الثلاثاء، 31 يوليو 2018

"إسرائيل الصديقة المسالمة"


"إسرائيل الصديقة المسالمة"
 عبد الرحمن الشهري
كاتب سعودي

بالتوازي مع العدوان الذي تشهده غزة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، هناك حملة إعلامية شرسة ضد المقاومة ومحاولة قذرة لشيطنتها وتجريمها، بل وتحميلها مسؤولية جرائم القتل والتدمير التي تمارسها إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني، هذه الحملة تقودها قنوات وصحف "عربية".

وبمتابعة هذه القنوات والصحف لا يمكنك إلا أن تدرك حقيقة واحدة يحاولون إيصالها للمتابع العربي، وهي "أن إسرائيل دولة صديقة مسالمة، وفصائل المقاومة عدوة إرهابية"، وبتتبع تصريحات وبيانات هذه المنابر الإعلامية "المتصهينة"، نجد أنها ليست إلا رجع صدى لتصريحات القادة والمتحدثين باسم حكومة وجيش الاحتلال الصهيوني.

* إسرائيل الصديقة المسالمة!

الموقف المخزي الذي تمارسه معظم الدول العربية اليوم بأدواتها وأبواقها الإعلامية ينطلق ابتداء من معاداتهم لجماعة الإخوان المسلمين، على اعتبار أن حركة حماس هي الفصيل الأكبر في المقاومة، وهي بدورها تمثل الجماعة وسياساتها، هذا الهوس والجنون لم يترك فيهم من الحس والمروءة ما يدفعهم لنصرة المظلوم، أو الكف عن تثليب المقاومة فضلا عن دعمها، فأشعلوا بيادقهم وسددوا نضالهم لتسابق مقاتلات صهيون، وسلمت دولة الاحتلال منهم ومن الطفح الإنساني الذي أصابهم فأثارتهم جرائم المقاومة!

في كتاب "المثقفون العرب وإسرائيل"، يذكر جلال أمين كيف تبدلت استخدامات كلمة "السلام"، تاريخيا وسياسيا، حتى أصبحت تعني: دولة إسرائيل، يقول جلال أمين: في إحدى الندوات أبديت اعتراضي على التعاون الاقتصادي مع إسرائيل، فإذا بأحد المشاركين المؤيدين لهذا التعاون ينظر إليّ شزرا ويسألني باستغراب شديد: "هل أنت مع أم ضد السلام؟"، واحترت في الحقيقة بما أجيبه!

فقد تبين لي أنه استخدم كلمة "السلام"، بمعنى جديد تماما وهو "إسـرائيل"، فبدلا من أن يسألني: هل أنت مع أم ضد إسرائيل؟ سألني هذا السؤال العويص: هل أنت مع أم ضد السلام؟

إن تبدل استخدام كلمة السلام يبين المعنى الحقيقي لشعار "الأرض مقابل السلام"، فمن الواضح أن الفهم الشائع له هو أن يمنح العرب السلام للإسرائيليين مقابل أن يحصلوا على أراضيهم المحتلة، وهذا فهم خاطئ تماماً، فمعناه الحقيقي هو أن يحصل الإسرائيليون على الأرض كلها، ويحصل العرب على السلام، بمعنى الموت "الراحة الأبدية".

هؤلاء الذي اصطفوا مع الصهاينة في وجه المقاومة الفلسطينية هم أعداء الشعوب منذ اندلاع الثورات العربية، وهم ذاتهم من يقود الثورة المضادة في كل أرض عربية، إن المقاومة روح الأمة، وهي في غزة البقية الباقية من ضمير أمة يراد له الراحة الأبدية.

الإعلام.. جزء من الحلّ أم أكبر مشكل؟

الإعلام.. جزء من الحلّ أم أكبر مشكل؟  
منصف المرزوقيرئيس تونس السابق

يَعتبر جلُّ الصحفيين في العالم أن لهم الحق في نقد رجال ونساء السياسة، وهو موقف أشاطرهم إياه تماما؛ والدليل على ذلك أنني -طيلة رئاستي للجمهورية التونسية (2011-2014)- لم أسعَ لإيقاف أي وسيلة إعلام ولم أقاضِ صحفيا واحدا، رغم ما تعرضتُ له من حملات شنيعة ومجانية. لكن كل حق يقابله واجب، وهو في قضية الحال واجب الصحفيين تقبّل نقد رجال ونساء السياسة لهم.
تفاديا لكل سوء فهم أو تأويل متسرع؛ ليُسمح لي بالتأكيد -بأقصى قدر من القوة- على أنه لا مساومة في حرية الرأي والتعبير، مهما كانت الأخطاء والتجاوزات في استعمال هذا الحق، وأنني أعلن كامل التضامن مع أي صحفي مهني وشريف في العالم يتعرض للظلم السياسي، وأخص بالذكر الصحفيين المصريين وعلى رأسهم محمود حسين.
لكن الصحافة هي اليوم السلطة الرابعة، فعليها القبول بأن تحاسَب هي الأخرى على طريقة ممارستها لسلطتها، إذ لا توجد سلطة دون مسؤولية ومن ثَمّ محاسبة.
المبدأ الذي تنبني عليه حرية الصحافة مضمَّن في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فالمادة (19) تقول: "لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيتَه في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود".
ما وضعه المشرّع العالمي والمشرّع المحلي جانبا هو أن ناقل الأنباء والأفكار قد لا يكون متشبعا بالقدر الكافي من الأخلاقيات المهنية، حيث يمكنه أن يفبرك الأنباء الكاذبة وأن يخدع من يتوجه إليهم في خدمة إحدى المجموعات المتصارعة على الثروة والسلطة والاعتبار داخل المجتمع. كذلك غاب عنهما أن متلقي المعلومات قد لا يكون قادرا على فرز الغث من السمين، وأنه يمكن أن يتسمم بآراء وأفكار أبعد ما تكون عن تحقيق مصالحه

وفي دستور الجمهورية التونسية ينصّ الفصل (31) على أن "حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة. لا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات." ويؤكد الفصل (32) نفس المبدأ حيث "تضْمن الدولة الحق في الإعلام والحق في النفاذ إلى المعلومة. تسعى الدولة إلى ضمان الحق في النفاذ إلى شبكات الاتصال''.
ما وضعه المشرّع العالمي والمشرّع المحلي جانبا هو أن ناقل الأنباء والأفكار قد لا يكون متشبعا بالقدر الكافي من الأخلاقيات المهنية، حيث يمكنه أن يفبرك الأنباء الكاذبة وأن يخدع من يتوجه إليهم في خدمة إحدى المجموعات المتصارعة على الثروة والسلطة والاعتبار داخل المجتمع.
كذلك غاب عنهما أن متلقي المعلومات قد لا يكون قادرا على فرز الغث من السمين، وأنه يمكن أن يتسمم بآراء وأفكار أبعد ما تكون عن تحقيق مصالحه، بل إنما هي في خدمة من يسمّمونه بأفكار وآراء تحقق مصالحهم هم.
ويعني ذلك أنهما نسيا التركيز على حق الإنسان في الحماية من الاعتداء على العقول، مثلما نص صراحة الإعلان العالمي والدستور على حقه في الحماية من الاعتداء على الأجساد.
إن إطلاقية المبادئ -أيًّا كانت- وسُمُوَّها هو مصدر قوة لأنه يضعها في مرتبة القوانين الطبيعية أو الإلهية. لكن الأمر كذلك مصدر ضعف، لأنه يُخفي كل النواحي السلبية التي سيُنتجها عند احتكاكه بطبيعة بشرية يتجاور فيها الخير والشرّ، ومجتمع تتصارع فيه قوى جبارة بكل الوسائل من أنبلها إلى أحقرها، لتحقيق مصالح شرعية أو غير شرعية.
شتّان بين النظرية والواقع المرير؛ نعم هناك صحفيون شرفاء الكثير منهم قُتل وسُجن، ويجب ألا نتوقف عن دعمهم. لكن بين مجنّد الاستبداد ومجنّد المال الفاسد ومجنّد الأيديولوجيا رأينا الوظيفة النظرية المعلن عنها تضيع، بل وتنقلب إلى نقيضها.
أيّ محلل منصف يستطيع القول اليوم إن الإعلام العربي -إلا من رحم ربّك وربك لم يرحم الكثيرين- يقوم بإنارة الرأي العام في كبرى مشاغله، عبر تمكينه من المعطيات التي لا يصل إليها الأفراد بجهدهم الشخصي، وأنه يمدّهم بالتحاليل النزيهة ويقدّم لهم مختلف الآراء بحيادية. وذلك لتمكينهم من أخذ أحسن القرارات المفيدة لهم وللمجتمع، دون محاولة تضليلهم أو التأثير عليهم.
سيكتشف من سيدرسون تاريخ الثورات العربية كيف أن حرية الرأي والتعبير -التي جاءت بها الثورة- انقلبت وبالا عليها، وقد استخدمتها الثورة المضادة بفعالية لضرب الثورة، التي دانت لها بالوجود أصلا. مثلما سيكتشفون الدور الهائل الذي لعبه الإعلام في تفجّر هذه الثورة وتوسعها: قناة الجزيرة نموذجا، وإلى درجة كبيرة منصات التواصل الاجتماعي كإعلام بديل.
يبقى أن ما سُمّي في تونس بعد الثورة إعلامَ العار، شكّل مهزلة ومأساة في آن واحد، وأنت ترى صحفيين تزلفوا عقودا لبن علي يصبحون السيف المسلول -باسم حرية الرأي والتعبير- على كل ما هو شريف ونبيل من أشخاص وقيَم وسياسات.
بعد الثورة المباركة؛ تكلفت قنوات تلفزيونية وصحف بعينها وصحفيون يعرفهم في تونس القاصي والداني بتدمير الثورة عبر الكذب والإشاعات والتحقير، خدمة للمال الفاسد وأكثره آتٍ من الخارج، وتحديدا من النظام الذي آلى على نفسه تدمير الربيع العربي، أي النظام الإماراتي.
ما السبب؟ ذات يوم لم يستحيِ صحفي تونسي (كان يستجوبني بمنتهى الفظاظة وقلة الأدب ورأيته فيما بعد يتمسح بمنتهى المذلة للرئيس السبسي) من القول: ماذا تنتظر من صحفي يتقاضى شهريا 600 دينار؟
هو وضعَ بهذا إصبعه على أصل الداء، أي الهشاشة الاقتصادية لأغلب الصحفيين، التي تجعلهم عرضة للابتزاز سواء من الدولة الاستبدادية أو من الديمقراطية الفاسدة.
سيكتشف من سيدرسون تاريخ الثورات العربية كيف أن حرية الرأي والتعبير -التي جاءت بها الثورة- انقلبت وبالا عليها، وقد استخدمتها الثورة المضادة بفعالية لضرب الثورة، التي دانت لها بالوجود أصلا. مثلما سيكتشفون الدور الهائل الذي لعبه الإعلام في تفجّر هذه الثورة وتوسعها: قناة الجزيرة نموذجا، وإلى درجة كبيرة منصات التواصل الاجتماعي كإعلام بديل

