الثلاثاء، 31 ديسمبر 2019

هل الحقد النفسي يُصلحُ فكراً؟

هل الحقد النفسي يُصلحُ فكراً؟

مهنا الحبيل
29/12/2019
أثارت قضية رحيل د. محمد شحرور مساراُ مختلفاً في تقديري، عن الحوار الفكري مع اجتهاداته، وهو مسارٌ مهم للغاية في بعده الأخلاقي وفي تحديد مناط ميزان الفكر في الصراعات الدينية، أو الثقافية أو الاجتماعية في وطننا العربي، وكيف يُعزل مناط الفكر عن حصيلة المشاعر.
وهذه القضية لم تولد برحيل د. شحرور ولكنها سابقة له بعقود بل بقرون في تاريخ الصراع النفسي في التراث الإسلامي، وكيف أثر على إضعاف بينة العقل المسلم، منذ القدم في مسار الأصول الفقهية وفي مضمار الاستنباط المعرفي، حين فتحت الفكرة الإسلامية مدارها الواسع لصالح البشرية.
  ولم أكن يوما معجباً بأطروحات د. شحرور، لكنني لا أسجل رأيي عادة إلا من خلال دراسة كافية للتجربة وللحصيلة الفكرية، ولذلك هذا التناول لن يقف مع د. شحرور ولا مساحات التأييد والرد، كما أنه لا ينكر على أحدٍ تفنيد رؤى د. شحرور عقائدياً، أو فلسفياً.
وإنما الحديث هنا عن ظاهرة صاعدة في الإعلام العربي وخاصةً في السوشل ميديا، تقوم على فكرة تحشيد المشاعر والتدوينات، عبر ركام من الاحتقان النفسي، أكثر المتداولون لها، هم أتباع لهذا الشيخ أو المفكر أو المثقف، وليس لهم أي نظرة مستقلة للحكم على صحة ما يتداول أو ينحل على هذه الشخصية أو تلك، بغض النظر عن صوابها من خطئها.
  ومع أن هذه اللغة وهذا الانحياز النفسي، الذي هو مشروع حين لا يؤثر على الاستدلال الفكري، ولا يفجر الكره الشخصي في تناول المسألة الفكرية، ليس مرهوناً بالحالة الإسلامية، وإنما للحالة العلمانية نصيب ضخم منه، غير أن المنبر الديني يقف هنا، لكي يعطي أحكاماً نهائية في مصائر الناس، وقبل ذلك في تحديد اللغة التي يجب أن تتناول بها اقلامهم ومؤسساتهم كل مختلف، أو مشكك في منظومة العقائد، حسب ما يظنون هم، أو حسب ما هي في الأصول.
  وأشير هنا إلى مسألة أخرى، وهي توظيف المشروع العربي الصهيوني، لهذه الاجتهادات الشاذة في بعضها، أو المحتملة التأويل في بعضها الآخر، وبالتالي تُصنع ثقافة أصول دين مختلف، يحتج به الاستبداد لمقاومة حرية الشعوب، أو صراعه مع الجماعات الدينية المتعددة، والحقيقة أن هذا الحلف، ليس هذه مساحة استفادته فقط، بل إن منظومات التشدد الديني، أو الحزبي أو أي تحالف مصالح بين مثقفين إسلاميين أو علمانيين، يقوم بدروه لمحاصرة صناعة الرأي المستقل، الذي يحرر فكر النهضة بعيداً عن مشروع التوظيف السياسي.
  ونأخذ بالاعتبار هنا، أن مساحة التيسير في الشريعة، أو تقديم الأخلاق في التعامل باعتبارها جوهر معرفي وسلوكي، هي مساحة موجودة في فقه الإسلام وفلسفته، فحين يدعّيها أي طرف لصالح مشروع قمعي، فهذا لا يُسقط الأصل في منظومة الفكر الإسلامي الراشد، وقس على ذلك مدارات متعددة لمعادلة المعرفة الإسلامية، قد يستخدمها طرف محسوب على المشروع ويتطرف فيها، لكنها كأصل مثبتته في سماء الفكر والاجتهاد الإسلامي المشروع.
  إنك كثيراً ما تجد في مدونات الفيس بوك أو تغريدات تويتر، او غيرها سيلاً هائلاً من الملاعنة والاستقطاب، وعادةً تكون في صورة تكتلات ذات انتماء موحد، وحين تفكك هذه التدوية أو تلك، تجدها قائمة على مشاعر محتقنة للغاية ضد هذا المخالف، وتجد ريح الغضب الشخصي لذات الناقد، أو لمكانته في تياره أو في منابر التوجيه، طافحة على كلماته، وحافزاً أصلياً في حديثه، رغم العدد الضخم من المؤيدين له، وهذه المسألة التي اعتنى بها المتصوفة قديماً، ذات علاقة بتضخم الذات باسم الدفاع عن الحق.
  فلا تحتاج لكثير من التأمل حتى تقف على الدافع الشخصي، الذي أحياناً لا يمكن فصله عن الحقد الذاتي أو النفسي، وانحياز النفس أمرٌ لا طاقة للناس بتجنبه، غير أنه حين يكون لغة الحديث والتحرير، فلا يعتبر ميداناً فكرياً، بسبب حمولة الصراع الضخمة، التي تهمين على الخطاب.
وللحديث بقية

أنا والسيسي ومصطفى النجار

أنا والسيسي ومصطفى النجار

 وائل قنديل
عامٌ جديدٌ وسيخرج عبد الفتاح السيسي على الناس في مسوح الرهبان والقدّيسين، متحدّثًا عن القيم الإنسانية والأخلاقية، وأعداء الحياة وأهل الشر، وربما يحمل طفلًا أو طفلةً ويهدهدها بحنانٍ مصطنعٍ ومبتذل، مدغدغًا مشاعر الجماهير، بعباراتٍ ركيكة الأداء التمثيلي عن الأشرار الذين حرموا الصغار من آبائهم.

لن يكون هذا الطفل هو محمد ابن أسامة محمد مرسي، الذي جاء إلى الحياة ووالده في السجن مظلومًا، وجده أيضًا حتى الشهادة، ولن يكون سهيل ابن مصطفى النجار، النائب البرلماني السابق، وأحد شباب ثورة يناير، والطبيب المختفي قسريًا منذ خمسمائة يوم في أقبية دولة عبدالفتاح السيسي وسراديبها، من دون أن يجيب أحدٌ من المسؤولين في الدولة ذات الأفرع والأذرع الأمنية والمعلوماتية الممتدة والمتشعبة بكثافة، عن سؤاله: أين أبي؟ ومن دون أن يكشف أحدٌ لأهله وأسرته مصيره، منذ اعتقل على الحدود قبل عام ونصف العام.
لن تكون الطفلة التي يحملها السيسي لابتزاز المشاعر واحدةً من همس وهيا، ابنتي الزميل حسن القباني، اللتين أمضيتا أعوامهما الخمسة الأخيرة محرومتين من أحد الأبوين، وكأن أمن مصر القومي لا يتحمّل أن يكون الزوجان، حسن القباني وآية علاء، حرّين في بيتهما في توقيتٍ واحد، وأن الاعتبارات الجيو استراتيجية تستلزم أن يكون أحدُهما مسجونًا طوال الوقت، ويُستحسن أن يُسجنا معًا.
هذا الطفل الذي يستعمله السيسي طلاءً لوجهٍ إنسانيٍّ زائف ومصطنع لن يكون ابن الصحافية سولافة مجدي وزوجها حسام الصياد، المعتقليْن بلا تهمةٍ حقيقية، منذ اختطافهما من على مقهى في وسط القاهرة، على مرأى ومسمع من الجميع.
لن يكون طفل الحفل أو الطفلة ابنًا أو حفيدًا أو أخًا أكثر من مائة ألف من المعتقلين والسجناء والمختفين قسريًا، حتى ينعم السيسي بلحظات امتشاق الميكروفون وارتياد الكاميرا مستعرضًا إمكاناته المسرحية في أداء عاطفي بائس.

