإرهاب عبر فرض عقوبات اقتصادية واغتيال مدنيين وغيره، حيث إن تلك الكيانات تقوم باستغلال هذه الصفة لتبرير وإضافة مشروعية على ممارساتها تلك، استجابة لحاجة الإرهاب لغطاء مثل الدول لضمان الدعم المادي والتنظيمي إضافة إلى السند الدبلوماسي الذي يضمن للجماعات الإرهابية أدنى قدر من الشرعية والمشروعية الدولية.

لذا، إذا ما استندنا في تقييمنا على واقع دعم العدوان الإمبريالي أو مساندة مقاومة محلية متأصلة فإنه من غير المفاجئ أن ننتبه إلى تواطئ الأمم المتحدة مع الدول التي تقود علنًا هجمات ضد سوريا، بل إن هذا المنطق والتمشي هو ما يقود التوجهات الغامضة لمنظمة تتكون أساسًا من دول تعارض سياساتها حق نظيراتها في إعلان الحرب وتحول ممارساتها دون نيل دول أخرى لاستقلالها الداخلي.

ويبقى أملنا في أن يكون كل ذلك مخاضًا لواقع عالمي جديد لا وجود فيه لأمم متحدة وناموس دولي يقطع مع التمحور حول أوروبا فاسحًا المجال لبروز قوى ناشئة من قبيل أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

المصدر: موقع سبانتيك نيوز

عاصفة الحزم: للأفعى ذنَب ورأس!


عاصفة الحزم: للأفعى ذنَب ورأس!
أحمد بن راشد بن سعيّد

تكاد تكون عملية «عاصفة الحزم» حدثاً مفصلياً في تاريخ السعودية ومنطقة الخليج العربي، إذ تبدو نقلة نوعية في النهج السعودي التقليدي المحافظ في التعامل مع التحديات.

ولا ريب أن اعتبارات المصالح الإستراتيجية والأمن القومي دفعت صانع القرار في الرياض إلى التحرك، الأمر الذي يفسر الشعور بالمفاجأة والصدمة لدى كثير من اللاعبين الإقليميين والدوليين. وكما أشرت في المقال السابق (الذي سبق عملية عاصفة الحزم)، فإن السعودية لم تعد تملك ترف اختيار ولا فائض وقت، لاسيما بعد اقتحام الحوثيين تعز، واحتلالهم مطارها، ومناطق حيوية فيها، ثم زحفهم إلى عدن، ما سيعني سقوط اليمن كله في أيديهم. خسارة عدن كانت ستشكّل تهديداً مباشراً لأمن المملكة والخليج؛ لأنه سيعني سيطرة الحوثيين على باب المندب، الأمر الذي سيجعل لأسيادهم الإيرانيين اليد الطولى في البحر الأحمر والخليج العربي، ويمنحهم القدرة على التحكم في حركة التجارة وتصدير النفط، وإذا أضيف إلى ذلك النفوذ الإيراني الهائل في شمال السعودية (الشام والعراق) فإن الإمبراطورية الفارسية تكون قد تشكّلت بالفعل، وأحكمت الطوق على شبه الجزيرة العربية.
لذا، فإن عاصفة الحزم تشكّل نقطة تحول في المقاربة السعودية المألوفة لاحتواء التهديد الإيراني منذ ثورة الخميني عام 1979؛ فهذه أول مرة تحسم فيها الرياض أمرها بالتعامل العسكري المباشر مع هذا التهديد.

وغني عن القول إن إيران ما كانت لتدخل الحديقة الخلفية للسعودية لولا القصور في فهم المشروع الإيراني، وغياب رؤية إستراتيجية لمواجهته (وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على تعاطي الدول العربية مع المشروع الصهيوني في فلسطين منذ 70 عاماً).
لقد هندست إيران منذ عقود برنامجاً لتصدير الثورة اعتمد على تجييش الأقليات الشيعية في المنطقة وكسب ولائها عبر برامج تعليمية واجتماعية وعسكرية طويلة الأمد، وهو ما لم يُجابه بخطة مضادة.
كما تبنت طهران في إطار مطامحها الإمبراطورية والصفوية مشروع «مقاومة» إسرائيل، فشكلت ميليشيا «حزب الله» في لبنان، ودعمت حركتَي حماس والجهاد في فلسطين في إطار لعبة دعائية ماكرة حققت قدراً من النجاح، ولم يكن بوسعها فعل ذلك لولا تخاذل النظام العربي الرسمي، وتفريطه في حقوق الشعب الفلسطيني، وعدائه للظاهرة الإسلامية في المنطقة.
ثم غزت أميركا أفغانستان والعراق، وأيقظ سقوط بغداد، عاصمة الخلافة العباسية، شهوة الانتقام والتوسع لدى الصفويين، الذين موّلوا ودرّبوا ميليشيات شيعية ساندت الاحتلال الأميركي، واضطهدت مقاوميه السنّة، واستمرت تعربد في العراق عبر أكثر من عقد مستفيدة من الفراغ الذي خلّفه تفكيك الدولة والجيش، ولم تكن ثمة منظومة عربية أو خليجية متماسكة قادرة على صد هذه الهجمة المسعورة.
وبعد ثورات الربيع العربي، غزت الميليشيات الشيعية سوريا، ومارست أبشع أنواع القتل والإرهاب، واكتفت السعودية والخليج بدعم معنوي وعسكري محدود للشعب السوري يخضع للتوازنات الدولية والضغوط الأميركية، ولا يتسق ألبتة مع حجم التغول الإيراني. 
وقامت القوى اللاعبة في المشهد السوري الدامي، وهي تحديداً واشنطن وموسكو وطهران وتل أبيب، بتضخيم خطر الجماعات الإسلامية «المتشددة»، أو ربما صنع بعضها، مرهبة بذلك السعودية ودولاً خليجية، الأمر الذي أصاب تعاملها مع الشأن السوري بالشلل.

جاءت عاصفة الحزم وكأنها هبّة بعد سبات. وأسهمت غطرسة إيران في إيقاظ مشاعر الخوف. لن تقوم إمبراطورية فارس إلا على جثث العرب.
صار من المألوف أن يخرج مسؤول إيراني ليرغي ويزبد عن سقوط العواصم العربية، الواحدة تلو الأخرى، في يد بلاده، أو يتباهى بسيطرتها المطلقة على البحار والخلجان في المشرق، بل حتى بميلاد إمبراطورية فارسية تتخذ من عاصمة الرشيد مقراً لها. أليست الأساطير الشيعية تتحدث عن مهدي يعود من غيبة كبرى، فيقتل العرب قتل عاد؟ فليمت هؤلاء الرعاع من العرب، وليذهبوا إلى الجحيم.
استطاعت إيران من خلال ماكينة دعايتها أن تغري كثيراً من الشيعة العرب بمشروعها لاعبة على وتر «المظلمة التاريخية» المزعومة لآل البيت، ومستدعية الموروث الشيعي الإثني عشري عن مسؤولية الآخر الناصبي (السني) عن هذه المظلمة.
ورأينا بأم أعيننا ما تفعل الميليشيات الشيعية (الحشد الشعبي) في العراق، لاسيما محافظة صلاح الدين، وتحديداً في أمرلي وتكريت من قتل وسحل للسنّة، وحرق واسع النطاق لمنازلهم وقراهم، وشاهدنا في فيديوهات بالوسائط الاجتماعية كيف حرّق الشيعة قرية البوعجيل بالكامل وهم يتباهون، فضلاً عن إرهاب الميليشيات الشيعية في سوريا (وثّقت هذه الجرائم تقارير منظمات حقوقية مثل «هيومن رايتس ووتش»، و «العفو الدولية»).

كانت صنعاء لحظة الحقيقة. وكانت عدن جرس الإنذار. كأنما تمثّل وزير الدفاع السعودي، محمد بن سلمان، بهذا البيت:
إذا لم يكن إلا الأسنّةُ مركباً/فما حيلةُ المضطرِّ إلا ركوبُها.
 أقدمت السعودية ودول خليجيةعلى شن عاصفة الحزم بعد تخطيط بارع وليس بالقصير، لا لردع الميليشيات الحوثية والموالية للرئيس المخلوع صالح فحسب، فهذا لا يعدو أن يكون هدفاً مرحلياً، بل لمواجهة تحديات إستراتيجية خطيرة، تراكمت منذ انهيار منظومة التوازن في المنطقة باحتلال العراق والشام أميركياً وإيرانياً، ثم انهيار التجربة الديموقراطية في مصر وغرقها في عنف انقلابي أعمى متعدد الفصول.
عاصفة الحزم «قذيفة مرتدة (Blowback) ناجمة عن فشل النظام الأمني الإقليمي في الخليج المعتمد على الاحتماء بالمظلة الأميركية، فلم تعد أميركا حليفاً ذا صدقية وهي تنخرط في لعبة قذرة لاقتسام النفوذ والمصالح مع إيران من دون مبالاة بحلفائها التقليديين.
من المبكر الحكم على عاصفة الحزم، لكن يمكن القول إنها أظهرت نجاحات لافتة أبرزها: التخطيط للمعركة عبر تشكيل تحالف إقليمي ودولي يهبها زخماً ويضفي عليها شرعية أكبر؛ السريّة التي أُحيطت بها العملية، إذ بقيت طي الكتمان في إطار الأسرة الخليجية، ولم تخبر الرياض واشنطن بها إلا قبل بدئها بلحظات بحسب رويترز التي قالت إنه من خلال «الضربات على اليمن أظهر السعوديون استقلالاً متنامياً عن الولايات المتحدة» (26آذار/مارس 2015).
كما لم تخبر السعودية نظام السيسي في مصر، وهو النظام الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع طهران، ويستقبل الحوثيين في القاهرة، ويقف ضد الثورة السورية، الأمر الذي تجلى في رفضه دعوة الائتلاف السوري إلى حضور مؤتمر شرم الشيخ، ورفعه علم سلطة الأسد غير الشرعية في قاعة المؤتمر.
كان لافتاً أيضاً رفض السعودية دعوات الحوار التي أطلقتها طهران، وإصرارها على انسحاب الميليشيات الحوثية، ونزع أسلحتها بحسبان ذلك شرطاً لأي تسوية مستقبلية، وهو ما تناوله الملك سلمان في مؤتمر شرم الشيخ، حيث شدد على استمرار عاصفة الحزم «حتى تحقق أهدافها».
كما كان الرفض القاطع لدعوات علي صالح إلى الحوار تطوراً آخر في إدارة المعركة يتناغم مع الاسم الذي تحمله: الحزم.
وشكّل الإيجاز الصحافي بالعربية والإنكليزية للعميد أحمد عسيري جهداً متمماً للحملة العسكرية على جبهة «حرب المعلومات».