عند دخولي قصر قرطاج اكتشفت ما يسمى الصندوق الأسود وفيه مليون دينار سنويا، يتصرف فيها رئيس الدولة دون حسيب أو رقيب. وهذا المبلغ هو الذي كان يشتري به بن علي الصحفيين الذين فضحهم الكتاب الأسود (الموجود على الإنترنت).
سبب ثانٍ لتفشي الخداع والتمويه والكذب والتحريض –وقد تفاقم بكيفية مذهلة مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي- هو اكتشافنا جميعا لضعف مناعة المجتمع غير المتعوّد على التمييز بين الحقيقة والإشاعة، وضعف حماية الدولة لمواطنيها من التضليل الإعلامي.
المشكلة اليوم وغدا -بالنسبة لنا كعرب يتلمّسون طريقهم نحو نظام ديمقراطي حقيقي ما زال هدفا بعيدا- هي أنه تحتَ حجة إجبار الصحافة على احترام الحقيقة (وهي عادة حقيقة صاحب السلطة) تُسنّ القوانين والتشريعات للحدّ من حرية التعبير.
وفي الاتجاه الآخر؛ أصبحت قوى الفساد والاستبداد بارعة كل البراعة في استعمال ما تملك من أدوات وأموال -خاصة إبان الحملات الانتخابية-تحت ستار حرية التعبير، لتضليل الشعب ودفعه نحو مزيد من الحيرة والتخبط وفقدان البوصلة، لينتهي به الأمر محبَطا وعاجزا عن تبيّن طريق خلاصه.
الخطر في بدايته؛ فها هي تقنيات الذكاء الصناعي ستزيد الطين بلة، حيث يمكن للتقنيات المرتقبة محاكاة الصوت، بما يعني أنك قد ترى وتسمع خُطبا وتصريحات مزيفة لتحطيم الخصوم السياسيين، ويومها ماذا سيبقى للإعلام من مصداقية وعن أي ديمقراطية سنتحدث؟
وهنا يتضح أن فساد الإعلام هو الجزء الظاهر من جبل الجليد؛ أما تحت السطح فالقاعدة الصلبة هي الفساد المالي والفساد السياسي أما الفساد الإعلامي فهو مجرد أداة لهما، بما معناه أننا لن نقضي على الفساد في الإعلام إن لم نقضِ عليه -أو على الأقل نحاربه بفعالية وطول نفس- في السياسة والاقتصاد، وحتى في الثقافة والتديّن.
كل هذا لن يقع دون ضغط من شعب المواطنين؛ أي مما يتبلور من قوى تتشكل يوما بعد يوم تحت أنظارنا في قالب منظمات المجتمع المدني والأقلام الحرة، وغدا في مؤسسات دستورية فعالة للرقابة.
وفي آخر المطاف فإن الإعلام مرآة ومؤشر على وضع المجتمع والدولة. حيث لا نتصور مجتمعا سليما ودولة في خدمته قادرَين على إنتاج أو التعايش مع إعلام فاسد. والعكس بالعكس؛ مما يعني أن حالة إعلامنا اليوم ليست إلا الصورة المنفّرة لمجتمعاتنا ودولنا، وما وصلت إليه من أزمة روحية وأخلاقية، هي الأساس الذي ترتكز عليه الأزمات السياسية والاقتصادية التي تهدد وجودنا كشعوب وكأمة.
أخيرا وليس آخرا؛ أهم إشكالية تتعلق بنوع معين من الإعلام هي دوره المتعاظم في رسم صورة مهلوسة عن الواقع، تفاقم صعوبة العيش لكل إنسان.
نحن بحاجة إذن إلى الاستثمار وتشجيع الإعلام الثقافي والعلمي والفني، وأن يكون لنا إعلاميون كبار يتخصصون في هذه المجالات، حتى يمكن التخفيف من سلبيات إعلام نصف الكأس الفارغ. القضية إذن أعمق من الهشاشة الاقتصادية للإعلاميين، ومن تبعيَتهم الأيديولوجية. إنها أيضا قضية رؤية وتصوّر لدور الإعلام في المجتمع، وهل هو الإثارة في كل نشرة أخبار

إن من ينظر إلى برنامج أي قناة تلفزيونية في العالم أو يفتح أي جريدة -والأمر ليس وقفا على وسائل إعلام العرب وبقية الشعوب المتخلفة- لا يكتشف إلا المآسي والكوارث والخصومات، سواءً أكانت على مستوى شعوب أو جماعات أو أفراد.
ولو طُلب من دارس من المريخ أن يكوّن فكرة عن البشرية -انطلاقا من إعلامها- لما تردّد في القول إنه أمام جنس همجي مجنون، لا يَصلُح ولا يُصلَح.
لكنه لو تجاوز هذا السحاب من المعطيات الجزئية المفككة السطحية التي يعيش بها الإعلام، لاكتشف أن 99% من السبعة مليارات إنسان يعيشون في سلام، وأن الانتحار يقتل أكثر من الحروب، وأن هناك ارتفاعا متواصلا في مستوى العيش والصحة لأعداد متزايدة من البشر، وأن التقدم العلمي والتكنولوجي يتسارع بكيفية لم يسبق لها مثيل.
وبالتالي؛ سيكون تقرير زائرنا المريخي مختلفا تماما، وهو يركز على أنه أمام جنس حيّ يطوّق العنف داخله في جيوب صغيرة يسعى طوال الوقت لإخماده، وأنه جنس مبدع خلاق وديناميكي بكيفية مذهلة.
هذا النوع من الإعلام لا يرسم عن واقعنا إلا جزأه المظلم، باعثا في النفوس الإحباط والشكّ والخوف؛ وقد يكون هذا الأمر أخطر تبعات إعلام لا يعيش إلا على الأخبار السيئة.
هذا لا يعني بالطبع أن عليه أن يتغاضى عن كل سلبيات المجتمع والكوارث التي تحيق به؛ وإلا كان هنا أيضا أداة مغالطة في الاتجاه المعاكس، كالذي تسعى إليه كل السلطات الاستبدادية لتزيين صورتها.
كلّا؛ فالمطلوب من إعلام مسؤول وفي تناغم مع الواقع المعقّد هو أن يعطي للناس صورة حقيقية عن واقع معقد ومتحرك، تتجاور فيه قوى التدمير وقوى الخلق، ويكون دائم اليقظة حيال عمل القوتين.
نحن بحاجة إذن إلى الاستثمار وتشجيع الإعلام الثقافي والعلمي والفني، وأن يكون لنا إعلاميون كبار يتخصصون في هذه المجالات، حتى يمكن التخفيف من سلبيات إعلام نصف الكأس الفارغ. القضية إذن أعمق من الهشاشة الاقتصادية للإعلاميين، ومن تبعيَتهم الأيديولوجية.
إنها أيضا قضية رؤية وتصوّر لدور الإعلام في المجتمع، وهل هو الإثارة في كل نشرة أخبار لأن نقل حوادث الطيران والسباب المتبادل بين السياسيين ومشاكل الدول المتنافسة، أسهل بكثير من التنقيب عن الفعاليات الصامتة التي تصنع الأمل في كل لحظة وكل مكان؟ أم هو تقديم الواقع بتعقيده وديناميكيته، بحلوه ومره، بفظاعاته وروائعه؟ وهذا أمر يتطلب تغيير الرؤية والبرمجيات التي تتحكم في عقول الإعلاميين ومراجعة جذرية لدورهم في المجتمع.
كذلك على الدولة الديمقراطية أن تعتبر أن عليها واجبين متلازمين: واجب حماية حرية وكرامة ومستوى عيش الإعلاميين، وذلك بكل ما يلزم من تدابير قانونية ومادية وواجب حماية المواطن من الكذب والتضليل، بما يلزم من عقوبات رادعة للمنحرفين الإعلاميين؛ وإلا فإنها فوضى العقول والقلوب التي لن تقود إلا إلى مزيد من فوضى وخراب المجتمع.

الثورات العربية المضادة والخروج البريطاني

الثورات العربية المضادة والخروج البريطاني  
 

كان العداء الصريح للحركات الإسلامية من الخصائص والسمات الجوهرية التي استندت إليها الثورات المضادة للربيع العربي، في تقديمها نفسها للمجتمعات الأوروبية فيما خلف الأبواب المغلقة.
وقد وصلت هذه الثورات المضادة -في هذا السبيل- إلى نقاط خطرة على مستقبلها هي نفسها؛ فقد أعلنت ممارساتها بوضوح أنها -من أجل بقائها في السلطة- لا تجد أي مانع في أن تخاصم الذات، وأن تنفي الهوية بكل وسيلة ممكنة، بما في ذلك التصفية الجسدية للجموع وليس للأفراد فحسب.
ومع أن خبراء السياسة الأوروبيين -بحكم ثقافتهم- كانوا يعلمون أن هذا التوجه محكوم عليه بالفشل المؤكد لأنه ضد طبائع الأشياء؛ فإنهم لم يجدوا غضاضة في أن يشيروا على أصحاب القرار في دولهم، بأنه ليس هناك ما يمنع الحكومات الأوروبية من أن تستفيد من بعض الفرص المالية السانحة، المرتبطة بمثل هذه الموجة العابرة (أو المؤقتة) من التوجه الحاكم لهذه الثورات العربية المضادة، بما لا يبدو تخليًّا تاما عن القيم الإنسانية والأوروبية.
"حدثت نقطة بارزة مثلت تاريخا مفصليا حين أسفرت نتائج لقاء وزيريْ خارجية السعودية والإمارات برئيس إحدى الدول الأوروبية عن إعلان النجاح الصريح بل والمدوي لهذه السياسة، وخاصة أن الموقف الدبلوماسي تجاه الاعتراف بالانقلاب العسكري المصري تغير 180 درجة عقب هذا اللقاء مباشرة. لكن هذا النجاح الظاهري جلب نوعا من أنواع السخط الأوروبي المبطن والمبرر"