لن يتذكّر السيسي، وهو يحتضن هذا الطفل أو تلك الطفلة، وجه مصطفى النجار، ولن يقرأ أو يعي ما دوّنته شقيقته عن عذابات البحث عن ردودٍ مناسبة، حين تسألها صديقتها عن أخيها الذي ابتلعه صمت الطغاة منذ نحو 72 أسبوعًا، ومكابدات ما وصفته بقولها " أتقنت فصل روحي ومشاعري عن كلامي وأجدت التماسك عند الإجابة الأولى، ولو ضغطت علي قليلا لعاد اتصال الروح المذبوحة بالجسد، ولعلا نحيبي عنان السماء .. صرتُ وغيرى الكثيرون أجيد التمثيل تمامًا ‏أحبتنا غائبون، ولكننا على يقينٍ برجوعهم على خير.. موقنون بأن الظلم ساعة والحق إلى قيام الساعة". ثم تسأل: كيف يسمح الإنسان لنفسه أن يكون سببا في كل هذه الأحزان والآلام؟ كيف يضحك في وجه أبنائه، وهو يحرم أطفال الناس من آبائهم وأمهاتهم؟ ‏كيف يهنأ لهم العيش، وهم يعلمون أن آلاف القلوب تدعو عليهم حتى وهي صامتة؟

وبدوري، أود أن أسأل عبد الفتاح السيسي: هل تذكر ليلة ضمّنا اجتماعٌ معًا، أنت ومصطفى النجار وكاتب هذه السطور، وزملاء لك في المجلس العسكري، حين كنتم تتودّدون لكل من ينتمي لثورة يناير، محاولين التمسّح بها، والحصول على شرف الانتساب والمشاركة في نجاحها؟ هل تذكر حين كنا جميعًا على مائدة عشاء، وأنت تلحّ على مصطفى النجار أن يملأ صحن طعامه؟

أنا أذكر بعد ذلك بعام أنني غضبت من مصطفى النجار، وهاجمته بشدة، على أنه يراهن على احترامكم الثورة وشهداءها على نحو مبالغٍ فيه، حين راح يحتفل بيوم الشهيد (شهيد القوات المسلحة)، وهو نائب برلماني، بإقامة فعاليات ترفيهية وخدمية في منطقة مدينة نصر، وليس في ميدان الثورة، بينما قوتكم الهمجية الباطشة تحصد مزيدًا من أرواح شهداء الثورة في ميدان التحرير.

نعلم يقينًا أنكم لا تقيمون وزنًا لقانون، وتُناصبون قيما ومبادئ مثل حقوق الإنسان والعدل وحرية التعبير العداء، فهل يمكن، اعتبارًا لحقوق "العيش والملح"، كما يقول أولاد البلد، والود القديم، وإن كان كاذبًا من طرفكم، أن تجيب أسئلة ابن مصطفى النجار وأسرته: أين هو وماذا فعلتم به؟

ما اسم الموقف الذي لا يرى فرقا بين بين الضحية والجلاد ؟

ما اسم الموقف الذي لا يرى فرقا بين بين الضحية والجلاد ؟

 منصف المرزوقي الرئيس التونسي

السبت, 28 ديسمبر 2019 

حياد …حكمة …تعقل …. ثوابت السياسة التونسية التي يشهد لها العالم …النأي بالنفس عن المشاكل في ليبيا …عدم جعل تونس مسرحا لحروب لا ناقة لنا فيها أو جمل
كل هذا يذكر بكلمات أغنية ليلي مراد الشهيرة: كلام جميل، كلام معقول ما أقدرش  أقول حاجة عنه.
الواقع: عصابات مرتزقة يقودها جنرال متمرد أجير محور الشر السعودي الاماراتي المصري يتأهب لذبح أخوتنا وأهلنا وجيراننا للعودة بهم إلى عصر ما قبل الثورة. المشكلة أن هذه الجريمة لا ترتكب في جزر الواق الواق وإنما على حدودنا ,,,على  خط الدفاع الأخير عن بيتنا.
تصوروا ليبيا تحت سطوة الأجير.
هو ومشغليه يعلمون من أين انطلقت الثورة التي يمقتونها وقرارهم بتصفيتها في كل مكان خاصة في مهدها خيار استراتيجي لم يتخلوا عنه يوما ولن يزيدهم انتصار لا قدر الله في طرابلس إلا إصرارا على المضي فيه قدما.
ناموا يا جبابرة التعقل والمسؤولية، لن يحميكم من سكين الجزار إلا بطولة أهلنا في طرابلس،
قالك حياد …حياد؟
كم صدق المتنبي:
يَرى الجُبَناءُ أَنَّ العَجزَ عَقلٌ — وَتِلكَ خَديعَةُ الطَبعِ اللَئيمِ
وَكُلُّ شَجاعَةٍ في المَرءِ تُغني — وَلا مِثلَ الشَجاعَةِ في الحَكيمِ

تأملات - محمد علي كرد


تعرف على أول من ترأس مجمعا للغة العربية


يعرف الكاتب والصحفي واللغوي والأديب محمد كرد بأنه أول من ترأس أول مجمع للغة العربية في دمشق، كما أنه أنشأ الصحف بدمشق والقاهرة، وكتب وحرر في صحف أخرى.
حلقة (2019/12/31) من برنامج "تأملات" تناولت سيرة الكاتب والأديب والصحفي واللغوي محمد علي كرد ومواقفه ومؤلفاته وأعماله.
في العهد الفاصل بين الحكم العثماني والاحتلال الفرنسي ترأس محمد علي كرد أول مجمع للغة العربية بدمشق، واستمر في إدارته لمدة 30 عاما، ولم ينقطع سيل كتبه التي كان يؤلفها على الرغم من انشغالاته الكثيرة، وكان معاصرا في فكره وحياته، ويريد للعرب الفوز بالحسنيين: الحفاظ على القديم وبناء ثقافة جديدة.
وعلى الرغم من مشاغلة الكثيرة بالكتابة للصحافة اليومية والأسبوعية وتأسيسه المجامع اللغوي وتسلمه المناصب المهمة فإنه ألف العديد من الكتب الكبيرة ذات الأجزاء الكثيرة، كما كتب تاريخ بلاد الشام على طريقة القدماء لكن بالاستناد إلى 1500 مرجع بلغات عدة.
ويذكر كرد في أحد مؤلفاته أنه كانت له خصومات ومهادنات مع الوالي العثماني، ثم مع المعتمد الفرنسي في الشام، وعرف برجل السياسة لكنه كان عنيدا.

