الأحد، 27 يناير 2013

التضامن الأمريكى و السارق في بلاد المسلمين

التضامن الأمريكى و السارق في بلاد المسلمين 





محمد الأسواني


إن الحملة العدائية لدولة فرنسا ضد الشعب المالى قد أيقظت روح الكراهية المتأصلة في نفوس الكثيريين ممن يتعاطون المخدر الصهيونى ولذا نجد تصاعد وتيرة التشوية المتعمد عبر مؤسساتهم الإعلامية مثل ( سى إن إن ) التى تسوق الشريعة الإسلامية على كونها تتعارض وحقوق الإنسان حيث خبراتهم والإصطياد في الماء العكر وكما ولو أنهم أتوا بالصيد الثمين بإستضافتهم لشخصيين يقولون بأن شيوخ دولة مالى نفذوا عليهم حكم الشريعة بقطع أيديهم وأنهم يعانون الفقر بسبب العجز الذى لحقهم من جراء قطع أيديهم وكما و لو إن المسلمين لا يشغلهم شيئ في الدنيا سوى تقطيع يدى السارق ولا يسألهم السآئل كم من مئات الأمنين قد روعهم هؤلاء المعتدين الذين سرقوا أهاليهم الفقراء وماذا ترتب على هذه السرقة بالإكراه من إغتصابات وتقتيل للمدافعين عن أنفسهم وإن كان بغير قصد إلا وإنه كان نتيجة حتمية لتلك السرقات المتكررة لهؤلاء 

وهكذا حال الإعلام المُغرض والغير منصف في بلاد الغرب الذى يصور لك الحالة من زاوية واحدة وهى ما حدث للسارق من جراء العقوبة وفي نفس الوقت نحن لا نغفل ضياع العدالة الإجتماعية في أغلب البلاد الأفريقية ولكن هذا ليس بسبب المسلمين أنفسهم ولكن جراء الأنظمة العلمانية التى تركها الغرب المحتل و التى هى أصبحت محترفة في الفساد ونهب شعوبهم وتركهم لهم يعيشون الفقر المتقع وعندما أرادت تلك الشعوب أن تحكم فيما بينها وبإستخدامهم لأنظمتهم العادلة التى تراها في شرع الله الذى سيكون الجميع أمامه سواء نجد جيوش أوروبا على أعتاب بلدان المسلمين لإعادة إحتلالها وإبادت شعوبها بحجة حماية الأقليات
بينما شريعتنا ليس كما يظنون فلننظر إلى تاريخنا ولنا في الرسول الكريم القضوة الحسنة حيث المثل الأعلى (عن عائشة . أن قريشاً أهمّهم المرأة المخزومية التي سرقت ، فقالوا : من يكلم فيها رسول الله ، ومن يجترىء عليه إلا اسامة ، فكلمه أسامة ، فقال الرسول : أتشفع في حد من حدود الله ، ثم خطب فقال : إنما أهلك من كان قبلكم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله ! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ، فأمر النبي بقطع يدها .)
وهكذا يتضح العدالة الإجتماعية في عدم التمييز في تنفيذ الأحكام بين أبناء الأمة إلا وإنه في الجانب الأخر من العالم وتحديداً في الولايات المتحدة الأمريكية حيث نجد القوانين تسمح للمواطن الأمريكى حمل السلاح وإستخدامه للدفاع عن نفسه في حال الإعتداء عليه وكم من ألاف السرقات التى تمت ومنها ما ترتب عليه من جرائم للقتل وفي حال قتل السارق لا يُعاقب القاتل وقد تابعنا عبر شاشاتهم التلفويونية العشرات من سرقات البنوك وقد تم تعقب السارقين من قبل الشرطة الأمريكية وعندما حاول اللصوص الإفلات قد تم إطلاق النار عليهم وأردوهم قتلى على قارعة الطرقات وهذا فقط عندما حاولوا الفرار ألا يثير هذا المشهد و هؤلاء القتلى من اللصوص شفقة أدعياء حقوق الإنسان في العالم الغربي فكيف لهم يوقفون الدنيا ولم يقعدوها على ذلك السارق في دولة مثل مالى ولم يتحدثون عن الاف القتلى سنوياً بالأسلحة النارية في جميع أركان بلدانهم والعجيب في الأمر نجد التعتيم الإعلامى حول القانون الجنائي الأمريكى الذي يعدم الاف من البشر ! أين شفقة الحقوقيين من تلك الإعدامات أليس هذه إبادة جماعية وإهدار لحق الإنسان في الحياة !! وهل تتذكرون ذلك الجندى الأمريكى ( حيث توجية الاتهام له في العراق بنشر معلومات سرية ) هل تعلمون ماذا حدث لهذا الجندى فقد تم إعدامه ولم تقطع يديه فقط ونحن بدورنا نقول لهم مالكم تحكمون بالظلم وتتمادون في نشر الأكاذيب حول شريعة المسلمين التى نجد فيها الحدود التى تتيح فرصة الصفح والعفو أكثر مما تظنون إنها شريعة متسلطة على رقاب العباد أو كما هو حادث في قانون العقوبات الأمريكى أو القوانيين الجنائية في بعض بلاد الغرب .

الجمعة، 25 يناير 2013

الدكتاتور



The Dictator





وثائقي الدكتاتور من قناة الجزيرة كامل The Dictator



 في زمن الثورات التي تهز عروش الطغاة في الوطن العربي، وثـائقي يقدم تفصيلات وخفايا جديدة.ورؤى لمـا يحدث فـي المنـطقة وأسبابه

 فما الذي جـعل الشعوب الـعربية تثور ضد حكامها وما هي صـورة الحكام في نظر شعوبهم وكيف أصـبحوا بهـذه القدسية، وكـيـف يـديرون بـلادهم ويصدرون أوامـرهم، ومـا هو موقع هـؤلاء الحـكام في السياسة العالمية، وكيف احتفظوا السلطة لفترة طويلة.

كما يستضيف البرنامج مجموعة من مشاهير الصحافيين العالميين مثل روبرت فيسك وباتريك سيل ويناقش مسائل انتقال السلطة من يد الأب إلى يد الإبن كما حدث في سورية وكما كان متوقعا في مصر لكن ثورة يناير قلبت الطاولة على مسألة التوريث.

الأربعاء، 23 يناير 2013

مالي: خرافة الإرهاب.. وتشبيح البلطجية!


مالي: خرافة الإرهاب.. وتشبيح البلطجية!
أحمد بن راشد بن سعيّد

في الوقت الذي كان العالم يتطلع إلى تدخل عسكري في سوريا، ولو كان حظراً جوياً يمنع القتل الجماعي الوحشي للأبرياء، على يد أقلية طائفية مجرمة و»إرهابية» بكل المقاييس، فاجأت فرنسا العالم بتدخلها العسكري في مالي بحجة مواجهة خطر إرهابي «محتمل» يهدد مصالحها في غرب إفريقيا والمغرب العربي.

وفي غضون ذلك، لم تتوقف الولايات المتحدة عن اعتداءاتها بطائرات من دون طيار على اليمن وباكستان وأفغانستان واغتيالها من تصنفهم إرهابيين، أو تشتبه في كونهم إرهابيين. وبادرت فور الغزو الفرنسي لشمال مالي إلى الانحياز إليه وتوفير الدعم اللوجستي له. كان المشهد مألوفاً بشكل يدعو إلى الإحباط. ما يفعله الباطنيون بالشعب السوري على مدى سنتين ليس إرهاباً يهدد الإنسانية أو السلام الدولي، بينما اختيار سكان محليين في شمال مالي تطبيق الشريعة الإسلامية يهدد مصالح فرنسا، بل يحمل في ثناياه خطراً ينذر بعودة القرون الوسطى، ووقوف البعبع الإسلامي على شواطىء الأطلسي. صحيفة الواشنطن بوست ذكرت أن دعاية الرئيس الفرنسي هولاند التي سوّق بها تدخل قواته في مالي ارتكزت على حماية البلد الذي كان يوماً خاضعاً للكولونيالية الفرنسية من «الوحشية المروعة للإسلاميين الذين فرضوا نظام الشريعة في منطقة شمال مالي»، فضلاً عن «حماية فرنسا نفسها من «المتطرفين» (16 كانون الثاني/يناير 2013). جين فرانكوس دوغان، نائب مدير مؤسسة البحث الاستراتيجي في فرنسا أبلغ صحيفة الكريستيَن سيَنس مونتيور أن الرأي العام في فرنسا ينظر إلى «الجهاديين» في مالي بوصفهم نظراء لطالبان، ومحاربين للإسلام الإفريقي التقليدي، لاسيما تنفيذهم قوانين العقوبات الجسدية وعقوبة الإعدام (14 كانون الثاني/يناير 2013). الحملة على مالي حظيت بتأييد 75 في المئة من الشعب الفرنسي وفق استطلاع أجرته مؤسسة الاستطلاعات الفرنسية (بي في أي) في 15 كانون الثاني (يناير) 2013.

هل هو الإسلام «المدمر» إذن؟ هل كانت دوافع الغزو، ببساطة، هي «الإسلاموفوبيا»؟ قد يكون «التهديد» الإسلامي عاملاً، لكن الفرنسيين اتخذوه غطاءً يخفي مصالح استراتيجية لهم في المنطقة، وهو ما قد يفسر جزئياً الفتور الذي أبدته دول أوروبية تجاه دعم التدخل. تبلغ مساحة مالي 1.240.00 كلم (ضعف مساحة فرنسا، أو ضعف مساحة أفغانستان، أو أكبر من نصف مساحة السعودية)، ويبلغ عدد سكانها 14 ونصف مليون نسمة، وهي غنية بالموارد الطبيعية. في النيجر المجاورة مناجم يورانيوم تزود ثلث المفاعلات النووية المنتجة للطاقة في فرنسا بالوقود النووي. تقول كاترين سولد، من المجلس الألماني للعلاقات الدولية، لإذاعة ألمانيا (دويتشه فيله) إن «لفرنسا مصلحة في تأمين الثروات الطبيعية في الساحل، لاسيما النفط واليورانيوم، والتي دأبت شركة أريفا الفرنسية للطاقة على استخراجها لعقود طويلة» (16 كانون الثاني/يناير 2013).