وذلك من قبيل الاستجابة للتودد العربي المفاجئ المعبّر عن نفسه في طلبات توريد السلاح، بكل ما يؤمّنه هذا التوريد من توفير السيولة وزيادة الوظائف وفرص العمل، وتصريف الراكد، وتجديد المصانع.. إلخ.
وذلك مع الحرص الذكي على إبقاء مثل هذه السياسات البراغماتية في حدود خُلقية آمنة، كأن تصوّر الصفقات على أنها تعاون عسكري محوري لا يرتقي إلى درجة التحالف السياسي، وأن التعاون العسكري يستهدف الإرهاب لا القمع، وأنه يحقق الأمن الأوروبي بطريقة أو أخرى. وكلها -كما هو معروف- دعاوى سهلة الإثبات أو الترويج إعلاميا.
في هذا السياق؛ حدثت نقطة بارزة مثلت تاريخا مفصليا حين أسفرت نتائج لقاء وزيريْ خارجيةالسعودية والإمارات برئيس إحدى الدول الأوروبية عن إعلان النجاح الصريح بل والمدوي لهذه السياسة، وخاصة أن الموقف الدبلوماسي تجاه الاعتراف بالانقلاب العسكري المصري تغير 180 درجة عقب هذا اللقاء مباشرة.
لكن هذا النجاح الظاهري جلب نوعا من السخط الأوروبي المبطن والمبرر فيما يتعلق بالضجر من تزايد سطوة المال العربي على القرار السياسي الأوروبي، حتى ولو كانت النتيجة تصب في مصلحة أمنيات مكبوتة ضد كل حركيات الإسلام السياسي، وفي صالح ما روجت له سياسات الإسلاموفوبيا.
وسرعان ما تحوّل كثير من تلك الهمهمات الأوروبية إلى علامات استفهام كبيرة عن حدود وقيود (أو ضوابط) التورط الأوروبي القادم في المنطقة العربية (في ليبيا مثلا)، وهو تورط زادت فرصه مع بروز ظاهرتيْ الانكماش الأميركي المبرر والاقتحام الروسي الممرر، وما استتبعته هاتان الظاهرتان من حتمية التورط أو الوجود الأوروبي.
ومن المذهل أن الروح الديماغوجية سيطرت على الأحداث بأكثر مما بدا من أن البراغماتية ستكون هي سيد الموقف، وخاصة بعد ذلك التحول الذي كرسته الصفقة التي عقدها وزيرا خارجية الدولتين المفرطتين في الثراء، فضلا عن استمرار دورهما الركين في الإنفاق السخي والمتواصل على الثورات المضادة.
كيف أمكن للديماغوجية أن تنتصر على البراغماتية؟ ربما يدهش القارئ إذا علم أن الديماغوجية قدمت نفسها على أنها طراز متقدم من البراغماتية العصرية، ومثلاً فإن الخروج البريطاني نفسه (المعروف اختصارا بـ"البريكست") كان مثالا بارزا لهذا الانتصار الديماغوجي على النهج البراغماتي، وقد حدث هذا الانتصار في معقل الحكمة السياسية الأوروبية نفسها أي في المملكة المتحدة.
وإذا ببريطانيا العظمى قد ورطت نفسها في إيذاء نفسها دون أن تشعر، حتى وجدت نفسها فجأة تخاصم تاريخها وإنجازاتها واقتصادها، وتندفع إلى موجة من موجات التحفظ على الاتحاد الأوروبي في ظل مناخ مفاجئ بالمشحونية السيكولوجية، وقد بدا الرأي العام البريطاني وكأنه قد تأثر لتوه بمردودات تعبيرات غير دبلوماسية، كانت في الأصل ردودا فردية عابرة تختلف في جزيئة ما مع الدبلوماسية التركية الساعية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وتدعمت هذه التعبئة بالمناخ العام المشحون بما توفر له من خوف مشروع من موجات هجرة عربية، نتيجة عنف الانقلاب المصري ودمويته، وتداعيات البطش الحكومي السوري بالثورة السورية.
وفي ظل حرص بريطانيا المفهوم على النأي بالنفس عن أن تكون طرفا في صراعات تميل موازين القوة فيها لأطراف غير ديمقراطية، فإنه لم يكن أحد بغافل عن السبب العميق في تصاعد هذا التوجه البريطاني المفاجئ ضد البقاء في الاتحاد الأوروبي.
"فلما حدث الانقلاب العسكري المصري وما واكبه من تحول دفة المعارك في سوريا إلى مصحة نظام بشار الأسد، ومن ثم زيادة أعداد النازحين واللاجئين والهاربين من المأساة السورية؛ صوّر الإعلام الخادم للمصالح الصهيونية للبريطانيين أن سياسة الاتحاد الأوروبي ستجبرهم على قبول ملايين من مصر وسوريا واليمن وليبيا، بحكم ما عُرف عن السياسة البريطانية من التزام كبير بحقوق الإنسان"

وهو أن البريطانيين كانوا -كما يعلم الجميع وكما لا تزال الصورة قائمة- يعانون معاناة معلنة -وليست مكتومة أو صامتة- من المعقبات المزعجة، المترتبة على التزامهم بتوفير الإقامة الشرعية في بلادهم لأعداد كبيرة من رعايا أكثر من دولة شيوعية سابقة، أصبحت عضوا في الاتحاد الأوروبي مع بقاء فقرها وبطالتها.
وكما أشرنا لتونا؛ فإن معاناة الشارع البريطاني لم تكن سرًّا ولا أمرًا مكتوما، وإنما كانت الشكوى المتكررة منها ناطقة ومطروحة على بساط البحث.
فلما حدث الانقلاب العسكري المصري وما واكبه من تحول دفة المعارك في سوريا إلى مصحة نظام بشار الأسد، ومن ثم زيادة أعداد النازحين واللاجئين والهاربين من المأساة السورية؛ صوّر الإعلام الخادم للمصالح الصهيونية للبريطانيين أن سياسة الاتحاد الأوروبي ستجبرهم على قبول ملايين من مصر وسوريا واليمن وليبيا، بحكم ما عُرف عن السياسة البريطانية من التزام كبير بحقوق الإنسان.
ومن ثم فإن مصلحتهم كبريطانيين تتمثل في الخروج السريع من الاتحاد الأوروبي، قبل أن تجبرهم قوانين الاتحاد أو سياساته على استقبال حصة كبيرة من المهاجرين الذي سيصلون إلى سواحل أوروبا الجنوبية.
كانت البروباغندا العالمية تعمل -بكل وسيلة- على تقوية الخوف من هذا الهاجس الذي لم يكن يفتقر إلى ما يدعمه من ظواهر مادية على وجه الأرض، ولم تكن الفضائيات تبخل بتكرار التخويف من طوفان المظلومين القادم.
وخاصة مع الموقف المراوغ الذي بدأت أميركا تعزف عليه مرة بعد أخرى، معتمدةً على ما سبق لبريطانيا نفسها أن قررته -من خلال برلمانها- من عدم الموافقة على المشاركة العسكرية في تأديب بشار الأسد، على ما عُرف من ارتكابه للمذابح الكيميائية البشعة.
وجاءت حُمّى الحديث عن زيادة معدلات الهجرة الهاربة من جحيم الثورات المضادة في الشرق الأوسط، لتؤجج هواجس البريطانيين الذين قُدّر لهم أن يعانوا مما كانت تستهدفهم به المليشيات الإعلامية والدبلوماسية، الممولة من الدولتين العربيتين فاحشتيْ الثراء.
وقد تبلورت دعاوى هذه المليشيات في اتهامات مضحكة وسفيهة لبريطانيا بأنها -من خلال حمايتها لحقوق الإنسان- تدعم الإرهاب الإسلامي.
وبلغ الأمر في هذه الحملة حدودا تعدت الافتراء والتلفيق إلى اختلاق مقولات ونسبتها إلى مسؤولين بريطانيين، وذلك من قبيل ما نسبه إعلاميو الثورة المضادة زورًا إلى رئيس الوزراء البريطاني من القول بأنه توصّل أخيرا إلى عقيدة، مفادها أنه لا محل إطلاقا للحديث عن أي حقوق للإنسان إذا ما تعلق الأمر بالأمن القومي البريطاني!!
"البيانات الداعية إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي كانت تنقل وتضخّم مخاوف المجريين من طغيان تيار الأسلمة، إذا بدأت هجرة العرب المسلمين المعانين من بطش العسكر، على حين أخفى الساسة المتحمسون أرقام الهجرة العكسية بسبب عودة الأتراك لبلادهم، بعد تحسن ظروفها التنموية في ظل حكم يوصف بالأسلمة، وهو حكم حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان"

وزاد في هواجس البريطانيين أن مؤشرات سياسة الاتحاد الأوروبي بدأت تدل على استحالة تبني موقف واضح من تطورات قضية الهجرة. فبينما كانت دولة السويدوحكومتها في قمة حكمتها وإنسانيتها؛ كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مضطربة بسبب الضغوط والدعايات السود، و كان الزعيم المجري يحرض على المسلمين بصراحة جارحة للإنسانية، وبدأ الموقف الفرنسي يرتبك.
وكانت الدولتان العربيتان الممولتان للثورة المضادة تضغطان بكل وسيلة على رئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون، للموافقة على بدء سياسات خبيثة إن لم تكن إجرامية تستهدف في النهاية إبادة المسلمين أرضا وبحرا وجوا مع تكفلهم بالفاتورة.
وهكذا اندفعت النفسية البريطانية -على حين غفلة من عقلها الواعي لمصالحها- إلى الموافقة الشعبية على قرار "البريكست"، الذي جاء نتيجة مباشرة غير معترف بها ولا بتسبيبها الحقيقي لأكبر انتصار حققته الثورات المضادة للربيع العربي، وهو الانقلاب العسكري المصري في يوليو/تموز 2013.
في أعقاب الاستفتاء؛ بدت الصورة خادعة بعض الشيء وكأن بريطانيا نجحت -بقرار الخروج- في أن تجنب نفسها معاناة قادمة، وأنها استشعرت الخطر ونجت منه، وأنها ستعود إلى حالة من تأنق أرستقراطي لا يختلط بقوميات أوروبية متعددة، ولا بلغات محلية، ولا بعواصم ريفية، ولا باقتصاديات منهكة، ولا بسياسات مضطربة من قبيل سياسات اليونان التي تعرف الإنفاق ولا تعترف بالادخار.
لكن الحقيقة سرعان ما ظهرت للجميع بارزة الأنياب الحادة؛ فقد اكتشف البريطانيون أن صورة المشكلات التي دعمت قرار "البريكست" كان مبالغا فيها.
وعلى سبيل المثال؛ فإن البيانات الداعية إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي كانت تنقل وتضخّم مخاوف المجريين من طغيان تيار الأسلمة، إذا بدأت هجرة العرب المسلمين المعانين من بطش العسكر، على حين أخفى الساسة المتحمسون أرقام الهجرة العكسية بسبب عودة الأتراك لبلادهم، بعد تحسن ظروفها التنموية في ظل حكم يوصف بالأسلمة، وهو حكم حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان.
واليوم تعود بريطانيا لتواجه الحقيقة مرة أخرى بعد أن انقشع غبار الفضائيات والإسلاموفوبيا، فتكتشف مدى الضرر الذي حاق بها من مجاملاتها المبررة (أو غير المبررة) لدولتيْ الثورة المضادة العربيتين.
  المصدر : الجزيرة  

الاثنين، 30 يوليو 2018

المسافة صفر- سيناء.. حروب التيه -ج1

المسافة صفر- سيناء.. حروب التيه -ج1
سيناء.. وثائق وشهادات حصرية تكشف مستور حروب التيه




ملخص التقرير
لا يكاد يمر أسبوع على قوات الأمن المصرية (جيشا وشرطة) في شمال سيناءدون وقوع قتلى ومصابين في صفوفها جراء هجمات تنظيم الدولة هناك، وصل عددها بين عاميْ 2014-2018 إلى ألف هجوم مسلح سقط خلالها ما لا يقل ألفيْ قتيل من الضباط والجنود وأكثر من ثلاثة آلاف مصاب، وهو متوسط الأرقام المذكورة في بيانات المتحدث العسكري المصري وتنظيم الدولة.
هذا ما توصل إليه برنامج "المسافة صفر" في تحقيق استقصائي بعنوان: "سيناء.. حروب التيه"، بُثت حلقته الأولى الأحد (2018/7/29) وتضمّنت وثائقَ سريةً وصورا وشهادات حصريةً من قلب العمليات العسكرية في سيناء.
وأثبتت هذه الوثائق والشهادات انشقاق أربعة ضباط منشآت أمنية من قوات العمليات الخاصة التابعة لوزارة الداخلية وانضمامَهم إلى تنظيم الدولة في سيناء، مؤكدا أنهم انضموا للتنظيم أثناء تنفيذهم مهمة في سيناء تحت إشراف الجيش، رغم أنه يُفترض أن هؤلاء الضباط خضعوا لتأهيل فكري ضد التطرف، وهو ما يشير إلى وجود خلل كبير في المنظومة الأمنية المصرية في سيناء.
كما أورد التحقيق كشْف ضابطِ جيش يخدم في سيناء تجاهلَ غرفة عمليات الجيش لنداءات الاستغاثة عند وقوع بعض الهجمات على ثكنة عسكرية جنوبي رفح. وسلط الفيلم الضوء على مجموعات قبلية مسلحة شكلها الجيش في سيناء بالاستعانة بشخصيات ذات سوابق إجرامية أصبحت اليوم مقربة من النظام ولها معه مصالح اقتصادية كبيرة في سيناء، وصرح قيادي في هذه المجموعات بأن الهدف من تشكيلها كان حمايةَ تجارة التهريب مع قطاع غزة.