وأشار إلى أنه مشى مسيرة 14 يوما مع تجار الإبل هربا من عسف الحاكم، وكان دائما يفلح في الحفاظ على حريته بقول كلمته.
ولد محمد علي كرد لأب كردي وأم شركسية، فقد قدم جده من السليمانية بالعراق واستوطن دمشق، ونشأ في ضيعة والده حيث تعلم القرآن واللغة العربية، ثم أتقن التركية والفرنسية، وعاش قرابة الثمانين عاما، ونال الشهرة في حياته وحتى بعد مماته.
حلقات تأملات

تأملات - ندامة الكسعي


الشاعر / محمد ياسين صالح برنامج «فصاحة»... جميع مشاركاته

برنامج «فصاحة»... من قطر إلى العالم العربي 

الشاعر / محمد ياسين صالح "فصيح العرب"

للقصة بقية - على أبواب السفارات

برنامج للقصة بقية

على أبواب السفارات.. حلم الهجرة الذي يراود الشباب العربي


على أبواب السفارات.. حلم الهجرة الذي يراود الشباب العربي


في ظل تهافت الشباب العربي على سفارات الدول الغربية لتحقيق طموح الهجرة لديهم، أو اللجوء في بعض الأحيان إلى طرق غير شرعية للهجرة، تابع برنامج "للقصة بقية" (2019/12/30) قصصا إنسانية لشباب من مختلف الدول العربية اتخذوا قرار الهجرة من الوطن الأم.

الحنين إلى الوطن

الشاب المصري عادل مصطفى (مندوب مبيعات) يحكي أن محاولة السفر خارج مصر كانت في البداية إلكترونيا، وذلك بالتقديم للهجرة العشوائية وكذا الوظائف على المواقع الإلكترونية.

وبعد فشل هذه المحاولات، قرر مصطفى أن يزور مختلف السفارات الموجودة في مصر، ولكنه واجه عقوبات مادية حالت دون تقديمه لإحدى تلك الدول.

وأضاف أن السبب وراء قراره هذا اقتصادي بالدرجة الأولى، حيث يسعى لتحسين مستوى دخله رغم يقينه التام بأنه سيحن إلى وطنه الأم.

المواطنة

أما الشاب التونسي مهدي دبش فاتخذ قرار الهجرة نظرا للوضعية التنموية الصعبة التي تعرفها تونس، مما يجعلها غير قادرة على تأمين مناصب شغل لجميع الشباب.

واعتبر دبش أن مبدأ الهجرة لا يقوم على الجانب المادي بالدرجة الأولى، بل يهدف إلى العيش الكريم وتحقيق نوع من الرفاهية، وكذلك الرغبة في مجتمع تربطك به علاقة حقوق وواجبات حتى يشعر المواطن بالانتماء إلى البلد.

من جهتها، قالت مديرة مكتب الهجرة إلى كندا في تونس رانيا زريبي إن 60% من المتقدمين للمكتب هم من فئة الشباب، سواء أكانوا حديثي التخرج أو يعملون في مهن غير راضين عنها.

الفرار

بدوره، أوضح مدير مكتب سفريات في سوريا مصطفى العبد الله أنه يعمل على الحدود السورية التركية، حيث يضمن سفر السوريين إلى تركيا بطرق غير نظامية ولكن آمنة لعدم توفرهم على جوازات سفر.

وأوضح أستاذ علم الاجتماع السياسي سعيد صادق أن الشباب يغامرون بحياتهم ويهاجرون بطريقة غير شرعية قد تؤدي إلى وفاتهم، إيمانا منهم بأن حياتهم في وطنهم تشبه الموت.

قبل أن تسقط القاهرة....

قبل أن تسقط القاهرة....




محمدإلهامي

باحث في التاريخ والحضارة


تدور الأيام لتعود ذكرى سقوط الأندلس (2 يناير 1492م)، ويتجدد معها الألم التاريخي الموصول بسقوط البقعة التي أشرقت بالإسلام فكان لها في تاريخ الحضارة صفحة لم تكن لها لا قبل الإسلام ولا بعده، وقد يثور الخيال: ترى هل كان الأندلسي الذي يعيش في قرطبة زمن عبد الرحمن الناصر والحكم المستنصر والمنصور بن أبي عامر يتصور أن يخرج الإسلام من الأندلس؟! لا ريب أنه أمرٌ بعيدٌ لا يخطر بالبال، ولكنه حصل، وأقرب منه الآن أن يتصور الواحد في زماننا الآن: سقوط القاهرة!

لعل كثيرا من الناس لا ينتبه إلى أن السقوط أمام العدو الأجنبي سبقته مرحلة أخرى، أهم ملامح هذه المرحلة هو وجود حكم مستبد في الداخل وهو تابع ذليل للعدو الأجنبي، فالطغاة شرط الغزاة، إذ المستبد يمهد الطريق لتسليم البلاد للأجنبي، وهو يبيع منها بالقطعة قبل أن يأكلها العدو بالجملة، ويقدم التنازل طلبا للرضا متوهما أنه بهذا يحفظ عرشه لنفسه، وفي هذا الزمن يستولي الحكام على أموال الناس بشتى أنواع الضرائب والمكوس، ويتفننون في هذا ويخترعون، حتى يصير على كل نشاط ضريبة!! ثم يذهب معظم هذا إلى العدو على صورة الهدايا والجزية (أو ما يسمى في زماننا الآن: التزامات دولية).

ولقد وصف ابن حزم، وهو أندلسي عاش في زمن ملوك الطوائف، أولئك الحكام وأفعالهم بقوله “هي جزية على رءوس المسلمين يسمونها بالقطيع، ويؤدونها مشاهرة وضريبة على أموالهم من الغنم والبقر والدواب والنحل، يرسم على كل رأس، وعلى كل خلية شيء ما، وقبالات ما، تؤدى على كل ما يباع في الأسواق، وعلى إباحة بيع الخمر من المسلمين في بعض البلاد. هذا كل ما يقبضه المتغلبون اليوم، وهذا هو هتك الأستار ونقض شرائع الإسلام وحل عراه عروة عروة، وإحداث دين جديد، والتخلي من الله عز وجل. والله لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية أمورهم لبادروا إليها، فنحن نراهم يستمدون النصارى فيمكنونهم من حرم المسلمين وأبنائهم ورجالهم يحملونهم أسارى إلى بلادهم، … وربما أعطوهم المدن والقلاع طوعاً فأخلوها من الإسلام وعمروها بالنواقيس، لعن الله جميعهم وسلط عليهم سيفاً من سيوفه”1.

