الاثنين، 29 فبراير 2016

تجفيف النيل وتعطيش مصر

 تجفيف النيل وتعطيش مصر

عامر عبد المنعم


لأول مرة في التاريخ، منذ بداية الحضارة المصرية القديمة، يجد المصريون أنفسهم أمام خطر العطش الذي لم يتوقعوه من قبل، فالنيل محور الأمن القومي المصري مهدد بالتجفيف، بسبب السد الذي تبنيه أثيوبيا، وينتظر المصريون خطرا يهدد حاضرهم ومستقبل الأجيال القادمة، فالماء هو مصدر الحياة، وترتبط الحضارة المصرية منذ ظهور مصر على اليابسة بالنهر الذي سعت الحكومات منذ أيام الفراعنة إلى تأمينه وإبعاد أي عدو يقترب منه، وكان الحكم المصري يمتد إلى منابع النيل، بما فيها الأراضي التي يبنى عليها سد النهضة حاليا، والتي أخذها الاستعمار البريطاني وضمها إلى الحبشة مع أراضي عربية وإسلامية أخرى، لتشكيل الدولة الأثيوبية بحدودها السياسية الحالية. 
موضوع سد النهضة ليس مجرد رغبة أثيوبية في بناء سد خاص بها لتوليد الطاقة، وإنما هو بداية لنوع جديد من السيطرة الغربية على الأنهار والسدود ووضع اليد على مصادر المياه في دول العالم الثالث، للتحكم في حياة الأمم والشعوب، فالشركات الأمريكية والأوربية تسعى لامتلاك السدود وخصخصة مياه الشرب والري، بمساندة المؤسسات الدولية كالبنك الدولي وصناديق الإقراض الدولية التي تعمل على نقل ملكية المشروعات المائية من الدول إلى الشركات عابرة الجنسيات والوكلاء الذين تم تجهيزهم لهذه المهمة.
بسبب الرغبة الجامحة من  الرأسمالية الجشعة فإن الاستثمارات الأجنبية الغربية التي تسيطر على ثروات العالم الثالث مثل النفط والغاز والمواد الخام وغيرها، تريد تحويل المياه من حق إنساني إلى سلعة، لجني الأرباح وحصد المزيد من الأموال، وسيعرض الماء الذي هو هبة الله للبشرية في البورصة، مثله مثل أي منتج يكسبون من ورائه المليارات ويمتصون دماء الشعوب المستضعفة. 
بالنسبة لنهر النيل خصوصا فإن هذه الرغبة الغربية تلتقي مع أطماع المخططين الصهاينة لإجبار مصر على مد الكيان الإسرائيلي بحصة من المياه، وهو ما اتفق الإسرائيليون عليه مع الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، من خلال ماعرف بترعة السلام، والذي تعثر ولم يكتمل بسبب الرفض الشعبي المصري للفكرة من أساسها، ولم يكن الجانب الإسرائيلي يملك أوراق الضغط الكافية لتمريره وإجبار الجانب المصري على التنفيذ.

السيطرة على منابع النيل
لأهمية النيل لمصر أرسل محمد علي الجيش المصري إلى منابع النهر، وقام بتوسيع حدود الدولة المصرية جنوبا، لضمان تأمين تدفق المياه في الوادي، فضم السودان وأجزاء من أثيوبيا، ثم جاء الخديوي إسماعيل وأوصل النفوذ المصري إلى أبعد من ذلك، وقام بالمزيد من التوسع حتى أعالي النيل، فوصل إلى أوغندا، وأسس ما عرف بمديرية خط الاستواء، وتوسع شرقا فمد سلطة الدولة المصرية إلى مدخل البحر الأحمر، وضم الصومال وسيطر على القرن الإفريقي، ليضمن أمن الملاحة إلى ما بعد مضيق باب المندب، وظلت الرقعة الجغرافية التي يجري فيها النيل خاضعة للحكم المصري حتى احتلال الانجليز لمصر في عام 1882 الذين عملوا من يومها على طرد مصر من منابع النيل ومن مدخل البحر الأحمر، واستمر الحال حتى اتفاقية سايكس بيكو التي رسمت الحدود بشكلها الحالي الذي أفقد مصر الكثير من ممتلكاتها ومجالها الحيوي.
كان خطأ الخديوي إسماعيل الاعتماد على الأجانب الذين أنهوا حكمه بعد ذلك، لقد أسند قيادة الحملة العسكرية المصرية للتوسع في منابع النيل للانجليزي السير صمويل بيكر الذي قاد الجنود المصريين للوصول إلى أوغندا، ثم نقل بيكر ما لديه من معلومات لبريطانيا التي استفادت منها بعد ذلك في توسعها الاستعماري في شرق ووسط القارة الأفريقية وطرد مصر من هذه المنطقة.

الاستعمار الانجليزي وتقوية أثيوبيا
لعبت بريطانيا منذ البداية على تقوية أثيوبيا كدولة مسيحية في القرن الإفريقي لتخدم السياسة الغربية، فضمت إلى الحكم المسيحي الذي كان قاصرا على ولايتي التيجراي وأمهرا أراضي المسلمين العفر والاورومو والصوماليين، وأراضي قبائل بني شنقول العربية التي يبنى عليها سد النهضة، لتقوية أثيوبيا كنقطة ارتكاز للغرب في القارة الأفريقية وتمكينها من التحكم في مياه النيل وتهديد مصر على النحو الذي نراه.
من المعروف أن أراضي الحبشة التاريخية تقع في الهضبة بالشمال المسيحي، لكن معظم أثيوبيا بحدودها السياسية الحالية أراض إسلامية، ضمها الاستعمار بالقوة، لمنع المسلمين من حكم أنفسهم، ولبناء حزام يمنع تمدد الإسلام إلى أفريقيا.
تعد أثيوبيا ثالث دولة في أفريقيا بها مسلمون بعد نيجيريا ومصر؛
إذ يقترب إجمالي السكان في الدولة الأثيوبية من 100 مليون نسمة. وبعيدا عن الإحصاءات الرسمية فإن ثلثي المواطنين في أثيوبيا مسلمون وعمل البريطانيون ثم الأمريكيون من بعدهم على تمكين الأقلية المسيحية ودعمها لفرض سلطتها على أراضي المسلمين بالقوة، وليس الاقتصار على حكم هضبة الشمال.
وقد تعرض المسلمون لعمليات تطهير وتهجير واسعة لإضعافهم، ومازالت عمليات الاضطهاد مستمرة، حيث يمنع الحكم الأثيوبي أي نشاط سياسي للمسلمين ويطارد المثقفين والشباب المتعلم بالقتل والسجن والنفي، ولذلك يعيش الكثير من مسلمي أثيوبيا كلاجئين في دول الجوار وفي الخارج.
وتشهد أثيوبيا حاليا مظاهرات متواصلة لمسلمي الأورومو احتجاجا على العنصرية التي تمارسها الأقلية الحاكمة التي تنتمي إلى عرق التيجراي الذي لا يزيد عن 7% من السكان.
وتأتي الاحتجاجات الأخيرة لاستمرار سياسة تفتيت وتمزيق أراضي المسلمين، حيث تهدف خطة الحكومة الإثيوبية بتوسيع العاصمة أديس أبابا التي تقع في إقليم أورومو إلى الاستيلاء على أراضي الفلاحين المسلمين وقطع الامتداد الجغرافي لأراضي الأورومو من الشرق والجنوب إلى الغرب.

التداعيات والنتائج
استغل الأثيوبيون ومن يقف ورائهم من دوائر سياسية وشركات ومؤسسات تمويل حالة الاضطراب في مصر لتنفيذ السد، ولكن تسبب اللقاء الشهير للرئيس محمد مرسي وقادة الأحزاب المصرية عن سد النهضة والذي تم بثه تلفزيونيا على الهواء، في إثارة الرعب لدى الأثيوبيين وخوف الممولين للمشروع، ويومها طالب بعض السياسيين المصريين الحاضرين في اللقاء بضرب السد، مما أحدث ارتباكا كاد أن يوقف المشروع، وهنا تحركت الدوائر الغربية وطلبت موافقة مصر وتوقيع عبد الفتاح السيسي لتأمين أموالهم وللاستمرار باطمئنان في التنفيذ، فحصلوا على ما طلبوه، وأكملوا المشروع.
ينتظر الشعب المصري أياما صعبة هي الأولى من نوعها على مدار تاريخهم، وإن لم يحدث تغيرا في الموقف المصري، كأن يرفض البرلمان المصري ويقرر سحب الموافقة التي تمت، أو يحدث تغيير جدي في موقف السلطة وقلب الطاولة على ما تم فإن مصر مقبلة على العطش والجفاف، وستخضع الدولة المصرية لابتزاز وعمليات إذلال غير مسبوقة وستجد نفسها فريسة للإسرائيليين الذين سيكون لهم الكلمة العليا في شريان الحياة الذي تعيش عليه مصر.
ليس أمام المصريين أي بدائل أخرى للنيل.وحتى البديل الساخر الذي طرحه عبد الفتاح السيسي عن التنقية الثلاثية لمياه الصرف الصحي غير منطقي؛ فتوفير 10 مليون متر مكعب من المياه يوميا للشرب والزراعة، مستحيل وغير قابل للتحقق رغم عدم تقبله ومنافاته للعقل والمنطق؛ لأن جفاف النيل يعني اختفاء مياه الصرف الصحي بالتبعية، أي لن يكون هناك صرف صحي أصلا كي يعاد تكريره وتنقيته!
 ربما يأتي التلويح بإجبار الشعب المصري على شرب مياه الصرف الصحي في إطار إثارة فزع المصريين، لتقبل الهيمنة الإسرائيلية على نهر النيل والتهيئة لتقبل الشعب المصري لفكرة توصيل المياه للكيان الصهيوني بل وتقديمها على أنها مطلبا شعبيا لإنقاذ المصريين، وإن تم لهذا التخطيط أن ينجح ستكون مصر السلطة والشعب والأرض في قبضة الصهاينة، وقل على مصر السلام.