عرض التحقيق الاستقصائي الذي بثته الجزيرة تحت عنوان "سيناء.. حروب التيه" شهادات ووثائق متعلقة بالواقع الميداني في سيناء، وكشف النقاب عن بعض مسارات الحرب القائمة بين الجيش المصري وفرع تنظيم الدولة في سيناء، وأدوار المليشيات القبلية المقربة من الجيش، وطبيعة الصراع الدائر هناك.
وتواصل الفريق الذي أنجز التحقيق مع مصادر متعددة ذات اطلاع على بعض تفاصيل المشهد السيناوي المعقد، من بينها عسكريون بعضهم خدم في سيناء خلال السنوات الأخيرة، وبعضهم عناصر قبلية فاعلة في المليشيات القبلية المسلحة.
هل الجيش مخترق؟
طرح تحقيق الجزيرة أسئلة كبرى حول فرضية تمكن تنظيم الدولة في ولاية سيناء من اختراق الجيش المصري والأجهزة الأمنية العاملة هناك، وأورد العديد من الأمثلة والشواهد التي أثارت هذه الفرضية وأسهمت في تعزيزها.
وساق التحقيق عددا من الأمثلة والنماذج التي تؤيد هذه الفرضية، كما تحدث الصحفي والباحث المصري أبوبكر خلاف (خلال التحقيق) عن بعض الشواهد على ذلك، من بينها استهداف طائرة وزيري الداخلية والدفاع المصريين حين كانا في زيارة سرية للعريش، حيث قتل حينها في تلك العملية العقيد طيار محمد رفعت المندوه، وقتل معه أيضا المقدم إسماعيل الشهابي.
وساق أمثلة أخرى عديدة منها حالة عميد شرطة محمد سلمي السواركة، وهو من أبناء قبائل السواركة في سيناء، وتم استهدافه وقتله في 25 يوليو/تموز 2014 عندما كان عائدا من عمله، وكان بصحبته العميد عمرو صالح وهو عميد شرطة، وكانا في سيارة مدنية وتم استهدافهما وقتلهما.
وتوقف التحقيق مطولا عند عملية كمين البرث، باعتبارها مثلت الخيط الأول، والعملية التي فتحت بابا من الفرضيات حول قدرة التنظيم على استقاء معلومات دقيقة عن الجيش والشرطة ورسم خرائط داخلية لتلك القوات تمكنه من توجيه ضربات مباشرة ومؤثرة.
كما سلطت تلك العملية الضوء على فكرة تسليح بعض قبائل سيناء، التي لجأ إليها الجيش المصري لمواجهة تنظيم الدولة، على غرار تجربة الجيش الأميركي في العراق عام 2007 في تشكيل مجالس الصحوات.

انشقاقات
وأثبتت الوثائق والشهادات التي عرضت في التحقيق انشقاق أربعة ضباط منشآت أمنية من قوات العمليات الخاصة التابعة لوزارة الداخلية وانضمامهم إلى تنظيم الدولة في سيناء.
وبينت هذه الوثائق أن المنشقين انضموا للتنظيم أثناء تنفيذهم مهمة في سيناء تحت إشراف الجيش، رغم أنه يُفترض أن هؤلاء الضباط خضعوا لتأهيل فكري ضد التطرف، وهو ما يشير إلى وجود خلل كبير في المنظومة الأمنية المصرية في سيناء.
كما أورد التحقيق أن ضابط جيش يخدم في سيناء كشف تجاهل غرفة عمليات الجيش لنداءات الاستغاثة عند وقوع بعض الهجمات على ثكنة عسكرية جنوبي رفح.
وقال أحد ضباط الجيش المصري الذين خدموا في سيناء لفريق التحقيق –مشترطا إخفاء هويته- إن أغلب الحالات التي سمعنا عن انضمامها للتنظيم كانت بدوافع كيدية وانتقامية، وردة فعل إما على فصل الضابط من وظيفته، أو نتيجة مشاكل وخلافات مع أحد مرؤوسيه، أو نحو ذلك، ولا يأتي في العادة بناء على قناعة بأفكار التنظيم.
وروى قصة أحد الضباط برتبة رائد اسمه وليد شرباص، تم اعتقاله من المخابرات الحربية وانتشر خبره وسط الأفراد والجنود، حين أثبتت التحريات أنه كان على علاقة بالمسلحين، ويسرب لهم معلومات عن أحد القادة الموجودين في الكتيبة ويدعى أحمد شعبان.
ونتيجة لتعاونه مع المسلحين تمكنوا -وفقا لهذا المصدر- من عمل كمين له وقتله وهو في طريقه للشيخ زويد. ولاحقا أثبتت التحريات أن "سبب تعاونه مع الإرهابيين يعود إلى خلافات له مع الضباط والمقدم أحمد شعبان.
وبينما رفض العديد من المتحدثين العسكريين الرد على أسئلة فريق التحقيق، نفى حسين عبد الرازق من سلاح المشاة في اتصال مع الجزيرة وجود حالات ظاهرة من هذا القبيل، ووصف الحديث عنها بالكلام الفارغ، وإن لم يستبعد وجود حالات فردية لاعتبارات متعلقة بظروف صاحبها.
المليشيات القبلية
وتوقف التحقيق عند المليشيات القبلية التي تشكلت في سيناء بدعم من الجيش لمواجهة مسلحي تنظيم الدولة في سيناء، حيث انتقل الجيش في أبريل/نيسان 2017 من الاستعانة بالعناصر القبلية كأدلاء ومساعدين إلى تأطيرهم ضمن مجموعات مسلحة على شكل مليشيا لمحاربة التنظيم.
وقال أبو سالم الترباني أحد العناصر القيادية في المجموعات القبلية المسلحة إن تأسيس القوات القبلية جاء في البداية كردة فعل على قيام تنظيم الدولة بحرق كميات كبيرة من السجائر تعود لتجار القبائل الذين يشتغلون في تهريبها إلى قطاع غزة.
وقال إن العمل في تهريب السجائر لم يكن مرحبا به من قبل تنظيم الدولة، حيث اقتحموا سوق السجائر (الدخان) وأحرقوا أطنانا من السجائر وسيارات ومركبات كانت محملة بالسجائر، وهذا ما أوجد حربا أطلق عليها حرب السجائر في حينها.
وكشف التحقيق أن من أبرز قادة المليشيات القبلية المسلحة في سيناء إبراهيم العرجاني، وهو صاحب تجارة تهريب في سيناء، وينتمي لقبيلة الترابين، وتربطه علاقات وطيدة بجهاز المخابرات، ومقرب من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وظهر معه أكثر من مرة.
سالم لافي هو أحد أشهر المهربين في سيناء، ينتمي لقبيلة الترابين، ومحكوم عليه في عدة قضايا جنائية سابقة. القائد السابق للمليشيات القبلية المدعومة من الجيش، وقتل في هجوم مسلح لتنظيم الدولة جنوبي رفح.
ومن بين قادة هذه المليشيات القبلية أيضا موسى الدلح، الذي ينتمي لقبيلة الترابين، وهو مهرب وشريك رئيسي لإبراهيم العرجاني في عدة مشاريع لصالح الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية، ومحكوم عليه في عدة قضايا جنائية سابقة، وقاد المليشيات المسلحة بعد مقتل سالم لافي.
قتلى وعمليات
بحسب المعلومات الواردة في التحقيق، فقد تعرض الجيش المصري في سيناء خلال الفترة بين عامي 2014 إلى 2018 إلى نحو ألف هجوم مسلح، سقط خلاله نحو ألفين من الضباط والجنود، وأكثر من ثلاثة آلاف مصاب، وفقا لمتوسط الأرقام المذكورة في بيانات الجيش المصري وتنظم الدولة في سيناء.
وليست العملية الشاملة التي أطلقها الجيش في العام الجاري هي الأولى له في سيناء؛ فقد قام على مدار ثمانين شهرا بحملتين عسكريتين كبيرتين على مراحل زمنية مختلفة، كانت أولاهما عملية سماها "نسر" والتي انطلقت مرحلتها الأولى في أغسطس/آب 2011 بعد استهداف مسلحين -بينهم جهاديون من جماعة أنصار بيت المقدس- مقرات للشرطة المصرية وتفجير خطوط الغاز المصدر إلى إسرائيل.
وفي أغسطس/آب 2012، أطلق المرحلة الثانية من العملية ذاتها بعد هجوم مسلح على موقع عسكري مصري عند الحدود مع إسرائيل، وفي خضم تلك العملية أعلن تنظيم أنصار بيت المقدس مبايعة تنظيم الدولة في العراق والشام في نوفمبر/تشرين الثاني ،2014 وأصبح فرعا له في سيناء تحت مسمى ولاية سيناء.
ومع اشتداد المعارك بين الجيش المصري وتنظيم الدولة في سيناء؛ أطلق الجيش عملية عسكرية أخرى في سبتمبر/أيلول 2015 سميت "حق الشهيد"، ونفذت على أربع مراحل، وانتهت بإعلان الجيش في فبراير/شباط الماضي إطلاق "العملية الشاملة".