أضف إلى هذا أن أولئك الحكام يستعينون بالأجنبي على أخيهم المسلم ولو كان من أرحامهم، ونحن نستطيع أن ننقل من نصوص هذه الاتفاقيات عبارات مخزية فاضحة، فهذا يوسف بن المولى يقود تمردا على ملك غرناطة محمد بن الأيسر مستعينا بملك قشتالة، وذلك قبل سقوط غرناطة بستين سنة، فيُكتب في الاتفاقية التي عقدت بينهما قبل المساعدة هذه العبارات2:

“مولانا السلطان المعظم دون جوان، سلطان قشتالة وليون، الذي هو رأس اشبانية، فاستعنَّا بحزمته ونصرته، وكبير سلطانه، وجئنا له بالخضوع… وهو بجيش عظيم وقدرة كبيرة، ليكون مولانا السلطان المذكور عونا لنا على أخذ الملك من يديه محمد الأيسر… وأن نكونوا نحن عوضا منه في الملك، خُدَّاما ومتاعا لمولانا السلطان صاحب قشتالة، بمعاونته وحزمته، وبما أظهر علينا من جاهه وإحسانه ونصرته… فنحن نشهد على أنفسنا أننا خداما لمولانا السلطان صاحب قشتالة من الآن إلى ما يأتي بعد، مَلَكْنا المُلك أو لم نملكوه، وخدمتنا له بِنِيَّتنا وقدر استطاعتنا في جميع الأمور بعضها وكلها، ونشرط ونشهد على أنفسنا أننا إذا تمهد لنا ملكنا، ودخلنا دار ملكنا الكريم، أن نحرر جميع الأسارى الذين بملكنا من النصارى في حضرتنا العلية، وجميع بلادنا النصرية3… ونشترط أداء عشرين ألف دينار من الذهب العين البلدي الوازن في كل سنة، موصلة ليدي مولانا السلطان حيث ما يكون من بلاده ومواضعه وحصونه، حتى يستقر بيده الكريمة مع من نستثيقوه

ونطمئنوا فيه من خدامنا وقوادنا. ونشترط ونشهد على أنفسنا معاونة مولانا السلطان بألف فارس وخمسمائة فارس مسلحون من فرساننا بمرتبنا ونعمتنا، نوجهوهم له للموضع الذي يحتاجهم فيه من بلاده لمحاربة من يريد محاربته ومعاندته ومنازعته، نصارى كانوا أو مسلمون، ونشرط ونشهد على أنفسنا أنه إذا احتاجنا لمخاطبتنا فنتوجه إليه بأنفسنا وجيوشنا إلى الكُرتس4 الذي يكون فيه في البلاد والمواضع… ونشهد ونشرط على أنفسنا مهمى توجه نصرانيا أصليا إلى خدمتنا فنردوه إلى مولانا صاحب قشتالة لأقرب وقت، ولا سبيل له إلى أن يقيم معنا بوجه ولا بحال، بل نردوه بكتابنا لمولانا السلطان يقع نظره الجميل فيه. فهذا الشروط كلها نشترطوا بها على أنفسنا، ونلزموا أنفسنا ما يلزم في كل ما قلناه، ونحلف أننا نوفوا بما قلنا على أتم الكمال، الذي يرضاه مولانا السلطان صاحب قشتالة، فنقولوا بالله الذي لا إلاه إلا هو عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، وبحق محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وبحق القرآن العظيم الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم”5.

وحين يأتي الاحتلال لا يبحث الحكام الذين ملكوا البلاد ونهبوا أموالها واستعبدوا ناسها إلا عن مصالحهم الخاصة، فهم يسلمونها للأجنبي المحتل طمعا في النجاة بأنفسهم، وقد أورد مؤرخ زمن سقوط غرناطة في كتابه “نبذة العصر” أن مفاوضات سرية كانت قائمة بين أمير غرناطة ورجال بلاطه وبين فرناندو، مفادها أن يسعى أمير غرناطة لإقناع أهلها بالاستسلام والاتفاق على تسليم المدينة، وقد كان أمير غرناطة يريد الاستسلام ولكنه يخشى من أهل غرناطة، ولهذا أوقف فرناندو الغارات مع تشديد الحصار6، ولنا أن نتصور طبيعة حرب يخوضها أمير بهذه النية في التسليم، ولنا أن نتصور كذلك ما لو كان مكانه أمير مناضل يعزم على الدفاع عن قلعة الإسلام الأخيرة في الأندلس.

وقد كان مؤرخ الأندلس الفذ محمد عبد الله عنان يرتاب في هذه الرواية إلى أن ثبت له صحتها باطلاعه على وثائق اكتُشِفت من تلك الفترة، وتبين أنه في نفس اللحظة التي عُقدت فيها معاهدة تسليم غرناطة كانت معاهدة سرية أخرى تُعقد ويُمنح فيها أمير غرناطة وأسرته ورجال حاشيته “منحا خاصة بين ضياع وأموال نقدية وحقوق مالية وغيرها”، ثم إنهم منذ بدأت الأحداث الأخيرة سعى أمير غرناطة ورجاله في بيع أملاكهم”7.

هذه صفحة من التاريخ يجب أن نقرأها لنتفهم منها صفحتنا في هذا الحاضر، قبل أن تكون صفحتنا هذه شبيهة في تاريخ الزمن بصفحة سقوط الأندلس!
إن ما يحدث في القاهرة الآن شيء مروع، شيئ يذهب بالأبصار إلى مصير السقوط الأندلسي، فنحن لا نزال منذ حكمنا العسكر والبلاد تنقص شيئا فشيئا، خسرنا السودان وغزة وسيناء ومؤخرا جزر تيران وصنافير (لا لصالح السعودية كما يوهموننا، بل لصالح إسرائيل بمال سعودي ولتدخل السعودية في مهمة حماية أمن إسرائيل طبقا لإلزامات كامب ديفيد) وحقول الغاز في المتوسط، فضلا عن خسران السيادة في قلب القاهرة، والتزام قطاعات الدبلوماسية الخارجية والاقتصاد والتصنيع والإعلام والتعليم بالإرادة الأمريكية الإسرائيلية، ثم ضرب كافة مقومات المقاومة في المجتمع، وتدمير تماسكه الاجتماعي!
إن نظرة عابرة لما يفعله العسكر في مصر تدل على شيء واحد: إنما هو تمهيد البلاد حتى تأتي اللحظة التي يستلمها فيه الاحتلال بنفسه!
ترى هل سيكتب التاريخ أننا الآن في زمان ما قبل سقوط القاهرة؟!!

الهامش
(1) ابن حزم، رسائل ابن حزم، تحقيق: د. إحسان عباس، ط1 (بيروت: المؤسسة العربية، 1981م)، 3/176 (رسالة: التلخيص لوجوه التخليص).

(2) نحن ننقل نصا من الوثيقة على ما فيه من ركاكة وأخطاء في القواعد والإملاء.

(3) أي جميع مملكة غرناطة، وليس فقط الأسرى النصارى في مدينة غرناطة.

(4) الكورتس هو المجلس الذي يحضره رؤساء الولايات التابعة للمملكة، فحضوره هو اعتراف بأنه والٍ في مملكة اسبانيا تابع للملك خوان وليس ندًّا أو ملكا مستقلا.

(5) انظر النص الكامل للوثيقة في: محمد عبد الله عنان، وثيقة أندلسية قشتالية من القرن التاسع الهجري، مجلة المعهد المصري للدراسات الإسلامية في مدريد، المجلد الثاني، 1954م، ص38 وما بعدها.

(6) مجهول، نبذة العصر في أخبار ملوك بني نصر، ضبطه وعلق عليه: ألفريد البستاني، ط1 (بورسعيد: مكتبة الثقافة الدينية، 2002م)، ص123.

(7) محمد عبد الله عنان، دولة الإسلام في الأندلس، ط4 (القاهرة: مكتبة الخانجي، 1997م)، 7/241، 242.