لكن عاصفة الحزم يجب أن تكون جزءاً من خطة أشمل ترد إيران على أعقابها. تحتاج السعودية مثلاً إلى إحياء قوتها الناعمة من خلال تصحيح مسار الوسائط الإعلامية المنتمية إليها، وتنشيط الدعوة الإسلامية في الخارج، وتقديم منح للطلاب المسلمين (ثمة ما يدل على عودة هذا النشاط إذ قررت السعودية في 18 آذار (مارس) 2015 تقديم منح دراسية لـ 150من طلاب جمهورية المالديف).
 كما يجب أن تكون العاصفة منطلقاً لمواجهة التهديد الإيراني في المنطقة كلها لاسيما في سوريا النازفة، إذ لم يقف الدب الإيراني على ضفاف البحر الأحمر إلا بإهماله على ضفاف المتوسط، ومواجهته في اليمن وحدها ستقطع فقط ذنب الأفعى، ويترك رأسها حياً ينفث السم.
• @LoveLiberty

الإسلام "العكاشي" الجميل

الإسلام "العكاشي" الجميل

وائل قنديل

تدرك السلطة الحالية في مصر أن أهم عوامل هزيمتها في مواجهة ثورة يناير 2011 هو مستوى الوعي لدى طلائع الثوار، بحيث لن تكون على الحقيقة، لو لخصت الموقف كله بعبارة
"نور العلم هزم عتمة الهراوة والبيادة".
تتذكر، بالطبع، أن العنصر الحاسم في تلك المواجهة الباسلة كان التفوق في استخدام تكنولوجيا التواصل والحشد، فأمام إجراءات المنع والقمع ومصادرة حرية الانتقال والاتصال، بما في ذلك قطع الخدمة الهاتفية وتعطيل شبكة الإنترنت، نجح أبناء الربيع في ابتكار وسائل أربكت حسابات العقلية الأمنية العقيمة.
كان فلاسفة ربيع الفكر اليوناني، سقراط ثم أفلاطون، وبعدهما أرسطو، يرون أن الفضيلة علم والرذيلة جهل، وكذلك هي العلاقة بين الثورة والانقلاب. الأولى تعتمد على العلم والفهم والاستنارة، والثاني يتغذى على الجهل والبلادة والظلامية.
لذلك، تلجأ سلطات الانقلاب دائما لاستهداف مناطق التفكير والوعي عند الجماهير، فتغرقها في آبار من الجهل والتخلف، وتقصفها ببراميل التغييب المتفجرة على شاشات التلفزة، أو صفحات الجرائد.
ثم تتحول عملية الإقصاء، التي تمارسها هذه السلطات، إلى إخصاء كامل للوعي، وإطفاء تام للعقل الجمعي، كي يقبل، راضياً وسعيداً، بكل ما تسكبه في دماغه من معلومات ملوثة، ومعتقدات وأفكار أكثر تلوثاً، عن الدين والوطن والفن، إلى أن يعتاد القبح، ويألف الانحطاط والابتذال، ويأنف كل ما هو صادق ونقي ومحترم.
وإحدى وسائل صناعة هذه الحالة من التلقي الأليف، الذي يرى في المحاججة والاستفهام والاحتجاج، خروجاً على الدين، وشقاً للصف الوطني، هي تصنيع وترويج نوع من الوجوه الفاسدة في الإرشاد الإعلامي، والتوجيه الديني، ومنحهم المساحات والأدوات اللازمة للعب في الدماغ، وإفراغه من كل ما استقر فيه من قيم وطنية نظيفة، ومفاهيم دينية سليمة.
"العكاشية" هنا لم تعد شخصاً، بل أضحت تياراً عاماً، يحمل قيم السلطة الجديدة، الحاكمة لدولة الانقلاب، ويتجاوز الأمر حشو الشاشات بوجوه وأفكار عكاشية، على اختلاف الأسماء والملامح ومستوى الثقافة والتعليم، إلى اختراع "عكاشات" أخرى في مجال الدعوة والفكر الديني، مع منحها كل أشكال الحماية والحصانة، كي لا يوقفها أحد عن نشاطها المحموم في هدم الأصول وتشويه التراث، وتقديم نموذج لما يمكن اعتباره "الإسلام السيسي"، على أنه صحيح الإسلام.

أحدث هذه الوجوه شخص مفتول العضلات، له بنية ضباط التعذيب، يحتل شاشات قنوات الانقلاب في مصر، يطلقون عليه "إسلام البحيري "ممارساً أحط أنواع "التقيؤ الفكري"، من عينة اتهام أئمة الفقه الإسلامي الأربعة بأنهم مجموعة من الإرهابيين السفلة القتلة، وصولاً إلى أنه لا فرق بين الإسلام، كما سجلته محفوظات ووثائق القرون الثلاثة الأولى، والإرهاب.
يذهب هذا الدعي إلى أسفل من ذلك، حين يقول، بكل ثقة، إن المطلوب، الآن، هو تقطيع أيدي وأرجل ابن تيمية وأئمة المذاهب الأربعة من خلاف، ولأنهم ماتوا، فالواجب، الآن، أن نأتي بكتبهم لتقطيعها، "من خلاف أيضا"، وحرقها.
يحدث هذا في دولةٍ لا يزال فيها رجل يطلقون عليه "إمام الأمة الإسلامية الأكبر"، يشغل منصب شيخ الأزهر، وبها مجمع للبحوث الإسلامية، وجيش هائل من علماء الدين والفقهاء، لا يسمع لهم أحد صوتاً، في ظل آلة قمع وحشية، لا تسمح بالظهور على الناس، إلا لأنكر الأصوات، وأقبحها خطاباً، وتغذي هذا اللون من الهرطقات والمساخر التي تقدم يوميا للجمهور على أنها "الإسلام العصري الجديد".
والحاصل أن مثل هذا الدعي يسلك على هذا النحو، لأنه يعلم جيداً أن أحداً في مصر لن يسكته، بل هناك من يشجع على المضي أبعد من ذلك. لذا، يصح توجيه السؤال للمنظمات والهيئات الإسلامية خارج مصر: ماذا أنتم فاعلون للرد بالكلمة والحجة والبرهان على هذه التخاريف البذيئة؟
غضب الأشقاء في المملكة العربية السعودية على إساءة واحد من جيش "العكاشنة" للرياض ودفاعه عن الإرهاب باسم الطائفة الذي يمارسه الحوثيون باليمن. وفي حدود علمي، أن أئمة المذاهب الأربعة، لا يخصون مصر فقط، وبالتالي، لا يصح السكوت من جانب كل الجهات المعنية، على هذه الوقاحات والسفالات المنبعثة من جنرالات "المفهوم الصهيوني للإسلام"، والتي تؤذي مشاعر كل مسلم غيور على دينه وقيمه، ومحترم لتراثه، حتى وإن كان يحمل رأياً مخالفاً لبعض ما ورد فيه.

برنامج الهاشتاج مع آيات عرابي ( 14 ) ابن المثالية و سد النهضة


برنامج الهاشتاج مع آيات عرابي ..


الحلقة ( 14) .... 

 ابن المثالية و سد النهضة




حلقات :برنامج الهاشتاج مع آيات عرابي 

قمة "أحلى من الشرف مفيش"


قمة "أحلى من الشرف مفيش"


حاتم عزام

المشهد الأول

وزير الدفاع المنقلب، سيسي مصر، مستقبلاً بكل الود والترحاب الأمير تميم أمير دولة قطر، في الوقت الذي يعقد قضاؤه الشامخ جلسات المحاكمة للرئيس محمد مرسي بتهمة التخابر مع الدولة ذاتها، في مشهد يجعل من نعمة العقل ابتلاءً مؤرقاً لصاحبه.

فالمشهد يمثل إقرارا من سيسي مصر بأحد أمرين: إما التآمر بتلفيق قضية التخابر مبررا لجريمة الخيانة العظمي التي نص عليها الدستور المصري، وهي الانقلاب على الشرعية.

وإما أن سيسي مصر هو أيضاً متخابر مع دولة قطر، أو على أقل تقدير متواطئ مع الرئيس مرسي.. الثابت أن جرائم التخابر مع دول أجنبية للإضرار بمصالح الوطن ليست مزحة، وهي من جرائم الخيانة العظمى التي لا يستهان بها، وإلا كان ذلك تواطؤاً معها، فهي لا تسقط بالتقادم، وبالأحرى أمام البروتوكولات الدبلوماسية وتطييب الخواطر، ويشكل أركانها طرفان: المتخابر العميل والمُتخَابر معه.

في هذه الحالة، فإن ما دأب على إعلانه وترديده قضاء سيسي مصر وإعلامه، وملفات القضية التي تنظر أمام قضاة يباشرون عملهم، وهم رهن المكالمات الهاتفية لمدير مكتبه عباس، كل ذلك يدعي أن الرئيس محمد مرسي هو المتخابر العميل مع دولة قطر، وأن دولة قطر هي الدولة المُتخابر معها للإضرار بالمصالح المصرية.

وإن كنت ممن أبتلوا بنعمة العقل في زمان "العكاشيات"، فلن تستطيع إلا أن يغلبك عقلك بأسئلة لا إرادية: هل سيتم تقديم سيسي مصر للمحاكمة بتهمة التخابر مع دولة قطر أو بتهمة التواطؤ مع دولة تتخابر ضد مصر في وقت يستقبل رأس هذه الدولة وقضايا تخابرها ضد مصر تنظر أمام المحاكم المصرية؟!

أم بتهمة التآمر بتلفيق قضية التخابر مبررا لجريمة أكبر نص عليها الدستور الذي أقسم على احترامه سيسي مصر، وهي الخيانة العظمى بالانقلاب على الشرعية الدستورية؟ ..أم تحيا مصر !

المشهد الثاني

قاعة مؤتمرات شرم الشيخ تضج بالتصفيق لسيسي مصر وهو يعلن أمام أقرانه من أصحاب السمو والفخامة رؤساء الدول العربية ووفودهم، وهو يتحدث والحسم والحزم يتلبسانه باقتدار، دفاعاً عن شرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الذي قامت جماعة الحوثي بانقلاب مسلح عليه.

حوثي اليمن الذي يزعم أن أنصاره قاموا بثورة في اليمن وليس انقلابا، تماماً كالذي يزعمه سيسي مصر، فضلا عن تصريحات جماعته وميليشياته الصحافية والإعلامية التي اعتبرت تجربة سيسي مصر الانقلابية ملهمة لهم، حيث استحضروا في غير مرة، وبوضوح ودون مواربة، ما تحدثوا عنه من استنساخ لما فعله سيسي مصر برئيسه مرسي فيما يقومون به مع رئيسهم هادي في اليمن.

فمستضيف ورئيس قمة الدفاع عن شرعية رئيس اليمن المنتخب هو جنرال عسكري صاحب أحدث انقلاب عسكري عربي على شرعية رئيسه المنتخب الذي أقسم أمامه قسم الولاء لاحترام الشرعية الدستورية وزيرا للدفاع.

المشهد الثالث

التحالف العربي لدعم الشرعية مجتمعاً ومتوعداً الحوثي وجماعته بتصعيد عملية عاصفة الحزم ضد انقلابه على الشرعية الدستورية في اليمن، ومن مكونات هذا التحالف من دعم انقلاباً عسكرياً على الشرعية في مصر بكلفة معلن عنها، في المكان ذاته بمدينة شرم الشيخ قبل أيام، وصلت إلى أربعة عشر مليار دولار.

بل ويعلم من يجاورونه في جلسة القمة الافتتاحية بدعمه الحوثيين وحليفهم علي عبد الله صالح وميليشياتهما اللذين قاما بالانقلاب.. ومهما استعذت بالله من الشيطان الرجيم ثلاثا، فسيظل ابتلاؤك بنعمة العقل حاضراً منغصاً عليك.

المشهد الرابع

تحيا الأمة العربية.. تحيا الأمة العربية.. تحيا الأمة العربية.. تصفيق..

وأمام هذا الختام الحماسي الذي ابتُذلت فيه قيمة «تحيا الأمة العربية»، تماما كما ابتُذلت قيمة «تحيا مصر» بعد الثالث من يوليو 2013، لا تملك إلا أن تترحم على الفنان المصري الراحل توفيق الدقن ودوره الشهير في فيلم (بحبك يا حسن) الذي جسد فيه باقتدار شخصية «عبده دنص» صايع وبلطجي الحارة وهو يتغنى بالشرف بمقولته المشهورة «أحلى من الشرف مفيش.. يا آه يا آه».. فما أكثر "عبده دنص" في هذا الزمان!

الحسابات الأميركية دقيقة لكنها غير مبصرة

الحسابات الأميركية دقيقة لكنها غير مبصرة
محمد الجوادي

ابدأ مباشرة بالقول بأني لا أعارض الذين يقولون إن الحسابات الأميركية بلغت حدا غير مسبوق من الدقة والمهارة فيما يخص التوقعات التفاعلية والدينامية السياسية.
وقد تحقق هذا بفضل التفوق الأميركي المطلق في ثلاث خصال يتميز بها أهل العلم الحقيقيون على وجه العموم وهي الجدية والدأب والاستيعاب، وبفضل سمتين بارزتين يتسم بهما العلم في أميركا بصفة خاصة وهما الإنفاق السخي وتعدد مراكز البحوث وما يؤمنه هذا التعدد من اتساع في مجال الرؤية إلى حد الجمع بين النقيضين في كثير جدا من الأحيان.

