الخميس، 31 ديسمبر 2015

لحم سني للبيع... لحم طازج

لحم سني للبيع... لحم طازج


طارق أوشن

قبل أسبوعين، أعلنت المملكة العربية السعودية عن تشكيل "تحالف إسلامي ضد الإرهاب" مكون من أربع وثلاثين دولة تفاوت رد فعلها بين الترحيب أو إبداء الاستغراب لضمها للتحالف دون استشارة مسبقة أو السكوت علامة "رضا" حتى يثبت العكس.
نصف دول التحالف الإسلامي ضد الإرهاب عربية وهي مع الدول الإسلامية الأخرى توصف بكونها دولا سنية بغالبية ساكنتها.
الهدف حسب ولي ولي عهد بلد الحرمين الشريفين التصدي "لأي منظمة إرهابية تظهر أمامنا ... انطلاقا من تعاليم الشريعة الإسلامية السمحاء وأحكامها التي تحرم الإرهاب".
بعدها بأيام أعلن وزير خارجية المملكة من باريس أنه "لا شيء مستبعد" بخصوص إرسال قوات برية للتحالف الجديد على الأرض. يأتي هذا في الوقت الذي تكفل فيها الأردن السني بإعداد لائحة المنظمات الإرهابية في سوريا، وشملت مائة وستين منظمة "تعكس وجهة نظر الدول الإقليمية" حسب وزير الخارجية الأردني.
الوثيقة الأردنية وإن ضمت عددا من المنظمات الشيعية اندفعت الجمهورية الإسلامية بإيران إلى الدفاع عنها، فإن غالبية ما حملته من أسماء تبقى تنظيمات سنية لا مدافع عنها.
وفي الإطار ظهر وزير الدفاع الأمريكي ليعلن أن تشكيل التحالف "يتماشى بشكل عام مع ما نحث عليه منذ فترة، وهو اضطلاع الدول العربية السنية بدور أكبر في حملة محاربة داعش"، فالرئيس باراك أوباما سبق وأن طالب بضرورة تشكيل قوة عربية مشتركة تحارب على الأرض بينما توجه القوى الغربية ضرباتها جوا، وهذا بيت القصيد.

قبل أسابيع قليلة ظهر مقطع صادم لمواطن سوري من بلدة جسرين بغوطة دمشق الشرقية وهو يحمل طبقا كبيرا فيه أشلاء مدنيين تقطعت أجسادهم واحترقت بسبب قصف جوي شنه الطيران الروسي، اللاعب الجديد في الحرب، وهو يصرخ: "لحم سوري للبيع... لحم طازج".
لم يثر الفيديو إنسانية المجتمع الدولي، إذ لم يكن فيه من مقومات اللوحة الفنية التي جسدها جسد الطفل إيلان وهو يتوسد الرمال ويتخذ من مياه البحر لحافا بعد غرق القارب الذي كان يقله وعدد من الهاربين من جحيم الحرب السورية قبل أشهر.
 يومها تذكر كثيرون كيف أن صورة الطفل الفلسطيني أحمد الدوابشة بجسده المجبص من أخمص رجليه حتى رأسه، بعد أن أحرق           المستوطنون بيت عائلته وقتلوا أفرادها، لم تحرك الضمير الغربي الذي "بكى" الطفل إيلان، ولا حركته صور أبو عزرائيل، من ميليشيا الحشد الشعبي بالعراق، وهو يقطع لحم أسير تم شيُه حيا على نار حقد طائفي مستعر. اللحم الشرق أوسطي صار أرخص من أن يهتم به الغرب وثمنه في مزادات السياسة العالمية سيزداد انحدارا مع توالي الشهور المقبلة لا ريب. تشكيل التحالف الإسلامي "السني" ورد فعل أبي بكر البغدادي المتوعد،  يشير إلى أن عنوان المرحلة القادمة في المنطقة: لحم سني للبيع... وبالبند العريض.

زعيم القبيلة المنغولية الحكيم "أبا" والطالب الشاب "شين زين" القادم من بيكين، يراقبان عبر منظارين تجمعا للغزلان في البراري المنغولية وغير بعيد منه عدد من الذئاب تراقب التجمع ذاته.

الحكيم أبا: أقلت أنك تريد دراسة الذئاب؟ أنظر! ماذا تعتقدهم يفعلون؟

الطالب شين: لا أعرف! ماذا ينتظرون؟

الحكيم أبا: إنهم ينتظرون هذه اللحظة منذ أشهر عديدة. الرغبة في القتل تعذبهم، لكنهم لن يضيعوا هذه الفرصة بالتسرع في الهجوم. في اعتقادك، كيف هزم جينكيزخان جيوش العالم التي واجهها ولم يكن معه غير حفنة من المقاتلين؟ لقد تعلم فن الحرب من مراقبة الذئاب. الذئاب حيوانات ذكية ومنظمة، يشكلون جسدا واحدا ويمتثلون لقرارات الزعيم. والأهم أنهم يمتلكون قدرة غير محدودة على الصبر.
 السر في اختيار التوقيت المناسب، والذئاب والمغول فهموا هذا الأمر جيدا... أرأيت؟ لقد أكلت الغزلان كثيرا وهو ما سيثقل حركتها. هذا ما كانت الذئاب تنتظره بالضبط.

لم يخطئ الحكيم "أبا"، فقد انطلقت مطاردة الذئاب للغزلان المثقلة بالتخمة والنتيجة نعرفها بعد أسطر...

كان هذا مشهدا بالغ الدلالة من فيلم "الذئب الأخير" المنتج في العام 2015 لمخرجه الفرنسي جان جاك آنو.
يحكي الفيلم قصة الشاب الصيني "شين زين" الذي كلف ككثير من شباب المدينة في العام 1969 بالتوجه إلى المناطق الريفية النائية لتعليم سكانها فاختار منغوليا. لكن "شين زين" اكتشف أنه من يحتاج لتعلم ما تختزنه المنطقة من مقومات المجتمع المتآلف والحرية والمسؤولية وأيضا الذئاب. جان جاك آنو خبير في التعامل سينمائيا مع الحيوانات كما أظهرها سابقا في فيلمه الرائع "الأخوين" المنتج سنة 2004، ويحكي، للتذكير، قصة نمرين صغيرين في العام 1920، حين صار اهتمام الغرب منصبا على فن الشرق الأدنى، تم أسرهما والتفريق بينهما فبيع أحدهما لسيرك وآخر لأمير إلى أن تواجها صدفة في حلبة نزال ليتعرفا على بعضهما ويقررا الهرب معا من مالكيهما.

في كتاب "فن الحرب" للمؤلف الصيني سان تزو، وهو أطروحة عسكرية صينية كتبت في القرن السادس قبل الميلاد وترجمت إلى ثلاثين لغة عالمية ألهمت خلالها الكثير من القادة العسكريين "العظام"، مقولة مفادها: "عليك أن تبدو ضعيفا عندما تكون قويا، وعليك أن تبدو قويا عندما تكون ضعيفا". مناسبة استحضار القول هو هذا الهوان الذي تظهره الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها القوات العسكرية الغربية، في مواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" وفي مواجهة التدخل الروسي وقبله همجية النظام السوري الذي وضعت له من الخطوط الحمراء ما شاء دون التقيد بالرد عليها.
وفي الوقت ذاته، أظهرت القوة العظمى الأكبر في العالم كثيرا من المرونة لصالح إيران في مفاوضات برنامجها النووي دون أدنى اهتمام أو اعتبار لمصالح حلفائها السنة في المنطقة، الذين وجدوا أنفسهم مدفوعين للبحث عن الحلول العسكرية منها قبل السياسية للدفاع عن النفس وإظهار القدرة على التحول من منطق الفرجة والاستكانة والاعتماد على "الكفيل" الأمريكي إلى مرحلة الفعل المباشر في الميدان.
ولعل في هذا التوجه الأمريكي "المتخاذل" ما يدفع لطرح السؤال عن أهدافه المرحلية والاستراتيجية بما ينطوي عليه من كلفة مادية تنهب مقدرات دول المنطقة وكلفة إنسانية تعدادا للضحايا والمعطوبين، دون إغفال ما سيزرعه الصراع المباشر "الطائفي" من جراح لن تزيد ما سبق للتاريخ الإسلامي أن خطه بين فرقاء المذاهب منذ مئات السنين إلا تعميقا للفرقة والعداء.

