الأربعاء، 31 أغسطس 2022

قراءة في كتاب: أفول الغرب

 قراءة في كتاب: أفول الغرب


اسم الكتاب: أفول الغرب

اسم المؤلف:حسن أوريد

لمحة عن الكتاب

الكتاب يتحدت عن مأزق و مشاكل الحضارة الغربية .. و كيف انو المشكلة بنيوية تكمن في الاسس التي بنى الغرب حضارته عليها .. العقل ك مقدس وحاكم وحيد ثم المعبود الجديد العلم .
إن ما يعتمل في العالم العربي ليس سوى رجع صدى لأزمة الغرب في جوانب كثيرة منه.
ومن شأن التوتر أن يستفحلَ في ظلِّ سباق قِوى دولية جديدة وتواري أخرى، وبروز قوى داخلية بمرجعيات أيديولوجية جديدة.
وقد يفضي الأمر، في غياب مفهوم الدولة بصفتها عقداً إجتماعياً، وثقافة للحوار، ووسائط للتسوية، إلى إصطدامات مريعة.
فسياسة الغرب حيال العالم العربي غير مستقرة ولا تخضع لمعيرة أو براديغم، وهي إلى ذلك متردِّدة ومتأرجِحة.


ليس ذلك إلا تعبيرٌ عن الأزمة البنيوية التي تعتور الغرب... والشأن نفسه يقال عن التغييرات التي طالت العالم العربي والقوى الجديدة التي برزت من داخله، بمرجعيات جديدة، منها داعش، لا كتنظيم فقط ولكن كفكرة بالأساس، ومنها الخطابات العرقية، ومنها الإنتماءات الجهوية، ومنها دعوات الإنفصال بشكل سافر أو مستتر، ومنها شرائح واسعة من الشباب تشكو البطالة والتيه الوجداني والوجودي، ممّا سيؤثِّر على مجريات الأمور في المستقبل.


نزار الفراوي

 قراءة نقدية لقوة تغرب شمسها

الكتاب يتضمن تأملات نقدية في واقع الأزمة التي يعيشها الغرب حاليا، محذرا من تداعياتها على راهن ومستقبل العالم العربي، بالنظر إلى ارتباط نخبه وبنياته السياسية والاقتصادية بالمركز الغربي.

الفكرة الناظمة للكتاب الصادر عن المركز الثقافي العربي (الدار البيضاء، بيروت) في 207 صفحة، هي أن الأزمات المستعرة في العالم العربي إنما هي إلى حد ما انعكاس لأزمة الغرب الذي يبدو أنه فقد البوصلة وروح القيادة والانسجام بين سياسات القوى المؤثرة فيه.

وعلى هذا الأساس يبني الكاتب توقعاته بخصوص مستقبل مظلم للعالم العربي طالما استمرت أبعاد هذه الأزمة، وتواصلت سلبية النخب القيادية وعجزها عن بلورة خيارات مستقلة بجبهات داخلية متماسكة.

ينطلق الكاتب من فكرة أن الغرب بنى حضارته على وقع الصراع مع حضارات أخرى والسعي إلى تجاوزها، ومنها الحضارة العربية الإسلامية. وجلي أن مرحلة التوسع الاستعماري تمثل ذروة هذا الاحتكاك الدرامي بين الغرب والعالم العربي.

لكن المثير أن النخب العربية لما بعد الاستعمار ظلت مرتبطة بالغرب اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، وبالتالي ظل العالم العربي الساحة التي يعبر فيها الغرب عن تفوقه، مع حضور لاوعي تاريخي مشحون بمحطات الصدام العديدة بين العالمين.

محطات من التراجع
يتوقف الكتاب عند محطات متوالية تكرس انحسار القوة الرائدة للغرب في النظام العالمي لما بعد الحرب الباردة، بدءا بالأزمة الاقتصادية عام 2008 التي عدت "تعبيرا لأعراض غائرة من أزمة بنيوية" فيلاحظ أن روسيا تعود بقوة للشرق الأوسط، منذ عودة بوتين إلى الكرملين عام 2012 برغبة في الثأر لما تعرضت له من إهانة على الساحة الدولية".

ويتعلق الأمر -وفقا للكاتب- بإرهاصات عالم جديد تعود فيه الحرب الباردة دون أيديولوجيا ودون سباق تسلح، ولحظة التحول الأبرز ضم روسيا لجزيرة القرم.

بالنسبة لأوريد، فإن "بؤر الصراع هي أوكرانيا وسوريا، وواجهتها العالم العربي" إذ "لا يغرب عن ذهن أصحاب القرار في الكرملين طموح العودة إلى الشرق الأوسط، عبر سوريا، والتشوق إلى مصر مفتاح الشرق الأوسط، واستعادة مناطق النفوذ التي كانت تابعة سابقا للاتحاد السوفياتي".

وبالنسبة له، لن يقود الغرب العالم، أو لن تكون له السيادة المطلقة. وهذا التحول ليس بالضرورة خبرا جيدا بالنسبة للعرب فهو يطرح سيناريوهات خطيرة على عالَمهم الذي قد يعرف تحولات عميقة غير مسبوقة تبدت أعراضها في دول فاشلة أو عاجزة أو حروب أهلية من شأنها أن تستفحل وتتوسع. وفي توقع أعم "من شأن الدول المرتبطة بالغرب تاريخيا وثقافيا ووجدانيا أن تكون ساحة لاضطرابات عنيفة يمكن أن تمتد لعقود".

فاكهة ينخرها الدود
في الشق الاقتصادي لأزمة الغرب، يتحدث أوريد عن "فاكهة ينخرها الدود" بعد أن عصفت الأزمات المالية منذ نهاية التسعينيات بالنجاحات المحدودة للعولمة، ويقف على حصيلة "ضحايا" الليبرالية الجديدة التي أصبحت إنجيل الدبلوماسية الأميركية.

لقد أطلقت العولمة عقال قوى جامحة لا ترضخ إلا لأنانيات من الصعب كبحها، ومن شأنها إحداث تغيرات عميقة في تراتبية الثروة

لقد أطلقت العولمة -وفقا لأوريد- عقال قوى جامحة لا ترضخ إلا لأنانيات من الصعب كبحها، ومن شأنها إحداث تغيرات عميقة في تراتبية الثروة، فمن المحتمل في غضون العشرية المقبلة أن تتجاوز اقتصاديات الدول الناهضة اقتصاديات السبعة الكبار، مما يعني "اهتزاز الهيمنة المالية والاقتصادية للدول الغربية مع ما يستتبع ذلك من هيمنة حضارية".

ويؤبن الكاتب أطروحة "نهاية التاريخ" لفوكوياما التي سقطت سريعا في محك التاريخ بعد أن بشرت بالسعادة والديمقراطية، عقب إغلاق "قوس شتاء الشيوعية الطويل" فاندلعت حرب الخليج الثانية سنة 1991، وشاهد العالم صور المأساة في البوسنة وممارسات الإبادة الجماعية ودمار الشيشان والتطهير العرقي في رواندا.

يقول أوريد "لن يصرف الإنسان جهوده في الأشياء التي تحقق السعادة والرخاء كما حلم فوكوياما لأن عهد الأيديولوجيات لم ينقض بعد" مبرزا أن الأيديولوجية الغالبة "ميركنتيلية" لا صلة لها بالأنوار التي بشر بها الغرب، وأن الديمقراطية أضحت في مهب السوق.

ويتابع الباحث مظاهر الأفول بالجانب الروحي والثقافي، حيث اختزال الإنسان في بعده المادي وتأليه العقل وإحالة الدماغ البشري إلى آلة، متسائلا "هل هناك مجال لإنسية عصرية تحمي الإنسان من ذاته، من إنجازاته، من فتوحات عقله الذي أضحى بلا ضابط ولا يأتمر إلا للسوق وشطحاته؟". فالجسم الاجتماعي مريض في الغرب والمجتمعات التي ترتبط به، ينخره الإجرام والعنف وحمى الجنس والأمراض النفسية المتعددة، حسب الكاتب.

أزمات العرب صدى مشاكل الغرب
ويؤكد المؤلف أن "ما يعتمل في العالم العربي رجع صدى لأزمة الغرب في جوانب كثيرة منه، ومن شأن التوتر أن يستفحل في ظل سباق قوى دولية جديدة وتواري أخرى، وبروز قوى داخلية بمرجعيات أيديولوجية جديدة. وقد يفضي الأمر، في غياب مفهوم الدولة بصفتها عقدا اجتماعيا، وثقافة الحوار، ووسائط للتسوية، إلى اصطدامات مريعة".