على أن هذه الدقة تلازمت مع نوع مما نسميه ضيق الأفق الميكروسكوبي وهو ضيق كان لا بد له أن يلازمها، وهو بعبارة مبسطة ذلك الفهم الأنبوبي المعروف والمرتبط بالعجز الطبيعي أو المتوقع عن قياس الميتافيزيقيات بما تقاس به العناصر القابلة للقياس الفيزيقي.
"هناك حقيقة سياسية اجتماعية لا تزال كل مراكز البحوث الأميركية تتحاشاها تماما عن قصد، وهي أن موجة المواجهة الحالية مع الإسلام السياسي قد بدأت معطياتها الحاكمة على يد وزير الداخلية المصري الأسبق اللواء زكي بدر (1986- 1990)"
ومن الإنصاف أن نقول إن أية محاولة في هذا المجال لا تعدو أن تكون جهدا عبثيا فضلا عن أنها تفتح الباب واسعا للتخلص من سطوة القياسات تحت دعوى ما هو غير منظور وما هو غير قابل للقياس. 

على أن حل مثل هذه الإشكالية لا يزال ممكنا بلغة العلم التي تتحرز بلغة القانون فتقول: إن المعادلة صحيحة مع اشتراط بقاء العوامل على ما هي عليه، ومع اشترط عدم ظهور آليات جديدة غير متوقعة أو عوامل محفزة أو مثبطة للتفاعل.

لكن طبيعة الحياة البشرية بكل خصوصياتها المميزة لها عن الحيوات المادية قد تفرض علينا أن نتأمل في هذا الذي يسمى تحرزا قانونيا على أنه لا يعدو أن يكون للأسف الشديد نوعا كاملا من التحرش بالطبيعة الكونية، وهو تحرش يتصور الطبيعة من باب الخطأ كائنا قابلا للاستجابة المطلقة له ولرغباته أو تطلعاته أو لتحقيق نزواته بعيدا عن حقها (أي حق الطبيعة) في الإرادة والقبول وتحديد التوقيت والإطار والترتيب.

وحين يصبح طابع النزاع البشري (سياسيا كان أو غير سياسي) متسما بأنه ضد الطبيعة وقوانينها فإن الطبيعة تضمن الفوز الأكيد بحكم ما منحه لها الخالق الأعظم من قوة القانون الطبيعي (أو ما نسميه الناموس الأعظم) الذي استبقى للحياة وجودها رغم كل ما تبدي من عبث الأحياء الدائب بالموجودات وظنهم المفرط في إمكان فوز قدراتهم المتنامية في سجال قهر الطبيعة وتطويعها بلا حدود.

وقريب جدا من هذا التصور ما حدث للسياسة الأميركية في موضوع العلاقة بالإسلام والمسلمين في العقود الأربعة الماضية.

وربما أبدأ بالإشارة إلى رؤية مختلفة لي فيما يتعلق بجوهر الأمر في حقيقة سياسية اجتماعية لا تزال كل مراكز البحوث الأميركية تتحاشاها تماما عن قصد، وهي أن موجة المواجهة الحالية مع الإسلام السياسي قد بدأت معطياتها الحاكمة على يد وزير الداخلية المصري اللواء زكي بدر (1986- 1990).

وكان جوهر هذه المواجهة -التي لم يكن هناك مسوغ حقيقي لوجودها- يكمن في تبني الوزير المفرط (ووراءه دولة محورية ورئيس مؤيد) لسياسة غريبة وشاذة (وجديدة في وقتها وإن أصبحت الآن: تقليدية) تقوم على فكرة أن الملاحقين السياسيين (حقا أو ظلما) لا ينبغي أن يعاملوا معاملة مختلفة عن الجنائيين، وإنما ينبغي أن يعاملوا كمجرمين جنائيين تماما فيساموا (كعادة البوليس المصري مع المتهمين الجنائيين) القسوة والازدراء والاحتقار والتوبيخ والقذف والسب بصفة دائبة.

وفي هذا الإطار بدأ ذلك الوزير المعروف بالعنف والتجاوزات اللفظية خطوات متواترة ومتسارعة فأزال كل اللافتات التي كانت تنبه إلى طبيعة المسجونين السياسيين ومعتقلي أمن الدولة، زاعما أنه لا ينبغي أن يفرق بين هؤلاء وأولئك، لأنه ليس هناك فرق، وتمادي الوزير في تطبيق سياساته والإقناع بها على نحو مؤسسي عربي وإقليمي، وواتته الفرصة بما تمثل في النهاية في أكبر إنجاز تفاعلي (وأنا أقصد ترجمة دقيقة وموجزة للكلمة الإنجليزية reaction التي تعني في الفيزيقيا "رد الفعل" على نحو ما يقول قانون نيوتن) وكان هذا رد الفعل هو حادث 11 سبتمبر/أيلول 2001.
"لا بد من تعديل الأسلوب المفضل عند الأميركيين في تعاطيهم مع الفكرة الإسلامية والنشطاء الإسلاميين المحدثين، للدوران في اتجاه عقارب الساعة لا في عكس هذا الاتجاه حتى وإن كانت منظومته لمدة طويلة قد سارت مثلا على النظام الإنجليزي في المرور للشمال"
وإذا أردنا فهما حقيقيا للأثر الإستراتيجي والأمني لما بدأه الوزير المصري من سياسات كارثية حظيت بإعجاب وزراء الداخلية العرب وتبنيهم لها (من خلال مجلسهم الذي تميز بانتظام وانضباط ودورية مواعيد اجتماعاته) فلنبدأ بقراءة سيكولوجية مستوعبة وواعية لما حدث في 11 سبتمبر بمعزل عن الأهداف المتكررة والمكرورة من استثمار الحدث أو تطويعه على نحو ما حدث في أكوام الدراسات التي صيغت تغطية لقصور أو مطامع هنا أوهناك. 
وأعتقد أن الحقيقة الأولى في هذا الصدد أن على السادة الأميركيين والساسة الأميركيين كذلك أن يعيدوا فهم آلية الاستشهاد في الإسلام بعيدا عن آفاق التشخيص المرضي الذي آثروه فيما مضى، وبطريقة بسيطة فإن فعل "الاستشهاد" عند الإنسان المسلم ينبغي أن يدرس في ضوء علم الفسيولوجيا (وظائف الأعضاء) قبل أن يدرس في ضوء علم الباثولوجيا (علم الأمراض)، وبلغة أخرى أقرب فهما عند عامة المثقفين المعاصرين فإن فعل "الاستشهاد" ينبغي أن يفهم في ضوء السيكولوجي (علم النفس) قبل أن يدرس من خلال السايكاتري (طب النفس). 

وظني أن الأميركي إذا نجح في فهم فعل "الاستشهاد" وما يمثله من فسيولوجية وسيكولوجية فإنه سيكتشف مدى العبث الذي استغرق من الأميركيين ومراكز البحوث الغربية عقودا من الزمان في التعامل الخاطئ المعتمد على أفكار تلفيقية استسهل مروجوها تشخيص الحقائق على نحو زاد من تعقيد الأمور، واستعصائها على الحل بل على الفهم أيضا.

الحقيقة الثانية أن تفضيل اللجوء إلى اقتصار التعامل مع المجتمعات الإسلامية على الطريقة الإملائية التي تتبني آليات تكثيف غسيل المخ والتلقين وتركيم الإيحاءات النفسية (وليس تراكمها الذي قد يكون أقرب إلى الوضع الطبيعي) هذه الطريقة تعبر عن تعامل خطر يصيب من يتبناه (من أصحابه) بالضرر اللانهائي أو غير القابل للإصلاح لأنه يفقد هذه المجتمعات على اختلاف شيعها وطوائفها الثقة في هذا المتعامل (أو بالأحرى المملي) الذي تستند آلياته إلى الصناعة أو التصنع أو الافتعال، على حين تستند الفلسفة الإسلامية الجوهرية (دينا وحضارة وتاريخا) إلى احترام الفطرة وتغليبها في كل المكونات العقيدية والإيديولوجية (سياسة وإدارة وتجارة).

ومن ثم فإن الأسلوب المفضل عند الأميركيين في تعاطيهم مع الفكرة الإسلامية ونشطاء الإسلاميين المحدثين لا بد أن يعدل من نفسه مبكرا للدوران في اتجاه عقارب الساعة لا في عكس هذا الاتجاه حتى وإن كانت منظومته لمدة طويلة قد سارت مثلا على النظام الإنجليزي في المرور للشمال.

وتتضاعف أهمية هذه الفكرة البسيطة إذا ما انتبهنا إلى أن الأميركيين أنفسهم يلجؤون إليها في كثير من مجتمعاتهم المحلية في كثير من الإجراءات التي تنتظم حركيات المجتمع وطوائفه المختلفة أو علاقات المصالح المتضاربة لفئاته أو مؤسساته الاقتصادية، ومن باب أولى فإن الحاجة الإستراتيجية الملحة تقتضي من الساسة الأميركيين روحا أكثر مباشرة واستقامة كما تتطلب صدقا أكبر في التعبير عن النوايا والمخاوف حتى لو اقتضى الأمر الاعتراف صراحة بكراهية الإسلام والرغبة في توقيف أو وقف انتشاره.
"غياب اتساق الفعل مع الرؤية هو ما أصبح يؤدي بالسياسات الأميركية إلى إدمان الفشل وتنامي الاضطراب في اختيارات القرار النهائي، ومع أن إعادة تأهيل الخطاب السياسي الأميركي ستستغرق وقتا في ظل الآليات المتريثة لأي دولة كبيرة، فإن بعض الأمور الملحة لم تعد تحتمل التأجيل "
فليس صعبا على المجتمعات الإسلامية أن تفهم هذا الدافع وتتعامل معه بما تتيحه لها الثقة العقيدية متمثلة في قانون الإسلام الحافل بعناصر مرونة نادرة يعبر عنها القرآن الكريم بوضوح في عبارات حاسمة وموحية وواثقة من قبيل: لكم دينكم ولي دين.

الحقيقة الثالثة أن غياب اتساق الفعل مع الرؤية هو ما أصبح يؤدي بالسياسات الأميركية إلى إدمان الفشل وتنامي الاضطراب في اختيارات القرار النهائي، ومع أن إعادة تأهيل الخطاب السياسي الأميركي ستستغرق وقتا ليس بقصير في ظل الآليات المتريثة لأي دولة كبيرة، فإن بعض الأمور الملحة لم تعد تحتمل تأجيل البت فيها.

وهنا أضرب مثلا بسيطا بعدد من الصحف المصرية المستقلة المدعومة أميركيا والتي صدرت تباعا منذ بدأت أميركا سياسات دعم التحول الديمقراطي، وقد أثبتت هذه الصحف نجاحات ملموسة كانت من الأسباب التي أدت إلى اندلاع ثورة 25 يناير ونجاحها البارق الملفت للأنظار، ثم إذا بهذه الصحف التي خلقت للديمقراطية (وإن أرادت النجاح فهي لا تصلح لغيرها) تدفع دفعا من بعض من يدعون صلتهم بالأميركيين الرسميين للسير في ركاب الانقلاب (تحت دعوى أنها مرحلة انتقالية سوف تعقبها خطوات العودة إلى حكم مدني) كما تحولت إلى استعمال جديد لم تخلق له، ولم تدرب عليه، وهو ترسيخ عبادة الفرد وعبادة البيادة وعبادة القهر.

ومع أن حقيقة الصورة لم تصل بعد لدافع الضرائب الأميركي فإن الحل الأمثل لهذا التناقض يتمثل بوضوح في توقف صدور هذه الصحف التي ينذر استمرار صدورها بهذه الرؤية الملتبسة بتأجيج العداوة للأميركيين سواء من الإسلاميين الذين امتلأت بهم المعتقلات أو المثقفين الذين صدموا من التناقضات الأميركية التي أصبحت في النهاية تناقضات خطرة على الحياة البيولوجية (وليس الحياة السياسية فحسب) لأنها قاتلة لإخوانهم في الوطن مع محاولة مكشوفة للتنصل من القتل الصريح بما يؤدي تلقائيا إلى قتل أكثر صراحة، وذلك كنتيجة حتمية لا مفر منها للتعامي والتصامم عن جرائم شهدها العالم كله على الهواء وسعد الأميركيون بها لأن ضحاياها مسلمون.
المصدر : الجزيرة

حوار حصري مع د. أحمد أمين حول مستقبل التحالف السعودي التركي

حوار حصري مع د. أحمد أمين حول مستقبل التحالف السعودي 


التركي

حوار حصري مع د. أحمد أمين الباحث في جامعة يالدريم بايزيد بأنقرة حول مستقبلالتحالف السعودي التركي

حوار: صلاح حسنين

قال الدكتور أحمد أمين الباحث في العلاقاتالدولية في جامعة يالدريم بايزيد بأنقرة: إنالخلافات بين وجهات النظر التركية والإيرانية هيخلافات جوهرية وعميقة في تعاطي كليهما مع الأزمةفي سوريا، ومع الصراعات الدائرة في المنطقة.