Ethiopia-ጠ/ሚንስትር አብይ አህመድ እስልምናን ሊቀበሉ ናው Dr.Abiy Ahmed رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد

أبي أحمد لابن زايد: الدين ضاع منكم ونحن سنعيدكم إليه


كشف رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد عن حديث دار بينه وبين ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
ووفقا لما ورد على صحيفة إثيوبيا بالعربي، قال أبي أحمد خلال كلمة أمام منظمة بدر الإثيوبية في ولاية فرجينيا الأمريكية إنه طلب من ابن زايد إنشاء معهد إسلامي في إثيوبيا.
وهذه تفاصيل القصة:
  • عرض أبي أحمد خلال زيارته الأخيرة للإمارات على ولي عهد أبو ظبي فكرة إنشاء معهد إسلامي في إثيوبيا.
  • رد ابن زايد عليه: "" نحن معكم بكل شيء وسنقوم بتعليمكم".
  • فرد أبي أحمد: ""أما أن تعلمونا فلا حاجة لنا بكم، لأن الدين ضاع منكم، والذي نريده هو أن نتعلم العربية سريعا ونفهم الدين جيدا، ثم نعيدكم إلى الطريق الصحيح"




الإسلام والحبشة:
  • استعرض رئيس الوزراء الإثيوبي علاقة الإسلام بالحبشة في كلمته.
  • قال إن أول من أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة حبشية .
  • وأضاف أن أول مؤذن في الإسلام هو بلال الحبشي.
  • وأوضح أن الحبشة هي أول بلاد آوت الصحابة حين لقوا الأذى في سبيل دينهم.
  • وأكد أن الحبشة رفضت قبول الرشوة مقابل إعادة الصحابة إلى كفار قريش.
  • وأشار إلى أن مسلمي إثيوبيا أكثر من مجموع سكان السعودية والكويت وقطر والإمارات.
  • وذكر في ختام كلمته قول الخليفة أبوبكر الصديق: "إذا أحسنت فأعينوني وإذا أخطأت فقوموني".

المصدر
مواقع التواصل الاجتماعي


حكم رابعة: إعدام المعنى

حكم رابعة: إعدام المعنى

 وائل قنديل
لسنا بصدد أحكام قضاء، بالمعنى المتعارف عليه لمنظومة العدالة التي تقوم على أدلة اتهامٍ واضحة، والحق الكامل في الدفاع والرد، ونزاهة من بيده إصدار الأحكام وحياديته، وقبل ذلك وبعده، إعلاء قيمة احترام القانون. كان ذلك كله غائباً، ومخسوفاً، مثل القمر الدامي الذي تابعته في السماء قبل أيام، فيما خصّ قضية الاعتصام في ميدان رابعة العدوية. 
كان الأمر أشبه بعمليات تصفيةٍ جسديةٍ، تقوم بها قوات أمنية تمارس القتل خارج القانون، ومن دون أن يرتدي مصدّرو الأحكام الأقنعة وسترات الاقتحام العنيف، دوّى الرصاص في منطوق الحكم، وأريقت الدماء فوق منصة العدالة. 
يستبق عبد الفتاح السيسي الذكرى الخامسة لمذبحة القرن، بمحاولة إشعال النار في المعاني والمبادئ التي تأسس عليها اعتصام رابعة، وهي حزمة القيم الإنسانية والسياسية المحترمة التي تبقى تطارده في حياته ومماته، فيصوّر له قصورُه العقلي أنه قادر على اغتيالها، بعد أن اغتال حامليها ومعتنقيها. 
في لحظة الحكم بالإعدام على المعنى، كان السيسي يهين القيم العسكرية، بفقرةٍ استعراضيةٍ، تشبه شغل الحواة، حين يطلب من بطل المذبحة الأولى الصعود إلى خشبة المسرح، لكي يلهو الصغار بعملية تجريده من رتبته العسكرية القديمة، ووضع رتبةٍ أعلى على كتفيه، في مشهدٍ ينافس أفلام نادية الجندي في إسفافها وابتذالها، ليتمدّد الحكم بإعدام معتصمي رابعة، ويشمل منطوقه منح ترقيةٍ استثنائيةٍ للقتلة، تكريساً لمبدأ مكافأة الجناة، والإمعان في التنكيل بالضحايا. 
وكما كانت جريمة رابعة منتهى التوحش والهمجية، كذلك تأتي الأحكام ضد من بقوا أحياء، والهدف الأول في الحالتين هو القضاء على فكرة الرفض والمعارضة، بحيث لا يبقى على أرض مصر من يفكر في التظاهر والاحتشاد.. والثورة، أو بتعبير الراحل أحمد سيف الإسلام "القضاء على عصر الجماهير بوصفها قوة للتغيير". 

يعرف السيسي كيف يسوّق مذابحه، إذ سبق مجزرة الأحكام الجديدة ذهاب مندوبه وكاتم أسراره، مدير مخابراته عباس كامل، إلى واشنطن، واستقبال وفد مستثمرين صهاينة في القاهرة، ليعود الأول بتسييل المعونة الأميركية المجمّدة، ويغادر الوفد الإسرائيلي مطمئناً إلى أن رجلهم في القاهرة مستمر في تقديم المطلوب منه، منذ وضعوه في السلطة قبل خمسة أعوام.            

وفي الداخل، ألقى السيسي لمعارضيه ببالون هاشتاغ الرحيل الذي يُغضبه، فيعلن بالتزامن مع مذبحة الأحكام أنه "زعلان" من الوسم الذي يطالب برحيله، فينصرف الناس عن مأساة أحكام الإعدام، وتندلع موجات السخرية ويتجدّد الحشد الإلكتروني حول "ارحل يا سيسي"، ويطير الغضب في الفضاء الإلكتروني، بينما كل شيء يمضي في طريقه المرسوم على الأرض: عمليات ذبح بالجملة على منصّات القضاء، ولا ردة فعل حقيقية هناك. 

كانت "رابعة" الموقف الذي استسلم فيه الجميع لفكرة الحياة من دون ضمير، ولو لوقت مستقطع، خصوصاً على مستوى النخب السياسية والإعلامية. 
هكذا سلك بعضهم خوفاً، وآخرون طمعاً، وجلهم من باب الانتهازية، فصار منهم قناصة، مثل المجموعات التي تمركزت أعلى البنايات المطلّة على الاعتصام، وصبّت رصاصها على النساء والأطفال والرجال والشيوخ، لينتهي الأمر بأن الدماء طاولت الكل الذي ضغط على الزناد، وحرّض بالقلم، والذي قصف بالميكروفون، والذي صمت رعباً، والذي رقص انتشاءً، والذي صفّق إيثاراً للسلامة، فتحول الوطن إلى بحيرة دماء، لم تجفّ حتى الآن.