سياسات الغرب باتت غير مستقرة، وهي إلى ذلك مترددة ومتأرجحة في تعبير بليغ عن الأزمة البنيوية التي تعتري الغرب

هو سيناريو دراماتيكي يحذر منه الكاتب وهو ينظر لواقع ملموس مفاده أن "سياسات الغرب باتت غير مستقرة" وهي إلى ذلك مترددة ومتأرجحة في تعبير بليغ عن "الأزمة البنيوية التي تعتري الغرب".

إنها أزمة تؤدي في مظاهرها وضغوطها إلى تصعيد الخطر الناجم عن التغيرات التي طالت العالم العربي والقوى الجديدة التي برزت من داخله، بمرجعيات جديدة، منها تنظيم الدولة الإسلامية، لا كتنظيم فقط ولكن كفكرة بالأساس، والخطابات العرقية، والانتماءات الجهوية، ودعوات الانفصال بشكل سافر أو مستتر، وشرائح واسعة من الشباب تشكو البطالة والتيه الوجداني والوجودي.

مهمة تاريخية للنخب
وللتعامل مع هذه الرياح التي تهب عاتية من ضفة الغرب، يشدد أوريد على أهمية القراءة النقدية لهذا العالم، للوقوف على اختلالاته وتناقضاته. وهي المهمة التي يدعو إليها الكتاب. إنها دعوة عاجلة وملحة إلى المثقف في العالم العربي للغور في "تجاويف الخارطة الثقافية للغرب، باعتباره محدد القيم، ومؤثرا على مجرى العالم وعلى الديناميات الداخلية للبلدان المرتبطة به. وعلى المثقف أن يمتلك وعيا تاريخيا يسعفه كي ينظر إلى الزمن المديد، فليس الحاضر إلا ابن الأمس..".

وينهي أوريد كتابه بدق ناقوس الخطر "إن الغرب ليمر بأزمة وجودية ولسوف يتأثر بمجرياتها العالم" وتنعكس بدرجة أولى على العالم العربي بحكم الجوار الجغرافي، والإرث التاريخي، والتداخل الاجتماعي (الجاليات التي تعيش بالغرب والفئات المتغربة الماسكة بزمام البنية التقنية في العالم العربي) والمصالح الاقتصادية (البترول، السياحة..) وعامل الإرهاب ومضاعفاته.

وبعبارة مجملة، يقول الكاتب إن "الأسوأ ما سيأتي إن لم يستوعب العالم العربي التحول الجاري في العالم".


سيد قطب إرهابيا!

سيد قطب إرهابيا!


حلمي الأسمر



تعود علاقتي بفكر سيد قطب إلى سبعينيات القرن الماضي، إبان دراستي في المرحلة الثانوية، وأذكر أنني جمعت بعض المال من عملي في العطلة الصيفية واشتركت أنا وصديق لي لشراء مجلدات كتابه "في ظلال القرآن" مناصفة، حيث اقتسمنا المجلدات الستة بالتساوي، وعدت بنصيبي منهن، وأذكر أنني ووجهت باستهجان ودهشة من الأسرة وأنا أحمل ثلاثة مجلدات ضخمة، ورغم عدم الترحيب بخطوة كتلك، إلا أن الأسرة سكتت على مضض، بعد أن أسمعتني عدة تعليقات بين استنكار وغضب، ومرد ذلك أن الأسرة في ذلك الحين كان لديها أولويات أكثر إلحاحا وضرورة من شراء كتاب بهذه الضخامة!

ومنذ ذلك الحين بقيت علاقتي بهذا الكاتب علاقة محبة، وواصلت قراءة بقية كتبه، خاصة "معالم في الطريق" الكتاب الأكثر جدلا له، والذي حُمّل مسؤولية إلهامه لجماعات وتنظيمات وُصفت بما يسمونه "الإرهاب" ومنذ أيام قرأت خبرا عن إعادة نشر هذا الكتاب بطبعة جديدة مع شروحات وإيضاحات لبعض ما التبس فيه مما عد ملهما لتلك الجماعات، وتزامن هذا مع إشارة لكاتبة عربية (تنويرية!) على موقع فيسبوك، تتحدث فيها عن "سيد قطب وتأثيره الإرهابي الخطير على المجتمع العربي"! 

والحقيقة أنني شعرت بصدمة واستياء شديد لربط الرجل بما يسمونه "الإرهاب" خاصة وأن هذا المصطلح تحديدا تلقته نخبنا الفكرية بغباء شديد، واعتمدته دون تمحيص ولا بحث في منشئه ومن أين أتى وكيف ولماذا صنع في مختبرات نحت المصطلحات التابعة لأجهزة الاستخبارات الدولية وتم تصديره لكل العالم، وتمت ترجمته بتشريعات حمل معظمها معنى "محاربة الإرهاب" وهنا لا بد من وقفة أمام هذا المصطلح الخطير، الذي لوّن حياتنا بألوانه القاتمة، وصار ذريعة لقمع الناس وإخراجهم عن القانون وتكميم أفواههم، بل ربما إباحة قتلهم، كما حصل مع صاحبنا سيد قطب!

"الإرهاب" بالمفهوم الذي يتحدثون عنه ليس ظاهرة عربية ابتداء، وبالضرورة ليس إسلاميا، بل إن التاريخ البشري في معظمه قائم على سفك الدماء، والحروب، سواء كانت بين أبناء الشعب الواحد (الحروب الأهلية) أو بين شعب وشعب آخر، الإرهاب كمصطلح جديد تمت صناعته في مختبرات الاستعمار الجديد، لشيطنة المقاومة، أو أي نشاط مسلح لا يتفق ومصالح الدول الكبرى، وجرى تجريمه وفق القانون الدولي، الذي وضعه المنتصرون بعد الحرب العالمية الثانية، لديمومة سيطرتهم على العالم، الإرهاب في كنهه هو سلاح فعال لأي مجموعة مقاومة ضعيفة، وبسبب فاعليته شكل تهديدا مباشرا لدول تمارس الإرهاب الرسمي، لكنه لا يصنف تحت بند الإرهاب!

"الإرهاب" بالمفهوم الذي يتحدثون عنه ليس ظاهرة عربية ابتداء، وبالضرورة ليس إسلاميا، بل إن التاريخ البشري في معظمه قائم على سفك الدماء، والحروب، سواء كانت بين أبناء الشعب الواحد (الحروب الأهلية) أو بين شعب وشعب آخر،


الإرهاب في العصر الحديث في منطقتنا تحديدا صناعة إسرائيلية، مارسته عصابات القتل الصهيونية ضد قوات الانتداب في فلسطين، وضد أهل الأرض من الفلسطينيين، سواء كان على شكل قنابل تستهدف قتل الأبرياء تزرع في الأسواق أو المنشآت العامة، أو على شكل مجازر قتل أعمى لتحقيق أهداف معينة، لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، المقاومة الفلسطينية لم تلجأ للعنف المسلح إلا بعد أن احتلت الأرض واستبيحت، وبعد أن استقوت عليها قوات عسكرية لها اسم جيش مارست الإرهاب المنظم ولم تزل، عبر ما يسمى "جيش الدفاع الإسرائيلي"، ولم يصمها أحد بهذه الصفة ممن يسارع إلى وصف المقاومة المشروعة بالإرهاب، ومارسته فيما بعد قوات الاحتلال الأمريكي في أفغانستان والعراق، وفي غيرهما، وكان ما سمي فيما بعد الإرهاب العربي أو الإسلامي أو ظاهرة الجهاديين وهو رد فعل على إرهاب الدول الباغية، علما بأن حل المنازعات حسبما تنص عليه القوانين الدولية التي وضعها المنتصرون أنفسهم يجب أن يتم بالحوار(!). 

ويبدو أن هذا النص ينطبق على المستضعفين في الأرض، حيث يمارس الأقوياء "إرهابهم" بكل أريحية ضد الشعوب المستضعفة والدول "المارقة!" مع أن القتل يجر قتلا، والإرهاب يجر إرهابا، والحل الأمثل لظاهرة الإرهاب (بمفهومهم)، هو إشاعة العدل ورفع الظلم، والتوقف عن استغلال خيرات الشعوب، ونشر العدالة الاجتماعية، وتوزيع الثروة على أبناء الأمة، وبغير هذا، فالظلم هو البيئة الحاضنة للعنف والإرهاب.