المصالح إذن حاضرة بقوة ما يجعل التركيز على «الأصوليين» و «الإرهابيين» جزءاً من دعاية الحرب. محللون سياسيون رأوا في الحملة على مالي محاولة من الرئيس هولاند لتحسين صورته السلبية لاسيما ما يتعلق بعجزه عن اتخاذ إجراءات تنتشل الاقتصاد من وهدته، أو «لصرف الانتباه عن التحديات الاقتصادية الهائلة في البلاد» (صبرية بلند شودري، صحيفة ديلي تايمز الباكستانية، 17 كانون الثاني/يناير 2013). وبحسب صحيفة الوول ستريت جيرنل فإن تدهور الاقتصاد الفرنسي دفع البطالة إلى أعلى مستوياتها خلال أكثر من عقد طارداً أكثر من 10 في المئة من السكان القادرين خارج العمل. الحكومة تقدمت بمشروع لزيادة الضرائب بنسبة 75 في المئة على ذوي الأرباح الأعلى في البلاد، ولكنه ذهب أدراج الرياح بعد أن أبطلته المحكمة الدستورية العليا (15 كانون الثاني/يناير 2013). في أواخر العام الماضي خفضت مؤسسة موديز، وهي ثاني أكبر مؤسسات التصنيف الائتماني في العالم، تصنيف سندات الحكومة الفرنسية بمقدار درجة واحدة مبررة ذلك بـ «الخطر الذي يهدد النمو الاقتصادي والأوضاع المالية للحكومة» بسبب «المشكلات الاقتصادية الهيكلية التي تواجهها البلاد»، وتقلص قدرة اقتصادها على المنافسة عالمياً (الجزيرة نت، 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2011).

في يوم الأحد 13 كانون الثاني/يناير الجاري غصّت حديقة شان دي مارس بجوار برج إيفل في باريس بالاحتجاجات. قدّر المنظمون عدد المحتجين بـ 800 ألف، بينما وضعت الشرطة الرقم عند 340 ألفاً. لماذا؟ هل كانت المشكلة مالي؟لا..كانت مشروعاً تقدم به الرئيس هولاند لتشريع زواج الشاذين جنسياً، ومنح الزوجين الشاذين الحق في تبني أطفال (الغارديان، 13 كانون الثاني/يناير 2013).
ويبدو المجتمع الفرنسي منقسماً إزاء هذا المشروع الذي يصر هولاند على تسويقه تحت شعار «الزواج للجميع». 
الزعماء السياسيون عادة يفرون من الإخفاقات أو التحديات في ديارهم إلى خارج الحدود، ليواروا سوءاتهم، أو يمرروا برامجهم. يصعب ببساطة عزل الشأن الداخلي الفرنسي بتعقيداته عن مغامرة هولاند في مالي.

لكن السؤال الأهم: ما هي هوية الجماعات التي تقاتلها فرنسا في ذلك البلد؟ وماذا عن جمعها كلها تحت لافتة «الإرهاب»؟ 
الصحافي الأميركي باري لاندو انتقد الإصرار الفرنسي على وصم هذه الجماعات كلها بالإرهاب، والارتباط بالقاعدة، مضيفاً: «لا يوجد إدراك للحقيقة التي مؤداها أن معظم الجماعات المقاتلة المختلفة مدفوعة بطموحات عرقية ووطنية قوية، قد لا تختلف، عن طالبان في أفغانستان» (كاونتر بنش، 18-20 كانون الثاني/يناير 2013). الصحافي الإيرلندي باترك كوكبيرن قال في صحيفة الإندبندنت البريطانية إن شعار «الحرب على «الإرهاب» دفاع مغرٍ، لكنه ليس بهذه البساطة»، إذ «علينا أن نفهم التحالفات الغريبة في مالي لنكتشف الولاءات المعقدة المتصارعة». يؤكد كوكبيرن أن «التمرد القومي الطوارقي، وليس الإسلام المتشدد، هو في قلب الأزمة في مالي»، وأن الصراع بين الطوارق في الشمال، والحكومة في العاصمة المالية باماكو، انفجر وأصبح الآن دولياً، مضيفاً أنه بالرغم من «كل الخطابة الفرنسية حول تهديد جماعة القاعدة في المغرب الإسلامي لأوروبا، فإن الجماعة لم تشن أي هجوم خلال العقد الماضي، واهتمت فقط بمضاعفة أموالها من خلال أخذ رهائن وتهريب سجائر وكوكايين» (20 كانون الثاني/يناير 2013).

ينسى كثيرون أو يتناسون في غمرة هستيريا الدعاية أن الطوارق في شمال مالي (سنة مالكيون) عانوا طويلاً من التهميش والحرمان، وأن الحكومة المركزية نكثت مراراً وعودها لهم بتحسين أوضاعهم، وظلت تتهمهم بأنهم قطاع طرق وإرهابيون.
في السادس من نيسان (أبريل) 2012، أعلنت الحركة الوطنية لتحرير أزواد، إحدى أكبر فصائل الثوار الطوارق، إقامة دولة أزواد في الشمال (يعيش فيها 3 ملايين شخص من قبائل الطوارق والعرب، وتعادل مساحتها مساحة فرنسا وبلجيكا معاً).
برنامج (ديموكراسي ناو) الأميركي الشعبي، التقى بأميرة وودز، المديرة المشاركة لقسم «السياسة الخارجية تحت المجهر» في معهد دراسات السياسات في واشنطن، وسألها عن ما يجري في مالي، فقالت إن العلاقة بين ثوار شمال مالي والقاعدة «وحتى العلاقة مع القاعدة في المغرب الإسلامي هشة للغاية في أحسن أحوالها..ما لدينا هو تقارير واضحة تؤكد أن مختار بلمختار، القائد الذي هندس ذلك النوع من الاعتداء (في الجزائر) ليس مرتبطاً بالقاعدة في المغرب الإسلامي»، وتضيف: «لا يمكننا أن نرسم بفرشاة واسعة هذا الربط للقاعدة»، فالذين تقاتلهم فرنسا «هم المعارضون للفرنسيين، الذين حكموا المنطقة كولونيالياً لفترة طويلة، واستغلوا الفرصة الآن للتعبير عن مشاعرهم العاطفية ضد الفرنسيين والغرب؛ هم المهتمون بقضايا السيادة واستقلال منطقتهم..».

ماذا كان على فرنسا أن تفعل؟ تقول وودز إنه كان يجب «النظر إلى الأسباب الجذرية للأزمات والسعي إلى علاج بواعث القلق، لاسيما لدى الناس الذين يشعرون بالتهميش، والمجتمعات التي تملك موارد هائلة في أرضها ولكنها تعاني من عزلة اقتصادية وسياسية كاملة». وتدعو وودز إلى عدم مواجهة هؤلاء الناس «بالقنابل والهجمات العسكرية»، بل «بالنظر إلى الفرص الاقتصادية لأناس لم يحظوا بصوت لأمد طويل…ما نقوم به الآن هو استنبات أعداء أكثر، استنبات متطرفين أكثر، في كل منحنى» (18 كانون الثاني/يناير 2013).

في الصحافة السعودية السائدة لا تكاد تقرأ أو ترى إلا الدعاية الفرنسية، والأسطوانة المقرفة عن القاعدة والإرهاب: غياب للتفاصيل، للأوضاع المعقدة والمتشابكة للنزاع؛ افتقار إلى منظور حقيقي، مأساة تتوارى فيها صحافة الاستقصاء ويتسيّد فيها خطاب تهويشي ديماغوجي يصعب تفسيره خارج الضحالة، والعاطفة، والولاء للأجندات المعادية للإسلام.
الأمثلة تترى، من حديث شبيح قناة العربية، عبد الرحمن الراشد، عن «صغار مجانين يبذلون أرواحهم فداءً لقضايا كاذبة..(في مالي التي أصبحت) أرض معركة عالمية بعد أفغانستان»، إلى رفيقه البلطجي عبد الله بجاد الذي سخر من الذين يقرؤون «المشهد هناك تحت شعارات إسلاموية بالية طالما رفعها تنظيم القاعدة و»الإرهابيون إلا ربع» الموالون له من وراء ستار».
 هكذا ببساطة، يصبح من يحاول قراءة المشهد بحرية، بعيداً عن العنف الرمزي وتغول الدعاية، إرهابياً. لكن الجماهير لن تفقد بوصلتها؛ ستشق طريقها بين أسطورة الإرهاب، وبين بلطجية «المتصهينين وربع»!