وأضاف في حوار له لـ"مفكرة الإسلام" أنه لا يعتقد أنتقود تركيا تحالفًا ضد إيران، ولكنها بلا شك تتقاطعوجهات نظرها وتفضيلاتها مع التوجهات السعودية.

*في ظل سيطرة إيران على العراق وتدخلها العسكري فيسوريا وهي منطقة جوار تركيا ..كيف تنظر الدولةالتركية لهذا التقارب العسكري الإيراني منها؟

الخلافات بين وجهات النظر التركية والإيرانية هي خلافات جوهرية وعميقة في تعاطي كليهما مع الأزمة في سوريا،ومن الصراعات الدائرة في المنطقة.

فإيران منذ قيام الثورة في القرن الماضي وحتى الآن لم تواتيها فرصة للظهور والهيمنة على المنطقة العربية كماواتتها الآن.

فقد كان حلم الخميني مرشد الثورة الإيرانية بأن تصبح إيران دولة ذات نزعات توسعية وتوجهات استعمارية ومهيمنةعلى المنطقة العربية لعدة أسباب:

أولها: البعد الديني الطائفي والذي يعد بلا شك امتدادًا للمذهب الشيعي الاثنى عشري، والذي تبنته الدولة الصفويةوحولته إلى المذهب الرسمي للدولة من أكثر من خمسمائة عام..

وثانيهًا: متقاطع مع البعد الجيوسياسي لإيران وموقعها وتاريخها وتراثها الذي عملت الثورة الإيرانية على إحيائه ليصبح وقودًا للدولة الإيرانية في طموحاتها ومسيرتها نحو التحول إلى دولة متقدمة.

وثالثها: استثمار إيران للصراع القائم في المنطقة، وشنها المستمر لحملات إعلامية على "إسرائيل"، والغرب منورائها، باعتباره الداعم الرئيس لـ"إسرائيل".

وأخيرًا: وليس آخرًا الملف النووي الإيراني والذي يهيمن على العلاقات الإيرانية - الغربية بصورة عامة، والعلاقاتالإيرانية - الأمريكية بصورة خاصة.

أما على الجانب التركي، فإن تركيا منذ قيام الجمهورية الحديثة وحتى اللحظة تعتبر حليفًا رئيسًا للولايات المتحدةالأمريكية في المنطقة، وغالبًا ما تتسم تفضيلاتها السياسية بصورة إجمالية بالتقاطع مع أهداف السياسة الخارجيةالأمريكية.

ولكن تجدر الإشارة إلى أنه مع صعود الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان كرئيس وزراء مع بداية الألفية الجديدة،وانتهاءً بنجاحه كأول رئيس تركي يصل إلى سدة الحكم بالانتخاب المباشر، حقق تغيرًا جوهريًّا في موقف تركيا تجاهالمنطقة العربية وأزماتها، خاصة مع بداية الربيع العربي في 2011.

فعلى الرغم من تقاطع وجهات النظر التركية والأمريكية حيال التحول الديمقراطي في دول الربيع العربي، خاصةمصر، وتونس، إلا أن الأهداف السياسية تختلف لكليهما.

وتعقيبًا على تلك المقدمة التي حاولت شرح الفروقات الجوهرية بين البلدين، وأهداف كليهما في المنطقة، فإن بنيةالنظام السياسي في كلا منهما يختلف اختلافًا عميقًا وجوهريًّا بينهما، إلا أن كليهما يتسم بالاستقرار الذي يتيح لكلمنهما أن يعلب دورًا هامًّا ومحوريًّا في المنطقة التي تعاني من غياب دول حقيقية، مع وجود أزمات متكلسة، وقدعمل الربيع العربي على تفاقمها في السنوات القليلة المنصرمة.

ولا شك أن الدولة التركية بقيادة الرئيس أردوغان تنظر إلى دور إيران المتنامي في العراق وسوريا، ومن ثم اليمن،عن كثب واهتمام، خاصة وأن تلك التحركات لا يمكن فصلها عن السياسة الخارجية الأمريكية المتخبطة في المنطقةبسبب تخبط إدارة الرئيس أوباما، وانسحاب الولايات المتحدة تدريجيًّا من المنطقة لحساب إيران، والتي تهيمن بالفعلعلى العراق منذ رحيل القوات الأمريكية، وها هي تسيطر على سوريا، ولبنان, وهذا ما جاء في تصريح الرئيسالتركي أردوغان من يومين تقريبًا عن انتقاده للتوسع الإيراني في منطقة الشرق الأوسط.

*منذ عقود طويلة لم تدخل تركيا وإيران في صراع مسلح منذ توقيع آخر معاهدة بينهما قبل أكثر من أربعمائة عام،واستطاعت الدولتان إدارة الخلافات بينهما ...كيف ترى مستقبل العلاقات مع تصاعد النفوذ الإيراني؟ وهل هناكاحتمالات حرب؟

العلاقات التركية - الإيرانية ليست علاقات عابرة، فهي تحكمها المصالح المشتركة لكل منهما.

فمثلًا، النظام الإيراني يرى في تركيا مدخلًا هامًّا ومعبرًا لتصدير الغاز الإيراني إلى أوروبا، وذلك لاعتبار إيران تمتلكثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا.

وحيث إن إيران تريد حلحلة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها عالميًّا، فإنها لن تستطيع أن تقوم بذلك إلا عبرتركيا، باعتبارها بوابة إيران للاتحاد الأوروبي.

وعلى الجانب التركي، فإن تركيا ترى في إيران مركزًا ومعبرًا هامًّا لصادراتها سواءً لإيران ذاتها أو لآسيا.

هذه بعض الأمثلة على العلاقات الاقتصادية التي تحكم علاقاتهما السياسية. وبالتالي فإن البعد الاقتصادي هوالحاكم الرئيس في علاقاتهما.

ويمكن الاستدلال على ذلك بالزيارة الأخيرة التي أجراها الرئيس الإيراني روحاني إلى تركيا في العام الماضي، وقدشهدت توقيعًا لعدة اتفاقات اقتصادية بينهما.

وعلى الرغم من انخراط كليهما في الأزمة السورية، وتعارض وجهات النظر بينهما إلى حد التنافر والقطيعةالسياسية، إلا أن المصالح الاقتصادية هي التي تغلب على موقفهما.

وأيضًا لابد من الإشارة هنا أن تركيا بدأت عملية إصلاح لعلاقاتها الخارجية خلال العقد المنصرم، وحتى اللحظة،بالقدر الذي يخرج تركيا من حالة العزلة الدولية المفروضة عليها منذ القرن الماضي.

وفي ذات الوقت، فإن سياسة تركيا الحالية بقيادة أردوغان تحول دائمًا بين انخراط تركيا في صراع عسكري مع أيمن دول الجوار.

وهذا الموقف التركي تكرر كثيرًا في الفترة القليلة الماضية, فعلى سبيل المثال رفضت تركيا المشاركة في التحالفالدولي ضد ما يعرف بتنظيم الدولة، وتسير في تصفية الأزمة الكردية في الداخل التركي، وفي الخارج في إقليمكردستان. كما رفضت التدخل العسكري في سوريا، على الرغم من التأثير السلبي للنزاع القائم حتى اللحظة علىتركيا داخليًّا وخارجيًّا.

وأخيرًا قامت تركيا بنقل ضريح سليمان شاه من سوريا كي لا تكون هناك ذريعة لأي تدخل عسكري تركي فيالصراعات القائمة في المنطقة.

وتحاول تركيا بسياسات النأي بنفسها عن تلك الصراع، وتفادي أي صراع مع أي من القوى الإقليمية الكبيرة،كإيران، و"إسرائيل"، وغيرهما.

ولذا فإنني أستطيع التقدير أن تركيا ستحرص على تجنب أي صراع عسكري مع إيران لكل الاعتبارات السابقة الذكروغيرها, على الرغم من أن وقع تلك السياسات أصبحت ذات كلفة لا يستهان بها سياسيًّا واقتصاديًّا.

أما عن احتمالات تلك الحرب فهي قائمة وستظل قائمة، طالما وُجد فراغ سياسي وعسكري نتيجة للغياب العربي،وسعي إيران الحثيث لملء ذلك الفراغ، بمباركة الولايات المتحدة، والتي بدأ دورها يخفت تدريجيًّا في المنطقة، علىالرغم من بقائه العامل الرئيس في تحديد وتوجيه مسارات التغيرات السياسية.

*بعد زيارة أردوغان للرياض ..هل ترى أن أنقرة يمكن أن تقود تحالفًا ضد إيران؟ ومن يقود هذا الحلف؟

لا أعتقد أن تركيا ستقود ذلك التحالف ضد إيران، ولكنها بلا شك تتقاطع وجهات نظرها وتفضيلاتها مع التوجهاتالسعودية، والخليجية عامة، في التوجه لكبح جماح نزعات إيران التوسعية، وذلك لانعكاس ذلك عليها كما ذكرت.

ولذا فإنها ستشارك في هذا التوجه، على الأقل سياسيًّا، وليس عسكريًّا, فعملية عاصفة الحزم على سبيل المثال،تضم قائمة من الحلفاء المشاركين بصورة مباشرة في العمليات العسكرية الدائرة في اليمن، وليس من بينهم تركيا،والتي أعلنت عن مباركتها لها منذ بدايتها.

*تركيا دولة علمانية ولا تتدخل في الصراع الطائفي السني الشيعي؛ فهل ترى أنها يمكن أن تواجه نفوذ إيران المتناميبزعامة وغطاء سني، خاصة وأن لها تجربة في دعم سنة العراق؟

الخيارات السياسية أمام تركيا في الصراع الدائر ليست متعددة, فهي تريد الحفاظ على موقعها الحالي، وتنأى بنفسهاعن المشاركة في الصراع القائم، وفي ذات الوقت أصبحت تكلفة ذلك عليها كما ذكرت آنفًا سياسيًّا واقتصاديًّا تكلفةليست بالهينة.

وبالتالي فإنها ستحاول دعم الجبهات السنية المنخرطة في الصراع مع إيران سياسيًّا. صحيح أن ذلك يختلف معطبيعة النظام العلماني القائم في تركيا، إلا أن سياسات الدول تقوم على المصلحة في نهاية المطاف.

ومن ثم، فإن تركيا ستتجه إلى الحفاظ على مصالحها، والدفاع عنها بغية تخفيف وطأة التوسع الإيراني، وفي ذاتالوقت ستحاول الضغط على إيران للحد من توجهها الحالي.

ولكن مآلات ذلك ستظل مجهولة، طالما أن الموقف التركي يتسم بعدم الوضوح، على الأقل عسكريًّا على الأرض.

*كيف ترى مستقبل العلاقة بين أردوغان وجماعة كولن؟ هل ترى أنه لا أمل في عودة الوفاق؟

العلاقة بين أردوغان وحزبه السياسي، وبين جماعة كولن، علاقة قديمة من صعود أردوغان إلى رئاسة الوزراء في2002 وظلت تلك العلاقات قوية حتى تأرجحت في الفترة القليلة الماضية.

وكان لتأييد جماعة كولن لحزب الشعب الجمهوري، الغريم السياسي الدائم لتيار الإسلام السياسي منذ نشأة الدولةالحديثة، والمشاركة في مناكفة أردوغان كرئيس للوزراء، والإحجام عن دعمه في الانتخابات الرئاسية الماضية،والتنصت عليه وعلى العديد من القيادات السياسية في حزبه، وفضيحة الرشاوى وغيرها، كل تلك الأحداث ساهمتفي خلق حالة من الصراع الداخلي العميق بين أردوغان وبين جماعة فتح الله كولن.

فأردوغان يضع في أولوية أهدافه السياسية الداخلية، بعد تحقيق السلام الداخلي، والتنمية الاقتصادية، تفكيك الكيانالموازي الذي يدير الدولة، ويساهم في إحداث حالة من البلبلة في الداخل التركي.

وأعتقد أنه بصدور حكم قضائي بالحكم على كولن، ومطالبة تركيا للولايات المتحدة بتسليمه لها، أصبح طريق العودةللوفاق مسدودًا.