الإرهاب، صناعة إسرائيلية المنشأ، أمريكية التمويل، براءة اختراع القتل الأعمى هي للصهاينة والأمريكان أولا، ومن سار على خطاهم، في البوسنة والهرسك وكشمير، وتركستان الشرقية، وبورما، والهند، وغيرها،  قبل أن ندين الإرهاب على إطلاقه، وقبل أن نسم به مفكرا عملاقا كسيد قطب، علينا أن نسأل من أين جاءت هذه الجرثومة الخبيثة، ومن يربيها ويكاثرها في الدفيئات السرية، ومختبرات الموت، ويرويها بنسغ الحياة المستخلص من دم أطفال العرب والمسلمين والمستضعفين في الأرض، ندين القتل الأعمى ويقشعر بدننا لرؤية القتلى أشلاء، ولكن لنسأل أولا من صاحب اختراع هذا النمط من السلوك الهمجي المجرم؟

الإرهاب، بمفهومنا نحن لا بمفهومهم، آفة عصرنا الحديث، وخرافة القرن ومشجبه الأثير، وكذبتهم الفضلى والكبرى، فبسببه حمل عالمنا الكثير من الآثام والجرائم، وسالت بسببه وتحت عباءته أنهار من الدماء، وخُربت بيوت، وذُبح أبرياء، وهُدمت كنائس وبِيَع ومساجد وكُنُس، على رؤوس عُباد لا لهم ولا عليهم، وبسببه استهدف الإسلام والمسلمين، وأصبح رأسه مطلوبا، وجرت مطاردته في ديار الإسلام قبل ديار الكفر! 

بذريعة محاربة الإرهاب، مثلا، أبيد العمل الخيري أو كاد، على اعتبار أن إعانة الأرامل واليتامى جزء من تكوين البيئة الحاضنة له، أو بزعم أن المسح على جراح المساكين، هو عنوان كاذب لتمويل الإرهاب، وبسببه تشيطنت المقاومة المشروعة، وصار تحويل مبلغ من أخ لأخيه، أو من موسر لفقير، مدعاة للمساءلة والتحقيق! وبسببه لوحق حفاظ القرآن الكريم، وغيرت المناهج في بلادنا وتم العبث بها، بل تسللت إلى بعضها مفاهيم مخيفة تشرع للمثلية، وتحول كيان الاحتلال إلى "دولة" ديمقراطية لها حق الحياة!

الإرهاب كمصطلح جديد تمت صناعته في مختبرات الاستعمار الجديد، لشيطنة المقاومة، أو أي نشاط مسلح لا يتفق ومصالح الدول الكبرى، وجرى تجريمه وفق القانون الدولي، الذي وضعه المنتصرون بعد الحرب العالمية الثانية، لديمومة سيطرتهم على العالم،

إن من دفع ثمن مقاومة الإرهاب، هم ضحايا الإرهاب تحديدا، من البسطاء والأبرياء ومن لا يعلمون فيم يموتون، ولا كيف، ولا لماذا؛ لأن من يصنع الإرهاب، ويموله، ويدرب ويبرمج أبطاله شياطين تحت الأرض، يعملون من وراء ستار، وتحميهم القوانين، والدول والأجهزة النافذة، ولا يهم من يموت جراءه، في اسطنبول أو القاهرة أو بيروت أو حتى لندن، أو نيويورك، أو عمان، فقد غدا إنتاج هذا المنتج صناعة معقدة، يدخل في تكوينها ما نعلم وما لا نعلم من عناصر وقوى ومصالح ومعادلات، ويبقى المجرم الحقيقي في مأمن، ويموت المنتحرون الأغبياء كما يموت ضحاياهم، فرق حساب بين قوى متصارعة وأجهزة عملاقة، شأنها شأن الفيلة الضخمة إذ تتصارع، فلا تشعر بمن وبما تسحق من عشب ومخلوقات تحت أقدامها! 

قبل أن نحمل مناجلنا وفؤوسنا للضرب على رؤوس "الإرهابيين" الصغار إن وجدوا أصلا، علينا أن ننتبه للإرهابيين الكبار، من صناع وممولي ومروجي الموت، من دول كبرى وأجهزة قمع وإعلام، عمياء سفيهة، متخصصة بالخراب، وتشويه الذائقة الجمعية، وتزييف الوعي، وإشاعة القبح والضلال، وتبرير العسف والعنف والقهر والاستبداد والاحتلال، وتزيين الظلم، وتسويق الغباء باعتباره بضاعة صالحة للاستهلاك البشري!

 نختم بمقولتين، الأولى للإرهابي نتنياهو حين قال يوما بين يدي ثورات الربيع العربي: حزام الرعب الإسلامي في البحر الأبيض المتوسط، ليبيا تونس مصر وغدا سوريا أخطر من النووي الإيراني على إسرائيل وحلفائها!! (فيما بعد بعد أن سحقت زهرات الربيع وبراعمه، تحدث عن خطر إيران، والتحالف مع العالم السني لمواجهتها!). 

والثانية لسيد قطب المتهم بالإرهاب، وهو الذي وقع عليه الإرهاب أصلا، وهل بعد القتل والإعدام من إرهاب؟ إذ يقول: إنهم يريدون إسلاما أمريكانيا، إسلاما يُستفتى في نواقض الوضوء، ولكنه لا يُستفتى في نواقض الإسلام!

فمن منهما الإرهابي حقا؟


الثلاثاء، 30 أغسطس 2022

بريدُ القراء

 بريدُ القراء

خواطر صعلوك

محمد ناصر العطوان

صباح الخير على قرّاء جريدة «الراي» الغراء،

صباح الخير جميعاً.

وصلتني مجموعة من الرسائل من بعض القراء الكرام، وأحببتُ أن أشاركها معكم.

سؤال من قارئ كريم يقول ‏«أنا صارلي فترة اقرأ مقالاتك، وبصراحة أغلبها يعجبني، بس لاحظت في أكثر من مقال ذكرت أن الإنسان هو الحيوان الوحيد كذا كذا كذا، علماً بأن الله كرّم الإنسان عن بقية المخلوقات»، انتهى.

‏بصراحة أسعدني جداً أن أغلب ما أكتب ينال إعجابك، فشكراً لك على ذوقك.

واتفق معك تماماً بأن الله سبحانه وتعالى، كرّم بني آدم على سائر المخلوقات... ولا جدالَ في ذلك.

‏عندما أكتب «إن الإنسان هو الحيوان الوحيد...» لا أقصد أنه حيوان بقدر ما أقصد أنه ضمن مملكة الحيوان «التي رُزقت الروح والحياة... وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى، في القرآن الكريم «وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ»، (سورة العنكبوت: الآية 64).

‏بمعنى أنني لا أقصد أن الإنسان حيوان مثل القطة والكلب أعزكم الله، بل أقصد أنه الكائن الوحيد الذي رزق الروح والحياة ورغم ذلك يفعل كذا وكذا.

وسؤال آخر من قارئ «كيف يمكنني أن أكتب في الصحف... وهل يمكن أن تساعدني في ذلك؟»

صباح الخير، يسعدني أن أقدّم المساعدة لكل شخص يرغب في الكتابة، ولكني كاتب عمود صحافي ولا أملك رفاهية اتخاذ قرار من يكتب ومَن لا يكتب، بل لا أملكُ قرار أن أبقى أنا شخصياً أم أرحل، فهناك مسؤول لصفحة المقالات ورئيس تحرير في كل جريدة، وإيميل للتواصل... فقط أرسل مقالاتك أو كتاباتك أياً كان شكلها، وصدقني فإن الصحف كل الصحف تبحث عن الجيد وتُفرغ له مساحة، فقط حاول أكثر من مرة، ويُسعدني التعلّم منك إذا رغبت في أن أراجع معك بعض كتاباتك، وأعطيك إيميل التواصل وهذا أقصى ما أستطيع فعله.

سؤال آخر من قارئ «سلام عليكم أستاذ محمد، بماذا تنصحني، قراءة الكتب الإلكترونية أم الكتب الورقية... علماً بأن الحصول على الإلكتروني مجاناً».

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ولا أدري بماذا أنصحك، خصوصاً بعد أن ذكرت في آخر سؤالك كلمة «مجاناً» والتي لها سحر خاص على الأذن والعيون، ولكن يمكنني أن أتحدّث عن نفسي. الكتب الرقمية بالنسبة لي هي بديل مجبر عليه في حالة عدم وجود نسخة من الكتاب الورقي، أو دار نشر لا تنشر في الكويت، بالنسبة لي الكتب الورقية أفضل من «pdf» حفاظاً على النظر من خطر الشاشة، وحفاظاً على حقوق الملكية، وبعيداً عن الورقي والرقمي فلا تستخسر مبلغاً في كتاب جيد، إنّ ربع دينار ثمن غال على كتاب ليس لك به حاجة، ولكن ألف دينار ليس مبلغاً غالياً ثمن كلمة، إذا كانت هذه الكلمة جوهرية بالنسبة لك ويمكن أن تغيّر حياتك، وتقبّل تحياتي. 

وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

Moh1alatwan@

بمناسبة مؤتمر بازل .. الصهيونية تسير نحو نهايتها

 بمناسبة مؤتمر بازل .. الصهيونية تسير نحو نهايتها



علي أنوزلا

مشاركون في مؤتمر بازل للصهيونية العالمية (29/8/2022/فرانر برس)


التأم في بازل بسويسرا، قبل يومين، أكبر تجمع للصهيونية العالمية في المدينة التي شهدت ميلاد هذه الإيديولوجية العنصرية قبل 125 عامًا، عندما عُقد فيها أول مؤتمر للصهيونية يوم 28 أغسطس/ آب عام 1897، ووضع الأساس لقيام الدولة العبرية عام 1948 على أرض فلسطين التاريخية. كان ذلك المؤتمر جوابًا عن المعاناة التاريخية للشعب اليهودي لمواجهة حالة الخوف والضعف التي كان يشعر بها اليهود لأسبابٍ تاريخية ودينية واجتماعية واقتصادية، خصوصًا في المجتمعات التي تضطهدهم، لا سيما في الدول الغربية. ومن أشغال ذلك المؤتمر انبثقت الإيديولوجية الصهيونية التي تقوم على فكرة قومية عنصرية مفادها بأن اليهود مضطهدون في جميع أنحاء العالم، وحماية وجودهم لا يمكن أن تتحقق إلا بوجود كيان يؤويهم، ولحمل اليهود على الإيمان بهذه الفكرة روّجت الصهيونية فكرة معاداة السامية لحمل اليهود على رفض الاندماج في المجتمعات التي كانت تضطهدهم لأسباب تاريخية أو دينية، ودفعهم، طوعًا أو كرهًا، إلى الهجرة إلى أرض فلسطين لإقامة دولة الخلاص اليهودية التي تكون فيها الأغلبية لليهود.
كانت منطلقات هذه الإيديولوجية تبدو أخلاقية، خصوصًا بالنسبة للشعب اليهودي في الشتات الذي عانى تاريخيًا من الاضطهاد، ولم ينعم قط بالوحدة والاستقرار، تقوم على فكرة تبدو توراتية طهرانية، تقول إن مواجهة ضعف اليهود ووقف نزيف معاناتهم التاريخية لن يتحققا إلا بتجسيد حلم قيام دولة يهودية ديمقراطية. وطوال سنوات القرن وربع القرن الماضية، نجح الفكر الصهيوني الذي استغلّ تاريخ الاضطهاد اليهودي وحالة الشتات والضعف التي كان يعاني منها شعبهم في كسب دعم الغرب المسيحي وتعاطفه لإقامة الدولة اليهودية الموعودة، لكنه فشل في تحقيق حالة الأمن والاستقرار لليهود داخل الدولة اليهودية الديمقراطية الموعودة، فالصهيونية التي حملت فكرة خلاص الشعب اليهودي المضطهد تحوّلت اليوم إلى أكبر عدو لليهود أنفسهم، وبات وجودها أكبر عائق للسلام في المنطقة. وإذا كان هذا الوجود اليوم ضارًّا بالفلسطينيين، فإنه سيصبح في المستقبل ضارًّا باليهود أنفسهم، وسيحمّلهم تاريخيًا مسؤولية مأساة اضطهاد الشعب الفلسطيني الذي مهما طال ظلمه سيجد ذات يوم طريق خلاصه هو الآخر.

لا يمكن أن يعيش الفكر الصهيوني بدون المبالغة في دور الضحية فجعل من معاداة السامية حصان طروادة لترويج أطروحاته العنصرية

سقطت الأطروحة الصهيونية، أخلاقيًا، منذ حرب عام 1967، فبالرغم من أن إسرائيل انتصرت في تلك الحرب، وقدّمت نفسها ضحية الأنظمة العربية التي كانت تسعى إلى رميها في البحر، إلا أن احتلالها الضفة الغربية وقطاع غزة وممارساتها الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني وقوانينها العنصرية أكثر من نصف قرن فتحت أعين أحرار كثيرين في العالم، بما في ذلك اليهود أنفسهم، على حقيقة الفكر الصهيوني العنصري والاضطهادي.
ولأن هذا الفكر الذي يقوم على الابتزاز لا يمكنه أن يعيش بدون المبالغة في الركون إلى دور الضحية، جعل من معاداة السامية حصان طروادة لترويج أطروحاته العنصرية والشوفينية وترسيخ فكرة "التفوق اليهودي" بإعلان إسرائيل دولة قومية لليهود فقط، وهي الدولة الوحيدة التي تجعل من ديانتها قوميتها. وهكذا نجحت إسرائيل بالابتزاز والضغط في جعل حكومات غربية عديدة تجرّم معاداة السامية التي أصبحت تفسّر في بعض الدول بانتقاد إسرائيل ومعارضة سياساتها القمعية ضد الفلسطينيين، وباتت الحملة ضد "معاداة السامية" تقيد الحرية في الدول الغربية بل وتهدّدها، ومبرّرًا لقمع الفلسطينيين وتشويه منتقدي إسرائيل في الغرب، بل وأصبحت بعض الأنظمة القمعية، خصوصًاً في منطقتنا العربية، تستعمل التبرير نفسه أمام الغرب لقمع معارضيها والتغطية على انتهاكها حقوق مواطنيها وحرياتهم. ولأن مفهوم معاداة السامية في العالم العربي لا يحمل الحمولة نفسها التي يكتسيها في الغرب، بتنا نسمع عن مفهوم جديد، هو خطاب الكراهية، والمقصود به غالبًا انتقاد إسرائيل وسياساتها العنصرية.

تقود إسرائيل حربا ضد التنظيمات الحقوقية الفلسطينية والدولية المناهضة لسياساتها العنصرية

لا علاقة لمواجهة الصهيونية وانتقادها بمعاداة السامية، السلاح المسموم الذي توجهه إسرائيل واللوبيات الصهيونية في العالم لكل منتقدي السياسات العنصرية ونظام الأبارتهايد الذي تطبقه الدولة اليهودية على أرض فلسطين التاريخية، وهو ما كشفت عنه تقارير حديثة لمنظمتي هيومان رايتس ووتش والعفو الدولية، اتهمت إسرائيل بالاضطهاد وارتكاب جرائم الفصل العنصري، وذهبت منظمة "بتسيلم"، وهي منظمة حقوقية إسرائيلية غير حكومية، إلى وصف إسرائيل بأنها "دولة فصل عنصري" تدير نظام "تفوّق يهودي". وكان الرد الإسرائيلي واللوبيات الداعمة لها اتهام هذه المنظمات الحقوقية بتغذية مشاعر معاداة السامية في جميع أنحاء العالم، وهو ما يفسّر الحرب التي تقودها إسرائيل ضد التنظيمات الحقوقية الفلسطينية والدولية المناهضة لسياساتها العنصرية، والتي لا تختلف، في مستوى تدنّيها الأخلاقي، عن ردود أفعال الأنظمة القمعية التي تشوّه سمعة جماعات حقوق الإنسان التي تنتقد سياساتها.
نشرت صحيفة واشنطن بوست، في الشهر الماضي (يوليو/ تموز)، مقالًا لرئيس المؤتمر اليهودي العالمي، رونالد لودر، يحذّر فيه من أن إسرائيل تواجه تهديدًا وجوديًا، ليس بسبب السلاح النووي الإيراني، وإنما من النمو الديمغرافي المتزايد للفلسطينيين الذين باتوا يتفوقون عدديًا على الإسرائيليين، وهذا الفارق سيزداد مستقبلًا لصالح الفلسطينيين، ما سيضع الدولة العبرية أمام تحدٍّ كبير في مواجهة مطالب الفلسطينيين بالحصول على حقوقهم. وبرأي الكاتب، تتبنّى عقلية المواجهة لدى الجيل الناشئ من الفلسطينيين فكرة الدولة الواحدة، التي يصفها الكاتب بـ "كارثة الدولة الواحدة"، والتي ستُنهي، في حال تطبيقها، وجود الدولة اليهودية. وينهي رئيس المؤتمر اليهودي العالمي مقاله بالتحذير من أن أكبر تهديد للمشروع الصهيوني هو التهديد الديمغرافي الذي يقرّب إسرائيل كل يوم من الهاوية، لأنه سيقضى على حلم قيام "الدولة اليهودية الديمقراطية" التي بشّر بها الآباء المؤسّسون للفكر الصهيوني في مدينة بازل السويسرية قبل قرن وربع قرن من الزمان.


قصة سوريّة لم تذكرها الأخبار

 قصة سوريّة لم تذكرها الأخبار

أحمد عمر

كان يرتب مطيبات أقراص العيد، سمسم وقرفة وجوزة الطيب وحلبة، عندما انتبه إليها فوق رأسه، سيدة حسناء يتصدع من حسنها الجبل، كان معها طفلها، ظنّها سيدة ألمانية مع أنه سبق لها أن جاءت مع زوجها، لمَ لم يسمع جرس الباب الآذن؟ هل تسللت من الباب كالنسيم أم تسربت منه كالطيب، وكان قد وضع للباب جرسا من الأعلى مثل أصحاب المحلات للإعلام بدخول الزبون، خفّض صوت المنشاوي خجلا من جلال الرحمن، أخبرها أنَّ بركنة السيارات أمام المحل ممنوعة، وأنّ الشرطة الألمانية بمرصاد الغرامة، فقالت إنها لن تتأخر، وسمع الكلمات تسقط من ثغرها النضيد مثل ندف الثلج، سألته إن كان يستطيع مساعدتها في إخراج فطرة رمضان والتصدق بها في سوريا، فقال إنه يستطيع أن يوزعها  خلال ساعة فله مال مع أخ له في  الشام، أخرجت مائة يورو، فندف الثلج: تفضل .