ابحثوا عن "شرعية" في سلخانة العقرب

ابحثوا عن "شرعية" في سلخانة العقرب
وائل قنديل


هل أتاك حديث الصامدين تحت التعذيب، في سلسلة سلخانات النظام العسكري المصري، العقرب والمزرعة ووادي النطرون وبرج العرب، المسماة سجوناً؟ هل فكّرت قليلاً في أسباب ودوافع صمود هؤلاء وبسالتهم؟
قبل أن نمارس رفاهية التنظير في موضوع الشرعية والثورية، حريٌّ بالجميع أن يسألوا أنفسهم: لماذا هؤلاء البواسل هناك حتى الآن، وكان بمقدورهم ألا يكونوا هناك، لو أنهم استسلموا لديكتاتورية الأمر الواقع، ونزلوا عند إرادة سجانيهم وجلاديهم، وتنازلوا عن المبدأ والعقيدة؟
لماذا لم نسمع أن أحدهم رضخ لمنطق التفاهمات والصفقات، كي ينجو بنفسه من الجحيم، ويخرج، يمارس معارضةً مرتفعة السقف، لا أشك في أن النظام سيكون سعيداً بها، كونها تمنحه اعترافاً بشرعيته؟
ينقل ذوو المعذبين في العقرب، وغيره من معسكرات الأسر والتعذيب، عن المعذبين، أن شعارهم الوحيد هو "نموت على مات عليه الشهداء".
هذا هو مفهوم الشرعية لدى "أهل العقرب وطره" الذين لم نعرف أنهم وكّلوا أحداً للتفاوض باسمهم، أو المساومة على خروجهم، وقد كانوا يستطيعون.
يدور كلام كثير، هذه الأيام، حول فكرة الفصل بين الشرعية والثورة، بمنطق التنازل عن شرعية الرئيس محمد مرسي، كي تتقدم الثورة، أو بالحد الأدنى صياغة مفهوم آخر للشرعية، يتجاوز عودة الرئيس الأسير، من خلال اشتقاق معادلاتٍ جديدة، من نوعية "تحرير الشرعية من الشخص"، بغية الانطلاق بها وبالثورة إلى نطاق أرحب وأشمل.
ومع كل الاحترام والتقدير لأصحاب هذا المنطق، ومن دون الطعن والتشكيك في المقاصد والطوايا، يبدو الأمر تحليقا في سماء الميتافيزيقا الثورية، قفزاً على وقائع ملموسة ناطقة، على نحو مغرقٍ في المثالية، بما يتجاوز مثالية أفلاطون نفسها، مع ملاحظة أن "المثالية"، هنا، لا يقصد بها أحكام قيمية أو أخلاقية، وإنما بمعناها الفلسفي البحت.
وظني أنه، كما لا يوجد انتصار من دون منتصرين، ولا هزيمة بلا مهزومين، ولا جريمة بلا مجرمين، ولا رسالة بغير رسل، كذلك لا توجد شرعية من دون أشخاص شرعيين. 
أفلاطون نفسه، بوصفه مؤسس المثالية، لم يذهب إلى إمكانية سلخ الأفكار والمفاهيم عن تجسدها وتحققها الواقعي، على نحو كامل، حيث ذهب إلى أن هناك ثلاث أدوات لابد من توفرها لمعرفة أي شيء، أولاها الاسم، وثانيتها التعريف، وثالثتها التمثّل.
وبهذا القياس، "تمثّلت" الشرعية الثورية (كمفهوم أو مبدأ أو فكرة) في شخص أو تجربة حكم اسمها محمد مرسي.
بجلاء أكثر، ونقاءٍ أوضح، يذهب قائد حركة التنوير في ألمانيا وأوروبا، الفيلسوف إيمانويل كانط، وهو يبحث في "أنطولوجيا الوجود" إلى أن الفكرة هي المبدأ العقلي الذي يؤسس وجود الأشياء. لكن، ليس لها وجود مستقل عن الأشياء، كما هو الحال عند أفلاطون، بل إنها يجب أن تترابط مع الإدراكات، لكي تكون لها واقعية موضوعية.
وبذلك، لا يمكن الحديث عن ديكتاتورية، وجوداً وعدماً، بغير ديكتاتور، ولا عن شرعية حكم مستعادة، بغير حاكم شرعي، ولا عن نضال وصمود وكفاح من أجل الحق، كمبدأ، من دون الإنصات إلى المناضلين الصامدين المكافحين تحت التعذيب في سجون السلطة الحرام.  
ويبقى التسليم بإمكانية استعادة شرعية، بغير رئيس شرعي، مثل التسليم باستمرار الانقلاب، مع إزاحة عبد الفتاح السيسي.    
وليس معنى أن الرئيس مرسي وفريقه في الحكم ارتكبوا أخطاء في الأداء والإدارة ساعدت الذين ارتكبوا جريمة الانقلاب عليه، أن نسقط من حساباتنا أنهم أصحاب شرعية مستحقة، بموجب عمليةٍ سياسيةٍ سليمة، ارتضى بشروطها الجميع.
والأصح والأجدر أن نكون مع الحق، حتى لو كان في جانب الذين لا يعجبوننا، ولو كان أحمد شفيق قد جاء إلى الحكم، فائزا على محمد مرسي، ووقع انقلاب عليه، لكنت من المدافعين عن شرعيته.
فلننتصر للمبدأ، ونتمثله، كي لا ينقلب أي سيسي على أي مرسي. وليس معنى أن حجم الحراك الحالي أقل من أن يؤدي إلى دحر الانقلاب أن ننسف الأسس الأخلاقية والقيمية والحضارية لهذا الحراك، ونستبدلها بأخرى.
فلننصت إلى الأنين الصامد، المنبعث من المعذبين داخل سجون العقرب وطره وغيرهما، ونتعلم منه معنى الاستمساك بالثورة وشرعيتها، كما نتعلم من بلاغة الحجر الفلسطيني في مواجهة القوة الجبارة لواقع الاحتلال الصهيوني.


جولة في مقبرة العقرب: أشد السجون المصرية تنكيلًا بالمعتقلين







السادية المغلفة بالشعارات الدينية

السادية المغلفة بالشعارات الدينية

د. محمد عياش الكبيسي


السادية كلمة أجنبية يطلقونها على الشخصية التي تجد متعتها وسعادتها بتعذيب الآخرين، وقد اجتهدت أن أعثر على ما يرادفها في العربية فلم أفلح، وهذا مؤشر على أن العرب لم يكونوا قد عرفوا مثل هذا السلوك.
لا أتكلم اليوم عن سادية الطيار الروسي الذي يتبختر فوق أشلاء الأطفال السوريين، فربما كانت هزيمة الروس في أفغانستان كافية لتفسير مثل هذا الشذوذ
ولا أتكلم عن الفرس الذين يستمتعون بإهانة العرب وإذلالهم وتدمير حواضرهم والنيل من رموزهم، فهذا لا يحتاج إلى تفسير
ولا أتكلم عن بعض الأوباش الذين أصبحوا ذيولا للفرس وأعوانا لهم ضد أهلهم وأبناء عمومتهم على أمل أن يتمكن الفرس من إنصافهم والأخذ بثاراتهم!
لا أتكلم حتى عن مثل حالة الطيار الكساسبة الذي مارست داعش بحقه أبشع أنواع التوحش، فلربما يقول قائل: إن الكساسبة بالنسبة لهم عدو وقاتل، فقتله وارد وإن اختلفنا في طريقة القتل!
أتكلم عن حالة أخرى لم تحظ بتسليط الضوء، عشرات الآلاف من العوائل الذين ليس لهم شأن بالقتال ولا بالسياسة، محاصرون اليوم في مدينة الفلوجة وهيت وكبيسة والرطبة، وهم يتعرضون لقصف جوي من طائرات التحالف ومن طائرات الجيش العراقي التابع لحكومة العبادي.
هذه المدن تخضع لحد كتابة هذه الأسطر لسلطة (الدولة الإسلامية)، وبما أن القوة البرية التي أخذت على عاتقها استعادة هذه المدن من الدولة أغلبها من عشائر الأنبار فقد أبدت حرصا واضحا ومؤكداً على سلامة هذه العوائل، وفتحت لهم منافذ في كل مدينة لتسهيل الخروج، إلا أن دولة (الخلافة) تمنع ذلك منعا قاطعا، وتعاقب أي سائق أجرة يشتبه بمساعدته في (تهريب) أي عائلة، وقد تصل عقوبته إلى الإعدام!
تتناقل وسائل الإعلام صورا للأطفال والنساء وهم جرحى أو أشلاء متناثرة، بعد كل قصف جوي تتعرض له هذه المدن، وهو عمل مدان بكل المقاييس، بيد أن الإدانة ينبغي أن تشمل أولا أولئك الذين يجبرون هؤلاء الضحايا على البقاء تحت النار كدروع بشرية وهم يدعون أنما جاءوا لحمايتهم والدفاع عنهم، ثم يستخدمونهم كدعاية إعلامية لجلب المزيد من المغرر بهم لهذا الأتون الكبير الذي أعد ليحرق المدن السنية بأكملها بما فيها من شيوخ ونساء وأطفال.
لقد كان الجيش العراقي أيام الحرب مع إيران يقوم بإخلاء كل المدن الحدودية التي يحتمل أن تتعرض للقصف، وهذا أمر معروف في كل جيوش العالم، إلا في (دولتنا الإسلامية) التي ترى (الشهادة) مكرمة للصغار والكبار والنساء والرجال، لا يهرب منها إلا (مرتد) أو (منافق)!
لم تكتف داعش بهذه المكرمة بل كثفت خلال الأيام الماضية من قصفها العشوائي على المجمع السكني لعامرية الفلوجة، وكلهم مدنيون، وبعضهم من العوائل الفلوجية التي تمكنت من النزوح المبكر، ناهيك عن التلذذ اليومي بإقامة (الحدود) و (التعازير) على المدخنين وحالقي اللحى وكاشفات الوجوه في مثل هذه الظروف!
إن إعلان براءة الدين من هذه السادية المتوحشة بات ضرورة للحفاظ على الدين نفسه، وحماية الشباب من مزالق الانحراف والردة، أما السكوت بذريعة أن هؤلاء يشكلون توازنا ما مقابل سادية المليشيات الشيعية، فهذا لا يقوله من يعرف معاناة السنة من هؤلاء وهؤلاء على السواء.        