في منطقة الشرق الأوسط اليوم ثلاثة تحالفات أنشئت في ظرف لا يتجاوز السنة والنصف بدأت بتحالف دولي موجه ضد تنظيم "الدولة" ويضم أكثر من ستين دولة، تلاه التحالف العربي لمواجهة التمدد الحوثي باليمن وبعده التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب في العالم مع ضرورة الإشارة إلى تحالف غير معلن لكنه الأكثر فعالية على الأرض يضم روسيا وسوريا والعراق وإيران. وإذا كانت أهداف التحالفين الأولين والرابع "محددة وواضحة" فإن الثالث يبقى مبهما لا نرى له من تفعيل، مع بداية الحديث عن حل سياسي وشيك بسوريا وحكومة معترف بها في ليبيا ومفاوضات للحل باليمن تعقد كلها بدول غربية، إلا بمواجهة سنية سنية كما تطالب بها الولايات المتحدة الأمريكية وينذر بها زعيم تنظيم "الدولة" وتؤكدها لائحة المنظمات الإرهابية المنسقة أردنيا، علما أن هناك 53 ميليشيا مسلحة تنتشر في العراق و300 بليبيا وما يقارب الألف تنظيما وجماعة بسوريا دون إغفال ما تختزنه "ولاية سيناء" وكثير من المناطق المتفرقة بربوع وطن عربي ممزق حسب إحصائيات معتمدة.

هنا تحضرنا واحدة من أشهر مقولات سان تزو: "إن كنت تعلم قدراتك وقدرات خصمك، فما عليك أن تخشى من نتائج مئة معركة. وإن كنت تعرف قدرات نفسك، وتجهل قدرات خصمك، فلسوف تعاني من هزيمة ما بعد كل نصر مُكتسب. أما إن كنت تجهل قدرات نفسك، وتجهل قدرات خصمك.. فالهزيمة المؤكدة هي حليفك في كل معركة". وفي ظل تأخر نتائج الحرب باليمن، والنزوع الدولي لاستنزاف المقدرات السنية بالمنطقة، ومحاولات استدراج تركيا إلى المستنقع كخصم مستهدف لا كحليف في المواجهة، وحاجة المملكة العربية السعودية لثورة فكرية حقيقية في نسيجها المجتمعي والديني الداخلي للقدرة على التصدي الفاعل ضد الإرهاب، فإن النتائج في حال التفعيل الميداني للتحالف الإسلامي بشكله الحالي لن تكون إلا كارثية.

في فيلم "الذئب الأخير" وبعد انطلاق مطاردة الذئاب للغزلان في المشهد الذي فصلنا فيه أعلاه، استغرب الطالب الشاب كيف أن الحكيم "أبا" فضل الانسحاب من ميدان المعركة بدل الفرجة على المطاردة المثيرة. لكن الحكيم طمأنه أنه سيعرف مآل الغزلان في الغد بعد أن تنهي الذئاب غزوتها، وكذلك كان..

لم تختر الذئاب الاكتفاء باصطياد بعض من فرائسها بل دفعت بالغزلان جميعها إلى بحيرة متجمدة تعلم بمكان وجودها فانتهى المطاف بالقطيع كله هالكا بما يشكله من زاد للشتاء تقتات منه الذئاب والقبيلة، على حد سواء، دون إضرار بحصص بعضهم بعضا في اتفاق ضمني يقي القبيلة من إغارة الذئاب على مواشيها.

الطالب شين (بعد اكتشافه ما حل بالغزلان): هذه الغزلان مسكينة. الذئاب حيوانات مفترسة بلا رحمة.

الحكيم أبا: لا ليس الأمر كذلك. الغزلان من يدمر التوازن الطبيعي باستهلاكها الغطاء النباتي الذي يعتبر الثروة الحقيقية والحياة الكبرى في المروج. البقية مجرد حيوات صغرى مرتبطة بالحياة الكبرى.

الطالب شين: إذا كان الأمر كذلك فلم تسعون للحفاظ على الغزلان؟
الحكيم أبا: لابد لنا من الحفاظ عليها لتجد الذئاب ما تقتات عليه السنة المقبلة وإلا فخرفاننا ستصبح هدفا لها.

لم يتأخر رد الذئاب كثيرا بعد أن استولى وافدون على المنطقة من غير سكانها الأصليين على "مخزن الغزلان" الذي تقتات منه.
والضحية فصيلة نادرة من الخيول الأصيلة عهد إلى قبيلة "أبا" بتربيتها.
هجوم شرس على الخيول ودفع بها في اتجاه البحيرة نفسها كعادة الذئاب، والنتيجة هلاك القطيع وانتقام غير منتظر من تجبر أهل العاصمة بيكين.
ولأن الأنظمة الاستبدادية لا تعرف غير الرد بوحشية فقد أطلقت السلطات المركزية حملة شاملة لاصطياد الذئاب البرية وقتلها واحدا واحدا بإرشاد من الطالب "شين زين" الذي حول معرفته المكتسبة لمصلحة القتلة ولو استدعى الأمر حرق المروج.

وفي الوقت الذي ظن فيه مبعوثو الاستبداد أن مهمتهم اكتملت أطلقت زوجة ابن "أبا" ذئبا صغيرا، كان يربيه "شين زين" في إطار سعيه لدراسة الذئاب، في الطبيعة واعتبرته هدية لـ"تينغر" الإله.
كان ذاك الذئب الأخير الذي تعهده "شين زين" بالرعاية والتدريب ولقنه كيف يتفادى العوائق الطبيعية وأسلحة الصيادين، ليبدأ من جديد رحلة الكر والفر مع القبائل في انتظار مستبد يخرجه من دائرة التوافق إلى المواجهة المباشرة التي ستكون هذه المرة أشرس وأقوى في غياب "الحكماء".

الحكيم "أبا"، قبل وفاته، وبجانبه الطالب "شين زين" على ظهر جواديهما.

الحكيم أبا: مأساتنا نحن المغول أننا لم نكتب تاريخنا. لقد كتبه أعداؤنا. بما أنك تتحدث الصينية فعليك كتابة تاريخنا الحقيقي يوما ما.

الطالب شين: أنا أعرف قراءة الكتب لا تأليفها. ليس الأمر سيان.

الحكيم أبا: كيف عرفت ذلك؟ هل سبق لك أن جربت الأمر؟

الشاعر العراقي مظفر النواب جرب الأمر وكتب في قصيدته 
"القدس عروس عروبتكم":
سنصبح نحن يهود التاريخ
ونعوي في الصحراء بلا مأوى..
وأترك لكم حرية استكمال القصيدة من مصدرها لعلكم تعرفون من تكون الذئاب والغزلان والخيول وبقية شخصيات المقال.

شرفاء الجيش المختبئون في السرداب

شرفاء الجيش المختبئون في السرداب

آيات عـرابي

في تلك الأمسية من ليالي ديسمبر سنة 1954، كانا يجلسان في شرفة المنزل، وفي يد كل منهما كوب من الشاي، كان الحديث يدور عن خبر إعدام الشهيد عبد القادر عودة، الاثنان كانا يشعران بالغضب، تلك العصابة من الضباط فاق إجرامها كل الحدود، ولا بد من التخلص منها. 

قال لصديقه وهو يومئ برأسه في لهجة العارف ببواطن الأمور: "ضباط الجيش الشرفاء لن يسكتوا على عصابة الضباط، وسيقومون بانقلاب، ويخلعون عصابة عبد الناصر ورفاقه"

عبد الناصر قام بتسريح كل الضباط فوق رتبة بكباشي! 

قالها ردا على صديقه ثم قام عائدا إلى منزله، وقد بقي السؤال معلقا، متى يتحرك شرفاء الجيش ليخلعوا عصابة الضباط؟

بعدها بسنتين، جمعتهما الشرفة وأكواب الشاي وبوادر الشتاء من جديد، وكان الحديث يدور همسا هذه المرة، فقد تغير كل شيء، وأصبح الرأي من الموبقات وكبائر الذنوب في مصر التي أخذ لون هوائها يتحول إلى السواد.

غاضبا كان، يعلو صوته فيشير إليه صديقه المؤمن بالجيش أن يخفض صوته؛ لأن (الحيطان لها ودان) لقد احتل الصهاينة سيناء، وانسحب الجيش بالأوامر، ومنع عبد الناصر سلاح الطيران من توجيه أي ضربة للعدو، ماذا ننتظر لنثور على هؤلاء الخونة؟ 

 تلفت صديقه حوله، ثم أشار بكفه على فمه، أن اخفض صوتك، ثم قال :"الجيش فيه شرفاء، سيتحركون لتخليص مصر". 

 بعد هذا المشهد بسنوات: 
 ما يزال في جلسته القديمة التي لا يغيرها، جالسا على المقعد الخشبي في الشرفة، ممسكا بكوب الشاي، بدأت بعض الأخاديد تغزو وجهه، فقد كانت السنوات القليلة الماضية قاسية.

على المقعد المقابل يجلس صديقه، وحزن عميق جاثم على وجهه.

فقد كانت العصابة قد أعدمت الشيخ سيد قطب.

لم يكن الصديقان قد شاهدا صورة الشيخ سيد قطب يسير ثابتا مرفوع الرأس نحو المشنقة، ولكن الوجوم كان سيد الموقف، وبدا لهما أن الهواء نفسه قد تجمد.

