الأربعاء، 30 نوفمبر 2016

عن العساكر والغلابة

عن العساكر والغلابة



 وائل قنديل
نظام عبد الفتاح السيسي مدينٌ ببرقيتي شكر عاجلتين للذين أسدوا له خدمةً هائلة، في أكثر لحظاته بؤساً وانكشافاً:
برقية الشكر الأولى لمن صنعوا أسطورة ما تسمى "حركة غلابة"، وثورتها في النصف الأول من نوفمبر/ تشرين ثاني الجاري، والثانية لمن صنعوا فيلم"العساكر" التسجيلي في نهاية النصف الثاني من الشهر ذاته.

بدايةً، من حقّ كل طرف أن يسعى، بكل ما يستطيع من وسائل وآليات، لإزاحة هذا الكابوس المخيم على مصر، منذ أجهز عبد الفتاح السيسي على كل فرصةٍ لها في مستقبل كريمٍ وآدميٍّ، تستحقه الجماهير التي سعت إلى التغيير والتحرّر من الاستبداد والبلادة والفشل.

يستوي في ذلك الذين يناضلون بالتظاهر في الميادين، وكذلك الذين يقاومون بالكلمة والصورة والفيلم التسجيلي. وعليه، لسنا هنا بصدد توزيع إدانات، بقدر ما نريد تقييماً حقيقياً لأفعالٍ، انتهت لخدمة سلطة القمع والاستبداد، بدلاً من خلخلتها.

تأسيساً على ما سبق، يحقّ لنا أن نسأل: ماذا حققت دعوة "ثورة الغلابة"، وماذا فعلت زوبعة "فيلم العساكر" ماذا أضافا، وماذا خصما في رصيد مقاومة الانقلاب في مصر؟.

الأثر الباقي، الوحيد، لما عرفت بثورة الغلابة أنها أطلقت أحاديث المصالحات والصفقات، بين النظام ومعارضيه، وأوجدت عديداً من الشروخ والتصدّعات في جدران مقاومة الانقلاب، من خلال تقديمها أداء شديد الهزال والضحالة، قياساً إلى السقف المرتفع، حتى ملامسة السماء، للوعود والتوقعات والأحلام، في الفترة السابقة على تاريخ 11/11 وكأن المقصود كان صناعة يقينٍ زائفٍ بالقدرة على سحق منظومة الانقلاب، بالضربة القاضية أو بالنقاط، ثم يصحو الناس على واقعٍ مقبض، تنطق مفرداته بمزيدٍ من الإحساس بالثقة والثبات، لدى النظام، مقابل شعور بالإحباط واللاجدوى، لدى المعسكر المناهض للانقلاب. 

في ذلك، قلت عقب خروج "يوم الغلابة" نحيفاً ومتهافتاً، إلى حدٍّ مزعج، إن على الذين اختبأوا، بكامل أناقتهم الثورية المنفوخة، وراء الغلابة يتوجّب عليهم، أخلاقياً، أن يخرجوا من حالة الاختباء والكمون، ويقدّموا جردة حسابٍ وتقييمٍ لما حدث، قبل أن يدفعوا الذين يصدّقونهم إلى "جمعةٍ أخرى"، يلعب فيها المشير العجوز كرة القدم على أرضية ميدان التحرير، بعد أن ظهر في اليوم الموعود محتفلاً بالانتصار على فكرة الثورة.

أيضاً، من الحق، والواجب، أن نطرح الأسئلة حول "فيلم العساكر"، بعد أن خرج بهذا المستوى الفني المتواضع، إلى الحد الذي يجعل فيالق البذاءة والتسفل في نظام عبد الفتاح السيسي تشعر بالإحباط، كونها كانت تمنّي النفس بعمل يخترق العمق، ولا يكتفي باللعب السريع في المياه الضحلة، كي تواصل حملاتها المجنونة، وشتائمها المنحطّة، وتتمتع بزمن أطول للطبل والزمر والرقص على مسارح الوطنية الرخيصة، المزيفة.

فنياً، يكاد يكون هناك إجماع على أن مستوى الفيلم أقلّ كثيراً من المنتظر من "الجزيرة"، بل ومن مخرجه نفسه، الذي قدّم من قبل أعمالاً أكثر عمقا، مثل فيلم"المندس" على سبيل المثال، ومن حيث المضمون، كان أقلّ ملامسةً لعمق حياة "العساكر" مقارنةً بفيلم "موت في الخدمة" الوثائقي الذي قدمته "بي بي سي"، أو حتى فيلم "البريء" الدرامي لعاطف الطيب في ثمانينات القرن الماضي.
هنا نسأل: ماذا قدّم الفيلم سوى أنه أتاح الفرصة لإعادة شحن الحناجر العقور بمزيدٍ من طاقة الشتم والسباب، ومنحها مساحةً لاصطناع معركة، صاخبةٍ ومبتذلة، تبتزّ من خلالها مشاعر البسطاء بحكايات المؤامرة، وفزّاعات الحرب العالمية على دولة الجنرالات؟.

قبل عرض الفيلم، كان نظام عبد الفتاح السيسي في واحدةٍ من أشد لحظات الانكشاف أمام مرايا الداخل والخارج، لا يجد ما يستر به عورات التورّط في إبادة الشعب السوري، وسوءات الوضع الاقتصادي، محلياً، بينما فقدت كل أسلحة الإلهاء التقليدية نجاعتها، فلم تعد "ملاهي الشيخ ميزو" تنفع، ولا مراجيح البرلمان الفكاهي تشفع، ليأتي "العساكر" هديةً من السماء للجنرالات، تعيد الحياة إلى ورش الوطنية المبتذلة التي تتكدّس منتوجاتها في المخازن، بعد انخفاض نسبة إقبال الجمهور عليها، فيتنفس"اللوبي الصهيوني في مصر" الصعداء، وتجد آراء دميمة وكريهة الرائحة، من نوعية ما يصدره مظهر شاهين، عن الصداقة والأخوة مع إسرائيل، مقابل العداء والخصومة مع قطر وتركيا، تجد رواجاً في أسواق الوطنية المزوّرة رديئة الصنع.



فقلت هما أمران أحلاهما مُر

فقلت هما أمران أحلاهما مُر


حسام الغمري

أمران حدثا في الأسبوع المنصرم ذكَّراني ببيت شاعرنا العربي أبي فراس الحمداني الذي قال فيه:

وقال أصحابي الفرار أو الردى ** فقلت هما أمران أحلاهما مُرّ

أولهما الحديث عن المصالحة بين جماعة الإخوان المسلمين والنظام العسكري الباطش في مصر، رغم يقيني أن الحوار والمصالحة هما النهاية المنطقية لأي صراع، ورغم تكرار النفي الرسمي من جماعة الإخوان المسلمين عبر بيانات عديدة، فضلاً عن حوار أجراه الدكتور مصطفى الفقي، المقرب دوماً من النظام -قبل أيام- تحدث فيه عن شروط عبثية لإتمام هذه المصالحة، كإعلان الجماعة حل نفسها، على غرار ما فعله الحزب الشيوعي المصري في زمن عبد الناصر.

على أية حال فحوار الدكتور مصطفى الفقي بلغ من الرداءة السياسية مبلغاً بعيداً، كما بدا متأثراً بأصداء فضيحة تزوير أصوات الناخبين في دائرة دمنهور، التي مكَّنته من دخول برلمان مبارك، رغم أحقية القيادي الإخواني الدكتور جمال حشمت بالمقعد البرلماني.

والسبب أن شواهد المصالحة أكثر جلاء من بيانات النفي الرسمية، أعتقد أنها بدأت قبل الخامس والعشرين من يناير/كانون الأول 2016، حين تم تغيير المتحدث الرسمي لجماعة الإخوان والملقب تيمناً بمحمد منتصر، الأعلى نبرة قبل يومين من حراك شعبي متوقع، ثم ظهور الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين مع الإعلامي أحمد طه بحديث هادئ النبرة، سمعنا بعده أخبار انقسام لا نتمناه في الجماعة وجدل حول الثورية والعقلانية أعقبته قرارات فصل لا نتدخل فيها بالطبع، ولكنها عطلت دون شك العمل المقاوم.

ظهور طنطاوي، المرشد الأعلى للقوات المسلحة، في ميدان التحرير، عقب فشل الغلابة في الحشد، وحديثه المعد سلفاً عن الشعب الواحد، وكأنه يريد أن ينهي الخرافة التي أطلقها علي الحجار بأغنيته البائسة: "إحنا شعب وانتو شعب"، كان مؤشراً هاماً لا تخطئه عين، لا سيما بعد حديثه عن إلغاء متوقع لأحكام الإعدامات التي طالت قيادات الجماعة.

لم يتأخر نائب المرشد إبراهيم منير طويلاً في رد التحية بأحسن منها، وتحدث عن شرفاء داخل المؤسسة العسكرية وتلميحات حول المصالحة.

ولكن المؤشر الأهم هو قيام القاضي الأشرس شعبان الشامي بإصدار أحكام بالبراءة لحوالي 16 عضواً من أعضاء جماعة الإخوان صنِّفوا من قِبل دولة السيسي بأنهم ضمن ما يسمى باللجان النوعية داخل الجماعة.

كواليس قيادات الجماعة بالخارج تتردد فيها عبارة تنظيرية جديدة تتحدث عن الفارق بين إسقاط النظام وإسقاط الدولة، وهو حوار تنظيري أتفق معه تماماً على المستوى النظري، ولكن أرتاب في توقيته، مهما بلغت رومانسية ونقاء هذا التنظير!

أعترف أن أحداً لا يحق له التدخل في شؤون الجماعة الداخلية، أو اتخاذ القرارات نيابة عنها، أو توصيف ما يجب عليها فعله وما يجب ألا تفعله، ولكن ليتهم يتذكرون أن ملايين المصريين صوَّتوا لهم أكثر من مرة، أي أنهم وضعوا في أعناق الجماعة أمانة الحفاظ على ثورة يناير وإدارة مكتسباتها، والخوف كل الخوف أن تستخدم الجماعة من جديد في إعطاء قُبلة حياة لنظام السيسي بعودتها لرعاية شريحة داخل المجتمع لم تطَلها مظلة دولة مبارك رغم وجود 36 مليار دولار كاحتياطي في البنك المركزي ليلة تخليه عن السلطة.

يدرك النظام العسكري أن هذه الشريحة التي اعتادت جماعة الإخوان على تقديم العلاج لها بجنيهات قليلة، وتوفير الدواء وغيره من الخدمات بأسعار رمزية، قنبلة موقوتة ستنفجر في وجهه إن آجلاً أو عاجلاً على الرغم من عدم نزولها الشارع في 11 /11، وما أحوج النظام المترنح اقتصادياً، والذي يحاول أن يبتز أوروبا تارة بالمهاجرين المحتملين، وتارة بخمسة ملايين مهاجر يدَّعي أنه يرعاهم، ما أحوج النظام لجماعة الإخوان كي تنقذه من محنته الاقتصادية المستفحلة في مقابل تخفيف الضغط عن أسرى الجماعة ومطارديها، ويبقى تباطؤ جماعة الإخوان في المشاركة في الجلسات التحضيرية للجمعية الوطنية المصرية لغزاً محيراً، على الرغم من ثنائهم المعلن دوماً على أي عمل وطني يبني مظلة جامعة بمرجعية أهداف وشعارات ثورة يناير.

ولعلي أستعير في هذا الصدد بعض عبارات قالها المشير طنطاوي، حين كان حاكماً للبلاد باسم المجلس الأعلى المكلف من مبارك، طالب فيها جماعة الإخوان بتدبُّر دروس الماضي، والماضي مليء بالدروس والعبر.

كما تابعت في أسبوعي هذا وثائقي العساكر الذي بثَّته قناة الجزيرة بسبب الضجة الكبيرة التي صنعها إعلام النظام حوله، وأنا كواحد من الملايين الذين خدموا في القوات المسلحة أؤكد أن ما جاء بهذا الوثائقي نزر يسير مما هو في واقع المجند المصري، وأفهم قيمة أن تتبنى شاشة عملاقة كشاشة قناة الجزيرة هذا الملف، وأبشع ما ورد فيه هو الإهمال في تدريب جنودنا كمقاتلين، بل لعل كلمة إهمال غير مناسبة؛ لأن تجربتي أثبتت أن الشيء الوحيد الذي لا نتعرض له أثناء خدمتنا في الجيش هو التدريب القتالي، بدليل خسائرنا المؤلمة في سيناء، ومع ذلك.. كنت أتمنى ألا أشاهد هذا الوثائقي على أي شاشة، فالجرح غائر، والفضيحة مدوية، رغم إدراكي أنه لا إصلاح دون مكاشفة، ولا تغيير دون مواجهة، ولا انتصار بغير صبر، وهما في حالة جيشنا أمران أحلاهما مُر.

إن الحديث عن تقديم تنازلات مؤلمة ذكَّرني بما قاله شارون وهو يجر أذيال الخيبة فاراً من غزة هادماً المستوطنات التي بناها بسبب ضربات المقاومة الباسلة التي جعلت ثمن بقائه على الأرض فادحاً، بل غير محتمل، أما الحديث عن تقديم تنازلات لمندوبيهم في حكم مصر لهو العوار بعينه، ليس فقط لأن أحداً من المعارضين للحكم العسكري يعزو إليه أسباب سوء وضع النظام اقتصادياً، فبالتالي يتفاوض للكف عن ذلك، ويقبل ببعض التنازلات، فإدارة السيسي تُفشل نفسها بنفسها دون أي مساهمة تذكر منا جميعاً، بل نحن فشلنا حتى في تكوين تحالف سياسي واسع من معارضي السيسي في الداخل والخارج، وتبنّي وتسويق خطاب يقبله المنسلون من معسكر 30 يونيو/حزيران.