جو تيوب - انجازات الوهم ياغبي ياابن الغبي - جديد جو تيوب



Joe Tub

 انجازات الوهم ياغبي ياابن الغبي - جديد جو تيوب 



برنامج فتنة .. مو وقته ياحلو ... 202 #مو_وقته_ياحلو

  برنامج فتنة  

.. مو وقته ياحلو ... 202 #مو_وقته_ياحلو


هذه الحلقة ترد على كل من يتحججون بالتوقيت للهروب من الاصلاح والتغيير ... ويبقى السؤال متى وقته ؟

البرنامج من تقديم : عمر بن عبدالعزيز الزهراني تويتر https://twitter.com/oamaz7

الدولة العثمانية وافتراءات المناهج والثقافة العربية

الدولة العثمانية وافتراءات المناهج والثقافة العربية


الكاتب:محمد عبد العظيم
تركيا بوست
إن من أهم أركان المؤامرة الكبرى التي يديرها أعداء الإسلام لتدمير ثوابته، هو في تشويه فكرة الخلافة بشكل عام والخلافة العثمانية بشكل خاص في أذهان المسلمين، فنجدهم يُظهرون خلفاء الدولة العثمانية فى مسلسلاتهم وأفلامهم بأبشع الصور  في الوقت الذي يمجدون فيه المجرمين ويصورونهم  أبطالا  كموسوليني وهتلر ونابليون ومحمد علي وجمال عبدالناصر،  وتارة يصفونها في المناهج والكتب العربية التي تدرّس لأبناء المسلمين بالغزو  والاحتلال العثماني، وتارة أخرى يظهرون العثمانيين عنصريين يفضّلون الجنس العثماني التركي  على  الجنس العربي. 
 وعلى الرغم من أن خطة  المؤامرة والتشويه قد طالت التاريخ الإسلامي كله منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم  مرورا بالخلفاء الراشدين والخلافة الأموية والعباسية ودول الإسلام المستقلة، إلا أن أكبر فترة تاريخية تم تشويهها عن عمد هي فترة حكم الخلافة العثمانية.                                               
وذلك لعدة أسباب:
أولها
أن الخلافة العثمانية آخر خلافة للمسلمين وأقربها لعقولهم،  فلم يمض على سقوطها حتى اليوم سوى 91 سنة،  وبالتالي فتشويهها يهدم فكرة الخلافة بشكل عام فى نفوس وعقول  المسلمين ويجعلهم غير راغبين فى عودتها مرة أخرى، ويقضي مسبقا على أية رغبة في عودة الوحدة للعالم الإسلامي من جديد.

ثانيا
الخلافة العثمانية تمثل أطول فترة خلافة فى تاريخ الإسلام  وأعظمها، وبهذا ستظل كل الحكومات العربية والإسلامية في موضع المقارنة مع حكم الخلافة العثمانية، لذلك لا حل أمام هذه الحكومات غير تشويه الخلافة العثمانية.
ثالثا                                         
الضغينة والكراهية الشديدة التي تحملها أوروبا تجاه الدولة العثمانية التي تذكّرهم بتاريخهم القذر وماضيهم السيء.

كل هذا وغيره جعل الخلافة العثمانية وسلاطينها في مرمى سهام أعداء الإسلام فسخّروا وسائلهم وفي مقدمتها ماكينتهم الإعلامية لتشويه الخلافة في أذهان الناس وتحويلها من عامل أساسي لعزة المسلمين إلى سبب للتخلّف والرجعية.
وللأسف الشديد ونظرا لضعف الثقافة وعدم معرفة غالبية المسلمين لتاريخ أجدادهم العثمانيين، نجح هؤلاء المجرمون في تحقيق مآربهم وتشويه صورة الخلافة في أذهان شريحة كبيرة من المسلمين  حتى أصبحت المناهج الدراسية والكتب الثقافية العربية تتحدث عن الفتح العثماني وكأنه غزو واحتلال. 
ما الذي قدّمه العثمانيون أثناء حكمهم
وأمام هذه الهجمة الشرسة والحملة القذرة كان لزاما أن نوضّح ولو في سطور قليلة  بعضا مما قدّمه العثمانيون للمسلمين بل وللعالم بأسره، ليعلم الناس كمّ الافتراءات والأكاذيب التي أُلصقت بهذه الدولة العظيمة.

أولا: 
فتح العثمانيون الكثير من دول العالم، وأسلم على أيديهم مئات الآلاف في الشرق والغرب وضمّت إمبرطوريتهم المسلمة ثلاثاً من قارات العالم هي آسيا وأفريقيا وأوروبا.

ثانيا: 
فتح الله على أيديهم مدينة القسطنطينية التي بشّر النبي صلى الله عليه وسلم بفتحها وأثنى على من سيفتحها، وقد حاول الكثير من الصحابة فتحها منذ عهد عثمان بن عفان ولم تنجح محاولاتهم، حتى جاء العثمانيون وفتحوها وحولوها من مركز الهجمات النصرانية على الإسلام إلى مقر الخلافة الذي تنطلق منه الجيوش لتنشر الإسلام في العالم بأسره، بل وغيّروا اسمها إلى إستانبول اي ”دار الإسلام”.

ثالثا: 
سحق وتدمير الإمبراطورية الصفوية الشيعية المجرمة التي تحالفت مع أعداء الإسلام للقضاء عليه وسعت لاقتلاع الإسلام من جذوره، وانتصروا عليها في معركة جالديران  عام 1514 ودخلوا تبريز عاصمة الصفويين.

رابعا: 
إنقاذ أكثر من سبعين ألفا من مسلمي الأندلس ”المورسيكيون”  وتخليصهم من محاكم التفتيش البشعة التي أقامها النصارى لهم.

خامسا: 
بثّوا الرعب في نفوس أوروبا كلها من شرقها لغربها وسيطروا على البحر الأحمر والأسود والمتوسط والخليج العربي وسيطروا على بلغراد والمجر ورودس وبلاد القرم حتى وصلوا إلى أسوار فيينا، بل وصلت البحرية الإسلامية بقيادة القائد البطل خير الدين بربروسا إلى أعظم قوة بحرية في العالم.
سادسا: 
كان أعداء الإسلام يضعون ألف حساب قبل أن يتجرئوا ويهاجموا أي بقعة من بقاع الإسلام حتى وإن كانت خارج سيطرة العثمانيين، لأنهم يدركون جيدا أن العثمانيين لا يدافعون عن أملاكهم الشخصية بل يدافعون عن كل شبر من أرض الإسلام.

سابعا:
وقف العثمانيون كحائط صد في وجه المحاولات الصليبية والصهيونية للسيطرة على مقدسات المسلمين حتى في فترات الضعف، وما فعله السلطان عبد الحميد الثاني أكبر شاهد على ذلك، عندما رفض التنازل عن فلسطين ومقولته الشهيرة
”والله لعمل المبضع في جسدي أهون علي من أن أرى فلسطين وقد بُترت من أرض الخلافة”.

أضف إلى كل ماسبق: 
ما قدّمه العثمانيون في الحضارة والثقافة والعلوم المختلفة.

وكل هذا بالطبع لا يعني أن العثمانيين ملائكة لم يخطئوا، فهم بشر يصيبون ويخطئون ولكن أليس دخول ألف فرد فقط على أيديهم للإسلام كفيل بأن يجبّ أخطاءهم ويعفو بسببها الله عن زلاتهم،  ناهيكم عن كل ما قدموه من فتح وجهاد ودخول مئات الألآف في الإسلام 
واخيرا
أجيبوني بالله عليكم 
هل رأت الأمة يوم عزّ منذ سقوط الخلافة العثمانية على يد مصطفى كمال أتاتورك سنة 1924؟

رحم الله آل عثمان وتقبل جهادهم..
المصدر:تركيا بوست

ائتلاف الصحب والآل: إيران لها مخطط قوي لتشييع الدول العربية

ائتلاف الصحب والآل: إيران لها مخطط قوي لتشييع الدول العربية


حوار/إسلام كمال الدين
أكد علاء السعيد الأمين العام لائتلاف الصحب والآل, والمتخصص في الشأن الإيراني والشيعة, أن إيران لها مخطط قوي لتشييع عدد من الدول العربية والإسلامية, وعلى رأسها مصر, وأن لها أطماع توسعية مثلها مثل إسرائيل، مؤكدا في حوار مع "مفكرة الإسلام" أن إيران دولة قائمة على الاحتلال والعنصرية ونهب الثروات.
 
وإلى نص الحوار
كيف نستطيع توصيف دولة إيران ودورها في المنطقة؟
إيران دولة توسعية محتلة مثلها مثل الكيان الصهيوني, والدول الاستعمارية الأخرى تقوم على احتلال الدول ونهب خيراتها مثل ما تفعل مع الأحواز وبلوشستان والجزر الإماراتية وغيرها، كما أن لها طموح لعمل الإمبراطورية الفارسية مثلما تطمح "إسرائيل" بأن يكون لها دولة من النيل للفرات, وبذلك يمكن أن نطلق عليها"إيرائيل", لأنها تشترك مع إسرائيل في نفس الصفات والأهداف.
 
وما هي أفضل الطرق لمواجهة المد الشيعي والتدخلات الإيرانية؟
لابد من توحد الدول العربية والإسلامية في مواجهة إيران، ويجب مواجهة إيران والمد الشيعي بمختلف الطرق السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية حسب ظروف كل دولة، وعلى سبيل المثال استطاعت عملية عاصفة الحزم التصدي للمد الإيراني في المنطقة, وجهود المملكة العربية السعودية متميزة في هذا المجال، كما أن هزيمتها في سوريا أثرت عليها بشكل كبير.
 
بالنسبة لمصر..كيف تقدر أعداد الشيعة فيها ؟
أعداد الشيعة في مصر لا تتجاوز بأي حال من الأحوال 2000 أو 3000 شخص, ودليل على قلة أعدادهم  فإنهم لم يستطيعوا حشد عدد كبير في مولد الحسين, مثلا, حين سمح لهم بالحشد وقتها في عام 2012 ولم يحشدوا سوى المئات.
 
وهل للشيعة تأثير يذكر في مصر؟
 ليس كل المتشيعين يعتنقون المذهب الشيعي, حيث يمكن تقسيمهم إلى : متشيعين سياسيين وهم الذين يطالبون بالتقارب مع إيران ويدعمون سياستها في المنطقة، وهناك متشيعين اقتصاديين وهم الذين يرتبطون بمصالح مادية مع إيران أو قيادات الشيعة ويروجون بطريقة أو بأخرى للمذهب الشيعي، وهناك التشيع العقدي أو المذهبي،وأغلب المتشيعين في مصر من الفئة الأولى أو الثانية ممن يهمهم مصالحهم فقط.
 