*أردوغان مهتم بأفريقيا وخاصة الصومال وما جاورها؛ فما أسباب ذلك؟

توجد فلسفة تركية تجاه التعامل مع أفريقيا، فتركيا ترى أن الشعوب الأفريقية قاطبة تعاني من الهيمنة الغربية، والتيتساهم في نهب ثروات أفريقيا، وتدمير شعوبها، والتي ما تزال مستمرة حتى اللحظة.

وعلى الرغم من صحة ذلك تاريخيًّا، إلا أن الهدف الرئيس للحكومة التركية القائمة هو العمل على إخراج تركيا منحالة العزلة التي عاشتها في القرن الماضي، وخلق فضاء اقتصادي للاستثمارات التركية في القارة الأفريقية.

وبالتالي فإن السياسة هنا تتزاوج مع التوجه الاقتصادي في التحرك التركي تجاه أفريقيا.

وأيضًا، فإن إفريقيا تمثل مجالًا خصبًا للصراع الاقتصادي بين القوى الإقليمية الكبيرة، إيران، و"إسرائيل", ولذا فإنلهذا التوجه انعكاسات سياسية على الصراع الدائر في المنطقة على المدى المتوسط والبعيد.

*ما تقييمك للمفاوضات الإيرانية الغربية؟ وهل ستفضي إلى اتفاق؟ وما نتائجه؟

"لسنا تجار سجاد .."تلك كانت تصريحات الممثل الإيراني في المفاوضات الإيرانية - الغربية حول الملف النوويالإيراني.

فإيران عازمة على امتلاك التكنولوجيا النووية، ولن تتراجع في تقديري عن هذا التوجه, لكن الخلاف الدائر هو كيفيةتحجيم هذا الطموح النووي الإيراني ليتسق مع المصالح الغربية في المنطقة، في جعل "إسرائيل" هي القوة الوحيدةالتي تمتلك تلك القوة بطابع عسكري.

إيران بتوسعها العسكري الحالي في العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، تطمح أن تكون حاميًا للمصالح الغربية فيالمنطقة، في الوقت الذي تستثمر فيه ذلك للضغط على الدولة الغربية لتمرير مشروعها النووي.

وفي ذات الوقت، تنظر الدول الغربية لذلك بعين الشك والقلق، خاصة وأن "إسرائيل" تعارض ذلك بكل قوة.

تقديري أن إيران في اللحظة الحالية في موقع أكثر قوة منذ بداية مشروعها النووي، خاصة على الصعيد الإقليمي.

وبالتالي إمكانات نجاح المفاوضات بينها وبين الدول الغربية حيال الملف النووي ستكون كبيرة.

وسيكون لذلك انعكاسات سلبية جمة على المنطقة، خاصة وأن سياسات إيران سياسات طائفية بامتياز، وهو ماسيجر المنطقة إلى صراعات مستمرة، لا يمكن تقدير نتائجها إلا بعد الوصول للاتفاق الإيراني - الغربي حيال الملف النووي.

رحلة الاستشراق – لماذا ظل الاستشراق معاديًا للإسلام؟


رحلة الاستشراق – لماذا ظل الاستشراق معاديًا للإسلام؟
الاسطرلاب من المساهمات الاسلامية في الحضارة البشرية

محمد إلهامي
باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية

وُلد الاستشراق من رحم المواجهة الأولى بين الإسلام والغرب، وعاش طفولته في عصر الحروب الصليبية، ونضج واشتد ساعده في عصر النهضة والاستعمار الغربي، وفي هذه المرحلة كانت كتب المستشرقين ودراساتهم نماذج شاهدة على جودة البحث العلمي ودليلا على الجهد الكبير المبذول في موضوع الدراسة.

وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال طبيعي: إذا كان الاستشراق عملاً علميًا، وإذا كان المستشرقون قد استطاعوا الوصول إلى المصادر الأصلية ولم يعودوا يعانون صعوبة التواصل مع المسلمين، فلماذا لم تتحسن صورة الإسلام في الغرب؟! ولماذا خرجت أغلب الكتابات الاستشراقية تنقل صورة شائهة عن المسلمين؟!

وجدنا في نص قديم يرجع إلى الربع الأول من القرن السابع عشر أن من بين علماء النصارى في فرنسا من يعلن "المسلمون أعطاهم الله عقولاً وافرة"[1]، إلا أن هذا إنما كان في سياق مجادلة، ثم هو بعد ذلك لم يتردد ولم يتسرب إلى العامة أبدًا، بل هو لم ينتشر بين العلماء والمستشرقين، وسيلاحظ "أي باحث موضوعي أن الأغلبية المطلقة من مستشرقي القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين لم يتخلصوا من المواقف المسبقة الموجهة ضد الإسلام، سواء أكان عداؤها صريحًا مباشرًا وعنيفًا أم كان يتسم بعدم الارتياح تجاه الشعوب الإسلامية"[2].
وحتى في حمأة الدفاع عن الغرب يُقِرُّ مؤلفان غربيان بأن "بعض ضروب التحامل الاستشراقية لا ترى في الشعوب غير الغربية تلك الكائنات البشرية الراشدة، فعقولهم عقول أطفال، ويُمكن أن يُعاملوا تاليًا على أنهم سلالات أدنى"[3].

إنه السبب القديم المقيم: العلم في خدمة السياسة! فالسلطة التي تدعم العلوم وأهلها لا تنتظر منهم بطبيعة الحال أن يخرجوا بنتائج تضاد وتناقض مصالحها ومطامحها، ولذلك "يمكن القول بموضوعية كاملة إن "علم الإسلاميات" ولد في أحشاء المخططات الاستعمارية"[4]، ولم يكن يستطيع إلا أن يكون ابنًا بارًا ومطيعًا!

ولذلك سنجد في عهد نضوج الاستشراق نفس الكلام الذي قيل قبل أن تبدأ الدراسات العلمية، ففي (1697م) ظهر بارتلمي ديربيلو، الذي ألف "المكتبة الشرقية" وهو المؤلف الذي يوصف بأنه دائرة المعارف الإسلامية الأولى، واستعان فيه بمصادر عربية وتركية وفارسية وبذل جهدًا كبيرًا لإزالة الأفكار الخاطئة المتراكمة عند المسيحيين، وكان طبيعيًا أن يخرج هذا العمل بروح إيجابية ملموسة، ولكنه برغم هذا يقول: "هذا هو الدجال الشهير محمد، صاحب ومؤلف بدعة اكتسبت اسم الدين ونسميها المذهب المحمدي، وقد نسب المسلمون إلى هذا الكاذب جميع الفضائل التي ينسبها الآريون أو البوليسيون أو المتشبهون بهم وغيرهم من دعاة البدع إلى يسوع المسيح وإن كانوا ينزعون عنه صفة القداسة"، وفي نفس العام ظهر كتاب "محمد: طبيعة الدجل الحقيقية" للإنجليزي همفري بريدو الذي يقول بأن الإسلام هو نموذج واضح لمستوى البلاهة التي يمكن أن يصل إليها أي دين، ويجب أن نتذكر أننا في نهاية القرن السابع عشر وبداية الثامن عشر أي أن عصر التنوير قد بدأ منذ زمن، يقول عن النبي: "كان الشطر الأول من حياته يتسم بالإباحية الشديدة والآثام البالغة، وكان يجد متعة كبيرة في السلب والنهب وإهراق الدم، تملكته صفتان: الطموح والشهوة، فتشييد مملكته يدل على الأولى وتعدد زوجاته يدل على الثانية، وكل سورة في القرآن لا تخلو من قانون للحرب وإهراق الدماء، كما لا تخلو من إباحة التمتع بالنساء في الدنيا وكذلك في الآخرة"[5].

وانطلاقًا من أن العلم إنما كان في خدمة المصالح والمطامح والمطامع، يرى إدوارد سعيد أن "القيمة الكبرى للاستشراق تكمن في كونه دليلاً على السيطرة الأوروبية الأمريكية على الشرق أكثر من كونه خطابًا صادقًا حول الشرق (وهو ما يزعمه الاستشراق في صورته الأكاديمية أو البحثية) ومع ذلك فعلينا أن نحترم ونحاول أن ندرك ما يتسم به خطاب الاستشراق من قوة متماسكة متلاحمة الوشائج، والروابط الوثيقة إلى أبعد حد بينه وبين المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمنحه القوة، وقدرته الفائقة على الاستمرار، وعلى كل حال، فإن أي مذهب فكري يستطيع الصمود دون تغيير، واستمرار التمتع بمنزلة العلم الذي يتعلمه الناس (في المعاهد التعليمية والكتب والمؤتمرات والجامعات ومعاهد تخريج العاملين بوزارة الخارجية) منذ عصر إرنست رينان في فرنسا في أواخر الأربعينيات من القرن التاسع عشر حتى الوقت الحاضر في الولايات المتحدة، لابد أن يكون أقوى من مجموعة من الأكاذيب وحسب، وليس الاستشراق إذن خيالاً أوروبيًا متوهمًا عن الشرق، بل إنه كيان له وجوده النظري والعملي، وقد أنشأه من أنشأه، واستُثْمِرَت فيه استثمارات مادية كبيرة على مرّ أجيال عديدة[6].
وقد أدى استمرار الاستثمار إلى أن أصبح الاستشراق، باعتباره مذهبا معرفيا عن الشرق، شبكة مقبولة تسمح منافذها بتسريب صورة الشرق إلى وعي الغربيين، مثلما أدى تكاثر ذلك الاستمرار نفسه، بل وتحوله إلى مصدر حقيقي للإنتاج والكسب، إلى تكاثر الأقوال والأفكار التي تتسرب من الاستشراق إلى الثقافة العامة"[7].

ومن ثم فليس غريبًا أن يذهب البعض إلى القول بأن الاستشراق "لم يفعل شيئًا مهمًا، اللهم إلا أنه أضفى صبغة علمية على الأضاليل القديمة، والخرافات والقوالب النمطية الغربية العتيقة عن الإسلام"[8].

لكن أمرًا مهمًا يجب أن ننتبه إليه، ونعترف به بمقتضى العدل والإنصاف، ذلك أن نضوج الاستشراق وتقيده بالتقاليد العلمية أسفر عن كثير من المراجعات في صفوف المستشرقين، فظهرت كثير من الكتابات والدراسات المنصفة، وصدر عن كثير من المستشرقين مدح وافر وثناء جميل على الإسلام ونبيه وحضارته وأثره، واعترف كثير منهم بفضل الإسلام على الإنسانية وفضل الحضارة الإسلامية على مناحي التقدم العلمي والأدبي، كما واعترف بعض المستشرقين أن تيار الاستشراق عاجز عن الوصول إلى دراسة كافية وحقيقية عن الإسلام، ونادى بأن يتصدى المسلمون لذلك فهم أهله وأولى به[9].

إلا أن التيار العام للاستشراق ظل وفيًا للأطماع الغربية ويعمل في خدمتها، والسؤال الآن: كيف يستطيع الاستشراق - وهو يزعم العلمية والموضوعية والتقصي - أن يمارس ذات دور التشويه والتجهيل والكذب في عصر ثورة الإعلام والاتصالات؟!

هذا ما نتناوله في المقال القادم إن شاء الله تعالى.



[1] أفوقاي الأندلسي: رحلة أفوقاي الأندلسي ص 85.

[2] أليسكي جورافسكي: الإسلام والمسيحية ص 91.

[3] إيان بوروما ومرجليت أفيشاي: الاستغراب ص 22.

[4] أليسكي جورافسكي: الإسلام والمسيحية ص 90.

[5] كارين أرمسترونج: سيرة النبي محمد ص 55، 56.

[6] انظر مثلاً: د. مازن مطبقاني: من قضايا الدراسات العربية الإسلامية في الغرب ص 14 وما بعدها.

[7] إدوارد سعيد: الاستشراق ص 50.

[8] أليسكي جورافسكي: الإسلام والمسيحية ص 91.

[9] قال المستشرق آربري للدكتور مصطفى السباعي: "إنَّنا - نحن المستشرقون - نقعُ في أخطاء كثيرة في بُحُوثنا عن الإسلام، ومن الواجب ألا نخوضَ في هذا الميدان؛ لأنَّكم - أنتم المسلمون - العرب أقدرُ مِنَّا على الخوض في هذه الأبحاث"، وقال المستشرق الألماني شوديل يقول: "ما الذي يمكن أن نعلمه لتلاميذنا العرب في مسألة منهج الإنتاج العلمي؟ إنهم يلمون بذلك أحسن منا".