أبعاد صفقة القرن الخاسرة

أبعاد صفقة القرن الخاسرة

2019-07-18


عبد الرحمن بن عبد الخالق اليوسف

العرب الأغنياء هم الذين سيدفعون ثمن الصفقة طوعاً وكرهاً، الموعودون بها الفلسطينيون و الأردنيون والمصريون, أما ثمن الصفقة للفلسطينيين فهو قتل أولادهم المجاهدين وتدمير سلاحهم وتهجير من بقي من الفلسطينيين .
العرب الأغنياء هم الذين سيدفعون ثمن الصفقة طوعاً وكرهاً، الموعودون بها الفلسطينيون و الأردنيون والمصريون، أما ثمن الصفقة للفلسطينيين فهو قتل أولادهم المجاهدين وتدمير سلاحهم وتهجير من بقي من الفلسطينيين من الأرض التي يريدها الإسرائيليون خالصة لهم ونسيان مطلبهم الدولة الفلسطينيه والقدس عاصمة لها،
ونسيان بحق ما يسمى بحق العودة ونزع الهوية عن كل فلسطيني يبقى في فلسطين ليكون مسماهم عرب أرض إسرائيل وتكون فلسطين خالصة لليهود.

وأما المصريون فالثمن الذي يأخذونه هو التنازل عن سيناء أو بعضها للدولة الفلسطينية التي ستنشأ على جزء من الأرض الفلسطينية وسيناء وأما الثمن الذي سيأخذه الأردنيون سيكون في مقابل التنازل عن كل ما كانوا يطالبون به في القدس والوعد بأن توجد فرص عمل لأبناء الأردن في المدن السياحية التي ينوون بنائها.



لم و لن يدفع اليهود والأمريكيون دولاراً واحداً في هذه الصفقة.
حقاً إن اليهود شعب ذكي وهم يقولون نحن شعب الله المختار وقد خلق الله الآخرين من البشر ليسخرهم في خدمتنا وقد استطاعوا عبر التاريخ أن يجندوا غيرهم في خدمتهم إنظر عملهم عندما رَكِبوا قريشاً وغطفان وأتوا بهم لحرب النبي صلى الله عليه وسلم ووعدوهم بنصف ثمار المدينة ولولا أن الله سبحانه وتعالى هزم الأحزاب وحده لما وجِد إسلام قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً، إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} الآية.
وعبر التاريخ استطاع اليهود تجنيد الآخرين وتسخيرهم في خدمتهم وأعظم أمة استطاعوا ركوبها وتسخيرها هي الأمة الأمريكية بعد أن ملكوا إعلامها واقتصادها والفن فيها والسياسة بالسيطرة على الحزبين الديمقراطيين والجمهوريين ومنذ عقود وهم يتحكمون في اختيار الرئيس وكان كل رئيس يتسابق في خدمتهم ومن تلكأ في ذلك قتلوه أو أقالوه كجون كيندي ونيكسون ولم يسارع رئيس أمريكي في خدمتهم ما سارع الرئيس الحالي دونالد ترامب الذي أعطاهم ما لم يكونوا يحلمون به وسخر العرب في خدمتهم.



إن تمت هذه الصفقة فهي تعني إصابة الأمة الإسلامية في دينها وعقيدتها وكرامتها وأسباب بقائها بما لم لم تصب به من ذي قبل، وسوف يستغرق علاج هذا المصاب وتبعاته سنوات طويلة الله وحده الذي يعلم كم ستستنزف من دين الأمة وعقيدتها، وخيراتها ومقدراتها.



وإن كان في المسلمين بقية حياة وقاوموا هذا الأمر فلربما غير الله ما بهم والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

من الانزواء إلى حلم التدريس في الجامعة..

من الانزواء إلى حلم التدريس في الجامعة.. شابة كويتية تروي معاناتها مع "التأتأة"




محمود الكفراوي-الكويت
ذكريات سيئة ومواقف حفرت في مخيلتها، جعلتها تحاول جاهدة كبح جماح دموع انتصرت عليها غير مرة وهي تعيد سرد حكايتها مع مشكلة التأتأة التي فاجأتها في مطلع الصبا وكانت سببا في معاناتها على مدار أكثر من عشر سنوات. 

"كنت في المرحلة المتوسطة حين بدأت أواجه لأول مرة مشكلة التأتأة، وقتها كان الزملاء والمدرسون يضحكون من حالتي، مما سبب لي حزنا شديدا دفعني في الوقت ذاته إلى الانكفاء على نفسي بدلا من الاندماج مع زملائي في الفصل، أو المشاركة في الأنشطة المختلفة".
 
تروي الشابة الكويتية رتاج القطان (21 عاما) للجزيرة نت بدايات حكايتها، مشيرة إلى أنها لم تخبر أحدا من أهلها خلال تلك المرحلة المبكرة من عمرها بما تعانيه، مما زاد الوضع سوءا بالنسبة لها بسبب ازدياد معدل التأتأة وما صاحبها من انطواء عن محيطها المجتمعي.
لم تقف المشكلة عند هذا الحد، إذ باتت الفتاة تتجنب الاتصال بمطاعم الوجبات الجاهزة لأن تعثرها سيكون سببا في سماع بعض الكلمات الجارحة ولو بدون قصد، كما تجنبت أمورا من قبيل الذهاب إلى أفرع البنوك أو أي جهة تستدعي التعريف بنفسها، حتى أنها كانت تتصبب عرقا حين تتخيل أن عليها مواجهة شخص لا تعرفه مسبقا.
حين انتقلت رتاج إلى المرحلة الثانوية كانت المعاناة مستمرة، لكن أصعب أيامها كانت أولاها بالطبع، فمع بداية كل عام كانت الفتاة تضع ألف حساب لأول يوم دراسي، خاصة أن كل مدرسة تدخل حصتها الأولى ستسألها عن أشياء من قبيل الاسم والهواية أو غيرهما.

الابتسامة رغم الألم
تتوقف رتاج حين تتذكر تلك الأيام قبل أن تكمل سرد بعض ذكرياتها "مع مواجهتي لمشكلات في النطق السريع، كانت بعض المدرسات يتهكمن عليّ بأني نسيت اسمي، ولم يكن أمامي إزاء هذا الموقف الذي تكرر كثيرا سوى تصنع الابتسامة رغم تألمي الشديد داخليا".
في السابعة عشرة من عمرها وقبل أشهر من انتهاء دراستها الثانوية، قررت الفتاة إخبار والدها برغبتها في مراجعة أحد المراكز الحكومية المتخصصة في مشكلات النطق، تحسبا لقرب دخولها الجامعة وخشيتها من استمرار معاناتها التي توقعت أن تتزايد من قبل أساتذة الجامعة وفي المدرجات.
بعد عدة أشهر من التردد على المركز ومع خوفها وعجزها عن تنفيذ التدريبات العلاجية التي طلبتها الأخصائية، كان على الأخيرة أن تخبرها بأن علاج مشكلتها بيدها وحدها، وأن عليها أن تمتلك الشجاعة لمواجهة المجتمع، وهنا قررت الفتاة ألا تذهب إلى المركز مرة أخرى لفشلها في تحقيق أي تقدم إيجابي.
مع التحاقها بالجامعة، كان أول قرار اتخذته هو هجران تخصص الرسم الذي حلمت به وبتدريسه، لا لشيء إلا لأنه سيضعها مستقبلا في مواجهة مع طالبات المدرسة التي ستعمل بها. وبالفعل تقدمت بطلب للاعتذار عن دراسته ليتم تحويلها إلى دراسة التخصص الذي وضعته كرغبة ثانية في استمارة الالتحاق، وهو تكنولوجيا التعليم لكونه لا يستلزم احتكاكا كبيرا بالطلاب في مرحلة العمل.
وتتذكر رتاج -وهي تغالب دموعها- موقفا مع بدء رحلتها الجامعية، حين ذهبت ذات يوم إلى مدرس إحدى المواد وأخبرته برغبتها في تقديم شرح للمادة العلمية كباقي زميلاتها، مع طلب منحها وقتا أطول لكونها تعاني من التأتأة.
قدمت الفتاة شرحا كما تمنت، لكنها فوجئت بعد الانتهاء منه بالأستاذ يخبرها أنه لا يريد أن يناقشها فيما عرضته لأنها استغرقت وقتا طويلا.