الأحد، 29 يوليو 2018

معركة أليس 'نهر الدم

معركة أليس 'نهر الدم 



مفكرة الإسلام
التاريخ / 25 صفر ـ 12 هجرية.
المكان / قرية بالشاطئ الغربي للفرات ـ العراق.
الموضوع / المسلمون بقيادة 'خالد بن الوليد' ينتصرون على التحالف المجوسي الصليبي.
مقدمة:
هذه المعركة رسالة شديدة الوضوح، ظاهرة الدلالة لهؤلاء الحمقى والمغفلين الذين يتحدثون عن الوثن الكبير المسمى 'بالقومية العربية' إلى هؤلاء الأشقياء الذين يقولون :'إن الدين يفرقنا، والعروبة تجمعنا' والذين جعلوا القومية العربية بديلاً عن عقيدة الولاء والبراء الناصعة، التي تجمع تحت لوائها كل مسلم في شتى بقاع الأرض، وإن نأت دياره، واستعجم لسانه، وتطرد عنها غير المسلم وإن كان من ذوى الأرحام، أو من أقرب الجيران، هذه المعركة تظهر المشاعر الحقيقية لغير المسلمين تجاه المسلمين، وإن كانوا من بنى جلدتهم، ويتحدثون بلسانهم، ولا عزاء للقوميين العرب في كل مكان وزمان ‍‍‍‍.
التحالف المجوسي الصليبي :
بعد الانتصار الباهر الذي حققه المسلمون على 'الفرس' في معركة 'ذات السلاسل' و'المذار'، وسقوط مدينة 'الأبلة' منفذ 'الفرس' الوحيد على الخليج العربي أمرت القيادة العليا لفارس بإعداد جيشين من أقوى الجيوش الفارسية يقودهما أمهر القادة 'الفرس' وهما [1] 'الأندر زغر' [2] 'بهمن جاذوية'، وأمرهما كسرى بالتوجه سريعاً إلى منطقة 'الولجة' للوقوف في طريق 'خالد بن الوليد'، حتى لا يستولي على 'الحيرة' عاصمة العراق العربية، وانضمت قبائل 'بكر بن وائل' العربية وأغلبها نصارى إلى الجيش الفارسي، وانضم نصارى 'الحيرة' ونصارى 'تغلب' للجيش الفارسي .
استطاعت الاستخبارات العسكرية أن تنقل الأخبار للقائد 'خالد بن الوليد' عن حقيقة المخطط الفارسي الذي يقوم على فكرة الكماشة، وتلك المعلومات جعلت 'خالد' يعيد ترتيب أوراقه ، ويغير خطط السير، حيث سلك طرقاً مختلفة، ويعكس اتجاه السير عدة مرات، حتى لا يتضح اتجاه سيره، ثم اتجه إلى الجنوب، ووضع الحاميات القوية في المناطق المفتوحة، وأمرهم أن يقوموا بحماية ظهره من العدوان .
الغلطة العسكرية :
كانت الخطة التي رسمها كسرى لجيوشه تقتضي أن يتبع 'بهمن' الطريق الذي يسير فيه 'الأندر زغر'، والاتحاد عند الاصطدام مع المسلمين، وبقدر الله عز وجل يرتكب القائد 'بهمن' غلطة عسكرية شنيعة، حيث يخالف الأوامر، ويسلك طريقاً مخالفاً للخطة، على أمل أن يوقع المسلمين في الكماشة، ولكن 'خالداً' بذكائه العسكري الفذ استطاع أن يفلت من هذه المصيدة، ويسلك طريقاً طويلاً، ولكنه خال من الكمائن الفارسية، في حين أن 'بهمن جاذوية' بمحاولته هذه قد سار في طريق بعيد عن 'الولجة'، مما سهل 'لخالد' مهمته في الانفراد بجيش 'الأندر زغر' .
كان جيش 'الأندر زغر' عظيم التسليح، ضخم الحجم، يوجد به معظم نصارى العراق، وقد دفعه غروره وضخامة جيشه إلى التفكير في محاولة استرجاع المناطق المفتوحة من قبل المسلمين، ووصلت هذه الأخبار للقائد الفطن 'خالد بن الوليد' عبر سلاح الاستخبارات الإسلامية .
**[وهذا يوضح أهمية الحذر، والأخذ بالأسباب، والفطنة الدائمة لقادة المسلمين في تعاملهم مع عدوهم، ليس حال الحرب فقط ولكن حال السلم أيضاً، عملاً بقوله عز وجل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا} [71] سورة النساء.]
قام 'خالد' بتعبئة جيوشه، ونصب كمينين خلفه من ناحية اليمين واليسار وطلب منهما ألا يدخلا في القتال إلا قبل النهاية بقليل، وعندما تظهر بوادر الضعف على 'الفرس'، واستطاع 'خالد' بخطته العسكرية العبقرية أن ينفرد بجيش 'الأندر زغر'، ويصطدم معه في 22 صفر سنة 12 هجرية، وثبت 'الفرس' ثباتاً هائلاً أمام الصدمة الإسلامية، حتى خشي المسلمون من الهزيمة، وفى اللحظة الحاسمة ينقض الكمين الإسلامي من ناحية اليمين ثم الشمال، ويقع 'الفرس' بين فكي الأسد، ويفر الكثيرون من أرض المعركة هائمين على وجوههم في الصحراء، وعلى رأسهم القائد 'الأندر زغر' الذي مات عطشاً في الصحراء، وقتل كثير من النصارى في هذا الصدام: منهم ابني أكبر زعماء النصارى العرب 'جابر بن بجير' و'عبد الأسود' .
الحقد الصليبي :
كانت الصدمة والصفعة الشديدة التي نالها النصارى من المسلمين في القتال السابق قاسية، لدرجة أن صوابهم قد طاش، من كثرة ما فقدوه من القتلى، من خيرة شبابهم، فاشتعلت قلوبهم حقداً وغلاً على المسلمين رغم رابطة العروبة والجوار، إلا أنهم فضلوا الانضواء تحت لواء 'الفرس' الذين كانوا يحتقرون العرب جداً، ورغم ذلك فضلوا الانضمام إليهم لا لشيء إلا لعداوتهم للإسلام، وقرر زعماء نصارى العراق التجمع بأعداد كبيرة واستغاثوا بكسرى، وطلبوا منه الإمدادات، فانتعشت آمال كسرى وفرح بكتاب نصارى 'أليس' له، وكتب لقائده 'بهمن جاذوية'،[ وقد بقى بالمنطقة مرابطاً بجيشه بعد غلطته الفظيعة، والتي أتت على جيش 'الأندر زغر'] للانضمام إلى نصارى العراق في حربهم ضد المسلمين، ثم عاد كسرى وطلب من 'بهمن جاذوية' أن يعود سريعاً إلى 'المدائن'، لوجود اضطرابات داخلية بها، وعين مكانه في قيادة الجيش القائد 'جابان'، وكان رجلاً محنكاً، ولكنه ضعيف الشخصية .
عاقبة الغرور :
كانت الإمدادات الفارسية أقرب إلى منطقة تجمع الجيش الصليبي 'بأليس' من جيوش المسلمين، فوصلت قبلها، ورتب 'جابان' جيوشه ترتيباً جيداً، واستعد للقتال، وكان الجيش 'المجو صليبي' كبير العدد جداً، حيث بلغ عدد مقاتليه مائة وخمسين ألفاً، مما جعل الغرور يملأ القلوب والنفوس، وكذا جعل الثقة بحتمية النصر أكيدة، ووصل المسلمون بجيشهم الذي لا يتجاوز الثمانية عشر ألفاً، وصادف قدوم المسلمين وجود الجيوش 'المجوصليبية' على موائد الطعام في وقت الغداء، وفى الحال أمرهم القائد العام 'جابان' بترك الطعام والتهيؤ للقتال ضد المسلمين، ولكن الغرور والكبر منعهم من الاستماع لصوت العقل وظنوا أنهم لا يغلبون، فخالفوا أمر قائدهم العام، واستمروا في تناول الطعام، ثم عاد 'جابان' وأمرهم بوضع السم في الطعام، فإن دارت الدائرة عليهم، وغنم المسلمون الطعام وأكلوه ماتوا من السم، وهو رأى لا يصدر إلا من رجل داهية حقاً، ولكنهم أيضاً خالفوه وتكبروا، وسول لهم الشيطان سوء أعمالهم، وبخلوا حتى بطعامهم !
نهر الدم
أدرك 'خالد' وجنوده أن عدوهم مغرور متكبر، فأصدر 'خالد' أوامره المباشرة بالهجوم فوراً وبكل القوة والثقل على هؤلاء المغترين، وبالفعل هجم المسلمون عليهم، وهم مازالوا على موائدهم الأخيرة، وبدأ القتال الذي ينتقل من طور إلى آخر أشد منه، لقوة وشراسة الحقد الصليبي على المسلمين، وأيضاً صبر 'الفرس' في القتال، وعلى أمل أن يصل القائد 'بهمن جاذوية' بالإمدادات من المدائن، ولقي المسلمون مقاومة عنيفة جداً من التحالف 'المجوصليبي' وعندها دعا القائد 'خالد بن الوليد' ربه، ونذر فقال : 'اللهم إن لك على إن منحتنا أكتافهم ألا أستبقى منهم أحداً قدرنا عليه، حتى أجرى نهرهم بدمائهم' .
حمى المسلمون بعد ذلك النذر في القتال، وازدادت قوتهم – خاصة مسلمي قبيلة 'بكر بن وائل' – حيث كانوا أشد الناس على نصارى قبيلتهم .
**[مما يبين حقيقة فهم المسلمين الأوائل لعقيدة الولاء والبراء، حيث تنقطع كل الروابط من رحم، وقرابة، ومصاهرة، وجوار أمام رابطة الإسلام وحبل العقيدة،كما قال الحق في محكم التنزيل:{ {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [22] سورة المجادلة
لم يطل الأمر كثيراً حتى انتصر المسلمون انتصاراً باهراً، وأمر 'خالد' بإمساك الأسرى، وأخذهم جميعاً عند نهر 'أليس'، وسد عنه الماء، ومكث يوماً وليلة يضرب أعناقهم، حتى يجرى النهر بدمائهم وفاءً بنذره لله عز وجل، ومع ذلك لم يجر النهر بدمائهم، فقال له 'القعقاع بن عمرو': 'لو أنك قتلت أهل الأرض جميعاً لم تجر دماؤهم- ذلك لأن الدم سريع التجلط كما هو معروف طبياً- فأرسل الماء على الدماء، يجرى النهر بدمائهم' ففعل 'خالد' ذلك فسمى النهر من يومها 'نهر الدم' وقتل يومها أكثر من سبعين ألفاً من جنود التحالف 'المجوصليبي' .
**[وليس في ذلك قسوة ولا دموية كما قد يظن البعض، لأن هؤلاء كانوا من مجرمي الحرب، وليس لهم أن يدخلوا الحرب أصلاً ضد المسلمين، فهي ليست حربهم، ولا هم طرف فيها، وهم الذين بدأوا المسلمين بالعداوة، واتحدوا مع عباد النار من أجل إفناء المسلمين، ومن يقع من المسلمين بأيديهم كانوا يمثلون بجثته، ويقتلونه شر قتلة، فهؤلاء وأمثالهم ممن تمتلئ قلوبهم بكره وبغض المسلمين ينطبق عليهم قول الله عز وجل : {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [4] سورة محمد ، وقوله عز وجل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [123] سورة التوبة
عندما وصلت الأخبار بالنصر للخليفة 'أبى بكر الصديق' قال كلمته الشهيرة :[يا معشر 'قريش' عدا أسدكم- يعنى 'خالداً'- على الأسد- يعنى كسرى- فغلبه على خراذيله- أى على فريسته- عجزت النساء أن ينشئن مثل 'خالد' ] .
ــــــــــــــــــــــــ
المصادر
تاريخ الرسل والملوك
تاريخ الخلفاء
فتوح البلدان
المنتظم
محاضرات في الأمم الإسلامية
الكامل في التاريخ
البداية والنهاية
موسوعة التاريخ الإسلامي
التاريخ الإسلامي
الخلفاء الراشدين

احتواء العقل المصرى



احتواء العقل المصرى

هذا هو المقال الأول للدكتور حامد ربيع في سلسلة المقالات التي نشرت بعنوان " احتواء العقل المصري، " في الأهرام الاقتصادي " العدد 733 القاهرة في 31/1/1983 

 الدكتورحامد عبد الله ربيع


"هل حقا عاد الوعى إلى مصر؟ 
مصر الخالدة، التى ظلت دائماً صامدة أمام أى عدوان؟ نعم إنها الأنثى التى تعرف بحسها اللاشعورى ابنها الحقيقى، من ذلك الذى حملته سفاحاً، فجاء يلطخ اسمها بالأوحال. 
مصر التى لم تعرف خلال تاريخها الطويل سوى الآلام، ومع ذلك فهى قائدة بتضحياتها، قوية بإيمانها، راسخة بصلابتها، هذه هى التى أتوجه إليها بالحديث، أؤكد لها أن أبناءها الحقيقيين سوف يظلون على عهدهم عصبها الحقيقى، ودرعها الواقية، وسوف يحمون بجسدهم قيمها الحقيقية، قيم الصلابة السلوكية، والقوة المثالية، قيم الوظيفة الحضارية والقيادة التاريخية.

أ- موضوع إعادة وصف مصر، لا يمكن فصله عن حقائق ثلاث، مجموعها يكون الإدراك الحقيقى للتعامل الدولى، الذى خضعت له مصر دائماً، بل والمنطقة العربية سواء سميت هذه بمنطقة الشرق الأوسط أو بالوطن العربى، وهى حقائق ليست جديدة بل إننا فقط لم نعد نعرف تاريخنا وقد أضحينا نتجاهل خبرة آبائنا وأجدادنا فى التعامل مع القوى ذات الأطماع الاستعمارية.