كما يتبادر إلى ذهني تساؤلات بمجرد سماع أحاديث المصالحة عن وجود ضمانات حقيقية لأي تسويات محتملة مع هذا النظام الغادر، والأولى من إظهار البراعة السياسية فقط عند الحديث عن التنازلات كمفهوم راسخ عند بدء أي مفاوضات سياسية يدركه طالب الفرقة الأولى في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، الدفع باتجاه الجمعية الوطنية، والتنازل لأبناء الصف الواحد، والهم الواحد، ومعركة الحرية الواحدة من أجل سرعة الانتهاء من تكوينها لتضمّنا جميعاً في مواجهة النظام القمعي.

إن الثورة قادمة لا شك لديَّ في ذلك، والسؤال: هل ستكون ثورة ضد النظام فقط أو ستكون ضد النظام وحواشيه؟!

ثورات الخوارج (1) ابن سبأ والخروج على عثمان

ثورات الخوارج (1) 

ابن سبأ والخروج على عثمان




هيثم الكسواني – كاتب أردني

خاص بالراصد

لم يُبتلَ المسلمون بشخص كما ابتُلوا باليهودي عبد الله بن سبأ، فعلاوةً على أنه واضع بذرة التشيع ومؤسس أول عقائده، كان وراء الفتنة الكبرى التي زعزعت الدولة الإسلامية، وفتحت باب الفتن، وأدّت إلى مقتل خليفة المسلمين، عثمان بن عفان، رضي الله عنه، في سنة 35هـ.

وعبد الله بن سبأ يهودي من أهل صنعاء باليمن، يُعرف بابن السوداء، نسبةً لأمه الحبشية، تظاهر بالإسلام ليهدمَه من الداخل، حين رآه يعمّ جزيرة العرب، وينتشر في ربوع العالم، وتخفق راياته على مشارق الأرض ومغاربها، "فأراد ابن سبأ هذا مزاحمة هذا الدين بالنفاق والتظاهر بالإسلام، لأنه عَرف، هو وذووه، أنه لا يمكن محاربته وجهًا لوجه، ولا الوقوف في سبيله جيشًا لجيش، ومعركةً بعد معركة، فإن أسلافهم بني قريظة، وبني النضير، وبني قينقاع جرّبوا هذا فما رجعوا إلاّ خاسرين، ومنكوبين، فخطط هو ويهود صنعاء خطة أرسل أثرها هو ورفقته إلى المدينة، مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، وعاصمة الخلافة، في عصرٍ كان يحكم فيه صهرُ رسول الله، وصاحبه، ورضيّه، ذو النورين، عثمان بن عفان، رضي الله عنه، فبدؤوا يبسطون حبائلهم ويمدّون أشواكهم"([1]).

الرجعة والوصيّة

بدأ ابن سبأ يجوب البلاد لتنفيذ مخططه بإضلال المسلمين، وأخَذ يخترع كلامًا من عند نفسه يلقيه إلى الناس، منه الزعم بأن النبي صلى الله عليه وسلم سيعود إلى الدنيا بعد الموت، فكان يقول في ذلك للرجل: أليْس قد ثبت أن عيسى بن مريم سيعود إلى هذه الدنيا؟ فيقول الرجل: بلى! فيقول له: فرسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل منه، فما تنكر أن يعود إلى هذه الدنيا، وهو أشرف من عيسى بن مريم عليه السلام([2])!

انتقل ابن سبأ بعد ذلك إلى الخطوة الثانية باختراعه لفكرة الوصية، فكان يقول: إنه كان قبل النبي صلى الله عليه وسلم ألفُ نبي، ولكلّ نبيّ وصيّ، ووصيّ النبي صلى الله عليه وسلم هو ابن عمّه وزوج ابنته، علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فمحمد، صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء، وعليٌّ، رضي الله عنه، خاتم الأوصياء.

ويَذكر العلماء أن ابن سبأ اخترع عقيدة الوصيّة هذه متأثرا باليهودية، فقد كان يقول قبل تظاهره بالإسلام إن يوشع بن نون هو وصيّ موسى عليه السلام، فكرّر مقالته هذه في الإسلام، مع تغيير شخوصها.

واتخذ ابن سبأ عليًّا وآل البيت، رضي الله عنهم، ستارا يرمي من خلالهم إلى الطعن في خليفة المسلمين، عثمان بن عفان، فأخذ يقول للناس: إنّ عليًّا أحق بالحكم من عثمان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أوصى له من بعده، وإن عثمان خالف وصيّة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنه "معتدٍ في ولايته ما ليس له"([3]).

وبذلك اعتُبر ابن سبأ واضع بنيان التشيع، ومؤسس أول أفكاره (الرجعة والوصية)، رغم سعي بعض الشيعة المتأخرين إلى نفي ارتباط ابن سبأ بهم، بل نفيه بالكلّية واعتباره شخصية خرافية([4]).

جولات ابن سبأ

أخذ ابن سبأ يجوب الأمصار وهو يدعو إلى باطله، ويحرّض على عثمان، وإذا كانت أفكاره تلك لم تجد صدى ولا قبولا في أوساط أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، الذين تربوا على العقيدة الصحيحة وسموّ الأخلاق، فإنها وجدت صدى لدى ضعاف الإيمان والأعراب وذوي الشقاق والنفاق وحديثي السنّ وقليلي التجربة، "فاتّخذ بعضَهم دعاةً فهموا أغراضه ودعوا إليها، وآخرون صدّقوا قولَه فصاروا يدعون إليه عن عماية"([5]).

من اليمن اتّجه ابن سبأ نحو الحجاز، حيث المدينة المنورة، في أولى مراحل تنفيذ مخططه، لكنه واجه مجتمعا إسلاميا متماسكا، فاتجه إلى العراق "فهناك مِن القبائل اليمنية، ومِن اليهود، ما يمكّنه من تكوين الصنائع من بينهم، من الموتورين، الذين لم يتمكن الإسلام من قلوبهم، وآثروا عصبياتهم القبلية، وأظهروا الإسلام بعد ردّتهم، على كُرهٍ وغصّة ومضض ... في تلك المجتمعات يمكنه ترويج بضاعة المطاعن والمثالب ضد حاكم المسلمين، وتأليب الهمج المغمورين بنشر الأكاذيب والأراجيف عن الحكام وولاة الأمور"([6]).

وفي العراق، كانت البصرة محطته الأولى، حيث أسس نواة تنظيمه السّري هناك، فقد نزل ضيفا عند حكيم بن جبلة العبدي، وهو قاطع طريق متمرد، كان يخرج للجهاد فيُغير على أهل الذمة([7])، وفي البصرة اجتمع إلى ابن سبأ نفرٌ من أهلها، ولقي أذنا صاغية، وكاد الأمر يستفحل فيها، إلى أن تيقظ واليها، عبد الله بن عامر، فأخرج ابن سبأ إلى الكوفة، وكان ذلك سنة 33هـ.

وهناك في الكوفة وجد ابنُ سبأ أيضًا أرضًا خصبة لدعوته، ومِن أسباب ذلك وجود اليهود فيها، والذين أجلاهم عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، من فدك وتيماء ووادي القرى إلى الكوفة، حيث أقطعهم أرضا قرب الكوفة، تنفيذا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم "لا يجتمع بجزيرة العرب دينان"، وهؤلاء اليهود الذين سكنوا الكوفة "كانوا أنشط أعوان ابن سبأ في تنفيذ مخططاته"([8]).

وعلى الرغم من أن يقظة والي الكوفة، سعيد بن العاص، وحزمه، شكّلا عائقين أمام ابن سبأ، ما أدّى إلى إخراجه منها، إلاّ أنه تمكن من بذر بذرة أخرى من بذور الفتنة، وترك تأثيرا هناك، فكانت المكاتبات جارية بينه وبين أهل البصرة والكوفة([9]).

وإضافةً إلى أنه كوّن تنظيمين سريين في البصرة والكوفة، ونفث فيهما سمومَه، كان لابن سبأ رحلتان نحو بلاد الشام، الأولى منهما كانت في سنة 30هـ، وفيها لقي الصحابيَّ الجليل أبا ذر الغفاري، واستغلّ ما كان يتصف به من الزهد، وأخذ يحرّضه على والي الشام، معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنه، ويقول له: إن معاوية يسمّي المالَ مال الله، كأنه يريد أن يحتجنه دون المسلمين، ويمحو اسم المسلمين([10]).

وفي زيارته تلك إلى الشام، التقى بعدد من الصحابة مثل أبي الدرداء وعبادة بن الصامت، رضي الله عنهما، لكنه لم يحصل على مراده منهما، وبعد تجوّل في ربوع العراق، عاد ابن سبأ إلى الشام مرة أخرى، وكان ذلك في سنة 33هـ، ولم يفلح فيها في بذر بذور الفتنة، لحِكمة واليها معاوية، والتفاف أهلها حوله، وحول إمارته، فاختار التوجه نحو مصر، حيث ظهر فيها سنة 34هـ([11]).

وفي مصر وجد ابنُ سبأ قبولا لدعوته، حيث كانت تكثر فيها القبائل اليمنية، وكان فيها كارهون لعثمان، رضي الله عنه، بسبب المكاتبات التي كانت تجري بين أتباعه في الأقاليم بأن يكتب كل بلد للبلد الآخر عن مساوئ أميره، ويشيعونها بين الناس.

وبعد عمل منظم استمر لسنوات، حانت ساعة الصفر، وخرجت جموع الغوغاء والمنافقين من مصر والعراق إلى المدينة المنورة، لحصار الخليفة وقتله، واندسوا مع الحجاج، زاعمين أنهم يريدون الحجّ، تمامًا كما فعل الشيعة غير مرّة في وقتنا الحاضر، إذ كانت جموع الحرس الثوري الإيراني تقدُم إلى مكة المكرمة في ثياب الحج، وفي حقائبها المتفجرات لتعيث في الأرض المقدسة الفساد، وتعتدي على الأرواح والممتلكات، كما في موسم الحج لسنة 1407هـ (1987م)، وكل ذلك يفعلونه تمهيدا لصرف المسلمين عن مقدساتهم في مكة والمدينة، وتحويلهم إلى قبور الشيعة ومزاراتهم في النجف وكربلاء وقُم ومشهد.

وبعد حصارً دام 40 يومًا لبيت الخليفة، تمكّن هؤلاء الخوارج من قتله، صابرا محتسبا، رضي الله عنه، وهو يقرأ القرآن، ليكون ذلك الخروج هو أول خروج على خلفاء المسلمين وحكامهم ممّن يزعمون أنهم مسلمون ومصلحون.

كان خروج ابن سبأ وأتباعه على خليفة المسلمين وقتله نتيجة جهد جماعي وتخطيط استمرّ لسنوات –وهو منهج لا يزال قائماً من قِبل أحفاد ابن سبأ من الخوارج والشيعة الذين تخترقهم المخابرات الدولية- ، وتمثّل هذا الجهد في ما يلي:

1- اتّباع مبدأ تشويه الخليفة وولاته، والطعن فيهم "ابدؤوا بالطعن على أمرائكم"، وإظهار أن هؤلاء الخوارج لا يريدون من وراء كل ذلك سوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يزال هذا التهييج على الحكام استراتيجية متبعة من قبل أحفاد ابن سبأ الخوارج والشيعة.

2- اختلاق الكتب والرسائل، ونسبها لكبار الصحابة وأم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، لإظهار أنهم كانوا كارهين لعثمان ولولاته، وأنهم حرّضوا على قتله، وترويج الأخبار الكاذبة هو أخطر أساليب أحفاد ابن سبأ اليوم.

3- محاولة الإيقاع بين الصحابة، وإظهار التأييد لأحد أطرافهم، كما في سعي ابن سبأ إيجاد خلاف بين أبي ذر ومعاوية، رضي الله عنهما، حول المال وسبل إنفاقه.

4- اتخاذ أهل البيت وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، ستارا وذريعة للطعن في عثمان، بزعم أنه اغتصب الحكم منهم، وامتدّ هذا الطعن –فيما بعد- ليشمل الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما.

أهم المراجع

[1] - الشيخ إحسان إلهي ظهير، الشيعة والسنة، ص 19.

[2] - الحافظ ابن كثير، البداية والنهاية، ص 1440.

[3] - المصدر السابق نفسه.

[4] - منهم على سبيل المثال: مرتضى العسكري، في كتابه "عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى"، وقد ردّ عليه الأستاذ علاء الدين البصير ردّا وافيا في كتابه "ابن سبأ الشبح المخيف (للفكر الجعفري ولمرتضى العسكري)" فليرجع إليه.

[5] - الشيخ عثمان بن محمد الخميس، حقبة من التاريخ، ص 130.

[6] - د. حافظ موسى عامر، أصول وعقائد الشيعة الاثنا عشرية تحت المجهر ودور ابن سبأ في تأسيسها ونشأتها، ص 69 – 70.

[7] - المصدر السابق، ص 71.

[8] - المصدر السابق، ص 59.

[9] - المصدر السابق، ص 80.

[10] - المصدر السابق، ص 90.

[11] - المصدر السابق، ص 97.

أحفاد العلقمي وبوابة العراق

أحفاد العلقمي وبوابة العراق

إحسان الفقيه

“فلو قال قائل إن العالم منذ خلق الله سبحانه وتعالى أدم وإلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقًا، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا مايدانيها”.