                               رتاج القطان مع أستاذها بالجامعة الذي ساعدها في التغلب على مشكلة التأتأة (الجزيرة نت)
رفض توثيق الدموع
ترفض الفتاة أن نوثق دموعها التي انسابت في تلك اللحظة قبل أن تكمل، "قال الأستاذ الجامعي كلمته تلك وهو يشير إلى عقارب ساعته، وهنا حاولت الضحك، لكنني عدت إلى مقعدي وأنا محطمة نفسيا نتيجة شعوري كم أنا ثقيلة على من حولي".
قلل من تأثير هذا الموقف مواجهتها لنموذج آخر من أساتذة الجامعة وهو الدكتور علي بو حمد الذي شجعها كثيرا على مواجهة مخاوفها من التأتاة، حتى أنها التحقت بأحد المعاهد المتخصصة في معالجة المشكلة بتشجيع منه.
في إحدى الفعاليات التي نظمها المعهد الذي التحقت به، كان عليها أن تقدم شرحا أمام عدد كبير من الجمهور، وهنا أخبرت الفتاة أستاذها برغبتها في حضوره تلك الفعالية، ورغم وعده لها بالحضور ظنت أنها مجرد مجاملة، لكنها فوجئت به داخل القاعة، وهو ما شجعها كثيرا على الأداء بشكل أفضل لرغبتها أن يرى كيف تغيرت مقارنة بأول لقاء جمعهما في الجامعة.
"أصبحتُ أفكر بشكل صحيح، وأدركت أن جميع الناس لديهم معاناة ما، وأن الشجاعة في المواجهة".. هكذا تلخص رتاج الدرس المستفاد من معاناتها تلك، الأمر الذي جعلها لا تكتفي بمواجهة المجتمع فحسب بل تسعى لتوعيته.
رتاج رفقة والدها الذي قال إن الأسرة عانت من المشكلة لكنها أصبحت الآن من الماضي (الجزيرة نت)
فخلال دراستها بالفرقة الثالثة كان على كل طالب يدرس مادة الفيديو التعليمي أن ينفذ مشروعا عبارة عن فيلم وثائقي إما عن نفسه أو عن أي فكرة يقترحها، فاختارت الشابة أن تصور حكايتها ومعاناتها لسنوات مع مشكلتها، لإيصال رسالة مفادها أن "من يعاني من مشكلة التأتأة إنسان مثلكم، وأن عليكم أن تختاروا كلماتكم الموجهة إليه بعناية".
حين عرض الفيلم على رئيسة القسم في الكلية كان رأيها أن يشارك في مسابقة التصوير الخاصة بكلية التربية الأساسية، ولكن بعد تصويره مجددا بشكل أفضل، وهو ما كلل في النهاية بحصولها على جائزة لجنة التحكيم الخاصة، الأمر الذي أسعدها كثيرا.
حصلت الفتاة على تقدير امتياز في السنوات الثلاث الماضية، ويفصلها عن تحقيق حلمها بالتدريس في الجامعة فصل دراسي واحد ينتهي في مايو/أيار المقبل، وبعدها ستتسلح بثقتها في نفسها لمواجهة الطلاب داخل المدرج الجامعي بعدما استفادت كثيرا من سنوات معاناتها، وهي تقول إن رسالتها للمجتمع هي "أعطونا وقتنا حين نتحدث"، ولمن يعانون مشكلتها "لا تخافوا، وتحدثوا بثقة، فالجميع لديهم مشكلة ما".
رحلة يصفها والد رتاج للجزيرة نت بأنها شكلت معاناة كبيرة للأسرة، لكنها أزمة مضت بفضل تفهم أستاذ لها يشعر الوالد بأن له جميلا يصعب رده، وكذلك بفضل شجاعة ابنته وقدرتها على المواجهة.
المصدر : الجزيرة

المتعصبون الهندوس وجريمة نزع جنسية المسلمين الهنود


المتعصبون الهندوس وجريمة نزع جنسية المسلمين الهنود
المتعصبون الهندوس وجريمة نزع جنسية المسلمين الهنود
قانون الجنسية الهندي هدفه تجريد ملايين المسلمين الهنود من جنسيتهم وتحويلهم إلى لاجئين غير شرعيين.
القانون يعطي الجنسية لكل الملل والنحل التي تعيش في الهند ماعدا المسلمين.
من المعروف أن عشرات الملايين يعيشون في القرى الفقيرة بدون أي أوراق ثبوتية، معظمهم من المسلمين الذين نزحوا من ديارهم وأخرجوا من مدنهم منذ عمليات التهجير التي تمت قبل الاستقلال من الانجليز وبعده، وتعمدت السلطات الهندوسية حرمانهم من الأوراق الرسمية التي تعطيهم الحق في العيش والمواطنة والانتخاب.
يعيش في الهند 200 مليون هندي، وهناك إحصاءات من المسلمين ترفع الرقم إلى أكثر من ذلك، يتعرضون للاضطهاد والعزل بشكل متسارع منذ تولي حزب بهارتيا جاناتا الهندوسي بزعامة ناريندرا مودي عام 2014 الذي يريد تحويل البلد إلى دولة دينية هندوسية وإلغاء الوجود المسلم الذي له أكثر من ألف عام.
***
المسلمون حكموا الهند لمدة ألف عام وكانت من أغنى دول العالم حتى جاء الاحتلال الإنجليزي واضطهد المسلمين وسلم السلطة للهندوس وأسقط آخر امبراطور مسلم عام 1857
***
الصورة المرفقة عام 1700 تظهر حكم امبراطورية المغول الإسلامية لشبه القارة الهندية، وكان الوجود الأوربي يتخذ شكل المراكز التجارية على الساحل الغربي والشرقي، ولكن مع الوقت تحول هذا الوجود الاقتصادي إلى استعمار عسكري واحتلال أشعل الطائفية وسلم الحكم للهندوس.