سألها عن عدد الأشخاص المخصوصين بالفطرة، فقالت: عني وعن طفلي، سألها عن زوجها، فقالت بتشفٍ وانتصار: خلعته، وكزت على أسنانها فلمع الثلج أبيض وزقزق عصفور، تعجب من زوجها كيف يطلق حسناء مثلها، هذه امرأة لا تفوّت، قال في نفسه الطلاق يكثر في الغربة، لو كانت هذه المرأة عنده، لأمسك بها بيديه وأسنانه وغلّها بالأغلال الذهبية.

سألته عن الجبنة المسنّرة، فقال ستأتيه غدا دفعة ويدّخر لها علبة، والعلب نوعان علبة ثلاثة كيلو وعلبة خمسة، مدحت الجبنة التي يبيع، وقالت إنها طيبة وتزقزق تحت الأسنان قال: الجبنة التي ستأتي أطيب وهي تغرّد مثل الشحرور على الأفنان، ابتسمت ابتسامة إعجاب فأشرقت الأنوار في المحل، سألها إن كانت تعرف معنى مسنّرة، فرفعت رأسها وقالت: إنها لم تسأل نفسها، قال: حسب موسوعة حلب المقارنة معنى مسنّرة جاء من سنارة السمك، والتسنير هو تمييع الجبن طبخا حتى يتحوّل أقراصا، فالسيدات الشاميات كن يغلين الجبنة ويتصدين أقراص الجبنة من المياه المغلية، قالت: أنت مثقف.

سألته عن دراسته الجامعية؟

قال: حقوق. سألها عن طليقها. قالت: حيوان. حيوان حقيقي.

مسح على رأس الطفل وأعطاه لوحين من الحلوى من رفٍّ قريب فشكرته على كرمه: قال: إن زوجها السابق رجل محترم ومؤدب، فقالت: إنَّ الناس متنكرة بثيابها، وسألته عن عسل طبيعي، فقال: لدي عسل أسباني سعر الكيلو عشرين يورو، وعسل ألماني بأثني عشر يوور وعسل سوري بشهده.

قالت مندهشة: عسل سوري بشهده! أما يزال في سوريا عسل؟

رفع رأسه إليها وابتسم وطغى الهول فارتسم.

دفعت له ثمنه العلبة الذهبية، كان عليها صور زهور ونحل، أمسكت بيد طفلها، ذكّرته بالجبنة، وضع يده على رأسه علامة على الإيجاب والقبول، قال لها مودعا إنه سيصوّر أخاه وهو يتصدق بصدقة الفطر ويريها الصورة بالفيديو عند زيارتها الثانية حتى تطيب نفسا، فابتسمت من غير ردٍّ وانصرفت،  سيسألها عن  مظاهر حيوانية زوجها في الزيارة التالية، عند الخروج بلبل جرس الباب، خرج من وراء الطاولة يشيعها بنظره من وراء البلور، ويتذكر قول الحسن البصري وهو يشيّع الحسناء التي انصرفت يدفع بعضها بعضا وكانت جاءت تستفتيه في زوجها الذي تزوج عليها:

"ما ضرَّ امرءاً كانت هذه عنده، ما فاته من دنياه شيء".

قصدت سيارتها وفتحت الباب وأجلست ابنها وحزّمته حسب قوانين المرور الألمانية.  استدارت وركبت، وقف ينظر إلى موكبها الذي تحفّ به وعول وأيائل، تنهد نهدة طويلة كزج الرمح، وأحسّ بالغرق، هذه امرأة نشأت في الحلية، إن نساء الشام خير نساء ركبن أعجاز الإبل وسيارات أوبل.. 

ربتت يدٌ ناعمة على كتفه فاستدار فوجد زوجته وهي تشهر سكينا وتنظر إليه بحنق شديد وقد ضبطته بالجرم المشهود، وقالت: أخذت عقلك!

قال: سيارتها أخذت عقلي، سيارة رائعة. السيارة أوبل موديل 2022. 

قالت والسكين بيدها وكانت تناولتها من رفٍّ قريب عُرضت عليه سكاكين وأدوات مطبخ للبيع: السيارة أم صاحبة السيارة؟ّ

جلس فأحسَّ بألم في ظهره، كانت زوجته واقفة، والدم يقطر من سكينها، لمس ظهره فوجد يده حمراء، وتعجب من إنه لم ينتبه، ثم سقط على الأرض مجندلا، وأسقط معه قارورة من العسل، فتكسرت وتناثرت شظايا الزجاج في بركة العسل والدم.

حوّمت نحلة فوق العسل المسكوب، ورنّ جرس الباب.

رسائل أديب: من السيسي وإليه

 رسائل أديب: من السيسي وإليه


وائل قنديل

بطريقة درامية مثيرة، تحاكي أفلام السيناريست الراحل عبد الحي أديب، أطل ابنه عماد الدين أديب على المشهد المصري، حاملًا شيكارة من الكلام كبير الحجم، خفيف الوزن، في صورة رسائل رعب بشأن مستقبل نظام الحكم فيه.
بأسلوب البناء الدرامي التقليدي، كتب عماد أديب مجموعة من المقالات/ الرسائل، تشكّل فيما بينها خماسية الصنعة الدرامية المعلومة لدي أي متابعٍ أو مهتم بهذا المجال: مقدّمة ثم حدث يتصاعد فذروة فنزول تدريجي بالحدث .. ثم أخيرًا الخاتمة، والتي تشتمل على حل العقدة الدرامية ونزول تتر النهاية.
بدأ الكاتب الحالم بوضعية مع الجنرال عبد الفتاح السيسي تشبه وضعية الراحل هيكل مع الرئيس جمال عبد الناصر، سلسلة مقالاته برسائل الفزع، بما خيّل لبعضهم أنه يتحدّث بلسان جهات ضاقت بالسيسي، وقرّرت التفكير في استبداله، بل بلغ الأمر أن تردّدت على نطاق واسع تحليلات تذهب إلى احتدام الخلاف مع كفيل النظام، بما ينبئ بأن كرسيّ الحكم يهتز تحت الجالس عليه. ثم تصاعد الحدث وارتفع حامل الرسائل بالحدث إلى الذروة، متحدّثًا عما اعتبرها أسباب سقوط الحكام وزوال الأنظمة، ليتسمر المشاهدون أمام شاشة العرض، منتظرين النهاية المثيرة التي ستغير كل شيء.
وأخيرًا، جاءت الخاتمة، بالانخفاض التدريجي في سخونة الحدث الرئيسي، وصولًا إلى مشهد النهاية الذي يقول إن بديل السيسي هو الضياع والانهيار والطامة الكبرى، ليس لمصر فقط وإنما للشرق الأوسط كله، ومن ثم لا مفرّ، أيها الشعب من ثلاثين يونيو أخرى، أو إجراء عملية صيانة فورية، لازمة وضرورية للثلاثين من يونيو القديمة، عبر آليات الإحلال والتجديد، والإخراج الحتمي للقطع البالية والأجزاء التي فقدت صلاحيتها من الخدمة، بأسرع وقت ممكن.
بالنظر إلى السيناريو في مجمله، فإنه لم يخرج كثيرًا عن صياغات السيسي شخصيًا رسائل التخويف والترويع من مستقبلٍ لا يكون حاضرًا فيه وقائدًا له، فقد فعل ذلك غير مرّة في مناسباتٍ عدة، أمسك بالميكروفون فيها ليخوف المصريين، والعالم كله، من الفوضى التي سوف تهدم الإقليم كله لو خرج من السلطة، فبالنسبة للمصريين، ها هم الإخوان المسلمون متوثّبون للانقضاض من أجل الانتقام من الشعب المصري كله، حال تركه السلطة، وفي الوقت نفسه، يستحضر عفريت ثورة 25 يناير، بوصفها المسؤولة عن خراب البلاد والعباد.
وبالنسبة للاحتلال الصهيوني، فلا أمن ولا أمان إن غاب عن المشهد، ولم يعد هنالك من يلعب الدور الذي تريده إسرائيل من مصر، بوصفها الوسيط المهدّئ الذي يقف على مسافة واحدة بين الفلسطينيين والصهاينة، ويحضر وقت اللزوم لتهدئة المقاومة بالوعود التي لا تنفّذ، أو بتشديد الحصار على قطاع غزة.
أما بالنسبة للعالم، شمال المتوسط، فهو يلعب على وتر حسّاس للغاية بالنسبة للأوروبيين، وهو خطر المهاجرين غير الشرعيين الذين لولا وجوده في حكم مصر لتدفقوا على أوروبا بملايين، غزاة وإرهابيين وفقراء يمصّون دم اقتصاديات القارّة العجوز المنهكة اقتصاديًا أصلًا.
ارجع إلى أرشيف خطب السيسي في السنوات الماضية، وضعه أمام شيكارة مقالات عماد الدين أديب، وقارن بينهما من حيث البناء الدرامي، لن تجد اختلافاتٍ مهمة بين البداية المخيفة والنهاية المطلوبة، وستدرك وقتها أن الرسائل مصدرها الجنرال شخصيًا، وأن المستهدف، في نهاية المطاف، إقناع جميع الأطراف بأنه لا استقرار ولا مستقبل لمصر والعالم بغير الزعيم الذي يصفه حامل الشيكارة بأنه "تسلّم البلاد والعباد في حالة انهيار، ومن هنا كان لا بدّ من "الإمساك القوي" بكلّ مفاصل البلد، وكان لا بدّ لـ"اليد الثقيلة" من التشدّد الأمني لمواجهة عصابات الإرهاب التكفيري ووجود 14 مليون قطعة سلاح مهرّبة وقواعد تنظيم الإخوان".
والحل بوضوح أن تنتبهوا، أيها المصريون، للمخطط الإجرامي الذي يعرف تفاصيله كاملة الجنرال عماد الدين أديب، ويقول عنه "يهدف هذا المشروع الشرير إلى إسقاط نظام 30 حزيران 2013 الذي وضع المؤسّسة العسكرية المصرية الوطنية العظيمة في موقع مسؤولية الإنقاذ الشامل لمشروع الدولة الوطنية ومنعها من الانهيار والتفكّك".
باختصار، الزعيم يخوّفكم ويطمئن نفسه .. هذه فحوى الرسائل
.