الثلاثاء، 22 يناير 2013

أمركـة فرنسا


أمركـة فرنسا



شريف عبد العزيز الزهيري
 مشهد من الحروب الصليبية الأولى
كان لنجاح السلطان صلاح الدين الأيوبي في تحرير بيت المقدس سنة 583 هـ ، رجة كبرى في العالم المسيحي ، فقد هلك بابا روما جريجوري الثامن من هول الصدمة ، وتداعى ملوك أوروبا وأمراؤها وفرسانها وبتحريض مباشر من كرسي البابوية من أجل شن حملة صليبية ثالثة على العالم الإسلامي لاستعادة بيت المقدس ووقف الزحف الإسلامي الممتد على الكيانات الصليبية التي أنشأت عقب احتلال سواحل الشام على يد الحملة الصليبية الأولى ، وبالفعل استجاب ملوك فرنسا وألمانيا وانجلترا والمجر وقبرص والمدن الإيطالية وغيرهم كثير من أجل الاشتراك في هذه الحملة التي كانت أضخم حملة صليبية عرفتها أوروبا ، وكانت الحملة رسميا تحت قيادة ملك فرنسا التي كانت تعتبر دائما أكثر الدول الأوروبية مشاركة في الحروب الصليبية ضد المسلمين .
في أتون هذه الحملة المشتعلة وقع خلاف كبير بين ملك انجلترا " ريتشارد قلب الأسد " وملك فرنسا " فليب أوغسطس " بسبب شهرة ملك انجلترا وجراءته في القتال ، وحب الجنود له ، حتى أن قيادة الحملة انتقلت فعليا إلى ريتشارد على الرغم من كونها رسميا تحت قيادة فرنسا ، ناهيك على أن انجلترا كانت تعد لزمن طويل إقطاعا تابعا لفرنسا ، وعبثا حاول فليب استعادة قيادة الحملة وتحجيم ريتشارد ففشل ، وانتهت المنافسة بينهما إلى انسحاب فليب من الحملة بجنوده وكان انسحابه سببا مباشرا لفشل الحملة الضخمة على الشام .
فرنسا من دون الدول الأوربية تعتز بخصوصيتها الثقافية والتاريخية وهويتها القومية ، وهي من أكبر الدول الأوروبية مساحة وأكثرها سكانها ، وصاحبة السجل الأكبر واليد العليا في الحملات الاستعمارية في التاريخ المعاصر ، فلم يعلم دولة احتلت عددا من الدول أو مساحة من الأرض مثلما احتلت فرنسا ، فيكفي أن معظم القارة الأفريقية كانت مغتصبة فرنسيا لعشرات السنين ، وهذه الذاكرة الفرنسية المتخمة بمشاهد استعراض القوة والغطرسة والسيطرة على مساحات شاسعة من الأرض لم تنمح أبدا من هذه الذاكرة ، فهو حنين لم يغادر مخيلة قادة الإليزية أبدا .
ٍٍٍٍٍٍٍفعلى الرغم من أن هولاند قد جاء إلى حكم فرنسا بخلفية اشتراكية تنادي بترك التدخل في شئون الآخرين ، والاهتمام بالقضايا الداخلية ، وجاء على خلفية غضب المرشح الفرنسي من سياسات ساركوزي التي قزّمت فرنسا وجعلتها تابعا مطيعا لأمريكا ، على الرغم من ذلك كله إلا أن هولاند لم يستطع أن يخرج من رغبة فرنسا في استعادة الأمجاد وبناء الإمبراطورية من جديد ، وسرعان ما لحس وعوده ، وتحول من باراك أوباما إلى جورج بوش بتدخلات عسكرية سريعة في فترة وجيزة ، في الصومال وفي مالي ، ليؤكد من جديد على أن قادة فرنسا لهم أجندتهم الخاصة نحو بناء مكانة خاصة ومميزة بهم وسط الأوروبيين القانعين بلعب دور السنيد للبطل الأمريكي في مشاهد العصر . مما يدفعنا للتساؤل : هل انتقلت أيدلوجية المحافظين الجدد إلى فرنسا ؟
المحافظون الجدد تيار بدأ في الظهور في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات على يد مثقفين وكتّاب في أغلبهم يهود ، لم يكونوا على وفاق مع القيم التحررية التي سادت العالم الغربي وقتها ، وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء حقبة الحرب الباردة أصبحت هذه الأيدلوجية الأكثر رواجا وتأثيرا في السياسة الأمريكية ، وتعتبر هذه الأيدلوجية المرجعية الفكرية والحركية لمشروع القرن الأمريكي الجديد الذي جعل من أمريكا أكبر إمبريالية عرفها العصر الحديث . هذه الأيدلوجية لها عدة سمات هامة :
أولا : تعتبر القوة العسكرية هي كلمة الفصل في أي صراع ينشأ بين الأمم ، ومن ثم كان الإنفاق العسكري المتعاظم عاما بعد عام لتصل أمريكا لأكبر قوة عسكرية معاصرة .
ثانيا : معاداة الأفكار والسياسات التي تدعو إلى السلام العالمي أو التعاون الدولي ، لأنها حسب رؤية القائمين عليها تحد وتضعف من حرية أمريكا في التدخل في شئون الآخرين .
ثالثا : عدم الثقة بشكل تام في حلفاء أمريكا الأوروبيين ، ومعاداة الوطن العربي والعالم الإسلامي الذي يمثل خطرا مستمرا على أمريكا بسبب الثقافة والدين والقومية ، أما الكيان الغاصب لفلسطين فهو الشريك المطلق الذي يتفق مع أمريكا ثقافيا واستراتيجيا .
والناظر إلى السياسات الفرنسية منذ المشاركة في الهجوم على ليبيا سنة 2011 يتأكد أنها قد بدأت فعليا في اعتناق هذه الأيدلوجية الحربية ، فهولاند الاشتراكي الذي نجح بسبب جمهوريته وبساطته على ساركوزي المتغطرس ، تعرض لنكسة شعبية تمثلت في ارتفاع وتيرة السخط الداخلي نتيجة فشله في تحقيق وعوده الانتخابية ، وبهت بريقه سريعا ، لذلك كان خيار تفعيل أساليب المحافظين الجدد هو الخيار المفضل لهولاند المتداعية شعبيته ، والإعلام الفرنسي الباحث عن قائد يحي آمال الإمبراطوريات البائدة هلل للعملية ، وتبنّى الخطاب الرسمي والرئاسي، فـ«شرعن» الهجمات ورفض إطلاق أي صفة «استعمارية» عليها، وسلاحه في ذلك: قرار أممي مؤيد، وطلب النجدة من الرئيس المالي وترحيب من الماليين ودعم غالبٍية الأحزاب في الداخل الفرنسي ،وبعض الصحف والقنوات التلفزيونية الرسمية أتقنت في الأيام الأخيرة فنّ الدعاية الحربية على الطريقة الأميركية أيضاً، فهلّلت لانتصارات باكرة وقدّست حرباً غير مصوّرة ينفذها جنود أبطال ضد الإرهابيين الأشرار ، وتجاهلت نشر صور قائد الكومندز الفرنسي المقتول في الصومال ، وتصريحات من عينة " ساحلستان " على غرار أفغانستان ظهرت على الصفحات الأولى ، في ممارسات صحفية لبلد يتغنى أهله بأنه بلد الحرية والعدل .
منذ بدء الألفية الثالثة وأمريكا تلعب دور شرطي العالم الذي يعربد في أي بقعة في العالم اعتمادا على قوة عسكرية كاسحة ، وفرنسا بدورها تحاول أن تلعب دور نفس الدور ولكن على المستوى القاري ،ونعني طبعا القارة الأفريقية ، فشرطي القارة السمراء اعتمادا على نفوذه القديم في شمال وغرب ووسط أفريقيا ، وعلاقاته المتميزة مع قادة دول المنطقة ، والجاليات الفرنسية الكبيرة المقيمة في هذه الدول ، والمصالح والروابط الاقتصادية المتينة معها ، وقبل ذلك كله عقلية استعمارية مقيتة ، وخليط نتن من الاستعلاء العنصري والحقد الديني والهوس القومي ، كلها أمور جعلت فرنسا تتمسك بلقب شرطي القارة في مواجهة غير معلنة مع شرطي العالم " أمريكا " .
ولكن هذه الحرب الصليبية الجديدة على مالي المسلمة لن تحقق لفرنسا هدفها المرجو ، بل على الأغلب ستطيح بهذا النظام وهذه الحكومة كما حدث في الستينيات أيام حرب السنغال ، وستكون هذه الحرب الدينية الصريحة بسبب الدفعة القوية التي ستأتي للمجاهدين في كل مكان ، وستضخ دماء جديدة في شرايين التنظيمات الجهادية ، وسيرتفع الشعور الديني والقومي لدى العرب والمسلمين في كل مكان ، وستتعرض مصالح فرنسا وأمن مواطنيها للخطر في كل مكان ، ولعل ما حدث في أمناس بالجزائر ، ولو طال أمد الحرب الفرنسية في مالي المسلمة أكثر من ثلاثة شهور فستبلع رمال مالي العسكرية الفرنسية ، وستكون صحراءها القاحلة مقبرة لطموحات هولاند الصليبي وأيدلوجيته الجديدة . 