الاثنين، 30 ديسمبر 2019

كيف نفهم موقف تونس من ليبيا؟

كيف نفهم موقف تونس من ليبيا؟


مهنا الحبيل
لماذا رفض الرئيس التونسي، قيس سعيد، فتح أراضي بلاده لصالح التدخل التركي في ليبيا، والذي قد يتم بناءً على طلب رسمي من حكومةٍ شرعية، تواجه تدخلاً عسكرياً وسياسياً واسع النطاق، من أبو ظبي إلى مصر، والشركاء الدوليين، لاقتسام ليبيا الجديدة، بعد اجتياح اللواء المتمرد، خليفة حفتر؟ ونحن إذ نُصدّر هذا الوصف للتحالف الذي يحاصر طرابلس، نؤكد إدراكنا هذه القوى التي تضمر الشر لليبيا.
في المقابل، ليس التدخل التركي قائماً على موقف تضامن عاطفي، ولا من منظورٍ مطلقٍ للأممية الإسلامية، إلّا من خلال ميراث المفهوم التركي وصدارته وأفضليته على العرب. وبالتالي، يوضع تفوّق تركيا القومية المعاصرة لدى بعضهم واجباً إسلامياً، بغض النظر عن معيار هذا التفوق، وما حصيلته على الأرض وخسائر الشعوب منه. ولا علاقة لهذا المفهوم العاطفي بالإسلام ولا بقطعيات الشريعة، وهناك في الأصل خلافٌ واسع، في تقدير منهجية الحروب التي وقعت داخل الدولة العثمانية على مكوناتها، وحرب العثمانيين عليها، بمن فيهم الشراكسة الأتراك، فكيف في هذا الزمن المتداخل، والذي تشير فيه الحالة التركية في سورية إلى مأساةٍ ارتدّت على الشعب لا تُسقط مسؤولية العرب ولا غيرهم، فضلا عن جريمة النظام والإيرانيين والروس. ولكن في نهاية الأمر انتهى المشهد إلى توافق روسي تركي إيراني، في سوتشي، وما يجري اليوم جزء من حصيلته. إذن، كيف نتعامل مع هذا المفهوم، في ظل هذا الواقع على الأرض إجمالاً؟ 

بالطبع، تراجعت اليوم، مع الأسف، الفكرة التي تقوم على أن الأتراك والعرب تجاوزوا مرحلة الصراع الذي أوجدته الدولة العثمانية بين مكوناتها، بتدخلٍ غربيٍّ أو من دون تدخل، مع تقدير حالة التخلف في المعرفة والاستبداد في عهد العثمانيين، والذي لا يزال لأتاتورك رصيد شعبي ليس قليلا بسببه، في وجدان الأتراك مع حربه للاستقلال، على الرغم من كراهيته المعروفة للعرب والإسلام، وهي كراهية علمانية قومية معقدة. غير أن الوعي الجديد عند انطلاق التجربة التركية في 1995، ثم وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة عبر انتخاب ديمقراطي، استدعى البيان القرآني، وهو تاج الحكمة بين الناس: "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت، ولكم ما كسبتم، ولا تسألون عما يعملون"، فالدولة الأموية ثم العباسية ثم العثمانية، محملاتٌ بإرثٍ صعبٍ من المظالم والاستبداد، وإن كانت لبني أمية وبني العباس مساحة حضارية، ومساهمات إيجابية، حققتها الأمة بعيداً عن استبدادهم، أو من خلال زوايا العدالة التي تحقّقت في تاريخهم، وغيرها من جوانب التفوق الإنساني الذي حين يُقارن بإنصاف، فإن تراثه لا يُلغى بالكلية، بل يُدرس، ويعرف كيف تفوقت معادلة معرفة للأمة، أو التطوير المدني عند تخلف أوروبا. فإذا كان هذا موقفنا، نحن العرب، فما الذي ننتظره من الأتراك؟ إنها المعادلة نفسها، وإن حضور الروح القومية اليوم، وجعلها منهجا لحساب مصالح تركيا، لا يغيرها حين تتخذ الرابطة الإسلامية حجة لها، فمصالح الأمة العليا، والحفاظ على المدنيين، ورفض الحرب  
بين مكوناتها عبر لافتة دينية، هو الحد الأدنى من الواجب.
هنا تُقاس مصالح التعاون والتعاضد، بناء على مصلحة عليا مشتركة، تضمن عدم تحوّلها إلى حفر نيرانٍ تلتهم الناس، أو توظيف لصراع آخر، قومي أو فئوي أو سياسي. وحين لا يتحقق ضمان هذه المصلحة، فلا بد من حضور دفع المفسدة، من أي تدخلٍ كان، لأنه سيزيد تعقيد الأزمات، ويوسّع رقعة الحرب، ويمنع فرص إحلال السلام، أو الحل السياسي لهذه الدولة أو تلك، هنا تتم مراجعة المقاييس.
وقد جاء التدخل التركي بناءً على اتفاق مصالح كبرى للدولة القومية الحديثة، وفي مواجهة العدو التاريخي، وهو اليونان، وإنْ كانت بعض هذه المصالح لصالح أهل ليبيا، لكنها ليست في أجواء مناسبة، ولا أرضية استعداد، لبسط الشرعية على الأرض الليبية، ومعالجة الانقسام الشنيع بين الغرب والشرق الليبيين، فإذن ليس هذا التدخل مضمون العواقب أبداً، بل مخشيٌّ من تفاقمه، ولا يوجد ضمانٌ لردع مشروع أبو ظبي، ليتحول المشهد إلى استقرار وسلام، وإنما العكس، إذ تحوّل ليبيا إلى مزيد من تركة الحروب المتعددة، وتضاف ملفا خطيرا إلى العلاقات التركية العربية المتوترة. وهكذا تتوسع النظرة التي تفيد بأن تركيا  
تستثمر علاقاتها مع الحركات الإسلامية الحزبية لمصالحها القومية. وهذه المشاعر خطيرة جداً على علاقات العرب والأتراك، وعلى مفهوم الوحدة الأممية للمصالح والاحترام المشترك.
وربما كانت للرئيس التونسي، قيس سعيد، مساحات أخرى كمبادئ فكرية، لكن المقطوع به أنه يتحمّل المسؤولية السياسية والسيادية لبلده، وأن تونس التي تعاني من آثار تدخل وضغط الثورة المضادة لا يمكن لها أن تندفع وتُسخّر أرضها لأي تدخل عسكري أو جيوسياسي، حتى لو كان هذا التدخل، جدلاً، لأمرِ مشروع ومضمون العواقب، فإن قدرة تونس هي المحكّ، فما لم تستطع أن توقف الحرب عن جوارك العربي الشقيق، وتدفع إلى حلٍّ سياسي يعالج الحرب الأهلية، ويضمن بقاء طموح الثورة الليبية، ومستقبل شعبها، وتحديد مصالحه الاقتصادية بحريةٍ وسيادة، فلماذا تدفع أرضك إلى أتون هذا الصراع، وهو صراع خطير متشظٍّ، يمكن أن ينتقل إلى عمق تونس الاجتماعي والسياسي، ويهدم أقوى الوسائط التي قامت عليها التجربة التونسية، وحمت أرضها وشعبها، وهو النسيج التونسي الداخلي والتوافق الوطني العام، على حماية مكتسبات الثورة التي تصنع أرضية العدالة الاجتماعية وتداول السلطة، وحضور تونس العربية بقوةٍ سياسيةٍ، يساهم في حل أزمات البيت العربي الكبير.
مؤكّد أننا ندعم صمود حكومة الوفاق الوطني، لأن انهيارها خطير جداً على ليبيا وعلى العرب في شمال أفريقيا، وخصوصا بعد تضخم مشروع أبو ظبي في السودان الذي يؤثّر سلباً على السلام الاجتماعي، لكن ذلك لن يتم بدفع تونس إلى مساحةٍ لا تطيقها، وإنما بصناعة أرضية سلامٍ ليبية، تكون فيها راية ليبيا أقوى من كل مصالح الخارج.

حوار مباشر مع ناجيين اثنين من معتقلات الصين لمسلمي الإيغور

حوار مباشر مع ناجيين اثنين من معتقلات الصين لمسلمي الإيغور 
مسلمو الإيغور .. المنسيون في الأرض .. حقائق مخيفة 
    ناجٍ من مسلمي الإيغور: "يا حبيب الله أنا أجزت لزوجتي وأختي لكي تنتحرا" !