وهل يستهدفون أماكن بعينها  لإقامة تجمعات شيعية؟
صعيد مصر مستهدف بقوة من قِبل المد الشيعي، خصوصاً في محافظات «أسوان وقنا وسوهاج»، وبه العديد من القبليات المتباينة والمتنافسة فيما بينها، والمد الشيعي في الجنوب يعتمد على السرية التامة، وفقاً لمبدأ «التقية» الذي يمثل تسعة أعشار الدين عندهم، خوفاً من الدخول في مواجهة مع الأمن، ما يجعل إثبات ذلك صعباً.
 ولكن جنوب الصعيد بشكل عام يحتل مكانة إستراتيجية مهمة للشيعة، لأنه بوابة السودان، ومنابع النيل سواء الاستوائية منها أو الحبشية، كما أن السودان بحكم متاخمته لإريتريا وامتداده لمسافة طويلة على ساحل البحر الأحمر من السهل أن يسيطر ويتحكم بالاشتراك مع اليمن في حركة الملاحة في مضيق باب المندب، وبالتالي في حركة ملاحة البحر الأحمر، وإذا تمت سيطرة الشيعة على هذا المضيق مع سيطرتهم على مضيق هرمز، وجزء كبير من الخليج العربي، فيمكنهم بذلك أن يتحكموا في حركة التجارة العالمية بصورة كبيرة ومفزعة.
 
وكيف يحدث ذلك؟
هناك حملة منظمة وكبيرة لشراء قطع أراضٍ في عدد من المناطق مثل منطقتي الحسين والسيدة زينب، ومدينة 6 أكتوبر، وبدأ سكان المدينة  في الشكوى بعد أن أثار الأمر شكوكهم، لأن الأراضي تباع بأسعار عالية جداً وبمساحات كبيرة من خلال وسطاء مصريين، وذلك  من أجل إقامة حوزات وحسينيات لهم في مدينة 6 أكتوبر لتصبح بمرور الوقت مدينة الشيعة في مصر.
 
وهل هناك خلافات بين الشيعة في مصر؟
بالطبع, الشيعة في مصر منشقون على أنفسهم، ويسبون بعضهم البعض، وهناك أيضا قضايا مرفوعة فيما بينهم، فعلى سبيل المثال: انشق وليد عبيد، وهو فنان تشكيلى، عن أحمد راسم النفيس، بسبب طبيعة الحزب، وتحديداً بعد أن أعلن راسم النفيس عن أنه حزب شيعى تماماً، وهو التوصيف الذي رفضه عبيد، فقرر الانفصال بالتوكيلات التي جمعها لتأسيس الحزب، فما كان من النفيس إلا أن قام بسرقة التوكيلات وهناك قضايا متبادلة الآن بين الطرفين، وتوجد انشقاقات أخرى تحت اسم التيار الشيعي للشباب المصري، وهو تيار منشق عن التيار القديم، والمنتمون إليه يخالفون كل رموز الشيعة ومذاهبهم وعلى رأسهم أحمد راسم النفيس والطاهر الهاشمى وأحمد الدرينى، وأسباب هذا الانشقاق سياسية وليست دينية.
 
 وما هي أبعاد المخطط الإيراني لتشييع مصر؟
هناك مخطط كبير لنشر التشيع في مصر وبالطبع في دول عربية وإسلامية، وذلك بطريقتين؛ تشيع سياسي، وتشيع ديني. والأول أخطر من الثاني، لأنه البوابة الخفية للتشيع الديني، ويقوده عدد من الرموز السياسية وهم يرون في إيران دولة صديقة، لا بد لمصر من عقد اتفاقات سياسية واقتصادية واجتماعية معها على أعلى مستوى، لأن بلدنا من دونها ستعانى مخاطر كبيرة يمكن أن تقودها إلى حافة الهاوية، وهذا التشيع السياسي يقود الرأي العام بطريقة مباشرة إلى التغلغل في عقيدة هذا الشريك والالتفات إليها بطريقة ما.
 
 وهل تحاول إيران الإضرار بالأمن القومي العربي والمصري؟
بالفعل إيران تطلب معلومات معينة تتعلق بالأمن القومي العربي والمصري من زوارها ، وهذا يحدث بطريقتين؛ إما من خلال مكتب القائم بالأعمال الإيراني في مصر، الذي يوجه بعض الأشخاص المتعاونين معه في مصر لجس نبض الشارع المصري من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية طوال الوقت وكتابة تقارير عنها، وإما من خلال مجموعة الإعلاميين والصحفيين، يعرفون منهم ما يريدون من معلومات في لقاءات خاصة، تأتى في إطار ودي متبادل وزيارات غير رسمية.

خارطة الدم.. هل بدأ العم سام في تقسيم أرض الإسلام؟


خارطة الدم.. هل بدأ العم سام في تقسيم أرض الإسلام؟






العنوان: خارطة الدم (هل بدأ العم سام في تقسيم أرض الإسلام؟)


المؤلف: د.وليد بن عبدالله الهويريني


نبذة عن الكتاب: مع انطلاق صافرة قطار الثورات العربية ليجوب عدداً من البلدان، ومع ما تبعها من تحولات سياسية وحروب عسكرية، باتت الأحداث تتسارع في كل بلد بشكل مذهل يعجز معه المرء عن قراءة المشهد العام بتفاصيله، وأصبحت حالة السيولة السياسية والأمنية في المنطقة العربية سبباً لقراءات مختزلة لواقع بلدان ما بعد الثورة. وتأتي هذه الدراسة لتمسك بالخيوط التاريخية والثقافية لحالة الصراع الحضاري في ضوء حقبة الثورات العربية بين أمة إسلامية تسعى لاسترداد حريتها، وريادتها وأمة غربية مستعمِرة ترى في استرقاق الأمم السبيل الأوحد لبقاء حضارتها.


وينقسم الكتاب إلى ثلاثة فصول :
الأول : أرض الإسلام من الوحدة إلى التقسيم.
الثاني : مخطط التقسيم. . من التنظير ﻷرض الواقع.
الثالث : أهمية الوعي وسبل مقاومة مخطط التقسيم.
الورقة الأخيرة : أحلامنا الخالدة التي لن تموت

عرض وقراءة:بسام ناصر

يناقش الكتاب أسباب تداعيات الشرق الأوسط وخطط تقسيمه
بات متداولا في كتابات وتحليلات منشورة، توصيف الأحداث التي عصفت بالعالم العربي بعد الثورات العربية بأنها "إرهاصات بين يدي سايكس بيكو الثانية"، ما يعني أن خارطة العالم العربي مرشحة لإعادة ترسيم حدودها من جديد، على أنقاض سايكس بيكو الأولى، وفق تلك الرؤى. 

في هذا السياق، يرى الباحث السعودي، الدكتور وليد الهويريني، في كتابه "خارطة الدم.. هل بدأ العم سام في تقسيم أرض الإسلام؟" الصادر عن مركز "تكوين" سنة 2104، أن "مخطط التقسيم – الذي بدأ الغرب في حفره بعمق منذ غزو العراق عام 2003م – بدأ يتضح للعديد من الباحثين والمفكرين العرب والمسلمين بعد الثورة السورية واهتزاز النظام العربي الرسمي أكثر من أي وقت مضى".

استهل الهويريني مقدمة كتابه بتغريدة للكاتب والمحلل السياسي، ياسر الزعاترة جاء فيها "30 عاما وأنا أعايش السياسة العربية والإقليمية والدولية بشكل حثيث، لم أرَ المشهد أكثر تعقيدا وتركيبا وتناقضا مما هو عليه هذه الأيام".

عقب الهويريني عليها قائلا: "بهذه التغريدة لخص الباحث والمحلل الأستاذ الزعاترة انطباعه تجاه الأحداث، بعد تعثر الربيع العربي واندلاع حالة السيولة الأمنية والسياسية في العراق ومصر، وهذا الانطباع يلف أذهان الكثيرين من المحللين والمتابعين، وهذا مبناه على أننا نشهد اضطرابا في خارطة الدول العربية، ورحيلا لنظم سياسية لها ثقلها في المنطقة ولها توازناتها وتحالفاتها التي اختلت بزوالها أو تفككها".

ولأن المؤلف ينطلق في معالجته من أن الأحداث التي تجري في العالم العربي ما هي إلا إرهاصات بين يدي مشروع التقسيم، فقد أرجع "أسباب الغفلة عن مخطط التقسيم" إلى وجود ثلاثة اتجاهات حاولت استخدام ورقة "مخطط تقسيم العالم العربي" كأداة لتلميع صورتها وشيطنة خصومها، وهي:

- القوى التي تقود ما يسمى "بالثورة المضادة" في المنطقة العربية، وجميع من ينضوي تحت عباءتها من الإعلاميين والشرعيين والمثقفين ورجال الأعمال. 

- بقايا النخب القومية العلمانية، والتي ترى في الثورات - بدافع قومي صرف – مشروعا لتقسيم العالم العربي، وما يسمى بالنظام العربي الرسمي الذي نشأ عقب رحيل الاستعمار، ويعد على علاّته وأمراضه واستبداد قادته بحسب وجهة نظرهم المشروع الرافض لهيمنة الاستعمار الغربي.

- النخب الليبرالية المتطرفة التي فقدت مكانتها الإعلامية ومكاسبها المادية بعد انتصار الإسلاميين في الانتخابات. 

ووفقا لوجهة نظر المؤلف فإن "هذه الشرائح بتبنيها لمخطط التقسيم الذي ترغب في توظيفه لتبرير الأوضاع السائدة، أو التسويق لمشاريع غابرة فاشلة، قدمت أكبر مخدر لوعي الشعوب العربية، وبعض قيادات العمل الإسلامي، فمجرد انحياز هذه الاتجاهات للقائلين بأن للغرب تحركاته الفاعلة للسطو على مكتسبات الثورات، يتحول الناس بدافع نفسي للاتجاه المعاكس الذي يرى أن الغرب لا دور له في هذه الثورات، ولا يمكنه أن يؤثر على مسارها، وأن كل ما حدث جاء رغما عن أنف الغرب المتغطرس، وأن كل من يقول بهذا القول أو يتفق معه في بعض مساحاته فهو إما مأجور أو مأزوم بنظرية المؤامرة وقدرة الغرب الخارقة على التلاعب بالعالم كأحجار الشطرنج". 

إطلالة تاريخية على مخططات التقسيم

تتبع المؤلف جذور تقسيم المخططات الغربية للوطن العربي، فابتدأها بـ"وثيقة كامبل" (نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بانرمان)، الصادرة عن "المؤتمر الذي عُقد في لندن عام 1905م، لوضع تصور موحد للدول الاستعمارية من أجل اقتسام الغنائم بالعالم، بدعوة سرية من حزب المحافظين البريطانيين، وهدف هذا المؤتمر إلى إيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الدول الاستعمارية في ذاك الوقت وهي: بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا".