برنامج علماء مبدعون حديث الذكريات مع الدكتورة زينب عبد العزيز

برنامج علماء مبدعون 

 حديث الذكريات مع الدكتورة زينب عبد العزيز

حلقة خاصة  حول حياتها ونشأتها، واهتماماتها، حاورها  الدكتور جاسم المطوع المشرف العام على شبكة العلماء الإلكترونية.



حرب أميركا في أوكرانيا | (13) هل يمكن اجتناب المواجهة العسكرية؟

 حرب أميركا في أوكرانيا  (13) هل يمكن اجتناب المواجهة العسكرية؟


محمود عبد الهادي

رئيس وزراء أستراليا الأسبق كيفين رود: الحالة الراهنة للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين هي نتاج تاريخ طويل من النزاع عبر القرون


يؤكد رئيس وزراء أستراليا الأسبق (2007-2010)، كيفين رود، أن الخلافات بين الولايات المتحدة والصين عميقة جدا، وأن شبح الحرب يقف على الأبواب؛ فالجمهوريون والديمقراطيون يصفون العلاقة بين الولايات المتحدة والصين بأنها علاقة منافسة إستراتيجية، ويعدون الصين المنافس الأكبر للولايات المتحدة وللنظام العالمي. وفي المقابل، يرى الحزب الشيوعي الصيني أن هذه الفترة هي فترة "صعود الشرق وانحدار الغرب"، أي صعود الصين وانهيار الولايات المتحدة. ومع ذلك، يترك رود بابا مفتوحا للأمل في التمسك بالسلام واجتناب الحرب، في كتابه الذي صدر مؤخرًا بعنوان "الحرب التي يمكن تجنبها: مخاطر الصراع الكارثي بين الولايات المتحدة والصين في عهد شي جين بينغ".

لا تأتي أهمية الكتاب من مكانة رود السياسية، وإنما من كونه متخصصًا في الدراسات الصينية، ويتقن اللغة الصينية، وعاش في الصين والولايات المتحدة، ودرس في جامعة تايوان للمعلمين الوطنية في تايبيه، وعمل دبلوماسيًا في السفارة الأسترالية في بكين. ونظرًا لأهمية هذا الكتاب في تشخيص الأزمة بين الولايات المتحدة والصين، وكيف يمكن اجتناب تطورها إلى مواجهة عسكرية، نعرض في هذا المقال أبرز ما تناوله من موضوعات وأفكار ومعلومات.

لا يتردد الرئيس الصيني في استخدام قوته العالمية الجديدة لإعادة كتابة قواعد النظام الدولي، بحجة أن هذا هو بالضبط ما فعلته القوى الغربية المنتصرة بعد الحرب العالمية الثانية.

جاء الكتاب في 432 صفحة، اشتملت على مقدمة و17 فصلًا، وقد عرضه رود بصورة مفصلة، خلال كلمته التي ألقاها في واشنطن بمناسبة صدور الكتاب أواخر مارس/آذار الماضي، وفي مقال له في صحيفة "غارديان" (Guardian) البريطانية أوائل أبريل/نيسان الماضي. وكان قد صدر لرود يناير/كانون الثاني 2019، ضمن سلسلة مطبوعات معهد سياسات مجتمع آسيا (ASPI) -الذي كان يرأسه- كتاب "الحرب التي يمكن تجنبها: تأملات في العلاقات الأميركية الصينية ونهاية التشابكات الإستراتيجية".

لم يعد السؤال في واشنطن إذا ما كان من الممكن تجنب المواجهة مع الصين، ولكن متى ستحدث، وتحت أي ظروف؛ وهذا يعكس إلى حد كبير الموقف في بكين أيضًا.

يعتقد رود أن احتمال الحرب أصبح احتمالًا حقيقيًا، بسبب التغيرات السريعة في ميزان القوى بين الولايات المتحدة والصين، بعد أن قام الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2014 بتغيير إستراتيجية الصين الكبرى من موقف دفاعي إلى سياسة أكثر نشاطًا تسعى إلى تعزيز المصالح الصينية في جميع أنحاء العالم، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة تتبنى إستراتيجية جديدة تجاه الصين منذ عام 2017، فيما وصفته إدارتا الرئيس ترامب والرئيس بايدن، بعصر جديد من المنافسة الإستراتيجية، مما وضع الدولتين في مسار تصادمي. ويعتقد الكاتب أن أفضل فرصة لتجنب الحرب هي فهم أفضل للتفكير الإستراتيجي للطرف الآخر، والتخطيط لعالم تستطيع فيه الولايات المتحدة والصين التعايش بشكل تنافسي، بدلًا من اللجوء إلى الحرب.

أسباب النزاع

يرى رود أن الحالة الراهنة للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين هي نتاج تاريخ طويل من النزاع عبر القرون، إلا أن العلاقة بين الدولتين في العقود الأخيرة اعتمدت على المصالح الاقتصادية الذاتية، التي تعززها الأهداف المشتركة في مواجهة الاتحاد السوفياتي سابقًا، ومن بعده الإسلام المتشدد في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001. وفي الآونة الأخيرة، طوّرت الصين والولايات المتحدة مخاوف مشتركة بشأن الاستقرار المالي العالمي وتغييرات المناخ، وظلت حقوق الإنسان على الدوام نقطة خلاف أساسية. في السنوات الأخيرة، بدأت العلاقة بين الدولتين تشهد تصدعات متلاحقة للأسباب التالية:

افتقار النخب الأميركية إلى معرفة الثقافة الصينية، ولغتها، ومفاهيمها الأخلاقية القديمة، وقيادتها الشيوعية المعاصرة، رغم حرصهم على ذلك لفهم النظام السياسي في جمهورية الصين الشعبية، مما تسبب في شعور الأميركيين بعدم اليقين وعدم الثقة بهذا المنافس الذي ظهر حديثًا على ساحة القيادة العالمية. تزايدت فجوة عدم الثقة لسنوات عديدة، فلم تعد واشنطن تؤمن بـ"الصعود السلمي" للصين، فمؤسسة الأمن القومي الأميركية، على وجه الخصوص، تتبنى الآن وجهة النظر القائلة بأن الحزب الشيوعي الصيني لم يكن لديه أي ندم على الإطلاق بشأن خداع خصومه السياسيين أو الإستراتيجيين، فهي ترى مثل هذه اللغة ليست أكثر من خدعة دبلوماسية، بينما تنشر الصين نفوذها، مدعومة بالقوة العسكرية، في جميع أنحاء العالم.