الصورة الأقرب للشهيد المعلم أحمد الخير

الصورة الأقرب للشهيد المعلم أحمد الخير

اكتسبت قضية الشهيد أحمد الخير أهمية بالغة في مسار تنكبات الثورة السودانية، لأن الرجل كان مربياً للأجيال، وكان يدافع بضراوة من أجل تحسين أجور المعلمي 

عزمي عبد الرازق
في تلك الجمعة الحزينة من فبراير/ شباط الماضي، كان الشهيد السوداني أحمد الخير يحاول جاهداً التحامل على ألامه المبرحة، وآثار الضرب الوحشي على جسده المنهك المنتهك، فقام وصلى بالمعتقلين داخل مقر جهاز الأمن، بمدينة (خشم القربة) شرق السودان، صلاة مودعٍ، دون أن يشعر ربما، بأنه سوف يغمض جفونه للأبد تحت وطأة التعذيب، ويفتحها كيقونة لشهداء الثورة، مفجراً بذلك غضب الشارع السوداني، بشكل سارع على نحوٍ لافت ومثير، في إنهاء حقبة نظام الرئيس المعزول عمر البشير .
صور ملحمية
تحولت المشاهد الأخيرة في حياة أحمد الخير إلى صور ملحمية، قميصه الممزق، وشيبته البادئة، وكتاباته الجسورة التي ألهمت الثوار معاني البطولة والثبات، بينما اكتمل بغيابه تحرير الإرادة السودانية من القهر والاستبداد، فبقدر ما كان موته صادماً ومروعاً، كانت محاكمته التي أسدل عليها الستار أخيراً بالحكم بإعدام قتلته، انتصاراً للعدالة.
 العدالة التي سعى أحمد الخير قبل ارتقائه لتحقيقها، وقد عاني في سبيل ذلك كل صنوف العذاب، حتى أنه لحظة اعتقاله ورميه داخل السيارة دون أدنى اعتبار للكرامة الانسانية، انهال عليه أحد المتهمين بالضرب وهو يصفعه بعبارة قاسية" يا زول ما تقول لي جنابو أنا ملك الموت" .
ناضل من أجل المعلمين
اكتسبت قضية الشهيد أحمد الخير أهمية بالغة في مسار تنكبات الثورة السودانية، لأن الرجل كان مربياً للأجيال، وكان يدافع بضراوة من أجل تحسين أجور المعلمين، فلقى عنتاً شديداً، من قبل النظام السابق، والمعارضة التي أهملت قضايا العاملين، حد أن المعلم في المدارس السودانية يتلقى راتباً، لا يكف لاسكات صرخات الجوع والحاجة، أقل من (50) دولاراً، كمان أن ميزانية التعليم المصرح بها سنوياً لم تتعدى ال3% وهى القضية التي ناضل لأجلها الأستاذ أحمد الخير، وطرق فيها أعظم الأبواب، منها باب الشهادة، لكنها مع ذلك، ورغم مرور نحو عام على الثورة، لم يتحقق منها شيئاً، سوى دموع الطلاب المتضامنة، والطباشير المخضب بعرق المعلمين داخل فصول الدراسة المتهالكة.
صون كرامة السودانيين
تبدو محاكمة قتلة الشهيد أحمد الخير هى الأولى بعيد مطالبات مستمرة بالقصاص لدماء الشهداء، بما فيهم الذين فقدوا أرواحهم أثناء فض اعتصام القيادة نهاية رمضان المنصرم، فضلاً على تخلق رأي عام يسعى بدأب لينال كل مسيء العقوبة التي يستحقها، إلى جانب أهمية صون كرامة وانسانية السودانيين، واستبشاع أساليب التعذيب والاهانة وانتهاك الحقوق داخل السجون والمعتقلات .
سعى المؤتمر الشعبي الذي انشق عن نظام الانقاذ بقيادة الدكتور الراحل حسن الترابي إلى تبنى قضية الشهيد أحمد الخير، باعتبار أن أحمد الخير ينتمي إليهم تنظيمياً، أو بالأحرى ينتمي للتيار الاسلامي، وقام بتحريك الدعوى وحشد هيئة الاتهام، بينما عجزت بقية القوى السياسية، أو حتى قوى الحرية والتغيير التي صعدت بإسم الشهداء إلى سُدة السلطة عن ملاحقة بقية القتلة، وبدا للكثيرين، وسط شكوك متنامية، بالتواطؤ بين بعض المدنيين والعسكريين، لدفن تلك الملفات، ملفات شهداء الثورة، مرة وإلى الأبد 
قاضي الثورة
ولعل أكثر ما يبدو مثيراً هو أن القاضي (الصادق عبد الرحمن الفكي) الذي بات يعرف بقاضي الثورة هو الذي حكم على البشير في قضية الفساد المالي، وكذلك حكم في قضية المعلم أحمد الخير، ما يعني اختياره بعناية للتعامل مع ملفات ذات حساسية سياسية، بل هى الأكثر جدلاً، في وقت تتنكب فيه حكومة الثورة جادة الطريق، كما أن الحكم يتزامن أيضاً مع الذكرى الأولى لثورة ديسمبر/ كانون الأول، ومع جسارة هائلة في الحق والمنافحة عن الضعفاء تمتع بها الشهيد المعلم، في هذا الوقت من العام السابق، بشكل ملهم، مع خليط من المشاعر والألم، والاحساس الخانق بالفقد المرير، فقد مناضل مقدام وهب حياته الغالية فداء لتخليص الشارع السوداني من عذاباته .
صوت الشهيد سلمية سلمية
من الصعب جداً فصل ثورة أحمد الخير عن تلاحم الشعور القومي لنيل الحرية كاملة، والعبور إلى دولة الديمقراطية، وهى التي غالباً سوف تنتصر في النهاية، بذات المعنى الذي أستوحاه المهاتما غاندي "عندما أيأس أتذكر أنه عبر التاريخ كان سبيل الحب والسلام هو دوما المنتصر، كان هنالك جبابرة وقتلة ولبعض الوقت كانوا لا يقهرون، لكنهم في النهاية دائماً ما ينهارون" يذكرنا بذلك أحمد الخير، الذي كان داعية للسلام والمحبة، وهو يشهر صوته بالهتاف " سلمية سلمية "
لا أحد سيفلت من العقاب
الموت داخل المعتقلات تحت وطأة التعذيب النفسي والبدني ليس أقل شرفاً من مواجهة الرصاص، بل أنه يمنح الخلود، سواء أن كان صاحبه طالباً للحرية على طريقة سبارتاكوس، أو عاش في زمن هكتور مروض الخيول، أو كان مثل قائد ثورة اللواء الأبيض علي عبد اللطيف، فإن أحمد الخير مثالاً ناصعاً للبطولة، ولفرط إبائه يصعب عدم تجسيده كثائر سوداني نادر، مشى بثبات لحتفه الباهر، وعبد الطريق لمن بعده، فهو أيضاً قبل كل شيء نقل الغضب من الهامش إلى المركز، كما أنه أيضاً أقام منصة للعدالة بعد غيبة طويلة، ليذكير بأن ضمير الانسان أقوى من السلطة الباطشة، وأنه لأ أحد سيفلت في النهاية من العقاب .