ثم أتبعها بذكر اتفاقية سايكس بيكو المشهورة في 16 أيار/ مايو 1916 بين بريطانيا وفرنسا، نتيجة محادثات سرية دارت بين ممثل بريطانيا (مارك سايكس)، وممثل فرنسا (جورج بيكون)، اللذين عرضا نتائج محادثاتهما السرية على روسيا القيصرية، فوافقت عليها في مقابل اتفاق تعترف فيه بريطانيا وفرنسا بحقها في ضم مناطق معينة من آسيا الصغرى بعد الحرب، وبموجب معاهدة سايكس بيكو قسمت بريطانيا وفرنسا المشرق العربي إلى خمس مناطق...

وفي معرض بيانه لتاريخية تقسيم العالم العربي، أشار المؤلف إلى إعلان أتاتورك عن إلغاء الخلافة العثمانية عام 1924م، وإعلانه عن قيام الدولة التركية الحديثة، "فكان الحدث إعلانا مروّعا لسقوط العالم الإسلامي بين براثن المستعمر الغربي، وتمزق الأمة بين دويلات ونظم تستمد أسباب بقائها ومشروعيتها من الاستعمار.. وأتى المؤلف على ذكر المشروع القومي الناصري الذي تعلقت به آمال الأمة ثم مُني بالفشل الذريع، والسقوط المريع بعد هزيمة حزيران 67.

وتحدث المؤلف إلى ما أسماه بـ"ميثاق غير مكتوب بين الغرب والنظم العربية الاستبدادية، تمثل في قيام تلك النظم بقمع الظاهرة الإسلامية بكل الوسائل والطرق الأمنية والسياسية والإعلامية في مقابل دعمها سياسيا وعسكريا وأمنيا، وبقدر ما حقق هذا الاستمتاع المتبادل المصالح الآنية للطرفين، بقدر ما أضرهما على المدى الاستراتيجي..".

مخطط التقسيم.. من التنظير لأرض الواقع

أعاد المؤلف التذكير بمشروع "الشرق الأوسط الجديد"، لافتا إلى أن "فكرة استحداث كيان شرق أوسطي كبديل عن العالم العربي والإسلامي ليمكن من خلاله إدماج وتطبيع دولة الصهاينة في المنطقة، ليست فكرة جديدة ظهرت بعد 2001م، فقد سبق طرح الفكرة من قبل الرئيس الصهيوني "شمعون بيريز" عام 1993م في كتابه "الشرق الأوسط الجديد"، حيث دعا فيه لفكرة شرق أوسط جديد قائم على التنمية والرفاه كما يزعم، وتُبنى فيه العلاقات بين الدول بناء تعاقديا قائما على المصالح المادية فحسب، وبهذا يمكن تحييد الهوية الدينية والثقافية من تعامل الدول العربية مع الصهاينة..".

وأشار المؤلف إلى أن "هذا المصطلح ظهر بشكل فاعل عندما تبناه الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بعد ضربات 11 سبتمبر، وكانت وزيرة خارجيته كونداليزا رايس المبشر الأشهر لمشروع الشرق الأوسط الكبير ومصطلح "الفوضى الخلاقة"، وقد أصبح لدى الإدارة الأمريكية يقين بأن نشر الديمقراطية على الطريقة الأمريكية هو الترياق المضاد للإرهاب، وأن العالم العربي يعيش أوضاعا شبيهة بدول أوروبا الشرقية، وبموجب هذه المقارنة فالحرب مع العالم الإسلامي ليست حربا عسكرية، بل حرب أفكار في المقام الأول، ونشر قيم الحرية..". 

في شباط/ فبراير 2004، قدم الرئيس بوش إلى مجموعة الثمانية مبادرة مشروع الشرق الأوسط الكبير، ففي مقدمة مبادرته حذر بوش "من اقتراب الشرق الأوسط من الانفجار بسبب التدهور الاقتصادي والاستبداد السياسي، وخطورة ذلك على الغرب ومصالحه في المنطقة، وتلخص الورقة إصلاح النواقص التي حددتها تقارير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية العربية عبر محاور ثلاثة: تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح، بناء مجتمع معرفي، توسيع الفرص الاقتصادية. وتقول ورقة المشروع ما نصه: "فالديمقراطية والحكم الصالح يشكلان الإطار الذي تتحقق فيه التنمية". 

ورأى الهويريني أن "من نافلة القول لمن خبر السياسة الأمريكية أن يدرك أن هذه شعارات يراد تحقيقها بحسب الفهم الغربي لها، وفي باطنها الأهداف الحقيقة للمشروع، والتي يمكن إيجاز أبرزها في ثلاث نقاط: 

1- إعادة تشكيل وترتيب أوضاع المنطقة لتقبل النموذج الليبرالي عبر الديمقراطية الغربية. 

2- تهيئة المنطقة للعولمة، وهيمنة الشركات الأمريكية والأوروبية العابرة للقارات على اقتصاد المنطقة.

3- دمج وتطبيع دولة الصهاينة مع العالم العربي في كيان شرق أوسطي.

عقب المؤلف على ذلك بقوله: "فالحديث الغربي عن نشر الديمقراطية والحريات في العالم العربي لا يعدو أن يكون سوى أداة لتحقيق الأطماع الاستعمارية الجديدة، ولهذا فهي تخضع في حجم توظيفها للأجندة الغربية، فالغرب عندما أراد الانقضاض على النفط الليبي قام بتوظيف شعارات الديمقراطية للتدخل العسكري في ليبيا وإسقاط القذافي، ولكنه الغرب نفسه لا يريد التدخل في سوريا لأجل الحريات والديمقراطية... فالمصلحة الغربية الاستعمارية لم تكن مع نشر الحريات، فتم وضعها في الأدراج مع تزويد كافة الأطراف المتحاربة بالسلاح بما يتيح تدمير سوريا – وهي إحدى دول الطوق – والتمهيد لتقسيمها، وهو الهدف الاستراتيجي".

وأورد المؤلف في سياق إبرازه لمخططات التقسيم المقترحة، مقالا نشرته مجلة آرمد فورسس (القوات المسلحة الأمريكية) في حزيران/ يونيو 2006م، للجنرال المتقاعد رالف بيترز بعنوان (حدود الدم، كيف يبدو الشرق الأوسط بصورته الأفضل)، واصفا ذلك المقال بأنه "طبعة حديثة لمشروع تقسيم العالم الإسلامي الذي نظّر له المفكر الصهيوني برنارد لويس الخاص بتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية، وتفتيت كل منها إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية..".

وأشار المؤلف إلى أن صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية نشرت في سبتمبر خريطة جديدة للعالم العربي، تُظهر تقسيما جديدا لبعض الدول العربية، حيث ستصبح خمس من هذه الدول أربع عشرة في التقسيم الجديد. وبحسب الخارطة فإن "السعودية وسوريا وليبيا واليمن والعراق هي الدول التي يشملها التقسيم المفترض". 

واستشهد المؤلف لإثبات نظرية تقسيم العالم العربي، بآراء باحثين ومحللين أمريكيين وإسرائيليين، كرئيس تحرير صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية "ألوف بن"، والباحثين الأمريكيين فرانك جاكوبس وباراج خانا التي تتضمن شواهد كإرهاصات بين يدي تقسيم المنطقة.. وقد اعتنى المؤلف كثيرا بشرح نظرية "الفوضى الخلاقة" باعتبارها دليلا قويا على تقسيم المنطقة، معرفا لها بأنها "حالة جيوبوليتيكية تعمل على إيجاد نظام سياسي جديد وفعال بعد تدمير النظام القائم أو تحييده". 

وأشار المؤلف إلى أن "شواهد الواقع تجلي إرهاصات التقسيم"، موضحا أن "تعثر الثورة السورية والانقلاب العسكري في مصر على الحكومة المنتخبة أدى لإزالة الغشاوة عن أعين الكثيرين، والمأمول أن يؤدي هذا لإعادتنا لنقطة متوازنة في تحليل الواقع، واستشراف تحديات المستقبل، دون أن نبالغ في الأمنيات، كما حدث بعد نجاح ثورة 25 يناير، أو نوغل في السودواية والإحباط، كما حدث بعد الانقلاب عليها، والذي يظهر لي أن معطيات التقسيم بدت واضحة اليوم أكثر من ذي قبل..".

من جهته، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك الأردنية، الدكتور أحمد سعيد نوفل، أن مشاريع تقسيم العالم العربي، قديمة حديثة، وأن ما يجري هذه الأيام في سوريا والعراق واليمن وليبيا هو امتداد لتلك المشروعات، مؤكدا أن تلك المشاريع تأتي لتصب في صالح "دولة إسرائيل" التي زرعت في قلب العالم العربي عنوة واغتصابا. 

وفي تعقيبه على فكرة الكتاب المركزية (إعادة تقسيم الوطن العربي من جديد)، فقد أوضح نوفل في حديثه لـ"عربي21" أن ما جرى من مشاريع التقسيم القديمة، سواء في سايكس بيكو، أم غيرها من المشاريع التالية، وما يجري حاليا، هو مؤامرات حقيقية، ولا يمكن تسميتها إلا بذلك، وقد خططت لها الدول الغربية، لإبقاء المشرق العربي ضعيفا، وتحت السيطرة، لتحقيق مصالحه من جهة، وللمحافظة على أمن إسرائيل واستقرارها من جهة أخرى.  


الأحد، 28 فبراير 2016

بشأن خصومة "التنويريين" و"الظلاميين"

بشأن خصومة "التنويريين" و"الظلاميين"
الدكتورمنصف المرزوقي الرئيس التونسي



هناك ثلاث أطروحات متصلة بهذا الموضوع، أولاها أن فكر التنوير الغربي نجح نسبيا في تحقيق أهدافه الفكرية والسياسية المتعلقة كلها بقضية الدفاع عن الحرية وتعهدها وتطويرها في كل المجالات، والثانية أن فكر التنوير العربي الذي قلد هذا الفكر منذ النهضة فشل كليا في تحقيق نفس الأهداف، أما الثالثة فهي أنه إذا أردنا نحن العرب والمسلمين مواصلة مشروع فكر التنوير وفاء لكل من نادوا به منذ النهضة، أكان توجههم التجديد الإسلامي أم العلمانية الصرفة، فلا بد من مراجعات جذرية مؤلمة في طرق تناولنا له.
***
سأبدأ الأطروحة الأولى بالتذكير بمقولة الفيلسوف الماركسي الفرنسي لويس التوسر "المعارك الفكرية هي معارك سياسية في النظرية".