د. مصطفى السباعي: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص 29.

أمريكا توفر الغطاء الجوي لعملية التطهير العرقي في العراق

The U.S. Is Providing Air Cover for Ethnic Cleansing in Iraq

Iran’s Shiite militias aren’t a whole lot better than the Islamic State.

أمريكا توفر الغطاء الجوي لعملية التطهير العرقي في العراق



كتب مايكل وايس ومايكل بريجنت
ترجمة وتحرير نون بوست

بدأت الطائرات الحربية الأمريكية بقصف مدينة تكريت التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية بغية إنقاذ الحملة البرية المحاصرة والمتعثرة التي أطلقتها بغداد وطهران منذ أسبوعين، هذه العملية - التي وُصفت بأنها انتقام لقيام داعش بذبح 1700 جندي شيعي في قاعدة سبايكر في يونيو الماضي- أُطلقت بدون أي تشاور مع واشنطن، وكان من المفترض أن تكون قد انتهت الآن، أي بعد ثلاثة أسابيع من النشوة التي شعرت بها الحكومة العراقية إثر تقهقر داعش من معقلهم في مسقط رأس صدام حسين والتفاؤل بقرب استعادة السيطرة على كامل تكريت نتيجة لذلك.

قدّر مسؤولون أمريكيون عدد القوات الموالية للحكومة المضطلعة بمهام محاربة داعش بـ 23.000 إلى 30.000 شخص، وقلة فقط ضمن هذه القوات تعمل بشكل رسمي ضمن الجيش العراقي، أما البقية فتتألف من مجموعة ميليشيات شيعية تعمل تحت راية الحشد الشعبي، أو ضمن قوات التعبئة الشعبية، والتي تم تجميعها إثر الفتوى الصادرة عن المرجعية الشيعية في العراق آية الله علي السيستاني في يونيو 2014، التي صدرت في أعقاب الحرب الخاطفة التي نفذها داعش وسيطر فيها على أجزاء من شمال العراق، وإمعانًا في تكريس التفاوت بالقوة، يُقال إن قوات التعبئة الشعبية تقود حوالي 120.000 مقاتل، في حين أن الجيش العراقي يقود 48.000 جندي فقط.

وفي وجه هذا الجمع الحافل من القوات شبه العسكرية، تمكّن حوالي 400 إلى 1000 مقاتل من داعش من الصمود في تكريت، وأجبروا العمليات القتالية الرئيسية على التوقف، والسبب بذلك يعود - في الجزء الأكبر منه - إلى لجوء الدولة الإسلامية إلى ذات التكتيكات القاتلة التي استعملها تنظيم القاعدة في العراق - التجسيد السابق لداعش - ضد القوات الأكثر مهنية والأفضل تجهيزًا المتمثلة بالجيش الأمريكي، كما أشار مايك جيغليو في مقالة له بموقع بازفيد (BuzzFeed) عنونها باسم "العدو الخفي في العراق"، إلى اقتدار ومهارة داعش في تصنيع العبوات الناسفة، ووصف مدى تطور وتعقيد هذه المتفجرات، لدرجة أن فرق التفكيك الماهرة والمدعومة من المتخصصين الإيرانيين يجري تمزيقها إربًا نتيجة لهذا "العدو الخفي" في تكريت.

داعش التي تسيطر على مئات الأميال المربعة من الأراضي العراقية، لديها عدد غير معروف من مصانع القنابل والعبوات الناسفة، ونظرًا لمعرفتهم بتضاريس المنطقة بشكل جيد، كانوا قادرين على تفخيخ المنازل والطرقات، لا بل يُعتقد أيضًا أنهم استطاعوا تفخيخ السبحات الشيعية التي تجدها ملقاة على الأرض، وقال مسؤول كردي لجيغليو إن مقاتلي البشمركة الكردية وحدهم استطاعوا تفكيك أو تفجير أكثر من 6000 عبوة ناسفة على طول خط الجبهة مع داعش الممتد حتى 650 ميل وذلك منذ بدء الحرب في أغسطس الماضي.

الحصيلة التي مُنيت بها الميليشيات نتيجة لهذه المفخخات هي حصيلة خيالية، حيث يشير عمال مقبرة في النجف لصحيفة واشنطن بوست أن حوالي 60 جثة تصل يوميًا إلى المقبرة، كما أشار المسؤول السابق في وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية ديريك هارفي في تغريدة له الأسبوع الماضي، أن مصدر شيعي عراقي أخبره أن عدد عناصر الميليشيات التي قضت نتيجة لهجوم تكريت قد تصل إلى 6000 شخص، وأن التهليل بنصر الميليشيات في تكريت بمجمله صنيعة مضللة لآلة الدعاية الإيرانية، كما قال جيفري وايت مسؤول سابق آخر في وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية والذي يعمل الآن في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى "هناك إخفاق في إرادة الميليشيات والقوات الحكومية، فمن الملاحظ نقص الرغبة والعزيمة الكافية للتقدم بالمعركة إلى الأمام وذلك نظرًا للخسائر التي يُمنون بها".

ونتيجة لهذه الأوضاع اضطرت ذات الحكومة العراقية التي أنكرت حاجتها في وقت سابق إلى القوة الجوية الأمريكية إلى طلبها مؤخرًا، لئلّا ينحدر الفوز السهل الذي هللوا وروجوا له إلى حماقة محرجة، ومن المفترض أن تكون الأشهر القليلة الماضية قد أظهرت أن فكرة الاعتماد - ولو بشكل غير مباشر - على عملاء إيرانيين لفتح حرب برية ضد المتطرفين السنة كانت دائمًا فكرة رديئة لثلاثة أسباب؛ أولها أن هؤلاء العملاء يمقتون الولايات المتحدة وهددوا بمهاجمة مصالحها في العراق لأكثر من مرة، وثانيها لأنهم أنفسهم مذنبون بمجازر من الطراز الذي ترتكبه داعش، ولأنهم أخيرًا رديئون في مكافحة التمرد القائم على القيم الجهادية الراسخة.

وتعليقًا على ذلك قال رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة مارتن ديمبسي أمام الكونجرس يوم 3 مارس "نحن نراقب بعناية ما إذا كانت الميليشيات - الذين يطلقون على أنفسهم قوات التعبئة الشعبية - تقوم باستعادة الأراضي التي خسرتها، أم تنخرط في أعمال انتقام وتطهير عرقي"، وأضاف "لم يكن من الضروري أن نراقب لفترة أطول لنتأكد بأنهم ينخرطون في هذه العمليات".

جرائم الحرب

في 10 مارس الجاري، أصدر مكتب الأمم المتحدة للمفوضية السامية لحقوق الإنسان (OHCHR) دراسة شاملة حول انتهاكات حقوق الإنسان التي اُرتكبت من قِبل داعش والقوات الحكومية العراقية، واختتمت المفوضية في تقريرها بقولها إنه من المرجح ارتكاب الدولة الإسلامية لجرائم الإبادة الجماعية ضد الإيزيديين وهم أقلية عرقية ودينية في العراق، وتشمل هذه الجرائم الاغتصاب الجماعي والاسترقاق الجنسي، ولكن على الجانب الآخر كانت عبارات المفوضية لا لبس فيها حول إدانة الجانب الآخر في ساحة المعركة، حيث جاء في التقرير "خلال صيف عام 2014، انتقلت قوات التعبئة الشعبية والميليشيا الشيعية ومتطوعون آخرون من أراضيهم في الجنوب، نحو الأراضي التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية في وسط وشمال العراق، وفي خضم الحملة العسكرية ضد الجماعة التي تمت فيها استعادة بعض الأراضي، يبدو أن الميليشيات تركت مخلفات الموت والدمار في أعقابها".

تشير الوقائع أن القرى السنية الواقعة في مناطق أمرلي وسليمان بيك والتابعة لمحافظة صلاح الدين، تم نهبها أو تدميرها من قِبل الميليشيات التي تفترض - زورًا - أن جميع السكان الذين عاشوا تحت حكم داعش يجب أن يكونوا متعاطفين أو متعاونين مع التنظيم، حيث أشارت منظمة هيومن رايتس ووتش أيضًا أنها اكتشفت مؤخرًا أن عملية تحرير قرية أمرلي في أكتوبر الماضي - العملية التي نفذتها قوات التعبئة الشعبية بقيادة إيرانية والتي تلقت دعمًا جويًا من قِبل الولايات المتحدة - تميزت بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق، بما في ذلك نهب وحرق المنازل والأعمال التجارية لسكان السنة الذين يعيشون في القرى المحيطة بقرية أمرلي، واختتمت هيومن رايتس ووتش التقرير بالوصول - من خلال روايات الشهود - إلى نتيجة مفادها أن الهدف خلف هذه العمليات واضح وهو التطهير العرقي، حيث جاء في التقرير "لقد كان تدمير الأبنية في 47 قرية على الأقل ذات أغلبية سنية عملًا ممنهجًا ودافعه الانتقام ويهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية لمحافظتي صلاح الدين وكركوك المتنوعتين دينيًا".

في الواقع لم تقتصر جرائم العقاب الجماعي على الطائفة السنية، حيث يشير شاب شيعي تركماني يبلغ من العمر 21 عامًا إلى قيام مسلحين من سرايا طلائع الخرساني - مليشيا أخرى مدعومة إيرانيًا - بإحراقه بالسجائر وتقييده على المروحة السقفية، وأوضح الشاب لهيومن رايتس ووتش ما حدث بقوله "استمروا بالقول لي أنت من داعش، وأنا ما برحت أنكر ذلك، كانوا يضربونني بشكل عشوائي على وجهي ورأسي وكتفي واستخدموا أنابيب المياه وأخمص الأسلحة، ذهبوا لتناول الغداء ثم عادوا وضربونا لمدة ساعة ونصف، وفي وقت لاحق من تلك الليلة سألوني إن كنت سنيًا أم شيعيًا، وأجبت أنني تركماني شيعي وطلبوا مني اثبات ذلك بالصلاة على الطريقة الشيعية، وبقيت على هذا الحال لمدة تسعة أيام".

هذه الممارسات موثقة بآلاف مقاطع الفيديو التي تم نشرها على وسائل الإعلام الاجتماعي، والتي تثبت بأدلة مصورة أن ممارسات الميليشيات الشيعية في العراق أشبه بممارسات الدولة الإسلامية، من ذبح وتعذيب وتخوين للسكان، إلى استعمال هذه الفظائع كوسيلة لتجنيد المقاتلين من القرى، والأمر الأكثر مدعاة للقلق، هو ما أشار إليه تحقيق قناة إي بي سي نيوز في العراق، والذي استمر لمدة ستة أشهر، وتبين على إثره وجود أفراد من قوات الأمن العراقية التي دربتها الولايات المتحدة مسؤولين عن المذابح ضد السنة، حيث يبين أحد مقاطع الفيديو قيام ضابط من القوات الخاصة العراقية باتهام صبي أعزل في سن المراهقة بإطلاق النار ضد القوات الحكومية - لأمر الذي أنكره الصبي - قبل فتح النار عليه.

نظرة الجانب الأمريكي

إن سياسة مكافحة الإرهاب التي تتبعها إدارة أوباما في الشرق الأوسط، والمصالحة الدبلوماسية التي تنشدها هذه الإدارة في إيران، أدت إلى تضاؤل اهتمام أمريكا بجرائم الحرب الجسيمة المرتكبة من قِبل عملاء إيران ووكلائها، علمًا بأن هذه الجرائم لا تقتصر فقط على العراق؛ ففي سوريا على سبيل المثال، تم اتهام قوات الدفاع الوطني - مجموعة من الميليشيات المدربة والمجهزة من قبل فيلق القدس الإيراني وهو كيان مصنف كإرهابي في الولايات المتحدة - من قِبل الشبكة السورية لحقوق الإنسان والمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، بحرق ما لا يقل عن 81 شخصًا حتى الموت، بما في ذلك 46 مدنيًا و18 طفلًا و7 نساء و35 مقاتلًا من المعارضة المسلحة، وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية الأمريكية أعربت عن تعازيها بوفاة والدة الرئيس الإيراني حسن روحاني، بيد أنها لم تنبس ببنت شفة - حتى الآن - عن جرائم حرق السوريين المرتكبة على أيدي فيلق القدس.