قيام الصين باستصلاح الجزر في بحر جنوب الصين، وبناء قواعد بحرية صينية حول المحيط الهندي، وبالهجمات الإلكترونية الصينية على الحكومة الأميركية، كدليل على حقيقة العدوان الصيني. القدرات العسكرية والبحرية والجوية والاستخباراتية المتنامية للصين تمثل، من وجهة النظر الأميركية، تحديًا كبيرًا للهيمنة العسكرية الأميركية في منطقة المحيط الهادي وما وراءها. خوف بكين من مزاعم واشنطن بأنها لا تريد "احتواء" صعود الصين، وتستشهد بقيام الولايات المتحدة بزيادة مبيعاتها من الأسلحة إلى تايوان. اعتقاد الصين بأن إصرار الولايات المتحدة على حرية الملاحة لنفسها ولحلفائها في بحر جنوب الصين يعتبر تدخلًا عدائيًا في المياه ذات السيادة الصينية. قلق الولايات المتحدة من التوسع والتحديث السريع للبحرية الصينية وقدراتها، حيث مكّن هذا الصين من توسيع نطاق وصولها عبر المحيط الهندي، معززة بسلسلة من الموانئ المتاحة التي قدمها أصدقاؤها وشركاؤها عبر جنوب شرق آسيا وجنوب آسيا وعلى طول الطريق إلى شرق أفريقيا وجيبوتي في البحر الأحمر.

قلق الولايات المتحدة من التعاون العسكري والبحري بين الصين وروسيا، ومن بينه التدريبات البرية والبحرية المشتركة الأخيرة في أقصى شرق روسيا والبحر الأبيض المتوسط ​​ودول البلطيق. اعتقاد واشنطن أن الرئيس الصيني تبنى نموذجًا للرأسمالية الاستبدادية، الذي لا يحركه السوق، ويعطي الأولوية لمؤسسات الدولة على القطاع الخاص، كما أنه يزيد من سيطرة الحزب على الأعمال والمشروعات. تصميم الصين على إعادة بناء النظام الدولي. اعتقاد الولايات المتحدة أن الصين تعمل على تأجيج نيران القومية الصينية بطريقة معادية لأميركا. اقتناع الولايات المتحدة بأن الرئيس الصيني عازم على تغيير الوضع الراهن في غرب المحيط الهادي، وإنشاء مجال نفوذ صيني عبر نصف الكرة الشرقي. اقتناع الولايات المتحدة بأن الرئيس الصيني قرر تصدير نموذجه السياسي المحلي إلى بقية الدول النامية، من خلال الاستفادة من قوة الاقتصاد الصيني، وبأنه يسعى إلى إنشاء نظام دولي أكثر ملاءمة للمصالح والقيم الوطنية الصينية.

ويعتقد المؤلف أن الصين لا ترى الأمر على هذا النحو، فالرئيس الصيني يرى أنه لا حرج في الوضع السياسي والاقتصادي للصين، وأنه في حين أن بكين تقدمه للآخرين في العالم النامي لمحاكاته، فإنها لا "تفرضه" على أي دولة أخرى، ويشدد الرئيس شي جين بينغ على أن الصين قامت بتحديث جيشها من أجل تأمين أهدافها الإقليمية طويلة المدى، لا سيما بشأن تايوان، ولا يقدم أي اعتذار عن استخدام الاقتصاد الصيني لتعزيز مصالح الصين الوطنية. كما أنه لا يتردد في استخدام قوته العالمية الجديدة لإعادة كتابة قواعد النظام الدولي والمؤسسات المتعددة الأطراف، بحجة أن هذا هو بالضبط ما فعلته القوى الغربية المنتصرة بعد الحرب العالمية الثانية.

ويشير رود إلى أن الصين تعمل على رفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الصين إلى مستوى البلدان المتقدمة بشكل معتدل بحلول عام 2035. وسيتطلب ذلك مضاعفة حجم الاقتصاد الصيني 3 مرات. ومن المحتمل أن تصبح الصين أخيرًا أكبر اقتصاد في العالم، لتحل محل الولايات المتحدة بعد أكثر من قرن من الهيمنة الاقتصادية العالمية. وفي نظر القيادة الصينية، هناك دولة واحدة فقط قادرة بشكل أساسي على تعطيل طموحات شي الوطنية والعالمية، وهي الولايات المتحدة.

كيفية اجتناب الحرب

يذكر المؤلف أن هناك التزاما أخلاقيا وعمليا لأصدقاء الصين والولايات المتحدة للتفكير في كيفية المحافظة على السلام والازدهار الذي تحقق خلال الثلاثة أرباع قرن الماضية، مع الاعتراف بتغير علاقات القوة بين واشنطن وبكين، مع الحفاظ أيضًا على سلامة النظام القائم على القواعد الذي عزز العلاقات الدولية منذ عام 1945.

ويعتقد رود أن العمل الجاد لبناء إطار عمل إستراتيجي مشترك بين واشنطن وبكين، قادر على تحقيق المهام الثلاث المترابطة التالية:

الاتفاق على مبادئ وإجراءات للتعامل مع الخطوط الإستراتيجية الحمراء مثل تايوان، على سبيل المثال. التحديد المتبادل للمجالات: السياسة الخارجية، والسياسة الاقتصادية، والتطور التكنولوجي، على أساس المنافسة الإستراتيجية الكاملة، باعتبارها الوضع الطبيعي الجديد. تحديد المجالات التي يتم فيها الاعتراف والتشجيع على استمرار التعاون الإستراتيجي، مثل تغيير المناخ على سبيل المثال.

بالتأكيد، سترحب بقية دول العالم بمستقبل لا تجبر فيه على اتخاذ خيارات ثنائية بين بكين وواشنطن. إنها تفضل نظامًا عالميًا تثق فيه كل دولة، كبيرها وصغيرها، في سلامتها الإقليمية وسيادتها السياسية ومساراتها إلى الازدهار. كما أنها تفضل عالمًا كان استقراره مدعومًا بنظام دولي فاعل يمكنه العمل على مواجهة التحديات العالمية الكبرى الراهنة، والتي لا يمكن لأي دولة بمفردها حلها.

ومع ذلك، يعتقد رود -لأسباب عديدة- أن كثيرا في المجتمع الإستراتيجي الأميركي يرفضون فكرة نهوض الصين السلمي أو التنمية السلمية تمامًا، وأن شكلًا من أشكال النزاع المسلح مع بكين أمر لا مفر منه، ما لم تغيّر الصين اتجاهها الإستراتيجي، وهو ما يعتبر أمرًا مستحيلًا تحت قيادة شي. لذا، لم يعد السؤال في واشنطن هو إذا ما كان من الممكن تجنب مثل هذه المواجهة، ولكن متى ستحدث، وتحت أي ظروف؛ وهذا يعكس إلى حد كبير الموقف في بكين أيضًا.

(يتبع)


قراءة في كتاب كلمتي للتاريخ

 قراءة في  كتاب كلمتي للتاريخ

اسم الكتاب: كلمتي للتاريخ
اسم الكاتب: محمد نجيب
وصف الكتاب
كلمتي للتاريخ الكاتب محمد نجيب

كان صباحاً دافئاً أشرقت فيه الشمس على سماء صافية ولم تلبس ضاحية المرج التي تبعد عشرين كيلومتراً عن القاهرة حلة الضباب التي كثيراً ما تحجب الرؤيا فيها خلال أيام الشتاء...
وتوجهت إلى الحديقة أتلمس الدفء... وكانت الأشجار قد نفضت اوراقها وجفت الزهور.... وتأملت في لحظة، حياتي في هذا المكان الذي حددت فيه إقامتي منذ 14 نوفمبر 1954، وتبينت أن العمر كاد أن يذوى وقد تجاوزت السبعين.
ووجدت أن في صدري كلمات لا يصح أن تمضي معي دون أن أقولها لأبناء مصر جيلاً بعد جيل.
وكان أن فكرت ثم قررت أن أقول (كلمتي.. للتاريخ) لا شيئ فيها غير الصدق؛ لأني لا اطلب اليوم من الحياة شيئاً.
وإني لأذكر بالشكر كل من ساهم في معاونتي ومساعدتي في إخراج هذه الكلمة إلى عالم النور.
وأرجو ان تكون (كلمتي.. للتاريخ) سراجاً يبدد الظلام، لتظهر الحقيقة لأبناء مصر.
والله ولي التوفيق...
محمد نجيب



 قراءة كتاب كلمتي للتاريخ اونلاين


ولكن سليمان لا بواكي له!

ولكن سليمان لا بواكي له!



  حسن الرشيدي

"قطعت يده بعد احراقها حية، ثم سيق إلى " الخازوق" حيث ُربط بإحكام ثم تصاعد عموداً حديديا من الارض مخترقًا جسده من فتحة الشرج وصولا الى رقبته ليخرج بعدها من فمه، وتُرك جثمان الشاب أياما عِدّة تنهشه الطيور الجوارح والوحوش، وبعدها قطعت رقبته ورأسه، ومن ثم اُرسلت الى متحف كلية الطب بالعاصمة الفرنسية باريس، قبل ان تُوضع بعد ذلك في متحف الانسان بباريس ايضاً برفقه الخنجر الذي استعمله ليتم عرضهم تحت عنوان جمجمة مجرم وخنجره"

هذه قصة إعدام سليمان الحلبي، الشاب السوري وطالب العلم في الجامع الأزهر، والذي ترصد لكليبر قائد الحملة الفرنسية على مصر، والذي خلف نابليون في قيادتها وقتله طعنا بخنجره.