الأربعاء، 16 يناير 2013

محمد الفاتح فاتح القسطنطينية


محمد الفاتح فاتح القسطنطينية

 

الشاب البطل الصالح محمد الفاتح:
 

هذه صفحات وجيزة عن قائد من أروع قادة الحضارة الإسلامية في القرون الخمسة الأخيرة، إن لم يكن –بحق- هو أعظمهم.
كان شابًّا بُعيد العشرين بقليل.. وكان مسلمًا قبل أن يكون عثمانيًّا.. وكان قد تسلّم قيادة أعظم إمبراطورية إسلامية تقف وحدها مدافعة عن المسلمين بعد سقوط الأندلس، وبعد انهيار خلافة العباسيين.. وبعد أن تداعت آيلة للسقوط دولة المماليك، أبطال موقعة عين جالوت، التي صدّوا فيها الغارة التتارية سنة (658هـ).
وحمل العثمانيون الراية بعد تداعي هذه القوى (أيوبية، وعباسية، ومماليك) فَصَدّوا أوربا، التي كانت قد زحفت على شمال إفريقية (تونس والجزائر ومراكش) بعد سقوط غرناطة سنة (897هـ/ 1492م).
فكان ظهور العثمانيين إنقاذًا من الله للعالم الإسلامي.
***
محمد الفاتح هو السلطان محمد الثاني بن مراد الثاني (855هـ - 1451م)، وهو السلطان السابع في سلسلة آل عثمان، يُلقَّب بالفاتح، وبأبي الخيرات، وقد حكم نحو ثلاثين سنة، كانت خيرًا وبركة على المسلمين.
وتولى حكم الخلافة العثمانية في (16محرم 855هـ - 18 فبراير عام 1451م)، وعمره (22 سنة)، وكان الفاتح شخصية فذَّة، جمعت بين القوة والعدل[1].
وكان (الفاتح) محبًّا للعلماء، يقربهم لمجالسه، وقد تعلم منهم بعض الأحاديث النبوية، التي تثني على فاتح القسطنطينية، ومن ذلك قول رسول الله : "لتفتحن القسطنطينية على يد رجل، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش"[2]. ولهذا كان الفاتح يطمح في أن يكون هو المقصود بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم[3].
تربية محمد الفاتح:
ولقد أثمرت تربية العلماء له حب الإسلام والإيمان، والعمل بالقرآن وسنة سيد الأنام ؛ ولذلك نشأ على حب الالتزام بالشريعة الإسلامية، واتصف بالتُّقى والورع، وكان محبًّا للعلم والعلماء، ومشجعًا على نشر العلوم.
لقد تأثر محمد الفاتح بالعلماء الأفاضل ممن يخالف الأمر السلطاني إذا وجد به مخالفة للشرع، ويخاطبه باسمه، ومن الطبيعي أن يتخرج من تحت يد هؤلاء أناس عظماء كمحمد الفاتح، وأن يكون الفاتح مسلمًا مؤمنًا ملتزمًا بحدود الشريعة، مقيدًا بالأوامر والنواهي معظمًا لها، ومدافعًا عن إجراءات تطبيقها على نفسه أولاً، ثم على رعيته، تقيًّا صالحًا، يطلب الدعاء من العلماء العاملين الصالحين.
وكان الفاتح يميل لدراسة كتب التاريخ، وقد سار على المنهج الذي سار عليه أجداده في الفتوحات؛ ولهذا برز بعد توليه السلطة في الدولة العثمانية بقيامه بإعادة تنظيم إدارات الدولة المختلفة، واهتم كثيرًا بالأمور المالية؛ فعمل على تحديد موارد الدولة، وطرق الصرف منها بشكل يمنع الإسراف والبذخ، أو الترف. وكذلك ركز على تطوير كتائب الجيش، وأعاد تنظيمها، ووضع سجلات خاصة بالجند، وزاد من مرتباتهم، وأمدهم بأحدث الأسلحة المتوفرة في ذلك العصر، وعمل على تطوير إدارة الأقاليم، وأقر بعض الولاة السابقين في أقاليمهم، وعزل من ظهر منه تقصير أو إهمال، وطوَّر البلاط السلطاني، وأمدهم بالخبرات الإدارية والعسكرية الجيدة؛ مما أسهم في استقرار الدولة، والتقدم إلى الأمام.
ولم يكتف السلطان محمد بذلك، بل إنه عمل بجد؛ من أجل أن يتوِّج انتصاراته بفتح القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، والمعقل الاستراتيجي المهم للتحركات الصليبية ضد العالم الإسلامي لفترة طويلة من الزمن، والتي طالما اعتزت بها الإمبراطورية البيزنطية بصورة خاصة والمسيحية بصورة عامة، ومن أجل جعلها عاصمة للدولة العثمانية[4].
الإعداد لفتح القسطنطينية:
 

لقد بذل السلطان (محمد الفاتح) جهودًا خارقة في مجال التخطيط لفتح القسطنطينية، كما بذل جهودًا كبيرة في دعم الجيش العثماني بالقوى البشرية، حتى وصل تعداده إلى قرابة ربع مليون مجاهد. وهو عدد كبير إذا قُورن بجيوش الدول في تلك الفترة، كما عنى بتدريب تلك الجموع على فنون القتال المختلفة، وبمختلف أنواع الأسلحة، التي تؤهلهم للجهاد المنتظر. كما اعتنى الفاتح بإعدادهم إعدادًا معنويًّا قويًّا، وغرس روح الجهاد فيهم، وتذكيرهم بثناء الرسول  على الجيش الذي يفتح القسطنطينية، وعسى أن يكونوا هم هذا الجيش المقصود بذلك.
وفي الناحية التكتيكية العسكرية بدأ الفاتح خطوة عملية كبيرة حين صمم على إقامة قلعة (روملي حصار) في الجانب الأوربي على مضيق البسفور في أضيق نقطة منه مقابل القلعة التي أسست في عهد السلطان (بايزيد) في البر الآسيوي.
وقد حاول الإمبراطور البيزنطي إثناء السلطان الفاتح عن عزمه في بناء القلعة مقابل التزامات مالية تعهَّد بها، إلا أن الفاتح أصر على البناء؛ لما يعلمه من أهمية عسكرية لهذا الموقع، حتى اكتملت قلعة عالية ومحصنة، وصل ارتفاعها إلى (82م)، وأصبحت القلعتان متقابلتين، ولا يفصل بينهما سوى (660م) تتحكمان في عبور السفن من شرقي البسفور إلى غربيه، وتستطيع نيران مدافعهما منع أي سفينة من الوصول إلى القسطنطينية من المناطق التي تقع شرقها مثل مملكة طرابزون، وغيرها من الأماكن التي تستطيع دعم المدينة عند الحاجة[5].
كما اعتنى السلطان بتطوير الأسلحة اللازمة لهذه العملية المقبلة، ومن أهمها المدافع، التي أخذت اهتمامًا خاصًّا منه؛ حيث أحضر مهندسًا مجريًّا يُدعى (أوربان) كان بارعًا في صناعة المدافع، فأحسن استقباله، ووفَّر له جميع الإمكانيات المالية والمادية والبشرية، وقد تمكن هذا المهندس من تصميم وتنفيذ العديد من المدافع الضخمة، كان على رأسها المدفع السلطاني المشهور، والذي ذكر أن وزنه كان يصل إلى مئات الأطنان، وأنه يحتاج إلى مئات الثيران القوية لتحريكه.
كما أعطى الفاتح عناية خاصة بالأسطول العثماني؛ حيث عمل على تقويته، وتزويده بالسفن المختلفة ليكون مؤهلاً للقيام بدوره في الهجوم على القسطنطينية، وهي مدينة بحرية لا يكمل حصارها دون وجود قوة بحرية تقوم بهذه المهمة، وقد ذُكر أن السفن التي أعدت لهذا الأمر بلغت أكثر من أربعمائة سفينة[6].
الزحف نحو القسطنطينية:

 