دموع ماجت في أعينهما، سيطر عليها الاثنان بالكاد.

في ذلك الوقت، كان جيش عبد الناصر يرتكب مجازر، يخجل منها إبليس، ضد أهلنا في اليمن، كانت الأنباء شحيحة ولكن ما يصل منها كان مروعا.

قرى كاملة يقصفونها من الطائرات بالأسلحة الكيماوية. 

الجنود يدخلون قرى فيذبحون أهلها.

تمالك نفسه وتكلم.

قيادات الجيش فاسدة، ولكن شرفاء الجيش لن يتركوا هذه العصابة تستمر في فسادها.

لم تكن حالته تسمح بالجدال، كان يسيطر على دموعه بمعجزة.

فتركه عائدا إلى منزله دون كلمة واحدة.

سنة أخرى مرت.

واجتمعا في الشرفة ذاتها. 

كان العدو الصهيوني قد احتل غزة والضفة وسيناء والجولان واحتل المسجد الأقصى.

كان جنود عبد الناصر القادمون من اليمن قد شُحنوا على عجل إلى سيناء، بعضهم وقع في الأسر، والبعض الآخر قتل، بينما نجا البعض الآخر بعد أن انقذهم مرشدو القناة مقابل بطيخة وشمامة للرأس. 

قال له في نهاية المناقشة:
"الجيش فيه قيادات فاسدة، لكن شرفاء الجيش لن يرضوا عن الهزيمة، وسيطيحون بعصابة عبد الناصر!" 

نظر له صديقه في ذهول، ووضع كوب الشاي على الطاولة الصغيرة، وانصرف.

جلسات أخرى جمعتهما في سنوات تالية في الشرفة.

خدع الاثنان في هزيمة أكتوبر. 

ثم اكتشف الصامت الخدعة بعد توقيع السادات لاتفاق السلام مع العدو.

وفي كل مرة كان صديقه يرد عليه: (شرفاء الجيش سيتحركون لإنهاء المهزلة). 

سنوات كثيرة مرت على القاهرة، فازدادت تجاعيد المدينة العجوز.

وهو في الشرفة ذاتها التي تحولت إلى كهف.

قتلوا الشهيد سليمان خاطر.

حوصرت غزة لحساب العدو.

تم اطلاق سراح جواسيس العدو. 

خيانات وفساد وسرقة بالمليارات وتدمير وتخريب. 

وهو جالس ينتظر شرفاء الجيش.

جلسات أخرى جمعت بينهما.

مجزرة رابعة وتهجير أهالي رفح والطيران الصهيوني الذي يمرح في سيناء، وخيانة عظمى ترتكبها عصابة الانقلاب يوميا، شاهد الرجل فيديو الجنود الذين يعذبون اثنين من أهالي سيناء قبل قتلهما، وشاهد فيديو الشاب الفلسطيني المضطرب عقليا الذي قتله جندي مصري وشاهد وشاهد وشاهد.

وفي كل مرة في الشرفة ذاتها يؤكد الرجل أنه بانتظار شرفاء الجيش.

الرجل يجلس في شرفته منتظرا مشعلا بعض الشموع ، مؤمنا أن شرفاء الجيش اختبأوا في السرداب منذ ستين عاما، وسيخرجون في الوقت المناسب لينقذوا مصر.

بانتظار نهر السيسي العظيم

بانتظار نهر السيسي العظيم

 وائل قنديل

حسم عبد الفتاح السيسي الجدل بشأن سد النهضة الإثيوبي. أكد المؤكد وأقر بالثابت: هذا رجل لا يمارس السياسة، ولا يطيقها، بضاعته الوحيدة هي الدجل، والشعوذة، والهروب فوق سحابة من دخان الكلام الذي لا يقيم معنى، ولا يجيب سؤالا.
 "ما تخافوش، الوضع مطمئن، وأنا ما ضيّعتكوش قبل كده، عشان  أضيّعكم تاني".                                                              
العطش على الأبواب، والمهانة القومية في أوجها، والرجل يطلق النكات السخيفة، ولا يبالي بتقديم إجابة قاطعة تبدّد المخاوف المسيطرة على الجميع، بشأن مستقبل النهر.
يقرأ الجواب من عنوانه، وقد بدا واضحاً منذ ذهاب السيسي إلى أديس أبابا، مارس/ آذار الماضي، أنه رضي من الزيارة بالاستقبال الرئاسي والتقاط الصور، لضمها إلى ألبوم الشرعية الغائبة.
قلت، في ذلك الوقت، إن هذا رجل مولع بالصور والحركات السينمائية، يحرّكه، في كل خطواته، ذلك الوله القاتل بصيحات الجمهور، من الطبيعي، إذن، أن يكون ذهابه إلى إثيوبيا بحثاً عن لقطة، لا دفاعاً عن قطرة مياه النيل.
 دراما رحلة عبد الفتاح السيسي إلى بلاد الحبشة لا تختلف عن رحلة  أنور السادات إلى القدس المحتلة، كلتاهما تراجيديا مؤلمة، أفسدت     المستقبل، من أجل لحظة نشوة فردية عابرة، وكلاهما عينه علي لجنة  تحكيم مهرجان الانسلاخ من استحقاقات التاريخ، وبديهيات الجغرافيا.
كلاهما كان يبحث عن ذاته الفردية، ويستدرّ آهات الإعجاب بالقفزة التاريخية، طلباً لمجدٍ شخصي زائف، تعرف الميديا الغربية جيداً كيف تصنعه، وتقدمه في أغلفة أنيقة لكل مهووس بالعظمة والصور التذكارية، وكما ذهب خمر لقب "بطل الحرب والسلام" برأس أنور السادات، ها هو رأس السيسي يشتعل بجنون عظمة ما أسبغه عليه الإثيوبيون من صفات، عقب إذعانه أمام الحلم الحبشي بسد النهضة، وتقديمه صك الاعتراف المجاني بالسد الذي يضع مصر في فوهة العطش، تماماً كما منح السادات صك الاعتراف بالعدو الصهيوني، مُخرجاً مصر من معادلة الصراع، وبانياً سداً شاهقاً بينها وبين محيطها العربي.
سافر السيسي إلى الحبشة، تسبقه عناوين تدير الرأس، تصنّفه أول حاكم مصري تستقبله أديس أبابا في زيارة ثنائية خاصة منذ ثلاثين عاماً، وتصوّره قائداً جسوراً ينسف ألغام التاريخ الشائك، ليتلقفه الإثيوبيون، ويسمعونه ما يدركون أنه مفتون به، فيباغته رئيس الوزراء، هاي ﻻميريام ديسالين، بجملة في منطقته الحساسة "في بلادنا نتفاءل بالزعماء الذين تهطل اﻷمطار عند حضورهم، وأن السيسي حضر وهطلت اﻷمطار في وقت غير معتاد من العام".
كان الدجل حاضراً، سلاحاً وحيداً في موضوع سد النهضة منذ البداية، كما كان ملازماً للسيسي وجوقته في كل ما يطرأ من قضايا وإشكاليات، فتتم الاستعاضة عن التفكير العقلي بإشعال البخور وتعبئة المجال بالدخان، لتثبيت صورة "الزعيم المبروك"، هو الأول في الطب، وكرة القدم والفلسفة والحكمة، كما هو الأول في الجيولوجيا ومياه الأنهار، ألم يعلنوا في فبراير/ شباط 2014 أنه يعكف على دراسة مشروع يفتح به نهر النيل على نهر الكونغو، لكي يهزم مشروع سد النهضة الإثيوبي بالضربة القاضية؟
هو، إذن، الشخص المناسب للزمن المناسب، ففي فترات تتدفق خلالها شلالات الدجل السياسي وتحفر أخاديد الجهل والانهيار المعرفي، ويعدم العقل والمنطق بالرصاص الحي، وتعلّق القيم على المشانق بأمر الحاكم العسكري، لا يجب أن يفكر أحد في ما يقال، أو يعلن عنه، من إنجازات أسطورية، إلا من عصم ربك من الاستسلام للركاكة والبلادة.
ومن الدجل الصحي "جهاز الكفتة"، إلى الدجل المائي "نهر الكونغو"، مضى قارب الأساطير والحكايات الخارقة، ويتم الإعلان عمّا لم يعرفه الأولون، ولن يدركه (بالطبع) الآخرون من أن رجل المعجزات           سيمسح بكفّه على وجه النيل العظيم، فيصير نهراً جديداً أطول وأوسع من خلال عناقه مع نهر الكونغو.. على نحو تتوارى معه قصة معمر القذافي مع النهر العظيم خجلاً.                                               

يستخدم الرجل ومعاونوه استراتيجية ثابتة في التدليس، تقوم فيها بالدور الأكبر إدارة خاصة لهندسة الأكاذيب والأوهام، تطلق الكذبة، وهي تعرف عمرها الافتراضي، وقبل انتهاء صلاحيتها، تباغت الوعي العام بكذبةٍ جديدة أكبر، يتلهّى بها وينسى القديمة.. وهكذا دواليك.. أو أكاذيب كهذه.