لم يهتم أحد بتاريخه فصوروه أنه شاب متعصب، صاحب هلاوس دينية، قتل كليبر ابن حضارة العدل والإخاء والمساواة، الذي جاء لينشر العلم والعمران في عالمنا الإسلامي المتخلف الهمجي على حد وصفهم، ولكن يجمع المؤرخون على أن مقتل كليبر هو الذي عجّل بإنهاء الحملة الفرنسية على مصر، على اعتبار فكرة أن قتل رأس الاحتلال سيضعف الاحتلال ويجبره على الانسحاب، فهذا البطل قد فعل بشكل فردي ما يعجز جيش كامل عن فعله، ورحل الاحتلال الفرنسي عن مصر بالفعل عام 1801م.

لقد وجد من يبكي على كليبر، فوراءه فرنسا التي لها اعلامها وكتابها كما لها أبواقها من عبيد الغرب في عالمنا الإسلامي، من يصور كليبر على أنه شهيد الحرية ويتناسون عمدا من هو كليبر وماذا صنع في مصر؟

عام 1800 ثار المصريون ضد الاحتلال الفرنسي، يما عرفت في التاريخ بثورة القاهرة الثانية، حين تسلل فريق من الجيش العثماني وبعض عناصر المماليك إلى داخل القاهرة وأثاروا أهلها، ولعب أعيان القاهرة وتجارها وكبار مشايخها دور كبير، أكبر مما فعلوه في الثورة الأولى، فلم يحجموا عن تزعم الثورة منذ الساعات الأولى، وقدموا أموالهم لإعداد المآكل والمشارب، وتزعم الثورة عمر مكرم نقيب الأشراف وأحمد المحروقي كبير تجار القاهرة وقادوا أهالي القاهرة، والأتراك المتواجدين حينذاك في خان الخليلى والمغاربة المقيمين بمصر، واستولوا على بعض التلال حول القاهرة وتسلحوا بالعصي والقليل معهم السلاح، واحتشد جمع آخر وصاروا يطوفون بالأزقة والحارات وهم يرددون الهتافات المعادية للفرنسين، ثم اشتبك الثوار مع طوائف الأقليات الموالين للفرنسيين في معارك قتل فيها بعض من نصارى المصريين والشوام وغيرهم، وتحصن الفرنسيون بمعسكرهم بحي الأزبكية في القاهرة.

وأحضر الثوار ثلاثة مدافع كان الأتراك قد جاءوا بها إلى المطرية، وجلبوا عدة مدافع أخرى وجدت مدفونة في بيوت الأمراء، وضربوا مقر القيادة الفرنسية بالأزبكية كما أنشأوا مصنعا للبارود، واتخذوا من بعض البيوت مقرا لصناعة واصلاح المدافع والقذائف، وبلغ بهم الأمر أنهم أقاموا معسكرا للأسرى بالجمالية (أحد أحياء القاهرة القديمة)، وجندوا كثير من الشخاص ليكونوا لهم عيونا وجواسيس على الفرنسيين واستكشاف خططهم ونواياهم ولم يتوانوا عن أخذ كل من تعاون مع الفرنسين من الخونة بالشدة والعنف.

وسرعان ما انتقل لهيب الثورة إلى بولاق أحد أشهر الأحياء الشعبية بالقاهرة، الذي عرف أهله بالقوة والفتوة، وانقضوا بعصيهم وأسلحتهم ورماحهم على معسكر الفرنسين، وقتلوا حراسه ونهبوا جميع ما فيه من خيام ومتاع وغيره، ورجعوا منها وعملوا متاريس واستعدوا للحرب والجهاد.

كانت ثورة أشبه بحرب شعبية تم الاعداد لها إلى حد ما.

فبماذا واجه جيش المحتل الفرنسي بزعامة كليبر تلك الثورة؟

كان ميزان القوى يميل كثيرا ناحية الفرنسيين، الذين كانوا جيشا محترفا سواء في المعدات وفنون الحرب وتكتيكات القتال.

استولى كليبر على تلال القاهرة ونقل إليها مدافعه، ثم استأنف دك القاهرة بقصورها وبيوتها وشوارعها وازقتها، واختص المسجد الأزهر وحي بولاق بالتدمير والقصف، حتى وصف الجبرتي مؤرخ تلك الفترة في  كتابه الشهير عجائب الآثار: أن الفرنسيين فعلوا بأهل بولاق "ما يشيب من هوله النواصى "فنزلوا بهم ذبحا وتقتيلا حتى صارت الطرقات والأزقة مكتظة بجثث القتلى، وأشعلوا النيران في الأبنية والدور والقصور، ونهبوا الخانات والوكائل والحواصل والودائع والبضائع، وملكوا الدور وبابها من الأمتعة والأموال والنساء والخوندات والصبيان والبنات ومخازن الغلال والسكر والكتان والقطن والأباريز والأرز والأدهان والأصناف العطرية، ومالا تسعه السطور، ولا يحيط به كتاب ولا منشور".

ثم تتابع هجوم الفرنسيين على سائر أحياء القاهرة، حيًا حيًا، واستمرت هذه الأهوال ثمانية أيام جرت في أثنائها الدماء أنهارًا في الشوارع، وأصبحت أحياء القاهرة خرابًا

لم يكتف كليبر بذلك وكانت يمتلئ غرورا، ففرض على أهالي القاهرة غرامة مالية ضخمة قدرها 12 مليون فرنك، وخص علماء الأزهر بنصيب كبير منها، وعلى رأسهم الشيخ السادات، ومصطفى الصاوي ومحمد الجوهري وغيرهم، واشتط في تحصيل تلك الغرامة منهم، وألقى بالشيخ السادات في السجن، وقام بتعذيبه دون أن يراعي مكانته وسنه حين عجز عن تدبير المبلغ الذي طالبه به من الغرامة، وكان مائة وخمسين ألف فرنك.

كانت هذه أهم الأسباب التي دفعت بهذا الشاب السوري الذي كان يدرس بالأزهر أن يقوم بعمليته، فقد كان التخطيط كعادة ثورات مصر يتم في الجامع الأزهر، حيث يتجمع طلاب العلم والمشايخ من جميع الأجناس والأعراق، وكان أكثرهم متأثرا بما يفعله الاحتلال الفرنسي لمصر، وخاصة حين دخلت خيول الفرنسيين الأزهر بعد ثورة القاهرة الأولى امعانا في اذلال طلابه ومشايخه، باعتبارهم قادة المقاومة ضد الاحتلال والذين يلتف حولهم العامة من الشعب المصري فكان تدنيس خيول الفرنسيين للأزهر بمثابة بث روح القهر والهزيمة في نفوس هؤلاء.

 كل ذلك ألهم الفتى السوري الذي كان عمره حينها أربع وعشرين عاما، ودعته تلك الأسباب السابقة إلى اعداد خطة لقتل قائد جيش الفرنسيين، ربما أعدها له بعض ضباط الجيش العثماني، ولكن الشاب الذي كان يمتلأ حماسة وفي نفس الوقت حزنا على ما آل إليه وضع الجامع الأزهر والمسلمين، ما لبث ان تربص بالقائد الفرنسي وطعنه بخنجره حتى الموت.

لقد طلبت الجزائر من فرنسا إعادة رفاة ثوارها ومجاهديها من متاحف فرنسا، وبعد مماطلة وتسويف قبلت فرنسا، ربما لاعتبارات سياسية مع النظام الجزائري، وأرسلت إليها رفات جماجم أكثر من عشرين من الجزائريين وكان من بينهم مصريا من مدينة دمياط، سافر إلى الجزائر زمن هجوم فرنسا على الجزائر في منتصف القرن التاسع عشر، واستشهد هناك وقطع الفرنسيون رأسه مع كثير من مجاهدي الجزائر، وأرسلوهم إلى متاحف فرنسا حيث ظلوا يعرضون على الجماهير، حتى استعادت الجزائر رفاتهم لكي يدفنوا في الأرض التي جاهدوا في سبيل تحريرها من الاحتلال.

فمن يستعيد رفات سليمان الحلبي الآن؟

ولكن ستظل ذكراه تنبيها للغافلين، أن أرض المسلمين لم تكن تعرف الحدود ولا الفواصل ولا التجزئة، وأن الاستشهاد في سبيل استردادها من أيدي الغزاة والمحتلين ومقاومتهم وجهادهم هو الذي يصنع الفجر الجديد.


 


ثم تكون عليهم حسرة!