ثم زحف السلطان (محمد الفاتح) على القسطنطينية فوصلها في (26ربيع الأول 857هـ - السادس من إبريل سنة 1453م)، فحاصرها من البر بمائتين وخمسين ألف مقاتل، ومن البحر بأربعمائة وعشرين شراعًا، فوقع الرعب في قلوب أهل المدينة؛ إذ لم يكن عندهم من الحامية إلا خمسة آلاف مقاتل، معظمهم من الأجانب، وبقي الحصار (53 يومًا)، لم ينفك العثمانيون أثناءها عن إطلاق القنابل[7].
ومن الخطوات القوية التي قام بها الفاتح، قيامه بتمهيد الطريق بين أدرنة والقسطنطينية؛ لكي تكون صالحة لجرِّ المدافع العملاقة خلالها إلى القسطنطينية، وقد تحركت المدافع من أدرنة إلى قرب القسطنطينية في مدة شهرين؛ حيث تمت حمايتها بقسم من الجيش حتى وصلت الأجناد العثمانية يقودها الفاتح بنفسه إلى مشارف القسطنطينية، فجمع الجند، وكانوا قرابة مائتين وخمسين ألف جندي، فخطب فيهم خطبًا قوية حثهم فيها على الجهاد، وطلب النصر أو الشهادة، وذكّرهم فيها بالتضحية، وصدق القتال عند اللقاء، وقرأ عليهم الآيات القرآنية التي تحثُّ على ذلك، كما ذكر لهم الأحاديث النبوية التي تبشِّر بفتح القسطنطينية، وفضل الجيش الفاتح لها وأميره، وما في فتحها من عزٍّ للإسلام والمسلمين. وقد بادر الجيش بالتهليل والتكبير والدعاء، وكان العلماء ينبثون في صفوف الجيش مقاتلين ومجاهدين معهم؛ مما أثر في رفع معنوياتهم، حتى كان كل جندي ينتظر القتال بفارغ الصبر؛ ليؤدي ما عليه من واجب.
ومن ثَمَّ قام السلطان (محمد الفاتح) بتوزيع جيشه البريّ أمام الأسوار الخارجية للمدينة، مشكِّلاً ثلاثة أقسام رئيسية تمكنت من إحكام الحصار البري حول مختلف الجهات، كما أقام الفاتح جيوشًا احتياطية خلف الجيوش الرئيسية، وعمل على نصب المدافع أمام الأسوار، ومن أهمها المدفع السلطاني العملاق، الذي أقيم أمام باب طوب قابي. كما وضع فرقًا للمراقبة في مختلف المواقع المرتفعة والقريبة من المدينة، وقد انتشرت السفن العثمانية في المياه المحيطة بالمدينة، إلا أنها في البداية عجزت عن الوصول إلى القرن الذهبي؛ حيث كانت السلسلة العملاقة تمنع أي سفينة من دخوله، بل وتحطم كل سفينة تحاول الاقتراب.
وكان هذا القرن الذهبي وسلسلته هو التحدي أمام العثمانيين، فالحصار بالتالي لا يزال ناقصًا ببقاء مضيق القرن الذهبي في أيدي البحرية البيزنطية، ومع ذلك فإن الهجوم العثماني كان مستمرًّا دون هوادة؛ حيث أبدى جنود الإنكشارية شجاعة عجيبة وبسالة نادرة، فكانوا يُقدِمون على الموت دون خوف في أعقاب كل قصف مدفعي. وفي يوم (18 إبريل) تمكنت المدافع العثمانية من فتح ثغرة في الأسوار البيزنطية عند وادي ليكوس في الجزء الغربي من الأسوار، فاندفع إليها الجنود العثمانيون بكل بسالة محاولين اقتحام المدينة من الثغرة، كما حاولوا اقتحام الأسوار الأخرى بالسلالم التي ألقوها عليها، ولكن المدافعين عن المدينة بقيادة جستنيان استماتوا في الدفاع عن الثغرة والأسوار، واشتد القتال بين الطرفين دون جدوى.
مشكلة السلسلة حول القسطنطينية والتغلب عليها:
لكن الله ألهم السلطان الفاتح إلى طريقة يستطيع بها إدخال سفنه إلى القرن الذهبي دون الدخول في قتال مع البحرية البيزنطية متجاوزًا السلسلة التي تغلق ذلك القرن، وهذه الطريقة تتمثل في جرِّ السفن العثمانية على اليابسة حتى تتجاوز السلسلة التي تغلق المضيق والدفاعات الأخرى، ثم إنزالها مرة أخرى إلى البحر. وقد درس الفاتح وخبراؤه العسكريون هذا الأمر، وعرفوا ما يحتاجونه من أدوات لتنفيذه، والطريق البرية التي ستسلكها السفن، والتي قدرت بثلاثة أميال. وبعد دراسة دقيقة ومتأنية للخطة اطمأنَّ الفاتح للفكرة، ولقي التشجيع من المختصين لتنفيذها، وبدأ العمل بصمتٍ على تسوية الطريق وتجهيزها، دون أن يعلم البيزنطيون الهدف من ذلك، كما جمعت كميات كبيرة من الأخشاب والزيوت.
وبعد إكمال المعدات اللازمة أمر الفاتح في مساء يوم (21 إبريل) بإشغال البيزنطيين في القرن الذهبي بمحاولات العبور من خلال السلسلة، فتجمعت القوات البيزنطية منشغلة بذلك عما يجري في الجهة الأخرى؛ حيث تابع السلطان مدَّ الأخشاب على الطريق الذي كان قد سوِّي، ثم دهنت تلك الأخشاب بالزيوت، وجرت السفن من البسفور إلى البرّ؛ حيث سحبت على تلك الأخشاب المدهونة بالزيت مسافة ثلاثة أميال، حتى وصلت إلى نقطة آمنة فأنزلت في القرن الذهبي، وتمكن العثمانيون في تلك الليلة من سحب أكثر من سبعين سفينة وإنزالها في القرن الذهبي على حين غفلة من العدو، بطريقٍ لم يُسبَق إليها السلطان الفاتح في التاريخ كله قبل ذلك.
وقد كان القائد (محمد الفاتح) يشرف بنفسه على العملية التي جرت في الليل بعيدًا عن أنظار العدو ومراقبته. وفي صباح (22 إبريل) استيقظ أهل المدينة على صيحات العثمانيين وأصواتهم يرفعون التكبير والأناشيد التركية في القرن الذهبي، وفوجئوا بالسفن العثمانية وهي تسيطر على ذلك المعبر المائي، ولم يعد هناك حاجز مائي بين المدافعين عن القسطنطينية وبين الجنود العثمانيين.
طرق مبتكرة لاقتحام القسطنطينية:
وقد لجأ العثمانيون في المراحل المتقدمة من الحصار إلى طريقة جديدة ومبتكرة في محاولة دخول المدينة؛ حيث عملوا على حفر أنفاق تحت الأرض من أماكن مختلفة إلى داخل المدينة، التي سمع سكانها في (16 مايو) ضربات شديدة تحت الأرض أخذت تقترب من داخل المدينة بالتدريج، فأسرع الإمبراطور بنفسه ومعه قُوَّاده ومستشاروه إلى ناحية الصوت، وأدركوا أن العثمانيين يقومون بحفر أنفاق تحت الأرض[8].
وإلى جانب ذلك لجأ العثمانيون إلى طريقة جديدة في محاولة الاقتحام، وذلك بأن صنعوا قلعة خشبية ضخمة متحركة تتكون من ثلاثة أدوار، وبارتفاع أعلى من الأسوار، وقد كسيت بالدروع والجلود المبللة بالماء لتمنع عنها النيران، وشحنت تلك القلعة بالرجال في كل دور من أدوارها، وكان الذين في الدور العلوي من الرماة يقذفون بالنبال كل من يطل برأسه من فوق الأسوار.
وقد عمد السلطان (الفاتح) إلى تكثيف الهجوم، وخصوصًا القصف المدفعي على المدينة في ظل سيطرته البحرية الكاملة، حتى إن المدفع السلطاني الضخم انفجر من كثرة الاستخدام، وقتل المشغّلين له، وعلى رأسهم المهندس المجري (أوربان)، الذي تولى الإشراف على تصميم المدفع. ومع ذلك فقد وجَّه السلطان بإجراء عمليات تبريد للمدافع بزيت الزيتون، وقد نجح الفنيون في ذلك، وواصلت المدافع قصفها للمدينة مرة أخرى، بل تمكنت من توجيه القذائف بحيث تسقط وسط المدينة، إضافةً إلى ضربها للأسوار والقلاع.
وفي يوم الأحد (18جمادى الأولى/ 27 من مايو) وجَّه السلطان الجنود إلى الخشوع، وتطهير النفوس، والتقرب إلى الله تعالى بالصلاة، وعموم الطاعات والتذلل، والدعاء بين يديه؛ لعل الله أن ييسر لهم الفتح. وانتشر هذا الأمر بين عامة الجند المسلمين، كما قام الفاتح بنفسه ذلك اليوم بتفقد أسوار المدينة، ومعرفة آخر أحوالها، وما وصلت إليه، وأوضاع المدافعين عنها في النقاط المختلفة، وحدَّد مواقع معينة يتم فيها تركيز القصف المدفعي.
وفي ليلة (29 مايو) نزلت بعض الأمطار على المدينة وما حولها، فاستبشر بها المسلمون خيرًا، وذكّرهم العلماء بمثيلتها يوم بدر، أما الروم فقد طمعوا أن تشتد الأمطار فتعرقل المسلمين، ولكن هذا لم يحدث، فقد كان المطر هادئًا ورفيقًا.
وعند الساعة الواحدة صباحًا من يوم الثلاثاء 20 جمادى الأولى 857 هـ/ 29 مايو 1453م بدأ الهجوم العام على المدينة بعد أن أعطيت إشارة البدء للجنود، فعلت أصوات الجند المسلمين بالتكبير وهم منطلقون نحو الأسوار، وفزع أهل القسطنطينية وأخذوا يدقون نواقيس الكنائس، وهرب إليها كثير من الناس، وكان الهجوم العثماني متزامنًا بريًّا وبحريًّا في وقت واحد حسب خطة دقيقة رسمت سابقًا، وطلب كثير من المجاهدين الشهادة، ونالها أعداد كبيرة منهم بكل شجاعة وتضحية وإقدام، وكان الهجوم موزعًا في العديد من المناطق، ولكنه مركَّز بالدرجة الأولى في منطقة وادي ليكوس بقيادة السلطان (الفاتح) نفسه.
جيش الفاتح يقتحم القسطنطينية:
ومع ظهور نور الصباح في يوم 30 مايو 1453م أضحى المهاجمون يتمكنون من تحديد مواقع العدو بدقة أكثر، وأخذوا في مضاعفة الجهد في الهجوم؛ مما جعل الإمبراطور قسطنطين يتولى شخصيًّا مهمة الدفاع في تلك النقطة، يشاركه في ذلك جستنيان الجنويّ أحد القادة المشهورين في الدفاع عن المدينة.
وقد واصل العثمانيون ضغطهم في جانب آخر من المدينة؛ حيث تمكن المهاجمون من ناحية باب أدرنة من اقتحام الأسوار والاستيلاء على بعض الأبراج، والقضاء على المدافعين فيها، ورفع الأعلام العثمانية عليها، وتدفق الجنود العثمانيون نحو المدينة من تلك المنطقة. ولما رأى الإمبراطور البيزنطي الأعلام العثمانية ترفرف على الأبراج الشمالية للمدينة، أيقن بعدم جدوى الدفاع، وخلع ملابسه حتى لا يُعرف، ونزل عن حصانه، وقاتل حتى هلك في ساحة المعركة. وكان لانتشار خبر موته دور كبير في زيادة حماس المجاهدين العثمانيين وسقوط عزائم البيزنطيين؛ حيث تمكنت بقية الجيوش العثمانية من دخول المدينة من مناطق مختلفة، وفر المدافعون بعد انتهاء قيادتهم. وهكذا تمكن المسلمون من الاستيلاء على المدينة.
ولم تأت ظهيرة ذلك اليوم الثلاثاء 20 جمادى الأولى 875هـ/ 29 من مايو 1453م، إلا والسلطان (الفاتح) في وسط المدينة يحف به جنده وقواده وهم يرددون: ما شاء الله! فالتفت إليهم وقال: لقد أصبحتم فاتحي القسطنطينية، الذين أخبر عنهم رسول الله ، وهنأهم بالنصر، ونهاهم عن القتل، وأمرهم بالرفق بالناس، والإحسان إليهم. ثم ترجل عن فرسه، وسجد لله على الأرض شكرًا وحمدًا وتواضعًا، ثم قام وتوجه إلى كنيسة (آيا صوفيا)، وقد اجتمع بها خلقٌ كبير من الناس ومعهم القسس والرهبان، الذين كانوا يتلون عليهم صلواتهم وأدعيتهم، فلما اقترب من أبوابها خاف النصارى داخلها ووجلوا وجلاً عظيمًا، وقام أحد الرهبان بفتح الأبواب له، فطلب من الراهب تهدئة الناس وطمأنتهم والعودة إلى بيوتهم بأمان، فاطمأن الناس، وكان بعض الرهبان مختبئين في سراديب الكنيسة، فلما رأوا تسامح (الفاتح) وعفوه، خرجوا وأعلنوا إسلامهم[9].
وقد أعطى السلطان للنصارى حرية إقامة الشعائر الدينية، واختيار رؤسائهم الدينيين، الذين لهم حق الحكم في القضايا المدنية، كما أعطى هذا الحق لرجال الكنيسة في الأقاليم الأخرى.
***
وهكذا نجح (محمد الفاتح) بعمل أسطوري يكاد يكون عملاً خارقًا.. وباعتمادٍ كامل على الله، وبعزيمة لا تعرف اليأس، وإصرار عجيب على أن يكون هو المقصود بحديث الرسول محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، الذي يخبر فيه عن فاتح القسطنطينية بأنه (نِعْم الأمير)، وبأن الجيش الذي يفتحها (نِعْم الجيش).
وكان (محمد الفاتح) إنسانًا رحيمًا بكل معنى الكلمة، لكن أوربا التي تشوِّه كل رموز الإسلام، وتنسى لهم كل حسناتهم، لدرجة أن القائد (اللنبي) الذي دخل دمشق في الحرب العالمية الثانية، ذهب إلى قبر صلاح الدين، وَرَكَله بقدمه، وهو يقول: (لقد عُدْنا يا صلاح الدين).
فهل يستحق صلاح الدين هذا من هؤلاء المجرمين، وهو الذي قدَّم لهم صفحة من أروع صفحات الرحمة بعد انتصاره الحاسم، ودخوله القدس؟!
وأين ما فعله صلاح الدين بما فعلوه هم، عندما دخلوها قبل (90 سنة)؟!
وهكذا أيضًا تقوَّلُوا على (محمد الفاتح)، لكن التاريخ شاهد على إنسانيته الرائعة في لحظة الانتصار (الكاسح).. لقد كان مسلمًا مثاليًّا في حربه وسلمه .
د. عبد الحليم عويس
[1] د. علي الصلابي: الدولة العثمانية ص101 بتصرف، (المعرفة - بيروت).