ثلاثية غرناطة

ثلاثية غرناطة

ثلاثية غرناطة هي ثلاثية روائية تتكون من ثلاث روايات للكاتبة المصرية رضوى عاشور وهم على التوالي :
  • غرناطة
  • مريمة
  • الرحيل
و تدور الأحداث في مملكة غرناطة بعد سقوط جميع الممالك الإسلامية في الأندلس، وتبدأ أحداث الثلاثية في عام 1491 وهو العام الذي سقطت فيه غرناطة بإعلان المعاهدة التي تنازل بمقتضاها أبو عبد الله محمد الصغير آخر ملوك غرناطة عن ملكه لملكي قشتالة وأراجونوتنتهى بمخالفة آخر أبطالها الأحياء عليّ لقرار ترحيل المسلمين حينما يكتشف أن الموت في الرحيل عن الأندلس وليس في البقاء.
و قد صدرت عدة طبعات للثلاثية كانت الطبعة الأولى عن دار الهلال في جزئين عامي 1994 و1995 والطبعة الثانية عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 1998 والطبعة الثالثة عن دار الشروق عام 2001 والطبعة الرابعة (طبعة خاصة بمكتبة الأسرة) عن دار الشروق عام 2004 والطبعة الخامسة عن دار الشروق عام 2005.

و في عام 2003 قام ويليام جرانارا أستاذ اللغة العربية بجامعة هارفارد بترجمة رواية غرناطة إلى اللغة الإنجليزية وقامت بنشرها دار نشر جامعة سيراكوز بنيويورك.


قراءة أحمد دياب
على منوال ماركيز في "مائة عام من العزلة" ونجيب محفوظ في "الحرافيش"، تقدم لنا "رضوى عاشور" رحلة مع عائلة أبو جعفر المنصوري في الأندلس المفقود .. رحلة الحزن والأسى .. تبدأ الرواية من حي البيازين في غرناطة القديمة ثم تنتقل لأرض الأندلس المفقود لتنثر على أراضيه حكايات من الحزن والألم الذي لاقته هذه العائلة على مر السنين مقاومة لما تعرض له المسلمون في تلك الأيام من اضطهاد وتعذيب وتنكيل.
الآلام التي لا تنتهي والمعاناة التي ليس لها نهاية وما يتعرض له أهل الأندلس من قبل ديوان التحقيق ومفتشيه وعيونه في كل الأنحاء، بهذه الآلام تعيش مع الرواية، تعيش مع تلك العائلة، مع مريمة وحسن وسليمة التي أحرقوها لمجرد أنها عملت بالطب وداوت الناس، كما أحرقوا كتب أبي جعفر من قبل .. المشهد الذى أبدعت فيه الكاتبة في الوصف والتصوير لتجعلك تنتقل بكل كيانك إلى ذاك الزمان المنصرم لترى بأم عينيك ألسنة النار وهي تمزق الكتب وترى النيران التي تأكل كل هذا الكم من المعرفة لتعود لتلتهم سليمة من جديد.
"تبدو المصائب كبيرة تقبض الروح، ثم يأتي ما هو أعتى وأشد فيصغر ما بدا كبيرًا وينكمش متقلصًا في زاوية من القلب والحشا".
هل كان بوسعهم أن يصمدوا أمام سلطة لم تكن تبحث فقط عن حكم البلاد بل عن اجتثاث كل ما يمت للماضى بصلة! إلغاء العادات والتقاليد والأزياء و اعتبار كل متمسك بها مجرم .. تحدثك بالعربية جريمة .. طهوك للحوم في يوم الجمعة جريمة!! .. يجبرونك على اعتناق دينهم ويخيرونك ما بين التعميد أو النفى .. إما أن تؤمن بحقي في اضطهادك وإذلالك أو أقتلك، والأدلة جاهزة فأنت إرهابي تقاوم سلطتنا وتعترض على حقنا الإلهي في حكم أرضنا!
تعيش في الرواية مع مريمة التي أحبتها كل نساء غرناطة، مريمة ذات الحكايات التي لا تنضب، مريمة ذات ردة الفعل السريعة التي لطالما أنقذت بها المظلومين من براثن الديوان، مريمة التي ستبكي عليها طويلاً وعلى غرناطة التي أضعناها.
"وكأن همًّا واحدًا لا يكفي أو كأنّ الهموم يستأنس بعضها ببعض فلا تنزل على الناس إلا معًا".
أما زلت تبحث عن معنى "كنتم خير أمة أخرجت للناس"؟؟ حسنًا قارن معي بين موقف أمير المؤمنين عمر الفاروق عند فتح القدس وبين ما فعله الإسبان والقشتاليون في الأندلس، هل أغلق عمر دور العبادة؟ هل أحرق كتب أهل القدس؟ هل أحرقهم وشردهم وهجرهم قسريًا ونفاهم؟ قطعًا لا .. هذا هو ديننا وهذه هى أخلاق خير أمة.
أهم فكرة خرجت بها من الرواية أن الكتب ما هى إلا كنوز للفكر والثقافة وهي العامل الأساسي لبناء أي حضارة، وهي المقصد الذي يجب عليك أن تسدد ضرباتك إليه إذا ما فكرت في هدم حضارة، وهذا بالضبط ما قام به الإسبان فأحرقوا الكتب وحظروا امتلاكها وامتلاك أى شيء مكتوب بالعربية، صادروا المئات من تلك الكنوز وأحرقوها هكذا بسهولة، أحرقوا خلاصة العلم والثقافة والحضارة لمئات السنين في لحظة، تخيل أن هناك من سار على تاريخك بالممحاة فلا تذكر منه شيئًا، هذا هو بالضبط ما حدث؛ كل تاريخنا هناك أُحرق ومُحي، وبتقصيرنا أضعنا المتبقي منه، فلم نعد نعلم عن الأندلس سوى أنها كانت يومًا ما من بلاد المسلمين ولكنها سقطت فقط، هذا هو كل ما نعلمه عن بلاد غرناطة وإشبيلية وقرطبة وغيرهم من بلاد الأندلس.
عظمة هذه الراواية هي دفعها لك للبحث في تاريخك عن تلك الحقبة المجهولة، وتقدم لك ملخصًا لحياتهم الممتدة، عن عاداتهم ومعاناتهم، عن تعاملاتهم وحرفهم، عن كل شيء جميل في تلك البلاد التي آمل أن نعود لها مجددًا.
ختامًا إذا لم تكن قرأت هذه الرواية حتى الآن فاعلم أن الكثير من المتعة ستفقدها إذا ما لم تقرأها، فمن يبحث عن هموم التاريخ وأهواله فليقرأ تلك اللوحة الحزينة في تاريخنا المنسي.

قراءة منقولة

                           لوحة تسليم غرناطة                             



في اواخر صفحات الرواية يدور هذا الحوار :

- ننتظر النجدة..
- انتظرناها مئة عام!

هذه هي رواية ثلاثية غرناطة 
, مئة عام سردتها علي رضوى عاشور لحال المسلمين والاسلام والاندلس كاملة وتاريخها من خلال اسرة واحدة اسرة ابي جعفر وسليمة ومريمة ونعيم وحسن وعلي و و و ...مئة عام من الخذلان من الصدمات
من القسوة من الظلمات 

إن قرأت كثيرا عن المسلمين في الاندلس نفسها وتاريخها و البوسنا والهرسك او بورما او فلسطين او او مما يحصل لهم من مذابح واهانات وطمس للهوية وقمع فانك ستتعاطف ستتألم...
ولكن في هذه الرواية فأنك تذهب للاندلس حقا تعيش ألمها حقا تهجير أهلها بالفعل تبكي مع بكاءهم تعرف مامعنى ان لا تكون قادرا على تعليم ابنك الاسلام بل وحتى اللغة العربية تعرف مامعنى ان تمنع من الصلاة والصيام وتغسيل الموتى وكل ما يخص دينك وهويتك , تعرف ما معنى ان ترى بعينك مصحفك وهو يحرق وكتب العلم وهي تحرق امامك , ما معنى ان تتجه النساء للبغاء ما معنى ان تأتيك رسالة باللغة العربية وانت عربي ومسلم وتعجز عن قراءتها فتبحث عن من يقرأها لك شهورا فلا تجد