بذا علّق المؤرخ الإسلامي ابن الأثير على الاجتياح التتري الهمجي للعالم الإسلامي، ولهول هذه الفاجعة أعرض هذا المؤرخ المتوفي سنة 630ه،عن ذكر هذه الحادثة استعظامًا لها، لكنه لم يكن يدري أنه بعد موته بحوالي ربع قرن، ستشهد بغداد أسوأ مذبحة عرفتها البشرية أثناء اجتياح هولاكو- حفيد جنكيز خان ملك التتار- عاصمة الخلافة بخيانة الرافضة.

خيانة هزت التاريخ

كان الخليفة العباسي المستعصم ضعيف الرأي قليل المعرفة والتدبير، وكان من ذلك أن عيّن له وزيرًا رافضيًا هو محمد بن العلقمي، ذلك الرجل الذي كان يبغض أهل السنة ويرغب في القضاء على الخلافة وإقامة دولة رافضية مجوسية.

لقد سعى ابن العلقمي إلى إضعاف اقتصاد البلاد وجيشها، فجعل يبدد أموال الخزانة في التفاهات والحفلات والولائم، وهو الأمر الذي كان يروق للخليفة المُغيّب.

وحارب الجندَ في أرزاقهم وأسقط أسماءهم من الديوان وصرفهم عن إقطاعاتهم حتى تسوّلوا في الطرقات، وقام كذلك بتخفيض عدد الجند من مائة ألف إلى عشرة آلاف.

وبعدما اطمئن إلى إضعاف الجيش واقتصاد البلاد بدأ في مراسلة التتار ليدعموه في إقامة مُلكه الرافضي على أشلاء السنة، وبلغ من مكره أنه كان يقوم بحلق شعر الرسول والكتابة على رأسه بوخز الإبرويغطيه بالكحل ويبقيه عنده حتى ينمو شعره، ويأمره إذا وصل إلى التتار أن يطلب منهم حلق شعره وقراءة ما على رأسه، وكان آخر الرسالة : “قطّعوا الورقة”، ففهم التتار الرسالة وقتلوا الرسول.

وعندما قدم التتار بقيادة هولاكو، نهى ابن العلقمي عن قتالهم، وأوهم الخليفة أن ملك التتار يرغب في مصالحته على أن يكون له نصف خراج العراق والنصف الآخر للخليفة، وفي المقابل أقنع هولاكو بألا يقبل صلح الخليفة، وأوعز له بقتله.

تمت الخيانة فكانت الفاجعة الكبرى….

فلا تسل عن الدماء التي كانت تسيل من ميازيب الأسطح، ولا النهر الذي اصطبغ بلون الأحبار….

أحبار مخطوطات المكتبة بل هي كنوز التراث..

ولا تسل عن الأعراض التي انتهكت…

يكفيك ما قاله المؤرخون: “وعادت بغداد بعد ما كانت أنس المدن كلها كأنها خراب ليس فيها إلا القليل من الناس، وهم في خوف وجوع وذلّة وقلّة”.

كابوس العصر

سجَّل التاريخ ودمعت الأقلام على الأوراق، وتناقل القوم المأساة في كل حقبة وعصر، ولا يزال في الأمة أحفاد ابن العلقمي يمارسون دورهم المحبّب إليهم من طعن الأمة في ظهرها.

قاد الخميني ثورته المجوسية المشئومة، ورغب على الفور في تصديرها لدول المنطقة، لكنه قد أخفق أمام بوابة العراق المُحكمة، والتي أردوا اجتياح الدول الإسلامية من خلال عبورها، فكانت حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران.

لكن مع انطلاق الألفية الثانية تحققت أحلامهم المجوسية في احتلال العراق، وجاؤوا إلى سدة الحكم على الدبابات الأمريكية، بعد أن خانوا البلاد والعباد، وسلموا العراق للأمريكان على طبق من ذهب.

يا قوم:


أنسيتم فتاوى مرجعياتهم في العراق بعدم مقاومة المحتل الأمريكي؟

أنسيتم اعتراف أحمدي نجاد بأن إيران سهّلت لأمريكا غزو العراق؟

أنسيتم قيام الميلشيات والعشائر الشيعية بقتال المقاومة السنية، التي كانت بين مطرقة الأمريكان وسندان المجوس؟

ولولا دعم الإيرانيون المجوس وأذنابهم في العراق لما سقطت بغداد، ولكن ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا.

حصاد العراق لبغي الأمريكان وخيانة المجوس

وكما كان عدد ضحايا الاجتياح التتري لبغداد قد بلغ مليونًا وقيل مليونيين على اختلاف بين المؤرخين، كان عدد الضحايا بسبب العدوان الأمريكي عليها مقاربًا.

نشر موقع “ألترنت” الأمريكي المعارض للحرب تقريرًا عام 2009م، يفيد بأن حرب بوش على العراق أسفرت عن مقتل مليون نسمة.

كشفت الدراسات الوبائية الميدانية لعدد من المنظمات الدولية، أن الفلوجة العراقية التي ضربها الاحتلال الأمريكي بـ 900 الف طن من اليورانيوم المنضب، تشهد أعلى معدلات السرطان في العالم، وأكثر من الحالات التي سببتها القنبلتين الذريتين الأمريكيتين في هيروشيما و ناغازاكي عام 1945.

أشارت تقديرات الأمم المتحدة إلى أن هناك نحو 4.5 مليون مشرد عراقي، أكثر من نصفهم لاجئين، أي نحو واحد من بين كل ستة مواطنين.

حسب (منظمة اليونيسيف): بلغ عدد اليتامى في صفوف أطفال العراق منذ الاحتلال الأميركي 5 ملايين يتيم عراقي.. تعيلهم 1.5 مليون أرملة..

تم تدمير 84 % من مؤسسات التعليم، حيث تعرضت للتدمير والتخريب والنهب من قبل الرعاع ومافيا الاحتلال.

نهبت المتاحف التاريخية الأثرية وسرقت الوثائق والمخطوطات داخل متاحف بغداد، في أكبر عملية سرقة معاصرة للتراث.

هذا غيض من فيض، من آثار العدوان الأمريكي على العراق، بالإضافة إلى الكوارث البيئية والصحية والنفسية والاجتماعية التي لحقت بالعراقيين، والفقر المدقع الذي عاش العراقيون في يحمومه، لدرجة أن الإعلامي أحمد منصور، قد سجل مشاهداته لنتائج الحصار الغاشم على صفحات كتابه “قصة سقوط بغداد”، حيث رأى أساتذة الجامعات يبيعون كتبهم في الطرقات بأسعار زهيدة، ليأكلوا بثمنها.

العراق ولاية إيرانية

هذا هو أقل وصف تُنعت به العراق بعد أن تمكنت منها إيران، فكما اتجه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لـ “تفريس” كل جوانب الحياة الإيرانية، انسحب ذلك على العراق التي احتلها المجوس، خاصة في جنوبي

العراق، حيث يتمركز الشيعة.

وقد نقلت جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 18-5-2007م، عن طبيب عراقي بالبصرة قوله: “صار علينا أن نتعلم اللغة الفارسية حتى نتمكن من التفاهم مع الناس هنا”.

أصبحت العراق ولاية إيرانية عندما قفزت عليها الحكومة الشيعية الموالية لإيران، كانت ولا تزال تتعامل مع طهران معاملة التابع للسيد، وتعتبر أن الإدارة العراقية إنما هي في قُم، تتماهى مع السياسةالإيرانية لدرجة مفضوحة، فإذا اتجهت إيران لإرسال مقاتلين إلى سوريا لدعم الأسد، تبادر الحكومة العراقية لإرسال المتطوعين تحت مزاعم حماية العتبات المقدسة.

وأصبحت ولاية إيرانية عندما تمددت فيها الميلشيات الموالية لإيران، مثل “سرايا الخراساني”، وهو الاسم الذي عرف به الخميني بين أتباعه المقربين.

تلك الميليشيات التي تعيث في الأرض فسادًا، وتقتل أهل السنة، وتغتصب الحرائر، وتسفك الدماء على الهوية، من أجل عيون دولتهم الأم (إيران)، ولتكريس الحلم الفارسي المجوسي.

في نفس المادة التي نشرتها الشرق الأوسط بتاريخ 18-5-2007م، نقلت عن أهالي المدائن العراقية قولهم: “إن الهجمات التي استهدفتهم من قبل الميليشيات الطائفية المسلحة العملية لإيران كان هدفها إخلاء المنطقة من سكانها أهل السنة، ليتاح للإيرانيين الاستيلاء على المدائن وإعادة ترميم إيوان كسرى باعتباره صرحًا فارسيًا”.

لقد أصبحت العراق ولاية إيرانية، حينما تنفذ فيها الإيرانيون وصاروا أصحاب الكلمة على أرضها، أليس مرجعهم علي السيستاني الذي لا يحسن التكلم باللغة العربية إيرانيًا، ولد في “مشهد” ويُنسب إلى محافظة سيستان الإيرانية؟

أليس الجنرال قاسم سليماني الذي قاد العمليات العسكرية في العراق ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وضد الفصائل الجهادية إيرانيًا؟

بل إن هناك أسماء فارسية لامعة تولت مناصبها بأسماء عربية، بحسب ما ذكرت الجزيرة نت بتاريخ 12-1-2007م، على سبيل المثال:

كريم شهبور….هو موفق الربيعي

عبد العزيز طبطبائي…..هو عبد العزيز عبد الحكيم

إبراهيم الأشيقر…..هو إبراهيم الجعفري

عادل أصفهاني….هو حامد البياتي

العراق… لماذا؟

هذا الحرص الإيراني الصفوي على ابتلاع العراق يرجع إلى أن تلك البقاع كانت مهد التشيّع الأول، وفيها كذلك المراقد الشيعية وعتباتهم المقدسة التي هي قبلة الصفويين الإيرانيين وكعبتهم.

كما أن للعراق أهمية استراتيجية لإيران، حيث إنها تمثل البوابة الشرقية للوطن العربي.

وإيران في الوقت نفسه، تعتبر أرض العراق امتدادًا طبيعيًا لحضارتها الفارسية المجوسية، التي سادت هذه البقاع، ثم جاء الفتح الإسلامي في خلافة عمر بن الخطاب، لتنطفئ نار المجوس ويسقط عرش الأكاسرة، ولذا يُكنّ هؤلاء الصفويون حقدًا دفينًا للفاروق بصفة خاصة، ومن ثم يحتفلون بقاتله “أبو لؤلؤة المجوسي” ويسمونه “بابا شجاع الدين”، ولديهم من الكراهية تجاهه ما جعلهم يقتلون أربعة آلاف مسلم لأنهم تسموا باسم “عمر”.

الخليج في مرمى الحقد الفارسي

في النصف الأول من عام 2006م، عقد مؤتمر لكل المرجعيات الشيعية  والحوزات العلمية والنخب الفارسية من شتى بقاع الأرض، تحت عنوان: “شيعة عليّ هم الغالبون”، تحت رعاية “خامنئي”، للتنسيق بين جهود الرافضة، وكانت أبرز التوصيات التي خرج بها الحضور، هي تعميم التجربة العراقية على بقية الدول الإسلامية والعربية، وعلى وجه الخصوص السعودية والبحرين والكويت والإمارات ومصر والأردن.

فالخليج له خصوصية لدى المشروع الصفوي الإيراني، ويحتل في خطته الخمسينية التي تحدثت عنها في مقالي السابق (عجز أمتي وجلد المجوس)، مساحة هامة من الاهتمام، ويتم التركيز خلال هذه الخطة على شيعة الخليج لتنفيذ بنودها، وهو ما سوف نفيض فيه البيان في مقالات لاحقة.

صفعة خليجية

لقد أدرك الخليج بعد التغول الإيراني في المنطقة انطلاقًا من العراق ووصولًا إلى اليمن، مدى التهديدات الخطيرة التي يمثلها تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة على أمن الخليج، أو فلنقل على وجه الدقة أن هناك تغييرات جوهرية في السياسة الخارجية لدول الخليج بقيادة المملكة السعودية، وهو ما أسفر عن عاصفة الحزم، والتي تعتبر صفعة للمشروع الإيراني الذي يرعى الانقلاب الحوثي على الشرعية في اليمن، حيث إن العمليات العسكرية التي تشنها السعودية والخليج ودول أخرى ضد الانقلابيين، تفصم حلقات المخطط الإيراني إذا ما تكللت بالنجاح.

ولكن قبل ذلك وبعده وفي كل آونة أُحذر أمتي…

أُحذرهم من أحفاد العلقمي..

وللحديث بقيّة ..

الثلاثاء، 29 نوفمبر 2016

فصل البيان في إطفاء حرائق الكيان

فصل البيان في إطفاء حرائق الكيان

أحمد بن راشد بن سعيّد


حدّث سهم بن كنانة، قال:
في مطلع سنة 1438 للهجرة، نشبت حرائق في فلسطين التي يحتلها اليهود، عجَزَتْ عن إطفائها العامّة والجنود، إذ كانت نيراناً غير مسبوقة، التهمت تلك الأرض المسروقة، وشعر زعماء يهود حينها بالرعب، حتى أنّهم فشلوا في طمأنة الشعب، وكما هي عادتهم إذا أصابتهم فاجعة، أو ألمّت بهم قارعة، فقد شعروا أنّ كيانَهم اضطرب، وأنّ أجَلَه اقترب، وربما يفعل الحريق به ما لم تفعله جيوش العرب، وبعضهم لم يبالوا بالخطر على دولتهم، لما يعتقدون من فساد ملّتهم، وأنهم مُستحقّون للعقاب، وجديرون بغضب ربّ الأرباب.