قد لا تَصدق هذه المقولة في أي موضوع قدر صدقها بخصوص قضية التنوير التي كانت الإشكالية المركزية في الغرب خلال القرن الثامن عشر، ورهانها تحرير الفكر من سلطة الكهنة ووعاظ السلاطين، وتحرير المجتمع من مستخدميه أي من الملوك والإقطاعيين المستبدين..والقناعة يومها أن الاستبداد الفكري والاستبداد السياسي وجهان لنفس العملة.
"الثابت أن الأفكار الثورية لمشروع التنوير هي التي مكنت الغرب من بناء الأنظمة الديمقراطية واقتصاديات السوق والتطور المذهل للعلوم والتكنولوجيا ومن ثم السيطرة على العالم. إلا أنه يمكن للملاحظ الموضوعي أن يكتشف أيضا مناطق الظل داخل هذه الانتصارات"
لقد كانت عملية التحرر الشامل التي قادتها الطبقة البرجوازية الناشئة مطالبة بالانتصار في معركة العقول والقلوب قبل التمكن السياسي لفرض واقع جديد يشهد اقتساما آخر أكثر عدلا للثروة والسلطة والاعتبار.

هكذا نفهم دور المفكرين الإنجليز مثل فرانسيس بايكون وديفيد هيوم ونيوتن ولوك وكل الذين استماتوا في محاولة تحرير العقل مما كانوا يظنونه العائق الأول له أي الفكر الكنسي الأسطوري الديني، وجريمته الأخرى أنه كان الأداة الفكرية للاستبداد السياسي.

كما نفهم الدور الذي لعبه من تتلمذوا عليهم (أساسا المفكرين الفرنسيين مثل فولتير وروسو ومونتسكيو..) وهذا الدور يتمثل في التنظير والإعداد للتغيير السياسي كتتويج للتغيير الذي حصل داخل العقول والقلوب.

السؤال الآن وبعد بعد أكثر من قرنين على انطلاق هذه المعركة الفكرية السياسية الجبارة: ما الحصيلة؟

الثابت أن الأفكار الثورية لمشروع التنوير هي التي مكنت الغرب من بناء الأنظمة الديمقراطية واقتصاديات السوق والتطور المذهل للعلوم والتكنولوجيا ومن ثم السيطرة على العالم. إلا أنه يمكن للملاحظ الموضوعي أن يكتشف أيضا مناطق الظل داخل هذه الانتصارات.

1- عرف فكر التنوير هزائم منكرة في صراعه ضد ما كان يسميه الفكر الديني الذي كان يصفه بالأسطوري السحري المتخلف والذي كان يتنبأ له بالانقراض.انظر كيف عادت الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا على أنقاضالشيوعية التي آمنت لآخر لحظة أنها تتويج التاريخ وما قبلها ساقط في مزبلته عاجلا أو آجلا. انظر كيف تعيشأميركا التي تحقق فيها جزء كبير من المشروع الفكري والسياسي للتنوير تحت سطوة خفية وبالغة الأهمية لمختلف الكنائس.

انظر لسلطة الكنيسة الكاثوليكية المتعاظمة والتي لعبت في ثمانيات القرن الماضي دورا رئيسيا في تدمير الاتحاد السوفياتي الذي انبنى في جزء أساسي منه على الإيمان الأعمى بأن "الدين افيون الشعب".

أما العلمانية الفرنسية فقد تحولت شيئا فشيئا إلى شبه ديانة متحجرة ومتعصبة وذلك وفق قانون سنه سيجموند فرويد عندما قال: "أنت لا تحارب عدوا مدة طويلة إلا وانتهيت بمشابهته".

حدث ولا تسل عن الموجة الإسلامية التي وقف أمامها كل غلاة الفكر التنويري في الغرب والشرق عاجزين عن أي تفسير وأي تعامل عقلاني.

2- على الصعيد الفكري أيضا، لم تكن هذه العقلانية دوما على قدر الأماني التي علقها عليها التنويريون، والدليل ما جلبته العلوم والتكنولوجيا -بجانب منافعها التي لا ينكرها أحد- من أخطار متعاظمة على الجنس البشري بفعل الاحتباس الحراري وتلوث المحيط بالنفايات النووية، أو ما يعد لنا من عالم تحكمه آلات خرجت عن سيطرة الإنسان ويقال إنها ستحيل نصف البشرية إلى البطالة.

3- على الصعيد السياسي لم يختف الاستبداد أين ما انتصر فكر التنوير وإنما تراجع وراء الستار ليسود في الثكنات والمصانع ووسائل الإعلام أو ليعود دوريا في شكله الفج عبر ما عرفنا من نظم نازية وفاشية وشيوعية.كم غريب نسيان أصدقائنا الغربيين أن أفظع الدكتاتوريات التي عرفها العالم كانت الدكتاتوريات الغربية في القرن العشرين وذلك بعد ظهور فكر التنوير بقرنين، ولا نتحدث هنا عن الاستعمار والإمبريالية.
***
"فشل العلمانية التي استوردناها من الفرنسيين هو جزء من فشل أوسع طال كل المقتاتين على الاستيراد الأيديوولوجي.. فشلت القومية التي استوردناها من الألمان والاشتراكية التي استوردناها من الروس والديمقراطية التي استوردناها من بريطانيا وحقوق الإنسان التي استوردناها من الأمم المتحدة"
أطروحتي الثانية هي أن فكر التنوير ومشروعه السياسي الذي أخذناه عن الغرب لم يحقق شيئا يذكر بعد أكثر من قرن من محاولة زرعه من قبل دعاة من خيرة ما أنجبت الأمة.

من حسن الحظ أن حسن العطار، محمد عبده، فرح أنطون، الطهطاوي، خير الدين، الأفغاني، ولي الدين يكن، سليم سركيس، والرجل الذي اعتبرته دوما معلمي وقدوتي عبد الرحمن الكواكبي..ماتوا على آمالهم حتى لا أقول على أوهامهم.

نعم ليس من باب التجني عليهم جميعا أو علينا القول إننافشلنا جميعا لحد الآن في معركة الحرية، فالاستبداد ما زال جاثما على صدورنا، وما المأساة التي نراها في عالمنا العربي اليوم إلا أكبر دليل على قوته واستعداده لحرق الأخضر واليابس من أجل البقاء.

أما عن تحررنا الفكري من التعصب الديني أساسا، فإننا لم نعرف فترة من تاريخنا التهب فيها هذا التعصب كما عليه الحال في عصرنا. المضحك المبكي أن التنويريين العرب تعصبوا لعلمانيتهم تعصب خصومهم لدينهم. هكذا رأيناهم وفق قانون فرويد ينتهون هم أيضا بمشابهة أعتى خصومهم في رفض الآخر والدعوة لاستئصاله، بل رأينا البعض من غلاة دعاة الحرية يرتمون في أحضان المستبدين، وقد استبطنوا أنه بما أن الاستبداد قدر هذه الأمة التعيسة فليكن خيارنا الاستبداد العلماني بدل الاستبداد الديني.

يا للمساكين وهم كالمستجيرين من الرمضاء بالنار.

الثابت أن فشل العلمانية التي استوردناها من الفرنسيين هو جزء من فشل أوسع طال كل المقتاتين على الاستيراد الأيديوولوجي.. فشلت القومية التي استوردناها من الألمان والاشتراكية التي استوردناها من الروس والديمقراطية التي استوردناها من بريطانيا وحقوق الإنسان التي استوردناها من الأمم المتحدة. كلها كان فشلها مضمنا داخلها قبل انطلاقها لأنها كانت مسقطة على واقع غير الذي نشأت فيه.

كم محبط ومذل أن جل الأفكار التي نتعيش عليها اليوم إما مستوردة من خارج الحدود أو من ماضينا!ألا تخيفكم الفكرة أننا أمام أمة تستورد أحلامها وأفكارها وقيمها وليس فقط غذاءها ودواءها؟ هل حكم علينا أن نكون دوما عالة إما على التاريخ وإما على الجغرافيا؟

رفعا لكل التباس أقول إنني لست ضد استيراد الأفكار لا من الماضي ولا من الخارج شريطة أن يكون الأمر بعقلية السطو لا بعقلية التسول.

ثمة أحسن من السطو وهو أن ننتج نحن ما يجعل الآخرين يتسارعون لنقل أفكارنا وتفويضها لمصالح مبادئهم ومبادئ مصالحهم. هذا بالضبط ما يجب أن نسعى إليه اليوم ونحن بأمس الحاجة وأكثر من أي وقت مضى لنور يخرجنا من ظلمات تتدافع حولنا من كل الآفاق.
***
أصل الآن للأطروحة الثالثة: ضرورة المراجعة المؤلمة لكل ما تعبدنا له من أوثان فكرية وما جرينا وراءه من أوهام أكثر من قرن.

يتضح اليوم كم كان فهمنا للاستبداد ساذجا. نحن حصرناه في خانة ضيقة تشمل بعض الأشخاص المرضى الظالمين الفاسدين الذين سننتصر عليهم طال الزمان أو قصر، نحن الأبرياء والمظلومين.

تظهر التجربة التاريخية أن الأمر أعقد من هذا بكثير. يتضح أن بقاء الاستبداد وتجدده الدائم ناجم عن كون كل واحد منا يحمل مستبدا داخله.. إننا لا ننقلب على المستبد إلا عندما يكف عن تمثيل مصالحنا ومعتقداتنا، طوائفنا وقبائلنا وحتى أشخاصنا.. إن هدف الأغلبية ليس الانتهاء من الاستبداد وإنما التداول عليه.. إننا لم نخلق ثقافة تعبق بالاستبداد من عدم، فمقولات من قبيل "رجل كألف وألف كف" أو "إنما العاجز من لا يستبد".. الخ، دليل على نفسية نتوارثها جيلا بعد جيل وأكثر انتشارا وعمقا مما نود الاعتراف به.
"كم محبط ومذل أن جل الأفكار التي نتعيش عليها اليوم إما مستوردة من خارج الحدود أو من ماضينا! ألا تخيفكم الفكرة أننا أمام أمة تستورد أحلامها وأفكارها وقيمها وليس فقط غذاءها ودواءها؟ هل حكم علينا أن نكون دوما عالة إما على التاريخ وإما على الجغرافيا؟"
كم يتضح أيضا سذاجة فهمنا للديمقراطية. ظننا أن أكبر عدو لها هو الدكتاتورية والحال أنه من داخلها ممثلا في رباعي السياسي الفاسد والإعلامي الفاسد والناخب الفاسد والممول الفاسد المتحكم في كل قواعد اللعبة.