جميع ما تقدم يقودنا للتساؤل: هل أمريكا لها "مصالح مشتركة" - وفق العبارة التي صاغها وزير الخارجية جون كيري - مع إيران؟ هل تشترك بمصالحها مع نظام طهران الذي يقوم وعملاؤه في المنطقة بحرق الناس أحياء وهي في منازلها؟ هل تتعاون فعلًا مع نظام يلعب أفراده - حرفيًا - كرة القدم برؤوس بشرية مقطوعة، ويمارس التطهير العرقي بهدم قرى بأكملها وتسويتها بالأرض؟

من غير المفترض أن يتفاجأ المسؤولون في الحكومة الأمريكية بالواقع الذي يشير إلى أن غلو الاحتلال الإيراني في بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين من شأنه أن يؤدي إلى زيادة سفك الدماء باسم الجهاد السني، والجنرال ديمبسي بالذات يدرك تمامًا معنى هذا، كونه سبق له وأن قاد الفرقة المدرعة الأولى في بغداد، والتي عملت في عام 2004 على محاربة الميليشيات الشيعية التي استولت على كربلاء وغيرها من مدن الجنوب، لذا شهد الجنرال بزوغ قوات التعبئة الشعبية، ولاحظ طريقة إدارتها للحرب، ومع ذلك تمكن بطريقة ما من إقناع المشرعين أن دور الجمهورية الإسلامية في العراق قد يكون إيجابيًا بالنظر إلى أن دورها لم يؤد إلى زيادة في الطائفية، ولكن الملاك الإيراني مالبث وأن سقط من مخيلة ديمبسي، بعد أن قام بجولة مروحية في بغداد الأسبوع الماضي ولاحظ وفق ما قال "عدد كبير من الأعلام، وأحد هذه الأعلام فقط كان العلم العراقي"، أما بقية الأعلام فهي تابعة للميليشيات الشيعية، وربما قد يكون هو المسؤول الذي أخبر الصحفيين أيضًا أن صور آية الله روح الله الخميني وآية الله علي خامنئي قد أصبحت الآن منتشرة في كل مكان من العاصمة العراقية.

يمكن ملاحظة أن جميع المسؤولين عن الوضع العراقي ابتدءً بالجنرال ديفيد بتريوس وصولًا إلى رئيس المخابرات الكردي مسرور بارزاني، يدركون أن الميليشيات الشيعية تشكل تهديدًا لاستقرار العراق على المدى الطويل أكبر من التهديد الذي تبرزه الدولة الإسلامية، وقد وصل وضوح هذه الفكرة إلى درجة تلميح آية الله السيستاني لأكثر من مرة في الآونة الأخيرة عن الانتهاكات المتفشية التي ارتكبها المتطوعون الشيعة الذين انضموا للقتال بعد فتوى السيستاني.

ولئن اعترفنا إنه من الصحيح أن معظم العراقيين لا يرغبون في العيش في حالة من التبعية لإيران، فلابد أن نعترف أيضًا أن معظم وحدات قوات التعبئة الشعبية هي في الواقع فروع معروفة لفيلق القدس، حيث يقول الباحث فيليب سميث الخبير في الميليشيات الشيعية "إن التلقين المذهبي لهذه الوحدات معادٍ للولايات المتحدة، وهي أيديولوجية الخميني، لقد تعززت الطائفية في العراق سواء أشئنا ذلك أم أبينا".

وفقا لكريس هارمر ضابط البحرية الأمريكية السابق والذي يعمل حاليًا كمحلل في معهد دراسة الحرب، لا يمكن حقًا تمييز الأخيار من الأشرار في العراق الآن، وأضاف "المليشيات الشيعية قتلت مئات الأمريكيين خلال الحرب، وهذه المنظمات التي نتعامل مها الآن ليست منظمات تابعة لتلك المليشيات، لا، هؤلاء هم ذات الأشخاص وذات المليشيات"، وأردف قائلًا "هل تستطيع أن تجد أي غبي مقتنع أن إيران تسعى لعراق مستقر وموحد وعلماني وغير طائفي؟".

عدو عدونا هو عدونا

في الواقع، وبصرف النظر عن تلطخ أيديهم بالدماء الأمريكية، ورغم ابتعادهم عن المصالح الأمريكية، عمدت الميليشيات الشيعية إلى اتباع لعبة إيران المفضلة، ألا وهي النظر إلى أمريكا بعين الريبة وإلقاء اللوم عليها بخلق داعش ودعم هذا التنظيم عسكريًا، وبذات الوقت انتقدت هذه المليشيات بشدة عدم مشاركة أمريكا في محاربة التنظيم في العراق.

يمكننا أن نطرح بضعة أمثلة على هذه الثنائية المتناقضة، خذ على سبيل المثال، فيلق بدر برئاسة هادي العامري، قائد الحشد الشعبي، وهو الرجل الذي اشتهر باستخدام المثقب لحفر جماجم خصومه، وفقًا لما ذكرته برقية صادرة عن وزارة الخارجية في عام 2009، والتي اتهمته أيضًا بتوجيه الأوامر بشكل شخصي ببدء أكثر من 2000 هجوم على السنة في العراق.

على الرغم من هذا السجل الكئيب والإجرامي، دعا أوباما العامري إلى البيت الأبيض في عام 2011 عندما كان وزيرًا للنقل في العراق، ولكن المثير بالموضوع أن العامري مدح أمريكا وذمها في ذات الفترة تقريبًا، حيث أشاد بمبادرة ستيوارت جونز سفير الولايات المتحدة الحالي في العراق، الذي عرض عليه شخصيًا الدعم الجوي الأمريكي الوثيق لقواته على الأرض، وبذات الوقت انتقد العراقيين الذين يقبّلون أيدي الأمريكان ولا يحصلون على شيء في المقابل، وعندما يتعلق الأمر بطهران، فإن العامري يبدي امتنانه وغبطته وثنائه على الدعم غير المشروط الذي تتلقاه بلاده من إيران، ولكن في الآونة الأخيرة خفف العامري من لهجته تجاه أمريكا، حيث أشار في حديثه لصحيفة الغارديان في 26 مارس: "نحن لم نطلب من أمريكا القيام بالغارات الجوية على تكريت، وليس لدينا اتصال مباشر مع الأمريكيين، وحسب معلوماتي، قام رئيس الوزراء حيدر العبادي بهذا الطلب، ومع ذلك، نحن نحترم قراره".

مثال آخر على هذا الموضوع يتمثل بكتائب حزب الله التي يمكن اعتبارها الميليشيا الشيعية العراقية الوحيدة في العراق المصنفة كأحد الكيانات الإرهابية من قبل الولايات المتحدة، ولكن هذا التصنيف العتيد لم يمنع عناصر الكتائب من التجول في دبابات الأبرامز الأمريكية وناقلات الجند المدرعة واستعمال بنادق الـM4 والـM16 الأمريكية، وبشكل عام استعمال جميع الهبات التي أغدقها عليهم العم سام، والمتمثلة بمليار دولار من المعدات العسكرية التي تم إرسالها من أمريكا إلى بغداد، ولكن - للأسف طبعًا - لم تمارس الولايات المتحدة أي رقابة أو استقصاء حول الجهات الفاعلة - الأجنبية أو المحلية - التي ستتلقى هذه الهدايا في نهاية المطاف، والمثير بالموضوع أن استعمالهم للأسلحة الأمريكية الوفيرة لم يثنِ كتائب حزب الله من التحريض علنًا على العنف ضد قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة لتدمير الدولة الإسلامية.

وحول ذات الموضوع يقول الباحث فيليب سميث الخبير في الميليشيات الشيعية "مؤخرًا اتهمت كتائب حزب الله الولايات المتحدة بتوريد السلاح لداعش عبر المروحيات، ونشرت الكتائب مادة هزيلة وهزلية تدعي فيها أنها أسقطت طائرة شحن بريطانية تحمل أسلحة إلى داعش، كما قالوا أيضًا إنهم في طريقهم لتحريك بطاريات صواريخ مضادة للطائرات من بغداد إلى الأنبار والشمال لمواجهة الإنزال الجوي الذي تساعد فيه الولايات المتحدة داعش، وبشكل عام كلما شعروا بازدياد نفوذ الولايات المتحدة في العراق، يشرعون بتهديد الجنود الأمريكيين".

الجدير بالذكر أن كتائب حزب الله، يرأسها أبو مهدي المهندس وهو جاسوس إيراني يُعتقد أنه المدبر والمخطط لتفجير سفارتي الولايات المتحدة وفرنسا في الكويت في ثمانينيات القرن الماضي، حتى إن هناك صورة له وهو يرفع صحيفة كويتية تشير إلى ضلوعه بهذا العمل الإرهابي الدولي، وفضلًا عما تقدم يوجد فيديو منشور لكتائب حزب يظهر أفراده وهم يلعبون برؤوس بشرية مقطوعة.

مثال آخر على الثنائية التناقضية هي ميليشيا عصائب أهل الحق، المسؤولة عن كمين في عام 2007 أسفر عن مقتل 5 جنود أمريكيين في كربلاء، وهؤلاء أيضًا يسرحون بسعادة حول العراق وهم يعتلون العربات والسيارات المدرعة الأمريكية، كما يُقال إن بعض عناصرهم سرقوا القنصلية الأمريكية في البصرة، ويشير مسؤول أمريكي، لم يكشف عن اسمه، لقناة الجزيرة أن ميليشيا عصائب أهل الحق مسؤولة عن إحراق المنازل في قرية البو عجيل - قرية قرب تكريت - في الآونة الأخيرة، في سلوك انتقامي للمجازر التي تقوم بها الدولة الإسلامية، وفضلًا عما تقدم يُشار إلى هذه الميليشيا على أنها متورطة في اختطاف وقتل الشيخ قاسم سويدان الجنابي، أحد زعماء العشائر السنية الذين عملوا مع القوات الأمريكية في محاربة تنظيم القاعدة في العراق خلال ما يسمى بفترة الصحوة.

وفيما يتعلق بمقتل الشيخ قاسم سويدان الجنابي، من الملاحظ قيام رجل الدين الشيعي الديماغوجي مقتدى الصدر- الذي كان أحد كوابيس القوات الأمريكية في بغداد - بإدانة قتل الجنابي بلهجة شديدة، حيث صرح بقوله "ألم أقل لكم إن العراق لا يعاني من شذاذ الآفاق فحسب بل إنه سيعاني من المليشيات الوقحة أيضًا، ألم أقل لكم إنه يجب تسليم الجيش العراقي زمام الأمور، ألم أقل لكم إن الحقبة السابقة قد أفاءت على العراق بازدياد نفوذ الميليشيات وشذاذ الآفاق وتسلطهم على رقاب الشعب المظلوم"، وفي بادرة حسن نية أعلن الصدر عن "تجميد" مشاركة الفصائل التابعة للتيار الصدري في العمليات الجارية ضد داعش والمتمثلة بسرايا اليوم الموعود وسرايا السلام، علمًا أن المعلومات القادمة من الأرض تشير أنه تم "فك" هذا التجميد منذ أسبوع تقريبًا.

أصدقاء الأسد في العراق يسعون لقتل الأمريكيين

إن تحول العراق إلى نظام الباسيج "نظام إيراني يعني نظام التعبئة الشعبي" هو مصير لا مفر منه، نظرًا لانحلال وفساد الجيش العراقي المدرب أمريكيًا، والنفوذ الإيراني المتنامي في بغداد حتى قبل سيطرة داعش على ثلث البلاد، "عندما تم تدمير الجيش العراقي في يوليو الماضي، كان هذا الأمر هدية لإيران كونه ساعدها على بناء هذه الميليشيات" وفقًا لتصريح الجنرال نجم الجبوري، رئيس بلدية وقائد شرطة بلدة تلعفر سابقًا، وهي بلدة على الحدود العراقية السورية تسيطر عليها الدولة الإسلامية حاليًا، وأضاف الجبوري في المقابلة التي أُجريت معه مؤخرًا "قبل بضعة أيام، ذهب خالد العبيدي وزير الدفاع العراقي إلى تكريت، إلا أن الميليشيات لم تسمح له بالدخول، لذا اضطر إلى البقاء في سامراء".