قال سهم بن كنانة: وابتهج المسلمون بصور الحرائق، ونظروا إليها نظر المشوق إلى الشائق، وشذّ منهم فريق، ضلّ في هذه الدنيا الطريق، فزعموا أن الشماتة لا تليق، بعدوٍّ كانت أم بصديق، غير أنّ هؤلاء لم يحظوا بالقبول، ولقوا من العَنَت ما يهول، إذ أشعرهم الناس بالعزلة، وفاءً للأرض المحتلّة، واستغاث زعماء يهود استغاثة الغريق، وطلبوا من الدول مساعدتهم على الحريق، فلبّى نداءهم أعراب وأعجام، ظانّين أن ذلك سببٌ للسلام، وما علموا أن اليهود كانوا شرّاً مستطيرا، «أم لهم نصيبٌ من الملك، فإذاً لا يُؤتون النّاسَ نقيرا».

قال سهم بن كنانة: وشارك في إطفاء الحريق والي التّرك أردوغان، وكان معروفاً بالعدل والإحسان، كما شارك السيسي حاكم مصر، وكان من أظلم الحكام في ذلك العصر، فهاج أقوام على أردوغان، وسكتوا عن الآخر نكايةً بالإخوان، والإخوان جماعة حاربها الجميع، ورموها بكلّ شنيع، حتى زعموا أنها جفّفت الينابيع، واجتثّت ورق الربيع، فكان القوم يجلّون السيسي إجلال العابد، ويشعرون أنّهم معه في قارب واحد.

قال سهم بن كنانة: ولا ريب أنّ مساعدة العدو في إطفاء ناره، تعاون معه على استقراره، فليس ينجو مشارك في ذلك من إثمه، حتى لو سمّاه بغير اسمه، غير أنّ جمع السيسي بأردوغان، كالجمع بين (إنّ) و (كان)، فلا يستوي نصبٌ ورفع، كما لا يستوي ضرٌّ ونفع، والعدلُ في الأرض أساس، وبغيره لا يصلُحُ الناس، والوغد ليس كالأمين، وقد قال تعالى: «أفنجعل المسلمين كالمجرمين»، ومن المعلوم أن السيسي جاء بانقلاب، بينما أصبح أردوغان والياً بالانتخاب، وكان السيسي يخنق أهل غزة بجدار، وربما أطلق عليهم النار، بينما استقبل أردوغان ملايين السوريين، الذين أخرجتهم عصابات الباطنيين، فأكرمهم إكرام الجار، واحتضنهم كما احتضن المهاجرين الأنصار.

قال سهم بن كنانة: وقد احتجّ أقوام بأن الاثنين فعلا ذلك من باب السياسة، فهما سواءُ في الخساسة، غير أن الأمر بالعكس، فالمساواة بينهما من الّلبْس، فالسيسي لا يغيث فلسطين، ويحاصرها محاصرة المعتدين، ولا يسمح لأردوغان بإغاثتهم، ويستنكر ما يقوم به من إعانتهم، ولذا، فإنّ أردوغان يرسل المساعدات إلى غزة عن طريق يهود، الذين يسمحون بدخولها عبر الحدود، وهو لا يكتفي بإدخال الطعام والدواء، بل يرسل إليهم الأطبّاء، ويزوّدهم بالكهرباء، ويُهدي أطفالهم اللّعَب، ويوزّع على طلّابهم الكتُب، ويمدّهم بدرّاجات، ويُجري لهم إعانات، ويرسل المهندسين لإعادة بناء جوامعهم، التي هدمها اليهود بالتعاون مع جارهم وبائعهم، وقد استشهد من قوم أردوغان رجال هبّوا لفكّ حصار غزة، فقتلهم اليهود في عُرض البحر وهم أعزّة.

قال سهم بن كنانة: وربما أراد التّرك من المشاركة في إطفاء النار، الضغط على يهود لرفع الحصار، وثنيهم عن منع الأذان، الذي تجرؤوا عليه في ذلك الزمان، وبهذا، فإن عمله من السياسة، وليس عمل السيسي عقلاً ولا كياسة، إذ هو شريك في الفجور، وإنْ صَمَت عليه أنصاره صمتَ القبور، «وما يستوي الأعمى والبصير، ولا الظلماتُ ولا النّور، ولا الظلّ ولا الحَرُور»، وثمّة أمر تجاهله السيسيّون، تلبيساً على من يستغفلون، فالسيسي يستمدّ شرعيّته من مهادنة يهود، وقد ارتقى الكرسيّ على جُثث الرّكّع السّجود، بينما يستمدّ أردوغان شرعيّته من الشعب، الذي وهبه كلّ الحب.

الاثنين، 28 نوفمبر 2016

خارطة الدم الأمريكية : الوجه الحقيقي لمشروع الشرق الأوسط الجديد - الكبير !!!!





خارطة الدم الأمريكية : الوجه الحقيقي لمشروع الشرق الأوسط الجديد - الكبير !!!!

عبدالوهاب محمد الجبوري

المقدمة

وضع بن غوريون ، أول رئيس وزراء لحكومة العدو الاسرائيلي ، عام 1953 بالتعاون مع أمريكا وبريطانيا مشروع تفتيت الوطن العربي . في عام 1972 قمتُ شخصيا بترجمة وثيقة عبرية ، هي جزء من ذلك المشروع ، والتي تتحدث عن تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات ضعيفة في العراق : كردية في الشمال وسنية في الوسط وشيعية في الجنوب . والأحداث اللاحقة التي شهدتها المنطقة العربية والأزمات التي حصلت بعد ذلك ، والتي لعبت الإدارة الأمريكية ، دورا رئيسا في صناعتها وتطويعها لصالحها ولصالح حليفتها إسرائيل، والضبابية التي تلف الساحات والميادين العربية والإقليمية ، وعدد الضحايا الذي يتزايد هنا وهناك ، وجبل الأوهام الكبير الذي يتراكم باسم الحرية والديمقراطية ، لا يمكن أن تحجب مجموعة حقائق كبيرة خلاصتها أن المنطقة دخلت فعلاً ، بعد حربي العراق وأفغانستان، مرحلة ( الفوضى الخلاقة) التي أعد لها المحافظون الجدد بالتعاون مع الخبراء الاستراتيجيين الإسرائيليين، تمهيداً لتفتيت المنطقة إلى دويلات عنصرية وطائفية، تلعب فيها ( إسرائيل الكبرى) دور المركز، فيما تلعب الطوائف والأعراق والقبائل دور الضواحي ، ومرحلة الفوضى الخلاقة هي التطبيق الميداني لمشاريع تفتيت الوطن العربي بشقيها الإسرائيلي ( الشرق الأوسط الجديد وغيرها من المشاريع والخطط لا مجال لذكرها هنا ) والأمريكي : ( الشرق الأوسط الكبير ) و ( مشروع رالف بيترز الشرق أوسطي ) و ( مشروع لويس ) كما سنرى في سياق الدراسة .

استراتيجية الفوضى الخلاقة

يمثل مصطلح الفوضى الخلاقة أحد أهم المفاتيح التي أنتجها العقل الاستراتيجي الأميركي في التعامل مع قضايا الوطن العربي ، حيث تمت صياغة هذا المصطلح بعناية فائقة من قبل النخب الأكاديمية وصناع السياسة في الولايات المتحدة، فعلى خلاف السائد في المجال التداولي العربي لمفهوم الفوضى المثقل بدلالات سلبية من أبرزها عدم الاستقرار أضيف إليه مصطلح آخر يتمتع بالإيجابية وهو الخلق أو البناء، ولا يخفى على أحد خبث المقاصد الكامنة في صلب مصطلح (الفوضى الخلاقة) بغرض التضليل والتمويه على الرأي العام العربي والعالمي. وتمثل كتابات اليوت كوهين أحد المصادر المهمة لنظرية الفوضى الخلاقة وخصوصا كتابه: ( القيادة العليا، الجيش ورجال الدولة والزعامة في زمن الحرب) ويرى كوهين أن الحملة على الإرهاب هي الحرب العالمية الرابعة باعتبار أن الحرب الباردة هي الثالثة، ويؤكد بأن على الولايات المتحدة أن تنتصر في الحرب على الإسلام الأصولي.
أما (مايكل ليدين) - العضو البارز في معهد (أمريكا انتربرايز) – فهو أول من صاغ مفهوم (الفوضى الخلاقة) ، أو (الفوضى البنَّاءة)، أو (التدمير البنَّاء) ، في معناه السياسي الحالي، وهو ما عبر عنه في مشروع ( التغيير الكامل في الشرق الأوسط) ، الذي أعده عام 2003 ، حيث ارتكز المشروع على منظومة من الإصلاحات: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، الشاملة لكل دول المنطقة، وَفقًا لإستراتيجية جديدة تقوم على أساس الهدم، ثم إعادة البناء.
وهذا المصطلح أدرجته الإدارة الأمريكية منذ العام 2007 وردده كبار مسئوليها ومنهم (كوندوليزا رايس) في حديث لها أدلت به إلى صحيفة ( الواشنطن بوست) الأمريكية في شهر نيسان من العام المذكور ، عندما قيل لها أن التفاعلات التي تموج بها هذه المنطقة من العالم لا تترك مجالا آخر سوى للاختيار بين الفوضى أو سيطرة الجماعات الإسلامية على السلطة، ولن تؤدي بالضرورة إلى انتصار الديمقراطية، لم تتردد في أن تقول إن الوضع الحالي ليس مستقرا ، وأن الفوضى التي تفرزها عملية التحول الديمقراطي في البداية هي من نوع ( الفوضى الخلاّقة) التي ربما تنتج في النهاية وضعا أفضل مما تعيشه المنطقة حاليا . ثم لخصت عملية الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط بقولها: إن الولايات المتحدة سعت على مدى ستين عامًا إلى تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط على حساب الديمقراطية، ولم تحقق أيًّا منهما، وتتبنى الآن نهجًا مختلفًا. وتمثل الأطروحة الرئيسية لنظرية الفوضى الخلاقة على اعتبار الاستقرار في العالم العربي عائقا أساسيا أمام تقدم مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، ولذلك لا بد من اعتماد سلسلة من التدابير والإجراءات تضمن تحقيق رؤيتها التي تطمح إلى السيطرة والهيمنة على العالم العربي الذي يمتاز بحسب النظرية بأنه عالم عقائدي وغني بالنفط ، الأمر الذي يشكل تهديدا مباشرا لمصالح الولايات المتحدة، وينادي أقطاب نظرية الفوضى الخلاقة باستخدام القوة العسكرية لتغيير الأنظمة كما حدث في أفغانستان والعراق وتبني سياسة التهديد بالقوة التي تساهم في تفجير الأمن الداخلي للعالم العربي وتشجيع وتأجيج المشاعر الطائفية وتوظيفها في خلق الفوضى . والحقيقة أن مصطلح الفوضى الخلاّقة هو تغطية للفشل الأمريكي الذريع في المنطقة لدرجة أن الفوضى أصبحت مصلحة أمريكية مؤقتة. فالفوضى لم تكن يوما ولن تكون يوما بنّاءة، بأي شكل من الأشكال فهي دائما هدّامة، والمقصود بالبناءة هنا : أي التي تصب في مصلحة أمريكا وبذلك تكون بنّاءة للولايات المتّحدة ولكن هدّامة للجميع.

الشرق الأوسط الجديد (مشروع شمعون بيرس )

استكمالا للدور الإسرائيلي في تفتيت الوطن العربي ، فقد تم طرح فكرة مشروع الشرق الأوسط الجديد بعد حرب الخليج الأولى ، وكان أحد أهم منظريها ومتبنيها وزير خارجية إسرائيل آنذاك (شمعون بيريس) ، فبعد توقيع اتفاقية اوسلو عام 1993 أصدر بيرس كتابه (الشرق الأوسط الجديد)، وكان تصوره قائماً على أنّ وحدة اقتصادية ستتحقّق بين المنطقة العربية وإسرائيل، وستجمع هذه الوحدة الاقتصادية بين العبقرية الإسرائيلية في القيادة، والأيدي العربية الرخيصة المستخدمة في التصنيع، والثروة العربية المتكدّسة من بيع البترول ...الخ ، واعتبر بيرس أن ما طرحه هو أسلوب جديد في التفكير للوصول للأمن والاستقرار الذي يتطلب من الجميع نظاما أمنيا وترتيبات إقليمية مشتركة واسعة النطاق وتحالفات سياسية لدول المنطقة كلها . وتحولت فكرة الشرق الأوسط الجديد عمليا إلى المؤتمر الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بغية تطوير الفكرة وضم أطراف أخرى إليها غير البلدان العربية الشرق أوسطية . ورؤى قادة إسرائيل تتمثل بأن كيانهم أصبح بحكم الأمر الواقع دولة موجودة وقوية ومتفوقة، وعليهم الإسراع في إيجاد الصيغة المناسبة لاستمرار وجودهم وتمَكّنِهم، والتغلغل في أرجاء الوطن العربي وتحويله إلى أجزاء ممزقة، مقطعة الأوصال، ويكون الدور القائد والمهيمن فيه للأقوى. واعتبر بيرس إن عظمة إسرائيل تكمن في عظمة أسواقها.
خلاصة ما نظّر له (بيريس) : شرق أوسط جديد تقوده تل أبيب، شرق أوسط مدجج بالتنمية والرفاه- هذا في الظاهر- أما في الباطن فهو شرق أوسط مفكك على أسس عرقية وطائفية ومذهبية يشتبك الجميع فيه مع بعضه، بينما يتصالحون جميعاً وربما يتحالفون أيضاً مع إسرائيل ، وفق استراتيجية إسرائيلية جديدة لضمان استمرارية هيمنتها وتفوقها في المنطقة، وإن اختلفت الوسيلة وتغيرت من دبابة وقذيفة إلى بضاعة وسلعة للاستهلاك . ويعترف بيريس مكرها أن الانتفاضة كانت الذخيرة الحية والنضال الحاد الذي أكد فشل الأمر الواقع الذي صُمم لغرض فرض نظرية الأمن الإسرائيلية. والأمر الأخر الملفت للنظر في كتاب بيرس هو دعوته لإدخال الاقتصاد الإسرائيلي ضمن اقتصاديات السوق العربية المشتركة ، وهذا يعني أن بيرس يلهث لإيجاد سوق شرق أوسطية، مستعجلا ذلك بشتى الطرق والوسائل ، قبل أن تتبدل الأحوال وتتغير موازين الصراع لصالح العرب والمسلمين . إن المطلع على كتاب بيرس ربما ينخدع للوهلة الأولى بموضوعيته ومنطقه ، غير أنه سرعان ما يكشف القارئ الواعي أن هذا السياسي الإسرائيلي المخضرم إنما يدس السم بالعسل وأن دعوته الظاهرية للسلام لا تخفي الإستراتيجية التوسعية التي التزم بها قادة إسرائيل والحركة الصهيونية حتى من قبل قيام دولتهم على أرض فلسطين. ومع ذلك فالكتاب لا يخلو في الوقت ذاته
من اعترافات أجبر بيريس على تدوينها ليس أقلها أن الحروب التي خاضتها إسرائيل لم تستطع أن تضمن لها النصر النهائي أو حتى الأمن. ويمكن اختصار مشروع بيرس بالمعادلة الآتية :
تفعيل التكنولوجيا الإسرائيلية واستثمار المياه التركية والعمالة المصرية والأموال الخليجية ، كي تصبح إسرائيل جزءا من ترتيبات إقليمية اقتصادية،
تضمن لها أداء دور الوكيل المعتمد في إطار اقتصادي، والانفتاح على العرب وأسواقهم تحت مسمى الشرق الأوسط الجديد . وفي هذا يقول المحلل الإسرائيلي ( زئيف شيف) أن العراق بعد احتلاله يمكن إلحاقه بالشرق الأوسط الجديد لأنه يمتلك المقومات الأربعة - على حد تعبيره - وهي ( التكنولوجيا والمياه والأموال والأيدي العاملة ) .