             تعميد نساء المسلمين جبراً بعد سقوط غرناطة              


كل صفحة من صفحات تلك الرواية كانت صفعة...صفعة ليفيق القارئ...ليعرف ان سماع الخبر السئ شئ وعيشه شئ آخر 
حين عشت بنفسي في كل صفحة كيف كان يعيش المسلمين هناك حمدت الله على ما انا فيه 
حين قرأت فتوى الشيخ المغربي التي ارسلها لشعب الاندلس المسلم بالتسهيل عليهم من أجل تحمل مايحدث لهم حين اخبرهم ان يتيمموا بدل الوضوء وان يصلوا الصلاوات جميعها في الليل قضاء حتى لا يراهم احد وان يكتفو بالنزول في البحر كطهارة لهم تحسرت...الفتوى في حد ذاتها مؤلمة جدا لا اتخيل ان يصل الحال بالمسلمين الى هذا الحد
             لوحة للرسام مانويل مورينو غونثالث تمثل طرد الموريسكيين من غرناطة        

شخصيات الرواية...ماهذه الشخصيات؟؟؟....كيف صاغتها رضوى عاشور بهذا الشكل؟...كيف جعلتني اشعر ان ابا جعفر جدي وان سليمة اختي وان مريمة والدتي وان علي ابني

الكثير من الحب والكثير الكثير من الدموع والقليل من الفرح عشته مع شخوص الرواية بكل ما فيهم من واقعية بكل ما عاشوه من مآسي وتحملوا وصمدوا وبقيوا على دينهم واخلاقهم...هذا هو حقا الثبات

الجزء الاول الذي يصف كيف ادى الحال بسليمة ان تموت حرقا لانها كانت مهتمة بعلم الاعشاب وكان هذا قطعا حال كل العلماء في هذا الزمن هو اتهامهم بالهرطقة واتباع الشيطان وحرقهم احياء...لا اصدق ولا يمكن ان اتخيل شعور زوجها وهو يرقبها امامه تحترق حية

الجزء الثاني يتحدث عن مريمة وحال المسلمين الذي تبدل من المقاومة والامل الى الترحيل والخسارة الكاملة

مشهد حمل حفيدها علي لها عجوزا وهي تبكي فتنزل الدموع على ظهره ابكاني

مشهد موتها ابكاني اكثر

الجزء الثالث يحكي حياة علي الذي برأيي ما كان الا رمزا لحال المسلمين في هذا االوقت هو الضياع التام والتيه والحيرة

اكثر شخصيات الرواية قربا الى قلبي هو علي

احببته احببته احببته بكل ما في

شعرت بالنار تضرم في قلبي حين قرأت مافعله معه خوسيه

والبيت والارض


احترق قلبي على حبه لكوثر ونهايتها بتلك الطريقة

واخيرا النهاية المؤلمة والجملة الاخيرة التي بقيت في اذهاننا جميعا

والحوار الاخير بين العرب هل يرحلون هل يحاربون فيه رمزيةفي غاية الروعة والاتقان

ما اعيبه فقط على الرواية الالم الذي سبب لبعض الشخصيات نوع من الهذيان فيه لوم لله جل جلاله على مشيئته خطته رضوى وعاشور ولست ادري حقا اهمية مثل هذا اللوم او الغرض منه

ابكتني كثيرا بكاءا مرا ليس على شخوصها فحسب وانما على ما ترمز اليه مما نحس به ونعيشه في واقعنا

هذه الرواية يجب ان تقرأ بالفعل من الجميع

ان كانت الكتب توثق تاريخ الاندلس

فهذه الرواية توثق قلوب اهل الاندلس ومعاناتهم

والله اعطتها أعطها ألفا من الخمس نجوم!!
!

اقتباسات من رواية ثلاثية غرناطة

“ما لخطأ فى أن يتعلق الغريق بلوح خشب أو عود أو قشة؟”.

“ما لجرم فى أن يصنع لنفسه قنديلا مزججا وملونا لكى يتحمل عتمة أيامه؟”.

“ما لخطيئة فى أن يتطلع إلى يوم جديد آملا ومستبشرا؟”.

“تتلبد السماء بالغيوم أحيانا.. ولكنها تشرق فى أحيان أخرى”.

“هل الماضى يمضى حقا، أم يعرش على أيامنا، أم أننا نعيش كالبيت فيه؟”.

” استغربت مثلكم عندما وجدت أن أهل مصر يكرهون حكامهم كما نكره نحن حكامنا الأسبان، واستغربت أكثر عندما رأيت بعينى وسمعت كيف يشير التركى أو المملوكى إلى الرجال من أهل البلاد فيقول: “مصرى فلاح!” يقولها بتعال وازدراء وكأنه واحد من الأسبان يشير لواحد منا “.


يقررون عليه الرحيل يسحبون الارض من تحت قدميه ولم تكن الارض بساطاً اشتراه من السوق، ...لم تكن بساطاً بل أرضاً تراباً زرع فيه عمره وعروق الزيتون.


 ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻳﺎ ﻭﻟﺪ أن ﻗﺎﺩﺗﻨﺎ ﻛﺎﻧﻮ أﺻﻐﺮ ﻣﻨﺎ .. ﻛﻨﺎ أﻛﺒﺮ ﻭﺃﻋﻔﻰ ﻭﺃﻗﺪﺭ ﻭﻟﻜﻨﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﺍﻟﻘﺎﺩﺓ. ﺍﻧﻜﺴﺮﻭﺍ ﻓﺎﻧﻜﺴﺮﻧﺎ.

 ولكن التأمل لا يدوم في حومة التعذيب وروع يحيل الصور والافكار إلى مزق وشرذات، بينما البدن مجرّح والروح كالطائر الذبيح تنتفض. 

 في وحشة سجنك ترى أحبابك أكثر، لأن في الوقت متسعًا، ولأنهم يأتونك حدبًا عليك في محنتك، ويتركون لك أن تتملى وجوههم ماشئت وإن طال تأملك. 

 
ليس الجحيم أن تصطلي بنار جهنم، بل بنار قلبك وهو مروّع، مضطرب وواهن، ولأن الكلام كل الكلام يجرحك. 

 
لا يأتي الكدر منفردًا، وكذلك الفرح يجيء وفيه أعقابه فرح سواه. 

 هل في الزمن النسيان حقًا كما يقولون؟ ليس صحيحًا. الزمن يجلو الذاكرة كأنه الماء تغمر الذهب فيه، يومًا أو ألف عام فتجده في قاع النهر يلتمع. لا يفسد الماء سوى المعدن الرخيص، يصيب سطحه ساعة فيعلوه الصدأ. لا يسقط الزمن الأصيل في حياة الانسان. يعلو موجه، صحيح. يدفع إلى القاع. يغمر ولكنك إذ تغوص تجد شجيرات المرجان حمراء، وحبات الؤلؤ تتلأ في المحار. لا يلفظ البحر سوى الطحالب والحقير من القواقع، وغرناطة هناك كاملة التفاصيل مستقرة في القاع، غارقة.

 
أحيانًا أقول إن الحياة تقسو بلا معنى ولا ضرورة، وأحيانًا أقول حظنا منها -وإن ساء- أقل قسوة من الآخرين، أقل بكثير.

 
أن تهيم على وجهك نهارًا وتستقبل المساء جالسًا في زاوية المسجد تؤلمك قرصة الجوع ولا يتقذك منها سوى النوم كتدثرًا بملفك الخشن.. ما الجديد في ذلك؟

 
يا الله: حجابك رغم هذه السماء الصافية- كثيف، توّجتني يتاج العقل وأبقيتي طالبًا فقيدًا يعجزه المسطور في الكتاب، هل أودعت يا رب القلب جواب السؤال؟ وكيف لي أن أشق صدري وأغسل قلبي من كل شائبة؛ فيصفو كما المزآة وينجلي؛ فأشاهد فيه معنى الحكاية والهدف!

 
يتلمس الغريب المكان، يتعرف ببطء عليه، وتبقى المسافة لتؤكد غربة المكان وغربته فيه. 

 يطوقنا الأعدائ ويحملوننا ما يكفي من العم ويزيد، وبالكاد نستطيع الوقوف في وحههم، لا نملك أن نُحيي العداوات القديمة.

 
لم يشقه في تلك الليلة الحنين، انبثق كالنبع فيه، مال عليه وشرب حتى ارتوى ثم غفا في أمان الله.

 نحن منحوسون، تلاحقنا الخيبة كظلنا، لا أمل في شيء، لا أمل!