[2] مسند الإمام أحمد.
[3] عبد العزيز العمري: الفتوح الإسلامية عبر العصور ص358 بتصرف، (إشبيليا - الرياض).
[4] د. علي الصلابي: الدولة العثمانية عوامل السقوط والنهوض ص101، 102 بتصرف.
[5] انظر: محمد فريد: تاريخ الدولة العلية ص161، وعبد العزيز العمري: الفتوح الإسلامية عبر العصور ص359، 360، والصلابي: الدولة العثمانية ص106 وما بعدها.
[6] العمري : الفتوح الإسلامية عبر العصور ص361 بتصرف.
[7] مصر والعالم سنة صدور العام المائة، ص314، 315، (الهلال - مصر).
[8] عبد العزيز العمري: الفتوح الإسلامية عبر العصور ص364-372 بتصرف.
[9] العمري : المرجع السابق ص373 وما بعدها بتصرف، وانظر: الصلابي: الدولة العثمانية ص124وما بعدها بتصرف.

الاثنين، 14 يناير 2013

فى مواجهة حلف السفارة الأمريكية

فى مواجهة حلف السفارة الأمريكية


بقلم: عامر عبد المنعم
واضح أن غياب قضية الاستقلال عن أمريكا والخلاص من الهيمنة الغربية وراء هذه الفوضى التي نراها على الساحة السياسية.
إن تعمد الكثير من القوى السياسية استبعاد الاستقلال كأساس لأي تحالف أو توافق سياسي هو الذي جعل الأحزاب في حالة عداء مع بعضها البعض، والابتعاد عن العدو الحقيقي.
غياب فكرة التحرر من الهيمنة أو تغييبها يأتي بسبب ارتباط معظم السياسيين الجدد بالسفارة الأمريكية والوقوع في أسر الأمركة.
بعض السياسيين تسيطر عليهم ذات الفكرة التي سيطرت على الرئيس المخلوع وكانت سببًا في نهاية حكمه وهي أن رضا أمريكا شرطٌ ضروريُ للوصول إلى السلطة، ولكي ترضى أمريكا فالباب هو استرضاء اليهود الأمريكيين ثم تطورت الفكرة الشيطانية إلى استرضاء إسرائيل.
هذه الفكرة العقيمة يبدو أنها مازالت تسيطر على بعض السياسيين النائمين الذين لم يستيقظوا حتى الآن رغم التغييرات الاستراتيجية التي حدثت في العالم منذ سبتمبر 2001.
فأمريكا كدولة إمبراطورية انتهت بعد تحطيم جيشها وجيوش الغرب في العراق وأفغانستان، وبسبب هذه الحروب ضد المسلمين إنهار الاقتصاد الأمريكي والاقتصادات الأوروبية.
أمريكا الآن مجرد دولة قوية مثلها مثل فرنسا وبريطانيا وانتهى حلم الإمبراطورية الأمريكية الذي توهموه في بداية الألفية، ولن تقدر الولايات المتحدة على الدخول في مغامرات عسكرية جديدة بعد خسائرها الفادحة في أفقر دولتين إسلاميتين، ولم يعد معها الكثير من الأوراق التي تستخدمها في إرهابنا.
أمريكا لم تستطع مساعدة الكيان الصهيوني الذي هزم في غزة منذ أسابيع بعد أن امتلك الفلسطينيون الصواريخ التي حققت الردع الذي حرموا منه منذ احتلال فلسطين.
ولكن رغم تهاوى أمريكا عسكريًا واقتصاديًا فإن الدبلوماسية الأمريكية تعمل بنشاط، وتقوم السفيرة الأمريكية بجولات يومية للتواصل مع الأحزاب والمنظمات، وللأسف تجد تجاوبًا يجعل السفارة الأمريكية وكأنها هي التي تحكم مصر.
الدبلوماسيون الأمريكيون خرجوا على القوانين والأعراف الدولية وراحوا يرتبون اللقاءات والاجتماعات داخل مقر السفارة وفي مقار الأحزاب والمنظمات ومكاتب السياسيين، وتنظم السفارة الأمريكية – بشكل مباشر وغير مباشر- مؤتمرات وورش عمل، ودورات تدريبية، داخليًا وخارجيًا للتجنيد، ولجمع الفرقاء الذين أنشأت معهم علاقات لتكوين طبقة جديدة توافقت على الأرضية الأمريكية، وتلميعهم إعلاميًا من خلال الإعلام الممول أمريكيًا وصهيونيًا ويسيطر على الساحة الإعلامية المصرية.
وفي ضوء هذا المناخ الفاسد فإن السفيرة الأمريكية تمسك -بنسبة كبيرة- بخيوط اللعبة السياسية، وهي التي تحرك أحزابًا وقيادات سياسية كقطع الشطرنج وفقًا لما تخطط له المخابرات المركزية الأمريكية.
للأسف لقد نجحت السفارة الأمريكية في اختراق أحزاب وتجنيد سياسيين بدرجات متفاوتة.
وإن استمر هذا الوضع المخزي سنشهد حالات واسعة من التفكيك للكيانات والجبهات الوطنية وتفشيل للتحالفات الجادة لا يعلم الناس أسبابها، وأيضًا سنشهد إقامة تحالفات تضم كل المتناقضات لا يعرف الناس لها تفسيرًا.
مصر تحتاج إلى جيل جديد من السياسيين يتحمل المسئولية بوعي ويخرج من التقسيم الحالي الذي فرضته علينا أمريكا وأذنابها.
المعركة الآن ليست بين الإسلاميين والعلمانيين (فهم جزء صغير من الجبهة المعادية)، وليست بين الإسلاميين والقوميين رغم ما بينهم من خلافات.
إن المعركة الكبرى الآن بين الإسلاميين والوطنيين المطالبين بالاستقلال وبين الحلف الأمريكي الصهيوني والأحزاب والشخصيات المتحالفة معه.
فالتحالف والعمل الجبهوي الذي تنتظره مصر يجب أن يجمع دعاة الاستقلال ضد المشروع الأمريكي الصهيوني، ويستبعد المتعاونين والمتعاملين مع أمريكا وسفارتها.
مصر تحتاج إلى دعاة الاستقلال وبناء مصر الجديدة على الإسلام كأساس، وتبني نهضتها بالاعتماد على نفسها.
مصر تنتظر المشروع الإسلامي الذي ينهي هذه الفوضى، ويقطع علاقة التبعية لأمريكا، ويوظف الطاقات التي لم تستغل حتى الآن.
 

aamermon@alarabnews.com

الخميس، 10 يناير 2013

رجل أسمه ياسر الجندي


 رجل أسمه ياسر الجندي
في ذكرى ميلاد د. ياسر الجندي رحمه الله.
د. أيمن الجندي
تحتاج الطرقات إلى مصابيح إنارة ..وتحتاج الأمم لأبطال قوميين ..ونحتاج نحن – الأفراد العاديون – إلى مثل أعلى ينير لنا الدرب ويشحذ الهمم ويجعلنا نؤمن أن الحياة ليست مجرد بالوعة قاذورات تزحف فيها الحشرات في دبيب صامت..حشرات بشرية تطيع غرائزها البداية فتنهب وتفسد وتسرق ..
أقولها بصراحة : زهقت من قراءة صحف المعارضة من كثرة ما يتسرب إلى من روائح محزنة مقرفة..
ولوهلة قررت أن أفر من هذه العتمة ..أستروح ذكرى بطل .
دعوني أحكي لكم عن حياة رجل .