الشرق الأوسط الكبير( مشروع الرئيس بوش الأب )

بعد احتلال العراق وتدميره عام 2003 ، أعيد طرح فكرة الشرق الأوسط لكنه سمي ( الشرق الأوسط الكبير ) من قبل الرئيس بوش ، ليشير هذه المرة إلى الوطن العربي بالإضافة إلى باكستان وأفغانستان وإيران وتركيا وإسرائيل ، ظنا من الإدارة الأمريكية أن ما تم تحقيقه بالقوة في العراق من الممكن قطف ثماره سريعا سياسيا واقتصاديا، ورغم محاولات تسويق هذه الفكرة عربيا إلا أنها خبت لعدم قدرتها على ضمان ما تم إنجازه عسكريا في العراق ، ثم بشرت (كونداليزا رايس) وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة بولادة (شرق أوسط جديد)، سينمو ليحقق – حسب تعبيرها - حلا سحريا لعلاج أزمات المنطقة المزمنة . 
ومن قراءة متأنية لمشروع الشرق الأوسط الأمريكي نجد أنه لا يشترط حل القضية الفلسطينية، أي أنه يمكن أن تبدأ الدول العربية تطبيق المشروع قبل أن يوجد حل للقضية الفلسطينية. 
جدير بالذكر أن بنود هذا المشروع نوقشت – بعد طرحها من قبل بوش - في اجتماع الدول الثمانية الصناعية الكبرى في يوليو 2004 في جزيرة ايلاند، وأبرز ما جاء في المشروع آنذاك هو الدعوة إلى الديموقراطية، والتغيير الثقافي، وحقوق الإنسان، والتأكيد على حقوق المرأة، وإنهاء الأُمّية ... الخ، وقد وُضعت برامج تفصيلية تحقّق تلك الأهداف، كما رُصدت ميزانيات مالية من أجل الإنفاق على تلك البرامج بين الدول الثمانية. 
لكنّ شيئاً من ذلك لم يتحقّق، بل تحقّق ما أسموها (الفوضى الخلاقة)، وتجلّت هذه الفوضى في أبهى صورة في العراق، فالدمار يعمّ كل شيء: البناء والطرق والجسور والبنى التحتية .. الخ والكل يقتل الكل والقاتل مجهول ، والجميع يتآمر على تقسيم العراق، ولم تتحقّق ديموقراطية، ولا حقوق إنسان، ولا ارتقاء ثقافي، ولا محو أُمّية ، ولا أي شيء مما ناقشه اجتماع الدول الثمانية .

أهداف مشروع الشرق الأوسط

تركز هذه الأهداف بالدرجة الأساس على القضاء على الإسلام والحضارة العربية الإسلامية ، واهم خطوة في مشروع الشرق الأوسط الجديد الكبير هو زعزعة أمن واستقرار دول المنطقة مثل تركيا، سوريا، إيران والعراق لتسهيل تقسيمها. 
وهنا نقرأ أن بيرس يطالب العرب بنسيان تاريخهم والتخلص من لغتهم ، وهو بهذا يريد دفن ذاكرتنا ووعينا ويصادر وعينا ويعتبر ( ارض الميعاد ) حقيقة ثابتة ، ويعترف بيرس أن إسرائيل حصلت على تنازلات ما كانت تحلم بها . 
وفي حديثه عن موضوعه الاقتصادي ، يدعو إلى ما اسماه مقاومة الاقتصاد المبني على جهود غربية ، ويقفز من اجل ذلك على مسلمات كثيرة ليصل إلى ضرورة التعاون الإقليمي الذي يذيب الدين واللغة والروابط المشتركة من جهة ، ويعطي الحق بالتالي لمجتمعه اليهودي أن يأخذ مكانة بين هذه التشكيلة المفترضة : إسرائيل ، إيران ، تركيا ، والبلاد العربية ،ليفتت من ثم أي مواجهة أو خطر قادم يمكن أن تتعرض له إسرائيل ، وبالتالي يجهض أي مشروع اقتصادي يمكن أن يقوم مستقبلا سواء اتسم باتحاد عربي أو إسلامي . ولكي يتحقق لإسرائيل ( الشرق الأوسط الجديد ) ولأمريكا ( الشرق الأوسط الكبير ) لا بد من مواصلة سياسة تفتيت العرب والمسلمين وإحداث تغيرات ضرورية في المنطقة، تحقق الأمن لإسرائيل وتضمن مصالح الولايات المتحدة في المنطقة ، وتعيد رسم خريطة المنطقة بسايس بيكو جديدة
واستخدام استراتيجية الطرق على الجدران من أسفلها التي تبناها مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق ( بريجنسكي ) ، وهو ما يطلق عليه تجزئة التجزئة، لما يحقق
الأهداف بأسرع الطرق، والأهم من ذلك كان لابد من تقسيم المنطقة على أساس طوائف وأجناس وأصول قومية ومذاهب، وإعادة صياغة المنطقة باعتبارها فسيفساء من أقليات
إثنية ودينية - كما الحال في العراق الآن - على أن يستمر بينها قدر من الصراع المعقول الذي يمكن التحكم فيه من قبل القوى المهيمنة في المنطقة، ومع ذلك لا تقبل الفوضى
الشاملة، إذ لابد أن يستمر البيع والشراء والإنتاج والاستهلاك وسلب الموارد.

ملامح خريطة الدم المقترحة ( مشروع رالف بيترز)

في مجلة القوات المسلحة الأمريكية (عدد يوليو / تموز 2006 ) نشر الضابط الأمريكي السابق (رالف بيترز) مقالة بعنوان: ( حدود الدم) وهي جزء من كتابه الجديد: ( لا تترك القتال أبدا)، وتشكل هذه المقالة تقريرا متكاملا عن الصراعات الشرق أوسطية والتوتر الدائم في المنطقة ، والتي يعتبرها ( بيترز) نتيجة (منطقية) لخلل كبير في الحدود الاعتباطية الحالية التي وضعها حسب تعبيره (الأوروبيون الانتهازيون). ويعترف (رالف بيترز) بأن المجموعات الإثنية والدينية في الشرق الأوسط مارست الاختلاط والتعايش والتزاوج ، ولكن لابد من إعادة رسم الحدود لإنصاف الإثنيات الموجودة، ويذكر قائمة طويلة بهذه المجموعات من منظور إثني وتصنيف ديني أو طائفي. ويرى (بيترز) أن الحروب المستمرة بين العرب واليهود ليست صراعا على الوجود بل هي خلاف على الحدود وأن المنطقة ستظل تعاني من الاضطراب ما دامت الحدود مضطربة وغير نهائية. لذلك ومن أجل شرق أوسط أمريكي (جديد – كبير) يتقدم (بيترز ) بخارطة أمريكية جديدة تلغي الحدود القائمة ويعتمد على مبدأ تقسيم الدول الحالية ، فتتحول الدولة الواحدة إلى دويلات وتنشأ دول جديدة وتكبر دول صغيرة وتصغر دول كبيرة.
1 . الدولة الكردية: تقضي الخطة المذكورة بإقامة دولة كردية مستقلة للأكراد البالغ عددهم ما بين (27 – 36) مليون كردي يعيشون في مناطق محاذية لبعضها البعض في الشرق الأوسط، إذ يعتبر التقرير أن الأكراد هم أكبر قومية في العالم لا يعيشون في دولة مستقلة، وأنه يجب تحقيق دولتهم المستقلة عبر عدد من الخطوات منها:
أولا : استغلال الفرصة التاريخية التي لاحت للولايات المتحدة بعد سقوط بغداد في إنشاء دولة كردية إثر تقسيم العراق إلى ثلاث دول، لأن الأكراد سيصوتون بنسبة 100% لصالح قيام دولة مستقلة إذا عُرضت عليهم فرصة قيام دولة مستقلة.
ثانياً: دعم أكراد تركيا على الرغم من أن هجماتهم في الداخل قد خفّت خلال العشر سنوات الماضية، إلا أنهم عادوا من جديد الآن، وعليه يجب استغلال هذه الفرصة للضغط على تركيا، وإظهار الجزء الشرقي منها كما وأنها (منطقة محتلة).
ثالثاً: بعد قيام الدولة الكردية المستقلة في العراق وتركيا، فإن أكراد إيران وسورية سينضمون بمناطقهم مباشرة إليها وسيشكلون (دولة كردستان الكبرى المستقلة) بحدودها النهائية. وستكون هذه الدولة الكردية الممتدة من ديار بكر في تركيا إلى تبريز في إيران أكبر حليف للغرب في المنطقة ما بين اليابان وبلغاريا.
2 . الدولة الشيعية العربية: وفقاً للتقرير، فإن الجزء الجنوبي من العراق سيكون نواة لتشكيل دولة شيعية عربية تنضم إليها مناطق واسعة من الأراضي المحيطة بها ليشكل حزاماً على المنطقة المحاذية للخليج العربي على أن تشمل المناطق التالية:
أولاً: الجزء الجنوبي الغربي من إيران والمعروف بمنطقة الأهواز أو عربستان والتي تضم معظم الشيعة العرب في إيران.
ثانياً: الجزء الشرقي من المملكة العربية السعودية والذي يضم العدد الأكبر من الأقلية الشيعية في المملكة.
3 . دولة سورية الكبرى: بعد تقسيم العراق إلى ثلاثة أقسام: كردي في الشمال، شيعي في الجنوب وسني في الوسط، سيضطر الجزء السني إلى الالتحاق بسورية، وذلك لأنه سيصبح دولة لا مقومات لها بين مطرقة الدولة الكردية الكبرى إلى شماله، وسندان الدولة الشيعية إلى جنوبه إذا لم ينضم إلى سورية، وسيتم إجبار سورية عن التخلي عن جزء صغير منها لضمه إلى لبنان لتشكيل (دولة لبنان الكبير) على البحر المتوسط لإعادة إحياء دولة فينيقيا.
4 . تقسيم المملكة العربية السعودية: ستكون المملكة إلى جانب الباكستان بالإضافة إلى تركيا من الأكثر الدول التي ستعاني نتيجة للتغيير الذي سيطرأ على المنطقة، وسيتم تقسيم المملكة إلى خمسة أقسام:
أولاً: القسم الشرقي الساحلي حيث تتواجد الأقلية الشيعية في المملكة، وسيتم إلحاق هذا القسم بالدولة العربية الشيعية التي تحدثنا عنها أعلاه.
ثانياً: القسم الثاني هو جزء يقع في شمال غرب وشرق المملكة، وسيتم إلحاقه بالأردن الذي سيشكل بحدوده الموجودة حالياً إضافة إلى الجزء السعودي دولة (الأردن الكبرى) التي ستضمّ كل الفلسطينيين في الشتات.
ثالثاً: القسم الثالث من المملكة سيضمّ كل المدن الدينية ولاسيما مكة المكرمة والمدينة المنورة التي سيتم تشكيل دولة دينية عليهما يحكمها مجمع ديني من مختلف الطوائف والمذاهب الإسلامية ويشبه إلى حدّ كبير الفاتيكان.
رابعاً: إلحاق قسم من جنوب المملكة بالجمهورية اليمنية التي سيزيد حجمها.
خامساً: تشكيل دولة سياسية في القسم المتبقي من حجم المملكة الأصلي.
5 . الكويت وقطر وعمان والإمارات واليمن: ستبقى هذه الدول على الأرجح بشكلها الحالي دون زيادة أو نقصان، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإمارات قد تشهد بعض التغييرات، وذلك تبعاً للتغيير الذي سيصيب بعض الدول المجاورة لها، سواء لناحية إيران أو لناحية دولة الشيعة العرب، فيما سيزيد حجم اليمن نتيجة لمنحها جزءاً من المملكة العربية السعودية.
6 . الجمهورية الإيرانية: صحيح أنه سيتم اقتسام بعض الأجزاء من إيران لصالح تشكيل دولة كردية ودولة شيعية عربية ودولة بلوشية وجزء صغير لضمه لدولة أذربيجان، إلا أنه سيتم اقتطاع جزء من أفغانستان المجاورة لتشكيل دولة قومية فارسية تحل محل الجمهورية الإيرانية الحالية.
7. أفغانستان وباكستان: القسم الذي سيتم اقتطاعه من أفغانستان لمنحه لإيران سيتم تعويضه من خلال منح أفغانستان جزءاً كبيراً من باكستان حيث العديد من القبائل الأفغانية والقريبة لها، وسيتم اقتطاع جزء آخر أيضاً من باكستان حيث يقيم البلوش لمنحه لدولة بلوشستان الحرة، وبذلك يتبقى مساحة ثلث أو أقل من حجم باكستان الحالية التي ستشكل الدولة الجديدة المنتظرة.