أول هذه الحقائق: الرغبة الثابتة فى معرفة مصر من الداخل، وتحليل خصائص منطقها وأسلوب التعامل مع عقليتها وعقلية قياداتها السياسية والفكرية، هذه المعرفة لا تعود إلى الأمس القريب، ولا تبدأ فقط مع الحملة الفرنسية، وكتاب وصف مصر.
إن تحليل دراسة الماضى تثبت أن هذه الحقيقة تعود إلى أقدم العصور، بل وإلى عصر البطالسة على وجه التحديد، عندما حدث أول صدام حقيقى مع امبراطورية كبرى، ولكننا لو اقتصرنا على العالم المعاصر، لوجدنا أول تعامل مع هذا المفهوم يقودنا إلى فترة حكم على بك الكبير الذى يندر أن يذكره أحد، هو أول من حاول بناء دولة كبرى فى منطقة الشرق الأوسط، وقد كشفت الوثائق التى قدر لنا أن نطلع عليها ونحللها، أنه فى فترة حكمه، وهى فترة فكرت فيها فرنسا بدورها فى مد نفوذها إلى وادى النيل، والتدخل فى هذه المنطقة أرسلت أحد أبنائها واسمه " سافادى "، عاش فى مصر ثلاثة أعوام، أرسل خلالها مجموعة من الخطابات إلى المسؤولين، موجودة حالياً فى المكتبة الوطنية بباريس باسم " رسائل من مصر " ومن يرد أن يعرف كيف كان يتولى هؤلاء الجواسيس جمع المعلومات من منطلق الفضول ظاهرياً ومن منطلق التخطيط الواعى لفهم عقلية هذه البلاد، التى يرغبون فى الاستيلاء على خيراتها فعلاً، فليس عليه سوى أن يطلع على هذه الخطابات، المجموعة فى ثلاث مجلدات بباريس، وتوجد منها نسخة معروضة للبيع لدى المكتبة الشرقية بشارع "Monsieur Le Prince" حاولت أن أحصل عليها فى الصيف الماضى ولكننى كنت عاجزاً إزاء ثمنها وهو حوالى ألف ومائتا جنيه. 
الحقيقة الثانية: تدور حول طبيعة المخطط الاستعمارى ( ) من حيث خصائصه العامة نى التعامل مع مصر، إنه دائماً يسير فى خطين متوازيين، خلق الفرقة بين القيادة المصرية والشعب المصرى من جانب، وفرض العزلة فى العلاقات بين مصر والدول المحيطة بها من جانب آخر، وكان محور ذلك دائماً التعامل النفسى، هذا المحور قد يختلف من حيث تشكيله وأداته من مرحلة لأخرى، ومن مستعمر لآخر ، لأنه ينبع من التصور لأسلوب الغزو، ومنطق الفتح، ولكن تحطيم الثقة فى الذات القومية كان دائماً العنصر الأساسى فى عملية الغزو المعنوى، وقد بدأ ذلك من الفتح الرومانى عقب مقتل كليوباترا خرج رسل قيصر روما الجديد ولديهم أمر واحد صريح تحطيم معبد الكرنك، لماذا؟ لأن معبد الكرنك لم يكن مجرد منزل الإله، بل لأنه كان يمثل أكبر جامعة فى العالم القديم، علماء الكيمياء والطب والتشريح واستخراج المعادن، كانوا فى رداء الكهنوت فى ذلك المعبد بالمئات، بل وبعض النصوص اللاتينية تحدثنا عنهم بالآلاف، تحطيم الكرنك لم يكن يعنى مجرد تحطيم معبد، ولكنه استئصال للعلم والتكنولوجيا المتقدمة، التى عرفتها أرض وادى النيل.
الاستعمار الفرنسى ورث الاستعمار الإنجليزى، وكلاهما ورث وعاش مفاهيم استراتيججة القيادات الرومانية ، ومن المعلوم أن رعاة البقر القادمين اليوم من القارة الجديدة، يصفون أنفسهم بالقياصرة الجدد، وهكذا علينا ألا نندهش إزاء سياسة استعمارية تنطلق من مبدأ اختصاص قدراتنا العلمية ومواهبنا الإبداعية كيف؟
سوف نرى ذلك فيما بعد وفى موضعه، وسوف ندرك حينئذ الخطورة الحقيقية لهذا الموضوع الذى نحن بصدده، وكيف أن على الدولة أن تستيقظ، وعلى الحاكم أن يفتح عينيه دوماً ليعرف كيف أن كيان أمة قد أضحى موضع التهديد.
بل إننى أتساءل هل نستطيع الآن أن ننقذ الجسد مما ألم به؟ قبل أن تصيبة مآسى حقيقية؟ ألم يعد الوقت متأخراً ؟
الحقيقة الثالثة: التى يجب أن ندخلها فى الاعتبار وهى أن الاستعمار الذى يعرفه العالم المعاصر ينطلق من مفهوم الاستعمار الجديد، والاستعمار الجديد يعنى بأبسط الكلمات: خلق التبعية المعنوية.
التبعية قديماً كانت أداتها هى القوة الغاشمة والقهر المادى والعضوى، جيش يأتى فيحتل الأرض المراد استغلالها والحصول على ثرواتها.
اليوم هناك أسلحة أكثر فتكاً وأقل تكلفة: أسلحة نفسية ( ) تواضع العلماء على تسميتها بكلمة الغزو المعنوى، هذا هو مفهوم الاستعمار الجديد، هذا المنطق تختلف أساليبه، أو بعبارة أدق تختلف فلسفة التعامل بخصوصه، فالمنطق الفرنسى يدور حول خلق التبعية من المنطلق الحضارى، ومن خلال زرع كلمات الفكر الفرنسى.
الروسى يفضّل منطق الولاء والقناعة الأيديولوجية، وهكذا تصير الاشتراكية والعدالة، الاشتراكية والمساواة بين الشعوب رداء فضفاضاً يستتر خلفه منطق التغلغل، وخلق التبعية المعنوية.
الأمريكى ابتدع مفهوم التنمية وأسلوب الحياة الأمريكى، هو يجمع بين عنصرين كل منهما يكمل الآخر: عنصر القناعة الفكرية بالتنمية وما ينطوى تحتها من مثاليات، بحيث تستوعب فى نظام القيم القومية من جانب، ثم عنصر الممارسة والحياة الواقعية من خلال تقديم نموذج الوجود الأمريكى، على أنه المثل الأعلى فى العالم المعاصر للمجتمع المثالى، وهو يسعى بهذا المعنى لخلق التبعية السلوكية أولاً من جانب الجماهير، وثانياً التبعية الفكرية لتلك المتعلقة بالفئة المختارة، وذلك دون الحديث عن التبعية المصلحية للفئات المنتفعة.
وسوف نرى كل ذلك تفصيلاً فى موضوع آخر.
ب- قد يتصور البعض أن كاتب هذه الصفحات يبالغ ويضخم، ولكننى أؤكد أن تحت يدى من الوثائق مايجعل أى مواطن مؤمن بواجبه لو قدر له الاطلاع عليها يخجل مما يحدث حوله، وهو صامت لا يرفع راية التحدى والمطالبة بوضع حد لهذا التسيب الذى تعيشه مصر منذ عدة أعوام.
ولنقتصر مؤقتاً على بعض المنطلقات:
ا- أول هذه المنطلقات: هو أن التفكير فى هذه العملية أى فى عملية الغزو المعنوى العقلى والفكرى للعالم الثالث، بل وللعالم الأوربى نفسه لا يعود من جانب القيادة الأمريكية إلى الأمس القريب، يوجد فى منطقة الأوهايو بشمال أمريكا، وعلى وجه التحديد بمدينة كليفلاند مبنى يحمل اسماً ترجمته الحرفية " القضية الغربية " الدخول إلى هذا المبنى الذى يوصف بأنه جامعة أصعب من التطرق إلى دهاليز البنتاجون، وأتحدى أن يكون أحد حضرات العلماء الذين أقبلوا على السادة الأمريكيين يخدمونهم بكل هذه القناعة، قد سمع بها أو علم بما يحدث فى داخلها، عندما كنت بالولايات المتحدة فى صيف عام 1973 وقبل حرب أكتوبر فى مهمة رسمية لحساب السلطات المصرية، حاولت أن أدخل هذه الجامعة، ولو لعدة ساعات فلم أستطع، ورغم أننى استطعت أن أدخل حاخامية القيادة الصهيونية، وأجلس مع "دانييل سيلفر" ابن أكبر الدعاة للصهيونية الأمريكية وأطلع على خطاباته أقصد أباهى لِلَيل سيلفر فقد ظلت أبواب هذه الجامعة مغلقة بالضبة والمفتاح أمام كل محاولاتى وخلال شهر كامل.
2- لدينا اليوم دراسة قامت بنشرها إحدى دور النشر الفرنسية، وهى متداولة فى الأسواق منذ الشتاء الماضى، ورغم أننى فى هذه اللحظة لا أذكر اسم المؤلف أو الدار إلا أنها موجودة لدينا بالقاهرة، وكم كنت أتمنى أن تترجم إلى اللغة العربية، وبصفة خاصة

أن تجميع الوثائق التى تستند إليها هذه الدراسة من تقارير سرية، تعود إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة.