في ظل جميع ما تقدم، يصبح استمرار تركيز المسؤولين في الحكومة الأمريكية على أنه لا يوجد تنسيق أمريكي مباشر مع إيران أو وكلائها أمر مضحك ومثير للسخرية، حيث يزعم الجنرال جيمس تيري، قائد القوات الأمريكية في الائتلاف لمحاربة داعش أن "الضربات الجوية الحالية المستمرة الموجهة من الجيش العراقي وقوات التحالف، تهيئ الظروف لعمل هجومي ستقوم به القوات العراقية التي تحاصر تكريت، إن قوات الأمن العراقية المدعومة من قوات التحالف ستستمر باكتساب الأرضي"، وذلك في إشارة سخيفة إلى أن القوات الحكومية العراقية هي وحدها المضطلعة بالأمور على الأرض.

ولكن هزلية الطرح الأمريكي تكمن في الطريقة التي يتم بها تحديد الأهداف التي تسهدفها الضربات الجوية الأمريكية، وفي الواقع تبيّن هذه الطريقة التي شهدها كاتب هذا المقال شخصيًا في بغداد، الكيفية التي يتم فيها تحديد الأهداف من قِبل الحرس الثوري ومن ثمّ الآلية التي تشق فيها هذه الأهداف طريقها لتصبح على قائمة أهداف الجيش الأمريكي؛ حيث يعمل قادة الميليشيات الشيعية على تمرير الأهداف المختارة من قِبل فيلق القدس إلى فيلق البدر التابع لقيادة قوات الأمن العراقية، التي تعمل بدورها إلى تمريرها على أنها أهداف مشروعة لممثلي وزارة الدفاع العراقية في مراكز العمليات المشتركة، وهناك يتم نقلها إلى المستشارين الأمريكيين الذين يقومون بوضعها ضمن قائمة الأهداف للطلعات الجوية، علمًا أن هذا النمط من انتقال الأهداف حاولت القوات الأمريكية وقفه واعتراضه أثناء الاحتلال الأمريكي للعراق - عندما كان هناك فعلًا إستراتيجية عسكرية لمواجهة النفوذ الإيراني في البلاد - ولكن بدون جدوى.

هذه المتوالية الاستخباراتية في العمل والتي تتضمن إسناد مهام الاستهداف القذرة للولايات المتحدة، معروفة من قِبل الجميع، قاسم سليماني يعرفها، وكذلك أبو مهدي المهندس والعامري وأعضاء فيلق البدر في قوات الأمن العراقية، لذلك من المنطقي أن يكون البنتاغون - وبغض النظر عن ادعاءاته - على معرفة وثيقة بهذه السلسلة، وهذا يقودنا للقول إن عملاء المخابرات الإيرانية هم الآن عيون أمريكا على أرض الواقع.

ولكن ضمن هذه الأوضاع ما هو مصير تكريت؟ مما لاشك فيه أن الدولة الإسلامية ستندحر من تكريت وإلا سيتم قصف أعضائها حتى الموت، لكن خسارة داعش ستكون خسارة تكتيكية، وليست إستراتيجية، ورغم من اندحارها من تكريت، بيد أنها ستبقى مسيطرة على الموصل ومعظم محافظة الأنبار، أما بالنسبة للمليشيات العراقية فيقول كريس هامر من معهد دراسة الحرب "جلاء داعش من تكريت سيكون له تأثير مباشر على المعارك المستقبلية، حيث سيقول رجال الميليشيات: انظروا كيف سحقناهم في تكريت، من يريد أن يتطوع لاقتحام الموصل؟".

وحتى لو انتهى الأمر بوكلاء إيران بجمع قواهم على حدود الموصل، ستبقى المليشيات الشيعية هي قوة الاحتلال المطلقة فيما بعد عهد الدولة الإسلامية في تكريت، وتشير كاتبة واشنطن بوست لوفداي موريس في إحدى تغريداتها في 26 مارس، أن كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق علّقت عملياتها في تكريت، ولاشك أن هذا القرار جاء انطلاقًا من رغبة هذه المليشيات بعدم الظهور كمتعاونين مع الولايات المتحدة، ولكن بمجرد إعلان البنتاغون للنصر في المدينة، فإن هذه الميليشيات - بلا أدنى شك - ستحاول ركوب الموجة واختطاف النصر والانتقال إلى تكريت للعمل كقوة احتلال شيعية جديدة تستبدل الاحتلال الداعشي.

أشارت بعض التقارير يوم الخميس الماضي أن ثلاث ميليشيات شيعية أعلنت انسحابها من عمليات تكريت اعتراضًا على انضمام أمريكا للعملية عن طريق الضربات الجوية، ولكن الأنباء الواردة حاليًا تشير أنهم تراجعوا عن قرارهم وألغوا مقاطعتهم، والسبب بذلك يرجع - إلى حد كبير- إلى فتوى أخرى صدرت عن آية الله السيستاني، ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، فإن الضربة الأمريكية التي استهدفت بالخطأ عصائب أهل الحق قرب تكريت بالكاد أثارت استياء الميليشيات، حيث قال ممثل فيلق البدر للصحيفة "نحن لم نتراجع عن مواقعنا قرب تكريت"، أما باقي أعضاء المليشيات فصرحوا أنهم لن يسمحوا أن يمر هذا الاستهداف دون عقاب وأعلنوا عن نيتهم باستهداف الجنود الأمريكيين في العراق.

فمن جهته صرح أكرم الكعبي، قائد حركة النجباء، التي خاضت الحرب أيضًا مع نظام الأسد في سوريا "نحن باقون في تكريت، لن نغادر وسوف نستهدف قوات التحالف التي تقودها أمريكا في تكريت وداعش التي صنعوها"، الكعبي كان سابقًا أحد قادة عصائب أهل الحق، وارتبط اسمه مع هجمات الميليشيا ضد القوات الأمريكية والبريطانية في فترة 2008-2011، بما في ذلك حادثة اختطاف المتعاقدين البريطانيين من وزارة المالية العراقية وقتلهم في وقت لاحق.

وعلى الرغم من كافة ما تقدم أطلع قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال لويد أوستن مجلس الشيوخ يوم الخميس على تطورات الوضع في العراق بقوله "حاليًا، لا توجد ميليشيات شيعية، وكما أفاد العراقيون اليوم، قوات التعبئة الشعبية غير متواجدة في المنطقة أيضًا"، وهذا التصريح الغريب يدلل إما على قيام القوات الأمريكية بمساعدة الميليشيات عن طريق الدعاية الكاذبة أو الجهل التام بما يحدث على الأرض، علمًا بأن مارتن تشولوف كاتب الجارديان، والذي عاد لتوه من تكريت، أبلغنا أن كلًا من العامري والمهندس كانوا في وسط المدينة يوم 26 مارس.

إن حملة إطلاق الاتهامات والسخط على أمريكا التي يتم ممارستها من قِبل الميليشيات الشيعية لا يمكن بحال من الأحوال تصنيفها على أنها مسألة عرضية أو بسيطة، فوفقًا لصحيفة بوليتيكو، المخططون العسكريون الأمريكيون قلقون الآن من أن أي قرار سيتخذونه حول استهداف أو عزل نظام الأسد في سوريا، سيشجع إيران أو وكلائها لمهاجمة مدربي الجيش الأمريكي الـ3000 المتمركزين حاليًا في العراق، ورغم أنه من الصعب التأكد من صحة هذا القلق في ظل عدم إظهار أي نية من جانب إدارة أوباما لاستهداف أو عزل نظام الأسد، المسؤول عن غالبية حالات القتل وجرائم الحرب المميتة في سوريا، بيد أن النتيجة ستكون ذاتها في الحالتين، فسواء أكانت المخاوف صحيحة أم لا، واشنطن تتصرف الآن كما لو أنها تحتاج إلى إذن من طهران لمواصلة تطبيق إستراتيجيتها الخاصة المتعلقة بمحاربة داعش.

ما هي خطة أمريكا؟

"ما هي الإستراتيجية الأمريكية؟" يسأل كريس هارمر، ويتابع "لقد تدخلنا فقط في جزء واحد ويسير من المعركة في سوريا وهي كوباني فقط، فما هي خطة أمريكا لمواجهة الدولة الإسلامية في سوريا؟ تدريب 5000 متمرد سوري كل سنة؟ هذه خطة مضحكة، فبالنظر إلى الـ 200.000 قتيل خلال حرب الاستنزاف السورية، والأربعة ملايين لاجئ، والتدمير البطيء للبلاد، يصبح رقم الخمسة آلاف غير كاف حتى للمباشرة باللعبة، فكيف سيكون كاف للاستمرار؟"، ويضيف "يجب أن يدعمنا قسم كبير من السكان في سوريا، الشريحة السورية المعتدلة يحب أن تكون في صفنا، ولكن الواقع يشير أن هؤلاء يصفون أمريكا بأنها غير جديرة بالثقة، وبالتالي هم ليسوا في صفنا، وهذا هو السبب الذي أدى إلى انهيار المعارضة المعتدلة، واستفاد من هذا الانهيار تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية والأسد".

وفي الواقع انعكس فقدان الثقة بالولايات المتحدة من السنة المعتدلين في سوريا إلى السنة المعتدلين في العراق، حيث أشارت بيانات جديدة أن معظم الموصليين رحبوا بدخول داعش إلى ثاني أكبر مدن العراق، وهذا الترحيب لم ينبع من التعاطف الأيديولوجي مع الجماعة الإرهابية، بل من المظالم السياسية عميقة الجذور التي يعاني منها الشعب تجاه الحكومة العراقية، ورغم ذلك لم تحرك إدارة أوباما ساكنًا لمعالجة هذه المظالم، حيث إن زعيم عشائر الأنبار الشيخ أحمد أبو ريشة - الذي قُتل شقيقه برصاص تنظيم القاعدة بعد أيام فقط من لقائه مع الرئيس جورج دبليو بوش في بغداد في عام 2007 -، لم يستطع ببساطة ترتيب أي لقاء مع أي مسؤول أمريكي في البيت الأبيض خلال جولته في واشنطن التي استمرت 10 أيام خلال شهر فبراير الماضي، ونائب الرئيس الأمريكي جو بايدن أراح نفسه من عناء الحوار مع العراقيين، بتلخيص موقفه بقوله لهم أن يتعاونوا بشكل بناء مع الحكومة الجديدة برئاسة حيدر العبادي.

"الكثير من الأشخاص في الموصل سيقفون مع داعش إذا قامت الميليشيات الشيعية بغزو أراضيهم"، قال الجنرال نجم الجبوري، وأضاف موضحًا "80% من سكان العراق لا يحبون داعش، ولكن إذا شاركت الميليشيات في العمليات ضدهم سيقف هؤلاء الـ 80% بشكل حازم مع داعش، سبق لي وأن قلت للأمريكيين، الصورة الآن مختلفة عن عام 2003، لأن أهل السنة حاليًا يريدون القوات الأمريكية فعلًا، وسوف يرمون الزهور عليهم في حال مجيئهم هذه المرة، لأن المعركة الآن ليست بينهم وبين الولايات المتحدة وداعش، بل بين السنة وإيران، والمشكلة أن غالبية السنة لاتزال ترى أن الولايات المتحدة متحالفة ضدهم مع إيران".

في النهاية، وسواء تم الوصول إلى اتفاق نووي مع إيران في لوزان أم لم يتم، وسواء اتبع أوباما نظام البيريسترويكا مع طهران نتيجة لذلك أم لم يتبع، فالحقيقة الراسخة هي أن معظم العراقيين يتطلعون بحزن إلى مستقبلهم على المدى الطويل الذي سيجعلهم جزءًا من نظام الملالي وولاية الفقيه، وهذا بطبيعة الحال لن يجلب إلا المزيد من العنف الطائفي والدمار والحرب الأهلية، ويقول علي الخضيري المسؤول الدبلوماسي الأمريكي الذي كان يخدم في المنطقة الخضراء في العراق "التقيت مع حوالي عشرين قائد وطني في العراق الأسبوع الماضي، وتكلمت مع المسؤولين الشيعة والأكراد والسنة، يمكنني الجزم بأن جميعهم تقريبًا مقتنعين بأن رئيس الوزراء الفعلي للبلاد هو قاسم سليماني ونائبه هو أبو مهدي المهندس".

المصدر: فورين بوليسي