وكما نرى فإن إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد سيتم على أساس قومي أو إثني أو طائفي في أحيان أخرى، وبما أن إعادة رسم مثل هذه الخريطة ، لا يمكن أن تتم فوراً
إلا أن ( بيترز ) يرى : انه ما لم يحدث تصويب للحدود في الشرق الأوسط الكبير بشكل تتفق فيه هذه الحدود مع الروابط الطبيعية للدم والدين فسوف يكون هناك مزيد
من سفك الدماء في المنطقة، ومع مرور الوقت فإن تحقيق هذه الخريطة الجديدة سيكون ممكناً جداً. 
هكذا يهدد ( بيترز )بحدود دموية إن لم تنجح حدود الدم الأمريكية .
ومما لا شك فيه أن الخطط الأمريكية تجاه منطقتنا تعدّدت وتنوعت على مر السنين لتتلاءم مع التغيرات التي تطرأ عليها بين الحين والآخر، لكنها في جميع الأحوال
والظروف حافظت على عاملين اثنين أساسيين اعتبرتهما كثوابت في جميع هذه الإستراتيجيات، وخطاً أحمر يمسّ الأمن القومي الأمريكي: العامل الأول هو: حماية أمن إسرائيل
ودعمها بأي ثمن،والعامل الثاني : تأمين النفط والمصالح الإستراتيجية الأمريكية الأخرى.

مشروع لويس الشرق أوسطي

في العام 1983، اقر الكونغرس الاميركي بالإجماع، في جلسة سرية، (مشروع برنارد لويس)، وتمّ بذلك تقنين هذا المشروع واعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الاميركية الاستراتيجية للسنوات المقبلة. وقد أرفق لويس خرائط تقسيم الدول، بهذا المشروع على الشكل الآتي:
1 . مصر : وطبقاً للمخطط الذي رسم لويس ملامحه الأساسية مطلوب تقسيم مصر إلي 4 دويلات هي:
- سيناء وشرق الدلتا ستكون تحت النفوذ اليهودي (ليتحقق حلم اليهود من النيل إلى الفرات).
- الدولة المسيحية وستكون عاصمتها الإسكندرية.
وتمتد من جنوب بني سويف حتى جنوب أسيوط وتتسع غربًا لتضم الفيوم وتمتد في خط صحراوي عبر وادي النطرون ليربط هذه المنطقة بالإسكندرية. وستتسع لتضم أيضًا جزءًا من المنطقة الساحلية الممتدة حتى مرسى مطروح.
- دولة النوبة المتكاملة وتضم الأراضي الشمالية السودانية وستكون عاصمتها أسوان.وتضم الجزء الجنوبي الممتد من صعيد مصر حتى شمال السودان باسم بلاد النوبة بمنطقة الصحراء الكبرى لتلتحم مع دولة البربر التي سوف تمتد من جنوب المغرب حتى البحر الأحمر.
- مصر الإسلامية: وستكون عاصمتها القاهرة وتشمل الجزء المتبقي من مصر ويراد لها أن تكون أيضًا تحت النفوذ الإسرائيلي (حيث تدخل في نطاق إسرائيل الكبرى التي يطمع اليهود في إنشائها).
وقد بدأت بوادر هذا المخطط تطفو علي السطح من خلال إثارة الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين في مصر ، وقد بدأ تنفيذه في عصر الرئيس المخلوع حسني مبارك وأعتقد أنه وبعض أجهزته الأمنية كانوا مشاركين في تنفيذ هذا المخطط وبعد سقوطه سعت بقايا أذرع وأركان هذا النظام التي ما زالت تسيطر علي الكثير من المؤسسات في الدولة إلي الإسراع في تنفيذ هذا المخطط لصالح إسرائيل والقوي الاستعمارية .
2 . السودان: 4 دويلات أيضا هي:
- دويلة النوبة: التي تتكامل مع دويلة النوبة في الأراضي المصرية التي عاصمتها أسوان.
- دويلة الشمال السوداني الإسلامية.
- دويلة الجنوب السوداني المسيحية.
- دويلة دارفور.
وقد نجح الأمريكان وإسرائيل والغرب بمساعدة نظام مبارك وبعض الأنظمة العربية الأخرى في فصل جنوب السودان عن شماله وإنشاء دويلة جديدة مسيحية في جنوب السودان ، ولا شك أنهم في البداية سيدعمون هذه الدويلة الناشئة بالمال والسلاح ، ثم يستخدموها بعد ذلك في إشعال الحروب والنزاعات بين دويلة شمال السودان المسلمة أو دويلة دار فور التي ما تزال المؤامرات مستمرة لفصلها عن السودان بعد الجنوب مباشرة حيث إنها غنية باليورانيوم والذهب والبترول.
3 . دول الشمال الأفريقي : يهدف (مشروع لويس) إلى تفكيك ليبيا والجزائر والمغرب بهدف إقامة:
- دويلة البربر: على امتداد دويلة النوبة في مصر والسودان.
- دويلة البوليساريو.
- دويلات المغرب والجزائر وتونس وليبيا.
4 . شبه الجزيرة العربية ودول الخليج يقضي (مشروع لويس ) بإلغاء الكويت وقطر والبحرين وسلطنة عمان واليمن والأمارات العربية المتحدة، من الخريطة، ومحو وجودها الدستوري والدولي، بحيث تضم شبه الجزيرة والخليج ثلاث دويلات فقط هي:
- دويلة الإحساء الشيعية (تضم الكويت والأمارات وقطر وعمان والبحرين).
- دويلة نجد السنية.
- دويلة الحجاز السنية.
5 . إزالة الكيان الدستوري الحالي للدولة اليمنية بشطريها الجنوبي والشمالي واعتبار مجمل أراضيها جزءًا من دويلة الحجاز.
6 . العراق: يرى لويس ضرورة تفكيكه على أسس عرقية ومذهبية على النحو الذي حدث في سوريا في عهد العثمانيين، أي إلى 3 دويلات هي:
- دويلة شيعية في الجنوب حول البصرة.
- دويلة سنية في وسط العراق حول بغداد.
- دويلة كردية في الشمال والشمال ـ الشرقي حول الموصل (كردستان) وتقوم على أجزاء من الأراضي العراقية والإيرانية والسورية والتركية والسوفيتية (سابقا).
7. سوريا : يرى المشروع ضرورة تقسيمها إلى أقاليم متمايزة عرقيا أو مذهبيا، وعددها أربعة هي:
- دولة علوية ـ شيعية (على امتداد الشاطئ).
- دولة سنية في منطقة حلب.
- دولة سنية حول دمشق.
- دولة الدروز في الجولان ولبنان (الأراضي الجنوبية السورية وشرق الأردن والأراضي اللبنانية).
8 . لبنان : استقر رأي لويس على وجوب تفتيته إلى ثمانية كانتونات عرقية ومذهبية، هي:
- دويلة سنية في الشمال، عاصمتها طرابلس.
- دويلة مارونية ـ مارونية شمالا (عاصمتها جونيه).
- دويلة سهل البقاع الشيعية (عاصمتها بعلبك).
- بيروت الدولية (المدولة).
- كانتون فلسطيني حول صيدا حتى نهر الليطاني تسيطر عليه السلطة الفلسطينية.
- كانتون في الجنوب يعيش فيه المسيحيون مع نصف مليون من الشيعة.
- دويلة درزية (في أجزاء من الأراضي اللبنانية – حاصبيا - والسورية والفلسطينية المحتلة).
- كانتون مسيحي جنوبي خاضع للنفوذ الإسرائيلي.
9 . الأردن : يقضي المشروع بتفتيته وتحويله إلى دولة فلسطينية تضم فلسطينيي الداخل أيضا. وفي المشروع فقرة تتصل باليمن الذي يفترض أن يذوب لينضم في نهاية المطاف إلى دولة الحجاز.
10. تركيا : يقترح المشروع انتزاع جزء منها وضمه إلى الدولة الكردية (كردستان الحرة) المزمع إقامتها في شمال العراق.
11 . إيران وباكستان وأفغانستان: يتم تقسيمها إلى عشرة كيانات عرقية ضعيفة:
( كردستان. - أذربيجان. تركستان.- عربستان.- إيرانستان " ما بقي من إيران بعد التقسيم"- بوخونستان. بلونستان. أفغانستان "ما بقي منها بعد التقسيم" باكستان "ما بقي منها بعد التقسيم" - كشمير) .

الثورات العربية والمشاريع الأمريكية الاسرائيلية

عرفنا أن الفوضى الخلاقة ومشاريع الشرق الأوسط ، هي نظريات سياسية تقوم على أساس الاستفادة من الاضطراب وعدم الاستقرار في المناطق الحيوية بما يحقق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على العالم وبما يوفر لإسرائيل الأمن والاستقرار والتدخل في شؤون العرب والمسلمين ، وقد جاء المحافظون المسيحيون الجدد، بقيادة جورج بوش الابن، فأرادوا تطبيق هذه النظريات في العالم العربي والإسلامي ، إذ كانت الإدارات قبلها تميل للمحافظة على الاستقرار الدولي بما يخدم مصالح أمريكا وحلف النيتو، فتبنى المحافظون الجدد هذه السياسات الجديدة، ولإيمانهم الديني بالنبوءات وأن العالم سيشهد اضطرابات وحروبا تمهد لنزول المسيح، فقد دفعوا باتجاه إحداث الفوضى والاضطراب وعدم الاستقرار، للاستفادة منها في إحكام قبضة الولايات المتحدة وسيطرتها وحلفائها على العالم ، وعندما قال بوش الابن بأن حربه على الإرهاب ستكون (حربا صليبية) كان ذلك عن إيمان بما يقول .
 كان المشروع الأمريكي للمنطقة يقتضي ضرب استقرارها وإعادة ترتيبها من جديد، وذلك بضرب مشروع سايكس بيكو ، ورسم حدود المنطقة من جديد، بتفتيتها وتجزئتها أكثر وأكثر، بما يحقق مصالح أمريكا، وإذكاء نار الصراع والخلافات الطائفية والعرقية والقبلية والمناطقية في العالم العربي، لتهيئة وتبرير التجزئة، وبناء شرق أوسط جديد، يخدم أمن إسرائيل من جهة، ويحافظ على سيطرة الولايات المتحدة عليها لقرن قادم من جهة أخرى . لقد كانت أمريكا حريصة غاية الحرص على أمن الخليج العربي واستقراره لحماية مصالحها، وكانت تخشى عليه من أي اضطراب، غير أنها – وحسب الباحثين - وجدت بأن الفوضى التي حدثت بعد حرب 1991 حققت لها ما لم يكن في حسبانها، وفتحت لها آفاقا أوسع ليس لتعزيز سيطرتها على الخليج بشكل كامل وبانتشار قواعدها العسكرية في كل بلد، بل بفتح الطريق للسيطرة على العراق نفسه والذي تحقق سنة 2003 ، فتعزز إيمان الولايات المتحدة بصحة نظريات الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد ، وأن الاضطراب قد يكون أنفع وأجدى لها من الاستقرار.
وقد كانت حرب احتلال أفغانستان 2001 ثم حرب احتلال العراق سنة 2003 في سياق تطبيق نظريات التقسيم والتفتيت والفوضى ، إلا أن ما حدث هو أن الولايات المتحدة وحلفاءها وبعد تعرضهم للهزيمة العسكرية في أفغانستان والعراق، وجدوا أنفسهم بأنهم أصبحوا هم في دائرة الفوضى الخلاقة نفسها. لذلك أرادت الولايات المتحدة إعادة ترتيب أوضاع الدول العربية للسيطرة عليها أكثر فأكثر، من خلال التدخل المباشر وغير المباشر، وقد آثرت - حين رأت عجزها عن القيام بحرب جديدة بعد هزيمتها في أفغانستان والعراق ، ورأت عجز التيار الليبرالي العربي وعدم شعبيته وعدم قدرته على الوصول للسلطة عن طريق الانتخابات ، ومن خلال الديمقراطية - أن تحافظ على حلفائها التقليديين مع رغبتها في مشاركة الإسلاميين التقليديين في السلطة لكسب شعبيتهم، فوجدت أنه يمكن التفاهم معهم، وأنهم يمكن أن يحققوا حين يتم إشراكهم في السلطة استقرارا للأنظمة العربية التي يهم أمريكا وإسرائيل عدم اضطرابها، لكن (الثورة العربية الخلاقة) جاءت لتنسف المشروع الأمريكي للمنطقة من أساسه، ولتعيد ترتيب الأوراق من جديد، لا كما يريد الغرب الاستعماري، وإنما وفق ما تتطلع له الأمة وشعوبها، فكانت الثورة العربية التي لم يتوقعها أحد، ولم تخطر ببال أحد، حدثا تاريخيا مفاجأ بكل المقاييس، فقد أربك سياسة أمريكا، وأذهل أوربا، حدوث مثل هذه الثورة دون سابق إنذار ، ولهذا حاولت - ولا تزال تحاول - بكل ما تستطيع التسلل لهذه الثورات ولتعيد خلط الأوراق من جديد تبعا لمصالحها وفي محاولة لإرباك الوضع العربي وخاصة في دول الثورات العربية . والمعروف أن الفوضى لا تنتج إلا فوضى، فلقد أثبتت الوقائع أن نظريات (الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط ) ليست أسلوبًا سياسيًّا ناجحًا وناجعًا على الإطلاق؛ فقد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، وسناريوهات الفشل المتلاحقة لهذه النظريات والمشاريع أصابت سَدَنتها بالإحباط، وعلى فرض وجود دور لنظرية ( الفوضى الخلاقة) فيما يحدث في ثورات الربيع العربي، إلا أن المحصلة إزاحة الكثير من الديكتاتوريات الحاكمة الجاثمة فوق صدر الشعوب العربية، والخادمة بامتياز للمشروع ( الصهيوأمريكي) في المنطقة، وتنامي صعود التيارات الوطنية السياسية بدعم من الإرادة الشعبية الواعية، وهو ما يعني: السير في إطار الكثير من الثوابت، التي لا تخدم المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة. والإخفاقات التي تعرضت لها أمريكا دفعتها إلى إعادة التركيز من جديد على مشاريع الشرق الأوسط - التي ستفشل بعون الله - لتعزز سياستا وتوجهها نحو تمزيق الوطن العربي ومحاولة السيطرة على الأوضاع الناشئة بعد الثورات العربية . والحقيقية التي نؤكدها هنا ، هي أن كافة المخططات الأمريكية بالمنطقة لا مستقبل لها، حيث مُنِيت بخسارة كبيرة على يد المقاومة الباسلة في كل من العراق والصومال وأفغانستان ، بعدما لقنت المحتل الأمريكي درسًا لن تنساه، وجوبهت أيضا بصخرة الصمود الشعبي العربي الذي بدأ يعي حقيقة الصراع وأبعاده . 
والمخططات الأمريكية في المنطقة، تقوم على جذور فكرية هدفها الخلاف - وليس الاختلاف - ونحن كعرب ومسلمين أصحاب حضارات نؤسس للاختلاف القائم على المبادئ والقيم والحرية والعدل والمواطنة والحوار وحرية الإنسان، بدلاً من الخلاف القائم على الصراع، والذي تتبناه الإدارة الأمريكية.