اسمه ياسر الجندي ..قوي كأسد مهاب ..حزين كغيمة شتائية ..جميل كصور المسيح الذي تفنن في رسم ملامحه فنانو العصور الوسطي .. عيناه خضراوتان كشجرة زيتون..
طفولته كانت عادية جدا ..طفل شقي يفيض بالحيوية ..يطارد القطط والسيارات ويتسلق الأشجار ويهشم النوافذ ولكن أحدا لا يجرؤ على معاقبة الطفل الجميل جدا ذي الابتسامة الساحرة الآسرة ..صباه أيضا لم يكن ينبئ بجوهره الثمين ..مجرد شاب جامعي يأخذ الأمور بجدية ويستميت في دراسة علومه الطبية ..ويحرص على العدالة والصدق ويرفض أي نوع من التمييز يمكن أن تتيحه له وظيفة أبيه القاضي الكبير..ثم كانت اللحظة الفاصلة في حياته عندما تخرج فى كلية الطب بتفوق وبدأ العمل كطبيب امتياز في المستشفى الجامعي ليظهر المعدن الأصيل في نفسه وروحه ، وليعيد اكتشاف نفسه من جديد.
فوجئ بالفقر المدقع والمرض المذل والضعف الباكي …فوجئبالإهمال والقسوة وإهدار قيمة الإنسان ..وكلنا نعرف كيف تدار هذه الأماكن مع مرضى فقراء لا حول لهم ولا قوة …وجد نفسه تذوب رقة وإشفاقا ..وجد رسالته وطريقه كما لم يجدها أي طبيب من قبل وسرعان ما كرس حياته كاملة لهذا العمل النبيل..
لم يكن طبيبا كأي طبيب ..حدث انقلابا شاملا تام في حياته ولم يعد يعنيه من هذا العالم سوى تخفيف ألام المرضى …وتفانى في العمل .. لا يذهب لبيته إلا ساعات قليلة ينام فيها كل بضعة أيام ..نسى راحته ونفسه وأثار حيرة كل من تصادف أن عمل معه بقدرته الأسطورية على قمع نفسه ..حتى في فترة التدريب (الامتياز) ظل أساتذته ( وحتى الآن ) يذكرون انه عمل في هذا المكان طبيب غير عادي لم يصادفوا له مثيلا في الإخلاص والجدية والمثابرة..
ثم تسلم بعدها عمله الجديد كطبيب مقيم في قسم أمراض النساء والتوليد وتحمل مسئولية شبه كاملة عن مريضاته ..تفانى في عمله حتى انه قضى فترة الطبيب المقيم لا ينام لحظة واحدة في النوتبجية التي تمتد ليومين أو ثلاثة أيام لأنه كان يشعر بالمسئولية ويؤمن أنه لو نام لحظة فمن حق الكل أن ينام ..يتبرع بدمه في حالة وجود أي مريضة نازفة لدرجة تبرعه بالدم خمسة عشر مرة في عام واحد ولم يكن – كطبيب - غافلا أنه يؤذي نفسه ولكن صوابه كان يطيش لحظة أن يرى مريضة نازفة توشك على الموت …في ليلة واحدة وهو في قمة الإرهاق من العمل تبرع بدمه مرتين متتاليتين ..فأبي جسده أن يحمله وانهار رغم المقاومة .
وكان بذله للمال لا يوصف ..كل ميراثه عن آبيه وراتبه في رحلة العمر تحول لشراء أدوية الفقراء ..وبات يحرم على نفسه الطعام الجيد أو الرفاهية ..
لمدة عشرين عاما لم يذهب يوما لمصيف أو يتنزه ..إن مشاهد الفقر والمرض والضعف تعذبه ولم يكن ليحترم نفسه لو انه تساهل لحظة ..تحول العنبر المسئول عنه فى مستشفى الفقراء المجانى إلى جنة صغيرة على حسابه الشخصي فابتاع له كل الرفاهيات من ماله ومضى في طريقه يضئ ليل الآخرين المعذب كنجم هادي ..
………………………..
كان من أصحاب الفكرة الواحدة ولم تكن له أي حياة سوى مع مريضاته والمراجع الطبية ..كان عالما في مجاله ، تبحر وتعمق في تخصصه فلم يكن لديه شاغل غيره على مدىرحلة العمر ..وهدفه محدد : تقديم خدمة أفضل مؤمنا أن الطبيب – كالقاضي - يجب ألا يأخذ أجره إلا من ربه وإلا فقد نزاهته ، لذلك فهو لم يفتتح عيادة خاصة قط في حياته ولا دخل جيبه قرشا واحدا من مريضة بل كان يعطي – صحته وحياته وماله - بلا حدود ..تتحول كل مريضة إلى قضيته الخاصة التي تشغل باله ليلا ونهارا حتى يتم الله شفاءها أو يتولاها الله برحمته إذا كان ميئوسا من علاجها ..
كان مشغولا باستمرار ولذلك لم يكن ممكنا أن يستدرجه أحد للحديث عن نفسه أو يدلي بآرائه في السياسة أو يتحدث عن الكرة ..لم يكن يقبل أن يضيع لحظة واحدة في غير العلم والعمل به..كان يعرف هدفه ويسلك أقصر الطرق إليه دون أن يسمح لشيء بتشتيت انتباهه ..لم يكن يملك سيارة لأنه لا يريد أن يحمل هم امتلاك شيء وسيارات الأجرة تكفيه..وعزف عن الزواج والإنجاب ..وفهمه للدين كان مميزا: خدمة الآخرين والقيام بعمله على خير وجه ممكن …
………………….. .
المدهش والمثير للحيرة أن هذا الرجل النبيل قد حورب وأوذي كثيرا جدا ؟ كان هذا عجيبا حقا ..إنسان متجرد بهذا الشكل ليست له أي مطامع ..رفض أن يفتح عملا خاصا به ..يرفض النميمة والشللية ..ولا تهمه الترقية الوظيفية وغير مستعد للدخول في مناقشات سياسية أو اجتماعية ..إنسان لا تنفك أساريره الجادة العابسة إلا مع مريضاته البائسات ..يقضي معهن أوقات فراغه القليلة متربعا بجوارهن على السرير المعدني الرخيص الأبيض مستمعا إلى مشاكلهن البسيطة ويذوب رقة وضعفا إذا بكت إحداهن ..ببساطة إنسان خارج المنافسة البشرية بكامل
أليس عجيبا أن تحدث شبة عملية صيد آدمية له ؟
كيف ولماذا ؟
هل يكون السبب أنه تحول بالنسبة للنفوس الصغيرة المتكالبة إلى دليل إدانة مستمر ومرهق؟ ..هل كان يؤذيهم أن يروا صغار نفوسهم بجواره ؟ الله أعلم .
لكن الشيء المؤكد أنه كان يقف صامتا مقهورا لا يعرف كيف يرد على من يؤذيه وينتقص من قدره ويتهمه بالخبل والمبالغة..ثم ينصرف في أدب لأداء عمله .
ولذلك لم يكن عجيبا أن ينزلق في هاوية الاكتئاب والإجهاد الجسدي والروحي بعد ركض ما يزيد عن عشرين عاما منذ تخرجه .. ولكنه كان يرد على نصائح من يحبونه – وهم كثر - بالصمت فقط.

………………….

ولله تعالى حكمته التي لا يملك لها المؤمن سوى الإذعان ..لقد تعرض هذا الرجل النبيل لابتلاءات عديدة ..فمرة اكتشف وهو في عريض الطريق ضياع ملف مريضة فطاش صوابه وعاد أدراجه دون أن يفكر في النظر أمامه لتصدمه سيارة مسرعة ويقضي شهورا عديدة يعاني العجز والألم ..ومرات يتحرش به بعض الأشقياء وهو في طريق عودته متأخرا من المستشفى ..ومرة يسير في الطريق ليتصادف انتحار فتاة أمامه ليتناثر مخها أشلاء على قدميه ومرات يتعرض لصنوف من الاضطهاد من بعض أساتذته..
هكذا مرت أيامه ولياليه ..جنديا في معركة مستمرة دون زواج أو أبناء أو ترفيه حتى ضاعت نضارة الشباب وبدأت الكهولة المعذبة ,,وارتسمت ملامح العذاب والاكتئاب والمرض الجسدي على وجه الفارس النبيل ليلزم الصمت تماما وتبدأ رحلة العزلة فلم يعد أي شعاع نور في حياته سوى حبه لأطفال العائلة وتكريس أوقات فراغه القليلة لهم .
………………………………….
ثم جاء ذلك الصباح الحزين ..الأول من نوفمبر عام 2003
تأخر استيقاظه عن المعتاد ففتحوا الباب عليه فوجدوه منكفئا على وجهه في غيبوبة كاملة .. نزيف بالغ في المخ وظل في غيبوبته أسبوعا كاملا حتى فاضت روحه الكريمة بعد أسبوع وقت صلاة الجمعة في شهر رمضان المبارك.
في هذا الأسبوع حدث الكثير..
تذكر الكثيرون – بعد فوات الأوان - أنهم ظلموه ولم ينصفوه وهو حي ..
تذكروا وقتها فقط أنه كان يحيا بينهم رجل لم يطمع في دنياهم وبرغم ذلك شاركوا في قذفه بالحجارة أو صمتوا على إيذائه .
في أيام غيبوبته السبعة حل سلام روحي عجيب على ملامحه المتعبة ..وكأن كل أيام عذابه الماضية لم تحدث أبدا .. إن الألم مهما كان عظيما فانه ينتهي - حين ينتهي - ويبقى الأجر إن شاء الله ..
كان جميلا وقد نفض الغبار عن ملامحه المتعبة وعاد إلى رونقه وكأن المعركة لم تحدث أصلا.. أحسست بشكل ما وكأن كل ألام حياته لم تحدث على الإطلاق وأنا أراه في اكتمال رجولته يشع نورا وبهاء في سلامه المنعزل العميق .بعيدا عن هذا العالم الذي آذاه ، هو الذي لم يكن يريد منه شيئا..
ورحت أفكر كم من رجل من هذا الطراز يحيا بيننا دون أن نشعر به؟..
رجل يؤدي واجبه في الحياة على قدر الاستطاعة ..يؤديه في أسرته وفي عمله وبين أقاربه ..المعدن الأصيل للشعب المصري الذي لم ينفرط عقده -بفضل هؤلاء وحدهم - رغم هجمة الفساد المنظمة ؟ ..كميوجد بيننا في تلك اللحظة رجل شريف يعاني من الفاسدين دون أن يفكر أحدنا في إنصافه حتى إذا مات : قلنا خسارة ، رجل لن يعوض ، ورحنا نلوم أنفسنا وننصره في خيالنا بعد أن لم يعد لنصرتنا أي قيمة . لأنه ببساطة ذهب إلى من لا يضيع عنده الأجر ولا يخفى عليه التعب ولا ينسى مكافأة المجتهد .