 ابتعدت الأبواب والأقفال تغيرت فما نفع المفاتيح؟

 جور يومي ونهب في عين الشمس وضرائب لا تنتهي لسيد الأرض، ولبلاط الملك، وكنيسة الملك، وزفاف ابن الملك، وحرول سيدنا الملك، هل ما نحن فيه يُطاق؟

 كأن الأيام دهاليز شحيحة الضوء كابية يقودك الواحد منها إلى الآخر فتنقاد، لا تنتظر شيئًا! تمضي وحيدًا وببطء يلازمك ذلك الفأر الذي يقرض خيوط عمرك، تواصل، لا فرح، لا حزن، لا سخط، لا سكينة، لا دهشة أو انتباه، ثم فجأة وعلى غير توقع تُبصر ضوءًا تكذّبه ولا تكذّب، وقد خرجت إلى المدى المفتوح ترى وجه ربك والشمس والهواء، من حولك الناس والأصوات متداخلة أليفة تتواصل بالكلام أو الضحك، ثم تتساءل: هل كلن حلمًآ أو وهمًا؟ أين ذهب رنين الأصوات، والمدى المفتوح على أمل يتقد كقرض الشمس في وضح النهار؟ تتساءل وأنت تمشي في دهليزك الجديد.


 كيف يبدأ المرء حياته وهو في السادسة والخمسين؟ لا زوجة لا أولاد يبددون وحشة الأرض الغربية، ولا قبر جدة ينمو فوق صندوقها بستان؟ لماذا يرحل إذًا؟ قد يكون الموت في الرحيل وليس في البقاء؟

تحليل وقراءة أمل


الإطار الزماني و المكاني

الزمان : الفترة الزمنية للقصة تتميز بطولها، فهي تبدأ قبيل سقوط غرناطة في يد القشتاليين و تنتهي عند ترحيل المسلمين من الأندلس، أي أكثر من مائة عام.
المكان : تدور معظم أحداث القصة في غرناطة، بالذات حارة البيازين، و لكن بعض الأحداث تدور في عين الدمع و الجعفرية و بالنسية، خصوصا في الجزء الثالث من الرواية.

الراوي : الكاتبة.

الشخصيات

شخصيات الرواية عددها كبير جدا و لذلك سأحصي فقط الشخصيات الرئيسية، و هي التي تنتمي إلى عائلة أبي جعفر أو تمت له بصلة مباشرة.
أبو جعفر : شيخ كبير يعمل في تغليف الكتب.
سليمة : حفيدة أبي جعفر، و هي فتاة مولعة بالقراءة و العلم خاصة الصيدلة.
حسن : حفيد أبي جعفر، و همه الوحيد طوال القصة العيش في سلام و إبعاد الأذى عن أهل بيته.
أم جعفر : زوجة أبي جعفر، شخصيتها تتميز بالليونة و التفهم.
أم حسن : امرأة عادية تهتم بالأخص بعائلتها و مشاكلهم اليومية.
سعد : فتى من مالقة، اشتغل عند أبي جعفر و تزوج ابنته، و بعد سقوط غرناطة عمل مع المجاهدين.
نعيم : رباه أبو جعفر منذ كان صغيرا، اشتغل معه في تغليف الكتب، و بعد سقوط غرناطة، صار يعمل مع قس كبير في السن أخذه معه إلى أمريكا.
مريمة : زوجة حسن، امرأة ذكية و فطنة و هي الشخصية الرئيسية للجزء الثاني من الرواية.
عائشة : ابنة سليمة و سعد.
هشام : الابن الأصغر لحسن و مريمة، تزوج من عائشة، و اختار أن ينضم للمجاهدين.
علي : ابن هشام و عائشة، بعد رحيل أبيه و وفاة أمه عاش مع جدته مريمة حتى ماتت، ثم تنقل في مدن كثيرة إلى أن استقر في قرية الجعفرية قرب بالنسية، و هو الشخصية الرئيسية للجزء الثالث من الرواية.
عمر الشاطبي : شيخ قرية الجعفرية و كبيرهم.
أبو منصور : صاحب الحمام و الذي اشتغل عنده سعد بعد وفاة أبي جعفر.

ملخص الرواية

تنقسم الرواية إلى ثلاثة أجزاء : "غرناطة"، "مريمة" و "الرحيل" و هي تحكي قصة عائلة غرناطية ابتداء من الجد أبو جعفر إلى الحفيد الأصغر علي مرورا بمريمة. تتناول الرواية التفاصيل اليومية و الحياتية لهذه العائلة والأشخاص المحيطين بها و الأحداث المتوالية التي تمر بها، من وفاة، زواج، ولادة، سجن، اغتراب.. دون أن تغفل الكاتبة عن وصف أحاسيس الشخصيات و نفسيتها و إكراهاتها و ربطها بالظروف الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية للأندلس إبان سقوطه.


و قد استعملت الكاتبة هذه العائلة كرمز للأندلس بأسرها، و لذلك نوعت في أنماط الشخصيات التي تنتمي إليها. و ربما كانت حالات الوفاة المتتالية في الأسرة محاولة لتشبيهها بسقوط المدن الأندلسية واحدة تلو الأخرى. في نهاية القصة لم يبق من هذه العائلة إلا علي الذي كان على وشك الرحيل من الأندلس، و لكنه اختار أن يبقى في النهاية.

الأفكار الرئيسية

1- وصف مفصل للظروف الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و الدينية لغرناطة قبيل و بعد الاحتلال القشتالي.

2- وصف للظلم الذي كانت تعانيه الأندلس من طرف القشتاليين، الذين استباحوا القتل وهتك الأعراض، و حاولوا مستميتين تنصير المسلمين و طمس هويتهم و تخريب كل ما له علاقة بالحضارة الإسلامية كالكتب و المساجد. 
3- الأسباب الرئيسية لسقوط الأندلس لم تكن بالأساس سياسية، و إنما اجتماعية و نفسية أيضا. فبالرغم من أن بعض سكان الأندلس حاولوا الحفاظ على بعض المظاهر الدينية و على اللغة العربية و على الكتب التي كان القشتاليون يصادرونها و يحرقونها، إلا أنه في العمق، كان يوجد خلل في عدة جوانب، على الأقل هذا ما أوحته لي الرواية:
اختلال العقيدة، و هذا يظهر مع مجموعة من شخصيات الرواية (أبو جعفر الذي أنكر وجود الله قبيل موته، سليمة التي ما زالت تبحث عن الحكمة من الموت و من كل المصائب التي تمر على غرناطة، علي الذي ما فتئ يتساءل عن رحمة الله و قدرته).
هناك جانب آخر ركزت عليه الكاتبة كثيرا ألا و هو الجانب الأخلاقي، فمعظم الشخصيات ارتكبت أخطاء دون أن تحس بفداحة الأمر، مثل الزنى، تضييع الأمانة، شرب الخمر، السباب، الكذب و الاحتيال..
يظهر من الرواية أيضا أن الطقوس و الشعائر الدينية أصبحت مجرد تقاليد، فمعظم الشخصيات لم تتردد في قبول التنصير الشكلي و لم تحزن إلا على مظاهر الاحتفال في العيد و رمضان و طقوس دفن الموتى، و لكنها لم تهتم كثيرا لعمق الدين.
الاهتمام بالأمور المادية و المظاهر العمرانية أكثر من الجانب الروحي أو الإنساني )اهتمام أبي منصور بعمارة حمامه بينما هو يشرب الخمر، تزويج حسن لبناته من أسرة غنية معتمدا في اختياره على أساس مادي).
انتشار الخوف و ضعف الهمة و الاستسلام و الخنوع للمحتل و محاولة التعايش معه، اللهم إلا بعض المحاولات للثورة و التي غالبا ما كان ينقصها الإيمان و الخبرة.

أسلوب القصة

أسلوب القصة أسلوب أدبي راقي يتميز بمعجم لغوي غني و يجتمع فيه الوصف و الحوار بشكل متناغم و متقن، مما يجعل الرواية كقصيدة شعرية مكتوبة على شكل نثر أو سمفونية مؤلفة من كلمات ذات إيقاع موسيقي، إنها بحق رواية تطرب لها الأذن وينشرح القلب عند قراءتها.


ما أتفق فيه مع الكاتبة

1-قدرة الكاتبة على وصف الظروف السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الدينية للأندلس إبان سقوطها من خلال عائلة غرناطية واحدة ينم عن ذكاء و تمكن و احترافية كبيرة.
2-بالرغم من الكم الهائل من الشخصيات في الرواية، إلا أن الكاتبة أعطت لكل شخصية حقها حتى يخيل للقارئ أن الشخصية تجسدت أمامه بكل تفاصيلها الجسمية و النفسية. 
3- تطرق الكاتبة لسقوط الأندلس بشكل غير تقليدي، فهي لم تتحدث عن الأمراء و الملوك و الخلافات بينهم و عن الأسباب السياسية، بقدر ما تطرقت إلى عامة الشعب، همومهم و أحلامهم و اهتماماتهم و علاقتهم مع بعضهم البعض و مع الله. 
4-المقارنة بين غرناطة و القدس كانت ناجحة، و خاصة تساؤل علي (الشخصية الرئيسية للجزء الثالث) عن الأسباب التي جعلت الأولى تسقط دون رجعة، والثانية ترجع لأيدي المسلمين بعد الحروب الصليبية.