الخاتمة

الذين يظنون أن ما صنعته أمريكا بالعراق من احتلال وتقسيم وما جرى في السودان من تقسيم له دوافع وأسباب مصطنعة ، وما يجري في عموم المنطقة العربية من أحداث مأساوية وفوضى، أمرًا مفاجئًا جاء وليد الأحداث التي أنتجته، ، ولكن الحقيقة الكبرى هي أن ما يحدث الآن هو تحقيق وتنفيذ للمخطط الاستعماري الذي خططته وصاغته وأعلنته الصهيونية والصليبية العالمية، لتفتيت الوطن العربي والعالم الإسلامي ، من خلال سياسات واستراتيجيات ومشاريع باتت مكشوفة للعالم وأبرزها : 
مشروع تفتيت الوطن العربي الذي أعده بن غوريون وخبراء الأمن القومي الأمريكان والبريطانيين عام 1953 والذي تطور بعد ذلك تبعا لأحداث ومتغيرات مرت بها المنطقة ، وتم نشره تباعا خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ثم تجدد نشره أيضا في العقد الأول من هذا القرن بصيغ وعناوين أكثر تفصيلا ومن قبل صحفيين عالميين وسياسيين غربيين ، وكذلك مشروع الفوضى الخلاقة (كتابات اليوت كوهين) و (صياغة مايكل ليدن ) وطروحات ( الرئيس بوش الابن وكونداليزا رايس ) ، ومشاريع الشرق الأوسط الجديد ( شمعون بيرس ) والشرق الأوسط الكبير ( الرئيس بوش الابن ) والشرق الأوسط الجديد ( كونداليزا رايس ) ومشروع خريطة الدم ( رالف بيترز) و( مشروع لويس ) وغيرها ، كل هذه المشاريع تعود إلى اصل واحد ومنبت أمريكي إسرائيلي بريطاني مشترك وبدعم من الصهيونية العالمية ، وان تغيرت بنودها وتوقيتات طرحها ، فهي تستهدف القضاء على الإسلام وتجزئة الوطن العربي والاستحواذ على ثرواته ومقدراته والتحكم فيه حاضرا ومستقبلا وتحويله إلى ( فسيفساء ورقية) يكون فيه الكيان الغاصب السيد المطاع، ونحن عندما نتحدث عن هذه المشاريع – الوثائق - فإننا نهدف إلى تعريف العرب والمسلمين بالمخططات التي تستهدف حياتهم وأوطانهم ومستقبلهم وحضارتهم وخاصة الشباب الذين هم عماد الأمة وصانعو قوتها وحضارتها ونهضتها ، والذين يتعرضون إلى محاولات عمليات غسل دماغ خطيرة بهدف تغيير قاعاتهم وخداعهم وتضليلهم .

مراجع

1 . عيسى القدومي ، الشرق الأوسط الجديد ، هل حان وقته ؟ مجلة الفرقان الكويتية ، في 7/ 3/ 2011 .
2 . دكتور غازي التوبة ، الشرق الأوسط بين الجديد والكبير ، موقع نوافذ .
3 . محمد بوري ، موقع إسرائيل في مشروع الشرق الأوسط الجديد ، صحيفة ايدينلك ، ترجمة محمد سلطان ، مركز الناطور للدراسات والأبحاث .
4 . قراءة في اخطر كتاب ، الشرق الأوسط الجديد : تأليف شمعون بيرس ، مجلة الابتسامة ، قسم كتب السياسة والعلاقات الدولية .
5 . خفايا وأسرار . خريطة الدم الأمريكية. الوجه الحقيقي للربيع العربي ، وكالة النخيل للأنباء .
6. دكتور خالد النجار ، الفوضى الخلاقة وسياسة ترتيب التحالفات ، شبكة الالوكة .
7 . دكتور حاكم المطيري ، الثورة الخلاقة لا الفوضى الخلاقة ، الموقع الرسمي .
8 . معلومات شخصية .

مقابلة مع ميت

مقابلة مع ميت.. 

روبرت فيسك يجري حواراً "إنسانياً" مع رئيس المخابرات الجوية السورية

نشرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية تقريراً لمراسلها في منطقة الشرق الأوسط روبرت فيسك، أجرى خلاله لقاءً نادراً هو الأول من نوعه مع جنرال أعلنت وفاته قبل سنوات وهو جميل حسن، مدير جهاز المخابرات الجوية السورية، الجهاز الأكثر قوة بين الأجهزة المخابراتية الأخرى: جهاز مخابرات أمن الدولة وجهاز مخابرات الأمن العسكري.
فيسك، المقرَّب من النظام السوري، والذي لا يخفي عداءه للسياسات البريطانية الأميركية في المنطقة، كثيراً ما كتب من داخل الأراضي التي يسيطر عليها النظام في سوريا منذ اندلاع الأزمة قبل أكثر 5 سنوات، حتى أنه خرج مع القوات الموالية لبشار الأسد، في حربها الشرسة ضد المعارضة المسلحة.
وفي هذا اللقاء النادر، وأمام الرجل "الوحش" الذي اعتاد السوريون أن ترتعد فرائصهم لذكر اسمه، حيث الداخل إلى معتقلاته في حكم الميت سلفاً، حاول فيسك أن يبحث عن اللمسة "الإنسانية" لدى جنرال مُتهم من المعارضة السورية ومن قوى عالمية وإقليمية بقتل آلاف السوريين.
وفيما يلي نقدم ترجمة التقرير كاملاً كما ورد في "الإندبندنت":
أن تجلس وجهاً لوجه مع مدير جهاز المخابرات الجوية السورية، وهو جهاز الاستخبارات الأقوى والأكثر وحشية وإثارة للرعب في سوريا، ليس بالأمر الذي قد يحدث كل يوم. فعبارة "المخابرات الجوية السورية" كفيلة بجعلك تلتزم الصمت. ومع أن الجيش السوري الحر "المعتدل" كان قد أعلن منذ 4 سنوات اغتيال أكثر حُماة الرئيس ولاءً وشراسةً، وما زال موقع "ويكيبيديا" يتحدث عنه بصيغة الماضي، إلا أنه يمكنني أن أؤكد لكم أن الجنرال جميل حسن، البالغ من العمر 63 سنة، حيٌّ.

بدت قبضته كالمِلزَمة أثناء مصافحتي، وعيناه، اللتان تُحَدِّقان إليك أثناء حديثه كما يحدق أحد ضباط الاستجواب الغاضبين بالمتهم، كانتا تُحَدِّقان فيَّ كضوءٍ قادم من منارة حينما سألته إن كان رجلاً قاسياً. وكان صوته يجمع بين زئير الأسود والنبرة الاستقصائية التي تميز مديري المخابرات قليلي الصبر.

سمعة سيئة


هذا ليس بالرجل الذي ينبغي عليك مواجهته. صاح فيّ بصوتٍ هادر قائلاً: "بالنسبة للإعلام الغربي، أنا مجرم حرب. لذلك لا أعلم إن كان سيُسمَح بنشر مقالك في صحيفة الإندبندنت. أنا على استعداد لمواصلة عملي، حتى وإن قادني ذلك إلى محكمة جرائم الحرب، لأن سوريا تستحق التضحية".

بالغ الجنرال حسن قليلاً في تقدير السمعة السيئة التي يتمتع بها. ففي الحقيقة، لم تسع أية محكمة لجرائم الحرب إلى اعتقاله. لكن الاتحاد الأوروبي كان قد أدانه "لتورطه في عمليات القمع ضد الانتفاضة السلمية" في سوريا عام 2011، مما تسبب في حظره من السفر وتجميد أمواله بالخارج.

أما وزارة الخزانة الأميركية فقد فرضت عقوبات ضد الجنرال بسبب "مشاركته في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان"، وذلك بعد تهديدات الرئيس الأميركي باراك أوباما للنظام السوري. وقالت الحكومة الأميركية إنَّ المخابرات الجوية السورية - التي سُمِّيَت بهذا الاسم لأن حافظ والد بشار الأسد كان ضابطاً بالقوات الجوية الروسية - قتلت 43 متظاهراً على الأقل في أبريل/نيسان عام 2011. وهو الأمر الذي سنتحدث عنه أكثر لاحقاً.

خلال هذه المقابلة المذهلة التي دامت 3 ساعات، لم يحاول الجنرال حسن تجنب الإجابة عن أية أسئلة، حتى تلك المتعلقة بالسجون التابعة له. ومع أنه أشار مراراً وتكراراً في حديثه إلى ولائه للرئيس بشار الأسد، إلا أنه أصر على توضيح أن اتخاذ النظام إجراءات أكثر قسوة وصرامة في بدايات الثورة السورية عام 2011 ربما كان سيقضي على المعارضة المسلحة للنظام تماماً وبشكلٍ كليّ منذ البداية.

ثورة حماة



وتحدث حسن أيضاً عن سحق ثورة الإخوان المسلمين في مدينة حماة عام 1982، عندما تم قتل الآلاف من المدنيين والمقاتلين بعد ثورة الإخوان العنيفة ضد أعضاء حزب البعث في المدينة.

في تلك الفترة، كان الجنرال حسن أحد ضباط الأمن المُستَجَدِّين الذين يخدمون حكومة حافظ الأسد. وقال متحدثاً عن تلك الفترة: "كنت حينها شاباً صغيراً جداً، وكانت هناك تقارير إعلامية مبالغ فيها عن ضحايا المذبحة. ولكن إن كنا كررنا ما فعلناه حينها في حماة في بداية الأزمة الحالية، كنا سنتمكن من إنقاذ عدد كبير من السوريين". كنت متواجداً أيضاً لفترةٍ قصيرة في حماة خلال ثورة عام 1982، وأتذكر أنني سجلت حينها أن عدد الضحايا ربما يكون قد وصل إلى 20 ألف شخص.

كان لقاءً غريباً وغير متوقع وغير مرغوب فيه مع إحدى الشخصيات الأقوى في سوريا. خارج مكتب الجنرال، كان هناك علمٌ سوري و3 أعلام روسية. كان الجنرال يعلم كتب التاريخ خاصته. وبينما أشعل سيجاراً من النوع الذي كان يدخنه "تشرشل"، كان يحدثني عن هتلر ورومل ومونتغمري وتشرشل. وفي عقله، لم يشك للحظة في هوية المسؤول عن الأزمة السورية.

خلال مقابلتنا الطويلة، بدا الجنرال وكأنه يقسم حياته إلى جزأين: العشرين سنة الأولى من عمله كضابط أمن شاب، التي يقول نقاده إنَّه كان يتصف فيها بالوحشية الشديدة، والفترة الباقية التي أصبح فيها يشبه شخصية المعلم والأب، يشجع تلميذه الشاب العقيد سهيل حسن - لا قرابة بينهما - في معركته ضد المتطرفين الإسلاميين، ويشيد ببشار الأسد، مع أنه يرى أن والده حافظ الأسد كان أشد صرامةً وقسوةً في التعامل مع أعدائه.