مثل هذه الديمقراطية التي نراها تترنح حتى في أقدم معاقلها والتي نجاهد لغرسها في تربتنا المشبعة بالاستبداد، هي التي تباهي بها نخبا انفصلت عن أولى هموم البشر في ربوعنا: الفقر والظلم الاجتماعي.. بشر نصيبهم من الحياة نصيب الجائع الجالس حذو الشواء، الرائحة له واللحم لغيره.

كم كان أيضا ساذجا تصورنا للتقدم ونحن نعتقد أنه المسيرة المظفرة لشعوب تتحرر يوما بعد يوم من الفقر والجهل والظلم والمرض، والحال أن التاريخ مسار متعرج فيه العثرات والتوقف والتراجع.
في كل الحالات تبين أنه ليس تقدما نحو مزيد من الخير والصلاح وإنما نحو مزيد من التعقيد يرفع من قيمة المكتسبات ومن قيمة الخسائر في نفس الوقت.

كم كان ساذجا تصورنا للثورة. اعتقد البعض أنها الزر الذي نضغط عليه فنمر في لحظة من الظلمات إلى النور، والحال أنها منعطف في طريق يعبر بنا نفقا طويلا قد نخرج منه إلى النور وقد نبقى نتخبط داخل ظلماته المتزايدة كثافة.

تحضرني هنا قصة طريفة رواها لي أحد طلبتي -لما كنت أُدَرِّس بكلية طب سوسة في التسعينات- عن مشادة انتهت بتبادل العنف بين طلبة إسلاميين و"تقدميين" والسبب تهكم "تقدمي" على إسلامي ووصفه له بالظلامي، ثم رد هذا الأخير الذي أثار عاصفة من الضحك ومعركة بالكراسي: "يعطك الصحة يا مولد كهرباء ".

عوض أن نضيع الوقت والجهد لمعرفة من هو مولد النور ومن هو الظلامي، قد يكون من الأسلم أن نعترف بأن كل واحد منا يحتوي على نصيبه من الظلام والنور، وأن عليه أن ينظر داخله قبل النظر داخل خصم ليس إلا الأنا في قصة مختلفة حتى لا أقول في ورطة أخرى.

بديهي أن الظلام الذي فينا هو الظلام الذي يسكن كل نفس بشرية ومنه يخرج بعبع الوحشية المطلقة الذي نراها اليوم في سوريا الأسد ورأيناها من قبل في كمبوديا الخمير الحمر وألمانيا هتلر وروسيا ستالين.
بديهي أن هذا الجزء المظلم من الذات البشرية لم يختف بعد ظهور فلسفة التنوير، مثلما لم يختف بعد ظهور الأديان السماوية، ومن المرجح أنه لن يختفي بظهور كل ما سنخلق مستقبلا من فلسفات ومشاريع سياسية لأنه جزء قار أزلي ثابت مكون هيكلي من طبيعتنا البشرية.

هذا ما عناه أبو الطيب في بيته:
والظلم من شيم النفوس فإن   تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم
من حسن الحظ أن النور أيضا من شيم النفوس أو أنه هو الآخر جزء مهيكل، ثابت، قار من هذه الطبيعة البشرية التي لن تكف عن مفاجئتنا بما تزخر به من شر ومن خير.
هذا ما يجعلني أضع هذا البيت على لسان شاعرنا الكبير بعد الاعتذار لروح:
والعدل من شيم النفوس فإن   تجد ذا زلة فلعلة لا يعدل
الظلام والنور ثنائية قارة ثابتة أزلية مؤسسة للفكر مثلما هي مؤسسة للروح.
ظلام الفكر في أيديولوجيات، سواء كانت دينية أو علمانية، تكلست وتحجرت وتدافع عن وجودها بالرقابة على العقول وبقتل الأرواح والأجساد. ظلام الفكر في آليات بناء هذه الأيدولوجيات والمحافظة عليها وكلها قمة في الغرور والسذاجة والدوغمائية اتخذت لنفسها شعار: كلامي صواب قد يشوبه بعض الخطأ وكلامك خطأ قد يشوبه بعض الصواب.
"يتضح أن بقاء الاستبداد وتجدده الدائم ناجم عن كون كل واحد منا يحمل مستبدا داخله، كما يتضح أيضا سذاجة فهمنا للديمقراطية. ظننا أن أكبر عدو لها هو الدكتاتورية والحال أنه من داخلها ممثلا في رباعي السياسي الفاسد والإعلامي الفاسد والناخب الفاسد والممول الفاسد المتحكم في كل قواعد اللعبة"
لكن لا نور إلا من هذا الفكر القادر على سجننا زمنا طويلا في ظلام هذيانه. فهو الذي فهم بالعقل حدود العقل. هو الذي يعي بالتعقيد المريع في أي موضوع يسلط عليه شعاعه. هو الذي لا يتوقف عن هدم كل البنايات التي بناها جزؤه المظلم لبناء تصورات جديدة أكثر دقة وتعقيدا والتصاقا بواقع لا يستنفذه فكر.

أهم سمات الفكر المستنير الحذر من أفكارنا قبل الحذر من أفكار الآخرين. وبهذا الحذر وبهذه المراجعة المستمرة لكل البديهيات التي بنينا عليها مغامرتنا الفكرية نستطيع مواصلة مشروع التنوير، ونفضل عليه -إن سمحتم- استعمال كلمة مشروع التحرر الإنساني.

التجربة أيضا من أهم تقنيات الفكر المستنير، ومن ثمة علينا مراجعة كل مفاهيمنا دوما على ضوئها بدل الإنكار السخيف الذي سخر منه قاليلي قائلا عن اتباع أرسطو: يفضلون تكذيب ما يقرأون في السماء على تكذيب ما يقرأون في كتب أرسطو.

أما القائمة الطويلة لإخفاقاتنا النظرية والسياسية، فهي بالنسبة لفكر متحرر قائمة المشاكل التي يجب علينا حلها.. قائمة التحديات التي يجب أن نرفعها.. قائمة الانتصارات التي يجب أن نحققها غدا في إطار سعي لن يتوقف نحو المدينة الفاضلة التي نعلم أنها أفق لا يدرك ولكنها الأفق الذي يحدد لنا وجهة الطريق.

قائمة التحديات هذه هي سلسلة طويلة من الأسئلة لا من القناعات المسبقة والوصفات الجاهزة. منها على سبيل المثال -وعلى ضوء تجربتنا وتجارب الشعوب الأخرى، بإخفاقاتها ونجاحاتها، وخاصة بعبرها ودروسها- كيف سنراجع برامج التعليم لكي لا تواصل غرس ثقافة المستبدين وقيمهم؟ كيف سنعد أطفالنا ذهنيا وأخلاقيا لمصاعب ستتعاظم بقدر ما ستتعاظم الفرص؟ كيف سنعد أطفالنا ذهنيا وأخلاقيا لعالم متزايد التعقيد والترابط والتغيير السريع تتعاظم فيه الفرص كما تتعاظم فيه الأخطار؟

ثم كيف سنبني نظما ديمقراطية لا يخربها السياسي الفاسد والإعلامي الفاسد والناخب الفاسد والمتحكم فيهم جميعا رجل المال الفاسد؟ كيف سنعمم حقوق الإنسان حتى يستبطن الجميع أن حقوقي واجبات الآخر وحقوق الآخر واجباتي وأن الحقوق والواجبات وجهان لنفس قطعة النقد؟ كيف سنبني اقتصادا يكون في خدمة الناس في عالم أصبح الناس فيه في خدمة الاقتصاد؟

وكم من إشكاليات أخرى تستنفر فينا طاقات الخيال والابداع والتجديد. فإلى عقولكم ومخيلتكم والعبقرية الكامنة فيكم أيها العرب خاصة أننا لأول مرة منذ الدعوة المحمدية بين خيارين: نكون أو لا نكون. انسوا فولتير وابن تيمية وخذوا بـ"وقاحة " المعري
وإني وإن كنت الأخير زمانه.. لآت بما لم تستطعه الأوائل

المصدر : الجزيرة

التدخّل السعودي بين حربي فلسطين وسوريا.. نقاط التشابه والاختلاف

التدخّل السعودي بين حربي فلسطين وسوريا.. نقاط التشابه والاختلاف


إحسان الفقيه

قال الأمريكي: "نتطلّع إلى إنقاذ البقية الباقية من اليهود في وسط أوروبا، الذين يذوقون رُعبا لا يوصف على يد النازيين من طرد وتعذيب وهدم لمنازلهم، وقتلهم عمدا.. إن للناجين من اليهود رغبة عاطفية في السكن في فلسطين، وإنهم في الحقيقة يخشون الإقامة في ألمانيا، خوفا من أن ينالهم العذاب ثانية".

ردّ العربي وقد تجهّم وتغيّر وجهه: "امنحوا أرض ألمانيا لليهود، فهم الذين اضطهدوهم، أي شر ألحقه العرب بيهود أوروبا؟ المسيحيون الألمان سرقوا أموالهم وأرواحهم، إذن فليدفع الألمان الثمن، لماذا ندفعه نحن العرب؟".

ورد هذان المقطعان ضمن حوار جرى بين الرئيس الأمريكي "روزفلت"، وبين العاهل السعودي الملك عبد العزيز بن سعود، خلال أول قمة بين البلدين عام 1945، وردت في كتاب "القمة الأمريكية السعودية الأولى"، نقلا عن وثيقة تم الكشف عنها مؤخرا، كتبها عقيد بحري متقاعد "وليم إيدي"، الذي يعدّ أول وزير مفوّض من قبل أمريكا في السعودية بين عامي 1944 -1946.

* يكشف هذا الحوار بداية تحرّك الدولة السعودية الناشئة تجاه القضية الفلسطينية، الذي اختتم بالتدخل العسكري السعودي ضمن القوى العربية التي شاركت في حرب فلسطين 48.

استدعيت من ذاكرة التاريخ المعاصر ذلك الحدث، انسجاما وتأمّلي الراهن تجاه الأزمة السورية (التحرّك السعودي)، ليفرض عليّ أسلوب المقابلة ذاته، وأضع التدخل السعودي بالحقبتين أمامي في صفحة واحدة، لأكتشف أن ثمّة أوجه تشابه عديدة تستثير الاهتمام، إضافة إلى أوجه اختلاف تستحقّ إبرازها.