ما لا أتفق فيه مع الكاتبة

1-الجرأة الزائدة في بعض المشاهد بين الجنسين، والتي أعتقد أنه لم يكن لها دور في إغناء الرواية و كان من الممكن تفاديها دون الإضرار بالسياق العام. 
2-الجرأة في مخاطبة الذات الإلهية من قبل بعض الشخصيات، و لا أدري إن كانت الكاتبة قصدت ذلك لبيان اختلال في العقيدة، و لكني كقارئة صدمت عند قراءة هذا الحوار الداخلي و أعتقد أنه من الأفضل الاحتراس أكثر في مخاطبة الله.

تقييم القصة
الرواية رائعة و ناجحة بجميع المقاييس، أدبيا و لغويا و تاريخيا و اجتماعيا، وتدل على تمكن الكاتبة و خبرتها، و هي تستحق بجدارة كل الجوائز التي حصدتها، و لكن لم يرق لي الجرأة التي تعاملت بها الكاتبة مع بعض المشاهد، لذلك تقييمي للرواية هو4.5  من 5.

خاطرة
بعض الناس ربما يعتقدون أن ظروف الاحتلال في غرناطة تشبه مثيلتها في فلسطين، و لكني أرى أنه لا وجه للمقارنة، فكما أسلفت الذكر، الكاتبة تصف بالأساس الخلل النفسي والديني والأخلاقي الذي كانت تعاني منه الأندلس، بينما فلسطين الآن هي رمز القوة و الكرامة والشجاعة والإيمان، شبابها و شيوخها و نساؤها و حتى أطفالها، فمنذ بداية الاحتلال لم يخضعوا يوما ولم يستسلموا لمحاولات التهويد و طمس الهوية و لم يتوانوا عن الدفاع عن أرضهم و عرضهم.
و إذا ألقينا نظرة على التاريخ، نجد أن فلسطين احتلت مرات عديدة و في كل مرة كانت تحارب و تقاوم حتى تنتصر، أما الأندلس عندما سقطت لم تعد إلى أيدي المسلمين مرة أخرى، و هذا يدل على وجود اختلاف ما يجب أن نفكر فيه مليا حتى نتعظ منه، ربما هذا هو الفرق الذي كان يتساءل عنه علي بطل الرواية.




إعادة فهم الفكر السلفي



إعادة فهم الفكر السلفي
مهنا الحبيل

أحد الإشكالات الكبيرة في تعميم المصطلح السلفي، أنّ الفكرة في الأصل لم تنطلق كقاعدة جماعة أو تيار فكري، وإنما كعنوان عام أُطلق واستُخدم في فضاء علمي وسياسي واسع.

لستُ في زاوية بعيدة مطلقاً عما يُطلق عليه التيار السلفي وأطيافه المتعددة، وهي اليوم جزء رئيسي من الحالة الإسلامية الواسعة التي تُمثل أكبر تيار عريض في المنطقة العربية. وهناك مشتركات للتيار مع الرأي العام المسلم، ومع الفكرة الإسلامية الأصلية، وقواعد التشريع الرئيسية، ومع منظومة التفكير الإسلامي المعاصر، وقربي منها كمجتمع وعلاقات خاصة وثيقة منذ أربعة عقود.
لكن بعض الحوارات الخاصة، ومنها لقاء مع صديق وهو باحث سلفي، والحديث عن خلاف السلفية الإسكندرانية، وما تفرع عنه في حزب النور، وتجربته المتوترة مع إسلاميي مصر المخالفين له وخاصة الحالة السلفية النضالية، أتاحت المجال لفهم بعض الأبعاد والزوايا المهمة لتحليل موقف التيار السلفي.. وهنا تبدأ المشكلة، حين أقول التيار السلفي.
"السلفية عنوان عام أُطلق واستخدم في فضاء علمي وسياسي واسع يَصعب ضبطه. وسَبّب هذا التعويم اتهامات لتكتلات ومنظومات لا تؤمن بما اتهِمت به"
فهذا المصطلح للتيّار أو المدرسة، حمَل تحته توجهاتٍ واسعة للغاية، ولم يعد يكفي القول إن ما يمثله منهج الكتاب والسنة، فرغم أن هذه المرجعية -أي الكتاب والسنة ثم أصول التشريع التابعة لها- هي قاعدة عامة عند أهل السُنة، فإن واقع جماعات الحالة السلفية ومدارسها، باتت تتعدد فيها المواقف والرؤى، ولذلك فاختزال أي موقف سياسي أو فكري بأنه حالة نتاج سلفي، لم يعد مقبولا أبداً لا في مناقشته والرد عليه، ولا في تزكيته.
إن أحد الإشكالات الكبيرة في تعميم المصطلح السلفي على الموقف المقبول أو المرفوض، أنّ الفكرة في الأصل لم تنطلق كقاعدة جماعة أو تيار فكري، كحالة الإخوان على سبيل المثال، أو كجماعة التبليغ، أو كمدرسة فقهية أو سلوكية في أقطار العالم الإسلامي، وإنما كعنوان عام أُطلق واستُخدم في فضاء علمي وسياسي واسع يَصعُب ضبطه، وسَبّب هذا التعويم اتهامات لتكتلات ومنظومات لا تؤمن بما اتهِمت به.
وحتى تحوّل السلفية في بعض مساراتها إلى حالة مذهبية -وإن كانت ترفض المذاهب في بعض أجنحتها- فإن هذا التمذهب لم ينتظم في سلك مدرسة فقهية منضبطة بأصول المذهب، كما هو في المذاهب الأربعة أو بقيّة المذاهب السُنية، كمذهب داود وابن أبي ذئب وغيرهما.
وسبب ذلك أن المنهج بذاته يُصر على طرح استقلاله التشريعي من المصادر السنية، ولكنّ ذلك لم يوحد الرأي بل زاد في سعة الآراء الفقهية، وهو ليس قضية سلبية بل إيجابية، وإنما الإشكال حين تُنعت الآراء الأخرى بالضلال.
إن من الضرورة على كل المدارس الإسلامية وخاصة السُنية، المشاركة في نشر هذه المعاني، بعدم قبول تجريم أو محاصرة المنهج السلفي، بناءً على شخصيات انتمت إليه وتبنت لافتة غلو مدني أو عسكري، لكن المشكلة الكبرى أن هذه الحاجة الماسة للمراجعات الكبرى لمصطلحات التعريف بالحالة السلفية، لم تعتن بها مؤسسات مستقلة الرؤى من ذات المدرسة لمناقشة آفاق الفكرة وقواعد نسبتها إلى الشخصيات والتيارات المتعددة.
كما أن هذا الاستقلال -رغم أنه في ذاته قيمة إيجابية- وسّع من دائرة التوظيف السياسي للمصطلح، وصناعة جماعات متعددة هي أذرع سياسية وظيفية، أو تمرّ بحالة ظرفية من الصراع السياسي أو الاجتماعي، وليست في الحقيقة آلة فكر سلفي مستقلة، ولذلكاختلطت تعريفات كثيرة وطاشت الصحف, كلٌّ يعزف من هواه في أحداث وأفكار نُسبت إلى الفكرة السلفية.
"نشطت حالات صوفية في الخليج العربي مؤخراً، وهي حالة غريبة تجمع بين الجامي الذي يُضلل بقسوة كل صوفية السُنة، وبين فصيل صوفي يُهاجم دوريا الإخوان والنموذج التركي ذي الجذور الصوفية العميقة"
ولذلك كتبتُ مبكراً في الجزيرة نت، وتعرضت في سلسلة مقالات لمحاولة تقسيم معرفي أولى لمثل هذه التوجهات المتعددة في الحالة السلفية، وفصَلتُ السلفية الطائفية، والمقصد أنها طائفية ضد أهل السُنة ذاتهم، وتفرزهم عن الإسلام أو تحكم بضلالهم، في حين أن المنهج السلفي القديم كان مشاعاً في أقطار المسلمين ومدارسهم منذ العصور الأولى التي تعتبر مدرسة أهل الحديث جيلها الأول، وإن لم يسلّم بهذا الرأي، وسلسلة تطورها وصولا إلى الإمام العظيم أحمد ابن تيمية، وهو غير مسؤول عن نزعة غلو بعض تلاميذه من بعده، ولا ما يُنسب إليه زوراً، وإن كان هذا لا يزكّيه بالمطلق فله أخطاء معلومة، كغيره من العلماء. 
وخارج السلفية الطائفية، هناك مسارات كثيرة من سلفية تقليدية وعلمية وإصلاحية وجهادية، وثورية نضالية، وُلدت مع الربيع العربي في مجموعات وشخصيات جديدة، بل إن المسلك العقلاني والتنويري كان حاضراً في هذه السلفيّات عبر مدرسة الأستاذ محمد رشيد رضا، ونزعته التي رآها توافقية بين سلفيته وبين طرح الأستاذ جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده.
كما أن مسلك التذكير بصحة الحديث وملازمته للحكم بحسب فهم المجتهد السلفي، هي سمة عامة أثرت عملية التأصيل التي غُفل عنها في مدارس التقليد المذهبي، وأصبحت نهجا حيويا في حالة طلب العلم الشرعي الحديثة، وقس على ذلك الاعتناء بباب السُنن في المظهر، وإن تعددت الخيارات فيه.
القضية هي في فكرة حمل الناس على هذه الرؤى بالتعنيف اللفظي أو جعلها أولوية لازمة، وليس دعوة مدنية سلمية بالحسنى، يقدمها المحتسب السلفي وفقا لقناعته الشرعية، دون تضخيم.
من هنا يزداد الأمر تعقيداً، حين يُسلّط الضوء على التوظيف الرسمي على مدى قرون، حتى زمننا المعاصر، وربط ما ذكرناه من تسلسل المدرسة السلفية بمشاريع سياسية وسياسات دول ربطاً إلزامياً قهرياً. ولا يشك باحث في بطلان هذا القول، فالنزعة السلفية أقدم بكثير، كما أوضحنا.
لكن الإطباق السياسي على استخدامها لم يكن وليدا للنموذج الجامي الذي يُصنّف اليوم مهنيا كحالة سياسية لا فكرية. واحتجاجُ علماء وتيارات سلفية على ربط الجامية بها كما هو ربط داعش، احتجاج له حظٌ كبير من النظر، لكنه لا يلغي مصادر تأصيلية ومراجع تُستخدم هنا وهناك، دون أن يكون ذلك مبرراً لقاعدة تشريع لاتهام مجاني للسلفيين.
إن هذا التوظيف السياسي عميق، وتأثيراته تشمل الحالة الوطنية لكل قطر عربي، كما تشمل صناعة الفكر الإسلامي المعاصر، واستخدامه لمحاصرة الإصلاح واضح المعالم، لكن هذا التوظيف موجود في حالات صوفية -على سبيل المثال- نشطت في الخليج العربي مؤخراً، وهي حالة غريبة تجمع بين الجامي الذي يُضلل بقسوة كل صوفية السُنة، وبين فصيل صوفي أيضا تمت صناعته حديثا، وهو يُهاجم دوريا الإخوان والنموذج التركي ذا الجذور الصوفية العميقة.
"أحيانا يصبح طرح كشف الوجه الشرعي أو قيادة المرأة للسيارة أو غيرها من سعة الشريعة، مبررا لحرب ثقافية، وتصنيف عنيف، ورفض لمسار إصلاح وطني، وحتى لمفاصلة وفرز عقائدي"
وفرزُنا لهذا التوظيف نوعٌ من ضرورات الإنصاف المهني الدقيقة، لكنه لا يُجيب عن قضية استخدام المشاريع السياسية عبر هذا المفهوم، ولا عن مواقف تقاطع مشيخات وتيارات، دون أن تشعر مع هذا التوظيف بما جرى على سبيل المثال في قضية إسقاط الجيش السوري الحر، أو بما يجري دائما عند أي نوع من التحشد الإسلامي المشترك لمصالح الأمة وبيضتها.
فيُلقى على تجمع سلفي أن هؤلاء سُنّة أشاعرة أو مذهبيون شوافع أو أحناف أو صوفيون سنة، فتنهار مواقف عديدة ويضطرب بعض الصف السلفي، لدرجة وضع العلاقة مع القوى الدولية المناهضة للأمة في موقف الحليف ضد هذه المشارب السُنية. وأحيانا مجرد طرح كشف الوجه الشرعي أو قيادة المرأة للسيارة أو غيرها من سعة الشريعة، يُحوّل كمبرر لحرب ثقافية، وتصنيف عنيف، ورفض لمسار إصلاح وطني، وحتى لمفاصلة وفرز عقائدي.
إنها أزمة عميقة تحتاج إلى حركة بحث كبيرة ووضع أطر لمعالجتها، وخاصة أمام حملات التوظيف الخطيرة في المعسكر الغربي والتي يُعد لها اليوم بدقة لهدم البيت المسلم، كل البيت، وإن كانت قواعده التاريخية في عهدة قلب الأمة وهم أهل السُنة.
ولنا عودة إلى الحوار عن جناح من السلفية الأسكندرانية وخصومه