كان العقيد سهيل حسن، والمعروف باسم "النمر"، يقاتل لتأمين الطريق الصحراوي العسكري بهدف تخفيف حصار غرب حلب العام الماضي. لكن الجنرال كشف أن سهيل كان يكافح لوقف هجمات الانتحاريين المنتسبين للتنظيمات الإسلامية في محافظة إدلب السورية عام 2005، أي قبل 6 سنوات من إدراك العالم حجم حرب الحكومة السورية ضد خصومها المسلحين.
كان الجنرال مهتماً بالحديث عن هذه الوقائع التاريخية الماضية. وكانت هناك بالفعل بعض اللحظات أثناء اللقاء التي ظننت فيها أن الجنرال، كغيره من كبار السن، لا يكترث برأي منتقديه ومسانديه عنه في الوقت الحالي، لكنه يهتم أكثر بما ستقوله عنه الأجيال القادمة.

الحوار الأول


هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها الجنرال إلى مراسل غربي، بل المرة الأولى التي يقبل فيها إجراء مقابلة مع أي صحفي على الإطلاق. ولذلك أثناء الحوار الذي دار بيننا تحدث عن إخفاقاته الخاصة والأخطاء التي ارتكبتها وكالة المخابرات التي يديرها، وكذلك عن وجهة نظره القاسية بخصوص العالم العربي.
وأضاف الجنرال قائلاً إنَّ "المتشددين الإسلاميين والمتطرفين الصهاينة اجتمعوا على هدفٍ واحد وقرروا العمل على تقسيم سوريا. وكدليل على ذلك، أود التساؤل عن سبب تنسيق جبهة النصرة مع الإسرائيليين في الجولان، ولماذا توفر إسرائيل الرعاية الصحية والعلاج للميليشيات؟ حتى عندما استولى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على بضعة كيلومترات من الأرض قرب الحدود الإسرائيلية، لم تُقدِم إسرائيل على مهاجمتهم".
وأكمل الجنرال حديثه قائلاً: "إذاً، ماذا يعني ذلك؟ إنَّ هذه المسألة غاية في الأهمية. فبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل قرروا تقسيم سوريا، وذلك مع تضارب مصالحهم. يبدو أن سوريا بلدٌ كبيرٌ جداً حتى يتحد عليها كل هؤلاء. إن كانت هذه الدول بمثابة أصدقاء حقيقيين لسوريا، لساعدوا على التخفيف من حدة الخلافات الطائفية. أعتقد أن الشعوب الأوروبية ستكون الأكثر تضرراً إذا انهارت سوريا. إن الأميركيين والأوروبيين مثلهم مثل الراعي الذي يسمح للذئب بدخول منزله، هذا الذئب سيأكل في نهاية المطاف كل الخراف والدجاج".
وعاد مجدداً للحديث عن مذبحة حماة عام 1982 قائلاً إنَّه "لو كانت التكتيكات التي تم استخدامها في حماة عام 1982 تم استخدامها هذه المرة، لكنا ربما قد أنهينا هذه الحرب. كنت في حماة عام 1982، وكنت أقاتل المتطرفين داخل الأنفاق الموجودة تحت الأرض، إذ كنت ضابط أمن برتبة ملازم خلال فترة حكم حافظ الأسد. تلقّى المتطرفون في هذه الفترة بالثمانينات ضربة موجعة كادت أن تقضي عليهم. وكنت أرى هذا القرار ذكياً جداً حينها. كانت البيئة مختلفة في تلك الفترة".
وأكمل حديثه عن الفارق بين تعامل حافظ الأسد مع الاحتجاجات بحماة في الماضي وبين تعامل بشار مع الثورة السورية في بدايتها قائلاً: "كان هذا القرار صعباً جداً على الرئيس حافظ الأسد. لكن في الثورة الحالية، لو كنا قد فعلنا ذلك، لكنا قد أنهينا الحرب. الاستراتيجية التي نتبعها الآن هي قرار القيادة السورية الحالية، ولكني لديّ رأي مختلف. فالطلاب الصينيون قاموا بمظاهرةٍ في ساحة تيانانمن عام 1989، وكانوا عازمين على تغيير الصين. لو كانت الحكومة الصينية حينها لم تضع حداً لهذه المظاهرات، أين كانت ستكون الصين اليوم؟".

ثمانينات القرن الماضي


وعادت الذاكرة بالجنرال جميل حسن إلى ثمانينات القرن الماضي، وقال واصفاً الوضع حينها في العالم العربي والإسلامي، "في تلك الفترة كان الرئيس العراقي صدام حسين والعاهل الأردني الملك حسين هم رعاة الإرهاب. وكان صدام حسين يدعم الإرهاب في سوريا ليس لأنه يحب الإسلام، ولكن لأنه أراد إغضاب حافظ الأسد. دعم صدام حسين حينها الإسلاميين مع أنه لم يكن يؤيد الفكر الإسلامي المتطرف. حتى الملك حسين لم يكن من مساندي الإسلاميين، لكنه استخدمهم لتحدي حافظ الأسد، واستخدم جماعة الإخوان المسلمين".
يجب أن أقول إنَّه في بعض الأوقات كان صوت الجنرال يشبه قليلاً صوت حافظ الأسد.
تحدث الجنرال أيضاً عن غسيل المخ والضغط الأيديولوجي على فقراء الريف السوري في السنوات الأولى من الحرب الحالية. وقال إنَّ "أعمال تنظيم القاعدة - الذي يدعو نفسه الآن بجبهة النصرة - ترسخ الفكر المتشدد والقسوة داخل قلوب الناس. هذا نتيجة 10 سنوات من غسيل الدماغ الأيديولوجي، فأنا أتابعهم عن قرب". وقال إنَّ الدول الغربية هي التي تمول الإسلاميين المتطرفين بالأسلحة.

وعن المواطنين السوريين قال إنَّه "في إحدى القرى، تم إجبار المواطنين على القتال ضدنا. واضطر الناس إلى تبني تقاليد مختلفة، حتى في ملابسهم. حوالي 80% من الناس في شرق حلب يريدون مغادرة منطقتهم والقدوم إلى منطقة حلب الغربية التي تسيطر عليها الحكومة. الحل الوحيد هو توقف الدول الغربية عن دعم الإرهابيين".
وصرح الجنرال بكلماتٍ ستغضب بالتأكيد إدارة أوباما، وأيضاً خليفته ترامب، حيث قال إنَّ "تصريح الأميركيين بوجود معارضة معتدلة أمر مثير للسخرية. ومثير للاشمئزاز أيضاً. أشعر بالاندهاش من حجم المجهود الذي تبذله الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة لأجل هذه المنطقة الصغيرة جداً في شرق حلب".
وأضاف أن "اللعبة القذرة الوحيدة في حلب هي اللعبة التي يمارسها الأميركيون، إذا توقفوا عن إمداد المتشددين بالأسلحة سينتهي كل شيء. لماذا لا تولي الحكومات الغربية اهتماماً بقصف المعارضة لحلب الغربية ومقتل العديد من المواطنين هناك؟ سأقاتل للدفاع عن سوريا حتى الرمق الأخير".

قصة أطفال درعا


وتطرق الحديث للقضية الحساسة الخاصة بمدينة درعا، المكان الذي بدأت فيه الحرب السورية عام 2011، والتي كان مقتل المواطنين بها هو سبب فرض أميركا للعقوبات عليه. قال الجنرال عن ذلك إنَّه "في بداية الأزمة قالوا إنَّ أحد رجال الأمن قام باقتلاع أظافر أحد الأطفال. هذا الأمر كان مجرد إشاعة، لكن حتى المواطنين المؤيدين للرئيس صدقوها بسبب الإعلام. ولكن في الحقيقة، كان الأمر دعاية مُخَطَّطٌ لها بدقة".

أصبحت قصة أطفال مدينة درعا معروفة حالياً. إذ تم القبض على 15 طفلاً على الأقل لاتهامهم بكتابة عبارات "الشعب يريد إسقاط النظام" على أحد الجدران في مدينة درعا بجنوب سوريا في بداية عام 2011، وتم تعذيب هؤلاء الأطفال من قبل قوات أمن الدولة، وهو الأمر الذي أدى إلى خروج مظاهرات واسعة النطاق في أبريل/نيسان، أسفرت عن مقتل العشرات من المتظاهرين والجنود السوريين، وإقالة محافظ المدينة من قبل الرئيس بشار الأسد.

أكمل الجنرال حديثه عن بداية الأزمة، وهي كلماتٌ يجب أن تُقرَأ بتحفظٍ واهتمام شديدين، إذ قال إنَّ "في البداية، وعندما كان المتظاهرون بالشوارع، كانت أجهزة الأمن ممنوعة من حمل الأسلحة الثقيلة.. الأشخاص الذين حاكوا هذه المؤامرات ضدنا هم من بادروا باستخدام الأسلحة منذ البداية، لكنهم بعد ذلك اتهموا الحكومة باستخدامها ضدهم".

وأضاف الجنرال قائلاً إنَّ "معارضي الحكومة المسلحين استهدفوا المجتمع السوري المتحد. والأجهزة الأمنية هي المسؤولة عن الحفاظ على هذه الوحدة، وبالتالي صارت هذه الأجهزة هي أهدافهم الجديدة".

لكنه أضاف بعد ذلك: "هذا لا يعني أن هذه الأجهزة لم ترتكب أية أخطاء. خلال مسيرتي الطويلة لا أتذكر أنني قد أهنت أي شخص لغرض إهانته. لكن ربما أكون قد أسأت فهم بعض أفعالي التي قمت بها... فقد قضيت 40 سنة في مجال الأمن".

بعد ذلك توقفنا فترة طويلة عن الحديث، ثم طرحت السؤال البديهي على هذا الضابط المرعب: "هل أنت رجل قاسٍ؟"، فأجابني قائلاً بحدةٍ وقليلٍ من الغموض: "أنا رجلٌ قاسٍ في تعاملي مع القضايا التي تتعلق بأمور بلدي. لكن في علاقاتي بالناس لست قاسياً، والناس يحبونني". طبقاً له، هو رجل صريح. وسبب هذا هو ما حدث عام 2009 حين دخل أحد الحكماء مكتبه عندما أصبح مديراً للمخابرات الجوية السورية، وقال له أن يحرص على عدم حبس أي رجل بريء.

نصيحة حكيم



بدأ حينها في رواية قصة من تاريخه تتعلق بنصيحة هذا الرجل الحكيم، وقال إنَّه "في ذلك الوقت لم أُولِ اهتماماً كبيراً لنصيحة هذا الرجل، حتى اكتشفت بعض جرائم الفساد في أحد السجون التي كنت مسؤولًا عنها... فأجريت تحقيقاً موسعاً، وقمت بفصل العديد من حراس السجن، وطلبت من القيادة القبض على العديد من الضباط. لكني طلبت أن أكون أنا أيضاً على رأس قائمة الضباط الذين يجب معاقبتهم".

وأكمل قصته قائلاً: "أخبروني بعد ذلك بأن القائد بشار الأسد قد تعجَّب من هذا الطلب، لكنه تجاوز عن الأمر وقرَّر منحي فرصةً أخرى، لأنه كان يعرف أنني رجل مستقيم ونزيه. وقال الأسد حينها إنَّ كل البشر يخطئون، وقال للحاضرين إنَّه سيعطيني فرصةً أخرى، وسيعاقب الضباط الذين قاموا بهذه الأفعال، وذلك لأنني لم أشارك في هذا الفساد. وبعد هذا اليوم، كنت أتقصَّى يومياً ما يحدث في السجون".

كانت هذه الحادثة مهمة جداً في حياة الجنرال، لكنه لم يفسِّرها بشكلٍ كامل. وتابع الجنرال حديثه قائلاً إنه كان يأمر رجاله "بعدم قتل الإرهابيين والقبض عليهم أحياء؛ لأننا نحتاج إلى المعلومات التي لديهم، ونحتاج إلى معرفة ما يدور في عقولهم". كما أنه كان يأمر رجاله بجلب جثث المقاتلين الأجانب إلى دمشق لفحصها" من أجل التعرف على جنسياتهم ومعرفة المزيد من التفاصيل عنهم.

وروى حسن قصة أحد سجنائه "الطاجيكيين"، الذي وُجد طفله، ذو الستة أعوام، وهو يحمل سلاحاً. يقول: "طلبت من أحد موظفيَّ أن يأخذ الصبي إلى بيته ويقوم بتربيته، وصرفت راتباً شهرياً للموظف ولزوجته التي أصبحت بمثابة زوجة أب لهذا الطفل. بعد 6 أشهر أصبح هذا الطفل إنساناً آخر".

وصلنا عند هذه النقطة إلى لحظة لا يجب أن تُفوَّت في هذه المقابلة. كنت قد أجريت مقابلات مع سجناء الجنرال الأجانب في سجن المزة العسكري بدمشق مرتين.. فسألته: "هل باستطاعتك أن تعطيني وعداً بأن لا أحد من هؤلاء السجناء سيتم إعدامه؟".

فأجاب: "لن نقوم بإعدامهم". ثم أضاف: "سنبذل قصارى جهدنا؛ سأطالب بألَّا يتم إعدامهم. لكن القول الفصل يعود للمحاكم العسكرية والمدنية التي ستبتُّ في قضاياهم".

بعد حديث الجنرال، أشك الآن إذا كان القضاء السوري، مهما ادَّعي بأنه مستقل في عمله، سيرفض رسالة تزكية يرسلها رجل مثل جميل حسن. ولكن يجب أن أقرَّ بأن الجنرال هو رجل قادر على أن يفي بوعوده. وكما يقولون، سنوافيكم بالتفاصيل.

 مترجم عن صحيفة The Independent البريطانية
للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.