اقرأ ايضا
فى ذكرى أخى    



………………………….

مات ياسر الجندي وبموته نقص الجمال في الأرض.. وذهب رجل فهم الدين على معناه الصحيح وسط كل هذا الضجيج حولنا ، فهم الدين أنه عمل باخلاص وليس كلاما أجوف ..ولذلك فقد بذل نفسه كاملة من اجل المرضى.. رحمه الله رحمة واسعة و ألحقنا به فى الصالحين.

الأربعاء، 9 يناير 2013

جوتيوب/تريقة جامدة اوي ...علي العلمانية و الليبرالية

جوتيوب

الفيديو الذي تم حذفه من اليوتيوب

 منافس باسم يوسف الجديد 

تريقة جامدة اوي ...علي العلمانية و الليبرالية

الثلاثاء، 1 يناير 2013

الأنظمة السياسية من خلال المشهد العالمي بلطجة منظمة

المشهد العالمي من خلال الأنظمة - بقلم : مروة كريدية - أخبار العرب





المشهد العالمي من خلال الأنظمة السياسية السائدة 



مروة كريدية / كاتبة لبنانية 



لطالما حاولت أن أتجرد عن انتماءاتي عند النظر الى المشهد الثقافي والسياسي والاقتصادي في العالم ، ولست من هواة جلد الذات " المجتمعية "، ولا مؤسساتها وإداراتها، ولا ممن يَتحرَّى الأخطاء بهدف عرضِها لمجرد الانتقاد....


ولكن إذا حاولنا استعراض بانوراما الثقافة السياسية ،على امتداد العقود الأربعة المنصرمة نجد أن فكر "التخوين " يطغى على الخطاب السياسي ، حيث يمنح الإنسان "القرن الواحد والعشرين " نفسه حق محاكمة "الآخر" ونفيه وتشريده ، وهذا ينسحب على كافة الشرائح المجتمعية دون استثناء.....

فغالبًا يجد من هم في موقع " السلطة "مهما كانت، المسوغات لمحاكمة من هو في الموقع "الآخر", بحيث يوضع هذا "الآخر "في قاعة تدريس أو محكمة أو زنزانة سجن، بهدف التأديب والمحاكمة والتربية ..... 


والسبب الرئيسي الذي يكمن وراء هذه الخطابات "التخوينية " والسجالات "الاتهامية"، هو إحلال الأشخاص محلَّ العلاقات، وإبدال المسؤوليات محلَّ الأسباب، والأغراض محلَّ الشروط والإمكانيات المتاحة للفاعلين. ومن هنا انتشار "نظرية المؤامرة" في الثقافة السياسية الحديثة .


"فنظرية المؤامرة" هي إضفاء نزعة شخصانية بحيث يكون هناك "أشخاص معنويين " في المُخيِّلة يُتَصوَّر من خلالهم أنَّهم أعداء ، يُهددون "الأنا المجتمعي ", وبالتالي تعمل هذه الأنوية على الاستنفار والمواجهة.


فالعالم العربي يحفل بالمصطلحات والرموز التي تُصوّره على انه مُستهدف ، لذلك نجد انتشار مصطلحات ذات دلالات : "الهوية القومية"، "الغرب " ، وعودة "الحروب الصليبية "....


وبالطرف المقابل نجد أن الإدارة الغربية بمجملها طرحت العديد من المصطلحات منها "الإرهاب " و"محور الشر " و"الديموقراطية " و"السيادة " ....




هذه المصطلحات في الغالب يتمّ إضفاء الطابع "الشخصي" و"النفسي" عليها، والخطورة الحقيقية تكمن في إضفاء الطابع "الإيديولوجي " والعقائدي عليها بحيث تُصبح "دوغمائية مؤدلجة ", ذلك أن الخاصية الرئيسية لثقافة المحاكمة هي "التصنيم" من جهة وتأليه "الإيديولوجية " من جهة أخرى.




فالإدارة الاميريكية جعلت من "الإرهاب " صَنَمًا يَجِب أن يُرجم وأَلَّهَتْ ما سَمَّته "مكافحة الإرهاب" و"الديموقراطية على طريقتها طبعًا .....وأعطت لنفسها الحق في محاكمة من تُسول له نفسه أن يقف في وجه "مشروعها الخيري الكبير" .....


فهي تنظر الى بعض "الدول " على أنها "مُصَدّرة للإرهاب ", وأنها "محورًا "للشرور " وتنظر الى أن هناك "مؤامرة" يحيكها "إرهابيون " ضدَّ "الإنسانية " بزعمها، وتُقدم نفسها أنّها هي الوحيدة والفريدة "الواهبة للحرية " المانحة "للسلام".....

وأنها هي المثال الذي على بقية شعوب الكون أن تحتذيه إن لم يكن باللين فلا بأس من خوض الحروب تحت "شعارات فاضلة " ضد عدو "مُتَخَيَّل " من أجل هذا "المشروع الخيري الضخم "....


وأمام هذا المشهد ، يبدو العالم مكوَّنًا من ذوات "متنافرة " مُغرِضَة، لا من علاقات وتقاطعات عارضة, وتُنَصْبِ حواجز وسياج عالي بين الذوات في العالم.



فنظرية المؤامرة هي المفهوم الشخصاني للعالم: فالغرب شخص يقابله الشرق شخص، أمريكا شخص، اليهود شخص، الأصولية شخص والإسلام شخص .....

من هنا كذلك انتشار نمط عقلية "الضد ", والتفكير "ضد" فلان ، بدلاً من التفكير في أنَّ الموضوع كذا والفعل "ضد" بدلاً من الفعل المُتروَّى فيه؛ أي في بساطة، شيوع سلوك ردِّ الفعل.



هذا كله على صعيد العلاقات الخارجية، أما على الصعيد الداخلي، فبعض السلطات في الأنظمة الشمولية ، تنظر الى مواطنيها المعارضون لها على أنَّهم فئة خارجة عن القانون والنظام يجب تأديبهم، وهي استمدت سلطتها من انتخابات" شكلية" بنتائج "خيالية"، تحت أنظمة طوارئ الدائمة ، هذه النُّظُم السياسية تُعاقب شعوبَها وتقمعها كثيرًا وتهينها ،و تعمل على ان تَحُول بين الشعوب وبين النضج والوعي وتُبقيها في طور الطفولة الحضارية .

كما أن الفرد في هذا الشارع المقموع ، ينظر الى رؤسائه على أنهم "خَوَنَة " لقضياه " وهمومه ومشاكله ، وأنهم عملاء لِشَخص معنوي "هو "الغرب " وان هم من يُشَّرعُون "المشروع " الاميركي ويسوقونه "

ويصبح الخطاب السياسي" سلطوي " داخليّا على الشعوب "ضعيف "خارجيًّا و ممتثل لأوامر "سياسات "الإدارات الكبرى ".


هذا هو المشهد في تكنولوجيا السلطة الرعوية حيث يطغى "مفهوم الراعي والقطيع"، واعتماد الدولة الرعوية على علاقة فردية أخلاقية لا علاقة قانونية ، ويتحول الخطاب الإيديولوجي، الى راية حرب ، وتكون العلاقة بين المُخَاطِب والمُخَاطَََب علاقة أمر ونهي والجواب الوحيد المقبول هو الامتثال والقبول و انتشار " العنف" الذي يترعرع في أحضان التسلط و"البلطجة ".....



وتصبح المعادلة للأنظمة الُمتعددة على الشكل التالي :

أنظمة تمارس "التسامح " مع رعاياها ومواطنيها فقط وتمارس " البلطجة " خارجيًّا بحق " الدول الأخرى فتفرض ما تفرض بالعصا....

أنظمة تمارس "القمع " و"البلطجة " بحق مواطنيها "الاكارم " بالمقابل فهي تطيع و تمتثل لإرادة "السياسات الخارجية " التي تفرضها القوى " الأقوى "في العالم....

أنظمة تمارس البلطجة داخليا على شعوبها وخارجيًّا على الدول المجاورة الضعيفة .... 

أنظمة إنسانية حقيقية متسامحة داخليًّا وخارجيا, تنظر للإنسان على انَّه فَرد محترم له "حقوق ", تحترم اختياره ورأيه وترتكز تربية الفرد فيها على حريّة الاختيار وعملية صنع القرار, كما تنطلق في علاقتها الدولية من رؤية عالمية كونية فترحب بالحضارات والإبداع والجمال أينما كان ..

مروة كريدية 



Marwa_kreidieh@yahoo.fr