بلا حدود- مقتطفات 2015


مقتطفات 2015




في وداع العام 2015، خصصت الحلقة الأخيرة من برنامج "بلا حدود" الأربعاء 30/12/2015 لاستعراض أهم المقتطفات التي وردت في حلقات البرنامج بحسب تواريخ عرضها.

كانت البداية مع السياسي والإعلامي يورغن تودنهوفر الشخص الوحيد الذي سمح له تنظيم الدولة الإسلامية بأن يزوره في المناطق التي يسيطر عليها.

التحالف والتنظيم

وصف تودنهوفر التحالف الدولي الذي يحارب التنظيم بأنه يفتقر إلى الأهمية والتأثير. وفي مقتطف آخر قال إن العرب يحاربون بعضهم وغير موحدين، على عكس أوروبا، داعيا إلى رفض القواعد العسكرية في البلاد العربية وبحث ترتيبات مع إيران، فالغرب يروق له أن تنشب الحروب بين العرب وإيران.

في مقتطف آخر كان رئيس جمهورية ألبانيا بوجار نيشاني يتحدث عن ألبانيا التي تحاول منذ سنوات طويلة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وقال إن الاتحاد وضع ألبانيا -البلد ذا الغالبية المسلمة- في وضعية بلد مرشح، مما يعني بحسبه أن الباب مفتوح مستقبلا للانضمام.

من ناحيته كان عبد الإله بنكيران في المقتطف الذي عرض في الحلقة يشن هجوما على خصومه السياسيين، داعيا من يخاصمه إلى أن ينتظر الانتخابات أو فليذهب ليحرك الشارع.
الجولاني
واستعادت الحلقة جانبا من اللقاء الذي تحدث فيه أمير جبهة النصرة أبو محمد الجولاني والذي قال فيه إن أميركا تساند النظام السوري وإن دورها تخديري، معتبرا أن التصنيف الأميركي للإرهاب هو موجه لمن يخرجون عن إرادتها.

الأستاذ في كلية العلاقات الدولية بوزارة الخارجية الإيرانية محمد كاظم سجادبور قال في حلقة حول نفوذ وطموحات إيران في المنطقة إن القيم الإيرانية والعودة إلى الجذور قيم تريد إيران نشرها في العالم. وعلق على رفع العقوبات عن بلاده بعد الاتفاق النووي بأن العقوبات ظالمة وأن طهران صدت المؤامرات وحلت أصعب أزمة في العالم وهي الملف النووي.
الاتفاق السيئ والمتاح
في حلقة تحدث فيها عضو المجلس الرئاسي في البوسنة والهرسك باكر علي عزت بيغوفيتش وصف اتفاقية دايتون التي وقعها والده أول رئيس للبوسنة في منتصف التسعينيات بأنها اتفاقية سيئة وغامضة وغير عادلة.

وأضاف أنه رغم ذلك لم يكن بالإمكان توقيع اتفاق أفضل، وكان ينبغي وقف الفظائع التي ارتكبت في البوسنة، مختتما بأن تحمل مسالك المفاوضات لألف يوم أهم من القتال ليوم واحد.

أما زعيم حزب العمال البريطاني جيرمي كوربن الذي فاز بالزعامة رغم الحملة الضارية ضده فقال إن الرهاب من الإسلام ومراقبة وملاحقة وتفتيش الشباب خوفا من التحاقهم بتنظيم الدولة، يحل سلوكيات غير جيدة قد تضر بالمجتمع.

وفي الشأن السوري كان أنطونيو غوبيريس المفوض السامي لشؤون اللاجئين يتحدث عن أن أطراف الصراع إذا ما استمروا في الاحتكام إلى القوة فإنه لن يحدث أي تقدم في حل الأزمة برمتها.

لا مكان للأسد
وفي الشأن السوري أيضا تحدث إبراهيم كالين كبير مستشاري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فقال إن سوريا تعرضت لواحدة من أكبر الكوارث التي أدت إلى أن الرئيس بشار الأسد لا مكان له فيها، وأن العملية الانتقالية لا بد أن تكون نهايتها رحيل الأسد.

وفي حلقة لبرنامج "بلا حدود" استضافته وصف وزير الخارجية اليمني عبد الملك المخلافي الوضع في وزارته بالسلبي مع أنه المكان الأول الذي على السلطة الشرعية أن تهتم به.

وكشف عن وجود شخصيات في وزارة الخارجية منذ ما بعد الانقلاب لا تؤمن بالثورة، وأكد أن الإجراءات جارية لتعديل الوضع دون إقصاء لأحد على أساس مناطقي إلا لمن يثبت أن لا ولاء له للشرعية.