* يتشابه ظرف التدخل السعودي في الحالتين، من حيث التحرُّكات الدبلوماسية والتركيز على الحلول والتفاهمات المشتركة مع القوى العربية والدولية، قبل التوجّه للحل العسكري.

قبل حرب فلسطين أرسلت الحكومة السعودية مذكرتي احتجاج لبريطانيا والمفوضية الأمريكية، على قرار التقسيم وبيان إخطاره على العرب، وقام الملك عبد العزيز بحملة ضد الدولتين محملا إياهما مسؤولية الأزمة الفلسطينية، في الوقت الذي كان فيه الأمير فيصل بن عبد العزيز يُفنّد مزاعم اليهود أمام الأمم المتحدة، ويُنافحُ عن حق الفلسطينيين.

الأمر يتكرر في المشهد السوري الراهن، حيث تحركت المملكة السعودية خلال الأُطر الدبلوماسية، مع الدول الغربية ودول الوطن العربي، من أجل إقناع المجتمع الدولي بضرورة رحيل الأسد، حلا أساسيا للأزمة السورية، ما حدا بالسياسة الخارجية السعودية لأن تصطدم برغبات روسية وإيرانية لإدماج الأسد في أي حلّ سياسي، في الوقت الذي يتحرك الوزير الشاب عادل الجبير بخطوات مدروسة تجاه القضية السورية، بما يتناسب ومُتطلبات المرحلة والدور الجديد للمملكة.

* تتشابه ظروف التدخل في الحالتين، في كون المملكة دخلت في مواجهة مشاريع متقاربة الأبعاد، ففي فلسطين كانت تواجه المشروع الصهيوني الذي يرمي إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين قلب الأمة، بما تُمثّله فلسطين من مكانة دينية وأهمية جيوسياسية تكون إحدى الحواجز الفاصلة بين العالم الإسلامي في آسيا وإفريقيا.

وفي الحالة السورية، تواجه السعودية مشروعا قوميا آخر مُحمّلا على رأس طائفي، يتمثل في الأطماع الإيرانية الرامية إلى ابتلاع دول العالم السُنّي، تُعدّ سوريا الأسد أحد أهم حلقاته وقواعده، ولذا دخلت السعودية في مواجهة مع الحوثيين الذين يُنفّذون أجندة إيرانية في اليمن، ودعمت المعارضة المعتدلة في سوريا، وتعد للتدخل البري في سوريا بأهداف مُعلنة، وأخرى غير معلنة لكنها واضحة المعالم، إضافة إلى مواجهة القوة الإيرانية الناعمة في دول الوطن العربي، وذلك وفق مزيج من المنطلقات المتلاحمة، تتعلق بالأمن الوطني السعودي، والأمن الإقليمي، وتماسُك العالم الإسلامي أمام مشاريع التفتيت.

* ويتشابه التدخل السعودي في الحالتين، من جهة مواجهة مشاريع التقسيم، حيث واجهت مع مجموع الدول العربية في الحالة الفلسطينية ـبغضّ النظر عن تقييم المواجهة- مشروعا لتقسيم فلسطين صدر به قرار عام 1947.

وفي الأزمة السورية، تواجه السعودية وحلفاؤها أطروحة تقسيم سوريا، وإقامة دولة علوية للأسد خطة بديلة عن حل الإطاحة ببشار، ما من شأنه أن يُعدّ ترسيما لحدود دولة جديدة تستكمل فيها إيران مشروعها في المنطقة.

* ويختلف التدخل السعودي في الحالتين، من زاوية الموقف العربي العام، ففي حرب الـ 48 دخلت القوات السعودية إلى فلسطين ضمن توافق عربي على إرسال جيوش نظامية للقضاء على العصابات الصهيونية.

بينما في الأزمة السورية، نرى أن السعودية تواجه حيال تدخلها رفضا من بعض الجهات العربية التي أظهرت ميلا إلى بقاء نظام الأسد، وهو ما عرّض المملكة لانتقاد الدول المُمانعة، ما يُشكّل عبئا على تحرّكاتها.

* ويختلف التدخل السعودي من جهة التبعية والتبايُن في حجم القوة العسكرية التي تمتلكها السعودية في الحالتين، ففي حرب فلسطين كانت مشاركة القوات السعودية تتبع القيادة المصرية، وقد ذكر القائد (عبد الله التل) أنها كانت عبارة عن كتيبة للمشاة تابعة للجيش المصري، وقيل غير ذلك، وعلى أقصى التقديرات كانت مشاركة السعودية بـ 3200 مقاتل، بقيادة العقيد (سعيد بك الكردي) ووكيله (عبد الله نامي).

وكان التسليح عبارة عن أسلحة خفيفة وبنادق تقليدية، ورشاشات وقذائف هاون ونحوه، ولم يكن بحوزة القوات السعودية دبابات ولا طائرات.

بينما يأتي التدخل البري السعودي المُحتمل في سوريا، في ظل تبوُّء المملكة موقع القيادة لتحالف يضمّ العديد من الدول الإسلامية، في الوقت الذي تقودُ فيه السعودية تحالفا آخر في اليمن منذ انطلاق عاصفة الحزم.

* كما يأتي التدخل السعودي المُحتمل في سوريا، في ظل امتلاك السعودية لترسانة ضخمة من الأسلحة الثقيلة والطائرات الحديثة، ومستوى عال من التدريب وصلت إليه القوات السعودية.

وها هي المملكة تستضيف على أرضها واحدا من أكبر التدريبات العسكرية في العالم (رعد الشمال)، كما وصفته بعض وسائل الإعلام، بمشاركة درع الجزيرة ودول قطر والإمارات والأردن والبحرين والسنغال والسودان والكويت والمالديف والمغرب وباكستان وتشاد وتركيا وتونس وجزر القمر وجيبوتي وعُمان وماليزيا ومصر وموريتانيا.

* ويختلف التدخل السعودي في الحالتين، من جهة النظر الى ضرورة التدخّل، ففي حرب فلسطين، كانت الرغبة السعودية تتجه لدعم المقاومة الفلسطينية ضد العصابات الصهيونية دون تدخُّل من الجيوش النظامية، وكان ذلك الرأي يتّفق مع رؤية الشيخ حسن البنا التي طرحها أمام الملك عبدالعزيز آل سعود في مأدبة كبار الحُجّاج، خلال رحلته للحج 1946.

وتبنّت السعودية ذلك الاتجاه بسبب اختلاف الأهداف والغايات المُحرّكة لبعض الدول العربية التي ترغب في المشاركة بالحرب، والأهم من ذلك أن دخول الجيوش العربية النظامية سيؤدي إلى تعاطف الدول الغربية مع اليهود، حيث يُبرز بعض العصابات الصهيونية المسلحة في مواجهة جيوش من دول عربية عدة، وهو ما يخدم (مظلومية اليهود واستدعاء المحرقة النازية)، إضافة إلى تدخّل الأمم المتحدة وتلقّي اليهود مزيدا من الدعم من قِبل الدول المُساندة للوجود الصهيوني.

ولعل هذا الرأي كان هو الأصوب، وهو ما أثبته سياق الحرب وخاتمتها السوداء، علما بأن السعودية تعرّضت لسيل من الإشاعات بعد إعلان ذلك التوجّه، بالرغم من أنها استجابت لرأي الدول العربية وشاركت في الحرب بقوة وبسالة شهد بها قادة العرب، على الرغم من أنها لم تكن وجهة نظر سعودية بحتة، إذ إنها سبقت جامعة الدول العربية إلى هذا المنحى في كانون الأول/ ديسمبر 1947.

* وأما في سوريا فالأمر مختلف، والتدخّل ضروري، لأن سوريا صارت مسرحا للعمليات الإيرانية والروسية والطائفية الداعمة لنظام الأسد على حساب المُكوِّن السُنّي، وعلى حساب الأمن الخليجي وأمن المنطقة بأسرها، لذا لن يحسم دعم المعارضة المعركة.

إضافة إلى ذلك، فإن وجود تنظيم داعش ودخوله حربا ضد المعارضة المعتدلة، يزيد الأمر تعقيدا، ويُشتّت جهود فصائل المعارضة بين قتال الأسد وقتال داعش، ما يستلزم تدخّلا قويا من السعودية وحلفائها.

* ويختلف التدخل السعودي في الحالتين، من جهة الصيغة، ففي فلسطين كان التدخل السعودي واضحا من أجل دحر العصابات الصهيونية والدفاع عن أرض فلسطين، ولم يحتجّ العرب آنذاك لصيغة أخرى، إذ إن القضية الفلسطينية كانت محور التفاف الشعوب.

أما في الوضع السوري الراهن، فالسعودية تدعم تحرير سوريا من النظام الطائفي الدمويّ، عبر المسار الدبلوماسي مع الدول العربية والغربية، وعن طريق دعم المعارضة المعتدلة في سوريا.

لكن التدخل العسكري البري المُرتقب للقوات السعودية، جاء في صيغته المعلن عنها ضمن سياق الحرب على الإرهاب ومواجهة تنظيم داعش، وذلك لأنها تحتاج إلى غطاء قانوني دولي.

يكاد المحللون والمراقبون إضافة إلى المؤسسات الإعلامية، أن يُجمعوا على أن للسعودية أهدافا أخرى تتمثّل في مواجهة المشروع الإيراني بإسقاط الأسد.

وقد فصلتُ القول حول هذه المسألة في مقال سابق على موقع "عربي21"، بيّنتُ فيه أهمية التدخل السعودي، حيث إنه سيُضعف قوة داعش، ما يترتب عليه تعضيد المعارضة في قتالها ضدّ نظام الأسد.

كما أن ذلك التدخل سيُلغي ذريعة التدخل الروسي والإيراني لمواجهة الإرهاب واتخاذه مظلة لضرب القوى المناهضة لنظام الأسد.

اقرأ أيضا: التدخّل السعودي المحتمل في سوريا.. ضد من؟ ولصالح من؟

ومما لا شكّ فيه، أن السياسة الخارجية السعودية قد تغيّرت منذ تولّي الملك سلمان الحكم، بل انتقلت من خانة التعامُل بردّ الفعل الى أخذ زمام المُبادرة، وأصبح لها دورٌ قويّ في رسم الخارطة السياسية في المنطقة، وهي مُهمّة ليست سهلة، وتحتاج الى مقوّمات وأدوات وخطط مدروسة وتنفيذ مُحكم، إضافة إلى التفاف الشرفاء ودعمهم.