وكيف منذ تلك الفترة بدأت القيادة الأمريكية المسؤولة تخطط لكيفية غزو العقول والأفئدة. فقط أود أن أضيف بأن مقتل الناشر اليسارى الإيطالى المشهور " فلترينللى" منذ قرابة عشرة أعوام والذى ظل يحيط به الغموض حتى وقت قريب، الجميع يعلم اليوم أنه مرتبط بهذه الوثيقة، وفى التفكير فى طرحها على الرأى العام الأوربى، وليس ذلك لأن الرأى العام الأوربى يخشى على مصير مصر، ولكن لأن هذا المخطط يتجه أيضاً إلى العالم الأوربى.
3- ولعله يكفى التأكيد بهذه الحقيقة وما يرتبط بها، من تصور أمريكى لأساليب الغزو الفكرى، أن نعود إلى ما حدث فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، فى كل من اليابان والمانيا الغربية، ولنحدد مصادر المعلومات بهذا الخصوص، حتى لا تخرج علينا أبواق التكذيب، أول مصدر هو كتاب العالم الأمريكى " الأشهر كاهن " عن اليابان ولنتذكر أن " كاهن " هو العقل المفكر لمؤسسة "راندكوربوريشن"، وقد كان أى " كاهن " مستشاراً للرئيس كيندى فى لحظة معينة، هذا الكتاب يحمل عنوان: (اليابان).
أما عن ألمانيا فلدينا وثيقة خطيرة كنا نتمنى أن تترجم إلى اللغة العربية، ونحن على استعداد لأن نقدمها مجاناً لأى جهة علمية مصرية تتعهد بتلك المهمة ، هذه الوثيقة تحمل عنواناً له دلالة: " سوف أظل بروسيا " كتبها الفيلسوف الألمانى الشهير (سالومون). ظروف هذا الكتاب الضخم الذى يقرب من ستمائة صفحة والذى أصدره فيلسوف ألمانيا الأشهر عام 1954 هو أنه سقطت فى يده بطريق المصادفة، أداة جمع المعلومات التى كانت قوات الاحتلال الأمريكى فى ألمانيا قد قامت بتنفيذها، لدراسة خصائص الطابع القومى الألمانى، ويستطيع القارئ أن يجد تفاصيل بهذا الخصوص فى مؤلفنا بعنوان " مقدمة فى العلوم السلوكية " وبصفة خاصة طبعته الثانية " دمشق عام 1981 " هذا الحادث له دلالة متعددة الأبعاد:
أولاً: أسلوب جمع المعلومات الميدانى، هو المسيطر على المنطق الأمريكى، كنتيجة للمدرسة السلوكية التى تتحكم فى المنطق العلمى للتحليل الاجتماعى والسياسى فى تلك التقاليد.
ثانياً: إن هذه المعلومات ليست بقصد علمى منزه، لقد كانت تقوم بها فى ألمانيا واليابان قوات الاحتلال، وتخضع لإدارة عسكرية، وهى اليوم فى المجتمعات المتخلفة تتولاها أجهزة فى ظاهرها جهات مدنية، ولكنها تنتهى بأن تصب فى أجهزة الأمن القومى الأمريكى الصانعة للسياسة الخارجية لتلك الدولة، أو على الأقل المحددة لأهم مؤشرات ومتغيرات تنفيذ تلك السياسة.
ثالثاً: كذلك فإن هذا المفهوم للتعامل لا يعود للأمس القريب، لقد طُبّق فى ألمانيا الغربية منذ أعقاب الحرب العالمية الثانية، وطبق بالنسبة لليابان منذ فترة سالفة على الحرب العالمية الثانية. يخبرنا " كاهن" فى مؤلفه السابق ذكره بأن ذلك تم أثناء الحرب حيث طبق على اليابانيين المقيمين بالولايات المتحدة بل ومنذ عام 1942.
رابعاً: ونستطيع أن نضيف إلى ذلك أنه بالنسبة للمنطقة العربية، فإن تطبيق هذا الأسلوب لا يعود إلى الأمس القريب، يخطئ من يتصور أن بداية عملية جمع المعلومات الميدانية عن مصر تعود فقط إلى عدة أعوام، لقد بدأت الولايات المتحدة فى تنفيذ هذه السياسة مند عهد عبد الناصر، وعلى وجه التحديد عقب حوادث وحدة مصر مع سوريا، ثم حرب اليمن، ولكن تم ذلك خلال تلك الفترة بطريق الوسيط، وأستطيع أن أؤكد أن ذلك تم خلال الفترة من خلال منظمة فورد ( ) التى بدورها عهدت إلى بعض الإيطاليين وواحد منهم دون ذكر اسمه مؤقتاً شخص تصفه الأوساط العالمية الإيطالية بأنه اكبر " نصّاب " فى تاريخ إيطاليا العلمى الحديث، قام بإنشاء مركز مصطنع وهمى فى إحدى الشقق الخاصه بروما ومن خلاله استطاع التسرب إلى مصر عن طريق بعض الأجهزة المسؤولة ذات البريق الجذاب، وقام بجمع المعلومات اللازمة، سواء بخصوص تطور العمالة المصرية فى العالم العربى، أو سواء بصدد انتشار المفاهيم والمدركات المصرية فى العالم العربى، وأثر كل ذلك على الاندماج العربى، وهذه الدراسات التى نوقشت فى ميلانو وشاءت المصادفة إلا أن أحضر المناقشة، بوصفى أستاذاً خارجياً فى جامعة روما، كانت هى الأساس الذى استتر خلف سياسة واشنطن، عقب ذلك ابتداء من عام 1974 وانتهاء بالتوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد.
وسوف نعود للتفاصيل وندعمها بالوثائق.
ب- كل هذا يقودنا إلى أهداف تلك السياسة الخاصة، بجمع المعلومات، ورغم أننا سوف نطرح التفاصيل فى مقالاتنا المتتابعة إلا أننا نود منذ البداية أن نذكر بأن عملية جمع المعلومات هذه تستند إلى تحالف وثيق، وتنسيق بين الأجهزة الأمريكية من جانب والأجهزة الاسرائيلية من جانب آخر، وأجهزة حلف الأطلنطى من جانب ثالث، والمخابرات الأمريكية بصفة خاصة تعمل بتوافق تام مع أجهزة الأمن الإسرائيلى، والسؤال الذى يجب أن نطرحة بصراحة ووضوح، ما هى أهداف السياسة الإسرائيلية البعيدة المدى والتى تتفق مع السياسة الأمريكية، وكيف تستطيع عملية جمع المعلومات هذه أن تخدم كلا السياستين ؟
لقد ظلت مصر دائماً فى جميع مراحل تاريخها متماسكة، قومياً وسياسياً واقتصادياً، لماذا ؟
التاريخ والطبيعة الجغرافية والتقاليد الحضارية تجيب على هذا التساؤل،ولكن ما هو أخطر من ذلك؟ هو أنه لم يكن من صالح الدول المستعمرة أو المحتلة تجزئة مصر، ستة آلاف عام ظلت خلالها مصر ومنذ عهد (مينا) دولة واحدة تعبر عن كيان قومى واحد. ولكننا اليوم نعيش مرحلة فيها قوى دولية تطمع فى مصر، ومن صالحها تجزئة ذلك الكيان فهل نحن على وعى بذلك؟لأنها فى نهاية القرن سوف تصير ثمانين مليوناً ولأن موقعها الاستراتيجى أضحى أكثر خطورة على مصالح القوى الكبرى ، ولأن حقيقة الصراع الدولى تغيرت معالمه وخصائصه، ولو استطاعت مصر أن تهيئ لنفسها قيادة حقيقية فهى مؤهلة، لأن تجمع تحت رايتها جميع دول المنطقة العربية، وهذا يعنى نتيجتين:
أولاً: انتهاء إسرائيل سواء باستئصالها واقتطاع وجودها، أو بذوبانها وابتلاعها.
ثانياً: وضع حد لعملية النهب التى تمارسها القوى الدولية والشركات الكبرى المتعددة الجنسية فى جميع أجزاء المنطقة العربية.
من يريد أن يعرف كيف تفكر القيادة الإسرائيلية، فليعد إلى كتاب "بن جوريون " الذى أنهاه قبل موته بعدة أشهر، والذى يعتبر وصية للجيل الذى أعقبه بعنوان "A Personal History " " تاريخ شخصى " كتاب ضخم يقع فى حوالى ألف صفحة يشرح فيه كاتبه من خلال حياته تطور وظيفة إسرائيل فى منطقة الشرق الأوسط، فهل قرأه أحد من السادة علماء السياسة الذين تطوعوا لخدمة السادة الجدد لقاء عدة ملاليم دون وعى ودون حياء؟
فلنعد للتساؤل: ما الذى تخطط له إسرائيل بالنسبة لمصر فى الأمد البعيد ولو نسبياً ؟ 
إن المخطط العام الذى يسيطر على القيادة الصهيونية، وهو تجزئة المنطقة وتحويلها إلى كيانات ( ) صغيرة يسيطر عليها مفهوم الدولة الطائفية، ومصر هى الدولة الوحيدة التى سوف تقف عقبة فى وجه هذا المخطط.  ولكن هذا لا يمنع القيادة الصهيونية من أن تفكر فى تنفيذ نفس السياسة أيضاً بصدد وادى النيل، بل إن المخاطر التى يتعرض لها هذا الكيان الصهيونى، لو ظلت مصر فى تماسكها أولاً وفى تضخمها الديمقراطى ثانياً، وفى تقدمها العلمى والتكنولوجى ثالثاً هى قاتلة والقيادة الإسرائيلية تعلم ذلك جيداً، فهل تقف صامتة؟

الخيال الصهيونى يتصور هذه التجزئة فى أربعة ( ) محاور أساسية:

أولاً: محور الدولة القبطية الممتدة من جنوب بنى سويف حتى جنوب أسيوط، وقد اتسعت غرباً لتضم الفيوم التى بدورها تمتد فى خط صحراوى يربط هذه المنطقة بالإسكندرية التى تصير عاصمة الدولة القبطية، وهكذا تفصل مصر عن الإسلام الإفريقى الأبيض وعن باقى أجزاء وادى النيل ( ).
ثانياً: ولتزيد من تعميق هذه التجزئة تربط الجزء الجنوبى الممتد من صعيد مصر حتى شمال السودان باسم بلاد النوبة بمنطقة الصحراء الكبرى، حيث أسوان تصير العاصمة لدولة جديدة دولة تحمل اسم دولة البربر.
ثالثاً: الجزء المتبقى من مصر سوف تسميه مصر الإسلامية وهكذا تصبغ الطابع الطائفى على مصر بعد أن قلصتها من عاصمتها التاريخية فى الشمال وعاصمتها الصناعية فى الجنوب.
رابعاً: وعندئذ يصير طبيعياً أن يمتد النفوذ الصهيونى عبر سيناء ليستوعب شرق الدلتا بحيث تصير حدود مصر الشرقية من جانب فرع رشيد، ومن جانب آخر ترعة الإسماعيلية، وهكذا يتحقق الحلم التاريخى ( ) من النيل إلى الفرات، طبقاً للشطر المتعلق بالفرات ليس هذا موضعه ولكنه بدوره يخضع لتصور آخر.
سوف نسمع الصيحات: خيال مريض! ولكن ألم نصف ما حدث فى لبنان منذ عشرة أعوام بأنه خيال، وها هو اليوم يتحقق أمام أعيننا؟ عندما كتبنا ننبه الأذهان فى كتابنا عن " الحرب النفسية " قبل حرب أكتوبر اتهمنا بالمبالغة وكنا نتمنى فى قرارة أنفسنا أن نكون فعلاً مبالغين، ولكن ها هو كل ما تنبأنا ( ) به قد تحقق، واليوم هذه التصورات التى نطرحها سبق وحددناها فى كتابنا عن " اتفاقيات كامب ديفيد " ونعود اليوم لنؤكدها وقد ازددنا قناعة، بل نود أن نضيف بأن الوثائق المتعلقة بالحديث عن "جمهورية سيناء المستقلة" موجودة فى مصلحة الاستعلامات بالقاهرة، فهل فكر أحد فى تحليل واستخلاص دلالتها من هذا الجهاز الضخم المسؤول عن أمن مصر؟
سؤال ليس فى حاجة إلى إجابة.
إن أخطر ما يجب أن نلحظة، وأن نؤكد عليه هو أن التطور الذى نعيشه جعل سياسة القوى الكبرى تتتفق فى مصالحها مع سياسة إسرائيل، لا فقط بمعنى عزل مصر بل وبمعنى تجزئة مصر، ورغم أننا أيضاً سوف نعود لهذا بتفصيل فى مواضع أخرى، إلا أننا نقتصر بهذا الخصوص على أن نطرح علامات الاستفهام التالية:
أولاً: لماذا اهتمت الأبحاث الميدانية التى أجرتها الهيئات الأمريكية على وجه الخصوص بمحافظة الفيوم وكذلك بمدينة أسوان؟
ثانياً: وهل الاهتمام بمحافظة الفيوم ينبع من التصور الإسرائيلى بخصوص الدولة القبطية؟ الذى أساسه ضم الفيوم إلى المحافظات الأخرى السابق ذكرها، وشق طريق صحراوى يربط هذه المنطقة عبر وادى النطرون بالإسكندرية، التى سوف تصير عاصمة للدولة الجديدة، وقد اتسعت لتضم أيضاً جزءاً من المنطقة الساحلية الممتدة حتى مرسى مطروح ؟
ثالثا: وهل هناك علاقة بين الاهتمام بأسوان، والحديث المتردد عن دولة البربر، التى سوف تمتد حينئذ لتشمل الصحراء الكبرى من جنوب المغرب حتى البحر الأحمر؟
التفكير فى دولة البربر قديم، أثارته بعض الاتجاهات الاستعمارية الفرنسية قبل الحرب العالمية الثانية، وعندما بدأت تتكشف أهمية البترول المنتشر فى الصحراء الجزائرية وحولها، ولكن التفكير اصطدم بعدم وجود مدينة فى جميع أجزاء هذه المنطقة، لتجعل منها فرنسا عاصمة للدولة الجديدة، وبينما راحت الأقلام تلح على التفكير الجدى فى إنشاء تلك العاصمة، نشبت الحرب، وتوقفت جميع هذه المشروعات، اليوم الأهداف مختلفة: فالسياسة الأمريكية تريد خلق حائط يمنع الإسلام العربى من الالتقاء بالإسلام الأسود ( ) وهى تريد أن تحمى مراكز الثروة الطبيعية فى وسط إفريقيا، وهى تعلم جيداً حاجتها إلى تلك المصادر، التى أضحت توصف بأنها مصادر للمعادن الاستراتيجية، ولنتذكر على سبيل المثال النيكل والبلاتين والقصدير، دون الحديث عن اليورانيوم، وهكذا تلتقى أهداف التجزئة لمصر مع أهداف الإحاطة، والتحزيم للسياسة الإمبريالية، فهل سوف تحل مدينة أسوان هذه المشكلة ؟ لتصير عاصمة الدولة البربرية؟ والجميع يتحدث اليوم عن الوحدة الثقافية لشعب البربر وعن الالتقاء الطبيعى بين شعب النوبة والشعب البربرى، فهل هذا عشوائى؟
رابعاً: وهل صحيح أن هناك دراسة ممولة من الجانب الأمريكى حول هذا الطريق الصحراوى الذى سوف يربط الفيوم بالإسكندرية؟ وهل بدأت هذه الدراسة فعلاً أم أنها لا تزال فى حيز الإعداد ( ) ؟
أسئلة عديدة نطرحها مؤقتاً،
ولكن الجعبة لا تزال عامرة بالمفاجآت!!! "